الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
771 - (15) باب في الابتلاء بالدنيا وكيف يعمل فيها، والخمول فيها والتقلل منها، والتزهيد في الدنيا والاجتزاء بالخشن منها، ورؤية الله في الآخرة ومخاطبة الرب عبده فيها
7255 -
(2943)(110) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَروخَ. حَدَّثَنَا هَمام. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي طَلْحَةَ. حدّثني عَبْدُ الرحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمرَةَ؛ أَن أَبَا هُرَيرَةَ حَدثَهُ؛ أَنهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ ثَلاثةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ. أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى. فَأرَادَ الله أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ
ــ
771 -
(15) باب في الابتلاء بالدنيا وكيف يعمل فيها، والخمول فيها والتقلل منها، والتزهيد في الدنيا والاجتزاء بالخشن منها، ورؤية الله في الآخرة ومخاطبة الرب عبده فيها
واستدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأول من الترجمة وهو الابتلاء بالدنيا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
7255 -
(2943)(110)(حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي، صدوق، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي البصري، ثقة، من (7)(حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري زيد بن سهل أبو يحيى المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (7) أبواب (حدثني عبد الرحمن بن أبي عمرة) عمرو بن محصن الأنصاري النجاري المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب، يقال وُلد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن أبي حاتم: ليست له صحبة (أن أبا هريرة حدّثه) أي حدّث لابن أبي عمرة (أنه) أي أن أبا هريرة رضي الله عنه (سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول) وهذا السند من خماسياته (أن ثلاثة) أنفار (في بني إسرائيل) أي من بني إسرائيل، وفي بمعنى من (أبرص) بالنصب بدل من ثلاثة بدل تفصيل من مجمل (وأقرع وأعمى) معطوفان على أبرص، والفاء في قوله (فأراد الله أن يبتليهم) ويمتحنهم ويختبرهم زائدة وللسمرقندي أن يبليهم أي يصيبهم ببلاء وأصل البلاء والابتلاء الاختبار اهـ أبي، والجملة الفعلية خبر إن ولكنه خبر سيئ، وقوله أبرص قال في القاموس: البرص بياض يظهر في ظاهر البدن لفساد المزاج يقال برص من باب فرح فهو أبرص وأبرصه الله إذا أصابه بالبرص اهـ، والأقرع هو الذي ذهب شعر رأسه لعلة وآفة
فَبَعَثَ إلَيهِمْ مَلَكًا. فَأتى الأبرَصَ فَقَال: أَي شَيءٍ أَحَبُّ إلَيكَ؟ قَال: لَوْنٌ حَسَنٌ وَجِلْدٌ حَسَنٌ وَيذهَبُ عَنِّي الَّذِي قَدْ قَذِرَني الناسُ. قَال: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنهُ قَذَرُهُ. وَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا وَجِلْدًا حَسَنًا. قَال: فَأيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إلَيكَ؟ قَال: الإبِلُ، (أَوْ قَال: الْبَقَرُ. شَكَّ إسحَاقُ) -إلَّا أَنَّ الأَبرَصَ أَو الأقرَعَ قَال أَحَدُهُمَا: الإبِلُ. وَقال الآخَرُ: الْبَقَرُ- قَال: فَأُعطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ
ــ
فإن كان لغير علة بل لطبيعة فيسمى أصلع، والأعمى من ذهب بصره (فبعث إليهم ملكًا) جملة مفسرة للابتلاء (فأتى) الملك في صورة آدمي (الأبرص فقال) الملك للأبرص (أي شيء) من أنواع النعم (أحب إليك قال) الأبرص أحب الأشياء إليَّ (لون حسن وجلد حسن ويذهب عني) بالنصب عطفًا على لون فهو على تقدير أن نظير قول الشاعر:
ولُبْسُ عباءة وتقرَّ عيني
قاله الشارح، وقال الطيبي: هو بالرفع بمعنى المصدر كقوله تسمع بالمعيدي .. الخ أي ويذهب عني المرض (الذي قد قذرني الناس) بسببه وهو البرص بفتح الباء وكسر الذال أي وأحب إليّ أن يذهب عني المرض الذي قد قذرني الناس من أجله أي عدّوني قذرًا ونفروا مني أي كرهني الناس واشمأزوا من رؤيتي وعدّوني مستقذرًا اهـ دهني، وفي رواية قد قذروني فهو على لغة أكلوني البراغيث (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (فمسحه) أي فمسح الملك الأبرص بيده (فذهب عنه قدره) أي برصه (وأُعطي) الأبرص (لونًا حسنًا وجلدًا حسنًا، قال) له الملك (فأي المال أحب إليك قال) الأبرص للملك أحب المال إليَّ (الإبل أو قال) الأبرص للملك أحب المال إلي (البقر) قال همام (شك إسحاق) بن عبد الله فيما قاله ابن أبي عمرة، وقوله (إلا) استدراكية بمعنى لكن استدرك بها على قوله (قال الإبل أو قال البقر) لأنه يوهم أن كلًّا منهما من كلام الأبرص فرفعه بقوله لكن (أن الأبرص أو الأقرع قال أحدهما) أحب المال إلي (الإبل وقال الآخر) منهما أحب المال إليّ (البقر، قال) النبي صلى الله عليه وسلم (فأعطي) ذلك الأبرص (ناقة عشراء) أي حاملة قريبة الولادة، والعشراء بضم العين وفتح الشين والراء ممدودًا الحامل التي مضى عليها من يوم طرقها الفحل عشرة أشهر وهي من أنفس أموال العرب اهـ قسطلاني، قال القرطبي: لقُرب ولادتها ورجاء لبنها، وفي الصحاح العشار بالكسر جمع عشراء وهي الناقة التي أتى عليها من يوم أرسل عليها الفحل عشرة أشهر وزال عنها
فَقَال: بَارَكَ الله لَكَ فِيهَا. قَال: فَأتى الأَقْرَعَ فَقَال: أَيُّ شَيءٍ أَحَبُّ إِلَيكَ؟ قَال: شَعَرٌ حَسَنٌ ويذْهَبُ عَنِّي هَذَا الَّذِي قَدْ قَذرَني الناسُ. قَال: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ. وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا. قَال: فَأيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيكَ؟ قَال: الْبَقَرُ. فَأعْطِيَ بَقَرَةً حَامِلًا. فَقَال: بَارَكَ اللهُ لَكَ فَيهَا. قَال: فَأتى الأَعْمَى فَقَال: أَيُ شَيءٍ أَحَبُّ إِلَيكَ؟ قَال: أَنْ يَرُدَّ الله إِليَّ بَصَرِي فَأبْصِرَ بِهِ الناسَ. قَال: فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللهُ إِلَيهِ بَصَرَهُ. قَال: فَأيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيكَ؟ قَال: الْغَنَمُ. فَأُعْطِيَ شَاةً وَالِدًا. فَأُنْتِجَ
ــ
اسم المخاض ثم لا يزال ذلك اسمها حتى تضع وبعدما تضع أيضًا، يقال ناقتان عشروان ونوق عشار وعشروات يبدلون من همزة التأنيث واوًا وقد عُشرت الناقة تعشيرًا إذا صارت عشراء اهـ من المفهم (فقال) له الملك (بارك الله لك فيها) أي ناقتك (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأتى) الملك (الأقرع، فقال) له (أي شيء) من أنواع النعم (أحب إليك) يا أقرع (قال) الأقرع أحب الأشياء إلي (شعر حسن ويذهب عني) بالرفع فقط على حد تسمع بالمعيدي، فلا يجوز النصب لعدم عطفه على مصدر خالص أي وذهاب (هذا) القرع (الذي قذرني الناس) من أجله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فمسحه) أي فمسح الملك على رأسه (فذهب عنه) القرع (وأُعطي شعرًا حسنًا، قال) الملك للأقرع (فأي المال أحب إليك؟ قال) الأقرع أحبه إلي (البقر فأُعطي) الأقرع (بقرة حاملًا) أي حبلى وهو وصف مختص بالمؤنث كحائض فصح كونه صفة لبقرة وإنما لم يقل حاملة لأن هذا نعت لا يكون إلا للإناث، قال ابن السكيت: الحمل بفتح الحاء ما كانت في بطن أو على رأس شجرة وبكسرها ما كان على ظهر أو رأس كذا في الصحاح اهـ من المبارق اهـ دهني (فقال) الملك للأقرع (بارك الله لك فيها) أي في بقرتك (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (فأتى) الملك (الأعمى فقال) الملك له (أي شيء) من أنواع النعم (أحب إليك) أيها الأعمى (قال) الأعمى أحب النعم إلي (أن برد الله) تعالى (إليّ بصري فأبصر به الناس) أي أنظر به إليهم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فمسحه) أي فمسح الملك الأعمى (فرد الله إليه) أي إلى الأعمى (بصره، قال) الملك للأعمى (فأي) أنواع (المال أحب إليك؟ قال) الأعمى أحبها إلي (الغنم فأعطي) الأعمى (شاة والدًا) أي ذات ولد، وظاهر معناه أنها كانت وضعت الولد وكان معها، وقيل معناه أنها كانت حاملة بالولد فقيل لها والد باعتبار ما ستؤول إليه (فأنتج) بهمزة مضمومة وهي لغة قليلة،
هَذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا. قَال: فَكَانَ لِهَذا وَادٍ مِنَ الإِبِلِ. ولِهَذَا وَادٍ مِنَ البَقَرِ. وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الْغَنَمِ.
قَال: ثُم إِنَّهُ أَتَى الأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيئَتِهِ فَقَال: رَجُلٌ مِسْكِينٌ. قَدِ انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ في سَفَرِي. فَلَا بَلاغَ لِيَ الْيَوْمَ إِلا بِاللهِ ثُم بِكَ
ــ
والمشهور عند أهل اللغة نتج بضم النون من غير همزة اهـ قسطلاني، وقال النووي: وممن حكى اللغتين الأخفش ومعناه تولى الولادة (هذان) فنتج لهما بالبناء للمفعول أي حصل النتاج أي الولد لهما، وقوله (هذان) المراد منه صاحب الإبل والبقر يعني ولدت الإبل والبقر له أولادًا (وولد هذا) بفتح الواو وتشديد اللام أي تولى الولادة أي نُتج له والناتج للإبل والمولد للغنم وغيرها كالقابلة للإنسان.
(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فكان لهذا) الأبرص (واد) أي ملء واد (من الإبل ولهذا) الأقرع (واد) أي ملء واد (من البقر، ولهذا) الأعمى (واد) أي ملء واد (من الغنم، قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم) بعد فترة طويلة (إنه أتى) الملك (الأبرص في صورته) أي في صورة الأبرص التي كان عليها يوم أتاه وهو أبرص ترقيقًا لقلبه (و) في (هيئته) أي في هيئة الأبرص وملبسه التي كان عليها الأبرص حين جاءه وهو أبرص ليكون أبلغ عليه في الحجة وأذكر لما مضى له، والفرق بين الصورة والهيئة أن الصورة صفة ذاته من بياض البرص والهيئة صفة لباسه من الحُسن والخشونة، أو الضمير عائد إلى الملك أي أتى الملك الأبرص في صورته التي جاء بها الأبرص أول ما جاءه (فقال) الملك للأبرص أنا (رجل مسكين) ليس لي مال ولا زاد (قد انقطعت بي) أي قد انعدمت وفنيت عني (الحبال) أي الأسباب التي توصلني (في سفري) إلى مقصدي من الزاد والراحلة وأنت رجل غني موسع عليه (فلا بلاغ لي) أي فلا مبلغ لي إلى مقصدي ووطني (اليوم إلا) إن بلغته (بـ) معونة (الله) تعالى (ثم بـ) معونتـ (ـك) أيها الغني الذي بسط الله تعالى عليه الإبل حتى ملأت الوادي، وثم للترتيب في التنزل لا في الترقي. قوله (قد انقطعت بي الحبال) بكسر الحاء جمع حبل أي الأسباب وانقطاع الأسباب كناية عن كونه لا طريق له في الحصول على الرزق فإن الطرق المعتادة فيه كلها فشلت عليّ، وفي رواية الحيال بالياء المثناة من تحت وهو جمع حيلة وهي رواية ابن الحذاء وفي بعضها الجبال بالجيم وهو تصحيف غلط وهي واقعة في البخاري، وقال ابن التين: قول الملك
أَسْألُكَ، بِالذِي أَعْطَاكَ اللونَ الحسَنَ وَالجلدَ الحسَنَ وَالْمَال، بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عَلَيهِ فِي سَفَرِي. فَقَال: الْحُقُوقُ كَثِيرَةٌ. فَقَال لَهُ: كَأنِّي أَعْرِفُكَ. أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقذَرُكَ الناسُ؟ فَقِيرًا فأعْطَاكَ الله؟ فَقَال: إِنمَا وَرِثْتُ هَذَا الْمَال كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ. فَقَال: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا، فَصَيَّرَكَ الله إِلَى مَا كُنْتَ.
قَال: وَأتى الأَقْرَعَ فِي صورَتهِ فَقَال لَهُ مِثْلَ مَا قَال لِهذَا. وَرَد عَلَيهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَى هَذَا. فَقَال: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ الله
ــ
له (رجل مسكين) أراد به أنك كنت هكذا وهو من المعاريض والمراد به ضرب المثل ليستيقظ به المخاطب اهـ (أسألك) أيها الغني الكريم (بـ) ـالله (الذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال) الكثير الذي ملأ الوادي يعني به الإبل أن تعطيني (بعيرًا) واحدًا (أتبلغ عليه) أي أبلغ مقصدي راكبًا عليه (في سفري) وأكتفي به في قضاء حوائجي من البلغة وهو الكفاية (فقال) الأبرص للملك (الحقوق) في مالي (كثيرة) يعني المؤونات والحوائج والمصارف كثيرة في مالي فلا يسع إعطاء بعير منه (فقال) الملك (له) أي للأبرص (كأني أعرفك) أولًا (ألم تكن) أنت أولًا (أبرص يقذرك الناس) أي يعدونك قذرًا ينفرون منك حالة كونك (فقيرًا فأعطاك الله) تعالى مالًا كثيرًا ملأ الوادي (فقال) الأبرص للملك لا أي ما كنت فقيرًا (إنما ورثت هذا المال كابرًا عن كابر) منصوب ينزع الخافض يعني ورثت هذا المال عن كبير ورثه هو عن كبير آخر، قال النووي: أي ورثته من آبائي الذين ورثوه من آبائهم كبيرًا عن كبير في العز والشرف والثروة اهـ، يعني ورثته من آبائي الذين كانوا كبراء قومهم (فقال) الملك للأبرص (إن كنت كاذبًا) فيما قلت لي (فصيّرك الله) أي رجعك تعالى (إلى ما كنت) عليه أولًا من الفقر والبرص (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأتى) الملك (الأقرع) الذي أُعطي واديًا من البقر (في صورته) أي في صورة الأقرع التي كانت عليها أولًا (فقال) الملك (له) أي للأقرع (مثل ما قال لهذا) الأبرص يعني قوله أنا رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري .. إلخ (ورد) الملك (عليه) أي على الأقرع (مثل ما رد على هذا) الأبرص بعدما اعتذر الأقرع وامتنع من العطاء له يعني قوله له: كأني أعرفك ألم تكن أقرع فقيرًا فأعطاك الله، قال ابن الملك: قوله عليه السلام (مثل ما رد على هذا) أي كرد الأبرص على هذا السائل بقوله الحقوق كثيرة اهـ منه (فقال) الملك له (إن كنت كاذبًا) فيما قلت لي (فصيرك الله)
إِلَى مَا كُنْتَ.
قَال: وَأتى الأَعْمَى فِي صُورَتيِ وَهَيئَتِهِ فَقَال: رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ. انْقَطَعَت بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي. فَلَا بَلاغَ لِيَ الْيَوْمَ إِلا بِاللهِ ثُم بِكَ. أَسْألُكَ، بِالذِي رَدَّ عَلَيكَ بَصَرَكَ، شَاةً أتبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي. فَقَال: قَدْ كُنْت أَعْمَى فَرَدَّ الله إِليَّ بَصَرِي. فَخُذْ مَا شِئْتَ. وَدَعْ مَا شِئْتَ. فَوَاللهِ، لَا أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ شَيئًا أَخَذْتَهُ لِلهِ. فَقَالَ: أَمْسِكْ مَالكَ. فَإِنَّما ابْتُلِيتُمْ. فَقَدْ رُضِي عَنْكَ وَسُخِطَ عَلَى صَاحِبَيكَ
ــ
ورجعك (إلى ما كنت) عليه أولًا من القرع والفقر (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأتى) الملك (الأعمى في صورته) أي في صورة الأعمى من فقد البصر (وهيئته) أي في هيئة الأعمى وصفته من الملبس ليكون أذكر له لما كان عليه أولًا (فقال) الملك للأعمى أنا (رجل مسكين وابن سبيل) أي مسافر (انقطعت بي) أي انعدمت وفنيت عني (الحبال) أي الأسباب التي أستعين بها (في سفري) إلى مقصدي من الزاد والراحلة (فلا بلاغ لي) أي فلا مؤونة لي (اليوم) أتبلغ بها إلى مقصدي ووطني (إلا بـ) معونة (الله ثم بـ) معونتـ (ـك) لي (أسألك بـ) الله (الذي رد عليك بصرك) بعدما عميت أن تعطيني (شاة) واحدة (أتبلغ) أي أستعين (بها في) مؤونة (سفري) إلى مقصدي (فقال) الأعمى للملك (قد كنت) أنا (أعمى) أولًا (فرد الله) تعالى بفضله (إليّ بصري فخذ ما شئت) واحتجت إليه من شياهي (ودع) أي واترك لي (ما شئت) منها وفضل عن حاجتك (فوالله) أي فأقسمت لك بالله الذي وسع عليّ بهذه الشياه ورد علي بصري (لا أجهدك) ولا أكلفك (اليوم شيئًا) أي برد شيء (أخذته) من شياهي قليلًا ولا كثيرًا (لله) أي طلبًا لوجه الله ورضاه (فقال) الملك للأعمى (أمسك) عليك (مالك) مباركًا فيه (فإنما) أنتم أيها الثلاثة الأبرص والأقرع والأعمى (ابتليتم) أي اختبرتم من جهة ربكم (فقد رُضي عنك) من جهة ربك أيها الأعمى فيما فعلت (وسُخط على صاحبيك) الأبرص والأقرع فيما فعلا.
وقوله (فقد رُضي وسُخط) بالبناء للمفعول فيهما أي رضي الله عنك وسخط عليهما. وقوله (لا أجهدك اليوم) بسكون الجيم وفتح الهاء هكذا في رواية الجمهور بالجيم والهاء أي لا أجعلك في جهد ومشقة وتعب برد ما أخذته وطلبته، وورد في أكثر روايات البخاري (لا أحمدك) بدل لا أجهدك أي لا أحمدك على ترك شيء تحتاج إليه من المال اهـ وهذه الرواية لابن ماهان، قال القرطبي: ومعناه لا أحمدك في أخذ شيء
7256 -
(2944)(111) حدَّثنا إِسحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ وَعَباسُ بن عَبْدِ الْعَظِيمِ -وَاللفْظُ لإِسْحَاقَ- (قَال عَباس: حَدَّثَنَا. وَقَال إِسحَاقُ: أَخبَرَنَا) أَبُو بَكْرٍ الحنَفِي. حَدَّثَنَا بُكَيرُ بْنُ مِسمَارٍ. حدّثني
ــ
أو إبقائه لطيب نفسي بما تأخذ كما قال المرقش:
ليس على طول الحياة ندم
…
ومن وراء المرء ما يعلم
أي ليس على فوت الحياة ندم والمعنى إن أمام الإنسان عاقبة عمله أو أمامه الشيب والهرم والأمراض والعلل، انظر الشعر والشعراء [1/ 73].
وقوله (إنما ورثت هذا كابرًا عن كابر) أي كبيرًا عن كبير يعني أنه ورث ذلك المال عن أجداده الكبراء فحمله بخله على نسيانه منة الله تعالى وعلى جحد نعمه وعلى الكذب ثم أورثه ذلك سخط الله الدائم وكل ذلك بشؤم البخل، واعتبر بحال الأعمى لما اعترف بنعمة الله تعالى عليه وشكره عليها وسمحت نفسه بها ثبتها الله عليه وشكر فعله ورضي عنه فحصل على الرتب الفاخرة وجُمعت له نعم الدنيا والآخرة اهـ من المفهم.
وفي هذا الحديث الحث على الرفق بالضعفاء وإكرامهم وتبليغهم ما يطلبون مما يمكن، والحذر من كسر قلوبهم واحتقارهم، وفيه التحدث بنعمة الله تعالى وذم جحدها اهـ نووي.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأنبياء باب حديث أبرص وأعمى وأقرع في بني إسرائيل [3464] وفي الإيمان والنذور [6653].
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة وهو الخمول في الدنيا بحديث سعد رضي الله عنه فقال:
7256 -
(2944)(111)(حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (وعباس بن عبد العظيم) بن إسماعيل بن توبة العنبري البصري، ثقة، من (11) روى عنه في (4) أبواب (واللفظ لإسحاق قال عباس حدثنا وقال إسحاق أخبرنا أبو بكر الحنفي) الصغير عبد الكبير بن عبد المجيد بن عبيد الله البصري، ثقة، من (9) مات سنة (204) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا بكير بن مسمار) الزهري مولاهم مولى عامر بن سعد أبو محمد المدني أخو مهاجر بن مسمار، صدوق، من (4) روى عنه في (3) أبواب (حدثني
عَامِرُ بن سَعْدٍ قَال: كَانَ سَعدُ بْنُ أَبِي وَقاصٍ فِي إِبِلِهِ. فَجَاءَهُ ابنُهُ عُمَرُ. فَلَما رَآهُ سَعْدٌ قَال: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الرَّاكِبِ. فَنَزَلَ. فَقَال لَهُ: أَنَزَلتَ فِي إِبِلِكَ وَغَنَمِكَ وَتَرَكتَ الناسَ يَتَنَازَعُونَ المُلْكَ بَينَهُم؟ فَضَرَبَ سَعدٌ فِي صَدْرِهِ فَقَال: اسكُتْ. سَمِعتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِن اللهَ يُحِبُّ العَبدَ التَّقِيَّ، الغني، الْخَفِي"
ــ
عامر بن سعد) بن أبي وقاص الزهري المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (قال) عامر كان) والدي (سعد بن أبي وقاس) الزهري المدني رضي الله عنه (في إبله) وغنمه في البادية في موضع يسمى بالعقيق على عشرة أميال من المدينة، ومات هناك سنة (56) وحُمل إلى المدينة ودُفن بالبقيع (فجاءه ابنه عمر) بن سعد في ذلك الموضع يعني العقيق (فلما رآه سعد) أي فلما رأى سعد بن أبي وقاص ابنه عمر من بُعد وهو على مركوبه (قال) سعد (أعوذ بالله) أي أتحصن بالله (من شر) وفتنة (هذا الراكب) الذي جاء إلينا يعني ولده عمر (فنزل) عمر من مركوبه ودنا إلى أبيه (فقال) عمر (له) أي لأبيه سعد (أنزلت) بهمزة الاستفهام التوبيخي أي هل نزلت وسكنت يا والدي (في إبلك وغنمك) في البادية (وتركت الناس) في المدينة (يتنازعون) أي يتخاصمون ويتنافسون في (المُلك) فيما (بينهم) أيهم يأخذه، وفي رواية أحمد والبغوي: يا أبت أرضيت أن تكون أعرابيًّا في غنمك والناس يتنازعون في المُلك بالمدينة وكان ذلك أيام الفتنة ومقصود عمر بن سعد أن اعتزال سعد بن أبي وقاص إلى الإبل والغنم لا يُناسب بل يجب أن يذهب إلى المدينة وينصر المحق أو مقصوده أن يطلب الملك لنفسه (فضرب سعد) بن أبي وقاص (في صدره) أي في صدر ولده عمر (فقال) سعد (اسكت) يا ولدي عما تأمرني به من الذهاب إلى المدينة لطلب المُلك فإني (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) وهذا السند من خماسياته (إن الله) سبحانه وتعالى (يحب) ويرضى (العبد التقي) أي الذي يتقي الله ويخشاه بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات (الغني) بقلبه عما في أيدي الناس ورضي بما قسم الله تعالى له ولا يطلب المُلك والإمارة، وهذا هو الغني المحبوب لقوله صلى الله عليه وسلم "ولكن الغنى غنى النفس" وقيل معناه هنا الغني بالمال وهو المناسب لكونه مشغولًا بالإبل والغنم (الخفي) جمهور الرواة قيدوه (الخفي) بالخاء المعجمة وهو الخامل الذي لا يريد العلو فيها ولا الظهور في مناصبها فيبقى خاملًا
7257 -
(2945)(112) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِي. حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ. قَال: سَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيسٍ، عَنْ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمدُ بن عَبْدِ الله بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي وَابْنُ بِشْرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيسٍ، قَال: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ: وَاللهِ، إِني لأَوَّلُ رَجُلٍ مِنَ الْعَرَب رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ
ــ
منقطعًا إلى العبادة والاشتغال بأمور نفسه وهذا نحو ما قال في حديث آخر في صفة ولي الله (وكان غامضًا في الناس) رواه أحمد والترمذي أي لا يعرف موضعه ولا يؤبه له، ورواه الدولابي (الحفي) بالحاء المهملة فقيل معناه العالم من قوله:{كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} [الأعراف: 187]، وقيل هو المتحفي بأهله الوصول لهم بماله الساعي في حوائجهم اهـ من المفهم، والصحيح أنه (الخفي) بالخاء المعجمة. ودل الحديث على فضيلة الاعتزال من الناس في الفتنة التي لا يتضح فيها الحق.
وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات ولكنه شاركه أحمد [1/ 168]، والبغوي في [15/ 21].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث سعد هذا بحديث آخر له رضي الله عنه فقال:
7257 -
(2945)(112)(حدثنا يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا المعتمر) بن سليمان التميمي البصري، ثقة، من (9)(قال) المعتمر (سمعت إسماعيل) بن أبي خالد سعيد البجلي الأحمسي الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (8) أبواب (عن قيس) بن أبي حازم عوف بن عبد الحارث البجلي الأحمسي، ثقة، من (2) روى عنه في (10) أبواب (عن سعد) بن أبي وقاص رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله (و) محمد (بن بشر) بن الفرافصة العبدي الكوفي (قالا حدثنا إسماعيل) بن أبي خالد (عن قيس) بن أبي حازم (قال) قيس (سمعت سعد بن أبي وقاص) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته أيضًا (يقول) سعد (والله إني لأول رجل من العرب رمى بسهم في) إعلاء (سبيل الله) وكلمته كان ذلك في سرية عبيدة بن الحارث بن المطلب في السنة الأولى من الهجرة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
وَلَقَدْ كُنَّا نَغْزُو مَع رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، مَا لَنَا طَعَامٌ نَأكُلُهُ إِلا وَرَقُ الْحُبْلَةِ، وَهذَا السَّمُرُ. حَتى إِن أَحَدَنَا لَيَضَعُ كَمَا تَضَعُ الشاةُ. ثُم أَصبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ تُعَزِّرُنِي عَلَى الدِّينِ. لَقَدْ خِبْتُ، إِذًا، وَضَلَّ عَمَلِي.
وَلَمْ يَقُلِ ابْنُ نُمَيرٍ: إِذًا
ــ
ناسًا من المسلمين إلى رابغ ليلقوا عبرًا لقريش فتراموا بالسهام ولم يكن بينهم مسايفة، وكانوا ستين راكبًا من المهاجرين، وفيهم سعد وعُقد له اللواء وهو أول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم فالتقى عبيدة وأبو سفيان الأموي وكان هو على المشركين وهذا أول قتال جرى في الإسلام وأول من رمى إليهم سعد وفيه أنشد سعد:
ألا هل جاء رسول الله أني
…
حميت صحابتي بصدور نبلي
فما يعتد رام من معد
…
بسهم مع رسول الله قبلي
اهـ عمدة القاري [7/ 645] قال قيس بن أبي حازم (و) سمعت سعدًا أيضًا يقول (لقد كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم و (ما لنا طعام نأكله إلا ورق الحُبلة وهذا السمر) ووقع في رواية السمر بفتح السين وضم الميم شجر معروف ذو شوك وكلاهما نوعان من شجر البادية وفيهما أشواك، ورواية البخاري أحسنها لأنه بين فيها أنهم يأكلون ثمر العضاه وورق شجر السمر، وفي الحديث بيان ما كانوا عليه من الزهد في الدنيا والصبر على المشاق في طاعة الله تعالى، قال النووي: فيه مدح الإنسان نفسه إذا احتاج إليه (حتى إن أحدنا) أي أحد المسلمين (ليضع) أي ليخرج فضلته كما تضع الشاة) أي مثل ما تخرج الشاة من البعر أي يخرجون عند قضاء حاجتهم فضلة كبعر الشاة في يبسها وعدم الغذاء المألوف، وزاد البخاري (ما له خلط) أي لا يختلط بعضه ببعض لجفافه (ثم) بعدما تحملنا المشاق في إقامة هذا الدين (أصبحت) أي صارت (بنو أسد تعزرني) أي تؤدبني وتعاقبني (على) تقصيري وتفريطي في شؤون هذا (الدين) المحمدي يعني في تضييع الصلاة وعدم حسنها، والله (لقد خبت) وخسرت (إذا) أي إذا كنت محتاجًا إليهم في معرفة الصلاة فقد خسرت (وضل عملي) فيما مضى حاشاه عن ذلك (ولم يقل ابن نمير) في روايته لفظة (إذا).
وزعم بعضهم أن المراد ببني أسد بنو الزبير بن العوام وهو وهم، والصحيح أن المراد بهم بنو أسد بن خزيمة بن مدركة كما حققه الحافظ في الفتح [9/ 84] وكانت بنو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أسد هؤلاء ارتدوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم وتبعوا طليحة بن خويلد ثم تاب طليحة فسكن معظمهم الكوفة بعد ذلك أفاده الحافظ في الرقاق من الفتح [11/ 29] وكانوا ممن شكوا سعدًا إلى عمر فعزله عمر، وكان من جملة ما شكوا به أنه لا يُحسن الصلاة.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في الرقاق باب كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم [6453]، والترمذي في الزهد [2366]، وابن ماجه في المقدمة باب فضائل رسول الله صلى الله عليه وسلم [118]، وأحمد [1/ 181 و 186].
قوله (تعزرني على الدين) بتقديم الزاي على الراء من التعزير، قال الهروي: معناه توقفني، والتعزير التوقيف على الأحكام والفرائض، وقال ابن جرير: معناه تقومني وتعلمني، ومنه تعزير السلطان وهو تقويمه بالتأديب، وقال الجرمي: معناه اللوم والعتب، وقيل معناه توبخني على التقصير فيه اهـ نووي، قال القرطبي: هذه أقوال الشارحين في هذه الكلمة وفيها كلها بُعد عن معنى الحديث، والذي يظهر لي أن الأليق بمعناه أن التعزير معناه الإعظام والإكبار كما قال تعالى:{وَتُعَزِّرُوهُ} [الفتح: 9]، أي تعظموه وتبرُّوه فيكون معناه على هذا أنه وصف ما كانت عليه حالتهم في أول أمرهم من شدة الحال وصعوبة العيش والجهد مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم إنهم اتسعت عليهم الدنيا وفُتحت عليهم الفتوحات وولوا الولايات فعظمهم الناس لشهرة فضلهم ودينهم وكأنه كره تعظيم الناس له وخص بني أسد بالذكر لأنهم أفرطوا في تعظيمه والله تعالى أعلم.
وهذا الذي ذكرناه هو الذي صرح به عتبة بن غزوان في الحديث الآتي بعد هذا حيث قال: لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة وما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا فالتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك فاتزرت بنصفها واتزر سعد بنصفها فما أصبح منا اليوم أحد إلا أصبح أميرًا على مصر من الأمصار وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيمًا وعند الله صغيرًا، ويحتمل أن يكون هذا هو الذي عنى به سعد بن أبي وقاص والله تعالى أعلم.
وأما ما فسرت به المشايخ ذلك الكلام فيقتضي تفسيرهم أن بني سعد كانوا عتبوا
7258 -
(00)(00) وحدثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا وَكِيع، عَنْ إِسماعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: حَتَّى إِنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَضَعُ كَمَا تَضَعُ الْعَنْزُ. مَا يَخْلِطُهُ بِشَيءٍ.
7259 -
(2946)(113) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَروخَ. حَدَّثَنَا لسُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ. حَدَّثَنَا حُمَيدُ بْنُ هِلالٍ،
ــ
عليه أمورًا من الدين وعابوها عليه فرد عليهم قولهم ويعضد هذا ما أخرجه البخاري من حديث جابر بن سمرة قال: شكا أهل الكوفة سعدًا حتى ذكروا أنه لا يُحسن أن يصلي فاستحضره عمر رضي الله عنه فقال: إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلي، فقال: أما أنا فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه ولم يدع مسجدًا إلا سأل عنه ويثنون عليه معروفًا حتى دخل مسجدًا لبني عبس، فقال رجل منهم يقال له أسامة بن قتادة فقال: أما إذ نشدتنا فإن سعدًا كان لا يسير بالسيرة ولا يعدل في القضية .. وذكر الحديث اهـ من المفهم. وقد أخرج البخاري في هذه القصة في الصلاة باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها رقم الحديث [755].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سعد هذا رضي الله عنه فقال:
7258 -
(00)(00)(وحدثناه يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد) غرضه بيان متابعة وكيع لمعتمر بن سليمان، وساق وكيع (بهذا الإسناد) يعني عن قيس بن سعد نحوه (و) لكن (قال) وكيع في روايته لفظة (حتى إن) مخففة من الثقيلة بدليل ذكر اللام الفارقة بعدها أي حتى إن الشأن والحال (كان أحدنا ليضع) أي ليخرج البعرة (كما تضع العنز) البعرة اليابسة (ما يخلطه) أي ما يخلط ذلك الأحد بعره (بشيء) من الرطوبة لشدة يبوسته.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة وهو التزهيد في الدنيا والاجتزاء بالقليل الخشن منها في المطعم والملبس وغيرهما بحديث عتبة بن غزوان رضي الله عنه فقال:
7259 -
(2946)(113)(حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي، صدوق، من (9)(حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي البصري، ثقة، من (7)(حدثنا حميد بن هلال)
عَن خَالِدِ بنِ عُمَيرٍ العَدَويِّ. قَال: خَطَبَنَا عُتبَةُ بن غَزوَانَ. فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثنَى عَلَيهِ ثُمَّ قَال: أَما بَعْدُ. فَإن الدُّنْيَا قَد آذَنَت بِصُرْمٍ وَوَلَّتْ حَذَّاءَ. وَلَمْ يَبْقَ مِنهَا إِلا صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ. يَتَصَابُّهَا صَاحِبُهَا
ــ
العدوي البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن خالد بن عمير العدوي) البصري أدرك الجاهلية، روى عن عتبة بن غزوان في الزهد، ويروي عنه (م س ق) وحميد بن هلال وغيرهم، وقال في التقريب: مقبول، من (2) يقال إنه مخضرم، ووهم من ذكره في الصحابة (قال) خالد بن عمير (خطبنا عتبة بن غزوان) بن جابر بن وهب بن نسيب بن مالك بن الحارث بن مازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان من بني مازن بن منصور السلمي حليف بني نوفل بن عبد مناف، وابن أخت لقريش كنيته أبو عبد الله، شهد بدرًا مع النبي صلى الله عليه وسلم والمشاهد كلها، أمره عمر رضي الله عنه على جيش فتوجه إلى العراق ففتح الأبلة والبصرة ووليها وبنى مسجدها الأعظم بالقصب، ثم إنه حج فاستعفى -تنازل- عمر عن ولاية البصرة فلم يعفه فقال: اللهم لا تردني إليها فسقط عن راحلته، فمات سنة (17) وهو منصرف من مكة إلى البصرة بموضع يقال له معدن بني سليم قاله ابن سعد، وقيل مات بالربذة قاله المدائني اهـ من المفهم.
وهو أول من اختط البصرة ونزلها، ومات بالمدينة بالربذة سنة (17) سبع وعشرة، ويقال مات في طريق مكة بموضع يقال له معدن بني سليم، وكان له يوم مات (57) سبع وخمسون سنة، وكان من رواة الصحابة، ويروي عنه (م ت س ق) وخالد بن عمير وشويس أبو الرقاد، قال ابن سعد: هاجر إلى الحبشة، وأسلم بعد ستة رجال، له أربعة أحاديث، انفرد له (م) بحديث واحد رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (فحمد الله) تعالى بوصفه بالكمالات (وأثنى عليه) بتنزيهه من النقائص (ثم قال) عتبة (أما بعد فإن الدنيا قد آذنت) بهمزة ممدودة أي أعلمت وأشعرت (بصرم) أي بذهاب وانقطاع بتقلباتها على أهلها، والصرم بضم الصاد وسكون الراء الانقطاع اهـ سنوسي (وولت) من التولية أي أدبرت في الذهاب حالة كونها (حذاء) بحاء مهملة مفتوحة ثم ذال معجمة مشددة وألف ممدودة أي سريعة خفيفة، ومنه قيل للقطاة حذاء أي منقطعة الذنب قصيرته ويقال حمار أحد إذا كان قصير الذنب حكاه أبو عبيدة، وهذا مثل لأن قصير الذنب أو مقطوعه لا يبقى وراءه شيء كأنه قال إن الدنيا قد انقطعت مسرعة (ولم يبق منها إلا صبابة) بضم الصاد أي بقية (كصبابة) أي كبقية ما في (الإناء) من الشراب (يتصابها) أي يريد صبها على الأرض (صاحبها) أي صاحب تلك الصبابة وشاربها لقلة مائها
وَإِنَّكُمْ مُنْتَقِلُونَ مِنْهَا إِلَى دَارٍ لَا زَوَال لَهَا. فَانْتَقِلُوا بِخَيرِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ. فَإِنَّهُ قَدْ ذُكِرَ لَنَا أن الْحَجَرَ يُلْقَى مِنْ شَفَةِ جَهَنَّمَ. فَيَهْوي فِيهَا سَبْعِينَ عَامًا لَا يُدْرِكُ لَهَا قَعْرًا. وَوَاللهِ، لَتُمْلأَنَّ. أَفَعَجِبْتُمْ؟ وَلَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أن مَا بَينَ مِصْرَاعَينِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً. وَلَيَأتِيَنَّ عَلَيهَا يَوْمٌ وَهُوَ كَظِيظٌ مِنَ الزِّحَامِ
ــ
ووسخها، قال المازري: الصبابة بضم الصاد البقية اليسيرة من الشراب في أسفل الإناء يتصابها أي يشربها صاحبها أي الشارب منها أولًا، قال القرطبي: والصبابة بفتح الصاد رقة الشوق ولطيف المحبة و (يتصابها) أي يروم صاحبها صبها على قلة الماء وضعفه اهـ مفهم. وفي القاموس تصابيت الماء شربت صبابته (وإنكم منتقلون منها) أي مرتحلون من الدنيا (إلى دار لا زوال) ولا فناء (لها) وهي الآخرة (فانتقلوا) أي فارتحلوا من الدنيا إلى الآخرة ملتبسين (بخير) أي بأفضل (ما بحضرتكم) أي بأفضل ما عندكم من الأعمال الصالحة، قال القرطبي: أي ارتحلوا إلى الآخرة بخير ما يحضركم من أعمال البر جعل الخير المتمكن منه كالحاضر (فإنه) أي فإن الشأن والحال (قد ذُكر لنا أن الحجر يُلقى) أي يُرمى (من شفة جهنم) أي من طرفها الأعلى (فيهوي) أي يسقط ذلك الحجر (فيها) أي في جهنم أي يمشي إلى قعرها مدة (سبعين عمامًا لا يُدرك) ولا يصل (لها قعرًا) أي لا يصل إلى قعر جهنم وأسفلها لبُعد قعرها (ووالله) أي وأقسمت لكم بالله الذي لا إله غيره (لتملأن) جهنم بالبناء للمجهول أي لتكونن جهنم مملوءة منكم أيها الناس ومن الجن مع كون بُعد قعرها مسافة سبعين عامًا (أ) تنكرون ذلك (فعجبتم) منه يعني أنه قد ذكر له ذلك عن رسول الله لأن مثل هذا لا يُعرف إلا من جهة النبي صلى الله عليه وسلم فكأنه لم يسمعه هو من النبي صلى الله عليه وسلم بل سمعه من غيره فسكت عنه إما نسيانًا وإما لأمر يسوغ له ذلك، ويحتمل أن يكون سمعه هو من النبي صلى الله عليه وسلم وسكت عن رفعه للعلم بذلك وهكذا يقال فيما بعده اهـ من المفهم (ولقد ذُكر لنا) أيضًا (أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة) أي مسافة سير (أربعين سنة) ومصراع الباب ما بين عضادتيه، وجمعه مصاريع وهو ما يسده الغلق والعضادتان الخشبتان المركوزتان في جانبي الباب يُركب عليها ألواح الباب (و) والله (ليأتين عليها) أي على مصاريع الجنة (يوم وهو) أي والحال أن كل مصراع منها (كظيظ) أي ممتلئ (من الزحام) من كثرة داخليها، قال القاضي: يقال كظه الشراب (كظيظ)، وفي حديث الحسن حين ذكر الموت كظ ليس كالكظ أي هو يملأ الجوف ليس كغيره من الهموم ويقال كظني الأمر أي ملأني
وَلَقَدْ رَأَيتُنِي سَابعَ سَبْعَةٍ مَع رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. مَا لَنَا طَعَامٌ إِلا وَرَقُ الشَّجَرِ. حَتى قَرِحَتْ أَشْدَاقُنَا. فَالْتَقَطْتُ بُرْدَةً فَشَقَقْتُهَا بَينِي وَبَينَ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ. فَاتَّزَرْتُ بِنِصْفِهَا وَاتَّزَرَ سَعْدٌ بِنِصْفِهَا. فَمَا أَصْبَحَ الْيَوْمَ مِنا أَحَدٌ إِلا أَصْبَحَ أَمِيرًا عَلَى مِصْرٍ مِنَ الأمصَارِ. وَإنِّي أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ فِي نَفسِي عَظِيمًا وَعِنْدَ الله صَغِيرًا. وَإنَّهَا لَمْ تَكُنْ نُبُوَّةٌ قَطُّ إِلا تَنَاسَخَتْ، حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَاقِبَتِها مُلْكًا. فَسَتَخبُرُونَ وَتُجَرِّبُونَ الأمُرَاءَ بَعْدَنَا
ــ
وشغلني (ولقد رأيتني) أي رأيت نفسي (سابع سبعة) أي واحدًا من سبعة (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا ورق الشجر) نأكل منه (حتى قرحت) بكسر الراء أي انقرحت وانجرحت (أشداقنا) أي شقوق فمنا أي صار فيها قروح وجراح من خشونة الورق الذي نأكله وحرارته، والأشداق جمع شدق بكسر الشين وهو طرف الفم عند ملتقى الشفتين (فالتقطت بردة) أي أخذت لقطة بردة (فشققتها) أي قسمتها شقتين نصفين (بيني وبين سعد بن مالك) وهو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما (فاتزرت) أنا أي جعلت (بنصفها) إزاري (واتزر) أي جعل (سعد بنصفها) إزاره (فما أصبح اليوم منا أحد) أي فما دخل في الصباح اليوم أحد منا (إلا أصبح) أي إلا كان فيه (أميرًا) أي واليًا (على مصر) وبلدة (من الأمصار) والبلدان لكثرة الفتوح وشدة إقبال الناس على الدنيا (وإني أعوذ) وأتحصن (بالله) سبحانه من (أن أكون في نفسي) وظني (عظيمًا) أي رفيع القدر (و) الحال أني كنت (عند الله) تعالى (صغيرًا) أي خسيس القدر ووضيعه (وإنها) أي وإن القصة (لم تكن نبوة) من نبوءات الأنبياء (قط) أي في زمن من الأزمنة الماضية (إلا تناسخت) وارتفعت وزالت وانمحت (حتى يكون آخر عاقبتها) أي عاقبة النبوة (ملكًا) أي سيطرة وميلًا عن الحق واتباع الهوى يعني لا يزال الأمر يتناقص عما كان عليه في الصدر الأول حتى لا يبقى منه شيء من معالم الدين (فستخبرون) يفتح التاء وضم الباء أي فستعلمون ما قلت لكم قريبا من صيرورة النبوة وأمورها ملكا (وتُجرّبون) أي تبحثون (الأمراء بعدنا) وتجدونهم بدلوا أمور النبوة وأحكامها سيطرة ونظامًا ويتتبعون نظام من قبلهم من اليهود والنصارى حتى في دينهم كما أخبره المصطفى صلى الله عليه وسلم.
قال القرطبي: قوله (وإنها لم تكن نبوة قط إلا تناسخت حتى يكون آخرها ملكًا) يعني أن زمان النبوة يكون الناس فيه يعملون بالشرع ويقومون بالحق ويزهدون في الدنيا
7260 -
(00)(00) وحدّثني إِسْحَاقُ بن عُمَرَ بنِ سَلِيطٍ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ. حَدَّثَنَا حُمَيدُ بْنُ هِلالٍ، عَن خَالِدِ بْنِ عُمَيرٍ. وَقَدْ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيةَ. قَال: خَطَبَ عُتْبَةُ بن غَزْوَانَ، وَكَانَ أمِيرًا عَلَى الْبَصْرَةِ. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ شَيبَانَ
ــ
ويرغبون في الآخرة ثم إنه بعد انقراضهم وانقراض خلفائهم يتغير الحال وينعكس الأمر ثم لا يزال الأمر في تناقص وإدبار إلى أن لا يبقى على الأرض من يقول: الله الله، فيرتفع ما كان الصدر الأول عليه وهذا هو المعبّر عنه هنا بالتناسخ فإن النسخ هو الرفع والإزالة. وهذا الحديث نحو قوله:"ما من نبي بعثه الله تعالى في أمة قبل إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون" الحديث أخرجه مسلم (50). وقوله (حتى يكون عاقبة أمرها مُلكًا) يعني أنهم يعدلون عن سنن النبيين وخلفائهم إلى الإقبال على الدنيا واتباع الهوى وهذه أحوال أكثر الملوك وأغلبهم بل كلهم الآن فأما من سلك سبيل الصدر الأول الذي هو زمان النبوة والخلافة من العدل واتباع الحق والإعراض عن الدنيا فهو من خلفاء الأنبياء وإن تأخر زمانه كعمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى إذ لم يكن بعد الخلفاء من سلك سبيلهم واقتدى بهم في غالب أحوالهم غيره لا جرم هو معدود منهم وداخل في زمرتهم إن شاء الله تعالى.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في صفة جهنم [5275]، وابن ماجه في الزهد [4208]، وأحمد [4/ 174 و 5 17].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
7260 -
(00)(00)(وحدثني إسحاق بن عمر بن سليط) بفتح السين وكسر اللام بوزن أمير الهذلي البصري، صدوق، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا سليمان بن المغيرة حدثنا حميد بن هلال عن خالد بن عمير وقد أدرك الجاهلية قال خطب عتبة بن غزوان وكان أميرًا على البصرة فذكر) إسحاق بن عمر (نحو حديث شيبان) بن فروخ فالمتابعة في مشايخ المؤلف.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عتبة بن غزوان رضي الله عنه فقال:
7261 -
(00)(00) وحدثنا أَبُو كُرَيبٍ. مُحَمدُ بن الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ قُرةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عُمَيرٍ قَال: سَمِعْتُ عُتبَةَ بْنَ غَزْوَانَ يَقُولُ: لَقَدْ رَأَيتُنِي سَابعَ سَبْعَةٍ مَع رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. مَا طَعَامُنَا إِلا وَرَقُ الْحُبلَةِ. حَتى قَرِحَتْ أَشْدَاقُنَا.
7262 -
(2947)(114) حدَّثنا مُحَمدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُهَيلِ بْنِ أبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَال: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَال:"هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ فِي الظهِيرَةِ، لَيسَت فِي سَحَابَةٍ؟ " قَالُوا: لَا
ــ
7261 -
(00)(00)(وحدثنا أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا وكيع عن قرة بن خالد) السدوسي أبي خالد المصري، ثقة، من (6) روى عنه في (13) بابا (عن حميد بن هلال عن خالد بن عمير) العدوي (قال سمعت عتبة بن غزوان يقول) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة قرة لسليمان بن المغيرة؛ والله (لقد رأيتني سابع سبعة) أي واحدًا من سبعة (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما) نافية مهملة لانتقاض نفيها بإلا أي ليس (طعامنا) وقوتنا (إلا ورق الحبلة) أي ورق العضاه (حتى قرحت) وتشدقت وانجرحت (أشداقنا) أي أطراف فمنا.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة وهو رؤية المولى سبحانه ومخاطبته لعبده بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
7262 -
(2947)(114)(حدثنا محمد) بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن سهيل بن أبي صالح) السمان (عن أبيه) أبي صالح (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (قالوا) أي قال الحاضرون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (هل تضارون) بتشديد الراء مع ضم التاء على أنه من باب المفاعلة أو فتحها على أنه من باب التفاعل بحذف إحدى التاءين مشتق من الضرر أي هل يحصل لكم ضرر وتزاحم وتنازع يتضرر به بعضكم من بعض اهـ من المرقاة [1/ 266](في رؤية الشمس في الظهيرة) أي في وقت الظهيرة وهو وقت وقوفها في وسط السماء (ليست) تلك الشمس (في سحابة) وغيم (قالوا لا) نضار في رؤيتها ولا
قَال: "فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤيَةِ الْقَمَرِ لَيلَةَ البدْرِ، لَيسَ فِي سَحَابَةٍ؟ " قَالُوا: لَا. قَال: "فَوَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تُضَارُّونَ فِي رُؤيَةِ رَبِّكُمْ إِلا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤيةِ أَحَدِهِمَا. قَال: فَيَلقَى الْعَبْدَ فَيَقُولُ: أَي فُلْ، أَلَمْ أكرِمْكَ، وَأُسَوِّدكَ، وَأُزَوِّجكَ، وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالإِبلَ، وَأَدركَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ فَيَقُولُ: بَلَى. قَال فَيَقُولُ: أَفَظَنَنْتَ
ــ
نشك فيه فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر) أي في ليلة أربع عشرة (ليس) ذلك القمر (في سحابة؟ قالوا لا) أي لا نضار في رؤيته فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فوالذي نفسي بيده) المقدسة (لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون) أي إلا ضررًا كضرركم (في رؤية أحدهما) إن كان الضرر عليكم في رؤية أحدهما (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فـ) ـذلك أن الله تعالى (يلقى العبد) بالنصب على المفعولية (فيقول) الله له (أي) حرف نداء (فل) أي يا فلان وهو ترخيم فلان ترخيمًا شاذًّا لأنه ليس بعلم، وقيل هو لغة في فلان ويجوز فيه وجهان الضم على لغة من لا ينتظر والفتح على لغة من ينتظر (ألم كرمك) وأُحسن إليك بنعمي (وأُسودك) أي أجعلك سيدًا على غيرك (وأُزوجك) أي أجعل لك زوجة (وأُسخر لك الخيل والإبل) لتركبهما (و) ألم (أذرك) أي ألم أدعك (ترأس) القوم أي تصير رئيسًا لهم (وتربع) أي وتأخذ منهم ربع الغنيمة وكان ملوك الجاهلية يأخذونه لأنفسهم.
وقوله (تربع) بفتح التاء والباء من باب فتح أي تأخذ منهم المرباع، وقال القاضي عياض: معناه تستريح وهو من قولهم اربع على نفسك أي ارفق بها، ورواه بعضهم (ترتع) بتاءين أي تتنعم وتأكل في سعة، وقال في المرقاة (أي فل) بسكون اللام وتفتح وتضم (وأُسوّدك) أي أجعلك سيدًا على غيرك (وأذرك ترأس) أي ألم أتركك تكون رئيس القوم وكبيرهم (وتربع) أي وتأخذ المرباع الذي كانت الملوك في الجاهلية تأخذه لنفسها وهو ربع الغنيمة، ويقال ربعه إذا أخذ ربع أمواله والمعنى ألم أجعلك ربعيًا مطاعًا، قال القاضي: والأوجه عندي أن معناه تركتك مستريحًا لا تحتاج إلى كلفة وطلب من قولهم اربع على نفسك أي ارفق بها كما مر آنفًا اهـ.
(فيقول) العبد (بلى) يا رب أكرمتني وسودتني وزوجتني وسخرت لي وجعلتني رئيسًا ربعيًا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيقول) له الرب جل وجلاله (أفظننت)
أنَّكَ مُلاقِيَّ؟ فَيَقُولُ: لَا. فَيَقُولُ: فَإنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي. ثُم يَلْقَى الثانِي فَيَقُولُ: أَي فُلْ أَلَمْ أُكرِمْكَ، وَأُسَوِّدْكَ، وَأُزَوِّجكَ، وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيلَ وَالإِبِلَ، وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ فَيَقُولُ: بَلَى. أَي رَب. فَيَقُولُ: أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلاقِي؟ فَيَقُولُ: لَا. فَيَقُولُ: فَإِني أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي. ثُمَّ يَلْقَى الثالِثَ فَيَقُولُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، آمَنْتُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ وَبِرُسُلِكَ وَصلَّيتُ وَصُمْتُ وَتَصَدَّقْتُ. وَيُثْنِي بِخَيرِ مَا اسْتَطَاعَ، فَيَقُولُ: ههُنَا إِذًا.
قَال: ثُم يُقَالُ لَهُ: الآنَ نَبْعَثُ شَاهِدَنَا عَلَيكَ
ــ
وعلمت في الدنيا (أنك ملاقيّ) أي ملاق أنت إياي في الآخرة (فيقول) العبد للرب (لا) أي ما ظننت أني ملاق إياك في الآخرة للمجازاة (فيقول) الرب له (فإني) اليوم (أنساك كما نسيتني) في الدنيا ونسيان الله لعبده صفة ثابتة لله تعالى نثبتها ونعتقدها لا نمثلها ولا نكيفها ولا نؤولها ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، أثرها قطع الرحمة (ثم يلقى) الرب جل جلاله العبد الآخر (الثاني) أي غير الأول (فيقول) له هذا الثاني (أي فل) أي يا فلان (ألم أكرمك وأُسودك وأزوجك وأُسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع فيقول) هذا العبد الثاني للرب جل جلاله (بلى) جعلتني كذلك وحصلت لي جميع ما ذُكر (أي رب) أي يا ربي (فيقول) الرب له أي لهذا العبد الثاني (أفظننت) في الدنيا (أنك ملاقيّ؟ فيقول) العبد الثاني (لا) أي ما ظننت لقائي إياك (فيقول) الرب له (فإني أنساك) اليوم (كما نسيتني) في الدنيا (ثم يلقى) المولى العبد (الثالث، فيقول) الله (له) أي لهذا العبد الثالث (مثل ذلك) أي مثل ما قال للعبدين الأوليين (فيقول) هذا العبد الثالث كذبًا (يا رب آمنت بك وبكتابك وبرسلك وصليت) لك (وصمت وتصدقت) مالي يعني يقول هذا الثالث ذلك كذبًا فيدعي أنه كان مؤمنًا وهو كاذب (ويثني) هذا الثالث على نفسه (بخير) أي بعمل صالح بقدر (ما استطاع) الثناء عليها أي بما يستطيع من الكلمات الحسنة (فيقول) الرب له قف (ها هنا) أي في هذا الموقف (إذًا) أي إذ كذبت لنفسك ودافعت عنها وأنكرت كفرك حتى يشهد عليك جوارحك، قال الأبي: أي إذ جئت بهذه الدعوات فاثبت في مكانك حتى تفتضح في دعواك اهـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم يقال له) أي لهذا الثالث من جهة الله تعالى أي تقول له الملائكة (الآن) أي في هذا الزمن الحاضر (نبعث) أي نحضر ونقيم (شاهدنا عليك) أي شاهدًا يشهد لنا على
ويتَفَكَّرُ فِي نَفْسِهِ: مَنْ ذَا الذِي يَشهَدُ عَلَيَّ؟ فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ. وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ وَلَحمِهِ وَعِظَامِهِ: انْطِقِي. فَتَنْطِقُ فَخِذُهُ وَلَحمُهُ وَعِظَامُهُ بِعَمَلِهِ. وَذَلِكَ لِيُعذِرَ مِن نَفْسِهِ.
وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ. وَذَلِكَ الذِي يَسْخَطُ الله عَلَيهِ".
7263 -
(2948)(115) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ بْنِ أَبِي النضْرِ، حدّثني أَبُو النَّضْرِ، هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ الله الأَشجَعِي، عَنْ سُفْيَانَ الثوْرِي،
ــ
عملك السيء (ويتفكر) هذا الثالث (في نفسه) أي في قلبه (من ذا الذي) أي من هذا الذي (يشهد عليّ) بعملي (فيُختم) أي يبكم (على فيه) أي على فمه ويخرس على لسانه فلا يقدر على الكلام والإنكار لعمله (ويقال) من جهة الله تعالى أي تقول الملائكة (لفخذه ولحمه وعظامه) أي لأعضاء هذا الثالث (انطقي) واشهدي بعمله السيء (فتنطق فخذه ولحمه وعظامه) أي تشهد عليه (بعمله) السيء (وذلك) الإشهاد عليه بعمله السيء (ليُعذر) الله أي ليقطع الله اعتذاره (عن نفسه) في عمله السيء، من الإعذار وهو إقامة الحجة على أحد بحيث لا يبقى له عذر، والهمزة فيه لسلب المأخذ والمعنى ليزيل الله تعالى عذره من قبل نفسه بكثرة ذنوبه وشهادة أعضائه عليه بحيث لم يبق له عذرًا يعتذر ويستمسك به اهـ نووي، وقيل المعنى ليصير ذا عذر في تعذيب نفس العبد اهـ مرقاة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وذلك) العبد الذي يشهد عليه جوارحه هو (المنافق) الخارج عن طاعة الله تعالى (وذلك) العبد الثالث اهـ دهني، هو (الذي يسخط الله عليه) ولا يعفو له لكذبه وكفره.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في السنة باب في الرؤية [4730]، وأحمد [2/ 293 و 5/ 534]، وابن حبان [9/ 259].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث أنس رضي الله عنهما فقال:
7263 -
(2948)(115)(حدثنا أبو بكر) محمد أو أحمد (بن النضر بن أبي النضر) هاشم بن القاسم الليثي البغدادي، ثقة، من (11) روى عنه في (7) أبواب (حدثني) جدي (أبو النضر هاشم بن القاسم) بن مسلم بن مقسم الليثي مولاهم البغدادي، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا عبيد الله) بن عبد الرحمن (الأشجعي) أبو عبد الرحمن الكوفي البغدادي، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (عن سفيان) بن سعيد (الثوري)
عَن عُبَيدٍ الْمُكتِبِ، عَنْ فُضيلٍ، عَنِ الشَّعبِيِّ، عَن أَنسِ بنِ مَالِك قَال: كُنا عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَضَحِكَ فَقَال: "هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ؟ " قَال: قُلْنَا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَال: "مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ. يَقُولُ: يَا رَبِّ، أَلَمْ تُجِرني مِنَ الظُّلْمِ؟ قَال: يَقُولُ: بَلَى. قَال: فَيَقُولُ: فَإني لَا أُجِيزُ عَلَى نَفسِي إِلا شَاهِدًا مِنِّي. قَال: فَيقُولُ: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيكَ شَهِيدًا. وَبِالْكِرَامِ الكَاتبِينَ شُهُودًا. قَال:
ــ
الكوفي، ثقة إمام، من (7)(عن عبيد) بن مهران الكوفي (المكتب) بضم الميم وسكون الكاف وكسر التاء المخففة على صيغة اسم الفاعل من الإكتاب، وقيل بفتح الكاف وتشديد التاء المكسورة من التكتيب، روى عن فضيل بن عمرو في آخر الزهد، وأبي الطفيل وإبراهيم النخعي، ويروي عنه (م س) والسفيانان وفضيل بن عياض، وثقه أبو حاتم والنسائي وابن معين والعجلي، وقال في التقريب: ثقة، من (5) قليل الحديث (عن فضيل) بن عمرو الفقيمي مصغرًا أبي النضر الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (3) أبواب (عن) عامر بن شراحيل الحميري (الشعبي) ثقة، من (3)(عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من ثمانياته (قال) أنس (كنا) يومًا (عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك) أي تبسم (فقال هل تدرون) وتعلمون (مم أضحك) أي لأجل ما أضحك (قال) أنس فـ (قلنا) له صلى الله عليه وسلم (الله ورسوله أعلم) لأي شيء تضحك (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أضحك (من مخاطبة العبد) من إضافة المصدر إلى فاعله ومفعوله لفظة (ربه) بالنصب حالة كون العبد (يقول) في مخاطبته لربه (يا رب ألم تجرني) بضم التاء وكسر الجيم من الإجارة وهي الأمان أي ألم تؤمني (من الظلم) والجور أي من أن تظلمني (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقول) الرب له (بلى) آجرتك وأمنتك من ظلمي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيقول) العبد لربه (فإني لا أجيز) ولا أقبل (على نفسي) أحدًا من الشهود (إلا شاهدًا) كان (من) نفسـ (ـي) وجوارحي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيقول) الرب له (كفى بنفسك اليوم عليك شهيدًا) أي كفت نفسك وجوارحك اليوم من جهة كونها شهيدًا عليك (وبالكرام الكاتبين) أي وكفت الملائكة الكرام الكاتبون أعمالك (شهودًا) أي من جهة كونهم شهودًا على أعمالك، والجار والمجرور معطوف على قوله بنفسك والباء زائدة في فاعل كفى في الموضعين (قال) رسول
فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ. فَيُقَالُ لأَرْكَانِهِ: انْطِقِي. قَال: فَتَنْطِقُ بِأعْمَالِهِ. قَال: ثُم يُخَلَّى بَينَهُ وَبَينَ الْكَلامِ. قَال: فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا. فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُناضِلُ"
ــ
الله صلى الله عليه وسلم (فيُختم على فيه) أي على فمه (فيقال لأركانه) أي لأعضائه (انطقي) أي أخبريني بأعماله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فتنطق) أي فتخبر أعضاؤه (بأعماله، قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم يُخلى بينه) أي بين ذلك العبد (وبين الكلام) بلسانه أي يزال الختم عن فمه فيتكلم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيقول) ذلك العبد لأعضائه (بُعدًا لكُن) أي أبعدكن الله عن رحمته إبعادًا، وقوله (وسحقًا) أي هلاكًا أي أهلككن إهلاكًا معطوف على بُعدًا عطف رديف (فعنكن) أيتها الأعضاء كنت أناضل) أي أدافع وأجادل وأخاصم وأنتن تشهدن علي بعملي، من المناضلة وهو الرمي بالسهام يخاطب أعضاءه فيقول إنما كنت أريد أن أدفع عنكن النار وأنتن تشهدن علي باستحقاق النار. وفي النهاية: قوله (فبُعدا لكُنّ وسحقًا) أي هلاكًا ويجوز أن يكون من البُعد ضد القرب (وسحقًا) أي بُعدًا ومكان سحيق أي بعيد اهـ منه، وفي المرقاة: قوله (بُعدًا لكُن وسحقًا) بضم السين وسكون الحاء أي هلاكًا وهما مصدران ناصبهما مقدر والخطاب للأركان أي أبعدن وأسحقن، قوله (فعنكن) أي عن قبلكن ومن جهتكن ولأجل خلاصكن. قوله (ثم يخلى) أي يُرفع الختم من فمه اهـ منه.
وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث: الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني حديث سعد بن أبي وقاص ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والثالث حديث سعد الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث عتبة بن غزوان ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والخامس حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة، والسادس حديث أنس بن مالك ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم.
***