المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الشبهة الخامسةلو كان موصوفا بالعلو لكان جسما، ولو كان جسما لكان مماثلا لسائر الأجسام، والله قد نفى عنه المثل - الكلمات الحسان في بيان علو الرحمن

[عبد الهادي بن حسن وهبي]

فهرس الكتاب

- ‌المُقَدِِّّمَةُ

- ‌أَدِلَّةُ عُلُوِّ اللَّهِ عَلَى العَرْشِ

- ‌التَّصريحُ بالفوقيَّةِ مقرونًا بأداة «مِنْ» المعيِّنةِ للفوقيَّةِ بالذَّاتِ

- ‌ذِكْرُها مُجَرَّدَةً عَنِ الأداةِ

- ‌التَّصريحُ بالعروجِ إليهِ سبحانه وتعالى

- ‌التَّصْرِيحُ بالصُّعودِ إليهِ سبحانه وتعالى

- ‌التَّصْرِيحُ برفعهِ بعضَ المخلوقاتِ إليهِ سبحانه وتعالى

- ‌التَّصْرِيحُ بالعلوِّ المطلقِ الدَّالِّ على جميعِ مراتبِ العلوِّ، ذاتًا وقَدْرًا وقَهْرًا

- ‌التَّصريحُ بتنزيلِ الكتابِ منهُ سبحانه وتعالى

- ‌التَّصْرِيحُ باختصاصِ بعضِ المخلوقاتِ بأنَّهَا عندهُ، وأنَّ بعضَها أقربُ إليهِ منْ بعضٍ

- ‌التَّصريحُ بأنَّهُ تعالى في السَّماءِ

- ‌شهادَتُهُ صلى الله عليه وسلم التي هيَ أصدقُ شهادةٍ عند اللهِ وملائكتِهِ وجميعِ المؤمنينَ لمنْ قالَ: «إنَّ ربَّهُ في السَّماءِ» بالإيمانِ

- ‌الإشارةُ إليه سبحانه وتعالى حسًّا إلى العلوِّ

- ‌التَّصرِيحُ برَفْعِ الأيدي والأبصارِ إليه سبحانه وتعالى

- ‌النُّصوصُ الدَّالةُ على رؤيةِ أهلِ الجنَّةِ لهُ تعالى مِنَ الكتابِ والسنَّةِ

- ‌التصريحُ بنزوله سبحانه وتعالى كلَّ ليلةٍ إلى السَّماءِ الدنيا

- ‌إخبارُهُ صلى الله عليه وسلم أنَّه تردَّد بينَ موسى عليه السلام وبينَ ربِّه ليلةَ المعراجِ بسببِ الصَّلاةِ

- ‌النُّصوصُ الواردةُ فِي ذكرِ العرشِ وصفتهِ وإضافتهِ غالبًا إِلَى خالقهِ تبارك وتعالى وأنَّه تَعَالَى فوقهُ

- ‌إخبارهُ تعالى عنْ فرعونَ أنَّهُ رامَ الصُّعودَ إلى السَّمَاء ليطِّلع إلى إله موسى، فيكذِّبهُ فيما أخبرهُ منْ أنَّهُ سبحانهُ فوقَ السَّماوات

- ‌تنزيهُ اللهِ سبحانه وتعالى نفسَهُ عن موجبِ النُّقصانِ، وعمَّا يوجبُ التمثيلَ والتشبيهَ

- ‌مِنَ البراهين الدَّالَّةِ على علوِّ الله على خلقهِ واستوائهِ على عرشهِ الدليلُ العظيمُ والبرهانُ القاطعُ

- ‌أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي العُلُوِّ وَالْفَوْقِيَّةِ

- ‌1 - حُمَيدُ بنُ ثوَرٍ

- ‌2 - ابنُ عَبّاسٍ

- ‌3 - زينبُ بنتُ جَحْشٍ

- ‌4 - ابنُ مَسْعُودٍ

- ‌5 - عَائِشَةُ

- ‌6 - أَبو ذَرٍّ

- ‌7 - ابنُ عُمَرَ

- ‌8 - مَسروقٌ

- ‌9 - أيوبُ السُّخْتِيَانِيُّ

- ‌10 - سليمان التِّيميُّ

- ‌11 - مقاتلُ بنُ حِيَّانَ (قبل150ه

- ‌12 - الأَوزاعيُّ (157ه

- ‌13 - سفيانُ الثوريُّ عالمُ زمانهِ (161ه

- ‌14 - مالك إمام دار الهجرة (179ه

- ‌15 - حمَّادُ بنُ زيدٍ البصريّ (179ه

- ‌16 - عبدُ الله بنُ المباركِ، شيخُ الإسلامِ (181ه

- ‌17 - جرير الضبيُّ، محدِّث الري (188ه

- ‌18 - عبدُ الرحمنِ بنُ مهدي (198ه

- ‌19 - أبو معاذ البلخي الفقيه (199ه

- ‌20 - منصورُ بن عمار (200ه

- ‌21 - الإمامُ الشافعيُّ (204ه

- ‌22 - يزيدُ بنُ هارونَ الواسطيُّ (206ه

- ‌23 - سعيدُ بن عامر الضبعيُّ عالِمُ البصرة (208ه

- ‌24 - عبدُ الله بن أبي جعفر الرازيُّ

- ‌25 - القعنبيُّ (221ه

- ‌26 - عاصمُ بن علي شيخ البخاري (221ه

- ‌27 - هشام بن عبيد الله الرَّازيُّ (221ه

- ‌28 - بِشْر الحافي، زاهدُ العصرِ (227ه

- ‌29 - محمدُ بن مصعب العابدُ: شيخُ بغداد (228ه

- ‌30 - نُعَيمُ بن حمَّاد الخزاعيُّ الحافظ (228ه

- ‌31 - أبو عبد الله بن الأعرابي، لغوي زمانه (231ه

- ‌32 - أبو معمر القطيعي (236ه

- ‌33 - إسحاق بن راهويه عالم خراسان (238ه

- ‌34 - قُتَيْبَةُ بنُ سعيدٍ: شيخُ خراسانَ (240ه

- ‌35 - أحمدُ بن حنبل شيخُ الإسلام (241ه

- ‌36 - الإمام الربانيُّ محمدُ بن أسلم الطوسيُّ (242ه

- ‌37 - الحارثُ بن أسد المحاسبيُّ (243ه

- ‌39 - خَشَيْشُ بن أصرم (253ه

- ‌41 - إسماعيل بن يحيى المزنيُّ (264ه

- ‌42 - أبو زُرعة الرازيُّ (264ه

- ‌43 - أبو حَاتِمٍ الرازيُّ (277ه

- ‌44 - حَرْب الكَرْمَانِيُّ (280ه

- ‌45 - ابنُ قُتَيْبَةَ (276ه

- ‌46 - أبو عيسى الترمذيُّ (279ه

- ‌47 - عثمانُ بنُ سعيد الدّارِمِيُّ الحافظُ (280ه

- ‌48 - ثَعْلَب إمامُ العربية (291ه

- ‌49 - أبو مُسْلِمٍ الكجيُّ الحافظُ (292ه

- ‌50 - عَمْرُو بنُ عثمانَ المكيُّ (297ه

- ‌51 - ابنُ أبي شَيْبَةَ (297ه

- ‌52 - زكريا السَّاجيُّ (307ه

- ‌53 - محمدُ بن جرير الطبريُّ (310ه

- ‌54 - ابنُ الأخرم (311ه

- ‌55 - إمام الأئمة ابنُ خُزَيْمَةَ (311ه

- ‌56 - نِفْطَوَيْه شيخُ العربية (323ه

- ‌57 - أبو الحسن الأشعريُّ (324ه

- ‌58 - البَرْبَهَارِيُّ (329ه

- ‌59 - الوزير عليُّ بنُ عيسى (334ه

- ‌60 - العلَّامة أبو بكر الضِّبْعِيُّ (342ه

- ‌61 - ابنُ شعبان (355ه

- ‌62 - الإمام أبو بكر الآجُرِّيُّ (360ه

- ‌63 - الحافظُ أبو الشيخ (369ه

- ‌64 - العلاّمة أبو بكر الإسماعيليُّ (371ه

- ‌65 - أبو الحسن بنُ مهدي المتكلِّمُ (380ه

- ‌66 - ابنُ بطَّة (387ه

- ‌67 - ابنُ أبي زيدٍ (386ه

- ‌68 - ابنُ مَنْدَه (395ه

- ‌69 - ابنُ أبي زمْنِين (399ه

- ‌70 - القَصّابُ (400ه

- ‌71 - ابنُ الباقلانيُّ (403ه

- ‌72 - ابنُ موهب (406ه

- ‌73 - مَعْمَرُ بنُ زيادٍ (418ه

- ‌74 - أبو القاسم اللَالكَائِيُّ (418ه

- ‌75 - السُّلطانُ (421ه

- ‌76 - يحيى بنُ عمَّارٍ (422ه

- ‌77 - القادرُ بالله أميرُ المؤمنين (422ه

- ‌78 - أبو عمر الطلمنكيُّ (429ه

- ‌79 - أبو نُعيم الأصبهانيُّ (430ه

- ‌80 - عبدُ الله بن يوسف الجوينيُّ (438ه

- ‌81 - أبو عَمْرٍو الدّانِيُّ (440ه

- ‌82 - عليُّ بنُ عمر الحربيُّ (442ه

- ‌83 - أبو عثمانَ الصابونيُّ (449ه

- ‌84 - أبو نَصْرٍ السجزيُّ (444ه

- ‌85 - القاضي أبو يعلى (458ه

- ‌86 - البيهقيُّ (458ه

- ‌87 - ابنُ عبد البر (463ه

- ‌89 - سعدٌ الزنجانيُّ (471ه

- ‌90 - إمامُ الحرمَيْنِ (478ه

- ‌91 - شيخُ الإسلام الهرويُّ (481ه

- ‌93 - الفقيهُ نَصْر المقدسيُّ (490ه

- ‌94 - ابن الحدَّاد (517ه

- ‌95 - أبو الحسن بنُ الزاغونيِّ (527ه

- ‌96 - الحسنُ الكرجيُّ (532ه

- ‌98 - عديُّ بنُ مسافر الأمويُّ الهكاريُّ (555ه

- ‌99 - العلامةُ يحيى بنُ أبي الخير العمرانُّي (558ه

- ‌100 - الشيخُ عبدُ القادر (562ه

- ‌101 - ابنُ رشد المالكيُّ (595ه

- ‌102 - المقدسيُّ (600ه

- ‌103 - القرطبيُّ (677ه

- ‌105 - العلاّمةُ الشَّوكانِيُّ (1255ه

- ‌الدَّلِيلُ مِنَ الفِطْرَةِ

- ‌هل نَجْزِمُ بِإِثْبَاتِ العُلُوِّ على العَرْشِ، أو نُفَوِّضُ

- ‌شُبُهَاتٌ والرَّدُّ عَلَيْهَا

- ‌الشُّبْهَةُ الأولىيستلزمُ منْ إثباتِ الفوقيَّةِ لله تعالى أنْ يكونَ في مكانٍ وحيِّزٍ وجهةٍ

- ‌الشُّبْهَةُ الثَّانِيَةُلو كانَ الخالقُ فوقَ العرشِ لكانَ حاملُ العرشِ حاملًا لمنْ فوقَ العرشِ فيلزمْ احتياجُ الخالقِ إلى المخلوقِ

- ‌الشُّبْهَةُ الثَّالِثَةُلَوْ كانَ اللهُ فِي السَّمَاءِ لكانَ محصورًا

- ‌الشُّبْهَةُ الرَّابِعَةُقال الرازيُّ: العالمُ كُرَةٌ…فلو كانَ الله في جهةِ فوق لكانَ أسفلَ بالنِّسبةِ إلى سكَّانِ الوجهِ الآخر

- ‌الشُّبْهَةُ الخَامِسَةُلو كانَ مَوْصُوفًا بالعُلُوِّ لكانَ جسمًا، ولو كانَ جسمًا لكان مماثلًا لِسَائِرِ الأَجْسَامِ، واللهُ قد نَفَى عنه المِثْلَ

- ‌الشُّبْهَةُ السَّادِسَةُلو كانَ الله فوقَ العرشِ للزمَ إمَّا أنْ يكونَ أكبرَ مِنَ العرشِ أو أصغرَ أو مساويًا وكلُّ ذلكَ مِنَ المحالِ

- ‌الشُّبْهَةُ الحَادِيَةُ عَشْرَةَلوْ كانَ تعالى فوقَ العرشِ لما صحَّ القولُ بأنَّهُ تعالى قريبٌ منْ عبادهِ

- ‌الردُّ على منِ ادَّعى المجازَ بالفوقيَّةِ بفوقيَّةِ القَدْرِ والرُّتْبَةِ

- ‌الرَّدُّ عَلى مَنْ تَأَوَّلَ الاسْتِوَاءَ بالاسْتِيلاءِ

- ‌الرَدُّ عَلَى مَنْ تَأَوَّلَ نُزُولَ الله عَلَى غَيْرِ مَعْنَاهُ الحَقِّ

- ‌الشُّبهاتُ الواردةُ على صفَّةِ النزولِ

- ‌أَسْئِلَةٌ مُهِمَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِحَدِيثِ النُّزُولِ

- ‌السؤالُ الأوَّلُ:هل نقولُ ينزلُ بذاتهِ

- ‌السؤال الثاني:كيفَ نجمعُ بينَ قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «تفتحُ أبوابُ السّمَاءِ نصفَ الليلِ، فينادي منادٍ: هلْ منْ داعٍ فيستجابُ لهُ؟ هلْ منْ سائلٍ فيُعطى؟ هلْ منْ مكروبٍ فيفرَّج عنهُ؟ فلا يبقى مسلمٌ يدعو بدعوةٍ إلَّا استجابَ اللهُ تعالى لهُ

- ‌السؤالُ الثالثُ:كيفَ نجمعُ بين علوِّ الله على العرشِ ونزولهِ إلى السَّماءِ الدُّنيا

- ‌السؤالُ الرابعُ:ما يستفادُ مِنْ حديثِ النزولِ

- ‌أَسْئِلَةٌ وأَجْوِبَتُهَا

- ‌السؤالُ الرابعُما معنى قول السَّلفِ: أمِرُّوهَا كما جاءتْ بلا كيفٍ

- ‌السؤالُ الخامسُكيف استوى على العرش

- ‌السؤالُ السادسُهل مذهبُ السَّلفِ أسلمُ، ومذهبُ الخلفِ أحكمُ وأعلمُ

- ‌السؤالُ الثامنُهل آياتُ الصِّفاتِ مِنَ المتشابَه

- ‌كَلَامٌ نَفِيسٌ لِشَيْخِ الإِسْلَامِ في العُلُوِّ والفَوْقِيَّةِ

- ‌أَثَرُ الإِيْمَانِ بِعُلُوِّ الرَّحْمَنِ

- ‌الخَاتِمَةُ

الفصل: ‌الشبهة الخامسةلو كان موصوفا بالعلو لكان جسما، ولو كان جسما لكان مماثلا لسائر الأجسام، والله قد نفى عنه المثل

‌الشُّبْهَةُ الخَامِسَةُ

لو كانَ مَوْصُوفًا بالعُلُوِّ لكانَ جسمًا، ولو كانَ جسمًا لكان مماثلًا لِسَائِرِ الأَجْسَامِ، واللهُ قد نَفَى عنه المِثْلَ

(1).

أقول وبالله التوفيق: هنا ثلاثُ مقدِّماتٍ حصلَ فيها التَّلبيسُ:

أحدُها: كونُ كلِّ عالٍ جسمًا.

والثاني: كونُ الأجسامِ متماثلةٌ.

والثالثُ: كونُ هذا التماثلِ هو المرادُ بالمثلِ في لغةِ العربِ التي نزلَ بها القرآن (2).

والجوابُ على الشُّبهةِ المذكورةِ منْ وجوهٍ:

الأولُ:

قَدِ ادَّعيتَ أيُّها الجهميُّ أنَّ ظاهرَ القرآنِ، الذي هوَ حجَّةُ الله على عبادهِ، والذي هو خيرُ الكلامِ، وأصْدقُهُ، وأحْسنُهُ، وأفْصحُهُ، وهوَ الذي هدى الله بهِ عبادَهُ، وجعلَهُ شفاءً لما في الصُّدورِ، وهدًى ورحمةً للمؤمنينَ، ولمْ ينزلْ كتابٌ مِنَ السَّماءِ أهدى منهُ، ولا أحْسنَ ولا أكْملَ، فانتهكْتَ حرمتَهُ، وادَّعيتَ أنَّ ظاهرَهُ يستلزمُ التَّشبيهَ والتَّجسيم (3). وهذا الإلزامُ إنَّما هوَ لمنْ جاءَ بالنُّصوصِ الدَّالةِ على علوِّ الله على العرشِ، وتكلَّم بهَا، ودعَا الأمَّةَ إلى الإيمانِ بهَا ومعْرفتِهَا، ونهاهم عنْ تحْريفِهَا وتبديلِهَا.

يَا قَوْمُ واللهِ العَظِيمِ أَسَأْتُمُ

بِأَئِمَّةِ الإسْلَامِ ظَنَّ الشَّانِ

مَا ذَنْبُهُمْ وَنَبِيُّهُمْ قَدْ قَالَ مَا

قَالوا كَذَلكَ مُنْزِلُ الفُرْقَانِ

مَا الذَّنبُ إلاّ للنصُوصِ لَديكمُ

إِذْ جَسَّمَتْ بَلْ شَبَّهتْ صِنْفَانِ

ص: 202

مَا ذنْبُ مَنْ قَدْ قَالَ مَا نَطَقَتْ بِهِ

مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا عُدْوَان (1)

الثاني:

نحنُ أثبتنا لله غايةَ الكمالِ، ونعوتَ الجلالِ، ووصفناهُ بكلِّ صفةِ كمالٍ فإنْ لزمَ منْ هذا تجسيمٌ، أو تشبيهٌ لم يكنْ هذا نقصًا، ولا عيبًا، ولا ذمًَّا، بوجهٍ مِنَ الوجوهِ، فإنَّ لازمَ الحقِّ حقٌ، وما لزمَ منْ إثباتِ كمالِ الرَّبِّ ليسَ بنقصٍ، وأمَّا أنتم فنفيتم عنهُ صفاتِ الكمالِ، ولا ريبَ أنَّ لازمَ هذا النَّفيِّ وصفهُ بأضدادها مِنَ العيوبِ، والنَّقائصِ، فما سوَّى الله ولا رسولهُ ولا عقلاءُ عبادهِ بينَ منْ نفى كمالَهُ المقدَّسَ حذرًا مِنَ التجسيمِ، وبينَ منْ أثبتَ كمالَهُ الأعظمَ وصفاته العلى بلوازمِ ذلكَ كائنةً ما كانت (2).

لَا تَجْعَلُوا الإِثْبَاتَ تَشْبِيهًا لَهُ

يَا فِرْقَةَ التَّشْبِيهِ وَالطُّغْيَانِ

كَمْ تَرْتَقُونَ بِسُلَّمِ التَّنْزِيهِ لِلْتَّـ

ـعْطِيلِ تَرْوِيجًا عَلَى العُمْيَانِ

فَاللهُ أكْبَرُ أنْ تَكُونَ صِفَاتُهُ

كِصِفَاتِنَا جَلَّ العَظِيمُ الشَّانِ

هَذَا هُوَ التَّشْبِيهُ لَا إثْبَاتُ أوْ

صَافِ كَمَالٍ فَمَا هُمَا سِيَّانِ (3)

سَمَّيْتُمُ التَّحْرِيفَ تَأوِيلًا كَذَا التَّـ

ـعْطِيلَ تَنْزِيهًا هُمَا لَقَبَانِ

وَأضَفتُم أمرًا إلَى ذَا ثَالِثًا

شَرًّا وَأَقْبَحَ مِنْهُ ذَا بُهْتَانِ

فَجَعَلْتُم الإِثْبَاتَ تَجْسِيمًا وَتَشْـ

بيهًا وَذَا مِنْ أقْبَحِ العُدْوَانِ

فَقَلَبْتُمُ تِلْكَ الحَقَائِقَ مِثْلَ مَا

قُلِبَتْ قُلُوبُكُمُ عَنِ الإِيمَانِ

وَجَعَلْتُمُ الممدُوحَ مَذْمُومًا كَذَا

بالعكْس حَتَّى اسْتَكْمَلَ اللَّبْسَانِ (4)

الثالثُ:

(1) الكافية الشافية (ص129).

(2)

الصواعق (ص263 - 264).

(3)

الكافية الشافية (ص336).

(4)

الكافية الشافية (ص155).

ص: 203

ماذا تعنونَ بقولكم «لو كانَ فوقَ العرشِ لكانَ جسمًا» ؟ أتعنونَ بهِ أنَّهُ ما يتضمَّنُ مماثلةَ الله لشيءٍ مِنَ المخلوقاتِ في شيءٍ منْ صفاتهِ؛ فاللهُ سبحانهُ منزَّهٌ عنْ أنْ يوصفَ بشيءٍ مِنَ الصِّفاتِ المختصَّةِ بالمخلوقينَ، وكلُّ ما اختصَّ بالمخلوقِ فهوَ صفةُ نقصٍ، والله تعالى منزَّهٌ عَنْ كلِّ نقصٍ ومستحقٌّ لغايةِ الكمالِ، وليسَ لهُ مثلٌ في شيءٍ منْ صفاتِ الكمالِ فهوَ منزَّهٌ عَنِ النَّقْصِ مطلقًا، ومنزَّهٌ في الكمالِ أنْ يكونَ لهُ مثلٌ، كما قال تعالى:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * َلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ *} [الإخلاص 1 - 4]، فبيَّنَ أنَّهُ أحدٌ صمدٌ، واسمهُ الأحدُ يتضمَّنُ نفيَّ المثلِ، واسمهُ الصَّمدُ يتضمَّنُ جميعَ صفاتِ الكمالِ (1).

وإذا كانَ اللهُ ليسَ منْ جنسِ الماءِ والهواءِ، ولا الرُّوحِ المنفوخةِ فينا، ولا منْ جنسِ الملائكةِ، ولا الأفلاكِ، فلأن لا يكونَ منْ جنسِ بدنِ الإنسانِ ولحمهِ وعصبهِ وعظامهِ، ويدهِ ورجلهِ ووجههِ، وغيرِ ذلكَ منْ أعضائهِ وأبعاضهِ، أولى وأحرى (2).

وإنْ أردتم بالجسمِ المركَّبِ وهوَ مَا كانَ مفترقًا فركَّبهُ غيرهُ، كمَا تُركَّبُ المصنوعاتُ مِنَ: الأطعمةِ، والثيابِ والأبنيةِ، ونحو ذلكَ منْ أجزائها المفترقةِ. والله تعالى أجلُّ وأعظم منْ أنْ يُوصفَ بذلكَ، بلْ منْ مخلوقاتهِ ما لا يُوصفُ بذلكَ، ومنْ قالَ ذلكَ (3) فهوَ منْ أكفرِ النَّاسِ وأضلِّهم وأجهلهم وأشدِّهم محاربةً لله.

وإنْ أردتم بهِ «أنَّ الرَّبَّ مركَّبٌ مؤلَّفٌ بمعنى أنَّهُ يقبلُ التفريقَ والانقسامَ والتجزئةَ، فهذا منْ أكفرِ النَّاسِ وأجهلهم» (4).

(1) منهاج السنة (2/ 527 - 530).

(2)

درء تعارض العقل والنقل (10/ 307).

(3)

درء تعارض العقل والنقل (5/ 145).

(4)

مجموع الفتاوى (5/ 427 - 428).

ص: 204

وإنْ أردتم بالجسمِ ما يوصفُ بالصِّفاتِ، ويُرى بالأبصارِ، ويتكلَّمُ، ويُكَلَّمُ، ويسمعُ، ويبصرُ، ويرضى، ويغضبُ، فهذه المعاني ثابتةٌ للرَّبِّ تعالى وهوَ موصوفٌ بها، فلا ننفيها عنهُ بتسميتكم للموصوفِ بها جسمًا، ولا نردُّ ما أخبرَ بهِ الصَّادقُ عنِ الله وأسمائهِ وصفاتهِ وأفعالهِ لتسميةِ أعداءِ الحديثِ لنا حشويةٌ. ولا نجحدُ صفاتِ خالقنا وعلوَّهُ على خلقهِ واستواءهُ على عرشهِ؛ لتسميةِ الفرعونيَّةِ المعطِّلةِ لمنْ أثبتَ ذلكَ مجسِّمًا مشبِّهًا.

فإن كانَ تجسيمًا ثبوتُ استوائِهِ

على عَرْشِهِ إني إذًا لَمُجَسِّمُ

وإنْ كانَ تشبيهًا ثبوتُ صِفَاتِهِ

فمن ذلكَ التَّشْبِيهِ لا أَتَكَتَّمُ

وإنْ كان تنزيهًا جحودُ استوائِهِ

وأوصافِهِ أو كَوْنِهِ يَتَكَلَّمُ

فعَنْ ذلكَ التَّنْزِيهِ نَزَّهْتُ رَبَّنا

بِتَوْفِيقِهِ واللهُ أَعْلَى وأَعْلَمُ

وإنْ أردتم بالجسمِ ما يُشارُ إليهِ إشارةٌ حيَّةٌ، فقدْ أشارَ إليهِ أعرفُ الخلقِ بهِ بأصبعهِ رافعًا لها إلى السَّماءِ، يُشْهدُ الجمعَ الأعظمَ مشيرًا لهُ. وإنْ أردتم بالجسمِ ما يقالُ أينَ هو؟ فقدْ سألَ أعلمُ الخلقِ بهِ عنهُ بأينَ منبِّهًا على علوِّهِ على عرشهِ.

وإنْ أردتم بالجسمِ ما يلحقهُ «مِنْ» و «إِلىَ» فقدْ نزلَ جبريلُ منْ عندهِ، ونزل كلامهُ منْ عندهِ، وعرجَ برسولهِ صلى الله عليه وسلم إليهِ، وإليهِ يصعدُ الكلمُ الطيِّبُ، وعندهُ المسيحُ رفعَ إليهِ.

وإنْ أردتم بالجسمِ ما يكونُ فوقَ غيرهِ، ومستويًا على غيرهِ، فهو سبحانه وتعالى فوقَ عبادهِ مستوٍ على عرشهِ.

الرابعُ:

ص: 205

لَا يلزمُ منِ استواءِ الله عَلَى عرشهِ، أنْ يكونَ جسمًا بالمعنى الَّذي اصطلحوا عليهِ، لَا عقلًا وَلَا سمعًا إلَّا بالدَّعاوى الكاذبةِ. فدعوى هَذَا اللُّزومِ عينُ البهتِ والكذبِ الصُّراحِ؛ بل العرشُ خلقٌ مِنْ خلقهِ، ولا يلزمُ مِنْ كونِهِ فوقَ السَّمواتِ كلِّها أنْ يكونَ مركَّبًا مِنَ الجواهرِ الفردةِ ولا مِنَ المادَّةِ والصُّورةِ ولا مماثلًا لغيرهِ مِنَ الأجْسامِ، وكذلكَ جبريلُ مخلوقٌ مِنْ مخلوقاتهِ وهوَ ذو قوَّةٍ وحياةٍ وسمعٍ وبصرٍ وأجنحةٍ ويصعدُ وينزلُ ويُرى بالأبصارِ، ولا يلزمُ مِنْ وصفهِ بذلكَ أنْ يكونَ مركَّبًا مِنَ الجواهرِ الفردةِ، ولا مِنَ المادَّةِ والصُّورةِ، ولا أنْ يكونَ جسمهُ مماثلًا لأجْسامِ الشياطينِ، فدعونَا منْ هَذَا الفشرِ (1) والهذيانِ، والدَّعاوى الكاذبةِ. والتَّفاوتُ الذي بينَ اللهِ وخلقهِ أعْظمُ مِنَ التَّفاوتِ الذي بينَ جسمِ العرشِ وجسمِ الثرى والهواءِ والماءِ، وأعْظمُ مِنَ التفاوتِ الذي بينَ أجْسامِ الملائكةِ وأجْسامِ الشياطينِ، والعاقلُ إذا أطلقَ على جسمٍ صفةً مِنْ صفاتِهِ - وعندهُ منْ كلِّ وجهٍ موصوفٌ بتلكَ الصِّفةِ - لمْ يلزمْ منْ ذلكَ تماثلهَا؛ فإذا أطْلقَ على الرجيعِ، الذي قدْ بلغَ غايةَ الخبثِ، أنَّهُ جسمٌ قائمٌ بنفسهِ ذو رائحةٍ ولونٍ، وأطلقَ ذلكَ على المسكِ، لمْ يقلْ ذو حسٍ سليمٍ ولا عقلٍ مستقيمٍ، إنَّهما متماثلانِ، وأينَ التَّفاوتُ الذي بينهمَا مِنَ التَّفاوتِ الذي بين اللهِ وخلقهِ، فكمْ تلبِّسونَ وكمْ تدلِّسونَ وتموِّهونَ؟!

(1) الفشر: فشر فشرًا كذب وبالغ فِي الكذب والادِّعاء.

ص: 206

فكيفَ يجوزُ بعدَ هذا أنْ يقالَ: إذا كانَ الرحمنُ فوقَ العرشِ أنْ يكونَ مماثلًا لخلقهِ؟! والله تعالى ليسَ كمثلهِ شيءٌ في ذاتهِ ولا في صفاتهِ ولا في أفعالهِ. حتَّى لَوْ قدِّرَ لزومُ ذَلِكَ كلِّهِ لكانَ التزامهُ أسهلَ مِنْ تعطيلِ علوِّهِ عَلَى عرشهِ، وجعلهِ بمنزلةِ المعدومِ الممتنعِ، الَّذي لَا هوَ داخلَ العالمِ وَلَا خارجهُ (1).

عطَّلْتُمُ السَّبع السموات العلا

والعَرْشَ أخْليتُم منَ الرحمن (2)

قالَ ابنُ القيِّم رحمه الله:

قَدْ عَطَّلَ الرَّحْمَنُ أفْئِدَةً لَهُمْ

مِنْ كُلِّ مَعْرِفَةٍ وَمِنْ إيمَانِ

إذْ عَطَّلُوا الرَّحْمَنَ مِنْ أوصَافِهِ

وَالعَرْشَ أخْلَوْهُ مِنَ الرَّحْمنِ (3)

أيُّها المشتغلونَ بعلمِ الكلامِ: إنَّ نفيَكم لعلوِّ الله تعالى على العرشِ بدعوى التَّجسيمِ، خطأٌ فِي اللَّفظِ والمعنى، وجنايةٌ عَلَى ألفاظِ الوحي.

أمَّا اللَّفظيُّ: فتسميتكم علوَّ اللهِ على العرشِ تجسيمًا وتشبيهًا وتحيُّزًا. وتواصيتم بهذا المكرِ الكبَّارِ إلى نفيِ ما دلَّ عليهِ الوحيُ، والعقلُ، والفطرةُ؛ فكذبتم عَلَى القرآنِ، وعلى الرسولِ صلى الله عليه وسلم، وعلى اللُّغةِ، ووضعتم لصفاتِهِ ألفاظًا منكمْ بدأتْ وإليكمْ تعودُ.

وأمَّا خطأكمْ فِي المعنى: فنفيُكم، وتعطيلكم لعلوِّ الرحمنِ بواسطةِ هذهِ التسميةِ والألقابِ، فنفيتم المعنى الحقَّ وسمَّيتموهُ بالاسمِ المنكرِ، وكنتم فِي ذلكَ بمنزلةِ منْ سمعَ أنَّ فِي العسلِ شفاءً ولمْ يرهُ، فسأل عنهُ فقيلَ لهُ: مائعٌ رقيقٌ أصفرٌ يشبهُ العذرةَ تتقيَّأهُ الزنابيرُ، ومنْ لمْ يعرفِ العسلَ ينفرُ عنهُ بهذا التَّعريفِ، ومَنْ عرفهُ وذاقهُ لم يزدهُ هذا التَّعريفُ عندهُ إلَّا محبَّةً لهُ، ورغبةً فيهِ، وما أحسنَ مَا قَالَ القائلُ:

(1) الصّواعق (ص1016 - 1017).

(2)

نونية القحطاني (ص51)، طبعة مكتبة السوادي.

(3)

الكافية الشافية (ص268).

ص: 207

تَقُولُ هذا جَنْي النَّحْلِ تَمْدَحُهُ

وإنْ تَشَاءُ قُلْتَ ذا قَيءُ الزَّنَابِيرِ

مَدْحًا وذَمًّا وما جَاوَزتَ وَصْفَهُما

والحقُّ قد يَعْتَرِيهِ سُوءُ تَعْبِيرِ

أفيظنُّ الجاهلونَ أنَّا نجحدُ علوَّ اللهِ عَلَى عرشهِ، لأسماءٍ سمُّوها، هم وسلفهم، مَا أنزلَ الله بها منْ سلطانٍ، وألقابٍ وضعوهَا مِنْ تلقاءِ أنفسهم، لمْ يأتِ بها سنَّةٌ وَلَا قرآنٌ، وشبهاتٍ قذفتْ بها قلوبٌ، مَا استنارتْ بنورِ الوحي، وَلَا خالطتهَا بشاشةُ الإيمانِ، وخيالاتٍ هي بتخييلاتِ الممرورينَ، وأصحابِ الهوسِ، أشبهُ منها بقضايا العقلِ والبرهانِ، ووهمياتٍ نسبتهَا إلى العقلِ الصَّحيحِ كنسبةِ السَّرابِ إلى الأبصارِ فِي القيعانِ.

فدعونَا منْ هذه الدعاوي الباطلةِ، التي لا تفيدُ إلَّا تضييعَ الزمانِ، وإتعابَ الأذهانِ، وكثرةَ الهذيانِ، وحاكمونَا إلى الوحي، لا إلى «نخالةِ الأفكارِ، وزبالةِ الأذْهانِ وعفارةِ الآراءِ، ووساوسِ الصُّدورِ، التي لا حقيقةَ لهَا في التَّحقيقِ، ولا تثبتُ على قدمِ الحقِّ والتَّصْديقِ، فملأتم بها الأوراقَ سوادًا، والقلوبَ شكوكًا، والعالَم فسادًا» (1).

يَا قَوْمَنَا وَاللهِ إنَّ لِقَوْلِنَا

ألْفٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ بَلْ ألفَانِ

عَقْلًا وَنَقْلًا مَعْ صَرِيحِ الفِطْرَةِ الـ

أولَى وَذَوْقِ حَلَاوَةِ الإِيمَانِ

كُلٌّ يَدُلُّ بأنَّهُ سُبْحَانَهُ

فَوْقَ السَّمَاءِ مُبَاينُ الأكوَانِ

أتَرَوْنَ أنَّا تَارِكُو ذَا كُلِّهِ

لِجَعَاجِع التَّعْطِيلِ والهَذَيَانِ (2)

وهذهِ الشُّبهةُ قدْ تكلَّمنا عليها «بالاستقصاءِ حتَّى يتبيَّنُ أنَّها مِنَ القولِ الهراءِ فهاتوا برهانكم إنْ كنتم صادقين» (3).

(1) إعلام الموقعين (1/ 105) بتصرف وزيادة.

(2)

الكافية الشافية (ص131).

(3)

الفتاوى الكبرى (6/ 355).

ص: 208