الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ رحمه الله: «ومحمَّدٌ صلى الله عليه وسلم لمَّا عرجَ بهِ إلى ربِّهِ وفرضَ عليهِ الصَّلواتِ الخمسِ، ذكرَ أنَّهُ رجعَ إلى موسى، وأنَّ موسى قالَ لهُ: ارجعْ إلى ربِّكَ فسلهُ التَّخفيفَ إلى أمَّتكَ، كما تواترَ في أحاديثِ المعراجِ (1). فمحمَّدٌ صلى الله عليه وسلم صدَّق موسى في أنَّ ربَّهُ فوق السَّمواتِ (2)، وفرعونُ كذَّبَ موسى في أنَّ ربَّهُ فوق. فالمقرُّونَ بذلكَ متَّبعونَ لموسى ومحمَّدٍ، والمكذِّبونَ بذلكَ موافقونَ لفرعونَ» (3).
وقالَ ابنُ القيِّم رحمه الله:
وَاللهُ أكْبَرُ مَنْ رَقَا فَوْقَ الطِّبَا
…
ق رَسُولُهُ فَدَنَا مِنَ الدَّيَّانِ
وَإلَيْهِ قَدْ عَرَجَ الرَّسُولُ حَقِيقَةً
…
لَا تُنْكِرُوا المِعْرَاجَ بِالبُهْتَانِ
وَدَنَا مِنَ الجَبَّارِ جل جلاله
…
ودَنَا إلَيْهِ الرَّبُّ ذُو الإحْسَانِ (4).
السابعُ عَشَرَ:
النُّصوصُ الواردةُ فِي ذكرِ العرشِ وصفتهِ وإضافتهِ غالبًا إِلَى خالقهِ تبارك وتعالى وأنَّه تَعَالَى فوقهُ
.
قَالَ الله سبحانه وتعالى: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: 26]. {رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون: 116]. {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ} [غافر: 15]. {إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا} [الإسراء: 55]. {عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} [التكوير: 20] أي: لَهُ مكانةٌ ووجاهةٌ عندهُ، وَهُوَ أقربُ الملائكةِ إِلَيْهِ، وفي قولهِ:{عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ} [التكوير: 20] إشارةٌ إِلى علوِّ منزلةِ جبريلَ، إذْ كَانَ قريبًا مِنْ ذي العرشِ سُبْحَانَهُ (5).
(1) مجموع الفتاوى (13/ 173).
(2)
مجموع الفتاوى (12/ 351).
(3)
مجموع الفتاوى (13/ 174).
(4)
الكافية الشافية (ص335).
(5)
التبيان فِي أقسام القرآن (ص89).
وقالَ تَعَالَى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ *} [البروج: 14 - 15]، فأضافَ العرشَ إِلَى نفسهِ، كَمَا تضافُ إِلَيْهِ الأشياءُ العظيمةُ الشريفةُ، وهذا يدلُّ عَلَى عظمةِ العرشِ، وقربهِ منهُ سُبْحَانَهُ واختصاصهِ بهِ؛ بلْ يدلُّ عَلَى غايةِ القربِ والاختصاصِ، كَمَا يضيفُ إِلَى نفسهِ بـ «ذو» صفاتهِ القائمةِ بِهِ، كقولهِ:{ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 58]. {ذُو الْجَلَالِ وَالإِكْرَامِ} [الرَّحْمن: 27](1). ويقالُ: ذو العزَّةِ، وذو الملكِ، وذو الرَّحمةِ ونظائرُ ذَلِكَ.
فلوْ كَانَ حظُّ العرشِ منهُ حظَّ الأرضِ السَّابعةِ، لكانَ لَا فرقَ أَنْ يقالَ: ذو العرشِ، وذو الأرضِ (2).
وقال تعالى: {ويحملُ عرش ربك} [الحاقة: 17]، وإضافةُ العرشِ إلى اللهِ تقتضي «إضافةً تخصُّهُ كما في سائرِ المضافاتِ إلى اللهِ، كقولهِ: بيتُ اللهِ، وناقةُ اللهِ، ونحوِ ذلك. وإذا كانَ العرشُ مضافًا إلى الله في هذه الآية إضافة اختصاصٍ، وذلك يوجبُ أن يكونَ بينهُ وبين اللهِ من النسبةِ ما ليس لغيرهِ، فما يذكرهُ الجهمية منَ الإستيلاء والقدرة وغيرِ ذلك أمرٌ مشتركٌ بين العرش وسائرِ المخلوقاتِ، وهذه الآية تنفي أن يكونَ الثابتُ منَ الإضافةِ هو القدر المشترك، وتوجبُ اختصاصًا للعرش بالله ليس لغيره» (3).
وتدبَّر - رحمك الله - الأحاديثَ التاليةَ الواردةَ في ذكرِ العرشِ:
(1) قال شيخ الاسلام رحمه الله في «المجموع» (16/ 296): «وهو سبحانه ذو الجلال والاكرام. فهو المستحِقُّ لأنْ يُجَلَّ، ولأنْ يُكرمَ. والإجلالُ يتضمَّنُ التعظيمَ، والإكرامُ يتضمَّنُ الحمدَ والمحبةَ» .
(2)
التبيان فِي أقسام القرآن (ص68).
(3)
بيان تلبيس الجهمية (3/ 279) طبعة مجمع الملك فهد.
1 -
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «ما منْ عبدٍ أتى أخًا لهُ يَزُورُه فِي اللهِ إلَّا نادى منادٍ منَ السَّماءِ: أَنْ طِبْتَ وَطَابَتْ لكَ الجَنَّةُ، وإلَّا قالَ اللهُ فِي ملكوتِ عَرْشِهِ: عبدي زَارَ فِيَّ، وعَلَيَّ قِراهُ، فلمْ أَرْضَ لهُ بِقِرًى دُونَ الجَنَّةِ» (1).
2 -
عنْ جابرٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أُذنَ لي أنْ أُحَدِّثَ عنْ مَلَكٍ منْ ملائكةِ اللهِ، منْ حَمَلَةِ العَرْشِ: إنَّ ما بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إلى عَاتِقِهِ، مَسِيرَةَ سَبْعمَائَةِ عَامٍ» (2).
3 -
عَنِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه قَالَ: دخلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى بلالٍ وعندهُ صبرةٌ منْ تمرٍ، فقالَ:«مَا هَذَا يَا بلالُ؟» قَالَ: أُعِدُّ ذَلِكَ لأضيافكَ. قَالَ: «أَمَا تَخْشَى أنْ يكونَ لَكَ دُخَانٌ فِي نارِ جهنَّمَ؟! أَنْفِقْ بلالُ! وَلَا تَخْشَى منْ ذِي العَرْشِ إِقْلَالًا» (3).
4 -
عنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا سَأَلْتُمُ اللهَ فاسْأَلُوهُ الفِرْدَوسَ فإنَّهُ أوسطُ الجنَّةِ، وأعلى الجنَّةِ، وفوقَهُ عرشُ الرَّحْمنِ» (4).
قَالَ ابنُ خزيمة رحمه الله: «فالخبرُ يصرِّحُ أنَّ عرشَ ربِّنا جلَّ وعلَا فَوْقَ جنَّتهِ، وقدْ أعلمنَا جلَّ وعلَا أنَّهُ مستوٍ عَلَى عرشهِ، فخَالِقُنا عالٍ فَوْقَ عَرْشِهِ الَّذِي هُوَ فَوْقَ جنَّتهِ» (5).
(1) رواه أبو يعلى فِي مسنده (7/ 166)(4140)، والبزّار «كشف الأستار» (2/ 388 - 389)(1918)، وجوَّد إسناده الحافظ المنذري فِي «الترغيب» (3/ 239).
(2)
رواه أبو داود (4727)، وصححه الألباني رحمه الله في «صحيح سنن أبي داود» (3953).
(3)
رواه البزّار (3653)«كشف الأستار» ، وصححه الألباني في «صحيح الجامع» (1512).
(4)
رواه البخاري (7423).
(5)
كتاب التوحيد (ص104).