المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السؤال السادسهل مذهب السلف أسلم، ومذهب الخلف أحكم وأعلم - الكلمات الحسان في بيان علو الرحمن

[عبد الهادي بن حسن وهبي]

فهرس الكتاب

- ‌المُقَدِِّّمَةُ

- ‌أَدِلَّةُ عُلُوِّ اللَّهِ عَلَى العَرْشِ

- ‌التَّصريحُ بالفوقيَّةِ مقرونًا بأداة «مِنْ» المعيِّنةِ للفوقيَّةِ بالذَّاتِ

- ‌ذِكْرُها مُجَرَّدَةً عَنِ الأداةِ

- ‌التَّصريحُ بالعروجِ إليهِ سبحانه وتعالى

- ‌التَّصْرِيحُ بالصُّعودِ إليهِ سبحانه وتعالى

- ‌التَّصْرِيحُ برفعهِ بعضَ المخلوقاتِ إليهِ سبحانه وتعالى

- ‌التَّصْرِيحُ بالعلوِّ المطلقِ الدَّالِّ على جميعِ مراتبِ العلوِّ، ذاتًا وقَدْرًا وقَهْرًا

- ‌التَّصريحُ بتنزيلِ الكتابِ منهُ سبحانه وتعالى

- ‌التَّصْرِيحُ باختصاصِ بعضِ المخلوقاتِ بأنَّهَا عندهُ، وأنَّ بعضَها أقربُ إليهِ منْ بعضٍ

- ‌التَّصريحُ بأنَّهُ تعالى في السَّماءِ

- ‌شهادَتُهُ صلى الله عليه وسلم التي هيَ أصدقُ شهادةٍ عند اللهِ وملائكتِهِ وجميعِ المؤمنينَ لمنْ قالَ: «إنَّ ربَّهُ في السَّماءِ» بالإيمانِ

- ‌الإشارةُ إليه سبحانه وتعالى حسًّا إلى العلوِّ

- ‌التَّصرِيحُ برَفْعِ الأيدي والأبصارِ إليه سبحانه وتعالى

- ‌النُّصوصُ الدَّالةُ على رؤيةِ أهلِ الجنَّةِ لهُ تعالى مِنَ الكتابِ والسنَّةِ

- ‌التصريحُ بنزوله سبحانه وتعالى كلَّ ليلةٍ إلى السَّماءِ الدنيا

- ‌إخبارُهُ صلى الله عليه وسلم أنَّه تردَّد بينَ موسى عليه السلام وبينَ ربِّه ليلةَ المعراجِ بسببِ الصَّلاةِ

- ‌النُّصوصُ الواردةُ فِي ذكرِ العرشِ وصفتهِ وإضافتهِ غالبًا إِلَى خالقهِ تبارك وتعالى وأنَّه تَعَالَى فوقهُ

- ‌إخبارهُ تعالى عنْ فرعونَ أنَّهُ رامَ الصُّعودَ إلى السَّمَاء ليطِّلع إلى إله موسى، فيكذِّبهُ فيما أخبرهُ منْ أنَّهُ سبحانهُ فوقَ السَّماوات

- ‌تنزيهُ اللهِ سبحانه وتعالى نفسَهُ عن موجبِ النُّقصانِ، وعمَّا يوجبُ التمثيلَ والتشبيهَ

- ‌مِنَ البراهين الدَّالَّةِ على علوِّ الله على خلقهِ واستوائهِ على عرشهِ الدليلُ العظيمُ والبرهانُ القاطعُ

- ‌أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي العُلُوِّ وَالْفَوْقِيَّةِ

- ‌1 - حُمَيدُ بنُ ثوَرٍ

- ‌2 - ابنُ عَبّاسٍ

- ‌3 - زينبُ بنتُ جَحْشٍ

- ‌4 - ابنُ مَسْعُودٍ

- ‌5 - عَائِشَةُ

- ‌6 - أَبو ذَرٍّ

- ‌7 - ابنُ عُمَرَ

- ‌8 - مَسروقٌ

- ‌9 - أيوبُ السُّخْتِيَانِيُّ

- ‌10 - سليمان التِّيميُّ

- ‌11 - مقاتلُ بنُ حِيَّانَ (قبل150ه

- ‌12 - الأَوزاعيُّ (157ه

- ‌13 - سفيانُ الثوريُّ عالمُ زمانهِ (161ه

- ‌14 - مالك إمام دار الهجرة (179ه

- ‌15 - حمَّادُ بنُ زيدٍ البصريّ (179ه

- ‌16 - عبدُ الله بنُ المباركِ، شيخُ الإسلامِ (181ه

- ‌17 - جرير الضبيُّ، محدِّث الري (188ه

- ‌18 - عبدُ الرحمنِ بنُ مهدي (198ه

- ‌19 - أبو معاذ البلخي الفقيه (199ه

- ‌20 - منصورُ بن عمار (200ه

- ‌21 - الإمامُ الشافعيُّ (204ه

- ‌22 - يزيدُ بنُ هارونَ الواسطيُّ (206ه

- ‌23 - سعيدُ بن عامر الضبعيُّ عالِمُ البصرة (208ه

- ‌24 - عبدُ الله بن أبي جعفر الرازيُّ

- ‌25 - القعنبيُّ (221ه

- ‌26 - عاصمُ بن علي شيخ البخاري (221ه

- ‌27 - هشام بن عبيد الله الرَّازيُّ (221ه

- ‌28 - بِشْر الحافي، زاهدُ العصرِ (227ه

- ‌29 - محمدُ بن مصعب العابدُ: شيخُ بغداد (228ه

- ‌30 - نُعَيمُ بن حمَّاد الخزاعيُّ الحافظ (228ه

- ‌31 - أبو عبد الله بن الأعرابي، لغوي زمانه (231ه

- ‌32 - أبو معمر القطيعي (236ه

- ‌33 - إسحاق بن راهويه عالم خراسان (238ه

- ‌34 - قُتَيْبَةُ بنُ سعيدٍ: شيخُ خراسانَ (240ه

- ‌35 - أحمدُ بن حنبل شيخُ الإسلام (241ه

- ‌36 - الإمام الربانيُّ محمدُ بن أسلم الطوسيُّ (242ه

- ‌37 - الحارثُ بن أسد المحاسبيُّ (243ه

- ‌39 - خَشَيْشُ بن أصرم (253ه

- ‌41 - إسماعيل بن يحيى المزنيُّ (264ه

- ‌42 - أبو زُرعة الرازيُّ (264ه

- ‌43 - أبو حَاتِمٍ الرازيُّ (277ه

- ‌44 - حَرْب الكَرْمَانِيُّ (280ه

- ‌45 - ابنُ قُتَيْبَةَ (276ه

- ‌46 - أبو عيسى الترمذيُّ (279ه

- ‌47 - عثمانُ بنُ سعيد الدّارِمِيُّ الحافظُ (280ه

- ‌48 - ثَعْلَب إمامُ العربية (291ه

- ‌49 - أبو مُسْلِمٍ الكجيُّ الحافظُ (292ه

- ‌50 - عَمْرُو بنُ عثمانَ المكيُّ (297ه

- ‌51 - ابنُ أبي شَيْبَةَ (297ه

- ‌52 - زكريا السَّاجيُّ (307ه

- ‌53 - محمدُ بن جرير الطبريُّ (310ه

- ‌54 - ابنُ الأخرم (311ه

- ‌55 - إمام الأئمة ابنُ خُزَيْمَةَ (311ه

- ‌56 - نِفْطَوَيْه شيخُ العربية (323ه

- ‌57 - أبو الحسن الأشعريُّ (324ه

- ‌58 - البَرْبَهَارِيُّ (329ه

- ‌59 - الوزير عليُّ بنُ عيسى (334ه

- ‌60 - العلَّامة أبو بكر الضِّبْعِيُّ (342ه

- ‌61 - ابنُ شعبان (355ه

- ‌62 - الإمام أبو بكر الآجُرِّيُّ (360ه

- ‌63 - الحافظُ أبو الشيخ (369ه

- ‌64 - العلاّمة أبو بكر الإسماعيليُّ (371ه

- ‌65 - أبو الحسن بنُ مهدي المتكلِّمُ (380ه

- ‌66 - ابنُ بطَّة (387ه

- ‌67 - ابنُ أبي زيدٍ (386ه

- ‌68 - ابنُ مَنْدَه (395ه

- ‌69 - ابنُ أبي زمْنِين (399ه

- ‌70 - القَصّابُ (400ه

- ‌71 - ابنُ الباقلانيُّ (403ه

- ‌72 - ابنُ موهب (406ه

- ‌73 - مَعْمَرُ بنُ زيادٍ (418ه

- ‌74 - أبو القاسم اللَالكَائِيُّ (418ه

- ‌75 - السُّلطانُ (421ه

- ‌76 - يحيى بنُ عمَّارٍ (422ه

- ‌77 - القادرُ بالله أميرُ المؤمنين (422ه

- ‌78 - أبو عمر الطلمنكيُّ (429ه

- ‌79 - أبو نُعيم الأصبهانيُّ (430ه

- ‌80 - عبدُ الله بن يوسف الجوينيُّ (438ه

- ‌81 - أبو عَمْرٍو الدّانِيُّ (440ه

- ‌82 - عليُّ بنُ عمر الحربيُّ (442ه

- ‌83 - أبو عثمانَ الصابونيُّ (449ه

- ‌84 - أبو نَصْرٍ السجزيُّ (444ه

- ‌85 - القاضي أبو يعلى (458ه

- ‌86 - البيهقيُّ (458ه

- ‌87 - ابنُ عبد البر (463ه

- ‌89 - سعدٌ الزنجانيُّ (471ه

- ‌90 - إمامُ الحرمَيْنِ (478ه

- ‌91 - شيخُ الإسلام الهرويُّ (481ه

- ‌93 - الفقيهُ نَصْر المقدسيُّ (490ه

- ‌94 - ابن الحدَّاد (517ه

- ‌95 - أبو الحسن بنُ الزاغونيِّ (527ه

- ‌96 - الحسنُ الكرجيُّ (532ه

- ‌98 - عديُّ بنُ مسافر الأمويُّ الهكاريُّ (555ه

- ‌99 - العلامةُ يحيى بنُ أبي الخير العمرانُّي (558ه

- ‌100 - الشيخُ عبدُ القادر (562ه

- ‌101 - ابنُ رشد المالكيُّ (595ه

- ‌102 - المقدسيُّ (600ه

- ‌103 - القرطبيُّ (677ه

- ‌105 - العلاّمةُ الشَّوكانِيُّ (1255ه

- ‌الدَّلِيلُ مِنَ الفِطْرَةِ

- ‌هل نَجْزِمُ بِإِثْبَاتِ العُلُوِّ على العَرْشِ، أو نُفَوِّضُ

- ‌شُبُهَاتٌ والرَّدُّ عَلَيْهَا

- ‌الشُّبْهَةُ الأولىيستلزمُ منْ إثباتِ الفوقيَّةِ لله تعالى أنْ يكونَ في مكانٍ وحيِّزٍ وجهةٍ

- ‌الشُّبْهَةُ الثَّانِيَةُلو كانَ الخالقُ فوقَ العرشِ لكانَ حاملُ العرشِ حاملًا لمنْ فوقَ العرشِ فيلزمْ احتياجُ الخالقِ إلى المخلوقِ

- ‌الشُّبْهَةُ الثَّالِثَةُلَوْ كانَ اللهُ فِي السَّمَاءِ لكانَ محصورًا

- ‌الشُّبْهَةُ الرَّابِعَةُقال الرازيُّ: العالمُ كُرَةٌ…فلو كانَ الله في جهةِ فوق لكانَ أسفلَ بالنِّسبةِ إلى سكَّانِ الوجهِ الآخر

- ‌الشُّبْهَةُ الخَامِسَةُلو كانَ مَوْصُوفًا بالعُلُوِّ لكانَ جسمًا، ولو كانَ جسمًا لكان مماثلًا لِسَائِرِ الأَجْسَامِ، واللهُ قد نَفَى عنه المِثْلَ

- ‌الشُّبْهَةُ السَّادِسَةُلو كانَ الله فوقَ العرشِ للزمَ إمَّا أنْ يكونَ أكبرَ مِنَ العرشِ أو أصغرَ أو مساويًا وكلُّ ذلكَ مِنَ المحالِ

- ‌الشُّبْهَةُ الحَادِيَةُ عَشْرَةَلوْ كانَ تعالى فوقَ العرشِ لما صحَّ القولُ بأنَّهُ تعالى قريبٌ منْ عبادهِ

- ‌الردُّ على منِ ادَّعى المجازَ بالفوقيَّةِ بفوقيَّةِ القَدْرِ والرُّتْبَةِ

- ‌الرَّدُّ عَلى مَنْ تَأَوَّلَ الاسْتِوَاءَ بالاسْتِيلاءِ

- ‌الرَدُّ عَلَى مَنْ تَأَوَّلَ نُزُولَ الله عَلَى غَيْرِ مَعْنَاهُ الحَقِّ

- ‌الشُّبهاتُ الواردةُ على صفَّةِ النزولِ

- ‌أَسْئِلَةٌ مُهِمَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِحَدِيثِ النُّزُولِ

- ‌السؤالُ الأوَّلُ:هل نقولُ ينزلُ بذاتهِ

- ‌السؤال الثاني:كيفَ نجمعُ بينَ قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «تفتحُ أبوابُ السّمَاءِ نصفَ الليلِ، فينادي منادٍ: هلْ منْ داعٍ فيستجابُ لهُ؟ هلْ منْ سائلٍ فيُعطى؟ هلْ منْ مكروبٍ فيفرَّج عنهُ؟ فلا يبقى مسلمٌ يدعو بدعوةٍ إلَّا استجابَ اللهُ تعالى لهُ

- ‌السؤالُ الثالثُ:كيفَ نجمعُ بين علوِّ الله على العرشِ ونزولهِ إلى السَّماءِ الدُّنيا

- ‌السؤالُ الرابعُ:ما يستفادُ مِنْ حديثِ النزولِ

- ‌أَسْئِلَةٌ وأَجْوِبَتُهَا

- ‌السؤالُ الرابعُما معنى قول السَّلفِ: أمِرُّوهَا كما جاءتْ بلا كيفٍ

- ‌السؤالُ الخامسُكيف استوى على العرش

- ‌السؤالُ السادسُهل مذهبُ السَّلفِ أسلمُ، ومذهبُ الخلفِ أحكمُ وأعلمُ

- ‌السؤالُ الثامنُهل آياتُ الصِّفاتِ مِنَ المتشابَه

- ‌كَلَامٌ نَفِيسٌ لِشَيْخِ الإِسْلَامِ في العُلُوِّ والفَوْقِيَّةِ

- ‌أَثَرُ الإِيْمَانِ بِعُلُوِّ الرَّحْمَنِ

- ‌الخَاتِمَةُ

الفصل: ‌السؤال السادسهل مذهب السلف أسلم، ومذهب الخلف أحكم وأعلم

‌السؤالُ السادسُ

هل مذهبُ السَّلفِ أسلمُ، ومذهبُ الخلفِ أحكمُ وأعلمُ

؟

شاعَ عندَ المتأخرينَ مِنَ المتكلِّمينَ: أنَّ طريقةَ السَّلفِ أسلمُ، وأنَّ طريقةَ الخلفِ أحكمُ، وهذا ليس بمستقيمٍ؛ لأنَّه ظنَّ أنَّ طريقةَ السَّلفِ مجرَّدُ الإيمانِ بألفاظِ القرآنِ والحديثِ منْ غير فقهٍ في ذلكَ، وأنَّ طريقةَ الخلفِ هي استخراجُ معاني النُّصوصِ المصروفةِ عنْ حقائقها بأنواعِ المجازاتِ.

فجمعَ هذا القائلُ بينَ الجهلِ بطريقةِ السَّلفِ، والدَّعوى في طريقةِ الخلفِ.

ثمَّ هذا القولُ إذا تدبَّرهُ الإنسانُ وجدَهُ في غايةِ الجهالةِ؛ بلْ في غايةِ الضَّلالة.

أليسَ هذا صريحًا: أنَّ السَّلفَ كانوا ضالِّينَ عَنِ التوحيدِ والتنزيهِ وعَلِمَهُ المتأخرونَ؟! وهذا فاسدٌ بضرورةِ العلمِ الصحيحِ والدينِ المتينِ

فيصفونَ إخوانهم بالفضيلةِ في العلمِ والبيانِ، والتحقيقِ والعرفانِ، والسَّلفَ بالنَّقصِ في ذلكَ والتقصيرِ فيهِ، أو الخطأ والجهلِ.

ولا ريبَ أنَّ هذا وإنْ لمْ يكنْ تكفيرًا للسَّلفِ، ولا تفسيقًا لهم، كان تجهيلًا لهم وتخطئةً وتضليلًا، ونسبةً لهم إلى الذنوبِ والمعاصي، وإنْ لم يكنْ فسقًا فزعمًا: أنَّ أهلَ القرونِ المفضولة في الشَّريعةِ أعلمُ وأفضلُ منْ أهلِ القرونِ الفاضلةِ.

ومِنَ المعلومِ بالضَّرورةِ لمنْ تدبَّرَ الكتابَ والسنَّةَ، وما اتَّفقَ عليهِ أهلُ السنَّةِ والجماعةِ منْ جميعِ الطوائفِ: أنَّ خيرَ قرونِ هذهِ الأمَّةِ - في الأعمالِ والأقوالِ، والاعتقادِ وغيرهَا منْ كلِّ فضيلةٍ أنَّ خيرَها -: القرنُ الأوَّلُ، ثمَّ الذين يلونهم، ثمَّ الذين يلونهم، كما ثبتَ ذلكَ عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم منْ غيرِ وجهٍ، وأنَّهم أفضلُ مِنَ الخلفِ في كلِّ فضيلةٍ: منْ علمٍ وعملٍ وإيمانٍ وعقلٍ ودينٍ وبيانٍ وعبادةٍ، وأنَّهم أولى بالبيانِ لكلِّ مُشْكِلٍ. هذا لا يدفعهُ إلَّا منْ كابرَ المعلومَ بالضَّرورةِ منْ دينِ الاسلامِ، وأضلَّهُ الله على علمٍ.

ص: 331

هذا وقدْ قال صلى الله عليه وسلم: «لا يأتي عليكم زمانٌ إلَّا الذي بعدهُ شرٌّ منهُ، حتَّى تلقوا ربَّكم» (1). فكيفَ يحدثُ لنا زمانٌ فيهِ الخيرُ في أعظمِ المعلوماتِ وهو معرفةُ الله تعالى؟ هذا لا يكونُ أبدًا.

وما أحسن ما قالَ الشافعيُّ رحمه الله في رسالتهِ: «هم فوقنا في كلِّ علمٍ وعقلٍ ودينٍ وفضلٍ، وكلِّ سببٍ يُنالُ به علمٌ أو يدركُ به هدًى، ورأيهم لنا خيرٌ منْ رأينا لأنفسنا» (2).

وقالَ العلَّامةُ الشنقيطيُّ رحمه الله: قولهم: «إنَّ مذهبَ السَّلفِ أسلمُ، ومذهبَ الخلفِ أحكمُ وأعلمُ» فنقول:

أوَّلًا: وصفوا مذهبَ السَّلفِ بأنَّهُ أسلمُ، وهي صيغةُ تفضيلٍ مِنَ السَّلامةِ (3) ومَا كانَ يفوقُ غيرهُ ويفضلهُ في السَّلامةِ فلا شكَّ أنَّهُ أعلمُ منهُ وأحكمُ.

ثانيًا: اعلموا أنَّ المؤولينَ ينطبقُ عليهم بيتُ الشافعيِّ رحمه الله:

رَامَ نَفْعًا فَضَرَّ مِنْ غَيرِ قَصْدٍ

ومِنَ البِرِّ ما يَكُونُ عُقُوقًا

وإيضاحُ المقارنةِ: أنَّ منْ كانَ على معتقدِ السَّلفِ الصَّالحِ إذا سَمِعِ مثلًا قولَهُ تعالى: {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] امتلأ قلبهُ مِنَ الإجلالِ والتَّعظيمِ والإكبارِ لصفةِ ربِّ العالمينَ التي مَدَحَ بها نفسَهُ وأثنى عليهِ بهَا، فجزمَ بأنَّ تلكَ الصِّفةِ التي تمدَّحَ بهَا خالقُ السمواتِ والأرضِ بالغةٌ مِنْ غاياتِ الكمالِ والجلالِ ما يقطعُ علائقَ أوهامِ المشابهةِ بينهَا وبينَ صفاتِ الخلقِ.

(1) رواه البخاري (7068).

(2)

مجموع الفتاوى (4/ 158).

(3)

والسلامةُ لا يعدلها شيءٌ وهي منْ أعظمِ الغاياتِ التي يطلبهَا المسلمُ لدينهِ وعرضهِ ومالهِ، وما سواها هو التعرُّض للهلاكِ والبوارِ.

ص: 332

وبإجلالِ تلكَ الصِّفةِ وتعظيمهَا وحملهَا على أشرفِ المعاني اللائقةِ بكمالِ منْ وَصَفَ بهَا نفسَهُ وجلالهُ، يسهلُ على المؤمنِ السَّلفيِّ أنْ يؤمنَ بتلكَ الصِّفةِ، ويثبتها لله كمَا أثبتهَا الله لنفسهِ على أساسِ التنزيهِ.

فيكونُ أوّلًا: منزِّهًا سالمًا منْ أقذارِ التَّشبيهِ.

وثانيًا: مؤمنًا بالصِّفاتِ، مصدِّقًا بها، على أساسِ التَّنزيهِ. فيكونُ سالمًا منْ أقذارِ التَّعطيلِ.

فيجمعُ بينَ التَّنزيهِ والإيمانِ بالصِّفاتِ على نحو {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].

فمعتقدهُ طريقُ سلامةٍ محقَّقةٍ؛ لأنَّهُ مبنيٌّ على ما تضمنتهُ آيةُ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] الآية، مِنَ التَّنزيهِ، والإيمانِ بالصِّفاتِ.

فهوَ تنزيهٌ منْ غيرِ تعطيلٍ، وإيمانٌ منْ غيرِ تشبيهٍ ولا تمثيلٍ.

وكلُ هذا طريقُ سلامةٍ محقَّقةٍ، وعملٌ بالقرآنِ. فهذا هوَ مذهبُ السَّلفِ.

وأمَّا ما يسمُّونهُ مذهبُ الخلفِ فالحاملُ لهم فيهِ على نفيِ الصِّفاتِ وتأويلها: هو قصدهم تنزيهُ الله عنْ مشابهةِ الخلقِ.

ولكنَّهمْ في محاولتهم لهذا التنزيهِ وقعوا في ثلاثِ بلايا، ليستْ واحدةً منها إلَّا وهي أكبرُ منْ أختها:

الأولى: منْ هذهِ البلايا الثلاث: أنَّهم إذا سمعوا قولَ الله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [يونس: 3] زعموا أنَّ ظاهرَ الاستواءِ في الآيةِ هو مشابهةُ استواءِ المخلوقينَ. فتهجَّموا على ما وصفَ اللهُ بهِ نفسَهُ في محكمِ كتابهِ، وادَّعوا عليهِ أنَّ ظاهرَهُ المتبادر منهُ هو التَّشبيهُ بالمخلوقينَ في استوائهم.

فكأنَّهم يقولونَ لله: هذا الاستواءُ الذي أثنيتَ بهِ على نفسكَ في سبع آياتٍ منْ كتابكَ ظاهرهُ قذرٌ نجسٌ لا يليقُ بكَ لأنَّهُ تشبيهٌ بالمخلوقينَ، ولَا شيءَ مِنَ الكلامِ أقذرُ وأنجسُ منْ تشبيهِ الخالقِ بخلقِه! سبحانكَ هذا بهتانٌ عظيمٌ!

ص: 333

وهذهِ هي البَلِيَّةُ الأولى التي هيَ التَّهجُّمُ على نصوصِ الوحيِ وادِّعاءُ أنَّ ظاهرَها تشبيهُ الخالقِ بالمخلوقِ، وناهيكَ بهَا بليَّة.

ثمَّ لمَّا تقرَّرتْ هذه البليَّةُ في أذهانهمْ، وتقذَّرتْ قلوبهمْ بأقذارِ التَّشبيهِ، اضطروا بسببها إلى نفيِ صفةِ الاستواءِ فرارًا منْ مشابهةِ الخلقِ التي افتروها على نصوصِ القرآن أنَّها هي ظاهرها.

ونفيُ الصِّفةِ التي أثنى الله بها على نفسِهِ منْ غيرِ استنادٍ إلى كتابٍ أو سنةٍ هو البليَّةُ الثانيةُ التي وقعوا فيها.

فحملوا نصوصَ القرآنِ أوَّلًا على معانٍ غيرُ لائقةٍ بالله، ثمَّ نفوهَا منْ أصلهَا، فرارًا مِنَ المحذورِ الذي زعموا.

والبليَّةُ الثالثةُ: أنَّهمْ يفسِّرونَ الصِّفةَ التي نفوهَا بصفةٍ أخرى، منْ تلقاءِ أنفسهم، منْ غيرِ استنادٍ إلى وحيٍ؛ معْ أنَّ الصِّفةَ التي فسَّرها بها هي بالغةٌ غايةَ التَّشبيهِ بالمخلوقينَ. فيقولون {اسْتَوَى} [طه: 5] ظاهرهُ مشابهةُ استواءِ المخلوقينَ. فمعنى {اسْتَوَى} [طه: 5]: استولى، ويستدلون بقولِ الراجزِ في إطلاقِ الاستواءِ على الاستيلاءِ:

قد استوى بِشْرٌ عَلَى العِراقِ

من غير سَيفٍ وَدَمٍ مهراقِ

ولا يدرونَ أنَّهم شبَّهوا استيلاءَ الله على عرشهِ الذي زعموهُ باستيلاءِ «بِشْرِ بنِ مروانَ» على العراقِ!!

فأيُّ تشبيهٍ بصفاتِ المخلوقينَ أكبرُ منْ هذا؟! وهلْ يجوزُ لمسلمٍ أنْ يشبِّهَ صفةَ الله التي هي الاستيلاءُ المزعومُ بصفةِ بشرٍ التي هيَ استيلاؤهُ على العراقِ؟

وصفةُ الاستيلاءِ منْ أوغلِ الصِّفاتِ في التَّشبيهِ بصفاتِ المخلوقينَ، لأنَّ فيها التَّشبيهَ باستيلاءِ مالكِ الحمارِ على حمارهِ، ومالكِ الشَّاةِ على شاتهِ ويدخلُ فيها كلُّ مخلوقٍ قهرَ مخلوقًا واستولى عليه.

وفي هذا منْ أنواعِ التَّشبيه ما لا يحصيهِ إلَّا الله.

ص: 334

فإنْ زعمَ مَنْ شَبَّهَ أولًا، وعطَّلَ ثانيًا، وشبَّه ثالثًا أيضًا، أنَّ الاستيلاءَ المزعومَ منزَّهٌ عنْ مشابهةِ استيلاءِ المخلوقينَ.

قلنا لهُ: نحنُ نسألك ونطلبُ منكَ الجوابَ بإنصافٍ: أيُّهمَا أحقُّ بالتَّنزيهِ عنْ مشابهةِ الخلقِ! الاستواءُ الذي مَدَحَ الله بهِ نفسَهُ في محكمِ كتابهِ وهو في نفسِ القرآنِ الذي يتلى، ولتاليهِ بكلِّ حرفٍ منهُ عشرُ حسنَاتٍ، لأنَّهُ كلامُ الله، أمِ الأحقُّ بالتَّنزيهِ هو الاستيلاءُ الذي جئتمْ بهِ منْ تلقاءِ أنفسكمْ منْ غيرِ استنادٍ إلى وحيِ؟.

ولا شَكَّ أنَّ الجوابَ الحقَّ: أنَّ اللَّفظَ الواردَ في القرآنِ أحقُّ بالتَّنزيهِ والحملِ على أشرفِ المعاني وأكملها، منَ اللَّفظِ الذي جاءَ بهِ معطِّلٌ مِنْ كِيسِهِ الخاص، لا مستندَ لهُ مِنَ الوحيِ!

وبهذهِ الكلماتِ القليلةِ يظهرُ لكمُ: «أنَّ مذهبَ السَّلفِ أسلمُ وأحكمُ وأعلمُ» (1) وأهدى إلى الطريق الأقوم. ومذهبُ الخلفِ - الذي هو التأويلُ - بدعةٌ أحدثها المنتحلونَ وتمسَّكَ بها المبطلونَ (2).

السؤالُ السابعُ

هل التحدُّث بآياتِ الصفاتِ وأحاديثها فيه تلبيسٌ على العامَّةِ وفتنةٌ لهم، وفيه تمزيقُ وحدة الأمَّةِ؟

اعلمْ - بارك الله فيك - بأنَّ المشتغلينَ بعلمِ الكلامِ ينكرونَ على السلفيينَ التحدُّثَ بأحاديثِ الصِّفاتِ، زاعمينَ أنَّهُ فتنةٌ على العامَّةِ، وفيه مِنَ الإضلالِ وتمزيقِ وحدة الأمَّةِ.

وهذا الكلامُ باطلٌ منْ وجهينِ:

الأولُ:

أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يتلو آياتِ الصِّفاتِ ويتكلَّمُ بكلامهِ الذي فيهِ خبرٌ عَنِ الله تعالى وصفاتهِ، وكانَ يغشاهُ عليه الحضريُّ والبدويُّ، فلو كانَ بيانُ توحيدِ الأسماءِ والصِّفاتِ تلبيسًا على العامَّةِ لم يتفوَّه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بشيءٍ منْ ذلكَ.

(1) القواعد الطيبات في الأسماء والصفات (ص88 - 92).

(2)

عون الباري (4/ 718)، لصديق حسن خان رحمه الله.

ص: 335

و «منْ زعمَ: أنَّ إطلاقَ ما أطلقهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على الله عز وجل، في مجالسهِ الشريفةِ، ومجامعهِ المنيفةِ ممنوعٌ لنا، ومنهيٌّ عنه؛ فقدْ أتى بابًا كبيرًا، منْ أبوابِ إساءةِ الأدبِ بالله وبرسوله. ولم يَكُنِ الله ولا رسولهُ، قطٌّ: عاجزينَ عنْ أنْ لا يأتيا بهذه الألفاظِ الموهمةِ: للتَّجسيم والتَّشبيه. بلْ قالا مَا يكونُ صريحًا في التَّنزيهِ والتَّقديسِ.

فهذا الزعمُ - منْ أهلِ التَّأويلِ، والكلامِ -: منْ أبطلِ الباطلاتِ، وأنكرِ المنكراتِ.

ونحنُ إذا تلونَا قولَه سبحانهُ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ *} [الإخلاص: 4] تلاشَتْ شُبَهُ التمثيلِ والتكييفِ، بحذافيرهَا. ولم يبقَ لشيءٍ مِنَ التجسيمِ والتشبيهِ مَسَاغٌ.

فنحنُ نسبِّحهُ ونقدِّسهُ عنْ جميعِ سماتِ النَّقصِ، والزوالِ. ونثبتُ لهُ ما أثبتهُ لنفسهِ المقدَّسة، ووصفهُ بهِ رسولهُ - فيمَا صحَّ عنهُ، روايةً - وهذا هوَ مختارُ جمهورِ السَّلف، ومشربُ الصالحينَ مِنَ الخلفِ. ومنْ خالفَ ذلكَ: فقدْ خالفَ هذه الشريعةَ، بلِ الشرائعَ كلَّها» (1).

الثاني:

القولُ بأنَّ بيانَ صفاتِ الله تعالى بدونِ تعطيلها وبدونِ تحريفِ نصوصها فيهِ إضلالٌ وتمزيقٌ لوحدةِ الأمَّةِ، قولٌ في غايةِ السفاهةِ والفسادِ، فإنَّ المتكلِّمينَ مِنَ الجهميَّةِ المعطِّلةِ هم الذين مزَّقُوا وحدةَ هذهِ الأمَّةِ، وأتوا بضلالِ التَّعطيلِ وإضلالِ التَّحريفِ.

وأمَّا السَّلفيُّون فهم بحمدِ اللهِ يدعونَ النَّاس إلى ما كان عليه سلفُ هذهِ الأمَّةِ ولا يجمعُ شملُ هذهِ الأمَّة إلَّا بتوحيدِ العقيدةِ وتوحيدِ الصُّفوفِ. وهذا لا يمكنُ إلَّا بالتمسُّكِ بالكتابِ والسنَّةِ وما عليهِ أئمَّةُ هذهِ الأمَّةُ في العقائدِ والأعمالِ (2).

(1) السراج الوهاج (11/ 127) لصديق حسن خان رحمه الله.

(2)

التنبيهات السنية (ص191 - 192) بتصرف يسير.

ص: 336