المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌شهادته صلى الله عليه وسلم التي هي أصدق شهادة عند الله وملائكته وجميع المؤمنين لمن قال: «إن ربه في السماء» بالإيمان - الكلمات الحسان في بيان علو الرحمن

[عبد الهادي بن حسن وهبي]

فهرس الكتاب

- ‌المُقَدِِّّمَةُ

- ‌أَدِلَّةُ عُلُوِّ اللَّهِ عَلَى العَرْشِ

- ‌التَّصريحُ بالفوقيَّةِ مقرونًا بأداة «مِنْ» المعيِّنةِ للفوقيَّةِ بالذَّاتِ

- ‌ذِكْرُها مُجَرَّدَةً عَنِ الأداةِ

- ‌التَّصريحُ بالعروجِ إليهِ سبحانه وتعالى

- ‌التَّصْرِيحُ بالصُّعودِ إليهِ سبحانه وتعالى

- ‌التَّصْرِيحُ برفعهِ بعضَ المخلوقاتِ إليهِ سبحانه وتعالى

- ‌التَّصْرِيحُ بالعلوِّ المطلقِ الدَّالِّ على جميعِ مراتبِ العلوِّ، ذاتًا وقَدْرًا وقَهْرًا

- ‌التَّصريحُ بتنزيلِ الكتابِ منهُ سبحانه وتعالى

- ‌التَّصْرِيحُ باختصاصِ بعضِ المخلوقاتِ بأنَّهَا عندهُ، وأنَّ بعضَها أقربُ إليهِ منْ بعضٍ

- ‌التَّصريحُ بأنَّهُ تعالى في السَّماءِ

- ‌شهادَتُهُ صلى الله عليه وسلم التي هيَ أصدقُ شهادةٍ عند اللهِ وملائكتِهِ وجميعِ المؤمنينَ لمنْ قالَ: «إنَّ ربَّهُ في السَّماءِ» بالإيمانِ

- ‌الإشارةُ إليه سبحانه وتعالى حسًّا إلى العلوِّ

- ‌التَّصرِيحُ برَفْعِ الأيدي والأبصارِ إليه سبحانه وتعالى

- ‌النُّصوصُ الدَّالةُ على رؤيةِ أهلِ الجنَّةِ لهُ تعالى مِنَ الكتابِ والسنَّةِ

- ‌التصريحُ بنزوله سبحانه وتعالى كلَّ ليلةٍ إلى السَّماءِ الدنيا

- ‌إخبارُهُ صلى الله عليه وسلم أنَّه تردَّد بينَ موسى عليه السلام وبينَ ربِّه ليلةَ المعراجِ بسببِ الصَّلاةِ

- ‌النُّصوصُ الواردةُ فِي ذكرِ العرشِ وصفتهِ وإضافتهِ غالبًا إِلَى خالقهِ تبارك وتعالى وأنَّه تَعَالَى فوقهُ

- ‌إخبارهُ تعالى عنْ فرعونَ أنَّهُ رامَ الصُّعودَ إلى السَّمَاء ليطِّلع إلى إله موسى، فيكذِّبهُ فيما أخبرهُ منْ أنَّهُ سبحانهُ فوقَ السَّماوات

- ‌تنزيهُ اللهِ سبحانه وتعالى نفسَهُ عن موجبِ النُّقصانِ، وعمَّا يوجبُ التمثيلَ والتشبيهَ

- ‌مِنَ البراهين الدَّالَّةِ على علوِّ الله على خلقهِ واستوائهِ على عرشهِ الدليلُ العظيمُ والبرهانُ القاطعُ

- ‌أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي العُلُوِّ وَالْفَوْقِيَّةِ

- ‌1 - حُمَيدُ بنُ ثوَرٍ

- ‌2 - ابنُ عَبّاسٍ

- ‌3 - زينبُ بنتُ جَحْشٍ

- ‌4 - ابنُ مَسْعُودٍ

- ‌5 - عَائِشَةُ

- ‌6 - أَبو ذَرٍّ

- ‌7 - ابنُ عُمَرَ

- ‌8 - مَسروقٌ

- ‌9 - أيوبُ السُّخْتِيَانِيُّ

- ‌10 - سليمان التِّيميُّ

- ‌11 - مقاتلُ بنُ حِيَّانَ (قبل150ه

- ‌12 - الأَوزاعيُّ (157ه

- ‌13 - سفيانُ الثوريُّ عالمُ زمانهِ (161ه

- ‌14 - مالك إمام دار الهجرة (179ه

- ‌15 - حمَّادُ بنُ زيدٍ البصريّ (179ه

- ‌16 - عبدُ الله بنُ المباركِ، شيخُ الإسلامِ (181ه

- ‌17 - جرير الضبيُّ، محدِّث الري (188ه

- ‌18 - عبدُ الرحمنِ بنُ مهدي (198ه

- ‌19 - أبو معاذ البلخي الفقيه (199ه

- ‌20 - منصورُ بن عمار (200ه

- ‌21 - الإمامُ الشافعيُّ (204ه

- ‌22 - يزيدُ بنُ هارونَ الواسطيُّ (206ه

- ‌23 - سعيدُ بن عامر الضبعيُّ عالِمُ البصرة (208ه

- ‌24 - عبدُ الله بن أبي جعفر الرازيُّ

- ‌25 - القعنبيُّ (221ه

- ‌26 - عاصمُ بن علي شيخ البخاري (221ه

- ‌27 - هشام بن عبيد الله الرَّازيُّ (221ه

- ‌28 - بِشْر الحافي، زاهدُ العصرِ (227ه

- ‌29 - محمدُ بن مصعب العابدُ: شيخُ بغداد (228ه

- ‌30 - نُعَيمُ بن حمَّاد الخزاعيُّ الحافظ (228ه

- ‌31 - أبو عبد الله بن الأعرابي، لغوي زمانه (231ه

- ‌32 - أبو معمر القطيعي (236ه

- ‌33 - إسحاق بن راهويه عالم خراسان (238ه

- ‌34 - قُتَيْبَةُ بنُ سعيدٍ: شيخُ خراسانَ (240ه

- ‌35 - أحمدُ بن حنبل شيخُ الإسلام (241ه

- ‌36 - الإمام الربانيُّ محمدُ بن أسلم الطوسيُّ (242ه

- ‌37 - الحارثُ بن أسد المحاسبيُّ (243ه

- ‌39 - خَشَيْشُ بن أصرم (253ه

- ‌41 - إسماعيل بن يحيى المزنيُّ (264ه

- ‌42 - أبو زُرعة الرازيُّ (264ه

- ‌43 - أبو حَاتِمٍ الرازيُّ (277ه

- ‌44 - حَرْب الكَرْمَانِيُّ (280ه

- ‌45 - ابنُ قُتَيْبَةَ (276ه

- ‌46 - أبو عيسى الترمذيُّ (279ه

- ‌47 - عثمانُ بنُ سعيد الدّارِمِيُّ الحافظُ (280ه

- ‌48 - ثَعْلَب إمامُ العربية (291ه

- ‌49 - أبو مُسْلِمٍ الكجيُّ الحافظُ (292ه

- ‌50 - عَمْرُو بنُ عثمانَ المكيُّ (297ه

- ‌51 - ابنُ أبي شَيْبَةَ (297ه

- ‌52 - زكريا السَّاجيُّ (307ه

- ‌53 - محمدُ بن جرير الطبريُّ (310ه

- ‌54 - ابنُ الأخرم (311ه

- ‌55 - إمام الأئمة ابنُ خُزَيْمَةَ (311ه

- ‌56 - نِفْطَوَيْه شيخُ العربية (323ه

- ‌57 - أبو الحسن الأشعريُّ (324ه

- ‌58 - البَرْبَهَارِيُّ (329ه

- ‌59 - الوزير عليُّ بنُ عيسى (334ه

- ‌60 - العلَّامة أبو بكر الضِّبْعِيُّ (342ه

- ‌61 - ابنُ شعبان (355ه

- ‌62 - الإمام أبو بكر الآجُرِّيُّ (360ه

- ‌63 - الحافظُ أبو الشيخ (369ه

- ‌64 - العلاّمة أبو بكر الإسماعيليُّ (371ه

- ‌65 - أبو الحسن بنُ مهدي المتكلِّمُ (380ه

- ‌66 - ابنُ بطَّة (387ه

- ‌67 - ابنُ أبي زيدٍ (386ه

- ‌68 - ابنُ مَنْدَه (395ه

- ‌69 - ابنُ أبي زمْنِين (399ه

- ‌70 - القَصّابُ (400ه

- ‌71 - ابنُ الباقلانيُّ (403ه

- ‌72 - ابنُ موهب (406ه

- ‌73 - مَعْمَرُ بنُ زيادٍ (418ه

- ‌74 - أبو القاسم اللَالكَائِيُّ (418ه

- ‌75 - السُّلطانُ (421ه

- ‌76 - يحيى بنُ عمَّارٍ (422ه

- ‌77 - القادرُ بالله أميرُ المؤمنين (422ه

- ‌78 - أبو عمر الطلمنكيُّ (429ه

- ‌79 - أبو نُعيم الأصبهانيُّ (430ه

- ‌80 - عبدُ الله بن يوسف الجوينيُّ (438ه

- ‌81 - أبو عَمْرٍو الدّانِيُّ (440ه

- ‌82 - عليُّ بنُ عمر الحربيُّ (442ه

- ‌83 - أبو عثمانَ الصابونيُّ (449ه

- ‌84 - أبو نَصْرٍ السجزيُّ (444ه

- ‌85 - القاضي أبو يعلى (458ه

- ‌86 - البيهقيُّ (458ه

- ‌87 - ابنُ عبد البر (463ه

- ‌89 - سعدٌ الزنجانيُّ (471ه

- ‌90 - إمامُ الحرمَيْنِ (478ه

- ‌91 - شيخُ الإسلام الهرويُّ (481ه

- ‌93 - الفقيهُ نَصْر المقدسيُّ (490ه

- ‌94 - ابن الحدَّاد (517ه

- ‌95 - أبو الحسن بنُ الزاغونيِّ (527ه

- ‌96 - الحسنُ الكرجيُّ (532ه

- ‌98 - عديُّ بنُ مسافر الأمويُّ الهكاريُّ (555ه

- ‌99 - العلامةُ يحيى بنُ أبي الخير العمرانُّي (558ه

- ‌100 - الشيخُ عبدُ القادر (562ه

- ‌101 - ابنُ رشد المالكيُّ (595ه

- ‌102 - المقدسيُّ (600ه

- ‌103 - القرطبيُّ (677ه

- ‌105 - العلاّمةُ الشَّوكانِيُّ (1255ه

- ‌الدَّلِيلُ مِنَ الفِطْرَةِ

- ‌هل نَجْزِمُ بِإِثْبَاتِ العُلُوِّ على العَرْشِ، أو نُفَوِّضُ

- ‌شُبُهَاتٌ والرَّدُّ عَلَيْهَا

- ‌الشُّبْهَةُ الأولىيستلزمُ منْ إثباتِ الفوقيَّةِ لله تعالى أنْ يكونَ في مكانٍ وحيِّزٍ وجهةٍ

- ‌الشُّبْهَةُ الثَّانِيَةُلو كانَ الخالقُ فوقَ العرشِ لكانَ حاملُ العرشِ حاملًا لمنْ فوقَ العرشِ فيلزمْ احتياجُ الخالقِ إلى المخلوقِ

- ‌الشُّبْهَةُ الثَّالِثَةُلَوْ كانَ اللهُ فِي السَّمَاءِ لكانَ محصورًا

- ‌الشُّبْهَةُ الرَّابِعَةُقال الرازيُّ: العالمُ كُرَةٌ…فلو كانَ الله في جهةِ فوق لكانَ أسفلَ بالنِّسبةِ إلى سكَّانِ الوجهِ الآخر

- ‌الشُّبْهَةُ الخَامِسَةُلو كانَ مَوْصُوفًا بالعُلُوِّ لكانَ جسمًا، ولو كانَ جسمًا لكان مماثلًا لِسَائِرِ الأَجْسَامِ، واللهُ قد نَفَى عنه المِثْلَ

- ‌الشُّبْهَةُ السَّادِسَةُلو كانَ الله فوقَ العرشِ للزمَ إمَّا أنْ يكونَ أكبرَ مِنَ العرشِ أو أصغرَ أو مساويًا وكلُّ ذلكَ مِنَ المحالِ

- ‌الشُّبْهَةُ الحَادِيَةُ عَشْرَةَلوْ كانَ تعالى فوقَ العرشِ لما صحَّ القولُ بأنَّهُ تعالى قريبٌ منْ عبادهِ

- ‌الردُّ على منِ ادَّعى المجازَ بالفوقيَّةِ بفوقيَّةِ القَدْرِ والرُّتْبَةِ

- ‌الرَّدُّ عَلى مَنْ تَأَوَّلَ الاسْتِوَاءَ بالاسْتِيلاءِ

- ‌الرَدُّ عَلَى مَنْ تَأَوَّلَ نُزُولَ الله عَلَى غَيْرِ مَعْنَاهُ الحَقِّ

- ‌الشُّبهاتُ الواردةُ على صفَّةِ النزولِ

- ‌أَسْئِلَةٌ مُهِمَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِحَدِيثِ النُّزُولِ

- ‌السؤالُ الأوَّلُ:هل نقولُ ينزلُ بذاتهِ

- ‌السؤال الثاني:كيفَ نجمعُ بينَ قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «تفتحُ أبوابُ السّمَاءِ نصفَ الليلِ، فينادي منادٍ: هلْ منْ داعٍ فيستجابُ لهُ؟ هلْ منْ سائلٍ فيُعطى؟ هلْ منْ مكروبٍ فيفرَّج عنهُ؟ فلا يبقى مسلمٌ يدعو بدعوةٍ إلَّا استجابَ اللهُ تعالى لهُ

- ‌السؤالُ الثالثُ:كيفَ نجمعُ بين علوِّ الله على العرشِ ونزولهِ إلى السَّماءِ الدُّنيا

- ‌السؤالُ الرابعُ:ما يستفادُ مِنْ حديثِ النزولِ

- ‌أَسْئِلَةٌ وأَجْوِبَتُهَا

- ‌السؤالُ الرابعُما معنى قول السَّلفِ: أمِرُّوهَا كما جاءتْ بلا كيفٍ

- ‌السؤالُ الخامسُكيف استوى على العرش

- ‌السؤالُ السادسُهل مذهبُ السَّلفِ أسلمُ، ومذهبُ الخلفِ أحكمُ وأعلمُ

- ‌السؤالُ الثامنُهل آياتُ الصِّفاتِ مِنَ المتشابَه

- ‌كَلَامٌ نَفِيسٌ لِشَيْخِ الإِسْلَامِ في العُلُوِّ والفَوْقِيَّةِ

- ‌أَثَرُ الإِيْمَانِ بِعُلُوِّ الرَّحْمَنِ

- ‌الخَاتِمَةُ

الفصل: ‌شهادته صلى الله عليه وسلم التي هي أصدق شهادة عند الله وملائكته وجميع المؤمنين لمن قال: «إن ربه في السماء» بالإيمان

فإنْ قالَ قائلٌ: فقدْ جاءَ الحديثُ بلفظِ: «ارحَمُوا أهلَ الأرضِ يرحَمْكُم أهلُ السَّماءِ» (1).

والجوابُ أنْ يقالَ: الروايةُ الأولى أولى بالصَّوابِ كمَا قالَ الحافظُ ابنُ حجرٍ في «الإمتاعِ» (ص66). وقالَ في معنى الحديثِ:

إنَّ مَنْ يرحَمْ مَنْ في الأرضِ قد

آنَ أنْ يرحمَهُ مَنْ في السَّمَا

فارحَمِ الخَلْقَ جميعًا إنَّما

يَرْحَمُ الرَّحْمَنُ فينا الرُّحَمَا

العاشرُ:

‌شهادَتُهُ صلى الله عليه وسلم التي هيَ أصدقُ شهادةٍ عند اللهِ وملائكتِهِ وجميعِ المؤمنينَ لمنْ قالَ: «إنَّ ربَّهُ في السَّماءِ» بالإيمانِ

، وشهدَ عليهِ أفراخُ جهمٍ بالكفرِ.

وصرَّحَ الشَّافعيُّ بأنَّ هذا الذي وصفتهُ منْ أنَّ ربَّهَا في السَّماءِ إيمانٌ، فقالَ في كتابهِ (2) في «بابِ عتقِ الرقبةِ المؤمنةِ» ، وذكرَ حديثَ الأمةِ السَّوداءِ التي سوَّدتْ وجوهَ الجهميَّةِ، وبيَّضتْ وجوهَ المحمَّديَّةِ، فلمَّا وصفتِ الإيمانَ قالَ:«أَعْتِقْهَا فإنَّهَا مُؤمِنَةٌ» ، وهي إنَّمَا وصفتْ كونَ ربِّهَا في السَّماءِ، وأنَّ محمَّدًا عبدهُ ورسولهُ، فَقَرَنَتْ بينهما في الذِّكرِ، فجعلَ الصَّادقُ المصدوقُ مجموعَهُما هو الإيمانُ (3).

قالَ شيخُ الاسلامِ الصَّابونيُّ رحمه الله: وإنَّما احتجَّ الشَّافعيُّ - رحمةُ الله عليهِ - على المخالفينَ

بهذا الخبرِ لاعتقادهِ أنَّ اللهَ سبحانهُ فوقَ خلقهِ وفوقَ سبعِ سمواتهِ على عرشهِ كمَا هوَ معتقدُ المسلمينَ أَهلِ السنَّةِ والجماعةِ سلفِهِم وخَلَفِهِم، إذْ كانَ رحمه الله لا يروي خبرًا صحيحًا لا يقولُ بهِ (4).

(1) رواه أحمد في «المسند» (2/ 160)(6494) - بترقيم أحمد شاكر وقال: إسناده صحيح. راجع: «السلسلة الصحيحة» (925).

(2)

الأم (5/ 298).

(3)

إعلام الموقعين (2/ 316).

(4)

عقيدة السلف أصحاب الحديث (ص43).

ص: 27

وقال الحافظُ إسماعيلُ بنُ محمدٍ التيميُّ رحمه الله: فحكمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بإيمانها حينَ قالتْ: إنَّ اللهَ في السماءِ، وتحكمُ الجهميَّةُ بكفرِ منْ يقولُ ذلكَ (1).

وقالَ ابنُ القيِّم رحمه الله:

وَاذْكُرْ شَهَادَتَهُ لِمَنْ قَدْ قَالَ رَبـ

ـي فِي السّمَا بحَقِيقَةِ الإيمَانِ

وَشَهَادَةَ العَدْلِ المعَطِّل للذِي

قَدْ قَالَ ذَا بِحَقِيقَةِ الكُفْرَانِ

وَاحْكُمْ بأيِّهِمَا تَشَاءُ وإنَّنِي

لأَراكَ تَقْبَلُ شَاهِدَ البُطْلَانِ

إنْ كُنْتَ مِنْ أتْبَاعِ جَهْمٍ صَاحِب التَّـ

ـعْطِيلِ والبُهْتَانِ وَالعُدْوَانِ (2)

(1) الحجة في بيان المحجة (2/ 115).

(2)

الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية (ص143).

ص: 28

الحادي عَشَرَ:

التَّصريحُ بالاستواءِ مقرونًا بأداة «على» مختصًّا بالعرشِ - الذي هو أعلى المخلوقاتِ وأنْزَهِهَا وأطْهَرِهَا وأنْوَرِهَا وأشْرَفِهَا ذاتًا وقَدْرًا وأوسَعِهَا - مصاحبًا في الأكثرِ لأداةِ «ثمَّ» الدَّالَّةِ على الترتيبِ والمهلةِ.

قالَ سبحانه وتعالى ومَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله حديثًا؟ -: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [السجدة: 4](1).

وقالَ سبحانه وتعالى في وصفِ كتابهِ العزيزِ: {تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّماواتِ العُلَى * الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 4 - 5].

(1) قال ابنُ القيِّم رحمه الله في «مدارج السالكين» (1/ 42 - 43): «الرحمنُ: الذي الرحمةُ وصفُه. والرحيمُ: الراحمُ لعباده. ولهذا يقولُ تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 43] {إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 117]، ولم يجىء رحمنٌ بعباده، ولا رحمنٌ بالمؤمنين، مع ما في اسم «الرحمن» الذي هو على وزن فَعْلَان من سعة هذا الوصف، وثبوت جميع معناه الموصوف به. ألا ترى أنَّهم يقولون: غضبان، للممتلئ غضبًا، ونَدْمَان وحَيْران وسَكْران ولَهْفان لمن مُلىء بذلك، فبناء فعلان للسعة والشمول. ولهذا يقرن استواؤه على العرش بهذا الاسم كثيرًا فاستوى على عرشه باسم الرحمن، لأنَّ العرش محيط بالمخلوقات، وقد وسعها. والرحمة محيطة بالخلق واسعة لهم، كما قال تعالى:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156]، فاستوى على أوسع المخلوقات بأوسع الصفات. فلذلك وسعت رحمته كلَّ شيء. وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَمَّا قضَى اللهُ الخلقَ كتبَ في كتابٍ، فهو عنده موضوعٌ على العرشِ. إنّ رحمَتِي تَغْلِبُ غَضِبي» .

فتأمَّلِ اختصاصَ هذا الكتابِ بذكرِ الرحمةِ، ووَضْعَهُ عنده على العرشِ، وطابِقْ بين ذلك وبين قوله:{الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5]، وقوله:{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَانُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59]، يَنْفَتِحْ لك بابٌ عظيمٌ من معرفةِ الربِّ تبارك وتعالى».

ص: 29

وقدْ فسَّرَ الطبريُّ رحمه الله الاستواءَ: بالعلوِّ والارتفاعِ (1).

وقالَ مجاهدٌ رحمه الله: «استوى: عَلَا على العرشِ» (2).

وقالَ سفيانُ الثوريُّ: كنتُ عندَ ربيعةَ بنِ أبي عبد الرحمن فسألهُ رجلٌ فقالَ: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5]، كيفَ استوى؟ فقالَ:«الاستواءُ غيرُ مجهولٍ، الكيفُ غيرُ معقولٍ، ومِنَ الله الرسالةُ، وعلى الرسولِ البلاغُ، وعلينا التَّصديقُ» (3).

وقالَ رجلٌ للإمامِ مالكٍ: يا أبا عبدِ الله: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5]، كيفَ استوى؟ قالَ:«الكيفُ غيرُ معقولٍ، الاستواءُ منهُ غيرُ مجهولٍ، والإيمانُ بهِ واجبٌ، والسؤالُ عنهُ بدعةٌ، وإنِّي أخافُ أنْ تكونَ ضَالًّا، وأمرَ بهِ فأُخرج» (4).

قالَ الإمامُ الذهبيُّ معقِّبًا: «هذا ثابتٌ عنْ مالكٍ، وهوَ قولُ أهلِ السنَّةِ قاطبةً: أنَّ كيفيَّةَ الاستواءِ لا نَعْقِلُهَا، بلْ نَجْهَلُهَا، وأنَّ استواءَهُ معلومٌ كمَا أخبرَ في كتابهِ، وأنَّهُ كمَا يليقُ بهِ، لا نتعمَّقُ ولا نَتَحَذْلَقُ، ولا نخوضُ في لوازمِ ذلكَ نفيًا ولا إثباتًا، بلْ نسكتُ ونقفُ كما وقفَ السَّلفُ، ونعلمُ أنَّهُ لو كانَ لهُ تأويلٌ لبادرَ إلى بيانهِ الصَّحابةُ، والتَّابعونُ، ولما وسعهم إقرارهُ وإمرارهُ والسُّكوتُ عنهُ، ونعلمُ يقينًا مَعَ ذلكَ أنَّ اللهَ جل جلاله لا مِثْلَ لهُ في صفاتهِ، ولا في استوائهِ، ولا في نزولهِ، سبحانه وتعالى عمَّا يقولُ الظالمونَ علوًّا كبيرًا» (5).

(1) انظر: جامع البيان (1/ 191).

(2)

أخرجه البخاري (13/ 414) معلَّقًا، وصحح إسناده ابن حجر في «تغليق التعليق» (5/ 3455).

(3)

أخرجه الذهبي في «العلو» (ص911)، وصححه.

(4)

أخرجه الذهبي في «العلو» (ص954) وقال: «هذا ثابتٌ عن مالك» .

(5)

العلو (ص954).

ص: 30

وقالَ بِشْر بنُ عمر رحمه الله (207هـ): «سمعتُ غيرَ واحدٍ منَ المفسِّرينَ يقولونَ: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5]، على العرشِ ارتفع» (1).

وقالَ يزيدُ بنُ هارون رحمه الله (206هـ) وقيلَ لهُ: مَنِ الجهميَّةُ؟ قالَ: «منْ زعمَ أنَّ {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5] على خلافِ ما يَقِرُ في قلوبِ العامَّةِ فهوَ جهميٌّ» (2).

قالَ الإمامُ الذهبيُّ رحمه الله معقِّبًا: «(يَقِرُ): مخففٌ، و (العامَّةُ): مرادهُ بهم جمهورُ الأمَّةِ وأهلُ العلمِ، والذي وقرَ في قلوبهم مِنَ الآيةِ هوَ ما دلَّ عليهِ الخطابُ معَ يقينهم بأنَّ المستوي ليسَ كمثلهِ شيءٌ. هذا الذي وقرَ في فِطَرِهِم السَّليمةِ، وأذهانهم الصَّحيحةِ، ولوْ كانَ له معنًى وراءَ ذلكَ، لَتَفَوَّهُوا بهِ ولما أهملوهُ، ولو تأوَّلَ أحدٌ منهم الاستواءَ، لتوفَّرتِ الهِمَمُ على نقلهِ، ولو نُقِلَ لاشتهرَ. فإنْ كانَ في بعضِ جَهَلَةِ الأغبياءِ منْ يفهمُ مِنَ الاستواءِ ما يوجبُ نقصًا أو قياسًا للشاهدِ على الغائبِ؛ وللمخلوقِ على الخالقِ، فهذا نادرٌ، فمنْ نطقَ بذلكَ زُجِرَ وعُلِّم، وما أظنُّ أنَّ أحدًا مِنَ العامَّةِ يَقِرُ في نفسهِ ذلكَ، واللهُ أعلمُ» (3).

(1) أخرجه الذهبي في العلو (ص1011)، وقال الألباني في «مختصر العلو» (ص160):«وهذا إسناد صحيح مسلسل بالثقات الحفاظ» .

(2)

أخرجه أبو داود في «المسائل» (ص268) بسند جيد.

(3)

العلو (2/ 1031).

ص: 31

وقالَ إمامُ الأئمَّةِ ابن خزيمة رحمه الله (311هـ): «فنحنُ نؤمنُ بخبرِ الله جلَّ وعلا أنَّ خالقَنا مستوٍ على عرشهِ، لا نبدِّلُ كلامَ الله ولا نقولُ قولًا غيرَ الذي قيلَ لنا، كمَا قالتِ المعطِّلةُ والجهميَّةُ: إنَّهُ استولى على عرشهِ لا استوى، فبدَّلوا قولًا غيرَ الذي قيلَ لهم كفعلِ اليهودِ لمَّا أمِرُوا أنْ يقولوا: حِطَّةٌ، فقالوا: حِنْطَةٌ، مخالفينَ لأمرِ الله جلَّ وعلا، كذلكَ الجهميَّة» (1).

وقالَ العلَّامةُ الشنقيطيُّ رحمه الله: «وقدْ أشارَ تعالى في سورةِ الفرقانِ أنَّ وصفَ الله بالاستواءِ صادرٌ عنْ خبيرٍ بالله وبصفاتهِ، عالمٌ بما يليقُ بهِ، وبما لا يليقُ وذلكَ في قولهِ تعالى:{الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَانُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا *} [الفرقان: 59].

فتأمَّلْ قولَهُ: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59]، بعدَ قولهِ:{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَانُ} [الفرقان: 59]، تعلم أنَّ منْ وصفَ الرحمنَ بالاستواءِ على العرشِ خبيرٌ بالرحمنِ وبصفاتهِ لا يخفى عليهِ اللائقُ مِنَ الصِّفاتِ وغيرِ اللائقِ. فالذي نبَّأنا بأنَّهُ استوى على عرشهِ هو العليمُ الخبيرُ الذي هو الرحمنُ، وقدْ قالَ تعالى:{وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 14].

وبذلكَ تعلم أنَّ منْ يدَّعي أنَّ الاستواءَ يستلزمُ التَّشبيهَ، وأنَّهُ غيرُ لائقٍ غيرُ خبيرٍ، نعمْ واللهِ هوَ غيرُ خبيرٍ» (2).

(1) كتاب التوحيد (ص101)، طبعة دار الكتب العلمية - بيروت.

(2)

أضواء البيان (7/ 468).

ص: 32