الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
34 -
كتاب الزهد
770 - (14) باب كون الدنيا سجن المؤمن وهوانها عند الله تعالى وما للمرء من ماله وما يحذر من بسط الدنيا ومن التنافس فيها والنهي عن النظر إلى من فوقك في الدنيا
7241 -
(2935)(102) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، (يَعْنِي الدرَاوَردِيَّ)، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ،
ــ
34 -
كتاب الزهد
770 -
(14) باب كون الدنيا سجن المؤمن وهوانها عند الله تعالى وما للمرء من ماله وما يحذر من بسط الدنيا ومن التنافس فيها والنهي عن النظر إلى من فوقك في الدنيا
والزهد لغة: الإعراض عن الشيء، وشرعًا: الإعراض عما فوق قدر الحاجة من الدنيا والرغبة فيما عند الله تعالى من الآخرة، قال ابن القيم: الفرق بين الزهد والورع أن الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة، والورع ترك ما يُخشى ضرره في الآخرة، يقال زهد فيه من باب فتح وسمع وكرم زهدًا وزهادة.
واستدل المؤلف على الجزء الأول من الترجمة وهو كون الدنيا سجن المؤمن بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
7241 -
(2935)(102)(حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز) بن محمد بن عبيد (يعني الدراوردي) الجهني المدني، صدوق، من (8) روى عنه في (9) أبواب (عن العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحرقي مولاهم أبي شبل المدني، صدوق، من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من
قَال: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الدُّنْيَا سِجنُ المُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ".
7242 -
(2936)(103) حدَّثنا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ
ــ
خماسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) قال النووي رحمه الله تعالى: أن كل مؤمن مسجون ممنوع في الدنيا من الشهوات المحرمة والمكروهة مكلف بفعل الطاعات الشاقة فإذا مات استراح من هذه وانقلب إلى ما أعد الله تعالى له من النعيم الدائم والراحة من المنغصات وأما الكافر فإنما له من ذلك ما حصل في الدنيا مع قلته وتكدره بالمنغصات فإذا مات صار إلى العذاب الدائم والشقاء المؤبد اهـ نووي.
قال القرطبي: وإنما كانت الدنيا كذلك لأن المؤمن فيها مقيد بقيود التكاليف فلا يقدر على حركة ولا سكون إلا أن يفسح له الشرع فيفك قيده ويمكنه من الفعل أو الترك مع ما هو فيه من توالي أنواع البلايا والمحن والمكابدات من الهموم والغموم والأسقام والآلام ومكابدة الأنداد والأضداد والعيال والأولاد وعلى الجملة "وأشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل بحسب دينه" رواه الحاكم [3/ 343] كما قاله صلى الله عليه وسلم: "وأي سجن أعظم من هذا" ثم هو في هذا السجن على غاية الخوف والوجل إذ لا يدري بماذا يُختم له من عمل؟ كيف وهو يتوقع أمرًا لا شيء أعظم منه ويخاف هلاكًا لا هلاك فوقه فلولا أن يرتجي الخلاص من هذا السجن لهلك مكانه لكنه لطف به فهون عليه ذلك كله بما وُعد على صبره وبما كشف له من حميد عاقبة أمره. والكافر منفك عن تلك القيود الحاصلة بالتكاليف آمن من تلك المخاويف مقبل على لذاته منهمك في شهواته معتز بمساعدة الأيام يأكل ويستمتع كما تأكل الأنعام وعن قريب يستيقظ من هذه الأحكام ويحصل في السجن الذي لا يرام فنسأل الله السلامة من أهوال يوم القيامة اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في الزهد [2324]، وابن ماجه في الزهد باب مثل الدنيا [4165].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة وهو كون الدنيا أهون على الله تعالى بحديث جابر رضي الله عنه فقال
7242 -
(2936)(103)(حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) التميمي الحارثي
حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ، (يَعنِي ابنَ بِلالٍ)، عَنْ جَعفَرٍ، عَن أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله؛ أَن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِالسوقِ، دَاخِلًا مِنْ بَعضِ العَالِيَةِ، وَالناسُ كَنَفَتَهُ. فَمَرَّ بِجَدْيٍ أسَكَّ مَيِّتٍ. فَتَنَاوَلَهُ فَأخَذَ بِأذُنِهِ، ثُم قَال:"أَيُّكُمْ يُحبُّ أَن هَذا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟ " فَقَالُوا: مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيءٍ. وَمَا نَصْنَعُ بِهِ؟ قَال:
ــ
المدني البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا سليمان يعني ابن بلال) التيمي المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (عن جعفر) الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم الهاشمي المدني، صدوق، من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن أبيه) محمد الباقر، ثقة، من (4) روى عنه في (6) أبواب (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالسوق) أي سوق المدينة (داخلًا) فيها (من بعض العالية) يعني كان قد ذهب إلى بعض عوالي المدينة فرجع منها ودخل السوق (والناس) مبتدأ خبره متعلق الظرف المذكور بقوله (كنفته) وهو منصوب على الظرفية المكانية بمعنى جانبه أي والحال أن الناس ماشون بجانبه، وفي بعض النسخ كنفتيه بالتثنية أي جانبيه (فمر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بجدي) بفتح الجيم وسكون الدال أي بولد معز (أسك) صفة على وزن أفعل أي صغير الأذنين (ميت) أي زائل الحياة بغير ذكاة شرعية، قال في المصباح (الجدي) قال ابن الأنباري: هو الذكر من أولاد المعز لم يتم له سنة والأنثى عناق (أسك) أي صغير الأذنين ضيق الصماخين، وقيل الذي لا يسمع، وقال الهروي: الاستكاك الصمم يقال استكت أسماعهم أي صمت، قال ثابت: السكك صغر الأذن مع لصوقها وقلة إشرافها اهـ (فتناوله) أي فتناول النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الجدي وأصابه بيده (فأخد) رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمسك بيده الشريفة (بأذنه) أي بأذن الجدي (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أيكم) أيها الحاضرون (يحب أن هذا) الأسك يكون (له بدرهم) واحد أي أيكم يغبط ويتمنى أن يكون هذا الجدي الأسك مأخوذًا له بدرهم (فقالوا) أي فقال المخاطبون (ما نحب) ولا نتمنى (أنه) مأخوذ (لنا بشيء) أي بعوض ولا مقابل (ومما نصنع به) أي وأي شيء نفعل به إن أخذناه لأنه ميت لا ينتفع به ولا يؤكل، ثم (قال) لهم رسول الله
"أتُحبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ؟ " قَالُوا: وَاللهِ، لَوْ كَانَ حَيًّا، كَانَ عَيْبًا فِيهِ، لأَنهُ أَسَكُّ. فَكَيفَ وَهُوَ مَيِّتٌ؟ فَقَال:"فَوَاللهِ، لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى الله، مِنْ هَذَا عَلَيكُمْ"
ــ
صلى الله عليه وسلم (أتحبون أنه) أي أن هذا الأسك (لكم) أي أن يكون هذا الأسك لكم حيًّا (قالوا والله لو كان حيًّا) لـ (كان) السكك القائم به (عيبًا) أي شينًا (فيه) أي في هذا الجدي (لأنه أسك) أي صغير الأذن قبيح في رأي العين (فكيف) السكك فيه (وهو ميت) فهو أحق وأحرى بالعيب إذا كان ميتًا (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فوالله) الذي لا إله غيره (للدنيا) بفتح اللام رابطة لجواب القسم (أهون) أي أحقر (على الله) أي عند الله تعالى أي للدنيا أشد حقارة عند الله تعالى (من) حقارة (هذا) الأسك (عليكم) أي عندكم.
قال القرطبي: الدنيا وزنها فعلى وألفها للتأنيث وتُمنع من الصرف وهي من الدنو بمعنى القرب وهي صفة لموصوف محذوف كما قال تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إلا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185]، غير أنه قد كثر استعمالها استعمال الأسماء فاستغنى عن موصوفها كما جاء في هذا الحديث، والمراد الدار الدنيا أو الحياة الدنيا التي تقابلها الدار الأخرى أو الحياة الأخرى ومعنى هوان الدنيا على الله تعالى أن الله تعالى لم يجعلها مقصودة لذاتها بل جعلها طريقًا موصلًا إلى ما هو المقصود لذاته وأنه لم يجعلها دار إقامة ولا جزاء وإنما جعلها دار رحلة وبلاء وأنه ملكها في الغالب الكفرة والجهال وحماها الأنبياء والأولياء، وقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى فقال:"لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء" رواه ابن ماجه [4110] وحسبك بها هوانًا أن الله قد صغرها وحقرها وذمها وأبغضها وأبغض أهلها ومحبيها ولم يرض لعاقل فيها إلا بالتزود منها والتأهب للارتحال عنها ويكفيك من ذلك ما رواه أبو عيسى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه أو عالم أو متعلم"رواه الترمذي [2322] من حديث أبي هريرة، وقال: حديث حسن غريب، ولا يفهم من هذا الحديث إباحة لعن الدنيا وسبها مطلقًا لما رويناه من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا الدنيا فنعمت مطية المؤمن عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر، إنه إذا قال العبد: لعن الله الدنيا، قالت الدنيا: لعن الله أعصانا لربه" رواه ابن عدي في الكامل
7243 -
(00)(00) حدثني مُحَمدُ بْنُ المُثَنَّى الْعَنَزِي وإبراهِيمُ بن مُحَمدِ بنِ عَرعَرَةَ السامي. قَالا: حَدَّثَنَا عَبدُ الوَهَّابِ، (يَعنِيَانِ الثَّقَفِيَّ)، عَن جَعْفَرٍ، عَن أَبِيهِ، عَن جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثلِهِ. غَيرَ أنَّ فِي حَدِيثِ الثقَفِي: فَلَو كَانَ حَيًّا كَانَ هَذَا السَّكَكُ بِهِ عَيبًا
ــ
[1/ 304] خرّجه الشريف أبو القاسم زيد بن عبد الله بن مسعود الهاشمي وهذا يقتضي المنع من سب الدنيا ولعنها، ووجه الجمع بينهما أن المباح لعنه من الدنيا ما كان منها مبعدًا من الله وشاغلًا عنه كما قال بعض السلف: كل ما شغلك عن الله تعالى من مال وولد فهو عليك مشؤوم وهو الذي نبه الله على ذمه بقوله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَينَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ} [الحديد: 20]، وأما ما كان من الدنيا يقرِّب إلى الله تعالى ويعين على عبادة الله تعالى فهو المحمود بكل لسان والمحبوب لكل إنسان فمثل هذا لا يسب بل يرغب فيه ويحب، وإليه الإشارة بالاستثناء حيث قال:"إلا ذكر الله وما والاه أو عالم أو متعلم" وهو المصرح به في قوله صلى الله عليه وسلم: "فإنها نعمت مطية المؤمن عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر" وبهذا يرتفع التعارض بين الحديثين والله أعلم اهـ من المفهم. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات الخمس لكنه شاركه أحمد في [3/ 365].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال:
7243 -
(00)(00)(حدثني محمد بن المثنى العنزي) البصري (وإبراهيم بن محمد بن عرعرة) بن اليزيد القرشي (السامي) بمهملة البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (قالا حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد (يعنيان الثقفي) البصري، ثقة، من (8)(عن جعفر) بن محمد الباقر (عن أبيه) محمد (عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم غرضه بيان متابعة الثقفي لسليمان بن بلال، وساق الثقفي (بمثله) أي بمثل حديث سليمان (غير أن) أي لكن أن (في حديث الثقفي) وروايته لفظة (فلو كان) هذا الجدي (حيًّا كان هذا السكك) والصغر القائم (به) أي بإذنه (عيبًا) فيه فلا نحبه لأنه يعاب الإنسان باتخاذه عرفًا.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة وهو بيان ما للمرء من ماله بحديث عبد الله بن الشخير رضي الله عنه فقال:
7244 -
(2937)(104) حدَّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ. حَدَّثَنَا هَمامٌ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَال: أَتَيتُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقْرَأ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر: 1]. قَال: "يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي. مَالِي. (قَال): وَهَلْ لَكَ، يَا ابْنَ آدَمَ، مِنْ مَالِكَ إِلا مَا أكلْتَ فَأفْنَيتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأبْلَيتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأمْضَيتَ؟ "
ــ
7244 -
(2937)(104)(حدثنا هداب بن خالد) بن الأسود القيسي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (حدثنا قتادة عن مطرف) بن عبد الله بن الشخير العامري البصري، ثقة، من (2) روى عنه في (9) أبواب (عن أبيه) عبد الله بن الشخير العامري البصري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) عبد الله (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ) سورة {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} يعني شغلكم الإكثار من الدنيا ومن الالتفات إليها عما هو الأولى بكم من الاستعداد للآخرة، وهذا الخطاب للجمهور إذ جنس الإنسان على ذلك مفطور كما قال تعالى:{كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21)} [القيامة: 20 - 21]، وكما قال:{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ} [آل عمران: 14] فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما فرغ من قراءة السورة (يقول ابن آدم: مالي مالي) أي يا مالي ويا مالي أو هذا مالي وهذا مالي يعني يفرح بنسبة المال إلى نفسه ويفتخر به فيكثر في كلامه من ذكر المال أي يغتر بنسبة المال إليه وكونه في يديه حتى ربما يعجب به ويفخر به ولعله ممن تعب هو في جمعه ويصل غيره إلى نفعه ثم أخبر بالأوجه التي ينتفع بالمال فيها فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلتـ) ـه (فأفنيتـ) ـه أي أعدمته بالأكل (أو) إلا ما (لبستـ) ـه (فأبليتـ) ـه أي فأخلقته (أو) إلا ما (تصدقتـ) ـه (فأمضيتـ) ـه أي أنفذت التصدق به وأعطيته وأوصلته إلى المحتاج وأكملت عطاءك له وأتممته لينتفع به يعني هل يحصل لك من ذلك المال وينفعك في المآل إلا ما كان داخلًا في هذه الثلاثة إما أن يكون طعامًا لك فانتفعت به بالأكل أو أن يكون لباسًا لك فتمتعت بلبسه حتى يبلى أي يخلق من كثرة اللبس أو يكون صدقة أمضيتها لتكون ذخرًا لك في الآخرة، وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الكلام البليغ إلى أن القسمين الأولين وإن كانا نافعين في الجملة ولكن نفعهما محدود
7245 -
(00)(00) حدَّثنا مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. وَقَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا ابنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. كُلهُمْ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَال: انْتَهَيتُ إِلَى النبِي صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ بِمِثلِ حَدِيثِ هَمامٍ.
7246 -
(2938)(105) حدثني سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ
ــ
إلى أن يفنيا أو يبليا أما نفع القسم الثالث فهو النفع الدائم المستمر لكونه مدخرًا للإنسان في حياته الأبدية أما ما سوى هذه الأقسام الثلاثة من المال الذي يدخره الإنسان من غير حاجة فلا يعود نفعه إليه لا في الدنيا ولا في الآخرة لأنه يصير إلى ورثته.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في تفسير سورة التكاثر [3354]، والنسائي في الوصايا باب الكراهية في تأخير الوصية [3613]، وأحمد [4/ 24 و 26]، والحاكم في المستدرك [4/ 322].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
7245 -
(00)(00) حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة وقالا) أي وقال محمد بن المثنى ومحمد بن بشار (جميعًا) أي كلاهما (حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري، ثقة، من (9)(عن سعيد) بن أبي عروبة اليشكري البصري، ثقة، من (6)(ح وحدثنا ابن المثنى حدثنا معاذ بن هشام) الدستوائي، صدوق، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا أبي) هشام بن سنبر الدستوائي (كلهم) أي كل من الثلاثة المذكورين يعني شعبة وسعيد بن أبي عروبة وهشامًا الدستوائي رووا (عن قتادة عن مطرف عن أبيه قال انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم غرضه بسوق هذه الأسانيد الثلاثة بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لهمام بن يحيى (فذكر) كل من الثلاثة (بمثل حديث همام).
ثم استشهد المؤلف لحديث عبد الله بن الشخير بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال:
7246 -
(2938)(105)(حدثني سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل ثم
حدَّثني حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنِ العَلاءِ، عَن أَبِيهِ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَال:"يَقُولُ العَبْدُ: مَالِي، مَالِي، إِنَّمَا لَهُ مِن مَالِهِ ثَلاثٌ: مَا أكلَ فَأفْنَى. أَو لَبِسَ فَأبْلَي. أَوْ أَعطَى فَاقْتَنَى. وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ، وَتَارِكُهُ لِلناسِ".
7247 -
(00)(00) وَحَدثَنِيهِ أَبُو بَكرِ بن إِسحَاقَ
ــ
الحدثاني نسبة إلى الحديثة بلد آخر على الفرات، صدوق، من (10) روى عنه في (8) أبواب (حدثني حفص بن ميسرة) العقيلي مصغرًا أبو عمر الصنعاني، ثقة، من (8) روى عنه في (10) أبواب (عن العلاء) بن عبد الرحمن الجهني المدني، صدوق، من (5)(عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يقول العبد) أي المرء (مالي) ما أكثره (مالي) ما أحسنه يغتر بنسبة المال إليه وكونه في يديه فيعجب به ويفتخر به، ثم أخبر بالأوجه التي ينتفع بالمال فيها وافتتح الكلام بـ (إنما) التي للحصر والتحقيق فقال (إنما له من ماله ثلاث) أحدها (ما أكل) وشرب (فأفنى) أي أعدم، وذكر الثاني بقوله (أو لبس) أو فرش (فأبلى) أي أخلق وجعله باليًا خلقًا، وذكر الثالث بقوله (أو) ما (أعطى) للمحتاج وتصدق عليه (فاقتنى) بالقاف ثم التاء ثم النون أي فادخر ثوابه عند الله للآخرة من الاقتناء وهو الادخار، هكذا هو في معظم النسخ عند جمهرة الرواة، ووقع في بعض النسخ (فأقنى) بالقاف والنون أي فأرضى الله تعالى به من القنى بكسر القاف وبالنون وبالألف المقصورة في آخره وهو الرضا، وهذه رواية ابن ماهان (وما سوى ذلك) المذكور من الأوجه الثلاثة؛ كاقتنائه وادخاره بلا صرف، وإنفاق في الخيرات، وإخراج حقوق الله تعالى عنه وكإنفاقه في المحرمات والمكروهات والاعتداء به على الغير (فهو) أي فالعبد (ذاهب) عنه بالموت (وتاركه للناس) أي لورثته فلم يحصل له في جمعه فائدة والعياذ بالله من ذلك.
وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات ولكن شاركه أحمد [2/ 368].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
7247 -
(00)(00)(وحدثنيه أبو بكر) محمد (بن إسحاق) الصاغاني البغدادي،
أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي مَريَمَ. أَخْبَرَنَا مُحَمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخبَرَنِي الْعَلاءُ بْنُ عَبْدِ الرحْمَنِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. مِثْلَهُ.
7248 -
(2939)(106) حدَّثنا يَحْيَى بنُ يَحْيَى التمِيمِيُّ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. عَنْ عَبْدِ الله بْنِ أبي بَكْرٍ. قَال: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلاثةٌ. فَيَرْجِعُ اثْنَانِ ويبقَى وَاحِدٌ. يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ. فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ، وَمَالُهُ. وَيَبْقَى عَمَلُهُ"
ــ
ثقة، من (11) روى عنه في (9) أبواب (أخبرنا) سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم (بن أبي مريم) الجمحي مولاهم المصري، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (أخبرنا محمد بن جعفر) بن أبي كثير الأنصاري الزرقي مولاهم المدني، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (أخبرني العلاء بن عبد الرحمن) الجهني المدني. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة محمد بن جعفر لحفص بن ميسرة، وساق محمد بن جعفر (بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن أبي هريرة (مثله) أي مثل ما حدّث حفص بن ميسرة.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عبد الله بن الشخير بحديث أنس بن مالك رضي الله عنهما فقال:
7248 -
(2939)(106)(حدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (وزهير بن حرب كلاهما عن) سفيان (بن عيينة قال يحيى أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (11) بابا (قال) عبد الله (سمعت أنس بن مالك يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا السند من رباعياته (يتبع الميت) إلى القبر (ثلاثة) من أصحابه (فيرجع اثنان) من قبره (ويبقى واحد) منهم معه في قبره (يتبعه أهله وماله وعمله) كل من الثلاثة (فيرجع) من عنده (أهله وماله ويبقى) عنده (عمله) ملازمًا له خيرًا أو شرًّا، وفي هذا حث على تحسين الأعمال لتكون معينة له في المآل.
قوله (يتبعه أهله وماله) أي بعض ماله كعبيده وإمائه ودابته وسريره وخيمته، قال الطيبي في الكاشف [9/ 295] متابعة الأهل على الحقيقة وأما متابعة المال والعمل فعلى الاتساع فإن المال حينئذ له نوع تعلق بالميت من التجهيز والتكفين ومؤونة الغسل والحمل والدفن فإذا دفن انقطع تعلقه بالكلية اهـ.
7249 -
(2940)(107) حدثني حَرْمَلَةُ بن يَحيَى بنِ عَبدِ الله، (يَعْنِي ابْنَ حَرْمَلَةَ بْنِ عِمْرَانَ التُّجِيبِيَّ)، أَخبَرَنَا ابْنُ وَهبٍ. أَخبَرَنِيِ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُروَةَ بنِ الزُّبَيرِ؛ أَن المسوَرَ بْنَ مَخرَمَةً أخْبَرَهُ؛ أن عَمْرَو بْنَ عَوْف، وَهُوَ حَلِيفُ بَنِي عَامِرٍ بنِ لُؤَيٍّ، وَكَانَ شَهِدَ بَدرًا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، أخْبَرَه؛
ــ
قوله (ويبقى عمله) أي معه في صورة الثواب أو العقاب وقد رُوي في بعض الأحاديث أن العمل يأتيه في القبر في صورة آدمي فقد أخرج في حديث طويل عن البراء بن عازب رضي الله عنه "ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب حسن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح، وقال في حق الكافر ويأتيه رجل قبيح الوجه، الحديث وفيه "أبشر بالذي يسوءك، فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الخبيث"اهـ فتح الباري [11/ 366].
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الرقاق باب سكرات الموت [6514]، والترمذي في الزهد باب ما جاء في مثل ابن آدم وأهله وماله .. إلخ [2379]، والنسائي في الجنائز باب النهي عن سب الأموات [1937].
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة وهو ما يُحذر من بسط الدنيا ومن التنافس فيها بحديث عمرو بن عوف رضي الله عنه فقال:
7249 -
(2940)(107)(حدثني حرملة بن يحيى بن عبد الله يعني ابن حرملة بن عمران التجيبي) المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) القرشي مولاهم المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن المسور بن مخرمة) بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة القرشي الزهري المكي الصحابي الشهير رضي الله عنه، روى عنه في (6) أبواب (أخبره) أي أخبر لعروة (أن عمرو بن عوف وهو حليف بني، عامر بن لوي) وكان مولى سهيل بن عمرو، وقيل اسمه عمير بن عوف (وكان شهد بدرًا) وما بعدها (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسكن المدينة حتى مات في خلافة عمر فصلى عليه، ولم يُخلف عقبًا كما في الإصابة [3/ 10] الصحابي المعروف رضي الله عنه، له حديث واحد في الزهد، رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويروي عنه (خ م ت س ق) والمسور بن مخرمة أي أن عمرو بن عوف (أخبره) أي أخبر للمسور بن
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أَبَا عُبَيدَةَ بْنَ الجرَّاحِ إِلَى البحْرَينِ. يَأتِي بِجِزْيَتِهَا. وَكَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم هُوَ صَالحَ أهْلَ البَحرَينِ. وَأمرَ عَلَيهِمُ العَلاءَ بْنَ الْحَضرَميِّ. فَقَدِمَ أَبُو عُبَيدَةَ بِمَالٍ مِنَ الْبَحرَين. فَسَمِعَتِ الأَنصَارُ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيدَةَ. فَوَافَوْا صَلاةَ الفَجرِ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ. فَتَعَرَّضُوا لَهُ. فَتَبَسَّمَ
ــ
مخرمة. وهذا السند من سباعياته، وفيه رواية صحابي عن صحابي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة) عامر بن عبد الله (بن الجراح) رضي الله عنه (إلى البحرين) اسم للبلد المشهور بلفظ التثنية، وكان غالب أهلها إذ ذاك المجوس، وذكر ابن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد قسمة الغنائم بالجعرانة أرسل العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى عامل البحرين يدعوه إلى الإسلام فأسلم وصالح مجوس تلك البلاد على الجزية اهـ فتح الباري [6/ 262] حالة كون أبي عبيدة (يأتي بجزيتها) أي يأخذ جزية أهل البحرين منهم ويأتي بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو صالح أهل البحرين) على أداء الجزية للمسلمين وكانوا مجوسًا (و) كان صلى الله عليه وسلم (أمر) وولى (عليهم) أي على أهل البحرين (العلاء بن الحضرمي) الصحابي المشهور رضي الله عنه واسم الحضرمي عبد الله بن مالك بن ربيعة، وكان من أهل حضرموت فقدم مكة فخالف بني مخزوم ويقال إن أصله من أهل فارس فأسر حتى اشتراه رجل من حضرموت ثم افتداه رجل وقدم به إلى مكة فعتق وأقام بها حتى وُلد له أولاد، وتزوج أبو سفيان ابنته الصعبة، ثم تزوجها عبيد الله بن عثمان والد طلحة، أحد العشرة، فولدت له طلحة اهـ فتح الباري (فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين) أي بجزية أهلها (فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة) بمال البحرين (فوافوا) أي فوافت الأنصار (صلاة الفجر) أي حضروا صلاة الصبح (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أي جاؤوا فاجتمعوا عند صلاة الصبح معه صلى الله عليه وسلم ليقسم بينهم ما جاء به أبو عبيدة لأنهم أرهقتهم الحاجة والفاقة التي كانوا عليها لا الحرص على الدنيا ولا الرغبة فيها ولذلك قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أبشروا وأملوا ما يسركم" وهذا تهوين منه عليهم ما هم فيه من الشدة وبشارة لهم بتعجيل الفتح عليهم اهـ مفهم (فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح أي فرغ منها (انصرف) أي قام وذهب من مصلاه (فتعرضوا له) أي استقبلوه في عرضه وقاموا قدامه (فتبسم
رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حِينَ رَآهُمْ. ثُم قَال: "أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ أَن أَبا عُبَيدَةَ قَدِمَ بِشَيءٍ مِنَ الْبَحْرَينِ؟ " فَقَالُوا: أَجَلْ. يَا رَسُولَ الله. قَال: "فَأبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ فَوَاللهِ، مَا الْفَقْرَ أَخشَى عَلَيكُمْ. وَلَكِني أَخْشَى عَلَيكُمْ أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ. فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا
ــ
رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم ثم قال لهم أظنكم) أنكم (سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء) من المال (من البحرين فقالوا أجل) أي نعم سمعنا قدومه (يا رسول الله) فـ (قال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأبشروا) بنيل مرادكم (وأملوا) من التأميل أي اقصدوا (ما يسركم) ويبشركم، قال الحافظ في الفتح: قوله (فوافوا صلاة الفجر) .. الخ يؤخذ منه أنهم كانوا لا يجتمعون في كل الصلوات إلا لأمر يطرأ وكانوا يصلون في مساجدهم إذ كان لكل قبيلة مسجد يجتمعون فيه فلأجل ذلك عرف النبي صلى الله عليه وسلم أنهم اجتمعوا لأمر ودلت القرينة على تعيين ذلك الأمر وهو احتياجهم إلى المال للتوسعة عليهم أفاده الحافظ في الفتح (فوالله) الذي لا إله غيره (ما الفقر) والعدم (أخشى) وأخاف (عليكم) أيها الأصحاب بعد وفاتي، بنصب الفقر على أنه مفعول مقدم لأخشى، وقال الطيبي في الكاشف [9/ 293]:(فإن قلت) ما الفائدة في تقديم المفعول في الفقرة الأولى دون الثانية يعني في قوله (ولكني أخشى عليكم أن تُبسط الدنيا عليكم)(قلت) فائدته الاهتمام بشأن الفقر لأن الأب المشفق إذا احتضر إنما يكون اهتمامه بشأن الولد ضياعه وإعدامه المال كأنه صلى الله عليه وسلم يقول حالي معكم خلاف حال الوالد فإني لا أخشى الفقر كما يخشاه الوالد على الولد ولكن خوفي عليكم من الغنى الذي هو مطلوب الوالد للولد.
(ولكني أخشى) وأخاف (عليكم أن تُبسط) وتوسع (الدنيا) وزخارفها (عليكم كما بسطت) ووُسعت (على من كان قبلكم) من الأمم ككسرى وقيصر (فتنافسوها) بفتح التاء والفاء لأنه مضارع تنافس الخماسي من باب تفاعل، والأصل فتنافسوا فيها فحُذفت إحدى التاءين لتوالي الأمثال؛ وهو مضارع معطوف على تبسط منصوب بحذف النون لأنه من الأفعال الخمسة، قال القرطبي:(فتنافسوها) .. الخ أي تتحاسدون فبها فتختلفون وتتقاتلون فيهلك بعضكم بعضًا كما قد ظهر ووُجد، وقد سمى في هذا الحديث التحاسد تنافسًا توسعًا لقرب ما بينهما اهـ كما سيأتي الفرق بينهما اهـ مفهم (كما تنافسوها) بتاء واحدة لأنه ماض أُسند إلى واو الجماعة أي فترغبوا فيها كما رغب فيها من كان قبلكم
وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتهُمْ".
7250 -
(00)(00) حدَّثنا الْحَسَنُ بن عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ وَعَبدُ بْنُ حُمَيدٍ. جَمِيعًا عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَن صَالِحٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن عَبْدِ الرحْمنِ
ــ
من الأمم (وتهلككم) بالنصب معطوف على تنافسوا الأول أي وتحجزكم عن التزود بالآخرة (كما أهلكتهم) أي كما أهلكت الأمم السابقة وحجزتهم عن الآخرة والتنافس والمنافسة معناهما واحد وهو الرغبة في الشيء النفيس وحب الانفراد به والشيء النفيس هو الجيد في نوعه.
وفي هذا الحديث طلب العطاء من الإمام لا غضاضة فيه، وفيه أيضًا البشرى من الإمام لأتباعه وتوسيع أملهم، وفيه من أعلام النبوة إخباره صلى الله عليه وسلم بما يُفتح عليهم، وفيه أيضًا أن المنافسة في الدنيا قد تجر إلى هلاك الدين اهـ من العيني.
قال علي القاري في المرقاة: والظاهر أن المراد بالفقر فقدان جميع ما يحتاج إليه من ضروريات الدين والبدن، وبالغنى الزيادة على مقدار الكفاية الموجبة للطغيان وشغل الإنسان عن طاعة الرحمن؛ فالمعنى كما قال الطيبي ترغبون فيها فتشتغلون بجمعها وتحرصون على إمساكها فتطغون فيها فتهلكون بها.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في الرقاق باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها [6425]، والترمذي في صفة القيامة باب بدون ترجمة [6462]، وابن ماجه في الفتن باب فتنة المال [4045]، وأحمد [4/ 137]، والبغوي [14/ 256].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عمرو بن عوف رضي الله عنه فقال:
7250 -
(00)(00)(حدثنا الحسن بن علي) بن محمد (الحلواني) الهذلي المكي، ثقة، من (11)(وعبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11)(جميعًا) رويا (عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (9)(حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد، ثقة، من (8)(عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني، ثقة، من (4)(ح وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن بهرام
الدَّارِميُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ. كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِي. بِإسْنَادِ يُونُسَ وَمِثْلِ حَدِيثِهِ. غَيرَ أن فِي حَدِيثِ صَالِحٍ:"وَتُلْهِيَكُمْ كَمَا أَلْهَتهُمْ".
7251 -
(2941)(108) حدَّثنا عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ الْعَامِرِي. أَخبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحارِثِ؛ أَن بَكْرَ بْنَ سَوَادَةَ حَدَّثَهُ؛ أن يَزِيدَ بْنَ رَبَاحٍ، (هُوَ أَبُو فِرَاسٍ، مَوْلَى عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ)،
ــ
(الدارمي) السمرقندي، ثقة متقن، من (11) روى عنه في (14) بابا (أخبرنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي الحمصي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة دينار الأموي مولاهم أبو بشر الحمصي، ثقة، من (7) روى عنه في (6) أبواب (كلاهما) أي كل من صالح وشعيب رويا (عن الزهري) وهذان السندان الأول منهما من ثمانياته، والثاني من سباعياته، غرضه بيان متابعة صالح بن كيسان وشعيب بن أبي حمزة ليونس بن يزيد، وساقا (وإسناد يونس) يعني عن عروة عن مسور عن عمرو (و) بـ (مثل حديثه) أي حديث يونس المذكور، ولو أسقط هذه الواو ونصب مثل لكان أوفق وأوضح (غير أن) أي لكن أن (في حديث صالح) وروايته لفظة (وتلهيكم) معطوف أيضًا على قوله أن تبسط فهو منصوب بالفتحة الظاهرة من الإلهاء أي وتشغلكم الدنيا عن الآخرة وتجعلكم غافلين عن أعمالها (كما ألهتهم) أي كما ألهت الدنيا من قبلكم وشغلتهم عن الآخرة.
ثم استشهد المؤلف لحديث عمرو بن عوف بحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهم فقال:
7251 -
(2941)(108)(حدثنا عمرو بن سواد) بتشديد الواو بن الأسود بن عمرو (العامري) المصري، ثقة، من (11) روى عنه في (5) أبواب (أخبرنا عبد الله بن وهب) المصري (أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري، ثقة، من (7) روى عنه في (13) بابا (أن بكر بن سوادة) بن ثمامة الجذامي المصري، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (حدثه) أي حدث بكر لعمرو بن الحارث (أن يزيد بن رباح) بموحدة السهمي مولاهم (هو أبو فراس) بكسر الفاء (مولى عبد الله بن عمرو بن العاص) المصري لقبه مشفر بالفاء، روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص في الزهد، وابن عمر وأم سلمة، ويروي عنه (م ق) وبكر بن سوادة والزهري وآخرون، قال
حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ قَال:"إِذَا فُتِحَتْ عَلَيكُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ، أَيُّ قَوْمٍ أَنْتُمْ؟ " قَال عَبْدُ الرحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: نَقُولُ كَمَا أَمَرَنَا اللهُ. قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَوَ غيرَ ذَلِكَ. تَتَنَافَسُونَ،
ــ
العجلي: تابعي مصري ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة (حدثه) أي حدث لبكر (عن عبد الله بن عمرو بن العاص) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا فُتحت عليكم فارس والروم) أي غُلبت لكم ونصرتم عليهما فـ (أي قوم أنتم) أي كيف يكون حالكم وماذا تصنعون في رخاء العيش، قال القرطبي: هذا استفهام يشوبه إخبار منه صلى الله عليه وسلم عن أمر قبل وقوعه وقع على نحو ما أخبر عنه فكان ذلك من أدلة صحة نبوته ورسالته صلى الله عليه وسلم وكم له صلى الله عليه وسلم منها وكم، ومعنى أي قوم أنتم على أي حال تكونون فكأنه قال أتبقون على ما أنتم عليه أو تتغير بكم الحال، فقال عبد الرحمن بن عوف: نقول كما قد أمرنا الله تعالى، أي نقول قولًا مثل القول الذي أمرنا الله به وكان هذا منه إشارة إلى قول الله تعالى:{حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173]، وذلك أنه فهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاف عليهم الفتنة من بسط الدنيا عليهم فأجابه بذلك فكأنه قال نستكفي الفتن والمحن بالله تعالى ونقول كما أمرنا الله وهذا إخبار منهم عما يقتضيه حالهم في ذلك الوقت فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم لا يبقون على تلك الحال وأنها تتغير بهم اهـ من المفهم، وفي المبارق قوله (أي قوم أنتم) معناه هل أنتم من الشاكرين على تلك النعمة العظيمة أو من غيرهم، وفي هذا الاستفهام تلويح إلى التهديد على وقوع المنهيات منهم اهـ منه (قال عبد الرحمن بن عوف) رضي الله عنه (نقول) حينئذ قولًا (كما أمرنا الله) تعالى به أي قولًا كالقول الذي أمرنا الله سبحانه به أي نحمده ونشكره ونسأله المزيد من فضله (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو) بسكون الواو عاطفة على كلام عبد الرحمن، وقوله (غير ذلك) رُوي منصوبًا على تقدير وتفعلون غير ذلك الذي قلته من الشكر له يعني به التحاسد، ومرفوعًا على تقدير أو حالكم غير ذلك، وفيه إشارة إلى أن كونهم على تلك الصفة غير متيقن لهم لعدم إطلاعهم على المغيبات قاله ابن الملك، وقوله (تتنافسون) أي تتراغبون إلى الدنيا .. الخ تفسير لقوله (أو غير
ثُم تَتَحَاسَدُونَ. ثُم تَتَدَابَرُونَ. ثُم تَتَبَاغضُونَ. أَو نَحْوَ ذَلِكَ. ثُم تَنطَلِقُونَ فِي مَسَاكِينِ المهَاجِرِينَ، فَتَجْعَلُونَ بَعضَهُمْ عَلَى رِقَابِ بَعضٍ".
7252 -
(2942)(109) حدَّثنا يَحْيَى بن يَحيَى وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. (قَال قُتَيبَةُ: حَدَّثَنَا
ــ
ذلك) والمعنى أو تفعلون غير ذلك الذي قلته من الشكر وذلك الغير بأن تكونوا تتنافسون أي تتسابقون إلى أخذ الدنيا (ثم تتحاسدون) بعد الأخذ (ثم تتدابرون) أي تتقاطعون فيولي كل واحد منكم دبره إلى الآخر معرضًا عنه (ثم تتباغضون) أي يبغض بعضكم بعضًا أي ثم تثبت البغضاء في قلوبكم وتتراكم فيها حتى يكون عنها الخلاف والقتال والهلاك كما وُجد، ويحتمل كون قوله صلى الله عليه وسلم (تتنافسون) .. الخ جوابًا لسؤال مقدر وقع من عبد الرحمن بن عوف تقديره: كيف نفعل غير ذلك؟ فقال له: تتنافسون في الدنيا .. الخ، قال النووي: قال العلماء: التنافس إلى الشيء المسابقة إليه وكراهة أخذ غيرك إياه وهو أول درجات الحسد، وأما الحسد فهو تمني زوال النعمة عن صاحبها، والتدابر التقاطع وقد يبقى مع التدابر شيء من المودة أو لا يكون مودة ولا بغض، وأما التباغض فهو بعد هذا ولهذا رتبت الحديث هكذا (أو) تفعلون (نحو ذلك) بأن تتقاتلوا أو تتضاربوا أو تنتهبوا أو تغصبوا إلى غير ذلك من الإذاية (ثم تنطلقون) وتتصرفون (في) شؤون (مساكين المهاجرين) وضعفائهم (فتجعلون بعضهم) أي تجعلون بعض مساكينهم أمراء (على رقاب بعض) آخر منهم والين عليهم، وحاصل المعنى أن الذين يعدّون اليوم من فقراء المهاجرين ومساكينهم سوف يكون بعضهم أميرًا على بعض فيقع التنافس في المال والجاه جميعًا والتعبير بالرقاب من التعبير بالبعض عن الكل، والمراد تجعلون بعضهم أمراء على بعض يعني أن مساكين المهاجرين تُفتح عليهم الدنيا إذ ذاك حتى يكون بعضهم أميرًا على بعض اهـ أبي بتصرف.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث ابن ماجه في الفتن باب فتنة المال [4044]، وابن حبان في صحيحه كما في ترتيبه لابن بليان [8/ 243].
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الخامس من الترجمة وهو النهي عن النظر إلى من فوقه في الدنيا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
7252 -
(2942)(109) (حدثنا يحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد قال قتيبة حدثنا
وَقَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا) الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرحْمَنِ الْحِزَامِيُّ، عَنْ أَبِي الزنَادِ، عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَال:"إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيهِ فِي الْمَالِ وَالْخَلْقِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ مِمَّنْ فُضِّلَ عَلَيهِ"
ــ
وقال يحيى أخبرنا المغيرة بن عبد الرحمن) بن عبد الله بن حزام القرشي الأسدي (الحزامي) بكسر الحاء والزاي نسبة إلى الجد المذكور المدني، ثقة، من (7) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا نظر أحدكم إلى من فُضّل عليه) بالبناء للمجهول وأُعطي أكثر منه (في المال و) أزيد منه في (الخلق) والجمال (فلينظر إلى من هو أسفل منه) في المال والجمال، حالة كون ذلك السافل (ممن فُضل) هذا الناظر (عليه).
قوله (والخلق) بفتح الخاء وسكون اللام أي في حسن الصورة وصحة الجسم، قوله (إلى من هو أسفل منه) أي إلى من هو أقل منه مالًا وأقبح منه صورة أو أضعف منه جسمًا، قال في المرقاة: وحاصله أنه إذا رأى أحدكم من هو أكثر منه حشمة وخدمًا ومالًا ولباسًا وجمالًا ولم يعرف أن له وبالًا في الآخرة (فلينظر إلى من هو أسفل منه) لأنه إذا نظر إليه يشكر الله على ما أنعم الله به عليه ويقل حرصه وإذا نظر إلى من هو أعلى منه في النعمة استصغر ما عنده وحرص على ازدياده اهـ من المبارق.
وقد أخرج الترمذي في صفة القيامة باب 58 رقم [2512] معنى هذا الحديث عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا بسياق أتم من هذا ولفظه "خصلتان من كانتا فيه كتبه الله شاكرا صابرا ومن لم تكونا فيه لم يكتبه الله شاكرا ولا صابرا، من نظر في دينه إلى من هو فوقه فاقتدى به، ونظر في دنياه إلى من هو دونه فحمد الله على ما فضله به عليه كتبه الله شاكرا صابرا، ومن نظر في دينه إلى من هو دونه ونظر في دنياه إلى من هو فوقه فأسف على ما فاته منه لم يكتبه الله شاكرا ولا صابرا".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الرقاق باب لينظر إلى من هو أسفل منه [6490]، والترمذي في صفة القيامة باب بدون ترحمة [2513]، وابن ماجه في الزهد باب القناعة [4194]، وأحمد [2/ 314]، والبغوي [14/ 292]، وابن حبان [2/ 48].
7253 -
(00)(00) حدَّثنا مُحَمدُ بن رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبدُ الرزاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النبِي صلى الله عليه وسلم، بِمِثلِ حَدِيثِ أَبِي الزِّنَادِ. سَوَاءً.
7254 -
(00)(00) وحدثني زُهَيرُ بن حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ. ح وَحَدَّثَنَا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، (وَاللفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ وَوَكِيعٌ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ منِكُمْ. وَلَا تَنظُرُوا إِلَى مَنْ فَوْقَكُم. فَهُوَ
ــ
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
7253 -
(00)(00)(حدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (11) بابا (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني، ثقة، من (9)(حدثنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام بن منبه) اليماني، ثقة، من (3)(عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة معمر لأبي الزناد (عن النبي صلى الله عليه وسلم وساق معمر (بمثل حديث أبي الزناد) حالة كون حديثهما (سواء) أي متساويين لفظًا ومعنى فهو تأكيد لمعنى المماثلة.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
7254 -
(00)(00)(وحدثني زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (ح وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة واللفظ له حدثنا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذه الأسانيد كلها من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي صالح للأعرج (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انظروا) أيها المسلمون (إلى من) هو (أسفل منكم) منزلة في المال والجمال والجاه مثلًا، وقوله (أسفل) بالنصب على الظرفية كسابقه، والظرف متعلق بمحذوف صلة لمن (ولا تنظروا إلى من هو فوقكم) منزلة في ذلك (فهو) أي
أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزدَرُوا نِعمَةَ الله".
قَال أَبُو مُعَاويةَ: "عَلَيكُمْ"
ــ
فالنظر إلى من هو أسفل منكم فالضمير عائد إلى مصدر انظروا (أجدر) وأحق وأوجب بـ (أن لا تزدروا) ولا تستحقروا ولا تستصغروا (نعمة الله) التي أعطاكم (قال أبو معاوية) أي زاد لفظة (عليكم) بعد قوله نعمة الله أي بأن لا تزدروا نعمة الله التي أنعم بها عليكم، من الازدراء وهو الاحتقار والانتقاص والتعييب وهو افتعال من زريت عليه زريًا وزرية وزراية بكسر أوله من باب رمى إذا عبت عليه وأصل ازدريت ازتريت فقُلبت تاء الافتعال دالًا لأجل الزاي كذا في الكاشف للخطابي [9/ 334]، وقال في المصباح: زرى عليه زريًا من باب رمى وزرية وزراية إذا عابه واستهزأ به اهـ والمعنى لا تحقروا نعمة الله والتزموا شكرها اهـ أبي.
قال القرطبي: قوله (انظروا إلى من هو أسفل منكم) .. الخ أي اعتبروا بمن فُضِّلتم عليه في المال والخلق والعافية فيظهر عليكم ما أنعم الله به عليكم فتشكرونه على ذلك فتقومون بحق النعمة وذلك بخلاف ما إذا نظر إلى ما فُضِّل به عليه غيره من ذلك فإنه يضمل عنده ما أنعم الله عليه به من النعم ويحتقرها فلا يحسبها نعمًا فينسى حق الله فيها وربما حمله ذلك النظر إلى أن تمتد عينه إلى الدنيا فينافس أهلها ويتقطع لحسرة فوتها ويحسد أهلها وذلك هو الهلاك في الدنيا والآخرة.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذ الباب ثمانية أحاديث: الأول حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث عبد الله بن الشخير ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس حديث أنس بن مالك ذكره للاستشهاد، والسادس حديث عمرو بن عوف ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع حديث عبد الله بن عمرو ذكره للاستشهاد، والثامن حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم.
***