الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإذَا اعتقَدْتُم هَذَا فأشْيَاعٌ لَهُ
…
أنْتُمْ وَذَا مِنْ أعظَمِ البُهْتَانِ
فاسْمَعْ إذًا مَنْ ذَا الذِي أوْلَى بِفِرْ
…
عَوْنَ المعطِّلِ جَاحِدِ الرَّحمنِ
وَانظُرْ إلَى مَا جَاءَ فِي القَصَصِ التِي
…
تَحْكِي مَقَالَ إِمَامِهِمْ بِبَيَانِ
واللهُ قَدْ جَعَلَ الضَّلَالَةَ قُدْوةً
…
بِأئِمَّةٍ تَدْعُو إلَى النِّيرانِ
فإِمَامُ كُلِّ مُعَطِّلٍ فِي نَفْيِهِ
…
فِرْعَونُ مَعْ نَمْرُودَ مَعْ هَامَانِ
طَلَبَ الصُّعُودَ إلَى السَّمَاءِ مُكَذِّبًا
…
مُوسَى وَرَامَ الصَّرْحَ بالبُنْيَانِ
بَلْ قَالَ مُوسَى كَاذِبٌ فِي زَعْمِهِ
…
فَوْقَ السَّمَاءِ الرَّبُّ ذُو السُّلْطانِ
فَابْنُوا لِيَ الصَّرْحَ الرَّفِيعَ لَعَلَّنِي
…
أرْقى إليْهِ بِحِيلَةِ الإِنْسَانِ
وأظنُّ مُوسَى كَاذِبًا فِي قَولِهِ
…
اللهُ فَوقَ العَرْشِ ذُو السُّلطَانِ
وكذاك كذَّبهُ بأنَّ إلهَهُ
…
نَادَاهُ بالتَّكليمِ دُونَ عِيَانِ
هُوَ أنْكَرَ التَّكْلِيمَ وَالفَوقِيَّةَ الـ
…
ـعُلْيَا كَقَولِ الجَهْمِ ذِي صَفْوَانِ
فَمَنِ الذِي أوْلَى بِفِرْعَون إذًا
…
مِنَّا ومِنْكُمْ بَعْدَ ذَا التِّبْيَانِ (1).
التاسعُ عَشَرَ:
تنزيهُ اللهِ سبحانه وتعالى نفسَهُ عن موجبِ النُّقصانِ، وعمَّا يوجبُ التمثيلَ والتشبيهَ
.
فنزَّهَ اللهُ نفسَهُ عَنِ الوالدِ والولدِ والزوجةِ والكفؤ، قالَ سبحانه وتعالى:{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ *} [الإخلاص:3 - 4]، وقالَ عز وجل:{وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا *} [الجن: 3].
ونزَّهَ نفسهُ عَنِ اللُّغوبِ قالَ سبحانه وتعالى: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق: 38] لكمالِ قدرتهِ، وأنَّهُ لا يلحقهُ اللُّغوبُ في الأعمالِ العظيمةِ مثلَ خلقهِ السَّمواتِ والأرضَ، كما يلحقُ المخلوق اللغوب إذا عَمِلَ عملًا عظيمًا.
(1) الكافية الشافية (ص130 - 131).
ونزَّهَ نفسَهُ عمَّا لمْ يقلْهُ أحدٌ ولمْ ينسبهُ إليهِ، تحذيرًا منْ وقوعهَا حتَّى لا تقع بخاطرِ أحدٍ.
فنزَّهَ نفسهُ عَنِ الطعمِ مع أنَّ أحدًا لمْ يصفهُ بهِ، قالَ الله سبحانه وتعالى:{قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ} [الأنعام: 14].
ونزَّهَ نفسهُ عَنِ الموتِ، فقالَ سبحانه وتعالى:{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} [الفرقان: 58] لكمالِ حياتهِ.
ونَزَّهَ نفسهُ عَنِ السنةِ والنَّومِ، فقالَ سبحانه وتعالى:{لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} [البقرة: 255] لكمالِ حياتهِ وقيوميَّتهِ، إذِ النَّوْمُ أخو الموتِ. ولهذا كانَ أهلُ الجنَّةِ لا ينامونَ مَعَ كمالِ الراحةِ، كمَا لا يموتونَ.
ونَزَّه نفسهُ عَنِ النِّسيانِ مع أنَّ أحدًا لمْ ينْسبهُ إلى شيءٍ منْ ذلكَ، قالَ سبحانه وتعالى:{وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64]، لكمالِ علمهِ وحفظهِ.
ونَزَّهَ نفسهُ عَنِ الظُّلمِ فقالَ سبحانه وتعالى: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49] لكمالِ عدلهِ وغناه ورحمتهِ.
ونَزَّه نفسهُ عَنِ العبثِ والباطلِ، قالَسبحانه وتعالى:{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ *} [الدخان: 38 - 39] لكمالِ حكمتهِ.
ونزَّهَ نفسهُ عنْ مقالةٍ قالها بعضُ طوائفِ اليهودِ أنَّ العُزَيْرَ ابنُ الله.
فإذا كانَ الله سبحانه وتعالى قدْ نَزَّهَ نفسهُ عمَّا تقدَّمَ منَ العيوبِ والنَّقائصِ، فلأي شيءٍ إذًا لمْ ينزِّه نفسهُ عنْ تلكَ المقالةِ - وهي كونهُ تعالى فوقَ عرشهِ - إذا كانتْ متضمنةً لمعنًى فاسدٍ لا يجوزُ اعتقادهُ في حقِّ الله تعالى، مَعَ شهرةِ هذهِ المقالةِ، وتفاقمِ أمْرِهَا، فكانتْ هي أحقَّ منْ هذا كلِّهِ للتنبيهِ على فسادهَا والتحذيرِ منهَا. فكيفَ والأمرُ بالعكسِ فهوَ دائمًا يبدي ويعيدُ في ذكرِ علوِّهِ وفوقيَّتهِ ويقرِّرُ ذلكَ بكلِّ دليلٍ وبرهانٍ، بأوجزِ العباراتِ وأدلِّهَا وأبسطهَا وأقطعهَا للعذرِ وألزمهَا للحجَّةِ.
فلو فرضَ أنَّ النُّصوصَ خاليةٌ منْ تقريرِ العلوِّ والاستواءِ على العرشِ لكانَ تركهُ تنزيهه عَنِ العلوِّ أكبرَ دليلٍ على تقريرِ ذلكَ، ورضاهُ بهِ والعِلم بأنَّهُ غيرُ منافٍ لكمالهِ، فكيفَ وهوَ معَ ذَلِكَ والأدلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ كلُّها على خلافِ قولِ «الجهميَّةِ» (1).
(1) توضيح الكافية الشافية (ص107 - 108).
(2)
الصواعق (ص1313).