المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌760 - (4) باب ذكر حكم تواجه المسلمين بسيفيهما، وهلاك هذه الأمة بعضهم ببعض، وإخباره صلى الله عليه وسلم عما يكون إلى يوم القيامة، وذكر الفتنة التي تموج كموج البحر - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٢٦

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌757 - (1) باب قيام الناس في عرقهم على قدر أعمالهم ودنو الشمس إليهم وخطبته صلى الله عليه وسلم وتعليمه الناس

- ‌758 - (2) باب إذا مات المرء عرض عليه مقعده، وما جاء في عذاب القبر، وسماع الميت قرع النعال، وفي إثبات الحساب، والأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت

- ‌ كتاب الفتن وأشراط الساعة

- ‌759 - (3) باب اقتراب الفتن، وفتح ردم يأجوج ومأجوج، والخسف بالجيش الذي يوم البيت، ونزول الفتن كمواقع القطر

- ‌760 - (4) باب ذكر حكم تواجه المسلمين بسيفيهما، وهلاك هذه الأمة بعضهم ببعض، وإخباره صلى الله عليه وسلم عما يكون إلى يوم القيامة، وذكر الفتنة التي تموج كموج البحر

- ‌761 - (5) باب لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب، وفتح القسطنطينية وخروج الدجال، ونزول عيسى وقيام الساعة والروم أكثر الناس وإقبال الروم في كثرة القتل عند خروج الدجال

- ‌762 - (6) باب فتوحات المسلمين قبل الدجال والآيات التي تكون قبل الساعة ولا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز وفي سكنى المدينة وعمارتها قبل الساعة وعدم إنبات الأرض مع كثرة المطر وكون الفتنة من المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان

- ‌763 - (7) باب لا تقوم الساعة حتى تعبد دوس ذا الخلصة، وحتى يمر الرجل على القبر فيتمنى أن يكون صاحبه، وأنه يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة، وذكر القحطاني والجهجاه، وقتال الترك، وذكر الخليفة الذي لا يعد المال عند قسمته

- ‌764 - (8) باب ذكر قتل عمار، وأغيلمة من قريش تكون فتنة لمن في زمنها، وإذا هلك كسرى…إلخ، وفتح مدينة جانبها في البحر، وقتال اليهود حتى يقول الحجر: يا مسلم، وذكر دجالين بين يدي الساعة

- ‌765 - (9) باب ذكر ابن صياد

- ‌766 - (10) باب ذكر الدجال وصفته وما معه من الفتن

- ‌767 - (11) باب حرمة المدينة على الدجال وقتله المؤمن وإحيائه هناك، وكون الدجال أهون على الله عز وجل، وقدر مكثه في الأرض، ونزول عيسى وقتله إياه

- ‌768 - (12) باب في ذكر حديث الجساسة وما فيه من ذكر الدجال

- ‌769 - (13) باب في بقية أحاديث الدجال وفضل العبادة في الهرج وقُرب الساعة وذكر ما بين النفختين

- ‌ كتاب الزهد

- ‌770 - (14) باب كون الدنيا سجن المؤمن وهوانها عند الله تعالى وما للمرء من ماله وما يحذر من بسط الدنيا ومن التنافس فيها والنهي عن النظر إلى من فوقك في الدنيا

- ‌771 - (15) باب في الابتلاء بالدنيا وكيف يعمل فيها، والخمول فيها والتقلل منها، والتزهيد في الدنيا والاجتزاء بالخشن منها، ورؤية الله في الآخرة ومخاطبة الرب عبده فيها

- ‌772 - (16) باب ضيق معيشة آل محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌773 - (17) باب النهي عن دخول مساكن الذين ظلموا إلا أن يبكوا، وفضل الساعي على الأرامل والأيتام، والباني للمساجد، وفضل الصدقة على المساكين، وتحريم الرياء ونحوه، ووجوب حفظ اللسان، وعقوبة من يأمر ولا يفعل، والنهي عن هتك الستر عن نفسه، وندب التشميت عند العطاس وكراهية التثاؤب

- ‌ كتاب في أحاديث متفرقة

- ‌774 - (18) باب خلق الملائكة والجان وآدم وأن الفأر مسخ ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين والمؤمن أمره كله خير والنهي عن المدح إذا كان فيه إفراط وتقديم الأكبر في مناولة الشيء وغيرها والتثبت في الحديث وحكم كتابة العلم وقصة أصحاب الأخدود

- ‌775 - (19) باب في حديث أبي اليسر وحديث جابر الطويل رضي الله تعالى عنهما وحديث الهجرة ويقال له حديث الرحل بالحاء

- ‌ كتاب التفسير

- ‌776 - (20) باب في تفسير قوله تعالى: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا}

- ‌777 - (21) باب تتابع الوحي قرب وفاته صلى الله عليه وسلم

- ‌778 - (22) باب بيان تفسير قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}

- ‌779 - (23) باب تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} الآية

- ‌780 - (24) باب قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}

- ‌781 - (25) باب قوله تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ}

- ‌782 - (26) باب قوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا}

- ‌783 - (27) باب قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ}

- ‌784 - (28) باب قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ}

- ‌785 - (29) باب في قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيتَ النَّاسَ} إلخ

- ‌786 - (30) باب قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا}

- ‌787 - (31) باب في قوله تعالى: {وَلَيسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} الآية

- ‌788 - (32) باب في قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ}

- ‌789 - (33) باب قوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [

- ‌790 - (34) باب في قوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ}

- ‌791 - (35) باب في قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} الآية

- ‌792 - (36) باب في بيان سبب نزول سورة براءة والأنفال والحشر، وبيان تسميتها بهذه الأسماء

- ‌793 - (37) باب في نزول تحريم الخمر

- ‌794 - (38) باب نزول قوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} الآية

الفصل: ‌760 - (4) باب ذكر حكم تواجه المسلمين بسيفيهما، وهلاك هذه الأمة بعضهم ببعض، وإخباره صلى الله عليه وسلم عما يكون إلى يوم القيامة، وذكر الفتنة التي تموج كموج البحر

‌760 - (4) باب ذكر حكم تواجه المسلمين بسيفيهما، وهلاك هذه الأمة بعضهم ببعض، وإخباره صلى الله عليه وسلم عما يكون إلى يوم القيامة، وذكر الفتنة التي تموج كموج البحر

7079 -

(2862)(29) حدّثني أَبُو كَامِلٍ، فُضَيلُ بْنُ حُسَينٍ الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ، عَنْ أَيُّوبَ ويونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيسٍ. قَال: خَرَجْتُ وَأَنَا أُرِيدُ هَذَا الرَّجُلَ. فَلَقِيَنِي أَبُو بَكرَةَ فَقَال: أَينَ تُرِيدُ يَا أَحْنَفُ؟ قَال قُلْتُ: أُرِيدُ نَصْرَ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. يَعْنِي عَلِيًّا. قَال فَقَال لِي: يَا أَحْنَفُ، ارْجِعْ

ــ

760 -

(4) باب ذكر حكم تواجه المسلمين بسيفيهما، وهلاك هذه الأمة بعضهم ببعض، وإخباره صلى الله عليه وسلم عما يكون إلى يوم القيامة، وذكر الفتنة التي تموج كموج البحر

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأول من الترجمة وهو تواجه المسلمين بسيفيهما بحديث أبي بكرة رضي الله عنه فقال:

7079 -

(2862)(29)(حدثني أبو كامل) البصري (فضيل بن حسين الجحدري حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8)(عن أيوب) السختياني البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (17) بابا (ويونس) بن عبيد بن دينار العبدي البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا كلاهما رويا (عن الحسن) بن أبي الحسن يسار الأنصاري مولاهم أبي سعيد البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن الأحنف بن قيس) بن معاوية بن حصين التميمي البصري، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (3) أبواب (قال) الأحنف (خرجت) من بيتي يومًا (وأنا أريد) نصر (هذا الرجل) وفي رواية للبخاري في الإيمان ذهبت لأنصر هذا الرجل، وقد فسره في الحديث نفسه بأنه أراد بذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان الأحنف أراد أن يخرج بقومه إلى علي رضي الله عنه ليقاتل معه يوم الجمل فنهاه أبو بكرة فرجع (فلقيني) أي رآني (أبو بكرة) رضي الله عنه (فقال) لي (أين تريد) وتقصد (يا أحنف قال) الأحنف (قلت أريد نصر ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحسن (يعني) الأحنف بابن عم الرسول (عليًّا) ابن أبي طالب (قال) الأحنف (فقال لي) أبو بكرة (يا أحنف ارجع) إلى

ص: 87

فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيفَيهِمَا، فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ" قَال فَقُلْتُ، أَوْ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا الْقَاتِلُ. فَبمَا بَالُ الْمَقتُولِ؟ قَال:"إِنَّهُ قَدْ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ".

7080 -

(00)(00) وحدّثناه أَحْمَدُ بْنُ عَبدَةَ الضَّبِّيُّ

ــ

بيتك ولا تنصره (فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) وهذا السند من سداسياته (إذا تواجه) وتقابل (المسلمان) بوجهيهما وتضاربا (بسيفيهما) أي ضرب كلل واحد منهما وجه صاحبه أي ذاته وجملته (فالقاتل والمقتول في النار) يعني أنهما مستحقان لها أما القاتل فبالقتل الحرام وأما المقتول فبالقصد الحرام والمستحق للشيء قد يُعفى عنه وإن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فأما من اعتقد استحلال دم المسلم بغير سبب ولا تأويل فهو كافر، وقال القاضي: وعند العذري (توجه) بإسقاط الألف فإن لم يكن تغيير فله وجه أي استقبل كل واحد منهما وجه صاحبه أو قصده، وقال النووي: وهذا أي كونهما في النار محمول على من لا تأويل له ويمكن قتالهما عصبية ونحوها وليس المراد خلودهما في النار وإنما المراد دخولها فيها لارتكابهما معصية المقاتلة بغير مجوز شرعي اهـ (قال) أبو بكرة (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (أو قيل) له صلى الله عليه وسلم، والشك من الراوي والمعنى إما سألته أو سأله غيري فقلت له (يا رسول الله هذا القاتل) فاستحقاقه النار ظاهر معلوم لكونه باشر قتل أخيه (فما بال المقتول) أي فما شأنه وذنبه يستحق به النار (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنه) أي إن المقتول (قد أراد قتل صاحبه) أي عزم وصمم عى قتل صاحبه لو تمكن منه فالقاتل يستحق النار بالقصد والفعل والمقتول بالقصد فقط، قال القاضي: فيه حجة للقاضي أبي بكر يعني ابن الطيب على أن العزم على الذنب معصية يؤاخذ بها بخلاف الهم ومن يخالفه يقول هذا أكثر من العزم وهو المواجهة والقتال اهـ.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في الفتن باب إذا التقى المسلمان بسيفيهما [7083]، وأبو داود في الفتن باب النهي عن القتال في الفتنة [4268]، والنسائي في تحريم الدم باب تحريم القتل [4120 إلى 4123]، وابن ماجه في الفتن باب إذا التقى المسلمان بسيفيهما [4013].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:

7080 -

(00)(00)(وحدثناه أحمد بن عبدة) بن موسى (الضبي) أبو عبد الله

ص: 88

حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ ويونُسَ وَالمُعَلَّى بْنِ زِيادٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيسٍ، عَنْ أَبِي بَكرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بسَيفَيهِمَا، فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ".

7081 -

(00)(00) وحدّثني حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. حَدَّثَنَا عَبدُ الرَّزَّاقِ مِنْ كِتَابِهِ. أَخبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ،

ــ

البصري ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا حماد) بن زيد بن درهم (عن أيوب) السختياني (ويونس) بن عبيد (والمعلى بن زياد) القردوسي نسبة إلى بطن من الأزد تُسمى القرادس، واسم محلة لهم بالبصرة أبو الحسن البصري، صدوق، من (7) روى عنه في (2) بابين الجهاد والفتن (عن الحسن) البصري (عن الأحنف بن قيس) هذا لقبه واسمه الضحاك بن قيس (عن أبي بكرة) رضي الله عنه. وهذ السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أحمد بن عبدة لأبي كامل الجحدري (قال) أبو بكرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقى) وتقاتل (المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار).

قال النووي: واعلم أن الدماء التي جرت بين الصحابة رضي الله عنهم ليست بداخلة في هذا الوعيد، ومذهب أهل السنة والحق إحسان الظن بهم والإمساك عما شجر بينهم وتأويل قتالهم وأنهم مجتهدون متأولون لم يقصدوا معصية ولا محض الدنيا بل اعتقد كل فريق أنه المحق ومخالفه باغ فوجب عليه قتاله ليرجع إلى أمر الله وكان بعضهم مصيبًا وبعضهم مخطئًا معذورًا في الخطا لأنه لاجتهاد والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه وكان علي رضي الله عنه هو المحق المصيب في تلك الحروب هذا مذهب أهل السنة وكانت القضايا مشتبهة حتى أن جماعة من الصحابة تحيروا فيها فاعتزلوا الطائفتين ولم يقاتلوا ولم يتيقنوا الصواب ثم تأخروا عن مساعدته اهـ.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي بكرة رضي الله عنه فقال:

7081 -

(00)(00)(وحدثني حجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي أبو محمد المعروف بـ (ابن الشاعر) ثقة، من (11) روى عنه في (14) بابا (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني، ثقة، من (9) أي حدثنا عبد الرزاق (من كتابه) لا من حفظه، قال (أخبرنا معمر) بن راشد البصري (عن أيوب) السختياني، غرضه بيان متابعة حجاج

ص: 89

بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي كَامِلٍ، عَنْ حَمَّادٍ. إِلَى آخِرِهِ.

7082 -

(00)(00) وحدّثنا أَبُو بَكرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَر. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال:"إِذَا الْمُسْلِمَانِ، حَمَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى أَخِيهِ السِّلاحَ، فَهُمَا عَلَى جُرُفِ جَهَنَّمَ. فَإذَا قَتَلَ أَحَدُهُمَا صاحِبَهُ، دَخَلاهَا جَمِيعًا"

ــ

لأبي كامل، وساق حجاج (بهذا الإسناد) يعني عن الحسن عن الأحنف عن أبي بكرة (نحو حديث أبي كامل عن حماد إلى آخره) أي إلى آخر حديث أبي كامل.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي بكرة رضي الله عنه فقال:

7082 -

(00)(00)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا غندر) محمد بن جعفر الهذلي البصري (عن شعبة ح وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عثاب بمثلثة الكوفي، ثقة، من (5)(عن ربعي بن حراش) العبسي الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي بكرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة ربعي بن حراش لأحنف بن قيس، قال النووي: وهذا الإسناد مما استدركه الدارقطني على مسلم، وقال: لم يرفعه الثوري عن منصور. [قلنا] هذا الاستدراك غير مقبول فإن شعبة إمام حافظ فزيادته مقبولة اهـ (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا المسلمان حمل أحدهما) أي كل منهما (على أخيه السلاح) ليقتله (فهما) أي فكل منهما (على جرف جهنم) أي على طرف جهنم (فإذا قتل أحدهما صاحبه دخلاها) أي دخلا جهنم (جميعًا) أي كلاهما.

قوله (في جرف جهنم) كذا في معظم النسخ بالجيم والراء المضمومتين وقد تسكن، وفي بعضها (في حرف جهنم) بالحاء المهملة وهما متقاربان في المعنى والصورة أي على طرفها قريب من السقوط فيها اهـ سنوسي ورواه ابن ماهان (في حر) بالحاء المهملة والراء المشددة بغير فاء مصدر حرت النار تحر حرًّا وحرارة من باب حن.

ص: 90

7083 -

(2863)(30) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ. وَتَكُونُ بَينَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ. وَدَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ"

ــ

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي بكرة بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال:

7083 -

(2863)(30)(وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (11) بابا (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (حدثنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل بن سريج اليماني، ثقة، من (3)(قال) همام (هذا) الحديث الذي أمليه عليكم من صحيفتي (ما حدثنا أبو هريرة) رضي الله عنه (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا السند من خماسياته (فدكر) أبو هريرة (أحاديث منها) قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان) أي طائفتان (عظيمتان وتكون بينهما مقتلة عظيمة) أي شديدة (ودعواهما) أي وكلمتهما التي يدعوان إليها (واحدة) يعني كلمة التوحيد، قال النووي: وهذا من المعجزات وقد جرى ذلك في العصر الأول اهـ يعني عصر الصحابة ولعلها ما جرى بين علي ومعاوية رضي الله تعالى عنهما.

قال القرطبي: قوله (فئتان عظيمتان) يعني بهما فئة علي ومعاوية، قوله (دعواهما واحدة) أي دينهما واحد إذ الكل مسلمون يدعون بدعوة الإسلام عند الحرب وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ من المفهم. وقد ذكر جمع من الشراح أن المراد من هاتين الفئتين جيشا علي ومعاوية فإنهما تقاتلا بصفين حتى قُتل منهم آلاف، قوله (ودعواهما واحدة) قال العيني في عمدة القاري [11/ 368] أي يدعيان الإسلام ويتأول كل منهما أنه محق فإن كان المراد بالفئتين فئتا علي ومعاوية فإن كون دعواهما واحدة يدل على أن كلا منهما من جماعة المسلمين وأن كلا منهما متأول فيما اختاره من الطريق، وأخرج ابن أبي شيبة من طريق زياد بن الحارث قال: كنت إلى جنب عمار أي بصفين فقال رجل: كفر أهل الشام أي أصحاب معاوية فقال

ص: 91

7084 -

(2864)(31) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، (يَعْنِي ابنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ)، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتى يَكثُرَ الْهَرْجُ" قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ، يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَال:"الْقَتلُ. الْقَتْلُ"

ــ

عمار: لا تقولوا ذلك نبينا واحد، ولكنهم قوم حادوا عن الحق، فحق علينا أن نقاتلهم حتى يرجعوا. ذكره الحافظ في الفتح [13/ 86] وقد أخرج ابن عساكر في ترجمة معاوية من طريق ابن منده ثم من طريق أبي القاسم ابن أخي أبي زرعة الرازي قال: جاء رجل إلى عمي أي إلى أبي زرعة فقال له: إني أبغض معاوية قال له: لِمَ؟ قال: لأنه قاتل عليًّا بغير حق، فقال له أبو زرعة: رب معاوية رب رحيم وخصم معاوية خصم كريم فما دخولك بينهما. ذكره الحافظ أيضًا.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في استتابة المرتدين باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان .. " الخ [6935] وفي الفتن باب بعد باب خروج النار [7121].

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي بكرة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال:

7084 -

(2864)(31)(حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن) بن محمد بن عبد الله القاري بتشديد الياء المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن سهيل) بن أبي صالح (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة) أي القيامة (حتى يكثر الهرج) أي القتل (قالوا) أي قالت الصحابة له (وما الهرج يا رسول الله؟ قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم الهرج بفتح الهاء وسكون الراء هو (القتل القتل) وهو خبر لمبتدأ محذوف جوازًا كما قدرناه، وأصل الهرج الاختلاط يقال هرج القوم إذا اختلطا وسمي القتل بالهرج لأنه لا يكون غالبا ألا عن الاختلاط، قال ابن منظور في اللسان [3/ 212] الهرج الاختلاط يقال هرج الناس يهرجون بالكسر هرجًا من باب ضرب من الاختلاط أي اختلطوا وأصل الهرج الكثرة في المشي والاتساع والهرج الفتنة في آخر الزمان والهرج شدة القتل وكثرته وكذا قد يكون

ص: 92

7085 -

(2865)(32) حدَّثنا أَبُو الرَّبِيعِ العَتَكِيُّ وقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. كِلاهُمَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيدٍ، (وَاللَّفْظُ لِقُتَيبَةَ)، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ. فَرَأَيتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا. وَإِن أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُويَ لِي مِنْهَا

ــ

الهرج بمعنى الجماع يقال هرج جاريته أي جامعها كما في القاموس ومنه الحديث المعروف "يتهارجون تهارج الحمر" أي يتسافدون.

وفي الحديث إخبار عن كثرة القتل بقرب الساعة وهو من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم حتى يكون قتل المسلم كقتل نملة كما هو الواقع الآن في جزيرة العرب خصوصًا في العراق وفي فلسطين حتى صار دم الإنسان أهون على المعتدين المجرمين من دم البعوض والذباب والعياذ بالله العظيم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث ابن ماجه في باب أشراط الساعة [4096].

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة وهو هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض بحديث ثوبان رضي الله عنه فقال:

7085 -

(2865)(32)(حدثنا أبو الربيع العتكي) الزهراني سليمان بن داود البصري (وقتيبة بن سعيد كلاهما عن حماد بن زيد واللفظ لقتيبة) قال قتيبة (حدثنا حماد) بن زيد بصيغة السماع (عن أيوب عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي البصري (عن أبي أسماء) الرحبي بفتح المهملتين، نسبة إلى رحبة دمشق قرية بينها وبين دمشق ميل عمرو بن مرثد الدمشقي، ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن ثوبان) بن بجدد أبي عبد الله الشامي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه روى عنه، له عشرة أحاديث في (م) كما في الخلاصة. وهذا السند من سداسياته (قال) ثوبان (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله) عز وجل (زوى) من باب رمى أي طوى (لي الأرض) كلها مشارقها ومغاربها حتى كان أبعدها أقرب إليّ من أقربها (فرأيت مشارقها ومغاربها) وزوي بمعنى ضم وجمع أي جمعها الله لأجلي، قال التوربشتي: يقال زويت الشيء جمعته وقبضته يريد تقريب البعيد منها إليه حتى اطلع عليه اطلاعه على القريب منها كهيئة مرآة في كف ناظرها فلذا قال فرأيت مشارقها ومغاربها أي جميعها اهـ من المرقاة [11/ 50](وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زُوي لي منها) قال القرطبي: أي زوي حتى أبصرت ما

ص: 93

وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَينِ الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ

ــ

تملكه أمتي من أقصى المشارق والمغارب منها، وظاهر هذا اللفظ يقتضي أن الله تعالى قوى إدراك بصره ورفع عنه الموانع المعتادة فأدرك البعيد من موضعه كما أدرك بيت المقدس من مكة وأخذ يخبرهم عن آياته وهو ينظر إليه، ويحتمل أن يكون مثلها الله له فرآها، والأولى أولى، وقوله (وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها) هذا الخبر قد وجد مخبره كما قال صلى الله عليه وسلم وكان ذلك من دلائل نبوته وذلك أن ملك أمته اتسع إلى أن بلغ أقصى بحر طنجة الذي هو منتهى عمارة المغرب إلى أقصى المشرق مما وراء خراسان والنهر وكثير من بلاد الهند والسند والصغد والعين ولم يتسع ذلك الاتساع من جهة الجنوب والشمال ولذلك لم يذكر صلى الله عليه وسلم أنه أُريه ولا أخبر أن ملك أمته يبلغه اهـ من المفهم.

وقال الطيبي نقلا عن الخطابي: توهم بعض الناس أن (من) في منها للتبعيض وليس ذلك كما توهمه بل هي للتفصيل للجملة المتقدمة، والتفصيل لا يناقض الجملة والمعنى أن الأرض زُويت لي جملتها مرة واحدة فرأيت مشارقها ومغاربها ثم هي تُفتح لأمتي جزءًا فجزءًا حتى يصل ملك أمتي إلى كل أجزائها، قال علي القاري في المرقاة: ولعل وجه من قال بالتبعيض هو أن ملك هذه الأمة ما بلغ جميع الأرض فالمراد بالأرض أرض الإسلام وأن منها عائد إليها على سبيل الاستخدام والله أعلم بالمراد، ويحتمل أن يقال لا يلزم من كون هذه الأمة لم يبلغ ملكها الآن إلى جميع الأرض أن لا يقع ذلك في المستقبل فقد يؤخذ من الروايات الصحيحة أن الإسلام سيكون مستوليًا على جميع بقاع الأرض في آخر الزمان وعلى هذا فلا حاجة إلى القول بالتبعيض والله أعلم.

(وأُعطيت الكنزين) يعني به كنز كسرى وهو ملك الفرس في العراق وملك قيصر وهو ملك الروم في الشام وقصورهما وبلادهما، وقد دل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر حين أخبر عن هلاكهما "لتنفقن كنوزهما في سبيل الله" رواه أحمد ومسلم والترمذي.

وقوله (الأحمر والأبيض) بدل عن الكنزين وعبّر بالأحمر عن كنز قيصر لأن الغالب في نقودهم كان الدنانير، وبالأبيض عن كنز كسرى لأن الغالب في نقودهم كان الدراهم والجواهر، وقد ظهر ذلك ووجد كذلك في زمان الفتوح في خلافة عمر رضي

ص: 94

وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لأُمَّتِي أَنْ لَا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى نفُسِهِمْ، فَيَسْتَبِيحَ بَيضَتَهُمْ. وَإِنَّ رَبِّي قَال: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي إِذَا قَضَيتُ قَضَاء

ــ

الله عنه فإنه سيق إليه تاج كسرى وحليته وما كان في بيوت أمواله وجميع ما حوته مملكته على سعتها وعظمتها وكذلك فعل الله بقيصر لما فتحت بلاده اهـ من المفهم.

(وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة) لجميع بلدان المسلمين، والسنة القحط والجدب والمراد أن لا يصيب المسلمين قحط عام يشمل جميع بلاد المسلمين في وقت واحد، وهكذا وقع فلم يصب المسلمين قحط عام حتى الآن بل إذا وقع بأرض اقتصر بها ولم يعم بلاد المسلمين قاطبة، قال القرطبي: أراد بالسنة الجدب العام الذي يكون به الهلاك ويُسمى الجدب والقحط سنة ويُجمع على سنين كما قال تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ} [الأعراف: 130] أي بالجدب المتوالي (و) سألته (أن لا يسلط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم) الجار والمجرور صفة عدوًا أي عدوًا كائنًا من غير أنفسهم وإنما قيده بهذا القيد لما سيأتي في حديث سعد رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم وإن قد دعا الله تعالى أن لا يجعل بأس أمته فيما بينهم فمُنع من ذلك (فيستبيح) ذلك العدو المذكور (بيضتهم) أي جماعتهم، قال القرطبي: وبيضة المسلمين معظمهم وجماعتهم، وفي الصحاح بيضة كل شيء حوزته وبيضة القوم ساحتهم وعلى هذا فيكون معنى الحديث أن الله تعالى لا يسلط العدو على كافة المسلمين حتى يستبيح ويأخذ جميع ما حازوه من البلاد والأرض ولو اجتمع عليهم كل من بين أقطار الأرض وهي جوانبها اهـ من المفهم، وقال القاضي: هي مأخوذة من بيضة الطير لتحضينها ما فيها واجتماعها عليه، والبيضة أيضًا هي العز، وقيل المُلك اهـ من الأبي، وقال الطيبي: إنه مأخوذ من بيضة الدار وهي وسطها ومعظمها وإن بيضة الدار مجتمع لأهلها فالمراد من استباحة البيضة أن يسيطر العدو على مجتمعهم وموضع سلطانهم ومستقر دولتهم فيستأصلهم ويهلكهم جميعًا والاستباحة أن يجعلها مباحة لنفسه ثم إن النفي منصب على السبب والمسبب معًا فيفهم منه أنه قد يُسلط عليهم عدو لكن لا يستأصل شأفتهم اهـ من المرقاة، قوله (ولو اجتمع عليهم من بأقطارها) يعني ولو اجتمع أعداء المسلمين من أنحاء الأرض قاطبة لم يتمكنوا من استئصال شأفة المسلمين، والأقطار جمع قطر بضم القاف وهي الناحية (وإن ربي قال يا محمد إني إذا قضيت قضاء

ص: 95

فَإنَّهُ لَا يُرَدُّ، وَإنِّي أَعطَيتُكَ لأُمتِكَ أَن لَا أُهلِكَهُم بِسَنَةٍ عَامةٍ. وَأَن لَا أُسَلِّطَ عَلَيهِم عَدُوًّا مِن سِوَى أنفُسِهِم. يَستَبِيحُ بَيضَتَهُم. وَلَو اجتَمَعَ عَلَيهِم مَن بِأقطَارِهَا -أَو قَال: مَن بَينَ أقطَارِهَا- حَتى يَكُونَ بَعْضُهُم يُهلِكُ بَعضًا، وَيَسبِي بَعضُهُم بَعضًا"

ــ

فإنه) أي فإن قضائي (لا يرد) ولا يدفع بل ينفذ لا محالة، قال القرطبي: يستفاد منه أنه لا يستجاب من الدعاء إلا ما وافقه القضاء وحينئذ يشكل بما قد رُوي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يرد القضاء إلا الدعاء" رواه الترمذي من حديث سلمان رضي الله عنه [2139] ويرتفع الإشكال بأن يقال إن القضاء الذي لا يرده دعاء ولا غيره هو الذي سبق علم الله تعالى بأنه لا بد من وقوعه والقضاء الذي يرده الدعاء أو صلة الرحم هو الذي أظهره الله بالكتابة في اللوح المحفوظ الذي قال الله تعالى فيه {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: 39] والله أعلم (وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة وأن لا أسلط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها) ونواحيها (أو قال) النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي لفظة ولو اجتمع عليهم (من بين أقطارها) والشك من الراوي أو مِمن دونه (حتى يكون بعضهم) أي بعض المسلمين (يهلك) أي يقتل (بعضًا) آخر منهم (ويسبي) أي يأسر (بعضهم) أي بعض المسلمين (بعضًا) آخر منهم. وهذه الجملة تحتمل معنيين: الأول أن يكون الضمير في بعضهم عائدا على المسلمين فالمراد أن أعداء المسلمين لا يستطيعون أن يستبيحوا بيضتهم ولكن قد يكون المسلمون أنفسهم يتقاتلون فيما بينهم فيهلك بعضهم بعضًا ويأسر بعضهم بعضًا وبهذا التفسير جزم الطيبي، والاحتمال الثاني أن يكون الضمير في قوله بعضهم عائدًا على أعداء المسلمين فيكون المراد أنهم كلما اجتمعوا لاستئصال المسلمين لم يتمكنوا من ذلك حتى تصير عاقبتهم إلى المقاتلة فيما بينهم والله أعلم، قال القرطبي (حتى يكون) .. الخ ظاهر (حتى) الغاية فيقتضي ظاهر هذا الكلام أنه لا يُسلط عليهم عدوهم فيستبيحهم إلا إذا كان منهم إهلاك بعضهم لبعض وسبي بعضهم لبعض وحاصل هذا أنه إذا كان من المسلمين ذلك تفرقت جماعتهم واشتغل بعضهم ببعض عن جهاد العدو فقويت شوكة العدو واستولى عليهم كما شاهدناه في أزماننا هذه في المشرق والمغرب وذلك أنه لما اختلف ملوك الشرق وتجادلوا استولى كفار الترك على جميع عراق العجم، ولما اختلف ملوك المغرب وتجادلوا استولت الأفرنج على جميع بلاد

ص: 96

7086 -

(00)(00) وحدثني زُهَيرُ بْنُ حَربٍ وَإِسحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بن المُثَنَّى وَابنُ بَشَّارٍ. (قَال إِسحَاقُ: أَخبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا) مُعَاذُ بن هِشَامٍ. حَدثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَن أَبِي قِلابَةَ، عَن أَبِي أَسمَاءَ الرحَبِيِّ، عَن ثَوْبَان، أَن نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"إِن اللهَ تَعَالى زَوَى لِيَ الأَرْضَ. حَتى رَأَيتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا. وَأَعطَانِي الكَنْزَينِ الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ". ثُم ذَكَرَ نَحوَ حَدِيثِ أَيُّوبَ، عَن أَبِي قِلابَةَ

ــ

الأندلس والجزر القريبة منها وها هم قد طمعوا في جميع بلاد الإسلام فنسأل الله أن يتدارك المسلمين بالعفو والنصر واللطف ولا يصح أن يكون (حتى) هنا بمعنى كي لفساد المعنى فتدبره اهـ من المفهم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الفتن باب ذكر الفتن ودلائلها [4252]، والترمذي في الفتن باب ما جاء في سؤال النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا في أمته [2176]، وابن ماجه في الفتن باب ما يكون من الفتن [4000].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ثوبان رضي الله عنه فقال:

7086 -

(00)(00)(وحدثني زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم ومحمد بن المثنى وابن بشار قال إسحاق أخبرنا وقال الآخرون حدثنا معاذ بن هشام) الدستوائي (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله الدستوائي (عن قتادة) بن دعامة بن قتادة السدوسي (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي (عن أبي أسماء الرحبي) عمرو بن مرثد الدمشقي (عن ثوبان) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة قتادة لأيوب السختياني (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله تعالى زوى لي) أي طوى لي وكشف (الأرض) وأرجاءها (حتى رأيت مشارقها ومغاربها وأعطاني الكنزين الأحمر) يعني الذهب لقيصر ملك العراق (والأبيض) أي الفضة لكسرى ملك الشام (ثم ذكر) أبو قتادة (نحو حديث أيوب عن أبي قلابة).

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ثوبان بحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما فقال:

ص: 97

7087 -

(2866)(33) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ، (وَاللفظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ. أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَقْبَلَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنَ الْعَالِيَةِ. حَتَّى إِذَا مَرَّ بِمَسْجِدِ بَنِي مُعَاويةَ، دَخَلَ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَينِ. وَصَلينَا مَعَهُ. وَدَعَا رَبَّهُ طَويلًا، ثُم انْصَرَفَ إِلَينَا. فَقَال صلى الله عليه وسلم:"سَألْتُ رَبِّي ثَلاثًا". فَأعْطَانِي ثِنْتَينِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً. سَألْتُ رَبي أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمتِي بِالسنَةِ فَأعْطَانِيهَا. وَسَألْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتي بِالْغرَقِ

ــ

7087 -

(2866)(33)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير واللفظ له حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا عثمان بن حكيم) بن عباد بن حنيف مصغرًا الأنصاري الأوسي أبو سهل المدني ثم الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (6) أبواب (أخبرني عامر بن سعد) بن أبي وقاص الزهري المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب الزهري المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل) أي جاء (ذات يوم من العالية) واحد من العوالي وعوالي المدينة معروفة (حتى إذا مر بمسجد بني معاوية) وهو المعروف بمسجد الإجابة كما ذكره السمهودي، وكان ابن النجار أدركه خرابًا وكان رمم في عهد السمهودي فذكر أنه في شمالي البقيع على يسار السالك إلى العريف (دخل) المسجد (فركع) أي صلى (فيه ركعتين وصلينا) معاشر الحاضرين (معه) صلى الله عليه وسلم (ودعا ربه) عز وجل دعاء (طويلًا ثم) بعد فراغه من الدعاء (انصرف) أي أقبل (إلينا) ونقل ابن شبة عن أبي غسان عن محمد بن طلحة قال: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مسجد بني معاوية على يمين المحراب نحوًا من ذراعين نقله السمهودي في وفاء الوفاء [3/ 829](فقال صلى الله عليه وسلم سألت ربي ثلاثًا) من الدعوات (فأعطاني) أي فأجابني (ثنتين) أي دعوتين منها (ومنعني واحدة) من الثلاث (سألت ربي أن لا يُهلك أمتي بالسنة) أي بالقحط والجدب (فأعطانيها) أي فأجابنيها (وسألته أن لا يهلك أمتي بالسنة) أي بالقحط والجدب (فأعطانيها) أي فأعطاني تلك الدعوة وأجابنيها (وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق) بالطوفان أي أن لا يهلك جميعهم بطوفان كطوفان نوح عليه السلام حتى يغرق

ص: 98

فَأعطَانِيهَا. وَسَألتُهُ أَن لَا يَجْعَلَ بَأسَهُمْ بَينَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا".

7088 -

(00)(00) وحدثناه ابْنُ أبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا مَروَانُ بْنُ مُعَاويةَ. حَدَّثَنَا عُثمَانُ بْنُ حَكِيمٍ الأَنْصَارِي. أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أبِيهِ؛ أَنّهُ أقْبَلَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ. فَمَر بِمَسْجِدِ بَنِي مُعَاوَيةَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيرٍ

ــ

جميعهم، وهذا فيه بُعد، ولعل هذا اللفظ كان بالعدو فتصحف على بعض الرواة لقرب ما بينهما في اللفظ ويدل على صحة ذلك أن هذا الحديث قد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم خباب بن الأرت وثوبان وغيرهما وكلهم قال بدل الغرق المذكور في هذا الحديث عدوًا من غير أنفسهم. والله تعالى أعلم اهـ من المفهم (فأعطانيها) أي فأجابني تلك الدعوة (وسألته أن لا يجعل بأسهم) وحربهم (بينهم فمنعنيها) أي لم يجب لي هذه الدعوة لكونه مخالفًا لقضائه المبرم ومشيئته التي لا يسأل عنها، قال القرطبي: البأس الحروب والفتن مأخوذ من بئس بيأس من باب فرح إذا أصابه البؤس وهو الضر ويقال بأسًا وضرًّا.

وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات الست ولكنه شاركه أحمد [1/ 175].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سعد رضي الله عنه فقال:

7088 -

(00)(00)(وحدثناه) محمد (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا مروان بن معاوية) بن الحارث بن أسماء الفزاري الكوفي نزيل مكة، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (حدثنا عثمان بن حكيم الأنصاري) الأوسي (أخبرني عامر بن سعد) بن أبي وقاص الزهري المدني (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة مروان بن معاوية لعبد الله بن نمير (أنه) أي أن سعد بن أبي وقاص (أقبل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من العالية حالة كون رسول الله صلى الله عليه وسلم (في طائفة) أي مع جماعة (من أصحابه فمر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بمسجد بني معاوية) وساق مروان بن معاوية (بمثل حديث ابن نمير).

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة وهو إخباره

ص: 99

7089 -

(2867)(34) حدثني حَرمَلَةُ بن يَحيَى التُّجِيبِي. أَخبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَن أَبَا إِدْرِيس الخَوْلانِيَّ كَانَ يَقُولُ: قَال حُذَيفَةُ بن اليَمَانِ: وَاللهِ، إِنِّي لأَعْلَمُ الناسِ بكُلِّ فِتنَةٍ هِيَ كَائِنَةٌ، فِيمَا بَينِي وَبَينَ الساعَةِ. وَمَا بِي إلا أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَسَرَّ إِليَّ فِي ذَلِكَ شَيئًا، لَمْ يُحَدِّثْهُ غَيرِي. وَلَكِنْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال، وَهُوَ يُحَدِّثُ مَجْلِسًا أَنَا فِيهِ عَنِ الْفِتَنِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ يَعُدُّ الْفِتَنَ:

ــ

صلى الله عليه وسلم عما يكون إلى يوم القيامة بحديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه فقال:

7089 -

(2867)(34)(حدثني حرملة بن يحيى التجيبي) المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب أن أبا إدريس الخولاني) عائذ الله بن عبد الله بن عمرو العوذي بفتح المهملة آخره معجمة الشامي أحد الأئمة الأعلام، ثقة، من (3) روى عنه في (8) أبواب كان يقول قال حذيفة بن اليمان) واسم اليمان حسيل مصغرًا العبسي الكوفي، حليف الأنصار الصحابي المشهور رضي الله عنه روى عنه في (5) أبواب. وهذا السند من سداسياته (والله) أي أقسمت بالله (إني لأعلم الناس) أي لأكثر الناس علمًا (بكل فتنة) وبلية (هي) أي تلك الفتنة (كائنة) أي واقعة (فيما) أي في زمن كان (بيني وبين الساعة) أي القيامة (وما بي) أي ومالي من عذر يمنعني من تحديث تلك الفتن كلها (إلا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أسر إلي) أي أخبر إليَّ سرًّا (في ذلك) أي في الأمر الذي يكون بيني وبين الساعة (شيئًا لم يحدثه غيري) فإن ذلك الذي أسرَّ إليَّ لم أحدثه والمعنى ما لي عذر يمنعني من التحديث بجميعها إلا كون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أسر إلي في ذلك الأمر الآتي بين يدي الساعة شيئًا لم يحدّثه غيري وذلك الأمر الذي أسر إلي فلا أحدثه لوجوب كتمانه عليَّ وأما ما لم يسرّه إليَّ بل حدّث به إياي وغيري فإني أحدثه للناس كلها لأنه لا مانع لي من تحديثه الذي هو إسراره إلي كما قال في هذا الحديث "وهو يحدث عن الفتن في مجلس وأنا فيه"(ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يحدث مجلسًا) أي أهل مجلس (أنا فيه عن الفتن) متعلق بيحدث (فقال) توكيد لفظي لقال الأول (رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) أي والحال أنه (يعد الفتن)

ص: 100

"مِنْهُنَّ ثَلاثٌ لَا يَكَدْنَ يَذَرنَ شَيئًا. وَمِنْهُن فِتَنٌ كَرِيَاحِ الصَّيفِ. مِنْهَا صغَارٌ وَمِنْهَا كِبَارٌ".

قَال حُذَيفَةُ: فَذَهَبَ أولَئِكَ الرَّهْطُ كلهُم غَيرِي

ــ

الواقعة بين يدي الساعة ويذكرها، وقوله (منهن) .. الخ مقول قال، وما بينهما اعتراض أي فقال منهن (ثلاث لا يكدن) أي لا يقربن (يذرن) ويتركن، أي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والحال أنه يذكر عددًا كثيرًا من الفتن الواقعة بين يدي الساعة ثلاث منهن أي من الفتن التي تقع بين يدي الساعة لا يكدن ولا يقربن أن يذرن ويتركن (شيئًا) مما في الأرض بل تعم كل الأشياء وتصيبها بفتنتها ولا يسلم منهن شيء من مخلوق الأرض ولم أر رواية تبين تلك الثلاثة العامة بعد البحث عنها ولعلها خروج الدجال وخروج يأجوج ومأجوج وخروج الدابة والله سبحانه وتعالى أعلم.

(ومنهن) أي ومن الفتن التي ستقع بين يدي الساعة (فتن) أخرى كثيرة تضر من أصبنه ضررًا (كـ) ـضرر (رياح الصيف) ولعل التشبيه بها في كونها مؤذية لأن رياح الصيف حارة في الغالب وتعصف الرمال وتحرق النبات (منها) أي من تلك الفتن الأخرى فتن (صغار) أي قليل ضررها أو قليل من تصيبها (ومنها) فتن (كبار) بكثرة ضررها أو بكثرة من تصيبها (قال حذيفة) بالسند السابق (فذهب) الآن من الدنيا (أولئك الرهط) والقوم الذي سمعوا أحاديث الفتن معي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وماتوا (كلهم غيري) فلذلك قلت إني لأعلم الناس الآن بكل فتنة هي كائنة إلى يوم القيامة.

وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات لكنه شاركه أحمد في مسنده [5/ 407]، والبيهقي في دلائل النبوة [6/ 406].

قال القرطبي: أقول إن النبي صلى الله عليه وسلم كان الله تعالى قد أعلمه بتفاصيل ما يجري بعده لأهل بيته وأصحابه وبأعيان المنافقين وبتفاصيل ما يقع في أمته من كبار الفتن وصغارها وأعيان أصحابها وأسمائهم وأنه بث الكثير من ذلك عند من يصلح لذلك من أصحابه كحذيفة رضي الله عنه قال: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا يبلغ من معه ثلاثمائة فصاعدًا إلا قد سماه لنا باسمه واسم أبيه وقبيلته رواه أبو داود [4243] وبهذا يعلم أن أصحابه كان عندهم من علم الكوائن الحادثة إلى يوم القيامة العلم الكثير والحظ الوافر لكن لم يشيعوها إذ ليست من أحاديث

ص: 101

7090 -

(00)(00) وحدثنا عُثمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وإسحَاقُ بْنُ إِبرَاهِيمَ. (قَال عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا. وَقَال إِسحَاقُ: أَخبَرَنَا) جَرِيرٌ، عَنِ الأَعمَشِ، عَن شَقِيقٍ، عَن حُذَيفَةَ قَال: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَقَامًا. مَا تَرَكَ شَيئًا يَكُونُ فِي مَقَامِهِ ذلِكَ إِلَى قِيَامِ الساعَةِ، إلا حَدَّثَ بِهِ. حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَن نَسِيَهُ قَدْ عَلِمَهُ أَصْحَابِي هؤُلاءِ. وإنهُ لَيَكُونُ مِنْهُ الشيءُ قَد نَسِيتُهُ

ــ

الأحكام وما كان فيها شيء من ذلك حدثوا به ونقضوا عن عهدته ولحذيفة في هذا الباب زيادة مزية وخصوصية لم تكن لغيره منهم لأنه كان كثير السؤال عن هذا الباب كما دلت عليه أحاديثه وكما دل عليه تخصيص عمر له بالسؤال عن ذلك دون غيره، وقد تقدم الكلام في حديث حذيفة رضي الله عنه في كتاب الإيمان اهـ من المفهم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث حذيفة رضي الله عنه فقال:

7090 -

(00)(00)(وحدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم قال عثمان حدثنا وقال إسحاق أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي (عن الأعمش عن شقيق) بن سلمة الأسدي الكوفي (عن حديفة) بن اليمان رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة شقيق بن سلمة لأبي إدريس الخولاني (قال) حذيفة (قام فينا) معاشر الصحابة (رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامًا) أي قيامًا، وقوله (ما ترك شيئًا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدث به)، قال القرطبي: الجار والمجرور في قوله (في مقامه) يجوز أن يتعلق بترك والأليق أن يكون متعلقًا بحدث لأن الظاهر من الكلام أنه أراد أنه ما ترك شيئًا يكون إلى يوم القيامة إلا حدث به في ذلك المقام وهذا المقام المذكور فيه هذا الحديث هو اليوم الذي أخبر عنه أبو زيد عمرو بن أخطب المذكور فيما بعد اهـ مفهم (حفظه) أي حفظ ذلك الشيء الذي أخبر عنه (من حفظه) أي من حفظ ذلك الحديث الذي سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتن من القوم الذين سمعوه معي (ونسيه من نسيه) بعدما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم (قد علمه) أي قد علم الذي ذكرته من حفظ من حفظه ونسيان من نسيه (أصحابي هولاء) الذين سمعنا تلك الأخبار من رسول الله صلى الله عليه وسلم معًا (وإنه) أي وإن الشأن والحال (ليكون منه) أي من ذلك الحديث الذي سمعناه في الفتن وهو بيان مقدم لما بعده أي ليكون (الشيء) منه (قد نسيته) أنا أي قد ذهب من قلبي

ص: 102

فَأَرَاهُ فَأذْكُرُهُ كَمَا يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إِذَا غَابَ عَنْهُ. ثُم إِذَا رَآه عَرَفَهُ.

7091 -

(00)(00) وحدَّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيع، عَن سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، إِلَى قَوْلِهِ: وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ.

7092 -

(00)(00) وحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ،

ــ

(فأراه) أي فأرى ذلك الشيء الذي نسيته عيانًا بعيني (فأكره) بقلبي وأتيقنه (كما يذكر الرجل وجه الرجل) أي كما يتذكر الرجل الناسي زميله الذي نسي (إذا غاب عنه) زمانًا (ثم إذا رآه) عيانًا ببصره (عرفه) ويتذكر به، قال القاضي عياض: قوله (كما يذكر الرجل) قيل هذا الكلام فيه اختلال من تغيير الرواة وصوابه كما لا يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه أو كما ينسى الرجل وجه الرجل .. الخ اهـ من الأبي. قوله (وإنه ليكون الشيء منه قد نسيته) .. الخ يعني أنني ربما أنسى بعض الأمور التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها ستكون ثم أذكرها حينما أراها تقع عيانًا.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث حذيفة رضي الله عنه فقال:

7091 -

(00)(00)(وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان) الثوري (عن الأعمش) غرضه بيان متابعة سفيان لجرير بن عبد الحميد وساق سفيان (بهذا الإسناد) يعني عن شقيق عن حذيفة (إلى قوله ونسيه من نسيه ولم يذكر) سفيان (ما بعده) أي ما بعد قوله ونسيه من نسيه.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديثه فقال:

7092 -

(00)(00)(وحدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة ح وحدثني أبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري، صدوق، من (10)(حدثنا غندر حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت) الأنصاري الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (9) أبواب (عن عبد الله بن يزيد) بن زيد بن الحصين الأنصاري الأوسي الخطمي أبي موسى

ص: 103

عَن حُذَيفَةَ؛ أَنّهُ قَال: أَخبَرَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى أَن تَقُومَ الساعَةُ. فَمَا مِنهُ شَيءٌ إلا قَد سَألتُهُ. إلا أَنِّي لَمْ أَسْأَلهُ: مَا يُخرِجُ أَهلَ الْمَدِينَةِ مِنَ المَدِينَةِ؟

7093 -

(00)(00) حدثنا مُحَمدُ بن الْمُثَنى. حَدثَنِي وَهْبُ بن جَرِيرٍ. أَخْبَرَنَا شُعبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحوَهُ.

7094 -

(2868)(35) وحدثني يَعْقُوبُ بن إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقيُّ وَحَجَّاجُ

ــ

المدني الصحابي الصغير رضي الله عنه روى عنه في (7) أبواب (عن حذيفة) بن اليمان. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عبد الله بن يزيد لمن روى عن حذيفة، وفيه رواية صحابي عن صحابي (أنه) أي أن حذيفة (قال أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو كائن) أي واقع من الفتن (إلى أن تقوم الساعة فما منه شيء) أي من الشيء الذي أخبرني (إلا قد سألته) صلى الله عليه وسلم عن شؤونه وسببه ومكانه وزمانه (إلا أني) أي لكن أني (لم أسأله) صلى الله عليه وسلم (ما يخرج) أي عن الأمر الذي يخرج (أهل المدينة من المدينة) حين أخبرني بخروجهم من المدينة يعني أنه سيأتي وقت يضطر فيه أهل المدينة إلى الخروج ولكني لم أسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن السبب الذي يبعثهم على الخروج.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث حذيفة رضي الله عنه فقال:

7093 -

(00)(00)(حدثنا محمد بن المثنى حدثني وهب بن جرير) بن حازم بن زيد بن عبد الله الأزدي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (أخبرنا شعبة) غرضه بيان متابعة وهب لمحمد بن جعفر، وساق وهب (بهذا الإسناد) يعني عن عدي عن عبد الله بن يزيد عن حذيفة (نحوه) أي نحو ما حدّث محمد بن جعفر عن شعبة.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث حذيفة بحديث عمرو بن أخطب رضي الله عنهما فقال:

7094 -

(2868)(35)(وحدثني يعقوب بن إبراهيم) بن كثير العبدي (الدورقي) أبو يوسف البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (وحجاج) بن يوسف بن

ص: 104

ابنُ الشَّاعِرِ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي عَاصِمٍ. قَال حَجَّاجٌ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ. أَخبَرَنَا عَزْرَةُ بن ثَابِتٍ. أَخبَرَنَا عِلبَاءُ بن أَحمَرَ. حَدثَنِي أَبُو زَيدٍ، (يَعْنِي عَمرَو بنَ أَخْطَبَ)، قَال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الفَجْرَ. وَصَعِدَ الْمِنبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الظُّهْرُ. فَنَزَلَ فَصَلى. ثُم صَعِدَ المِنبَرَ. فَخَطَبَنَا حَتى حَضَرَتِ العَصرُ. ثُمَّ نَزَلَ فَصَلى. ثُم صَعِدَ المِنبَرَ. فَخَطَبَنَا حَتى غَرَبَتِ الشمْسُ. فَأخبَرَنَا بِمَا كَانَ وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ. فَأعلَمُنَا أَحفَظُنَا

ــ

حجاج الثقفي البغدادي، المعروف بـ (ابن الشاعر) ثقة، من (11) روى عنه في (14) بابا (جميعًا) أي حالة كونهما مجتمعين على الرواية (عن أبي عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد بن الضحاك الشيباني البصري، ثقة ثبت، من (9) روى عنه في (12) بابا (قال حجاج حدثنا أبو عاصم) بصيغة السماع (أخبرنا عزرة بن ثابت) بن أبي زيد عمرو بن أخطب الأنصاري البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (4) أبواب (أخبرنا علباء) بكسر أوله وسكون ثانيه بعده موحدة ومد (بن أحمر) اليشكري البصري، روى عن أبي زيد الأنصاري في الفتن وعكرمة، ويروي عنه (م ت س ق) وعزرة بن ثابت وحسين بن واقد، وثقه ابن معين وأبو زرعة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: بصري، صدوق، من القراء، من (4) الرابعة، وليس من الرواة من اسمه علباء إلا هذا (حدثني أبو زيد يعني عمرو بن أخطب) بن رفاعة الأنصاري البصري الصحابي الجليل مشهور بكنيته رضي الله عنه، له أحاديث انفرد له (م) بحديث واحد، ويروي عنه (م عم) وعلباء بن أحمر في الفتن، وأبو قلابة وأنس بن سيرين ويزيد الرشك. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو زيد (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر) أي صلاة الصبح (وصعد المنبر فخطبنا) بذكر الوعد والوعيد (حتى حضرت الظهر) أي دخل وقتها (فنزل) من المنبر (فصلى) بنا الظهر (ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر) أي وقت صلاتها (ثم نزل فصلى) بنا العصر (ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس فأخبرنا بما كان) ووُجد من أول الدنيا إلى وقتنا هذا (وبما هو كائن) أي واقع إلى يوم القيامة (فأعلمنا) معاشر الصحابة أي فأكثرنا علمًا وفهمًا هو (أحفظنا) أي أكثرنا حفظًا لهذا الحديث.

ص: 105

7095 -

(2869)(36) حدثنا مُحَمدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ وَمُحَمدُ بْنُ الْعَلاءِ، أَبُو كُرَيبٍ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي مُعَاويةَ. قَال ابْنُ الْعَلاءِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ حُذَيفَةَ. قَال: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ. فَقَال: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْفِتْنَةِ كَمَا قَال؟ قَال: فَقُلْتُ: أنا. قَال: إِنَّكَ لَجَرِيءٌ

ــ

قوله (فخطبنا حتى غربت الشمس) ظاهره أن خطبته صلى الله عليه وسلم استمرت طول النهار فيحتمل أن يكون حقيقة، ويحتمل أن يكون على سبيل التغليب فتكون بين الخطبات وقفة والله أعلم. قوله (فأعلمنا أحفظنا) يعني من كان أعلم منا حفظ تلك الأشياء أكثر من غيره أو المراد أن من حفظها أكثر اعتبر اليوم أعلم.

وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله عن أصحاب الأمهات لكنه شاركه أحمد [5/ 341]، والطبراني في معجمه [17/ 28].

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة وهو ذكر الفتنة التي تموج كموج البحر بحديث آخر لحذيفة رضي الله عنه فقال:

7095 -

(2869)(36)(حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني (ومحمد بن العلاء) بن كريب (أبو كريب) الهمداني (جميعًا عن أبي معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (قال ابن العلاء حدثنا أبو معاوية) بصيغة السماع (حدثنا الأعمش عن) أبي وائل (شقيق) بن سلمة الأسدي الكوفي (عن حذيفة) بن اليمان الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) حذيفة (كنا) يومًا (عند عمر) بن الخطاب (فقال) عمر (أيكم) يا معشر الحاضرين (يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي حدّثه لنا (في) بيان (الفتنة) التي تكون بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، وقوله (كما قال) صفة لمصدر محذوف مؤكد ليحفظ أي أيكم يحفظ حفظًا كائنًا على الوجه الذي قاله بلا تغيير ولا تحريف (قال) حذيفة (فقلت) لعمر (أنا) الذي حفظه كما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم (قال) له عمر (أنك) يا حذيفة (لجريء) إذا بوزن فعيل من الجرأة أي جسور مقدام قاله على جهة الإنكار كأنه أنكر عليه هذا الادعاء فإن ذاكرة المرء تتعرض للذهول عن بعض الأشياء فالاحتياط أن يقول إني أذكر جوهر الكلام ولا أدعي أني أذكر كله بلفظه كذا في القسطلاني، وقيل إن عمر مدحه على جرأته في ادعاء أنه يحفظ من رسول

ص: 106

وَكَيفَ قَال؟ قَال قُلْتُ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "فِتنَةُ الرجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ. يُكَفِّرُهَا الصيَامُ وَالصلاة وَالصدَقَةُ وَالأَمرُ بِالمَعْرُوفِ وَالنهي عَنِ المُنكَرِ. فَقَال عُمَرُ: لَيسَ هَذَا أُرِيدُ. إِنَّمَا أُرِيدُ التِي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحرِ

ــ

الله صلى الله عليه وسلم حديث الفتن كما سمعه منه لأن ذلك يدل على اهتمامه وشدة اعتنائه بحفظ الحديث (وكيف قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإخبار عن الفتن، وهو من جزء كلام عمر (قال) حذيفة (قلت) لعمر (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فتنة الرجل) أي افتتان المرء (في) شؤون (أهله) وزوجته (و) في شؤون (ماله و) شؤون (نفسه وولده وجاره) بانهماكه فيها بحيث يؤدي ذلك إلى الإخلال بطاعات الله أو بتقصيره في أداء حقوقها (يُكفّرها) أي يُكفّر ما صدر منه من الصغائر في حال افتتانه بهذه الأمور (الصيام والصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وسار العبادات لأن الحسنات يذهبن السيئات وهذا الحديث وإن كان ظاهره عامًّا في الصغائر والكبائر جميعًا ولكنه مخصوص بالصغائر بدليل الآيات والأحاديث الأخرى التي تدل على أن الحسنات إنما تكفر الصغائر دون الكبائر وهو مذهب جمهور أهل السنة خلافًا للمرجئة القائلين إن الحسنات تُكفّر الصغائر والكبائر جميعًا نظرًا إلى ظاهر هذا الحديث (فقال) له (عمر) رضي الله عنه (ليس هذا) الذي ذكرته من افتتان الرجل في أهله وماله وغيرهما (أريد) وأقصد (إنما أريد) الفتنة (التي تموج) وتضطرب وتتحرك اضطرابًا (كـ) اضطراب (موج البحر) أي تموجه وهيجانه عندما عصفته الريح مثلًا من ماج البحر إذا اضطرب وتحرك.

قوله (فتنة الرجل في أهله) قالوا فتنته فيهم أن يأتي من أجلهم ما لا يحل له من القول أو العمل مما لم يبلغ كبيرة أو المراد ما يعرض له معهن من شر أو حزن أو شبهة، وفتنته في ماله أن يأخذه من غير مأخذه ويصرفه في غير مصرفه وفتنته في نفسه وولده فرط محبته وشغله بهم عن كثير من الخير، وفتنته في جاره أن يتمنى أن يكون حاله مثل حاله إن كان متسعًا قال تعالى:{وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً} كذا في النووي. قوله (إنما أريد التي تموج كموج البحر) أي إنما أريد الفتن العامة التي تموج وتتحرك وتنتشر موجا واضطرابا كموج البحر واضطرابه وتحركه يقال ماج البحر إذا تحرك ماؤه وارتفع، شبهها

ص: 107

قَال فَقُلتُ: مَا لَكَ وَلَهَا يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ؟ إِن بَينَكَ وَبَينَهَا بَابًا مُغلَقًا. قَال: أفَيُكْسَرُ الْبَابُ أَم يُفْتَحُ؟ قَال: قُلْتُ: لَا. بَل يُكْسَرُ. قَال: ذلِكَ أَحْرَى أَنْ لَا يُغْلَقَ أبَدًا. قَال: فَقُلْنَا لِحُذَيفَةَ: هَل كَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ مَنِ البَابُ؟ قَال: نَعَم. كَمَا يَعْلَمُ أَن دُونَ غَدٍ الليلَةَ. إِنِّي حَدَّثتُهُ حَدِيثًا لَيسَ بِالأَغَالِيطِ.

قَال: فَهِبْنَا أَن نَسألَ حُذَيفَةَ: مَنِ

ــ

بموج البحر في شدتها وتواليها وتدافعها وكنى بذلك عن شدة المخاصمة وكثرة المنازعة وما ينشأ من ذلك من المشاتمة والمضاربة والمقاتلة والمسابقة.

(قال) حذيفة (فقلت) له (ما لك ولها يا أمير المومنين) أي ما بينك وبينها علاقة لأنها لا تظهر في حياتك أي ليس لها علاقة بك ولا لك بها علاقة (إن بينك) يا عمر (وبينها) أي وبين الفتنة التي تموج كالبحر (بابًا مغلقًا) لأنها لا تظهر في حياتك أي بابا سُدّ بالغلق يعني أن بينها وبين حياتك بابًا مغلقًا فلا تقع وأنت حي، وكان حذيفة يعلم أن عمر رضي الله عنه هو الباب ولكن لم يصرح بذلك تأدبًا معه ولكن فهم عمر ذلك (قال) عمر (أفيكسر الباب) الذي بيني وبينها (أم يُفتح قال) حذيفة (قلت) لعمر (لا) يفتح الباب (بل يُكسر) وكأنه كنى بالكسر عن القتل، وبالفتح عن موته الطبيعي (قال) عمر (ذلك) الكسر (أحرى) وأحق (أن لا يغلق أبدًا) قال ابن بطال: إنما قال ذلك لأن العادة أن الغلق إنما يمكن في الصحيح أما إذا انكسر فلا يتصور غلقه حتى يُجبر ويُصلح، وقال وقال الحافظ في الفتح [6/ 606] وقد وافق حذيفة على معنى روايته هذه أبو ذر فروى الطبراني بإسناد رجاله ثقات: أنه لقي عمر فأخذ بيده فغمزها فقال له أبو ذر: أرسل يدي يا قفل الفتنة، الحديث. وفيه أن أبا ذر قال: لا يصيبكم فتنة ما دام فيكم وأشار إلى عمر، وروى البزار من حديث قدامة بن مظعون عن أخيه عثمان أنه قال لعمر: يا غلق الفتنة فسأله عن ذلك؟ فقال: مررت ونحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "هذا غلق الفتنة، لا يزال بينكم وبين الفتنة باب شديد الغلق ما عاش" اهـ (قال) شقيق بن سلمة (فقلنا لحذيفة هل كان عمر يعلم من) هو (الباب قال) حذيفة (نعم) يعلم عمر من هو الباب علما يقينًا له (كما يعلم) يقينًا (أن دون غد) وقبله (الليلة) أي مجيئها وإنما علم ذلك (أني) أي لأني (حدّثته) أي حدثت عمر (حديثًا) في ذلك صحيحًا (ليس بالأغاليط) أي بالأخطاء (قال) شقيق (فهبنا) أي خفنا واستحيينا من (أن نسأل حذيفة من)

ص: 108

الْبَابُ؟ فَقُلْنَا لِمسرُوقٍ: سَلهُ. فَسَألَهُ. فَقَال: عُمَرُ.

7096 -

(00)(00) وحدثناه أبُو بَكْرِ بن أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكيعٌ. ح وَحَدثَنَا عُثمَانُ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. حَ وحَدثَنَا إِسْحَاقُ بن إِبرَاهِيمَ. أَخبَرَنَا عِيسَى بن يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنَا ابنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا يَحيى بْنُ عِيسَى. كُلُّهُم

ــ

هو (الباب) إبقاء له (فقلنا لمسروق) بن الأجدع (سله) أي اسأل لنا حذيفة من هو الباب (فسأله) مسروق عن ذلك (فقال) حذيفة في جوابه الباب هو (عمر) بن الخطاب رضي الله عنه والله أعلم.

وقد مر هذا الحديث للمؤلف في كتاب الإيمان باب بيان أن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا ومر شرحه هناك مبسوطًا. وشاركه البخاري في مواضع منها في الفتن باب الفتنة التي تموج كموج البحر [7096]، والترمذي في الفتن باب بدون ترجمة [2258]، وابن ماجه في الفتن باب ما يكون من الفتن [4003].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث حذيفة رضي الله عنه فقال:

7096 -

(00)(00)(وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وأبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (قالا حدثنا وكيع ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير) بن عبد الحميد (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي (ح وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني (حدثنا يحيى بن عيسى) بن عبد الرحمن التميمي النهشلي الفاخوري بضم المعجمة وبعد الواو مهملة، أبو زكرياء الجرار بجيم ورائين كوفي الأصل، نزيل رملة، حدث بالرملة فنُسب إليها فعرف بالرملي، روى عن الأعمش في الفتن، ومسعر وعبد الأعلى بن المساور ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وغيرهم، ويروي عنه (م د ت ق) وابن أبي عمر وأبو بكر بن أبي شيبة وعيسى بن يونس الفاخوري وجماعة، وثقه العجلي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال النسائي: لا بأس به، وقال مسلمة: لا بأس به، وفيه ضعف، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يُتابع عليه، وقال في التقريب: صدوق يخطئ، ورُمي بالتشيع، من التاسعة، مات سنة (201) إحدى ومائتين، وفي التهذيب: ضعفه ابن معين (كلهم) أي كل هؤلاء الأربعة المذكورين من وكيع وجرير

ص: 109

عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذا الإِسْنَادِ، نَحوَ حَدِيثِ أَبِي مُعَاويةَ، وَفِي حَدِيثِ عِيسى، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ قَال: سَمِعتُ حُذَيفَةَ يَقُولُ.

7097 -

(00)(00) وحدثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَن جَامِعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ؛ وَالأَعمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَن حُذَيفَةَ قَال: قَال عُمَرُ: مَن يُحَدِّثُنَا عَنِ الْفِتْنَةِ؟ وَاقتَصَّ الْحَدِيثَ بِنَحْو حَدِيثِهِم.

7098 -

(2870)(37) وحدثنا مُحَمَّدُ بن المُثَنَّى وَمُحَمدُ بن حَاتِم. قَالا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا

ــ

وعيسى بن يونس ويحيى بن عيسى رووا (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن شقيق عن حذيفة، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الأربعة لأبي معاوية، وساقوا (نحو حديث أبي معاوية و) لكن (في حديث عيسى) بن يونس لفظة (عن الأعمش عن شقيق قال) شقيق (سمعت حذيفة يقول) الحديث بالعنعنة في موضعين وتصريح السماع في موضع.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث حذيفة رضي الله عنه فقال:

7097 -

(00)(00)(وحدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان) بن عيينة (عن جامع بن أبي راشد) الكاهلي الكوفي الصيرفي، ثقة، من (5) روى عنه في (2) بابين الإيمان والفتن (و) عن (الأعمش) بالجر معطوف على جامع، وفي بعض النسخ هنا تصحيف الشكل كلاهما رويا (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن حذيفة قال) حذيفة (قال عمر من يحدثنا عن الفتنة) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سفيان لمن روى عن الأعمش (واقتص) سفيان أي ذكر (الحديث) السابق (بنحو حديثهم) أي بنحو حديث أولئك الخمسة المذكورين أبي معاوية ومن بعده.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث حذيفة بحديث جندب وهو في الحقيقة لحذيفة رضي الله تعالى عنهما فقال:

7098 -

(2870)(37)(وحدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (قالا حدثنا معاذ بن معاذ) العنبري البصري، ثقة، من (9)(حدثنا) عبد

ص: 110

ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمدٍ. قَال: قَال جُنْدَبٌ: جِئْتُ يَوْمَ الْجَرْعَةِ. فَإذَا رَجُلٌ جَالِسٌ. فَقُلْتُ: لَيُهَرَاقَنَّ الْيَوْمَ ههُنَا دِمَاءٌ. فَقَال ذَاكَ الرَّجُلُ: كَلا. وَاللهِ، قُلتُ: بَلَى. وَاللهِ، قَال: كَلا. وَاللهِ، قُلْتُ: بَلَى. وَاللهِ، قَال: كَلا. وَاللهِ، إِنهُ لَحَدِيثُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَنِيهِ

ــ

الله (بن عون) بن أرطبان المزني البصري، ثقة ثبت، من (6) روى عنه في (11) بابا (عن محمد) بن سيرين الأنصاري مولاهم أبي بكر البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (16) بابا (قال) محمد (قال جندب) بضم الجيم والدال، وقيل بفتح الدال بن عبد الله بن سفيان البجلي الكوفي ثم البصري ثم المصري، الصحابي المشهور رضي الله عنه، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن حذيفة في الفتن. وهذا السند من خماسياته أو من سداسياته (جئت يوم الجرعة) بفتح الجيم وبفتح الراء وإسكانها والفتح أشهر وأجود وهي موضع بقرب الكوفة على طريق الحيرة، وأصل الجرعة الرمل الذي فيه سهولة يقال جرع وأجرع وجرعاء ويوم الجرعة يوم خرج فيه أهل الكوفة يتلقون واليًا ولاه عليهم عثمان فردوه، وسألوا عثمان أن يولي عليهم أبا موسى الأشعري فولاه اهـ نووي، وفي الأبي: وهو يوم قدم فيه سعيد بن العاص أميرًا على الكوفة واليا عليها من قبل عثمان فردوه وأمروا أبا موسى الأشعري وسألوا عثمان أن يقره فأقره اهـ منه، أي خرجت مع الناس إلى الجرعة لاستقبال الأمير الذي أمره عثمان على الكوفة (فإذا رجل) من الناس (جالس) قال جندب (فقلت) والله (ليهراقن اليوم ها هنا) أي في الجرعة (دماء) لعدم قبول الناس الأمير الذي أرسله عثمان وهو سعيد بن العاص لأنه رأى أهل الكوفة يزاحمون رجلا ولاه عثمان فخاف أن يكون بينهم في ذلك قتال (فقال ذاك الرجل) الجالس (كلا) أي ارتدع عما قلت فلا يراق الدم (والله)، قال جندب قلت (بلى والله) ليراقن الدماء لأن الناس لا يقبلون هذا الأمير فخرجوا مظاهرة لذلك فلعل حلفه على إمكان القتال لا على وقوعه (قال) الرجل (كلا والله) لا يراق الدم، قال جندب (قلت بلى والله) ليراقن الدم (قال) ذلك الرجل الجالس (كلا والله) لا يراق الدم (إنه) أي إن ما جزمت به وحلفت عليه من عدم وقوع القتال في هذا اليوم (لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أي مستند إلى حديث (حدثنيه) رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعله علم من خلال هذا الحديث أن مقاتلة المسلمين فيما بينهم لا تقع إلا بقتل عثمان رضي الله عنه والله أعلم.

ص: 111

قُلْتُ: بِئسَ الجَلِيسُ لِي أَنتَ مُنذُ اليَوْمِ. تَسْمَعُنِي أُخَالِفُكَ وَقَد سَمِعتَهُ مِن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَا تَنْهَانِي؟ ثُم قُلتُ: مَا لهذَا الغَضَبُ؟ فَأقبَلتُ عَلَيهِ وَأَسألُهُ. فَإِذَا الرجُلُ حُذَيفَةُ

ــ

قال جندب (قلت) لذلك الرجل الجالس (بئس الجليس لي) أي ساء الرجل المجالس معي والمخصوص بالذم (أنت) وقوله (منذ اليوم) أي في هذا اليوم متعلق بالجليس أي ساء الرجل الجالس معي في هذا اليوم والمخصوص بالذم أنت (تسمعني أخالفك) رُوي بالخاء المعجمة وبالحاء المهملة من الحلف وهو اليمين وهو الصواب لتردد الأيمان بينهما اهـ سنوسي؛ أي تسمعني محالفتي على خلاف ما قلت (وقد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وقد سمعت ما قلت من عدم وقوع القتال اليوم أ (فلا تنهاني) عن مخالفتي لك أو محالفتي معك (ثم قلت) في نفسي (ما هذا الغضب؟ ) أي ما غضبي على هذا الرجل فلا فائدة فيه (فأقبلت عليه) أي على هذا الرجل (وأسأله) أي والحال أني أسأل الناس عنه (فإذا الرجل حذيفة) بن اليمان.

قوله (بئس الجليس أنت) يعني أنه كان عندك في هذا الموضوع حديث وسمعتني أحلف على ما يخالفه فلم تخبرني بذلك الحديث في المرة الأولى حتى حلفت مرتين وكان المطلوب من الجليس الطيب أن يخبر به في أول مرة. قوله (تسمعني أخالفك) وقع في أكثر النسخ بالخاء المعجمة من المخالفة، وذكر القاضي عياض أن رواية شيوخه بالحاء المهملة من الحلف والمعنى سمعتني وأنا أحلف أمامك، وكلتا الروايتين معناهما صحيح اهـ نووي. قوله (ثم قلت ما هذا الغضب) يعني قلت في نفسي أنه لا معنى ولا سبب لغضبي على هذا الرجل، ولفظ أحمد في مسنده (ثم قلت ما لي وللغضب قال فتركت الغضب وأقبلت أسأله) الخ.

وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى لكن شاركه أحمد [5/ 399].

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب تسعة أحاديث: الأول منها حديث أبي بكرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد، والثالث حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد،

ص: 112

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والرابع حديث ثوبان ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس حديث سعد بن أبي وقاص ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس حديث حذيفة بن اليمان ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والسابع حديث أبي زيد عمرو بن أخطب ذكره للاستشهاد، والثامن حديث حذيفة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والتاسع حديث جندب بن عبد الله البجلي ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم.

***

ص: 113