المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌757 - (1) باب قيام الناس في عرقهم على قدر أعمالهم ودنو الشمس إليهم وخطبته صلى الله عليه وسلم وتعليمه الناس - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٢٦

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌757 - (1) باب قيام الناس في عرقهم على قدر أعمالهم ودنو الشمس إليهم وخطبته صلى الله عليه وسلم وتعليمه الناس

- ‌758 - (2) باب إذا مات المرء عرض عليه مقعده، وما جاء في عذاب القبر، وسماع الميت قرع النعال، وفي إثبات الحساب، والأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت

- ‌ كتاب الفتن وأشراط الساعة

- ‌759 - (3) باب اقتراب الفتن، وفتح ردم يأجوج ومأجوج، والخسف بالجيش الذي يوم البيت، ونزول الفتن كمواقع القطر

- ‌760 - (4) باب ذكر حكم تواجه المسلمين بسيفيهما، وهلاك هذه الأمة بعضهم ببعض، وإخباره صلى الله عليه وسلم عما يكون إلى يوم القيامة، وذكر الفتنة التي تموج كموج البحر

- ‌761 - (5) باب لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب، وفتح القسطنطينية وخروج الدجال، ونزول عيسى وقيام الساعة والروم أكثر الناس وإقبال الروم في كثرة القتل عند خروج الدجال

- ‌762 - (6) باب فتوحات المسلمين قبل الدجال والآيات التي تكون قبل الساعة ولا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز وفي سكنى المدينة وعمارتها قبل الساعة وعدم إنبات الأرض مع كثرة المطر وكون الفتنة من المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان

- ‌763 - (7) باب لا تقوم الساعة حتى تعبد دوس ذا الخلصة، وحتى يمر الرجل على القبر فيتمنى أن يكون صاحبه، وأنه يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة، وذكر القحطاني والجهجاه، وقتال الترك، وذكر الخليفة الذي لا يعد المال عند قسمته

- ‌764 - (8) باب ذكر قتل عمار، وأغيلمة من قريش تكون فتنة لمن في زمنها، وإذا هلك كسرى…إلخ، وفتح مدينة جانبها في البحر، وقتال اليهود حتى يقول الحجر: يا مسلم، وذكر دجالين بين يدي الساعة

- ‌765 - (9) باب ذكر ابن صياد

- ‌766 - (10) باب ذكر الدجال وصفته وما معه من الفتن

- ‌767 - (11) باب حرمة المدينة على الدجال وقتله المؤمن وإحيائه هناك، وكون الدجال أهون على الله عز وجل، وقدر مكثه في الأرض، ونزول عيسى وقتله إياه

- ‌768 - (12) باب في ذكر حديث الجساسة وما فيه من ذكر الدجال

- ‌769 - (13) باب في بقية أحاديث الدجال وفضل العبادة في الهرج وقُرب الساعة وذكر ما بين النفختين

- ‌ كتاب الزهد

- ‌770 - (14) باب كون الدنيا سجن المؤمن وهوانها عند الله تعالى وما للمرء من ماله وما يحذر من بسط الدنيا ومن التنافس فيها والنهي عن النظر إلى من فوقك في الدنيا

- ‌771 - (15) باب في الابتلاء بالدنيا وكيف يعمل فيها، والخمول فيها والتقلل منها، والتزهيد في الدنيا والاجتزاء بالخشن منها، ورؤية الله في الآخرة ومخاطبة الرب عبده فيها

- ‌772 - (16) باب ضيق معيشة آل محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌773 - (17) باب النهي عن دخول مساكن الذين ظلموا إلا أن يبكوا، وفضل الساعي على الأرامل والأيتام، والباني للمساجد، وفضل الصدقة على المساكين، وتحريم الرياء ونحوه، ووجوب حفظ اللسان، وعقوبة من يأمر ولا يفعل، والنهي عن هتك الستر عن نفسه، وندب التشميت عند العطاس وكراهية التثاؤب

- ‌ كتاب في أحاديث متفرقة

- ‌774 - (18) باب خلق الملائكة والجان وآدم وأن الفأر مسخ ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين والمؤمن أمره كله خير والنهي عن المدح إذا كان فيه إفراط وتقديم الأكبر في مناولة الشيء وغيرها والتثبت في الحديث وحكم كتابة العلم وقصة أصحاب الأخدود

- ‌775 - (19) باب في حديث أبي اليسر وحديث جابر الطويل رضي الله تعالى عنهما وحديث الهجرة ويقال له حديث الرحل بالحاء

- ‌ كتاب التفسير

- ‌776 - (20) باب في تفسير قوله تعالى: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا}

- ‌777 - (21) باب تتابع الوحي قرب وفاته صلى الله عليه وسلم

- ‌778 - (22) باب بيان تفسير قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}

- ‌779 - (23) باب تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} الآية

- ‌780 - (24) باب قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}

- ‌781 - (25) باب قوله تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ}

- ‌782 - (26) باب قوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا}

- ‌783 - (27) باب قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ}

- ‌784 - (28) باب قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ}

- ‌785 - (29) باب في قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيتَ النَّاسَ} إلخ

- ‌786 - (30) باب قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا}

- ‌787 - (31) باب في قوله تعالى: {وَلَيسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} الآية

- ‌788 - (32) باب في قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ}

- ‌789 - (33) باب قوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [

- ‌790 - (34) باب في قوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ}

- ‌791 - (35) باب في قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} الآية

- ‌792 - (36) باب في بيان سبب نزول سورة براءة والأنفال والحشر، وبيان تسميتها بهذه الأسماء

- ‌793 - (37) باب في نزول تحريم الخمر

- ‌794 - (38) باب نزول قوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} الآية

الفصل: ‌757 - (1) باب قيام الناس في عرقهم على قدر أعمالهم ودنو الشمس إليهم وخطبته صلى الله عليه وسلم وتعليمه الناس

بسم الله الرحمن الرحيم

‌757 - (1) باب قيام الناس في عرقهم على قدر أعمالهم ودنو الشمس إليهم وخطبته صلى الله عليه وسلم وتعليمه الناس

7030 -

(2834)(1) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْب وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَعُبَيدُ اللهِ

ــ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله المتفرد بجلاله وجماله، المتصف بالكمال في ذاته وصفاته وأفعاله، والشكر له على نواله، شكرا يوافي محصوله، ويكافئ مزيده، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، شهادة عبد أقر بربوبيته، وقام بعبوديته، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم صاحب المقام المحمود، واللواء المعقود، والحوض المورود، وعلى آله وصحبه ذوي التقا والكرم والجود، صلاة وسلامًا دائمين متلازمين إلى يوم الدين، صلاة تحل بها العقد، وتفك بها الكرب، وتبلغ بها العبد غاية ما طلب، من رضاك الأدوم نهاية الأرب، صلاة أرقى بها مراقي الإخلاص، وأنال بها غاية الاختصاص، صلاتك التي صليت عليه دائمة بدوامك، باقية ببقائك، عدد ما أحاط به علمك، وجرى به قلمك، أنت الإله الأعز الأكرم.

أما بعد: فإني لما فرغت من تسطير المجلد الخامس عشر تفرغت لتسويد المجلد السادس عشر بما عندي من نفائس العلوم الناقلة وعرائس الفيوض الهاطلة، مستمدًا من فيض الله الكريم، ومستمطرًا من سحائب جوده العميم، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين، فقلت وقولي هذا:

757 -

(1) باب قيام الناس في عرقهم على قدر أعمالهم ودنو الشمس إليهم وخطبته صلى الله عليه وسلم وتعليمه الناس

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأول من الترجمة وهو قيامهم في عرقهم ودنو الشمس إليهم بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:

7030 -

(2834)(1) (حدثنا زهير بن حرب ومحمد بن المثنى وعبيد الله

ص: 7

ابْنُ سَعِيدٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيى، (يَعْنُونَ ابْنَ سَعِيدٍ)، عَنْ عُبَيدِ اللهِ. أَخبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالمِينَ (6)} [المطففين: 6] قَال: "يَقُومُ أَحَدُهُمْ فِي رَشحِهِ إِلَى أنصَافِ أُذُنَيهِ"، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ المُثَنَّى قَال:"يَقُومُ النَّاسُ" لَمْ يَذكُرْ يَوْمَ

ــ

ابن سعيد) بن يحيى اليشكري النيسابوري، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (قالوا حدثنا يحيى يعنون ابن سعيد) بن فروخ التميمي البصري المعروف بالقطان، ثقة، من (9) (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري المدني (أخبرني نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا المسند من خماسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير قوله تعالى:{يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالمِينَ (6)} [المطففين: 6](قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقوم أحدهم) أي أحد من أهل الموقف (في رشحه) أي في عرقه، والرشح بفتح الراء وسكون الشين العرق، واصلًا (إلى أنصاف أذنيه) عدل إلى جمع النصف دون تثنيه بقوله إلى نصفي أذنيه نظرًا إلى أفراد الناس أو فرارًا من ثقل إضافة تثنية إلى تثنية (وني رواية ابن المثنى) لفظة (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (يقوم الناس) بدل يقوم أحدهم (لم يذكر) ابن المثنى في روايته لفظة (يوم) يقوم الناس لرب العالمين، وفي رواية موسى بن عقبة وصالح الآتية (حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه) وهذا في موقف الحشر، وأخرج ابن المبارك في الزهد وابن أبي شيبة في مصنفه، واللفظ له بسند جيد عن سلمان قال: تعطى الشمس يوم القيامة حر عشر سنين ثم تدنى من جماجم الناس حتى تكون قاب قوسين فيعرقون حتى يرشح العرق في الأرض قامة ثم ترتفع حتى يغرغر الرجل، وزاد ابن المبارك في روايته ولا يضر حرها يومئذ مؤمنًا ولا مؤمنة، وسمي العرق رشحًا لأنه يخرج من بدنه شيئًا فشيئًا كما يترشح الإناء المتحلل الأجزاء، قال الطبري: العرق هو للزحام ولدنو الشمس حتى يغلي منها الرأس وحرارة الأنفاس وحرارة النار التي تحدق بالمحشر فترشح رطوبة بدن كل أحد، فإن قيل يلزم أن يسبح الجميع فيه سبحًا واحدًا ولا يتفاضلون في القدر، قيل يزول هذا الاستبعاد بأن يخلق الله تعالى في الأرض التي تحت كل واحد ارتفاعًا بقدر عمله فيرتفع العرق بقدر ذلك، وفيه جواب ثان وهو أن يحشر الناس جماعات متفرقة فيحشر من بلغ كعبيه في جهة ومن بلغ حقويه في جهة وهكذا اهـ سنوسي.

ص: 8

7031 -

(00)(00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسحَاقَ المُسَيَّبِيُّ. حَدَّثَنَا أَنسٌ، (يَعْنِي ابْنَ عِيَاضٍ). ح وَحَدَّثَنِي سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيسَرَةَ. كِلاهُمَا عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ. ح وَحَدَّثَنِي عَبدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ بْنِ يَحْيَى. حَدَّثَنَا مَعْنٌ

ــ

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في تفسير سورة ويل للمطففين باب يوم يقوم الناس لرب العالمين [4938] وفي الرقاق باب قوله تعالى: {أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4)} [6531]، والترمذي في تفسير سورة ويل للمطففين [3336]، وابن ماجه في الزهد باب ذكر البعث [4332].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

7031 -

(00)(00)(حدثنا محمد بن إسحاق) بن محمد بن عبد الرحمن بن المسيب المخزومي (المسيبي) نسبة إلى الجد المذكور أبو عبد الله المدني نزيل بغداد، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا أنس يعني ابن عياض) بن ضمرة بفتح فسكون بن عبد الرحمن الليثي المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (11) بابا (ح وحدثني سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل ثم الحدثاني، صدوق، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا حفص بن ميسرة) العقيلي مصغرًا الصنعاني صنعاء الشام أو صنعاء اليمن ثم العسقلاني، ثقة، من (8) روى عنه في (10) أبواب كلاهما) أي كل من أنس وحفص بن ميسرة رويا (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (10) أبواب (ح وحدثنا أبو بكر بن أبر شيبة حدثنا أبو خالد الأحمر) سليمان بن حيان الأزدي الكوفي، صدوق، من (8) روى عنه في (12) بابا (وعيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (17) بابا، كلاهما (عن) عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني مولاهم أبي عون البصري، ثقة ثبت، من (6) روى عنه في (11) بابا (ح وحدثني عبد الله بن جعفر بن يحيى) بن خالد بن برمك البرمكي البصري ثم البغدادي، ثقة، من (11) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا معن) بن عيسى بن يحيى الأشجعي مولاهم المدني، ثقة، من (10) روى عنه في (10) أبواب

ص: 9

حَدَّثَنَا مَالِكٌ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنَا الْحُلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ. كُل هَؤُلاءِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِمَعْنَى حَدِيثِ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ.

غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَصَالِحٍ: "حَتَّى يَغِيبَ أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيهِ".

7032 -

(2835)(2) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، (يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ)، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ أَبِي الْغَيثِ،

ــ

(حدثنا مالك) بن أنس الأصبحي المدني (ح وحدثني أبو نصر التمار) القشيري عبد الملك بن عبد العزيز النسائي من أهل نسأ سكن بغداد، ثقة، من (9) روى عنه في (2) بابين (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8)(عن أيوب) السختياني البصري، ثقة، من (5)(ح وحدثنا) الحسن بن علي (الحلواني) الخلال الهذلي المكي، ثقة، من (11)(وعبد بن حميد) الكسي، ثقة، من (11)(عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد) الزهري المدني، ثقة، من (9)(حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد، ثقة، من (8)(عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني، ثقة، من (4)(كل هولاء) الخمسة المذكورين من موسى بن عقبة وابن عون ومالك وأيوب وصالح رووا (عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الخمسة لعبيد الله بن عمر، وساقوا (بمعنى حديث عبيد الله عن نافع غير أن) أي لكن أن (في حديث موسى بن عقبة وصالح) بن كيسان لفظة (حتى يغيب أحدهم) ويستتر (في رشحه) وعرقه (إلى أنصاف أذنيه) أي إلى نصفي أذنيه.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

7032 -

(2835)(2)(حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد) بن عبيد الدراوردي المدني (عن ثور) بن زيد الديلي المدني، ثقة، من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي الغيث) سالم المدني مولى عبد الله بن مطيع بن الأسود القرشي

ص: 10

عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "إِنَّ الْعَرَقَ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَيَذهَبُ فِي الأَرْضِ سَبعِينَ بَاعًا. وَإِنهُ لَيَبلُغُ إِلَى أَفْوَاهِ النَّاسِ أَو إِلَى آذَانِهِمْ" يَشُكُّ ثَوْرٍ أَيَّهُمَا قَال.

7033 -

(2836)(3) حدَّثنا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، أَبُو صَالِحٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ

ــ

العدوي، ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن أبي هريرة رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أن العرق) وهو رشحات البدن (يوم القيامة ليذهب في) عمق (الأرض سبعين باعًا) وهو ما بين أطراف أصابع اليدين إذا مدت اليدان من الجانبين وهو قدر أربعة أذرع (وإنه) أي وإن العرق (ليبلغ) ارتفاعًا (إلى أفواه الناس أو) قال لي أبو الغيث ليبلغ (إلى آذانهم يشك ثور أيهما) أي أي اللفظين (قال) أبو الغيث أي شك هل قال أبو الغيث لفظة إلى أفواه الناس أو لفظة إلى آذانهم، وفي رواية البخاري يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعًا ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم، وجاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن الذي يلجمه العرق الكافر، أخرجه البيهقي في البعث بسند حسن عنه قال: يشتد كرب ذلك اليوم حتى يلجم الكافر العرق قيل له فأين المؤمنون، قال على الكراسي من ذهب ويظلل عليهم الغمام، وبسند قوي عن أبي موسى قال: الشمس فوق رؤوس الناس يوم القيامة وأعمالهم تظلهم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الرقاق باب قول الله تعالى: {أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} [6532].

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث المقداد بن الأسود رضي الله عنهم فقال:

7033 -

(2836)(3)(حدثنا الحكم بن موسى) بن أبي زهير البغدادي (أبو صالح) القنطري نسبة إلى القنطرة موضع ببغداد، صدوق، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا يحيى بن حمزة) بن واقد الحضرمي أبو عبد الرحمن الدمشقي القاضي، ثقة، من (8) روى عنه في (7) أبواب (عن عبد الرحمن) بن يزيد (بن جابر) الأزدي

ص: 11

حَدَّثَنِي سُلَيمُ بْنُ عَامِرٍ. حَدَّثَنِي الْمِقْدَادُ بْنُ الأَسْوَدِ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: طتُدْنَى الشَّمْسُ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مِنَ الْخَلْقِ، حَتى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ".

قَال سُلَيمُ بْنُ عَامِرٍ: فَوَاللهِ مَا أَدْرِي مَا يَعْنِي بِالمِيلِ؟ أَمَسَافَةَ الأَرْضِ، أَمِ المِيلَ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ الْعَينُ.

قَال:

ــ

الشامي الدمشقي الداراني، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (حدثني سليم بن عامر) الكلاعي الخبائري نسبة إلى الخبائر بطن من الكلاع أبو يحيى الحمصي، روى عن المقداد بن الأسود في صفة الحشر، وعوف بن مالك وأبي الدرداء وطائفة، ويروي عنه (م عم) وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر ومعاوية بن صالح وثور بن يزيد وصفوان بن عمر، وثقه النسائي، وقال العجلي: شامي تابعي، ثقة، وقال يعقوب بن سفيان: ثقة مشهور، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة، وغلط من قال أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، مات سنة ثلاثين ومائة (130)(حدثني المقداد بن الأسود) هو المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة بن ثمامة بن مطرود البهراني الكندي حلفًا، وكان في حجر الأسود بن يغوث الزهري، فنسب إليه الصحابي المشهور رضي الله عنه، روى عنه (ع) ويروي عنه في (4) أبواب. وهذا السند من خماسياته (قال) المقداد (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تدنى) بالبناء للمجهول أي تقرب (الشمس يوم القيامة من الخلق) فوق رؤوسهم (حتى تكون منهم كمقدار) أي مثل قدر (ميل) ارتفاعًا منه، قال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر (قال) لنا (سليم بن عامر) الكلاعي الحمصي (فوالله ما أدري) ولا أعلم (ما يعني) ويقصد المقداد (بالميل) أي ما أدري (أ) قصد المقداد بالميل المذكور في الحديث (مسافة الأرض) التي هي أربعة آلاف خطوة بخطوة البعير (أم) قصد به (الميل) أي العود (الذي تكتحل به العين) أي العود الصغير الذي يؤخذ به الكحل من المكحلة، ثم يمسح به على أجفان العين لأن لفظ الميل اسم مشترك بين المسافة المعروفة وبين ميل المكحلة الذي يكتحل به ولكون الميل لفظًا مشتركًا بين المعنيين أشكل على سليم بن عامر، والأولى به ها هنا معنى مسافة الأرض لأنها إذا كان بينها وبين الرؤوس مقدار المرود فهي متصلة بالرأس لقلة مقدار المرود اهـ أبي. فـ (قال) النبي صلى

ص: 12

"فَيَكُونُ الناسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ. فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعبَيهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكبَتَيهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيهِ. وَمِنهُم مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا".

قَال: وَأَشَارَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ

ــ

الله عليه وسلم معطوف بعاطف مقدر على تدني (فيكون الناس على قدر أعمالهم) الصالحة كثرة وقلة (في) شأن (العرق) خفة وشدة (فمنهم من يكون) عرقه واصلا (إلى كعبيه) في الارتفاع من الأرض (ومنهم من يكون) عرقه واصلًا (إلى ركبتيه ومنهم من يكون) عرقه واصلًا (إلى حقويه) العظمان اللذان يعقد عليهما الإزار في وسط البدن من الجانبين كما مر (ومنهم من يلجمه العرق إلجامًا) أي يدخل فمه كلجام الفرس (قال) المقداد (وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده) الشريفة (إلى فيه) أي إلى فمه الشريف عندما ذكر إلجام العرق إيضاحا لمعنى الحديث بالإشارة.

قوله (فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق) وتفصيله فيما أخرجه الحاكم من حديث عقبة بن عامر رفعه "تدنو الشمس من الأرض يوم القيامة فيعرق الناس فمنهم من يبلغ عرقه عقبه، ومنهم من يبلغ نصف ساقه، ومنهم من يبلغ ركبتيه، ومنهم من يبلغ فخذه، ومنهم من يبلغ خاصرته، ومنهم من يبلغ منكبه، ومنهم من يبلغ فاه -وأشار بيده فألجمها فاه- ومنهم من يغطيه -وضرب بيده على رأسه-".

وهذا ظاهر في أن العرق يحصل لكل شخص من نفسه، وقال عياض: ويحتمل أن يريد عرقه وعرق غيره فيشدد على بعض، ويخفف على بعض، وهذا كله بتزاحم الناس، وانضمام بعضهم إلى بعض حتى صار العرق يجري سائحا في وجه الأرض كالماء في الوادي بعد أن شربت منه الأرض وغاص فيها سبعين ذراعًا. واستشكل هذا الحديث بأن الجماعة إذا وقفوا في الماء الذي على أرض معتدلة كانت تغطية الماء لهم على حد سواء لكنهم إذا اختلفوا في الطول والقصر تفاوتوا، ولكن الظاهر أن تفاوت الناس في القامة ليس بمثابة أن يبلغ العرق أرجل بعض ورؤوس الآخرين. والجواب أن ذلك من الخوارق الواقعة يوم القيامة ولا تقاس أحوال الآخرة بمقياس الدنيا، ثم اختلف أقوال العلماء هل يعم هذا العرق المؤمن والكافر أو يخص الكافر فقط، وقد مر من الأحاديث ما يؤيد الثاني وأن المؤمن يكون محفوظًا من حر الشمس لكن قال القرطبي: المراد من

ص: 13

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يكون كامل الإيمان لما يدل عليه حديث المقداد وغيره أنهم يتفاوتون في ذلك بحسب الأعمال، وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: ظاهر الحديث تعميم الناس بذلك ولكن دلت الأحاديث الأخرى على أنه مخصوص بالبعض وهم الأكثر، ويستثنى الأنبياء والشهداء، ومن شاء الله فأشدهم في العرق الكفار، ثم أصحاب الكبائر، ثم من بعدهم، والمسلمون منهم قليل بالنسبة إلى الكفار اهـ فتح الباري [11/ 394].

قال القرطبي: قوله حقويه بفتح الحاء وكسرها مع سكون القاف فيهما تثنية حقو كذلك وهما الخصران اللينان، وقيل هما طرفا الوركين، والأول هو المعروف والعرق هو إنما هو لشدة الضغط وحر الشمس التي على الرؤوس بحيث تغلي منها الهام جمع هامة وهي أم الرأس عظم الدماغ وحرارة الأنفاس وحرارة النار المحدقة بأرض المحشر ولأنها تخرج منها أعناق تلتقط الناس من الموقف نعوذ بالله منها ومن جميع أهوال يوم القيامة آمين.

فترشح رطوبة الأبدان من كل إنسان بحسب عمله ثم يجمع عليه ما يرشح منه بعد أن يغوص عرقهم في الأرض مقدار لسبعين باعا أو ذراعا أو عاما على اختلاف الروايات، فإن قيل فعلى هذا يكون الناس في مثل البحر من العرق فيلزم أن يسبح الكل فيها سبحًا واحدًا فكيف يكونون متفاضلين بعضهم إلى عقبيه، وبعضهم إلى فمه وما بينهما. قلنا يزول هذا الاستبعاد بأوجه أقربها وجهان، أحدهما: أن يخلق الله تعالى ارتفاعًا في الأرض التي تحت قدم كل إنسان بحسب عمله فيرتفع عن الأرض بحسب ارتفاع ما تحته. وثانيهما: أن يحشر الناس جماعات في تفرقة فيحشر كل من يبلغ عرقه إلى كعبيه في جهة، وكل من يبلغ حقويه في جهة، وهكذا والقدرة صالحة لأن تمسك عرق كل إنسان عليه بحسب عمله فلا يتصل بغيره وإن وإن بإزاثه كما قد أمسك جرية البحر لموسى عليه السلام حيث طلب لقاء الخضر ولبني إسرائيل حين أتبعهم فرعون والله تعالى أعلم بالواقع من هذه الأوجه. والحاصل أن هذا المقام مقام هائل لا تفي بسهولة عبارات، ولا تحيط به الأوهام ولا الإشارات، وأبلغ ما نطق به الناطقون في ذلك {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} اهـ من المفهم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في صفة القيامة باب ما جاء في شأن الحساب والقصاص [2421].

ص: 14

7034 -

(2837)(4) حدّثني أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشارٍ بْنِ عُثْمَانَ (وَاللَّفْظُ لأَبِي غَسَّانَ وَابْنِ الْمُثَنَّى)، قَالا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال، ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: "أَلا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي، يَوْمِي هَذَا. كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا، حَلالٌ. وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ

ــ

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة وهو خطبته صلى الله عليه وسلم وتعليمه الناس بحديث عياض بن حمار رضي الله عنه فقال:

7034 -

(2837)(4)(حدثني أبو غسان المسمعي) البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (10) أبواب (ومحمد بن المثنى ومحمد بن بشار بن عثمان) العبدي البصري (واللفظ لأبي غسان وابن المثنى قالا حدثنا معاذ بن هشام) الدستوائي البصري (حدثني أبي) هشام الدستوائي (عن قتادة عن مطرف بن عبد الله بن الشخير) العامري الحرشي البصري، ثقة، من (2) روى عنه في (9) أبواب (عن عياض) بكسر أوله وتخفيف التحتانية آخره معجمة (ابن حمار) بكسر المهملة وتخفيف الميم، ويقال عياض بن حماد بن سفيان بن مجاشع التميمي (المجاشعي) البصري الصحابي المشهور رضي الله عنه له ثلاثون حديثًا، انفرد له مسلم بحديث واحد، ويروي عنه (م عم) ومطرف بن عبد الله بن الشخير، وعاش إلى حدود الخمسين، وكان صديقًا له صلى الله عليه وسلم قديمًا. وهذا السند من سداسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم) أي يومًا من الأيام، فلفظ ذات مقحم (في خطبته) أي في عظته للناس (ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني) الله (يومي هذا) ظرف لأعلمكم أي أمرني أن أعلمكم في يومي هذا أي الحاضر. وقوله (كل مال نحلته) أي أعطيته (عبدًا) من عبادي فهو له (حلال) مقول لمحذوف تقديره أي قال الله تعالى فيما أمرني بتعليمه إياكم كل مال أعطيته عبدًا من عبادي فهو له حلال، والمراد إنكار ما حرموا على أنفسهم من السائبة والوصيلة والبحيرة والحامي وغير ذلك وأنها لا تصير حرامًا بتحريمكم، وكل مال ملكه العبد فهو له حلال حتى يتعلق به حق الله أو حق آدمي (وإني خلقت عبادي حنفاء) أي مسلمين (كلهم) أي مستعدين لقبول الحق، وقيل طاهرين من المعاصي والشرك، وقيل مستقيمين،

ص: 15

وَإِنَّهُمْ أتتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ. وَحَرَّمَتْ عَلَيهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ. وَأَمَرَتْهُمْ أَنَّ يُشرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنزِل بِهِ سُلْطَانًا. وَإنَّ اللهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ، عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ

ــ

وقيل منيبين لقبول الهداية، وقيل المراد حين أخذ عليهم العهد في الذر، وقال: ألست بربكم؟ قالوا: بلى اهـ نووي (وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم) أي أضلتهم وصرفتهم وخطفتهم (عن دينهم) الحق، قال النووي: هكذا هو في نسخ بلادنا (فاجتالتهم) وكذا نقله القاضي في رواية الأكثرين أي استخفوهم فذهبوا بهم وأزالوهم عما كانوا عليه وجالوا معهم في الباطل، وقال شمر: اجتال الرجل الشيء ذهب به واجتال أموالهم ساقها وذهب بها (وحرمت عليهم) تلك الشياطين (ما أحللت) أنا (لهم) من البحيرة والسائبة وغيرهما (وأمرتهم) تلك الشياطين (أن يشركوا بي) في العبادة معي (ما) أي معبودا (لم أنزل) أنا (به) أي بعبادته (سلطانًا) أي حجة وبرهانًا، وهذا قيد لا مفهوم له كما هو مقرر في محله، سمي البرهان سلطانًا لتسلطه على القلوب بالقهر والغلبة، والمعنى ما ليس على إشراكه دليل عقلي ولا نقلي، وما اسم موصول في محل النصب مفعول به ليشركوا، وقوله (وإن الله نظر إلى أهل الأرض) معطوف على قوله ألا إن ربي أمرني، والمعنى ألا وإن الله نظر وأبصر إلى أهل الأرض نظرًا يليق به ليس كمثله شيء (فمقتهم) أي بغضهم وسخط عليهم، والمقت أشد البغض والمراد بهذا المقت والنظر ما قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم (عربهم وعجمهم) والمراد بالعجم هنا من لا يتكلم بكلام العرب، والمعنى أن الله تعالى أبغضهم لسوء صنيعهم وخبث عقيدتهم واتفاقهم قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم على الشرك سواء كان بعبادة الأصنام كما وقع لمعظم جاهلية العرب أو بعبادة عيسى عليه السلام كما وقع للنصارى أو بعبادة عزير عليه السلام كما وقع لليهود (إلا بقايا) جمع بقية وهم الذين بقوا على دين نبيهم بلا تحريف ولا تبديل أي ألا بقية (من أهل الكتاب) أي اليهود والنصارى بقوا على دين نبيهم، والظاهر أن المراد بهم هنا أتباع عيسى عليه السلام الذين بقوا على دينه وشريعته بدون أن يرتكبوا فيه تحريفًا إلى أن بعث محمد صلى الله عليه وسلم ولا اعتبار ببقايا اليهود لأن دين موسى رفع بدين عيسى عليهما السلام ولا ينفعهم البقاء عليه، قال القرطبي:(قوله إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم) إلخ، وذلك أن كلًّا

ص: 16

وَقَال: إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ. وَأنزَلتُ عَلَيكَ كِتَابًا لَا يَغسِلُهُ الْمَاءُ

ــ

من الفريقين كان يعبد غير الله أو يشرك معه غيره فكان الكل ضلالًا عن الحق خارجين عن مقتضى العقول والشرائع فأبغضهم الله لذلك أشد البغض لكن لم يعاجلهم بالانتقام منهم حتى أعذر إليهم بأن أرسل إليهم رسولًا وأنزل عليهم كتابًا قطعًا لمعاذيرهم وإظهارًا للحجة عليهم، وإنما استثنى البقايا من أهل الكتاب لأنهم كانوا متمسكين بالحق الذي جاءهم به نبيهم، ويعني بذلك والله أعلم من كان في ذلك الزمان متمسكًا بدين المسيح لأن من كفر من اليهود بالمسيح لم يبق على دين موسى ولا متمسكًا بما في التوراة ولا دخل في دين عيسى فلم يبق أحد من اليهود متمسكًا بدين حق ألا من آمن بالمسيح واتبع الحق الذي كان عليه، وأما من لم يؤمن به فلا تنفعه يهوديته ولا تمسكه بها لأنه قد ترك أصلًا عظيمًا مما فيها وهو العهد الذي أخذ عليهم في الإيمان بعيسى عليه السلام وكذلك نقول كل نصراني بلغه أمر نبينا وشرعنا فلم يؤمن به لم تنفعه نصرانيته لأنه قد ترك ما أخذ عليه من العهد في شرعه ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:"والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار "رواه مسلم في كتاب الإيمان [153] اهـ من المفهم.

(وقال) الله لي عز وجل (إنما بعثتك) إليهم (لأبتليك) أي لأمتحنك بتبليغ الرسالة والصبر على معاناة أهل الجاهلية وإيذاء الكفرة والمشركين لك (و) لـ (أبتلي) أي أمتحن (بك) غيرك هل يصدقونك أو يكذبونك أي فمن آمن بك واتبعك أثبته، ومن كذبك وخالفك انتقمت منه وعاقبته (وأنزلت عليه كتابًا لا يغسله الماء) وهو القرآن، يعني أنه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب بل يبقى على ممر الزمان، والمعنى أي كتابًا يسرت تلاوته وحفظه فخف على الألسنة ووعته القلوب فلو غسلت المصاحف لما انغسل من الصدور ولما ذهب من الوجود ويشهد لذلك قوله تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] وقوله: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)} [القمر: 32] وفي الإسرائيليات أن موسى عليه السلام قال: يا رب إني أجد أمة تكون أناجيلها في صدورها فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة محمد "قال الطيبي: والمراد من هذا الكلام أن القرآن الكريم لا يبقى محفوظًا في الصحف والزبر فقط، بل يبقى محفوظًا في صدور المؤمنين فمن أراد محوه من الصحف والزبر والعياذ بالله لم تنعدم نسخه لبقائه في صدور الحفاظ وهذا من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وقيل معناه أنه يبقى كتابًا مستمرًا متداولًا

ص: 17

تَقْرَؤُهُ نَائِمًا ويقْظَانَ. وَإِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أُحَرِّقَ قُرَيشًا. فَقُلْتُ: رَبِّ، إِذًا يَثْلَغُوا رَأْسِي فَيَدَعُوهُ خُبْزَةً

ــ

بين الناس لا ينسخ ولا ينسى بالكلية وعبر عن إبطال حكمه وترك قراءته والإعراض عنه بغسل أوراقه بالماء على سبيل الاستعارة أو كتابًا واضحا آياته بينا معجزاته لا يبطله جور جائر، ولا يدحضه شبهة مناظر، فمثل الإبطال معنى بالإبطال صورة، وقيل كنى به عن غزارة معناه وكثرة جدواه من قولهم مال فلان لا يفنيه الماء والنار اهـ منه. (تقرأه نائمًا ويقظان) قال الطيبي: أي يصير لك ملكة بحيث يحضر في ذهنك وتلتفت إليه نفسك في أغلب الأحوال فلا تغفل عنه نائمًا ويقظان، وقد يقال للقادر على الشيء الماهر به هو يفعله نائمًا، وقال الشيخ علي القاري: أقول لا احتياج إلى التأويل بالنسبة إلى قلبه الشريف لأنه صلى الله عليه وسلم تنام عيناه ولا ينام قلبه، وقد شوهد كثير من الناس صغيرًا وكبيرًا أنهم يقرؤون وهم نائمون اهـ. قال القرطبي: وقد شاهدنا المديمين على تكرار القرآن يقرؤون منه الكثير وهم نيام، وذلك قبل استحكام غلبة النوم عليهم (و) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا:(أن الله أمرني أن أحرق قريشًا) أي أمرني أن أهلكهم أي الكفار منهم، وفي رواية الطبراني في المعجم الكبير [17/ 359]"وإن الله أمرني أن أغزو قريشًا" ومن طريق معمر عنده أيضًا "إن الله أوحى إلي أن أغزو قريشًا"(فقلت) يا (رب إذا) بالتنوين حرف جواب وجزاء لمحذوف ينصب المضارع بعده أي إن حرقتهم إذًا (يثلنوا) بفتح اللام أي يشدخوا (رأسي) ويشجوه كما يشدخ الخبز ويكسر (فيدعوه) أي فيتركوا رأسي (خبزة) مشدوخة أي مثل خبزة، ومعنى هذا أنه شبه الرأس إذا شدخ بالخبزة إذا شدخت لتثرد. قال القرطبي: قوله: (إن الله أمرني أن أحرق قريشًا) أي أن أغيظهم بما أسمعهم من الحق الذي يخالف أهواءهم وأولم قلوبهم بعيب آلهتهم وتسفيه أحلام آبائهم وقتالهم ومغالبتهم حتى كأني أحرق قلوبهم بالنار ولا يصح أن يحمل ذلك على حقيقته لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصح عنه أنه حرق أحدًا من قريش بالنار، بل قد نهى عن التعذيب بالنار، وقال:"لا يعذب بالنار إلا الله" رواه البخاري وأبو داود والترمذي.

قال القرطبي: وهذا الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم من نحو ما قاله موسى عليه السلام حين أمر بتبليغ الرسالة إلى فرعون فـ {قَال رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ

ص: 18

قَال: اسْتَخْرِجْهُمْ كَمَا اسْتَخرَجُوكَ. وَاغزُهُمْ نُغْزِكَ. وَأَنْفِقْ فَسَنُتفِقَ عَلَيكَ. وَابْعَثْ جَيشًا نَبْعَثْ خَمْسَةً مِثلَهُ

ــ

صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14)} [الشعراء: 12 - 14] فهذا صريح في أنهما خافا غير الله وحينئذ يعارضه قوله تعالى في صفة الرسل: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إلا اللَّهَ} وهذا نص في أن الرسل لا تخشى أحدًا ألا الله وهذا هو المناسب لمعرفتهم بالله وأنه ليس في الوجود فاعل ولا خالق ألا هو وخصوصا لأولي العزم من الرسل وخصوصًا لمحمد وموسى صلى الله وسلم عليهما ويرتفع التعارض من وجهين: أحدهما أن ذلك الخوف كان منهما في بدايتهم قبل تمكنهم وإعلامهم بحميد عواقب أحوالهم وقبل تأمينهم فلما مكنوا وأمنوا لم يخشوا ألا الله ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم في أول أمره يحرس وهو في منزله فلما أنزل الله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] أخرج رأسه إليهم فقال: اذهبوا فقد عصمني ربي" رواه الترمذي [3046]. وثانيهما على تسليم: أن يكون ذلك منهم غير بدايتهم لكن ذلك الخوف هو الذي لا ينفك البشر عن فجأته ووقوع بادرته حتى إذا راجع الإنسان عقله وتدبر أمره اضمحل ذلك الخوف أي اضمحلال وحمل لي من معرفة الله وخشيته ما يستحقر معه رسوخ الجبال والله تعالى أعلم.

(قال) الله لي (استخرجهم) أي أخرج قريشًا من مكة (كما استخرجوك) أي كما أخرجوك منها فالسين والتاء زائدتان كما يقال استجاب بمعنى أجاب وقد رواه العذري: "كما أخرجوك" وهذا يدل على أن هذا القول صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد الهجرة فإن أهل مكة هم الذين أخرجوه من مكة حتى هاجر إلى المدينة اهـ مفهم. وفي هذا إشارة إلى ما وقع من الإعلان يوم البراءة أن كفار جزيرة العرب لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف (واغزهم) أمر من غزا الثلاثي أي اعزم على غزوهم واشرع فيه (نغزك) بضم النون وسكون الجن وكسر الزاي مضارع من أغزى الرباعي مجزوم بالطلب السابق يقال أغزيته إذا جهزته للغزو وهيأت له أسبابه أي واشرع فيه نعنك على غزوهم وننصرك عليهم (وأنفق) أي واصرف ما عندك من المال في سبيل الله والجهاد (فسننفق عليك) أي نخلف لك بدله في الدنيا والآخرة قال تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيرُ الرَّازِقِينَ} (وابعث جيشًا) لجهادهم (نبعث خمسة مثله) يعني نبعث

ص: 19

وَقَاتِل بِمَنْ أَطَاعَكَ مَنْ عَصَاكَ. قَال: وَأَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلاثَةٌ: ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ. وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى، وَمُسْلِمٍ. وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ. قَال: وَأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ: الضَّعِيفُ الَّذِي لَا زَبْرَ لَهُ،

ــ

لنصرك خمسة أمثال جيشك من الملائكة كما فعل ببدر ويدل هذا على أن هذا القول وقع قبل غزوة بدر لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوم بدر في ثلاثمائة من أصحابه ونيف وقيل ثلاثة عشر، وقيل سبعة عشر فأمده الله تعالى بخمسة آلاف من الملائكة كما نطق به القرآن الكريم (وقاتل بمن أطاعك) أي آمن بك واتبعك (من عصاك) أي من كفر بك وخالفك (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأهل الجنة) أي المتأهلون لدخولها الصالحون له (ثلاثة) أنفار أحدها رجل (ذو سلطان) أي صاحب سلطنة وولاية (مقسط) أي عادل في رعيته أي يقيم فيها العدل والحق، قال الأبي: ويدخل فيه الرجل في أهله لحديث "كل راع مسؤول عن رعيته" وحديث "لا يؤمن من الرجال في سلطانه" وقوله مقسط وما بعده مرفوع على أنها صفات لذو وهي بمعنى صاحب (متصدق) أي معط للصدقات (موفق) بصيغة اسم المفعول أي مسدد لفعل الخيرات (و) ثانيها (رجل رحيم) أي كثير الرحمة والإحسان (رقيق القلب) أي لينه عند التذكر والموعظة ويصح أن يكون بمعنى الشفيق (لكل ذي قربى) أي لكل صاحب قرابة (و) لكل (مسلم) ومسلمة وهو بالجر لكونه معطوفًا على ذي قربى، والمعنى رحيم لكل ذي قربى ولكل مسلم (و) ثالثها رجل (عفيف) أي متصف بالعفة طبيعة (متعفف) أي متكلف بالعفة مكتسب لها، والعفيف من كانت العفة سجية وطبيعة له، والمتعفف من يكلف نفسه بالعفة ويكتسبها بعد أن لم تكن، والعفة التوقي عن الحرام، والمعنى عفيف عن الحرام في نفسه طبيعة متعفف (ذو عيال) أي متعفف عن كسب الحرام وإن كان ذا عيال، وفي رواية للطبراني "ورجل غني عفيف متصدق" و (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا (وأهل النار خمسة) أنواع أحدها (الضعيف الذي لا زبر) ولا عقل (له) يزبره ويمنعه مما لا ينبغي شرعًا وعقلًا من المحرمات وخارم المروءات، وقيل هو الذي لا مال له، وقيل هو الذي ليس عنده ما يعتمده ويتوكل عليها (والزبر) بفتح الزاي وسكون الباء ما يزبر الإنسان أي يمنعه عما لا ينبغي ويطلق عمومًا على العقل لأنه يكف الإنسان عما لا ينبغي، فالمعنى الضعيف الذي لا عقل له يمنعه من المحرمات، وقيل المراد من لا مال عنده، ورده القرطبي: وقال لا

ص: 20

الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعًا لَا يتْبَعُونَ أَهْلًا وَلَا مَالًا

ــ

شيء، وقال الطيبي في شرح المشكاة [9/ 174] المعنى لا تماسك له عند مجيء الشهوات فلا يرتدع عن فاحشة ولا يتورع عن حرام، قال القرطبي: وسمي العقل زبرًا لأن الزبر في أصله هو المنع والزجر يقال زبره يزبره من باب نصر زبرًا وزبرًا إذا انتهره ومنعه ولما كان العقل هو المانع لمن اتصف به من المفاسد والزاجر عنها سمي بذلك وأفرد الموصول في قوله الذي لا زبر له نظرًا للفظ الضعيف وجمعه في قوله (الدين هم فيكم تبعًا) مع كونه صفة ثانية للضعيف نظرًا إلى معناه لأن المراد به الجنس الصادق بالقليل والكثير لأن المعنى أحدها هم الضعفاء الذين لا زبر ولا عقل لهم الذين هم كانوا فيكم تبعًا لا قادة ولا رؤساء (لا يتبعون) ولا يطلبون ولا يريدون (أهلًا) يتعففون بهم عن الفاحشة (ولا مالًا) يتكففون به عن مسألة الناس، قال القرطبي: وهذا تفسير من النبي صلى الله عليه وسلم لقوله أولًا الضعيف الذي لا زبر له يعني بذلك أن هؤلاء القوم ضعفاء العقول فلا يسعون في تحصيل مصلحة دنيوية ولا فضيلة نفسية ولا دينية بل يهملون أنفسهم إهمال الأنعام ولا يبالون بما يثبون عليه من الحلال والحرام اهـ من المفهم.

قوله (الذي هم فيكم تبعًا) كذا وقع منصوبًا في نسخ صحيح مسلم، وفي رواية الطبراني (هم فيكم تبع) بالرفع وهو أوفق بالقياس، وأما كونه منصوبًا فيمكن تأويله على أنه حال من فعل محذوف كأنه قال: هم يعيشون فيكم تبعًا، وفي رواية أحمد "هم فيكم تبعًا أو تبعاء" شك يحيى، وعلى تقدير الأخير هم جمع تابع كفاضل وفضلاء والله أعلم. وقوله (لا يتبعون أهلًا ولا مالًا) روي لا يتبعون بتشديد التاء وتخفيفها كليهما فعلى الأول فهو مضارع اتبع الخماسي، وعلى الثاني فمضارع تبع الثلاثي، ووقع في بعض النسخ (لا يبتغون) أي لا يطلبون، وهذه الجملة تفسير (للضعيف الذي لا زبر له) كما مر آنفًا، ومعناه أنهم لا يسعون في تحصيل منفعة دينية أو دنيوية بل يهملون أنفسهم إهمال الأنعام فلا يطلبون أهلًا ولا مالًا بطريقة معروفة بل هم تبع لقادتهم يسيرون معهم حيث ساروا وإنما استحقوا النار لأنهم لم يستعملوا ما وهبهم الله تعالى من العقل والفكر لتمييز الكفر من الإيمان فوقعوا في الكفر تبعًا لقادتهم، وقال علي القاري في المرقاة [9/ 22](لا يبغون أهلًا) أي لا يطلبون زوجة ولا سرية فأعرضوا عن الحلال وارتكبوا الحرام (ولا مالًا) أي ولا يطلبون مالًا حلالًا من طريق الكد والكسب الطيب فقيل هم

ص: 21

وَالْخَائِنُ الَّذِي لَا يَخفَى لَهُ طَمَعٌ، وَإِنْ دَقَّ إِلَّا خَانَهُ. وَرَجُلٌ لَا يُصْبِحُ وَلَا يُمْسِي إِلَّا وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ". وَذَكَرَ الْبُخلَ أَو الْكَذِبَ

ــ

الخدم الذين يكتفون بالشبهات والمحرمات التي سهل عليهم أخذها عما أبيح لهم وليس لهم داعية إلى ما وراء ذلك من أهل ومال، وقيل هم الذين يدورون حول الأمراء ويخدمونهم ولا يبالون من أي وجه يأكلون ويلبسون أمن الحلال أم من الحرام ليس لهم ميل إلى أهل ولا إلى مال بل قصروا أنفسهم على المأكل والمشرب اهـ.

(و) ثانيها (الخائن) فيما أؤتمن عليه كالوديعة (الذي لا يخفى) أي لا يظهر (له طمع) فيما أؤتمن عليه. وقوله (وإن دق) وقل ذلك الذي طمع فيه (إلا خانه) وكلمة ألا مقحمة أو بمعنى ثم أو بمعنى الفاء وإن غائية مؤخرة، والمعنى والخائن الذي لا يظهر له طمع في الوديعة مثلًا عند الإيداع ثم خان الذي ائتمنه في أمانته فأخذ منها شيئًا لينتفع به وإن دق وقل ذلك الذي أخذه فهو من أهل النار لخيانته، قال القرطبي: والخائن هو الذي يأخذ مما أؤتمن عليه بغير إذن مالكه ويخفى هنا بمعنى يظهر فهو من الأضداد يقال خفيت الشيء أي أظهرته وسترته اهـ.

وهذا هو القسم الثاني من أهل النار والطمع هنا مصدر بمعنى المفعول أي لا يخفى عليه شيء مما يمكن أن يطمع فيه وإن دق بحيث لا يكاد أن يدرك ألا وهو يسعى في التفحص عنه والتطلع إليه حتى يجده فيخونه وهذا هو الإغراق في الوصف بالطمع والخيانة، وذكر أهل اللغة أن كلمة خفي من الأضداد فتأتي بمعنى ظهر كما تأتي بمعنى استتر وجاءت هنا بمعنى لا يظهر أي لا يظهر له طمع وإن دق إلا سعى في تحصيله وإن كان بطريق الخيانة والله أعلم اهـ من التكملة. وما قلنا أولًا هو أوضح من جهة العربية.

(و) ثالثها (رجل لا يصبح) أي لا يدخل في الصباح (ولا يمسي) أي لا يدخل في المساء (إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك) فهو من إطلاق الطرفين وإرادة الكل، والمعنى ورجل لا يمر عليه زمن من الأزمان ليلًا ونهارًا إلا والحال أنه يريد خداعك في أهلك وزوجتك بفعل الفاحشة بها وفي مالك يأخذه ظلمًا سرقة أو غضبًا أو نهبًا فعن بمعنى في.

ورابعها ما أشار إليه الراوي بقوله (وذكر) النبي صلى الله عليه وسلم (البخل) أي صاحب البخل عن الواجبات في أهل النار (أو) ذكر النبي صلى الله عليه وسلم (الكذب)

ص: 22

"وَالشِّنْظِيرُ الْفَحَّاشُ"، وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو غَسَّانَ فِي حَدِيثِهِ:"وَأَنْفِقْ فَسَنُنْفِقَ عَلَيكَ"

ــ

أي صاحب الكذب في أهل النار، وقال التوربشتي: أي البخيل والكذاب أقام المصدر مقام اسم الفاعل، وقال الطيبي: ولعل الراوي نسي ألفاظًا ذكرها صلى الله عليه وسلم في شأن البخيل أو الكذاب فعبر بهذه الصيغة، ووقع في أكثر النسخ البخل أو الكذب بالترديد، وفي بعض النسخ البخل والكذب بالواو وحينئذ تتم الأقسام الخمسة بالكذب ويكون الشنظير تفسيرًا للقسم الثالث الذي هو "رجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهله ومالك، ونقول على الرواية المشهورة ورابعها (البخل) أي البخيل عن أداء الواجبات فهو من إطلاق المصدر وإرادة اسم الفاعل، أو قال النبي صلى الله عليه وسلم ورابعها الكذاب بالشك من الراوي في أي الكلمتين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم (و) خامسها (الشنظير) وفسره بقوله وهو (الفحَّاش) أي السيء الخلق، وقال الطيبي: الشنظير السيء الخلق والفحاش نعت للشنظير وليس بتفسير له أي يكون مع سوء خلقه فحاشًا اهـ، وقال النووي: إنه تفسير للشنظير كما ذكرناه أولًا (ولم يذكر أبو غسان في حديثه) لفظة (وأنفق فسننفق عليك) وعبارة القرطبي هنا قوله (وذكر البخل والكذب) هكذا الرواية المشهورة فيه بالواو الجامعة، وقد رواه ابن أبي جعفر عن الطبري بأو التي للشك، قال القاضي: ولعلها الصواب، وبه تصح القسمة لأنه ذكر أن أصحاب النار خمسة الضعيف الذي وصف والخائن الذي وصف، والرجل المخادع الذي وصف، قال: وذكر البخل والكذب ثم ذكر الشنظير الفحاش فرأى هذا القائل أن الرابع هو صاحب أحد الوصفين، وقد يحتمل أن يكون الرابع من جمعهما على رواية واو العطف كما جمعهما في الشنظير الفحاش وكذلك قوله "أهل الجنة ثلاثة ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسكين، وعفيف متعفف ذو عيال" كذا قيدناه بخفض مسلم عطفًا على ما قبله، وفي رواية أخرى ومسلم عفيف بالرفع وحذف الواو [قلت] العفيف هو الكثير العفة وهي الانكفاف عن الفواحش وعما لا يليق، والمتعفف المتكلف للعفة، والشنظير السيء الخلق، وفي الصحاح رجل شنظير وشنظيرة أي سيء الخلق قالت امرأة من العرب:

شنظيرة زوجنيه أهلي

من حمقه يحسب رأسي رجلي

كأنه لم ير أنثى قبلي

وربما قالوا: شنذيرة بالذال المعجمة لقربها من الظاء لغة أو لثغة، والفحاش الكثير

ص: 23

7035 -

(00)(00) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى الْعَنَزِيُّ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذا الإِسْنَادِ، وَلَمْ يَذكُرْ فِي حَدِيثِهِ "كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبدًا، حَلالٌ".

7036 -

(00)(00) حدّثني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِّيُّ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامٍ، صَاحِبِ الدَّسْتَوَائِيِّ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ؛

ــ

الفحش، وقيل الشنظير هو الفحاش، قال صاحب العين: يقال شنظر بالقوم شتم أعراضهم، والشنظير الفحاش من الرجال الغلق وكذلك من الإبل اهـ من المفهم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث ابن ماجه في الزهد مختصرًا باب في البراءة عن الكبر والتواضع [4232] وأحمد [4/ 162].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فقال:

7035 -

(00)(00)(وحدثناه محمد بن المثنى العنزي حدثنا محمد) بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (عن سعيد) بن أبي عروبة البصري (عن قتادة) بن دعامة، غرضه بيان متابعة سعيد لهشام الدستوائي، وساق سعيد (بهذا الإسناد) يعني عن مطرف عن عياض مثله (و) لكن (لم يذكر) سعيد (في حديثه) لفظة (كل مال نحلته عبدًا) فهو له (حلال).

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عياض رضي الله عنه فقال:

7036 -

(00)(00)(حدثني عبد الرحمن بن بشر) بن الحكم بن حبيب بن مهران (العبدي) أبو محمد النيسابوري، ثقة، من (10) روى عنه في (13) بابا (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ التميمي القطان البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (13) بابا (عن هشام) بن أبي عبد الله سنبر الربعي أبي بكر البصري (صاحب الدستوائي) بفتح الدال والمثناة بينهم مهملة ساكنة وبالمد نسبة إلى دستواء من كور الأهواز، وكان يبيع الثياب التي تجلب منها فنسب إليها، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا قتادة عن مطرف) بن عبد الله (عن عياض بن حمار) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة

ص: 24

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ ذَاتَ يَوْمٍ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ، وَقَال فِي آخِرِهِ: قَال يَحْيَى: قَال شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ. قَال: سَمِعْتُ مُطَرِّفًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ.

7037 -

(00)(00) وحدّثني أَبُو عَمَّارٍ، حُسَينُ بْنُ حُرَيثٍ. حَدَّثَنَا الفَضلُ بْنُ مُوسَى، عَنِ الحُسَينٍ، عَنْ مَطَرٍ. حَدَّثَنِي قَتَادَةُ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ، أَخِي بَنِي مُجَاشِعٍ، قَال: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ خَطِيبًا. فَقَال: "إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي". وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثلِ حَدِيثِ

ــ

يحيى القطان لمعاذ بن هشام (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم وساق) يحيى القطان (الحديث) السابق مثله (و) لكن (قال) عبد الرحمن بن بشر (في آخره) أي في آخر الحديث (قال) لنا (يحيى) القطان (قال شعبة) أي حدثنا شعبة كما حدثنا هشام (عن قتادة قال) قتادة (سمعت مطرفًا) بن عبد الله (في هذا الحديث) أي سمعته يحدث بهذا الحديث، وفي روايته عن شعبة تصريح سماع قتادة عن مطرف فانزاح ما أوهمت العنعنة فيه من التدليس لأنه مدلس.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عياض رضي الله عنه فقال:

7037 -

(00)(00)(وحدثني أبو عمار حسين بن حريث) بالتصغير فيهما بن الحسن بن ثابت الخزاعي مولاهم مولى عمران بن الحصين المروزي، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا الفضل بن موسى) الرازي السيناني بكسر السين نسبة إلى سينان قرية من خراسان، وقيل إحدى قرى مرو، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (عن الحسين) بن ذكوان المعلم المكتب العوذي البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (10) أبواب (عن مطر) بن طهمان الوراق أبي رجاء السلمي الخراساني ثم البصري، صدوق، من (6) روى عنه في (6) أبواب (حدثني قتادة عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن عياض بن حمار أخي بني مجاشع) رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة مطر لهشام الدستوائي (قال) عياض (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خطيبًا فقال إن الله أمرني وساق) مطر (الحديث) السابق (بمثل حديث

ص: 25

هِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، وَزَادَ فِيهِ:"وَإِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ". وَقَال فِي حَدِيثِهِ: "وَهُمْ فِيكُمْ تَبَعًا لَا يَبْغُونَ أَهْلا وَلَا مَالًا".

فَقُلْتُ: فَيَكُونُ ذلِكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ؟ قَال: نَعَمْ، وَاللهِ، لَقَدْ أَدْرَكْتُهُمْ فِي الْجَاهِلِيةِ. وَإِن الرَّجُلَ لَيَرْعَى عَلَى الْحَيِّ، مَا بِهِ إِلَّا وَلِيدَتُهُمْ يَطَؤُهَا

ــ

هشام عن قتادة و) لكن (زاد فيه) مطر على هشام لفظة (وإن الله أوحى إلي) بـ (أن تواضعوا) وتخضعوا لله تعالى (حتى لا يفخر) ويتكبر (أحد) منكم (على أحد) آخر منكم (و) حتى (لا يبغي) من باب رمى ولا يتعدى (أحد على أحد) ولا يظلمه (وقال) مطر أيضًا (في حديثه) أي في روايته لفظة (وهم فيكم) بزيادة الواو (تبعًا لا يبنون أهلًا ولا مالًا) بالغين المعجمة أي لا يطلبونهما على طريق الحلال.

قال قتادة (فقلت) لمطرف بن عبد الله: (أفيكون) ويوجد (ذلك) الضعفاء الذين لا يتبعون أهلًا ولا مالًا بل يكتفون بالفواحش والمحرمات (يا أبا عبد الله) كنية مطرف، والكلام على تقدير همزة الاستفهام الاستخباري (قال) مطرف (نعم) يوجد ذلك الضعفاء الذي لا زبر لهم ويكتفون بالمحرمات ولا يطلبون لأنفسهم حلالًا (والله لقد أدركتهم) ورأيتهم (في) أواخر زمن (الجاهلية) وآثارهم وأنا صغير (وإن الرجل) من أولئك الضعفاء (ليرعى) المواشي (على الحي) أي للحي والقبيلة (ما به) أي ما لذلك الرجل الراعي لهم شيء من الأجرة (إلا وليدتهم) أي إلا أمتهم، حالة كونه (يطرها) في مقابلة الرعي لهم بلا نكاح والله سبحانه وتعالى أعلم. قال المازري: أبو عبد الله هو مطرف، والقائل له ذلك قتادة وهو يدل على صحبة مطرف لإدراكه الجاهلية، ولم يذكره أبو عمر وحقه أن يذكره لمقتضى شرطه لأنه ولد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر ابن قتيبة أن مطرفا ولد في حياته صلى الله عليه وسلم ومات عمر وهو ابن عشرين، وتوفي سنة سبع وثمانين اهـ من الأبي.

قوله (وإن الرجل ليرعى على الحي) الظاهر أن معناه أن رجلًا في الجاهلية ربما كان يرعى غنم الحي بأجمعه ولا يأخذ على ذلك أجرًا معينًا ألا أنه كان يطأ وليدة لهم وهذا تفسير لقوله صلى الله عليه وسلم: "وهم فيكم تبع لا يبتغون أهلًا ولا مالًا" فإن مثل ذلك الراعي كان خادمًا لأهل حيه تابعًا لهم لا يبتغي زوجة حلالًا ولا مالًا حلالًا وإنما يفعل ذلك لأجل جارية يطأها اهـ من التكملة.

ص: 26