المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌775 - (19) باب في حديث أبي اليسر وحديث جابر الطويل رضي الله تعالى عنهما وحديث الهجرة ويقال له حديث الرحل بالحاء - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٢٦

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌757 - (1) باب قيام الناس في عرقهم على قدر أعمالهم ودنو الشمس إليهم وخطبته صلى الله عليه وسلم وتعليمه الناس

- ‌758 - (2) باب إذا مات المرء عرض عليه مقعده، وما جاء في عذاب القبر، وسماع الميت قرع النعال، وفي إثبات الحساب، والأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت

- ‌ كتاب الفتن وأشراط الساعة

- ‌759 - (3) باب اقتراب الفتن، وفتح ردم يأجوج ومأجوج، والخسف بالجيش الذي يوم البيت، ونزول الفتن كمواقع القطر

- ‌760 - (4) باب ذكر حكم تواجه المسلمين بسيفيهما، وهلاك هذه الأمة بعضهم ببعض، وإخباره صلى الله عليه وسلم عما يكون إلى يوم القيامة، وذكر الفتنة التي تموج كموج البحر

- ‌761 - (5) باب لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب، وفتح القسطنطينية وخروج الدجال، ونزول عيسى وقيام الساعة والروم أكثر الناس وإقبال الروم في كثرة القتل عند خروج الدجال

- ‌762 - (6) باب فتوحات المسلمين قبل الدجال والآيات التي تكون قبل الساعة ولا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز وفي سكنى المدينة وعمارتها قبل الساعة وعدم إنبات الأرض مع كثرة المطر وكون الفتنة من المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان

- ‌763 - (7) باب لا تقوم الساعة حتى تعبد دوس ذا الخلصة، وحتى يمر الرجل على القبر فيتمنى أن يكون صاحبه، وأنه يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة، وذكر القحطاني والجهجاه، وقتال الترك، وذكر الخليفة الذي لا يعد المال عند قسمته

- ‌764 - (8) باب ذكر قتل عمار، وأغيلمة من قريش تكون فتنة لمن في زمنها، وإذا هلك كسرى…إلخ، وفتح مدينة جانبها في البحر، وقتال اليهود حتى يقول الحجر: يا مسلم، وذكر دجالين بين يدي الساعة

- ‌765 - (9) باب ذكر ابن صياد

- ‌766 - (10) باب ذكر الدجال وصفته وما معه من الفتن

- ‌767 - (11) باب حرمة المدينة على الدجال وقتله المؤمن وإحيائه هناك، وكون الدجال أهون على الله عز وجل، وقدر مكثه في الأرض، ونزول عيسى وقتله إياه

- ‌768 - (12) باب في ذكر حديث الجساسة وما فيه من ذكر الدجال

- ‌769 - (13) باب في بقية أحاديث الدجال وفضل العبادة في الهرج وقُرب الساعة وذكر ما بين النفختين

- ‌ كتاب الزهد

- ‌770 - (14) باب كون الدنيا سجن المؤمن وهوانها عند الله تعالى وما للمرء من ماله وما يحذر من بسط الدنيا ومن التنافس فيها والنهي عن النظر إلى من فوقك في الدنيا

- ‌771 - (15) باب في الابتلاء بالدنيا وكيف يعمل فيها، والخمول فيها والتقلل منها، والتزهيد في الدنيا والاجتزاء بالخشن منها، ورؤية الله في الآخرة ومخاطبة الرب عبده فيها

- ‌772 - (16) باب ضيق معيشة آل محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌773 - (17) باب النهي عن دخول مساكن الذين ظلموا إلا أن يبكوا، وفضل الساعي على الأرامل والأيتام، والباني للمساجد، وفضل الصدقة على المساكين، وتحريم الرياء ونحوه، ووجوب حفظ اللسان، وعقوبة من يأمر ولا يفعل، والنهي عن هتك الستر عن نفسه، وندب التشميت عند العطاس وكراهية التثاؤب

- ‌ كتاب في أحاديث متفرقة

- ‌774 - (18) باب خلق الملائكة والجان وآدم وأن الفأر مسخ ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين والمؤمن أمره كله خير والنهي عن المدح إذا كان فيه إفراط وتقديم الأكبر في مناولة الشيء وغيرها والتثبت في الحديث وحكم كتابة العلم وقصة أصحاب الأخدود

- ‌775 - (19) باب في حديث أبي اليسر وحديث جابر الطويل رضي الله تعالى عنهما وحديث الهجرة ويقال له حديث الرحل بالحاء

- ‌ كتاب التفسير

- ‌776 - (20) باب في تفسير قوله تعالى: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا}

- ‌777 - (21) باب تتابع الوحي قرب وفاته صلى الله عليه وسلم

- ‌778 - (22) باب بيان تفسير قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}

- ‌779 - (23) باب تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} الآية

- ‌780 - (24) باب قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}

- ‌781 - (25) باب قوله تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ}

- ‌782 - (26) باب قوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا}

- ‌783 - (27) باب قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ}

- ‌784 - (28) باب قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ}

- ‌785 - (29) باب في قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيتَ النَّاسَ} إلخ

- ‌786 - (30) باب قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا}

- ‌787 - (31) باب في قوله تعالى: {وَلَيسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} الآية

- ‌788 - (32) باب في قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ}

- ‌789 - (33) باب قوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [

- ‌790 - (34) باب في قوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ}

- ‌791 - (35) باب في قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} الآية

- ‌792 - (36) باب في بيان سبب نزول سورة براءة والأنفال والحشر، وبيان تسميتها بهذه الأسماء

- ‌793 - (37) باب في نزول تحريم الخمر

- ‌794 - (38) باب نزول قوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} الآية

الفصل: ‌775 - (19) باب في حديث أبي اليسر وحديث جابر الطويل رضي الله تعالى عنهما وحديث الهجرة ويقال له حديث الرحل بالحاء

‌775 - (19) باب في حديث أبي اليسر وحديث جابر الطويل رضي الله تعالى عنهما وحديث الهجرة ويقال له حديث الرحل بالحاء

7335 -

(2993)(153) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، (وَتَقَارَبَا فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ)، وَالسِّيَاقُ لِهَارُونَ. قَالا: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ، أَبِي حَزْرَةَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَال: خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي

ــ

775 -

(19) باب في حديث أبي اليسر وحديث جابر الطويل رضي الله تعالى عنهما وحديث الهجرة ويقال له حديث الرحل بالحاء

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى الجزء الأول من الترجمة وهو حديث جابر مع قصة أبي اليسر رضي الله تعالى عنهما فقال:

7335 -

(2993)(153)(حدثنا هارون بن معروف) المروزي البغدادي، ثقة، من (10)(ومحمد بن عبّاد) بن الزبرقان المكي نزيل بغداد، صدوق، من (10)(وتقاربا في لفظ الحديث والسياق) أي واللفظ المسوق أي المذكور فيما سيأتي (لهارون) وأما محمد بن عبّاد فروى معناه (قالا) أي قال كل من هارون ومحمد بن عبّاد (حدثنا حاتم بن إسماعيل) العبدري مولاهم أبو إسماعيل المدني، صدوق، من (8) روى عنه في (12) بابًا (نحن يعقوب بن مجاهد) القرشي المخزومي مولاهم (أبي حزرة) بفتح المهملتين بينهما زاي ساكنة مشهور بكنيته المدني، صدوق، من (6) ويقال أبو حزرة، لقبه وكنيته أبو يوسف، روى عنه في (2) الصلاة وآخر الكتاب (عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت) الأنصاري المدني، روى عن أبيه في الجهاد، وأبي اليسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر الكتاب، وجابر بن عبد الله في آخر الكتاب، ويروي عنه (خ م د س ق) ويعقوب بن مجاهد أبو حزرة وعبيد الله بن عمر ويحيى بن سعيد الأنصاري وابن عجلان ويزيد بن الهاد، وثقه أبو زرعة والنسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة (قال) عبادة بن الوليد (خرجت أنا وأبي) الوليد بن عبادة بن الصامت الأنصاري أبو عبادة المدني، يقال إنه وُلد في آخر زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وتُوفي في ولاية عبد الملك بالشام، روى عن أبيه في الجهاد، ويروي عنه (خ م ت س ق) وابنه عبادة، ثقة، من كبار (2) مات بعد السبعين (70) أي

ص: 461

نَطْلُبُ الْعِلْمَ فِي هَذَا الْحَيِّ مِنَ الأَنْصَارِ، قَبْلَ أَنْ يَهْلِكُوا. فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ لَقِينَا أَبَا الْيَسَرِ، صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَمَعَهُ غُلامٌ لَهُ. مَعَهُ ضِمَامَةٌ مِنْ صُحُفٍ. وَعَلَى أَبِي الْيَسَرِ بُرْدَةٌ وَمَعَافِرِيٌّ. وَعَلَى غُلامِهِ بُرْدَةٌ وَمَعَافِرِيٌّ

ــ

خرجت أنا وأبي من منزلنا حالة كوننا (نطلب العلم) أي تعلُّم العلم، والحديث (في هذا الحي من الأنصار قبل أن يهلكوا) ويُقتلوا في حروب الفتن الواقعة بين المسلمين (فكان أول من لقينا) ورأينا من الأنصار بعد الخروج من منزلنا (أبا اليسر) خبر كان بفتح الياء والسين كعب بن عمرو بن عبّاد بن عمرو بن غزية بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي بفتح السين واللام، صحابي عقبي بدري جليل، له أحاديث، انفرد له (م) بحديث في آخر الكتاب، وكان رجلًا قصيرًا ذا بطن، وكان النبي صلى الله عليه وسلم دعا له وقال:"اللهم أمتعنا به" روى عنه عبادة بن الوليد بن الصامت آخر الكتاب، ويروي عنه (م عم) وابنه عمار، قال أبو حاتم: مات، سنة (55) خمس وخمسين، وهو آخر من مات بالمدينة من البدريين رضي الله عنه، وقد زاد على المائة (100)(صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته؛ أي لقينا أبا اليسر (ومعه) أي مع أبي اليسر (غلام) أي عبد (له) أي لقيناه، والحال أنه معه عبد له (معه) أي مع غلامه (ضمامة) وملزمة (من صحف) أي من أوراق، والضمامة بكسر الضاد المعجمة الرزمة ومجموعة الشيء لأنها يضم بعضها إلى بعض، وقد وقع في بعض النسخ إضمامة بزيادة الهمزة المكسورة في أولها وهو المشهور في اللغة بهذا المعنى، والحاصل أنه كان عنده مجموعة من الصحف المدبسة المربوطة بالإبرة، وقال في النهاية: أن الضمامة لغة في الإضمامة والمشهور في اللغة إضمامة بالألف (وعلى أبي اليسر بردة) والبردة على وزن غرفة شملة مخططة، وقيل كساء مربع فيه صغر يلبسه الأعراب يُجمع على بُرد (ومعافري) بفتح الميم نوع من الثياب يُصنع بقرية في اليمن تسمى معافر، وذكر القاضي عياض أن أصل هذه التسمية أنها لقبيل من اليمن سموا بذلك وأراهم نزلوها أو أصل ما سُموا به جبل ببلادهم يقال له معافر، وقال ابن سرّاج: ويقال في القبيل معافر بضم الميم وأنكره يعقوب اهـ من الأبي (وعلى غلامه بردة ومعافري) مماثلتان لما يلبسه والمقصود من هذا الكلام التنبيه على أن أبا اليسر رضي الله عنه كان يلبس ما يلبسه غلامه وإن كان من الممكن أن يلبس معافريين ويلبس غلامه

ص: 462

فَقَال لَهُ أَبِي: يَا عَمِّ، إِنِّي أَرَى فِي وَجْهِكَ سُفْعَةً مِنْ غَضَبٍ. قَال: أَجَلْ، كَانَ لِي عَلَى فُلانِ بْنِ فُلانٍ الْحَرَامِيِّ مَالٌ. فَأَتَيتُ أَهْلَهُ فَسَلَّمْتُ. فَقُلْتُ: ثَمَّ هُوَ؟ قَالُوا: لَا. فَخَرَجَ عَلَيَّ ابْنٌ لَهُ جَفْرٌ. فَقُلْتُ لَهُ: أَينَ أَبُوكَ؟ قَال: سَمِعَ صَوْتَكَ فَدَخَلَ أَرِيكَةَ أُمِّي

ــ

بردين أو على العكس ليصير لكل واحد منهما حلة متوافقة ولكنه فعل ذلك عملًا بقوله صلى الله عليه وسلم "ألبسوهم مما تلبسون" كما سيأتي في كلامه، قال عبادة بن الوليد (فقال له) أي لأبي اليسر (أبي) أي والدي وليد بن عبادة (يا عم إني أرى) وأبصر (في وجهك سفعة) أي تغيرًا وعلامة (من غضب) فما شأنك والسفعة بفتح السين وضمها أيضًا في أصل اللغة السواد، قال ابن منظور في اللسان [6/ 271] ومنه حديث أبي اليسر (أرى في وجهك سفعة من غضب) أي تغيرًا إلى السواد، فما سببها (قال) أبو اليسر للوليد (أجل) أي نعم لي غضب تغير بسببه وجهي، وذلك أنه (كان لي على فلان بن فلان الحرامي) أي المنسوب إلى بني حرام بفتح الحاء والراء بطن من الأنصار، ورواه الطبري وغيره (الحزامي) بالزاي المعجمة مع كسر الحاء ورواه ابن ماهان (الجذامي) بجيم مضمومة ودال معجمة اسمه الحارث بن يزيد الجهني (مال) أي دين (فأتيت أهله) أي زوجته (فسلمت) عليهم (فقلت) لهم أ (ثم هو) أي أههنا فلان بتقدير همزة الاستفهام أي أهو ثمه أي في هذا المكان، وثم هنا مستعارة للإشارة إلى المكان القريب وإن كانت في أصلها للبعيد (قالوا) أي قال أهله لي (لا) أي ليس ها هنا (فخرج عليّ) من بيته (ابن له) أي لفلان (جفر) أي صغير، قال النووي: الجفر بضم الجيم وسكون الفاء هو الذي قارب البلوغ، وقيل هو الذي قوي على الأكل، وقيل ابن خمس سنين وهو في أصل اللغة ولد المعز الذي بلغ أربعة أشهر، وجفر جنباه وفصل عن أمه وأخذ في الرعي، والمؤنث منه جفرة اهـ من اللسان [6/ 304](فقلت له) أي لابنه (أين أبوك) فـ (قال) لي (سمع صوتك فدخل أريكة أمي) أي حجلتها وستارتها، قال ثعلب: الأريكة هو السرير الذي في الحجلة والحجلة ستارة العروس ولا يُسمى السرير أريكة إلا إذا كان في الحجلة، وقال الزجّاج: الأرائك الفرش في الحجال، وقيل الأريكة سرير منجد مزين في قبة أو في بيت فإذا لم يكن فيه سرير فهو حجلة اهـ من اللسان، والحاصل أنه اختفى تحت أريكة أمه وسريرها لئلا تقع مواجهته لأبي اليسر رضي الله عنه، قال أبو اليسر

ص: 463

فَقُلْتُ: اخْرُجْ إِلَيَّ. فَقَدْ عَلِمْتُ أَينَ أَنْتَ. فَخَرَجَ. فَقُلْتُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنِ اختَبَأْتَ مِنِّي؟ قَال: أَنَا، وَاللهِ، أُحَدِّثُكَ. ثُمَّ لَا أَكْذِبُكَ. خَشِيتُ، وَاللهِ، أَنْ أُحَدِّثَكَ فَأَكْذِبَكَ. وَأَنْ أَعِدَكَ فَأُخْلِفَكَ. وَكُنْتَ صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَكُنْتُ، وَاللهِ، مُعْسِرًا. قَال: قُلْتُ: آللهِ. قَال: اللهِ. قُلْتُ: آللهِ. قَال: اللهِ. قُلْتُ: آللهِ. قَال: اللهِ. قَال: فَأَتَى بِصَحِيفَتِهِ فَمَحَاهَا بِيَدِهِ. فَقَال:

ــ

(فقلت) له (اخرج إليّ فقد علمت أين أنت) أي في أي مكان أنت، قال أبو اليسر (فخرج) إليّ من أريكتها (فقلت) له (ما حملك) وبعثك (على أن اختبأت) واختفيت (مني) فـ (قال) لي (أنا والله أحدّثك) وأخبرك خبرًا صادقًا في بيان سبب اختفائي عنك (ثم) بعد بيان سبب اختفائي عنك (لا أكذبك) أي لا أخبرك الكذب في شأن قضاء دينك بالوعد لك في قضائه، وأنا لا أقدر على قضائه (خشيت والله أن أحدّثك) وأخبرك في شأن دينك بالوعد لك في قضائه (فكذبك) أي فأخبرك الكذب في قضائه (وأن أعدك) في قضائه (فأخلفك) أي فأخلف وعدك في قضائه، وهذه الجملة مفسرة لما قبلها (و) الحال أنك (كنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني أنني أصدقك الآن في بيان سبب اختفائي عنك وهو أني خشيت إن واجهتك أن أكذب في وعدي لك وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرفع من أن يكذب في مواجهتك أحد (وكنت) أنا (والله معسرًا) عن قضاء دينك (قال) أبو اليسر (قلت) لمديني (الله) أي أقسمت لك بالله هل كنت معسرًا عن قضاء ديني (قال) المدين (الله) أي والله كنت معسرًا عن قضاء دينك (قلت) له ثانيًا (والله) هل كنت معسرًا (قال) ثانيًا و (الله) كنت معسرًا (قلت) له ثالثًا (آلله) هل كنت معسرًا (قال) ثالثًا و (الله) كنت معسرًا، كرر القسم من الجهتين لمبالغة التأكيد، قوله (قلت آلله) بمد همزة الاستفهام الداخلة على همزة الوصل في الجلالة، ولفظ الجلالة مجرور بحرف قسم محذوف فكأنه قال أقسمت لك بالله هل كنت معسرًا عن قضاء ديني، وقوله (قال الله) بلا مد همزة لأنه جواب لسؤال استفهام الدائن فلا تصلح فيه همزة الاستفهام، ولفظ الجلالة مجرور بحرف قسم محذوف فكأنه قال أقسمت لك بالله كنت معسرًا عن قضاء دينك (قال) وليد بن عبادة (فأتى) أبو اليسر (بصحيفته) أي بضمامته ودفتره التي كتب فيها ديونه وآجالها (فمحاها) أي فمحى صحيفته أي محى دين هذا المدين الذي ادعى الإعسار (بيده) عن تلك الصحيفة (فقال) أبو اليسر

ص: 464

إِنْ وَجَدْتَ قَضاءً فَاقْضِنِي. وَإِلّا، أَنْتَ فِي حِلٍّ. فَأَشْهَدُ بَصَرُ عَينَيَّ هَاتَينِ (وَوَضَعَ إِصْبَعَيهِ عَلَى عَينَيهِ) وَسَمْعُ أُذُنَيَّ هَاتَينِ، وَوَعَاهُ قَلبِي هَذَا (وَأَشَارَ إِلَى مَنَاطِ قَلْبِهِ)

ــ

للمدين (إن وجدت قضاء) أي ما تقضي به ديني (فاقضني) أي فاقض لي ديني بلا مطالبة مني لك (وإلا) أي وإن لم تجد ما تقضي به ديني فـ (أنت في حل) وإذن وبراءة من ديني، قوله (فمحاها بيده) كأنه كان قد كتب في صحيفته أن له دينًا على فلان فمحا هذه الكتابة لئلا يبقى الدين مسجلًا وإنما فعل ذلك لأنه عزم على أن لا يطالبه بالدين بعد ذلك إلا أن يجد سعة فيؤديه بنفسه.

ثم قال أبو اليسر (فأشهد) مضارع بمعنى الماضي (بصر) بفتح الصاد وضم الراء فاعل شهد وإضافته إلى (عيني) من إضافة المصدر إلى فاعله (هاتين) بدل من عيني، وقوله (ووضع إصبعيه) السبابتين (على عينيه) جملة حالية من فاعل قال المحذوف ومفعول أشهد قوله (رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالنصب لأنه مفعول أشهد، وقوله (وسمع أذني هاتين) بصيغة المصدر معطوف على قوله بصر عيني على كونه فاعل شهد بمعنى سمع؛ والمعنى قال أبو اليسر فأشهد أي شهد ورأى بصر أي نظر عيني هاتين رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهو يقول من انظر معسرًا) .. الخ أي قال ذلك، والحال أنه قد وضع إصبعيه على عينيه، وقال أبو اليسر أيضًا: وشهد سمع أذنيّ هاتين أي سمع سمع أذنيّ هاتين مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول .. الخ، أي قال أبو اليسر ذلك والحال أنه قد أمسك أذنيه بيديه، وجملة قوله (ووعاه) أي وحفظ (قلبي هذا) ما سمع أذنيّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم واسم الإشارة بدل من قلبي جملة معترضة بين الفعل وهو أشهد ومفعوله وهو رسول الله، وجملة قوله (وأشار إلى مناط) أي إلى موضع (قلبه) وهو تحت الصدر حال من فاعل، قال المقدر أي قال أبو اليسر: ووعى قلبي هذا ما سمعت أذناي والحال أنه قد أشار إلى مناط قلبه وموضعه.

وهذا المعنى على رواية الأكثرين وهي (بصر عيني هاتين) بفتح الصاد وضم الراء وكذلك (سمع أذني هاتين) بسكون الميم وضم العين مع فتح السين على كونهما مصدرين مضافين إلى فاعلهما وهو محاورة من محاورات العرب، قال سيبويه: العرب تقول سمع أذني زيدًا ورأى عيني يقول ذلك ويفعل ذلك وأنشدوا:

ورأى عيني الفتى أخاكا

يُعطي الجزيل فعليك ذاكا

ص: 465

رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ: "مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا، أَوْ وَضَعَ عَنْهُ،

ــ

وهما مصدران استعيرا لمعنى الفعل لزيادة التأكيد ومفعولهما (رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولذلك نصب، وقبله جملة معترضة وهي (ووعاه قلبي) يعني وعى قلبي ما رأيته وسمعته منه والفصل بين الفاعل والمفعول بمثل هذه الجملة المعترضة فصل بغير أجنبي فإنه يفيد التأكيد. وقوله (أشهد) قبل هذا الكلام في معنى القسم، وأقول والأرجح الأوضح الأوفق للقاعدة النحوية في إعراب هذا الحديث لفظ (فأشهد) جملة قسمية بمعنى فأقسم (بصر عيني) مصدر مضاف إلى فاعله مرفوع على أنه مبتدأ خبره محذوف وجوبًا، والجملة الحالية وهي قوله (وهو يقول) ساد مسد الخبر وهذه الحال قد تكون اسمًا مفردًا كما في قولهم: أخطب ما يكون الأمير قائمًا، وقد تكون جملة فعلية كما في البيت المذكور، وقد تكون جملة اسمية مع الواو كما في حديث:"أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" وكما هنا والمعنى فأشهد أي أقسم بصر عيني هاتين ورؤيتهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصل وهو يقول (من أنظر معسرًا) .. إلخ وسمع أذنيّ هاتين رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصل وهو يقول (من أنظر معسرًا)

إلخ وقس عليه إعراب الحديث الآتي. وفي رواية العُذري (بصر) بضم الصاد وفتح الراء على صيغة الماضي، و (عيناي) بالرفع على أنه فاعل، وكذلك (وسمع) بكسر الميم فعلًا ماضيًا (أذناي) بالرفع فاعل، وجملة (ووعاه قلبي) معترضة بين الفعل والمفعول وهو قوله بعد (رسول الله صلى الله عليه وسلم) والمعنى على هذه الرواية قال أبو اليسر: فأشهد على أنه بصرت عيناي هاتان وسمعت أذناي هاتان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول .. الخ وقد وعاه قلبي ما رأيته وسمعته منه صلى الله عليه وسلم، قال القاضي: وللعذري (وأشار إلى نياط قلبه) بالنون المكسورة، ولغيره (مناط قلبه) بالميم المفتوحة، قال صاحب العين: نياط القلب ومناطه حرف معلق به أي بالقلب اهـ، قال الأبي: الأصل في الترتيب تقديم الفعل ثم يليه الفاعل ثم يلي الفاعل المفعول، وقد يعرض ما يوجب الخروج عن هذا الأصل على ما هو مذكور في محله وليس في هذا الحديث إلا الفصل بين الفاعل والمفعول بما ليس بأجنبي بل بما يفيد توكيدًا وذاك خفيف اهـ منه.

أي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهو يقول من أنظر معسرًا) أي أمهله مع بقاء الدين بمقدار ما كان (أو وضع عنه) أي أو نقص عنه شيئًا من الدين أو عفا عن

ص: 466

أَظَلَّهُ اللهُ فِي ظِلِّهِ".

(00)

(2994)(154) قَال: فَقُلْتُ لَهُ أَنَا: يَا عَمِّ، لَوْ أَنَّكَ أَخَذْتَ بُرْدَةَ غُلامِكَ وَأَعْطَيتَهُ مَعَافِرِيَّكَ، وَأَخَذْتَ مَعَافِرِيَّهُ وَأَعْطَيتَهُ بُرْدَتَكَ، فَكَانَتْ عَلَيكَ حُلَّةٌ وَعَلَيهِ حُلَّةٌ. فَمَسَحَ رَأْسِي وَقَال: اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ

ــ

كله (أظله الله في ظله) يوم لا ظل إلا ظله، والضمير في قوله (في ظله) عائد إلى الله تعالى قيل المراد به ظل الجنة وإضافته إلى الله تعالى إضافة ملك، والأقوى منه أن يقال المراد به الكرامة والحماية من مكاره الموقف كما يقال فلان في ظل فلان أي في كنفه وحمايته اهـ من المبارق، والمذهب الصحيح أن يقال فيه ظل الله صفة ثابتة لله تعالى نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها ولا نؤولها ليس كمثله شيء وهو السميع البصير اهـ.

(فإن قلت) القاعدة أن ثواب الواجب أكثر من ثواب المندوب والأمر هنا بالعكس لأن الإنظار واجب والوضع مندوب، ومن المعلوم أن ثواب الوضع أكثر من ثواب الإنظار (قلت) أجيب بأن ثواب المندوب ها هنا إنما كان أكثر لاستلزامه الواجب لأن الوضع إنظار وزيادة وإنما يكون الأمر كما ذكرت لو لم يكن يستلزمه اهـ من الأبي.

وحديث أبي اليسر هذا أخرجه ابن ماجه في الأحكام باب إنظار المعسر [2444]، وأحمد [3/ 427].

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى بالسند السابق لحديث أبي اليسر الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال:

(00)

(2994)(154)(قال) عبادة بن الوليد بالسند السابق (فقلت له) أي لأبي اليسر (أنا) تأكيد لضمير الفاعل في قلت لأن الفصل بين المؤكد والمؤكد بالجار مغتفر (يا عم لو أنك) لو هنا للتمني لا جواب لها أو الجواب محذوف إن كانت شرطية أي أتمنى أنك (أخذت بردة غلامك وأعطيته معافريك وأخذت معافريه وأعطيته بردتك فكانت عليك حلة) متوافقة متحدة الجنس (و) كانت (عليه حلة) متحدة، والمعنى أتمنى كون ذلك لكما أو لكان أحسن لكما، قال وليد بن عبادة (فمسح) أبو اليسر (رأسي وقال) في الدعاء لي (اللهم بارك فيه) أي في الولد النجيب.

قوله (وأخذت معافريه وأعطيته بردتك) هكذا وقع في جميع الروايات والنسخ بلفظ

ص: 467

يَا ابْنَ أَخِي، بَصَرُ عَينَيَّ هَاتَينِ، وَسَمْعُ أُذُنَيَّ هَاتَينِ، وَوَعَاهُ قَلْبِي هَذَا (وَأَشَارَ إِلَى مَنَاطِ قَلْبِهِ) رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ:"أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ. وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ". وَكَانَ أَنْ أَعْطَيتُهُ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ حَسَنَاتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ

ــ

الواو في أول هذه الفقرة ولكنه لا يستقيم معنى فالصواب أو أخذت معافريه .. إلخ بلفظة أو وذلك لأنه يريد أن يكون على كل واحد منهما حلة متوافقة كما هو ظاهر من قوله فكانت عليه حلة وعليه حلة، وإنما يحصل ذلك إذا أخذ بردته وأعطاه معافريه حتى يكون عنده بردتان وعند غلامه معافريان أو بالعكس بأن يأخذ معافريه ويعطيه بردته حتى يصير عنده معافريان وعند غلامه بردتان، ولا يحصل ذلك المقصود بالجمع بين الأمرين بأن يأخذ بردته ويعطيه بردة نفسه ويأخذ معافريه ويعطيه معافري نفسه فإن ذلك لا يؤول إلا إلى تغيير الثياب بدون أن يجتمع عند أحد منهما حلة كاملة لأن الحلة ثوبان من جنس واحد أحدهما على الآخر وبذلك تسمى الحلة لحلول أحدهما على الآخر، وقال أبو عبيد: الحلة إزار ورداء ولا يكون حلة حتى يكونا ثوبين، وقيل لا يقال حلة إلا للثوب الجديد الذي حُلّ الآن من طيه لأن الحلة ثوب على ثوب، وسُميت حلة لحلول أحدهما على الآخر اهـ من الأبي.

ثم قال أبو اليسر في جواب ما قلت له (يا ابن أخي بصر عيني هاتين) ورؤيتهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصل وهو يقول أطعموهم .. إلخ (وسمع أذنيّ هاتين) أي سماعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصل وهو يقول .. إلخ (و) الحال أنه قد (وعاه) أي قد حفظ (قلبي هذا) ما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم (و) يقول ذلك وقد (أشار) بقوله هذا (إلى مناط) وموضع (قلبه) وقوله (رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالنصب مفعول المصدرين اللذين هما بصر وسمع (وهو) صلى الله عليه وسلم (يقول) إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم (أطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون) قال أبو اليسر (وكان أن أعطيته) أي وكان إعطائي إياه أي لغلامي (من متاع الدنيا) وزينتها (أهون) أي أسهل (عليّ من أن يأخذ) هو أي غلامي (من حسناتي يوم القيامة).

وحمل أبو اليسر رضي الله عنه هذا الحديث على المساواة حتى في أصناف الثياب

ص: 468

(00)

(2995)(155) ثُمَّ مَضَينَا حَتَّى أَتَينَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ فِي مَسْجِدِهِ، وَهُوَ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، مُشْتَمِلًا بِهِ. فَتَخَطَّيتُ الْقَوْمَ

ــ

ولذلك لم يرض بأن تكون عليه حلة بردة وعلى غلامه حلة معافري أو بالعكس وذلك احتياط منه رضي الله عنه وورع، والجمهور على أن المقصود من الحديث المواساة لا المساواة ويؤيد ذلك حديث أبي هريرة عند البخاري في العتق [رقم 2557]"إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين" وحديث أبي هريرة مرفوعًا "للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يُكلّف من العمل ما لا يطيق" وهو يقتضي الرد في ذلك إلى العرف فمن زاد عليه كان متطوعًا اهـ فتح الباري [5/ 174].

قوله (وألبسوهم مما تلبسون) قال الأبي: كان بعض شيوخنا يقول المراد مما تلبسون الاتحاد بالنوع لا بالصنف فإذا لبس السيد الملف ولبس المملوك ثوبًا من نسج الحائك صدق أنه كساه مما يلبس اهـ.

وهذا الحديث من رواية أبي اليسر مما انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات وقد أخرجه البخاري في العتق [رقم 2545] من حديث أبي ذر رضي الله عنه ولفظه "إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس".

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى الحديث الأول من أحاديث جابر رضي الله عنه فقال:

(00)

(2995)(155) قال عبادة بن الوليد بالسند السابق (ثم) بعدما أخذنا الحديث من أبي اليسر (مضينا) أي ذهبنا من عنده (حتى أتينا جابر بن عبد الله) الأنصاري الخزرجي رضي الله عنهما (في مسجده) أي في مسجد جابر ومصلاه من المسجد النبوي (وهو) أي والحال أن جابرًا (يصلي في ثوب واحد مشتملًا) أي ملتحفًا ومتلففًا (به) أي بذلك الثوب الواحد اشتمالًا ليس باشتمال الصماء المنهي عنه وما عداه من الاشتمال كالاعتطاف والاضطباع فليس بمنهي عنه اهـ من الأبي، وفيه دليل على جواز الصلاة في ثوب واحد مع وجود الثياب لكن الأفضل أن يزيد على ثوب واحد عند الإمكان وإنما فعل جابر هذا للتعليم ولبيان الجواز كما بيّن ذلك في قوله الآتي، قال عبادة بن الوليد (فتخطيت) أنا (القوم) أي على رقاب القوم، قال القاضي: فعل ذلك وزاحم حرصًا على

ص: 469

حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَهُ وَبَينَ الْقِبْلَةِ. فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، أَتُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَرِدَاؤُكَ إِلَى جَنْبِكَ؟ قَال: فَقَال بِيَدِهِ فِي صدْرِي هَكَذَا. وَفَرَّقَ بَينَ أَصَابِعِهِ وَقَوَّسَهَا: أَرَدْتُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى الأَحْمَقُ مِثْلُكَ، فَيَرَانِي كَيفَ أصْنَعُ، فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ.

أَتَانَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَسْجِدِنَا هَذَا

ــ

القرب منه لسماع العلم (حتى جلست بينه) أي بين جابر (وبين) جهة (القبلة) له (فقلت) له (يرحمك الله) تعالى (أتصلي) يا جابر (في ثوب واحد) مشتملًا به (ورداؤك) أي والحال أن رداءك موضوع (إلى جنبك) قريبًا منك (قال) جابر في جواب سؤالي عن صلاته في ثوب واحد ومقول قال سيأتي بقوله "أردت أن يدخل عليّ الأحمق .. إلخ" وجملة قوله (فقال) جابر أي ضربني (بيده) أي بظهر كفه (في صدري هكذا) أي مقوسًا أصابعه، وفسر اسم الإشارة بقوله (وفرّق بين أصابعه وقوّسها) أي ضربني بظهر كفه في صدري حالة كونه هكذا أي مفرّقًا بين أصابعه ومقوّسًا لها أي جاعلًا لها على صورة القوس يعني أنه بعد التفريق بين الأصابع لواها وثناها إلى باطن الكف معترضة بين قال الأول ومقوله أو الفاء في قال الثاني بمعنى واو الحال وجملته حال من فاعل قال الأول بتقدير قد أي قال جابر أردت أن يدخل عليّ .. إلخ وقد قال وضرب بيده في صدري، وفي قال الثاني استعمال القول بمعنى الفعل وهو سائغ شائع في كلامهم وذكر مقول قال الأول بقوله (أردت أن يدخل عليّ) أي قال جابر في جواب سؤالي عن صلاته في ثوب واحد وقد ضربني بكفه في صدري قصدت بصلاتي في ثوب واحد وعندي ردائي أن يدخل عليّ وأنا في صلاتي (الأحمق) أي الجاهل (مثلك فيراني) ذلك الأحمق (كيف أصنع) في صلاتي فيتعلم جواز الصلاة في ثوب واحد (فيصنع) ذلك الأحمق في صلاته (مثله) أي مثل ما أنا صنعته من الصلاة في ثوب واحد مشتملًا به، والمراد بـ (الأحمق) هنا الجاهل، وحقيقة الأحمق من يعمل ما يضره مع علمه بقبحه كمن ترك الصلاة بلا عذر حتى خرج وقتها مثلًا، وفي هذا جواز إطلاق لفظ الأحمق على من استحق للتعزير والتأديب وزجر المتعلم وتنبيهه ولأن لفظ الأحمق والظالم قل من ينفك من الاتصاف بهما وهذه الألفاظ هي التي يؤدب بها المتقون والورعون من استحق التأديب اهـ نووي، قال السنوسي: وسماه الأحمق لعدم موافقة فعله الأدب، من تخطئة الناس وجلوسه بينه وبين القبلة، ثم قال جابر (أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجدنا هذا) يعني

ص: 470

وَفِي يَدِهِ عُرْجُونُ ابْنِ طَابٍ. فَرَأَى فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ نُخَامَةً فَحَكَّهَا بِالْعُرْجُونِ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَينَا فَقَال: "أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يُعْرِضَ اللهُ عَنْهُ؟ لا قَال: فَخَشَعْنَا. ثُمَّ قَال: "أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يُعْرِضَ اللهُ عَنْهُ؟ " قَال: فَخَشَعْنَا. ثُمَّ قَال:

ــ

المسجد النبوي، وهذا الحديث لا علاقة له بما قبله من جواز الصلاة في الثوب الواحد وإنما ذكره مستقلًا لكون عبادة بن الوليد وأبيه أتيا إليه طالبين للحديث (وفي يده) الشريفة (عرجون ابن طاب) والعرجون بضمتين بينهما راء ساكنة عود العنقود من النخل مشتمل على شماريخ كثيرة، والشماريخ جمع شمراخ والشمراخ الحبال التي تنفرد به كل حبة من حبوب الرطب وابن طاب نوع من أنواع التمر، قال القرطبي؛ والعرجون عود الكباسة والكباسة والعذق والعثكال والعثكول كله واحد وكل غصن من أغصان الكباس فيه شمراخ والشمراخ هو الذي عليه السير من خمس إلى ثمان، وابن طاب نوع من التمر طيب، قال ابن حمزة: ابن طاب عذق بالمدينة والعذق بفتح العين النخل نفسه اهـ من الأبي (فرأى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (في قبلة المسجد) أي في الجهة التي يستقبلها المصلي في صلاته من المسجد (نُخامة) بضم النون وبالميم وهي ما يخرج من الصدر من الفضلة، والمخاط بالميم وبالطاء ما يخرج من الأنف، والنخاعة بضم النون وبالعين المهملة اسم مشترك بين ما يخرج من الصدر وما يخرج من الأنف اهـ من موهبة ذي الفضل للترمسي على بافضل (فحكها) أي حك تلك النخامة رسول الله صلى الله عليه وسلم من جدار المسجد ولكنها يبست عليه (بالعرجون) أي بعود الكياسة (ثم أقبل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (علينا) معاشر الحاضرين في المسجد بوجهه الشريف (فقال) مخاطبًا لنا (أيكم) أيها المسلمون (يحب) لنفسه (أن يعرض الله) سبحانه (عنه) في صلاته بوجهه المقدس، وإعراض الله سبحانه عن عبده صفة ثابتة لله نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها أثرها عدم قبول عمله عنه (قال) جابر (فخشعنا) أي فزعنا لذلك أي لما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم من إعراض الله عنا يقال خشع له وتخشع إذا تذلل له، قال ابن سلام: الخشوع الخوف الثابت في القلب، وقال الليث: الخشوع قريب المعنى إلى الخضوع إلا أن الخضوع يكون في البدن والبصر والصوت، قال القاضي: كذا رويناه بالخاء المعجمة عن الأكثرين، ورويناه عن القاضي الشهيد (فجشعنا) بالجيم وكسر الشين ومعناهما صحيح فمعناه بالخاء الخوف والتذلل وبالجيم الفزع (ثم قال)

ص: 471

"أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يُعْرِضَ اللهُ عَنْهُ؟ " قُلْنَا: لَا أَيُّنَا، يَا رَسُولَ اللهِ. قَال:"فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلِّي، فَإِنَّ اللهَ تبارك وتعالى قِبَلَ وَجْهِهِ. فَلَا يَبْصُقَنَّ قِبَلَ وَجْهِهِ. ولا عَنْ يَمِينِهِ. وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ، تَحْتَ رِجْلِهِ الْيُسْرَى. فَإِنْ عَجِلَتْ بِهِ بَادِرَةٌ فَلْيَقُلْ بِثَوْبِهِ هكَذَا" ثُمَّ طَوَى ثَوْبَهُ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَقَال: "أَرُونِي عَبِيرًا" فَقَامَ فَتًى مِنَ الْحَيِّ يَشْتَدُّ إِلَى أَهْلِهِ. فَجَاءَ بِخَلُوقٍ فِي رَاحَتِهِ. فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم

ــ

رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة ثانية (أيكم يحب أن يُعرض الله عنه؟ قال فخشعنا ثم قال) مرة ثالثة (أيكم يحب أن يُعرض الله عنه؛ قلنا) له (لا) يحب (أينا) أي أحد منا (يا رسول الله) أن يُعرض الله عنه في صلاته، ثم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فإن أحدكم إذا قام يصلي فإن الله تبارك وتعالى قبل وجهه) أي في الجهة المقابلة لوجهه يعني جهة القبلة وكون الله قبل وجه العبد صفة ثابتة له نثبتها ونعتقدها ولا نكيفها ولا نمثلها ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (فلا يبصقن) أي يبزقن أي لا يرمين بصاقه من فمه (قبل وجهه) أي في الجهة المقابلة لوجهه (ولا) يبصقن (عن يمينه) تعظيمًا لجهتها لأنها مرتفعة عن الأقذار قاله القاضي لأن فيها كاتب الحسنات التي منها الصلاة (وليبصق عن يساره) لعدم شرفها لأنها جهة الأقذار ولكن يبصق (تحت رجله اليسرى) لئلا يؤذي من على يساره، والبصاق وكذا البزاق ما يجري من الفم منبعها تحت أصل اللسان (فإن عجلت به) أي غلبت عليه بصقة أو نخامة (بادرة) أي مسرعة (فلـ) يبصق في طرف ثوبه و (يقل) أي يدلك ذلك البصاق (بثوبه) دلكًا شديدًا (هكذا) أي لافًا بعضه ببعض حتى ينعدم البصاق، أو المعنى فليفعل بثوبه هكذا، وفيه استعمال القول بمعنى الفعل (ثم طوى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثوبه) أي لف طرفه (بعضه على بعض فقال) لمن عنده (أروني) أي أعطوني (عبيرًا) أي طيبًا مخلوطًا من أنواع، قال أبو عبيد: العبير عند العرب هو الزعفران وحده، وقال الأصمعي: هو أخلاط من الطيب تُجمع بالزعفران، قال ابن قتيبة: ولا أرى القول إلا ما قاله الأصمعي (فقام) من بين القوم (فتى) أي شاب (من الحي) أي من قبيل لقوم فمشى حالة كونه (يشتد) أي يسعى ويعدو عدوًا شديدًا (إلى أهله) وبيته (فجاء) ذلك الفتى من أهله (بخلوق في راحته) أي في كفه أي بطيب مخلوط من أنواع مختلفة يُجمع بالزعفران وهو العبير على تفسير الأصمعي فغلب عليه الحمرة والصفرة كانت تستعمله النماء (فأخذه) أي فأخذ (رسول الله صلى الله عليه وسلم) ذلك

ص: 472

فَجَعَلَهُ عَلَى رَأْسِ الْعُرْجُونِ، ثُمَّ لَطَخَ بِهِ عَلَى أَثَرِ النُّخَامَةِ.

فَقَال جَابِرٌ: فَمِنْ هُنَاكَ جَعَلْتُمُ الْخَلُوقَ فِي مَسَاجِدِكُمْ.

(00)

(2996)(156) سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ بَطْنِ بُوَاطٍ. وَهُوَ يَطْلُبُ الْمَجْدِيَّ بْنَ عَمْرٍو الْجُهَنِيَّ

ــ

الخلوق من الفتى (فجعله) أي فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الخلوق (على رأس العرجون) وطرف العنقود (ثم لطخ) أي مسح (به) أي بذلك الخلوق (على أثر النخامة) ومحلها إزالة لرائحتها الكريهة ومنظرها القبيح (فقال جابر فمن هناك) أي فمن ذلك اليوم (جعلتم الخلوق في مساجدكم).

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الصلاة باب في كراهية البزاق في المسجد [485]، وأحمد [3/ 396].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى الحديث الثاني من أحاديث جابر الذي سمعه منه عبادة بن الوليد فرواه مجموعًا مع أحاديث أخرى بالسند السابق فقال:

(00)

(2996)(156) قال عبادة بن الوليد بالسند السابق: قال لنا جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما (سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بطن بواط) بضم الباء وتخفيف الواو وهي رواية الأكثرين وفتح العذري الباء، وصححه عطية ابن سراج وهو جبل من جبال جهينة بناحية رضوى كما في معجم البلدان للحموي [2/ 503] وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا هذه الغزوة في السنة الثانية من الهجرة في شهر ربيع الأل قبل غزوة بدر يريد قريشًا، واستعمل على المدينة السائب بن مظعون وهو أخو عثمان بن مظعون رضي الله تعالى عنهما حتى بلغ بواط ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدًا راجع سيرة ابن هشام مع الروض الأنف للسهيلي [2/ 57]، وذكر الواقدي في مغازيه [1/ 12] أنه صلى الله عليه وسلم خرج يعترض لعير قريش فيها أمية بن خلف ومائة رجل من قريش وألفان وخمسمائة بعير، ثم رجع ولم يلق كيدًا فيمكن أن يكون المجدي بن عمرو الجهني المذكور في هذا الحديث من جملة أصحاب العير والله سبحانه أعلم (وهو) صلى الله عليه وسلم (يطلب المجدي بن عمرو الجهني) قال القاضي: هو لعامة الرواة بفتح الميم وسكون الجيم، وفي بعض النسخ النجدي بالنون وهو رئيس جهينة

ص: 473

وَكَانَ النَّاضِحُ يَعْقُبُهُ مِنَّا الْخَمْسَةُ وَالسِّتَّةُ وَالسَّبْعَةُ. فَدَارَتْ عُقْبَةُ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى نَاضِحٍ لَهُ. فَأَنَاخَهُ فَرَكِبَهُ. ثُمَّ بَعَثَهُ فَتَلَدَّنَ عَلَيهِ بَعْضَ التَّلَدُّنِ. فَقَال لَهُ: شَأْ. لَعَنَكَ اللهُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ هَذَا اللّاعِنُ بَعِيرَهُ؟ " قَال: أَنَا. يَا رَسُولَ اللهِ. قَال: "انْزِلْ عَنْهُ. فَلَا تَصْحَبْنَا بِمَلْعُونٍ. لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ"

ــ

(وكان الناضح) الواحد (يعقبه) أي يعتقبه ويتناوبه ويتداول على ركوبه (منا الخمسة) أي الخمسة منا أي من الأنصار ومن غيرهم (والستة) منا (والسبعة) منا، والناضح البعير الذي يستقى عليه الماء ثم استعمل في كل بعير مطلقًا، وقوله (يعقبه) بضم القاف من باب نصر فهو يعتقبه أي يتناوب الخمسة منا في ركوبه فيركب واحد عقب الآخر (فدارت) أي وصلت (عقبة رجل) أي نوبة ركوب رجل (من الأنصار على ناضح) كان له إليه، والعقبة بضم العين وسكون القاف النوبة والسيرة أي ركوب هذا نوبة وهذا أخرى حتى وصلت إلى الأخير أي دارت النوبة على الشركاء فيه حتى وصلت إلى صاحب الناضح ومالكه، قال صاحب العين: هي ركوب واحد منهم مقدار فرسخين أو ثلاثة مثلًا (فأناخه) أي فأناخ الرجل البعير فأضجعه ليركبه في نوبته (فركبه ثم بعثه) أي حثه على النهوض والقيام (فتلدّن) أي تلكأ وتباطأ وتوقف البعير (عليه) أي على الرجل (بعض التلدّن) أي بعض التوقف أي شيئًا من التأخر ولم يقم لعجزه وضعفه من السير (فقال) الرجل (له) أي للبعير (شأ) أي قم (لعنك الله) أي طردك الله من رحمته، وقوله (شأ) هكذا هو في نسخ بلادنا بالشين المعجمة، وفي بعض الروايات (سأ) بالسين المهملة وكلاهما صوت يزجر به البعير، يقال شأشأت البعير بالمعجمة وبالمهملة إذا زجرته بقولك شأ أو سأ ليقوم (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) حين سمع لعن الرجل (من هذا اللاعن بعيره؟ قال) الرجل (أنا) اللاعن (يا رسول الله قال) رسول الله للرجل (انزل عنه) أي عن بعيرك (فلا تصحبنا) أي فلا تمش معنا (بـ) بعير (ملعون) لك، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيها الناس (لا تدعوا على أنفسكم) ولا تلعنوها (ولا تدعوا على أولادكم) ولا تلعنوهم (ولا تدعوا على أموالكم) ودوابكم ولا تلعنوها (لا توافقوا) أي لا تدعوا على أي شيء كان موافقين (من الله) سبحانه (ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب) الله (لكم)

ص: 474

(00)

(2997)(157) سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. حَتَّى إِذَا كَانَتْ عُشَيْشِيَةٌ وَدَنَوْنَا مَاءً مِنْ مِيَاهِ الْعَرَبِ، قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ رَجُلٌ يَتَقَدَّمُنَا فَيَمْدُرُ الْحَوْضَ فَيَشْرَبُ وَيَسْقِينَا؟ "

ــ

بنصبه بأن مضمرة وجوبًا بعد الفاء السببية الواقعة في جواب النهي أي لا يكن منكم موافقة لتلك الساعة فاستجابة الله لكم، وبرفعه على الاستئناف على تقدير مبتدأ أي فهو يستجيب لكم.

والحديث يدل على عدم جواز لعن البعير وغيره من سائر الدواب وعلى عدم جواز الدعاء على نفسه وأهله.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الصلاة باب النهي عن أن يدعو الإنسان على نفسه وأهله وماله [1532]، وابن حبان [7/ 498].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى الحديث الثالث من أحاديث جابر التي رواها عنه عبادة بن الوليد بالسند السابق فقال:

(00)

(2997)(157) قال عبادة بن الوليد بالسند السابق: قال لنا جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما (سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) في بعض تلك الأيام أيام غزواته (حتى إذا كانت) ودخلت علينا (عشيشية) أي عشية بضم العين وفتح الشين الأولى وكسر الثانية وتخفيف الياء الثانية تصغير للعشية المصغرة على خلاف القياس لأن المصغر لا يصغر ثانيًا لأن قياس تصغيرها أن يقال عشية فأبدلوا إحدى الياءين شيئًا وأصلها قبل التصغير عشية بفتح العين المهملة وهو ما بين الزوال إلى نصف الليل ويقابلها البكرة ويقال لها الأصيل، فقوله (عشيشية) أصله عشييية بثلاث ياءآت فأبدلوا الثانية شيئًا لتوالي الأمثال فصار عشيشية (ودنونا) أي قربنا (ماءً) أي بئرًا (من مياه العرب) أي من آبارها لأن الأنهار والعيون ليست في بلادهم لشدة قربها إلى البحر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) جواب إذا (من رجل يتقدمنا) بفتح الميم من من لأنها استفهامية، أي أي رجل يسبقنا ويمشي قدامنا (فيمدر) لنا (الحوض) أي يطينه ويصلحه لنا يقال يمدر مدرًا من باب نصر والمدر بسكون الدال تطيينك وجه الحوض بالطين الحر لئلا ينشف كما في لسان العرب [13/ 53](فيشرب) هو بنفسه (ويسقينا) أي يسقي لنا

ص: 475

قَال جَابِرٌ: فَقُمْتُ فَقُلْتُ: هَذَا رَجُلٌ، يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أَيُّ رَجُلٍ مَعَ جَابِرٍ؟ " فَقَامَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ. فَانْطَلَقْنَا إِلَى الْبِئْرِ. فَنَزَعْنَا فِي الْحَوْضِ سَجْلًا أَوْ سَجْلَينِ. ثُمَّ مَدَرْنَاهُ. ثُمَّ نَزَعْنَا فِيهِ حَتَّى أَفْهَقْنَاهُ. فَكَانَ أَوَّلَ طَالِعٍ عَلَينَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَال: "أتأْذَنَانِ؟ "

ــ

دوابنا بإخراج الماء من البئر ونقله إلى الحوض (قال جابر فقمت) من بين القوم (فقلت هذا) القائم يريد نفسه (رجل) مستعد لهذا الأمر يعني التقدم (يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) للقوم (أي رجل) منكم يتقدم لنا (مع جابر فقام جبار بن صخر) الأنصاري ثم السلمي رضي الله عنه فقال: أنا مع جابر يا رسول الله، يكنى أبا عبد الله ذكره موسى بن عقبة عن ابن شهاب في أهل العقبة، وذكره أبو الأسود عن عروة في أهل بدر وكان يخرص نخيل خيبر بعد عبد الله بن رواحة ولا يعرف له حديث في غير هذه القصة اهـ من الإصابة [1/ 221](فانطلقنا) أي فانطلقت أنا وجبار بن صخر (إلى البئر) الذي أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جابر (فنزعنا) أي جبذنا وأخذنا الماء من البئر فصببناه وكببناه (في الحوض سجلًا أو سجلين) أي دلوًا أو دلوين، والسجل بفتح السين وسكون الجيم الدلو المملوءة ماء، قال المازري: قال ابن السكيت: يقال نزعت الدلو جبذبتها ونزعت في السهم رميت به ونزعت من كتاب الله قرأتها محتجًا بها، وقال الهروي: السجل الدلو الملأى (ثم مدرناه) أي مدرنا الحوض وطيبناه وأصحلناه (ثم نزعنا) الماء ونزحناه (فيه) أي في الحوض أي أخذنا الماء من البئر وصببناه فيه (حتى أفهقناه) أي أفهقنا الحوض وملأناه ماء، من الفهق وهو الامتلاء يقال أفهقت الإناء ففهق وبئر مفهاق أي كبيرة كذا ذكره القاضي من الجمهور، قال: ورواه السمرقندي (أضففناه) وهو صحيح المعنى قيل معناه ملأناه حتى بلغ ضفتيه وهما جانباه أي جمعنا الماء فيه وضفة الناس جماعتهم كله بفتح الضاد اهـ من الأبي. والحاصل أنه كان هناك بئر وحوض فنزعنا أولًا دلوًا أو دلوين لتحويل التراب إلى الطين ثم طيّنا الحوض لتنظف وتستقر فيه الماء الطيب ثم نزعنا من البئر وملأنا ذلك الحوض اهـ تكملة (فكان أول طالع) وقادم (علينا) بالنصب على أنه خبر لكان مقدمًا (رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالرفع اسم كان مؤخرًا (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا (أتأذنان) لي أن أسقيه

ص: 476

قُلْنَا: نَعَمْ. يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَشْرَعَ نَاقَتَهُ فَشَرِبَتْ. شَنَقَ لَهَا فَشَجَتْ فَبَالت. ثُمَّ عَدَلَ بِهَا فَأَنَاخَهَا. ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْحَوْضِ فَتَوَضَّأَ مِنهُ. ثُمَّ قُمْتُ فَتَوَضَّأْتُ مِنْ مُتَوَضَّإِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَهَبَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ يَقْضِي حَاجَتَهُ. فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِيُصَلِّيَ. وَكَانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةٌ

ــ

راحلتي (قلنا) له (نعم) أذنا لك (يا رسول الله) أن تسقيه إياها، قال القاضي: استئذانهما لأنهما أحق بالماء لسبقهما أو، وعملهما الحوض وإن كان يعلم أنهما يرضيان به ولو أرصداه ولكنه أخذ بأفضل الأخلاق ليُقتدى به، قال النووي: هو تعليم لأمته طريق الورع في مثل هذا (فأشرع) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ناقته) في الحوض أي أرسل رأسها في الماء لتشرب (فشربت) منه يقال شرعت الدابة في الماء شربت منه بفمها وأشرعتها أي جعلتها تشرب، ثم بعدما شربت (شنق لها) أي ضيق عليها زمامها وكفها بزمامها وهو راكب لها، قال ابن دريد: والشنق هو أن تجذب زمامها حتى تقارب رأسها قادمة الرحل ومقدمه لترجع عن شرب الماء وتتركه لشبعها من الماء فـ (فشجت) أي ففرجت بين رجليها (فبالت) أي أخرجت البول يقال شنقها وأشنقها إذا كفها من الماء بزمامها وهو راكب عليها لقضاء وطرها من الماء، وقوله (فشجت) والفاء فيه أصلية لأنها فاء الكلمة والشين عين الكلمة والجيم مخففة لامها على وزن فتح يقال فشج البعير إذا فرج بين رجليه وباعد بينهما ليبول وفثج مضعف فشج أبلغ منه قاله الأزهري وغيره، ووقع في بعض الروايات (فشجت) بتشديد الجيم والفاء على هذه الرواية عاطفة ليست جزء كلمة ومعنى (شجت) قطعت الشرب والأول أولى، وقوله (شنق لها) و (فشجت) يقدر قبل كل واحد منهما حرف العطف أي (وشنق لها) و (فشجت)(فبالت)(ثم عدل) ومال (بها) عن موضع الحوض (فأناخها) أي أضجعها وأبركها لتستريح (ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم) نازلًا عنها (إلى الحوض فتوضأ منه) أي من ماء الحوض فقام وذهب، قال جابر (ثم قمت) أنا من مجلسي (فتوضأت من متوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي من المكان الذي توضأ منه من الحوض تبركًا بأثر وضوءه (فذهب جبار بن صخر) إلى البراز حالة كونه يريد أن (يقضي حاجته) حاجة الإنسان (فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي) سنة الوضوء بعدما ركز عنزته، قال جابر (وكانت عليّ بردة) قصير العرض

ص: 477

ذَهَبْتُ أَنْ أُخَالِفَ بَينَ طَرَفَيهَا فَلَمْ تَبْلُغْ لِي. وَكَانَت لَهَا ذَبَاذِبُ فَنَكَّسْتُهَا ثُمَّ خَالفْتُ بَينَ طَرَفَيهَا. ثُمَّ تَوَاقَصْتُ عَلَيهَا. ثُمَّ جِئْتُ حَتَّى قُمْتُ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ. ثُمَّ جَاءَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ فَتَوَضَّأَ. ثُمَّ جَاءَ فَقامَ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَخَذَ

ــ

غير واسعته وهي كساء مخطط من صوف تلبسه الأعراب فـ (ذهبت) أي قصدت (أن أخالف) وأعاكس (بين طرفيها) بجعل أحد الطرفين تحت الآخر لئلا تظهر البشرة (فلم تبلغ لي) أي لم تتسع لي للمخالفة لضيق عرضها (وكانت لها) أي لتلك البردة (ذباذب) أي أهداب وأطراف جمع ذبذب بكسر الذال سُميت بذلك لأنها تذبذب على صاحبها إذا مشى أي تتحرك وتضطرب، قال المازري: والمذبذب المضطرب الذي لا يبقى على حال واحدة، يقال تذبذب الشيء إذا اضطرب، ومنه قيل لأسافل الثوب ذباذب يعني أنه كانت عندي بردة واحدة لجميع بدني فأردت أن أغطي بها جميع بدني بأن أجعل طرفها الأيمن على نكبي الأيسر وطرفها الأيسر على منكبي الأيمن ولكني لم أستطع ذلك لصغر البردة فلم يبلغ طرفه إلى المنكب (فكان لها ذباذب) وأهداب يزيد في طولها (فنكستها) بتخفيف الكاف وتشديدها أي قلبتها فجعلت طولها عرضًا وعرضها طولًا وأعلاها أسفلها وأسفلها أعلاها مثل التنكيس الذي ذكره الفقهاء في صلاة الاستسقاء في كيفيته لتقبل المخالفة بين طرفيها، قال في المصباح: نكسته نكًا من باب قتل قلبته، ومنه قيل ولد منكوس إذا خرج رجلاه قبل رأسه (ثم خالفت بين طرفيها ثم تواقصت) وأحنيت وطأطأت (عليها) بعنقي وأمسكتها بالعنق لئلا تسقط، زاد أبو داود (لا تسقط) أي إنما فعلت ذلك لئلا يسقط الرداء وذلك أن الرداء وإن بلغ إلى المنكب بفضل الذباب ولكنه مع ذلك كان بحيث لا يستقر على المنكب بنفسه فاحتاج إلى أن يمسكه فيما بين ذقنه وعنقه (شم) بعدما ترديت بالبردة (جئت) إلى مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم (حتى قمت) أي فقمت لأن حتى بمعنى الفاء أي فقمت (عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بيدي) بالإفراد (فأدارني) أي فحولني عن يساره (حتى أقامني) أي فأقامني (عن يمينه ثم) بعد قضاء حاجته (جاء جبار بن صخر فتوضأ ثم جاء) إلى موضع النبي صلى الله عليه وسلم (فقام) جبار في موضع قيامي أولًا (عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ) أي أمسك

ص: 478

رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدَينَا جَمِيعًا. فَدَفَعَنَا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ. فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَرْمُقُنِي وَأَنَا لَا أَشْعُرُ. ثُمَّ فَطِنْتُ بِهِ. فَقَال هَكَذَا، بِيَدِهِ. يَعْنِي شُدَّ وَسَطَكَ. فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"يَا جَابِرُ" قُلْتُ: لَبَّيكَ. يَا رَسُولَ اللهِ، قَال:"إِذَا كَانَ وَاسِعًا فَخَالِفْ بَينَ طَرَفَيهِ. وَإِذَا كَانَ ضَيِّقًا فَاشْدُدْهُ عَلَى حِقْوكَ"

ــ

(رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدينا جميعًا) بصيغة التثنية أي بيد كل واحد منا (فدفعنا) أي أخرنا ورجعنا عن مكاننا إلى ورائه (حتى أقامنا خلفه) أي وراءه أي فأقامنا خلفه، وفي الحديث تعليمهما سنة الموقف للمقتدي في صلاة الجماعة إن كان واحدًا يقوم عن يمين الإمام لا عن يساره، وإن كانا اثنين قاما خلف الإمام، قال النووي: وفي الحديث دلالة على أنه لا يكره العمل اليسير في الصلاة إذا كان لحاجة فإن لم يكن لحاجة كُره، وفيه أن موقف الاثنين وراء الإمام وهو مذهب كافة العلماء، وقال ابن مسعود: يقفان بجانبيه اهـ (فجعل) أي شرع (رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمقني) بضم الميم أي ينظر إليّ نظرًا متتابعًا من رمقت الشيء إذا أتبعته النظر اهـ نووي، وقال في المصباح: رمقه بعينه رمقًا من باب قتل أطال النظر إليه اهـ (وأنا) أي والحال أني (لا أشعر) ولا أعلم نظره إليّ أولًا (ثم فطنت) من بابي فرح ومنع أي انتبهت وعرفت (به) أي بنظره إلي أخيرًا (فقال هكذا بيده) أي أشار بيده هكذا أي يعني شده على وسطك، وقوله (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بالإشارة (شد وسطك) تفسير لاسم الإشارة، قال القاضي عياض: وفي الحديث جواز الإشارة في الصلاة لا سيما لمصلحة الصلاة وكذلك العمل اليسير لرد جابر من يساره إلى يمينه وتقدم جميع ذلك في كتاب الصلاة (فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم) من صلاته (قال) لي (يا جابر، قلت: لبيك يا رسول الله) فـ (قال إذا كان) ثوبك (واسعًا فخالف) أي فالبسه مخالفًا (بين طرفيه) كهيئة الصبيان في بعض البلاد (وإذا كان) ثوبُك (ضيقًا) ينكشف عندما خالفت بين طرفيه (فأشدده) أي فاربطه (على حقوك) والحقو بفتح الحاء وكسرها مع سكون القاف معقد الإزار من الجسد وهو الخصر والمراد منه هنا ما فوق السرة وقد يُسمى الإزار حقوًا لكونه فيه، ومنه الحديث "فأعطاني حقوه" ودل الحديث على جواز الصلاة برداء واحد يتزر به الرجل بحيث يستر ما بين سرته وركبته فقط وأرشد النبي

ص: 479

(00)

(2998)(158) سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَكَانَ قُوتُ كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا، فِي كُلِّ يَوْمٍ، تَمْرَةً. فَكَانَ يَمَصُّهَا ثُمَّ يَصُرُّهَا فِي ثَوْبِهِ. وَكُنَّا نَخْتَبِطُ بِقِسِيِّنَا وَنَأْكُلُ. حَتَّى قَرِحَتْ

ــ

صلى الله عليه وسلم إلى أنه إذا كان الرداء ضيقًا فإنه لا حاجة إلى أن يتكلف المرء إيصاله إلى المنكب بل يشدُّه فوق سرته ويصلي.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الصلاة باب إذا كان الثوب ضيقًا [643] وأحمد [3/ 335].

وهذا الحديث يناسب لما سبق من أن عبادة بن الوليد رأى جابرًا يصلي في رداء واحد فسأله عبادة من ذلك فقال: أردت أن يدخل عليّ الأحمق مثلك، وقد ذكره أحمد في مسنده [3/ 335] بهذا السياق عن شرحبيل أبي سعيد "أنه دخل على جابر بن عبد الله وهو يصلي في ثوب واحد وحوله ثياب فلما فرغ من صلاته قال: فلا غفر الله لك يا أبا عبد الله تُصلي في ثوب واحد وهذه ثيابك إلى جنبك، قال: أردت أن يدخُل عليّ الأحمق مثلك فيرى أني أصلي في ثوب واحد أوَكان لكل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبأن قال: ثم أنشأ جابر يحدثنا فقال) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذا ما اتسع الثوب فتعاطف به على منكبيك ثم صل وإذا ضاق عن ذلك فشدَّ به حقويك ثمَّ صل من غير رد له".

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى الحديث الرابع من أحاديث جابر التي رواها عنه عبادة بن الوليد مجموعة فقال:

(00)

(2998)(158) قال عبادة بن الوليد بالسند السابق: قال لنا جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما (سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) في بعض غزواته (وكان قوت كل رجل منا) معاشر الأصحاب (في كل يوم تمرة) أي حبة تمر (فكان) كل واحد منا (يمصها) بفتح الميم على اللغة المشهورة وحكى ضمها أي يمص تلك الحبة (ثم يصرها) بضم الصاد أي يلفها (في ثوبه) ويربطها وأصلُ الصر الجمع والشد، والمعنى أنه كان يعطى تمرة واحدة لسائر اليوم فيمص شيئًا منها ثم يلفها في ثوبه ليأكلها في وقت آخر (وكنا نختبط) أي نضرب الشجر (بقسينا) ليتحات ورقه فنأكله، والقسي جمع قوس وهي آلة لرمي السهام (ونأكل) ذلك الورق (حتى قرحت) بكسر الراء أي

ص: 480

أَشدَاقُنَا. فَأُقْسِمُ أُخْطِئَهَا رَجُلٌ مِنَّا يَوْمًا. فَانْطَلَقْنَا بِهِ نَنْعَشُهُ. فَشَهِدْنَا أَنَّهُ لَمْ يُعْطَهَا. فَأُعْطِيَهَا فَقَامَ فَأَخَذَهَا.

(00)

(2299)(159) سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى نَزَلْنَا وَادِيًا أَفْيَحَ. فَذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْضِي حَاجَتَهُ. فَاتَّبَعْتُهُ بِإِدَاوَةٍ مِنْ مَاءٍ. فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم

ــ

تجرحت وورمت من خشونة الورق وحرارته (أشداقنا) أي أطراف فمنا، قال جابر (فأقسم) أي فأحلف بالله الذي لا إله غيره على أنه (أخطئها) أي حرمها ولم يُعط تلك التمرة المقسومة (رجل منا يومًا) من الأيام أي نسي القاسم بيننا إعطاء نصيبه له فضعف من فقد تلك التمرة وعجز عن القيام من الأرض (فانطلقنا) أي ذهبنا (به) إلى قاسم التمر حالة كوننا (ننعشه) بفتح العين أي نرفعه من الأرض ونقيمه من شدة الضعف، وقال القاضي: الأشبه عندي أن معناه نشد جانبه في دعواه ونشهد له (فشهدنا) له (أنه لم يعطها) أي لم يعط تلك التمرة (فأعطيها) أي فأعطي تلك التمرة (فقام فأخذها) ومصها فعادت له القوة، وقيل فيه تقديم وتأخير ومعناه فأعطيها فأخذها ومصها وقام يمشي. والحاصل أنه كان للتمر قاسم يقسمه بينهم كل صباح فيعطي كل إنسان تمرة تمرة كل يوم فقسم في بعض الأيام ونسي إنسانًا فلم يعطه تمرته وظن أنه أعطاه فتنازعا في ذلك وشهدنا أنه لم يعطها فأعطيها بعد الشهادة فأكلها فقام يمشي.

وهذا الحديث من أفراد مسلم لم يخرجه أحد من الأئمة.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى الحديث الخاص من أحاديث جابر رضي الله عنه التي رواها عنه عبادة بن الوليد بالسند السابق فقال:

(00)

(2299)(159) قال عباد بن الوليد بالسند السابق: قال لنا جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما (سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) يومًا من أيام مغازيه (حتى نزلنا واديًا أفيح) أي أوسع خاليًا عما يستتر به من الأشجار والأحجار والبناء (فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونه يريد أن (يقضي حاجته) حاجة الإنسان، قال جابر (فاتبعته) بتشديد التاء الأولى من باب افتعل الخماسي أي تبعته ولحقته (بإداوة) أي بمطهرة (من ماء فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم) جهاته الأربع

ص: 481

فَلَمْ يَرَ شَيئًا يَسْتَتِرُ بِهِ. فَإِذَا شَجَرَتَانِ بِشَاطِئِ الْوَادِي. فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى إِحْدَاهُمَا فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا. فَقَال: "انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللهِ" فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوشِ، الَّذِي يُصَانِعُ قَائِدَهُ. حَتَّى أَتَى الشَّجَرَةَ الأُخْرَى. فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا. فَقَال:"انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللهِ" فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَذلِكَ. حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْمَنْصَفِ مِمَّا بَينَهُمَا، لأَمَ بَينَهُمَا، (يَعْنِي جَمَعَهُمَا)، فَقَال: "الْتَئِمَا

ــ

(فلم ير شيئًا يستتر به) عن أعين الناس (فإذا شجرتان) كائنان (بشاطئ الوادي) أي بجانبه (فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها فقال) للشجرة (انقادي) أي أطيعيني فيما أريد منك من كونك سترة (عليّ) من أعين الناس، وقوله (بإذن الله) تعالى متعلق بانقادي (فانقادت) الشجرة أي أطاعت النبي صلى الله عليه وسلم ماشية (معه) إلى حيث أراد حالة كونها معه (كالبعير المخشوش) أي المجعول في أنفه خشاش وهو عود يُجعل في أنف البعير إذا كان صعبًا ويشد فيه حبل ليذل وينقاد وهو مع ذلك يتمانع وإذا شُدّ عليه العود ثانيًا وآلمه انقاد شيئًا، ولهذا زاد في وصف البعير بقوله (الذي يُصانع) أي يطيع (قائده) بصناعة العود في أنفه، وقوله (حتى أتى الشجرة الأخرى) غاية لقوله انقادت أي فانقادت معه حتى أتى بها منتصف ما بينها وبين الشجرة الأخرى فتركها في المنتصف فذهب إلى الشجرة الأخرى (فأخذ بغصن من أغصانها) أي من أغصان الشجرة الأخرى (فقال) للشجرة الأخرى (انقادي علي) أي أطيعيني فيما أريد منك من كونها سترة عليّ عن أعين الناس. وقوله (بإذن الله) متعلق بانقادي (فانقادت) أي فأطاعت له تلك الأخرى ذاهبة (معه) صلى الله عليه وسلم حالة كونها كائنة (كذلك) أي كالإبل المخشوش. وقوله (حتى إذا كان بالمنصف) بفتح الميم والصاد بينهما نون ساكنة غاية لقوله فانقادت أي فانقادت له حتى إذا كان ووصل بها منتصف المسافة التي كانت (مما بينهما) أي وصل منتصف المسافة التي بين الشجرتين (لأم) وضم (بينهما) أي بين الشجرتين (يعني جمعهما) أي جمع بين الشجرتين تفسير مدرج من بعض الرواة لقوله لأم، وقوله (لأم) كذا لأحمد بن عيسى مهموزًا ومقصورًا ولغيره (لاءم) بهمزة ممدودة وكلاهما صحيح أي جمع بينهما، وللعذري (فألام) رباعيًّا بغير همز وهو تغيير ليس بشيء (فقال) لهما النبي صلى الله عليه وسلم (التئما) أي التصقا

ص: 482

عَلَيَّ بِإِذْنِ اللهِ" فَالْتَأَمَتَا. قَال جَابِرٌ: فَخَرَجْتُ أُحْضِرُ مَخَافَةَ أَنْ يُحِسَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِقُرْبِي فَيَبْتَعِدَ (وَقَال مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ: فَيَتَبَعَّدَ) فَجَلَسْتُ أُحَدِّثُ نَفْسِي. فَحَانَت مِنِّي لَفْتَةٌ، فَإِذَا أَنَا برَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُقْبِلًا. وَإِذَا الشَّجَرَتَانِ قَدِ افْتَرَقَتَا. فَقَامَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى سَاقٍ

ــ

سترتين (علي) عن أعين الناس (بإذن الله) تعالى وارادته (فالتأمتا) أي التصقتا وانضمتا عليه لتكونا سترة له.

(قال جابر) بالسند السابق (فخرجت) أي من ذلك المكان وبعدت منه حالة كوني (أُحضر) بضم الهمزة بوزن أُكرم من الرباعي المسند إلى ضمير المتكلم أي حالة كوني أجري وأعدو وأسعى سعيًا شديدًا (مخافة أن يُحسّ) بضم الياء وكسر الحاء وتشديد السين من أحس الرباعي ومنه {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ} أي مخافة أن يعلم (رسول الله صلى الله عليه وسلم بقربي) منه (فيبتعد) أي فيبعد عني لطلب سترة أخرى مضارع ابتعد الخماسي من باب افتعل (وقال محمد بن عبّاد) بن الزبرقان المكي ناسخ المؤلف أحد رواة هذا الحديث، صدوق، من العاشرة، أي قال في روايته (فيتبعد) مضارع تبعد الخماسي كلاهما بمعنى يبعد لأن الافتعال والتفعل هنا لمبالغة معنى الثلاثي، قال جابر (فجلست) بعيدًا منه صلى الله عليه وسلم انتظارًا لمجيئه حالة كوني (أحدّث نفسي) أي أتحدّث معها تعجبًا من معجزته هذه، وقوله (مخافة أن يحس) لأنه صلى الله عليه وسلم إن شعر بقربي منه فإنه لا يجلس لقضاء حاجته في ذلك المكان بل يذهب إلى مكان أبعد منه وذلك يشق عليه فابتعدت أنا منه لئلا يتعب هو بالمشي إلى مكان بعيد (فحانت) أي وقعت (مني لفتة) بفتح اللام وسكون الفاء، وفي بعض الروايات (فحالت) بدل قوله (فحانت) وكلاهما بمعنى واحد أي وقعت مني نظرة والتفاتة، قال القاضي (لفتة) أي نظرة وهي بفتح اللام، وعند الصدفي (فحالت) باللام وهما بمعنى فالحين والحال الوقت أي اتفقت ووقعت وكانت اهـ من الأبي (فإذا أنا) راء (برسول الله صلى الله عليه وسلم حالة كونه (مقبلًا) إليّ بعد قضاء حاجته (وإذا الشجرتان قد افترقتا فقامت كل واحد منهما على ساق) أي على أصلها.

وحاصل الكلام أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يريد التستر لقضاء حاجته بما تيسر له ذلك بشجرة واحدة فأمر الشجرتين حتى انتقلتا إلى مكان متوسط بينهما ثم

ص: 483

فَرَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَفَ وَقْفَةً. فَقَال بِرَأْسِهِ هَكَذَا، (وَأَشَارَ أَبُو إِسْمَاعِيلَ بِرَأْسِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا)، ثُمَّ أَقْبَلَ. فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيَّ قَال:"يَا جَابِرُ، هَلْ رَأَيتَ مَقَامِي؟ " قُلْتُ: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ. قَال:"فَانْطَلِقْ إِلَيَّ الشَّجَرَتَينِ فَاقْطَعْ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غُصْنًا. فَأَقْبِلْ بِهِمَا. حَتَّى إِذَا قُمْتَ مَقَامِي فَأَرْسِلْ غُصْنًا عَنْ يِمِينِكَ وَغُصْنًا عَنْ يَسَارِكَ".

قَال جَابِرٌ: فَقُمْتُ فَأَخَذْتُ حَجَرًا فَكَسَرْتُهُ وَحَسَرْتُهُ. فَانْذَلَقَ لِي

ــ

أمرهما حتى التأمتا بحيث صارتا كجسم واحد فتستر بهما وقضى حاجته ثم عادت الشجرتان إلى هيئتهما المستقلة ورجعت كل واحد منهما إلى مكانها وهذه معجزة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم قال جابر رضي الله عنه (فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف) في طريقه إلي (وقفة) يسيرة وإنما وقف كذلك لما سيأتي أنه شعر أن هناك قبرين يُعذّب صاحباهما (فقال) أي أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وقف (برأسه هكذا) أي أشار برأسه وحرّكه يمينًا وشمالًا لأن أحد القبرين كان في جانب اليمين والآخر في جهة اليسار، قال المؤلف نقلًا عن شيخه محمد بن عبّاد بن الزبرقان (وأشار أبو إسماعيل) العبدري مولاهم المدني حاتم بن إسماعيل (برأسه يمينًا وشمالًا) تفسيرًا لقول جابر فقال برأسه هكذا، وفي بعض النسخ: وأشار ابن إسماعيل، وكلاهما صحيح لأن اسمه حاتم بن إسماعيل المدني، وكنيتُه أبو إسماعيل، صدوق، من (8) روى عنه في (12) بابا قال جابر (ثم) بعدما وقف وقفة (أقبل) إليّ النبي صلى الله عليه وسلم (فلما انتهى) ووصل (إليّ قال) لي (يا جابر هل رأيت مقامي) وموقفي الذي وقفت فيه وقفة يسيرة، قال جابر (قلت) له صلى الله عليه وسلم (نعم) رأيته (يا رسول الله) ثم قال لي (فانطلق) أي فاذهب (إلى الشجرتين) اللتين قضيت عندهما حاجتي (فاقطع من كل واحدة منهما غصنًا فأقبل) أي فاذهب (بهما) أي بالغصنين المقطوعين لك إلى جهة موقفي الذي وقفت فيه (حتى إذا) وصلت موقفي ذلك و (قمت مقامي فأرسل) أي فضع (غصنًا) واحدًا منهما (عن يمينك وغصنًا) آخر (عن يسارك، قال جابر فقمت) من مكاني (فأخذت حجرًا) من الأحجار لأقطع به الغصنين (فكسرته) أي فكسرت ذلك الحجر (وحسرته) أي أحددته ونحيت عنه ما يمنع حدته بحيث يمكن لي أن أقطع به الغصن (فانذلق) أي صار حادًّا يمكن (لي) القطع به ومعنى انذلق انحدّ وذلق كل شيء حده

ص: 484

فَأَتَيتُ الشَّجَرَتَينِ فَقَطَعْتُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غُصْنًا. ثُمَّ أَقْبَلْتُ أَجُرُّهُمَا حَتَّى قُمْتُ مَقَامَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. أَرْسَلْتُ غُصنًا عَنْ يَمِينِي وَغُصْنًا عَنْ يَسَارِي. ثُمَّ لَحِقْتُهُ فَقُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَعَمَّ ذَاكَ؟ قَال:"إِنِّي مَرَرْتُ بِقَبْرَينِ يُعَذَّبَانِ. فَأَحْبَبْتُ، بِشَفَاعَتِي، أَنْ يُرَفَّهَ عَنْهُمَا، مَا دَامَ الْغُصْنَانِ رَطْبَينِ"

ــ

وسنان مذلق أي محدود اهـ، وقوله (وحسرته) هو بالحاء والسين المهملتين مع تخفيف السين أي حددته وأزلت عنه ما يمنع حدته حتى أمكن قطع الأغصان به وهو معنى قوله (فانذلق) بالذال المعجمة أي صار حادًّا اهـ سنوسي، وأصل الحسر كشطك الشيء عن الشيء ونحته، ومنه حاسر الرأس وهو الذي ليس على رأسه قلنسوة أو عمامة كأنه كشطها عن رأسه، قال جابر (فأتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصنًا ثم أقبلت) إلى موقف النبي صلى الله عليه وسلم حالة كوني (أجرّهما) أي أجرّ الغصنين على الأرض (حتى) إذا (قمت مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم) وموقفه (أرسلت) أي وضعت (غصنًا) واحدًا (عن يميني وغصنًا) واحدًا (عن يساري ثم لحقته) صلى الله عليه وسلم (فقلت) له (قد فعلت) ما أمرتني به (يا رسول الله فعم) عن حرف جر (م) اسم استفهام في محل الجر بعن مبني على سكون ظاهر على الألف المحذوفة فرقًا بينها وبين ما الموصولة الجار والمجرور خبر مقدم وجوبًا لكونه مما يلزم الصدارة (ذاك) مبتدأ مؤخر وجوبًا والمعنى فلأي سبب ولأي شيء ذلك الفعل الذي أمرتني به من وضع كل غصن في موضع فـ (قال) النبي صلى الله عليه وسلم سبب ذلك (إني مررت بقبرين يُعذّبان) أي يُعذب صاحباهما (فأحببت بشفاعتي أن يُرفّه) بضم الياء وتشديد الفاء ونصب الهاء لأنه لام الكلمة على صيغة المبني للمجهول أي رجوت أن يخفف (عنهما) ما كانا فيه من العذاب بسبب شفاعتي (ما دام الغصنان رطبين) أي مدة دوام رطوبة الغصنين بسبب استغفارهما، ومعنى يرفه يخفف ويبعد ومنه ترفه عن كذا أي تنزه وتبعد اهـ سنوسي. وهذه القصة غير القصة المعروفة التي تقدمت قبيل كتاب الحيض رواها ابن عباس رضي الله عنه مر على قبرين فقال: "أما إنهما يعذبان وما يعذّبان من كبير

" الحديث ثم دعا بعسيب رطب فشقه باثنين ثم غرس على هذا واحدًا وعلى هذا واحدًا لأن قصة حديث جابر هذه في بواط وقصة حديث ابن عباس تلك في المدينة، وقد ذكر الحافظ في الفتح [1/ 319] وجوه المغايرة بين حديث جابر هذا وحديث ابن عباس ذاك

ص: 485

(00)

(2300)(160) قَال: فَأتَينَا الْعَسْكَرَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا جَابِرُ نَادِ بِوَضُوءٍ" فَقُلْتُ: أَلا وَضُوءَ؟ أَلا وَضُوءَ؟ أَلا وَضُوءَ؟ قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا وَجَدْتُ فِي الرَّكْبِ مِنْ قَطرَةٍ. وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُبَرِّدُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَاءَ، فِي أَشْجَابٍ لَهُ، عَلَى حِمَارَةٍ مِنْ جَرِيدٍ. قَال: فَقَال لِيَ: "انْطَلِقْ إِلَى فُلانِ بْنِ فُلانٍ

ــ

رضي الله عنهم، وأما حكم وضع الجريدة أو الغصن على القبر فقد تقدم الكلام عليه قبيل كتاب الحيض، وقوله صلى الله عليه وسلم "بشفاعتي" في هذا الحديث ظاهر في أن التخفيف في العذاب إنما كان بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وأن ذلك من خصائصه والحكم ليس بعام والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من التكملة.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى الحديث السادس من أحاديث جابر رضي الله عنه التي رواها عنه عبادة بن الوليد بالسند السابق فقال:

(00)

(2300)(160)(قال) جابر (فأتينا العسكر) أي فلحقنا الجيش الذين تقدموا علينا (فقال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم يا جابر ناد) في العسكر (بـ) السؤال عن (وضوء) هل فيهم وضوء أم لا؟ والوضوء بفتح الواو الماء الذي يُتوضأ به يعني اسأل الناس هل عند أحدهم ماء للوضوء، قال جابر (فقلت) في ندائي فيهم (ألا وضوء ألا وضوء ألا وضوء) فيكم ثلاث مرات للتأكيد أي هل لا وضوء موجود عندكم (قال) جابر فسكتوا عني فلم يردوا جوابًا بالسؤال فـ (قلت يا رسول الله ما وجدت في الركب) والقافلة (من قطرة) ماء (وكان رجل من الأنصار) لم أر من ذكر اسمه (يُبرد لرسول إله صلى الله عليه وسلم الماء في أشجاب له) جمع شجب كأحمال وحمل وهو السقاء الذي قد أُخلق وبلي وصار شنًّا يابسًا من الشجب الذي هو الهلاك أي في أسقية له معلقة (على حمارة) وأعواد (من جريد) النخل والحمارة بكسر الحاء وتخفيف الميم والراء أعواد تعلق عليها أسقية الماء والجريد غصن النخل والمعنى أن رجلًا من الأنصار كان يضع الماء في شن يابس ويعلقه على أعواد من الجريد ليبرّد الماء فيشربه رسول الله صلى الله عليه وسلم فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يوجد منه بعض الماء (قال) جابر (فقال لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم (انطلق) أي اذهب يا جابر (إلى فلان بن فلان

ص: 486

الأَنْصَارِيِّ، فَانْظُرْ هَلْ فِي أَشْجَابِهِ مِنْ شَيءٍ؟ " قَال: فَانْطَلَقْتُ إِلَيهِ فَنَظَرْتُ فِيهَا فَلَمْ أَجِدْ فِيهَا إِلَّا قَطْرَةً فِي عَزْلاءِ شَجْبٍ مِنْهَا، لَوْ أَنِّي أُفْرِغُهُ لَشَرِبَهُ يَابِسُهُ. فَأَتَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي لَمْ أَجِدْ فِيهَا إِلَّا قَطْرَةً فِي عَزْلاءِ شَجْبٍ مِنْهَا. لَوْ أَنِّي أُفْرِغُهُ لَشَرِبَهُ يَابِسُهُ. قَال:"اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهِ" فَأَتَيتُهُ بِهِ. فَأَخَذَهُ بِيَدِهِ فَجَعَلَ يَتَكَلَّمُ بِشَيءٍ لَا أَدْرِي مَا هُوَ. وَيَغْمِزُهُ

ــ

الأنصاري فانظر هل في أشجابه) وأسقيته (من شيء) أي شيء من الماء (قال) جابر (فانطلقت إليه فنظرت فيها) أي في أشجابه (فلم أجد فيها إلا قطرة) أي إلا بقية قليلة باقية (في عزلاء شجب) أي في فم قربة كائنة (منها) أي من تلك الأشجاب والقرب، والعزلاء بفتح العين وسكون الزاي فم القربة يعني كان هناك قطرة أي قليل من الماء باق في فم قربة من القرب التي كانت عنده (لو أني أفرغه) أي أصب ذلك القليل وحركته من محله (لشربه) أي لشرب ذلك القليل (يابسه) أي يابس الشجب وناشف القربة ومعنى هذا الكلام أنّ الماء الباقي في القربة قليل جدًّا فلقلته مع شدة يبس باقي الشجب وهو السقاء لو أفرغته وحركته من محله بالصب لاشتفه اليابس من الشجب ولم ينزل منه شيء اهـ نووي، يعني أن الماء من القلة بحيث لو سكبته في إناء ليبست القطرة قبل أن تبلغ الإناء لأن الشن اليابس يجذبه ويشربه، قال جابر (فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) ورجعت إليه من عند الأنصاري صاحب الأشجاب (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله إني لم أجد فيها) أي في تلك الأشجاب (إلا قطرة) باقية (في عزلاء شجب) أي في فم قربة (منها) أي من تلك الأشجاب (لو أني أفرغه) أي أفرغ ذلك القليل وسكبته في إناء آخر (لشربه) أي لشرب ذلك القليل الباقي من الماء (يابسه) أي يابس الشجب وجافه قبل نزوله في إناء آخر فـ (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (اذهب) إلى الأنصاري (فأتني به) أي بذلك الشجب الذي فيه قطرة من ماء (فأتيته) صلى الله عليه وسلم (به) أي بذلك الشجب (فأخذه) أي فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الشجب الذي أتيت به (بيده) الشريفة (فجعل) أي شرع صلى الله عليه وسلم (يتكلم بشيء) من الكلام على ذلك الشجب (لا أدري) ولا أعلم أنا جواب استفهام (ما هو) أي ما ذلك الكلام الذي تكلم على الشجب هل هو دعاء أم لا (ويغمزه) من باب ضرب معطوف على يتكلم أي فجعل يتكلم على الشجب ويغمزه أي يعصره ويمرخه ويحرّكه

ص: 487

بِيَدَيهِ. ثُمَّ أَعْطَانِيهِ فَقَال: "يَا جَابِرُ، نَادِ بِجفْنَةٍ" فَقُلْتُ: يَا جَفْنَةَ الرَّكْبِ، فَأُتِيتُ بِهَا تُحْمَلُ. فَوَضَعتُهَا بَينَ يَدَيهِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ فِي الْجَفْنَةِ هَكَذَا. فَبَسَطَهَا وَفَرَّقَ بَينَ أَصَابِعِهِ. ثُمَّ وَضَعَهَا فِي قَعْرِ الْجَفْنَةِ. وَقَال:"خُذْ. يَا جَابِرُ، فَصُبَّ عَلَيَّ. وَقُلْ: بِاسْمِ اللهِ" فَصَبَبْتُ عَلَيهِ وَقُلْتُ: بِاسْمِ اللهِ. فَرَأَيتُ الْمَاءَ يَفُورُ مِنْ بَينِ أَصَابعِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. ثُمَّ فَارَتِ الْجَفْنَةُ وَدَارَتْ حَتَّى امْتَلأَتْ فَقَال: "يَا جَابِرُ، نَادِ مَنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ بِمَاءٍ"

ــ

(بيديه) الشريفتين وكأنه صلى الله عليه وسلم دعا عليه بكلمات لم يسمعها جابر رضي الله عنه وفي بعض النسخ بيده، والمراد أنه صلى الله عليه وسلم جعل يغمز الشجب بيديه ليعصره ويُخرج ما فيه (ثم أعطانيه) أي أعطاني ذلك الشجب (فقال يا جابر ناد بـ) صاحب (جفنة) الركب ليحضر بها إليّ قال فناديتها (فقلت) في ندائي (يا جفنة الركب) أي يا صاحب جفنة الركب فحُذف المضاف للعلم بأنه المراد وأن الجفنة لا تنادى، والمعنى يا صاحب جفنة الركب التي تشبعهم أحضرها يعني من كان عنده جفنة بهذه الصفة فليحضرها، والجفنة وعاء وطست تسع ما يُشبع عشرة إنسان اهـ دهني، قال جابر (فأُتيت بها) بالبناء للمجهول أي أتاني آت بها أي بتلك الجفنة حالة كونها (تُحمل) بالبناء للمجهول يعني يحملها الناس، وفيه إشارة إلى كبرها وثقلها، قال جابر (فوضعتها) أي فوضعت تلك الجفنة (بين يديه) أي قدامه صلى الله عليه وسلم وقربه (فقال) أي وضع (رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده) الشريفة (في الجفنة) أي في أعالي الجفنة وفمها (هكذا) أي مبسوطة أصابعها لا مقبوضة، وفسر الإشارة بقوله (فبسطها) أي فبسط أصابعها (وفرّق بين أصابعه ثم وضعها في قعر الجفنة) أي وضع يده الشريفة في أسفل الجفنة وقعرها (وقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (خذ) هذا الشجب الذي فيه قطرة ماء (يا جابر فصب) منه (عليَّ) ماء (وقل) عند صبه أصبك (باسم الله) قال جابر (فصببت عليه) صلى الله عليه وسلم (وقلت باسم الله فرأيت الماء يفور) ويخرج (من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم فارت) ونبعت (الجفنة) الماء (ودارت) الجفنة الماء أي دار الماء وطاف في جوانبها (حتى امتلأت) الجفنة ماء (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا جابر ناد) في الناس بقولك (من كان له حاجة بماء) فليأتنا ليأخذه

ص: 488

قَال فأَتَى النَّاسُ فَاسْتَقَوْا حَتَّى رَوُوا. قَال: فَقُلْت: هَلْ بَقِيَ أَحَدٌ لَهُ حَاجَةٌ؟ فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ مِنَ الْجَفْنَةِ وَهِيَ مَلأَى.

(00)

(2301)(161) وَشَكَا النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْجُوعَ. فَقَال: "عَسَى اللهُ أَنْ يُطعِمَكُمْ" فَأَتَينَا سِيفَ الْبَحْرِ

ــ

(قال) جابر (فأتى الناس) كلهم (فاستقوا) الماء وأخذوه في أوانيهم (حتى رووا) وشبعوا منه (قال) جابر (فقلت) في الناس وناديتهم ثانيًا (هل بقي أحد) منكم (له حاجة) إلى الماء فسكتوا (فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده) الشريفة المباركة (من الجفنة وهي) أي والحال أن الجفنة (ملأى) أي مملوءة ماء، قال القاضي: هذه من باهر معجزاته صلى الله عليه وسلم وقد روينا عنه هذه في مواطن متفقة المعنى وكذلك في معجزاته صلى الله عليه وسلم ما تقدم من أمر الشجرتين وكذلك اكتفاؤهم بالتمرة ببركته صلى الله عليه وسلم وكذلك الدابة التي ألقاها البحر وتقدمت في كتاب الجهاد في غزوة أبي عبيدة، ويظهر أنها قضية أخرى غير القضية الآتية، لأن هذه حضرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن هذه الآتية تلك السابقة وأوردها جابر بعد ذكره ما شاهده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعطف هذه القضية عليها اهـ من الأبي.

وهذا الحديث مما انفرد به مسلم عن أصحاب الأمهات.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى الحديث السابع من أحاديث جابر التي رواها عنه عبادة بن الوليد مجموعة بالسند السابق فقال:

(00)

(2301)(161) قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما (وشكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع) أي أخبروه شدة الجوع بهم على سبيل الشكوى (فقال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (عسى الله) أي حقق الله (أن يطعمكم) أي أن يرزقكم طعامًا يزيل عنكم ألم الجوع، قال جابر (فأتينا) معاشر الصحابة في سفرنا تلك (سيف البحر) بكسر السين وسكون الياء أي ساحل البحر وشاطئه، وتسمى هذه السرية سرية سيف البحر، وتسمى سرية الخبط أيضًا لأن الصحابة اضطروا فيها إلى أكل الخبط وهي ورق الشنجر وقد مضت قصة هذه السرية مبسوطة في كتاب الصيد والذبائح باب إباحة ميتة البحر، وذكرنا هناك أنها وقعت سنة ست من الهجرة أو قبلها وكان أميرهم أبو عبيدة بن الجراح، وكذلك وقع في روايات البخاري في المغازي [رقم 4360] وما

ص: 489

فَزَخَرَ الْبَحْرُ زَخْرَةً. فَأَلْقَى دَابَّةً. فَأَوْرَينَا عَلَى شِقِّهَا النَّارَ. فَاطَّبَخْنَا وَاشْتَوينَا، وأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا. قَال جَابِرٌ: فَدَخَلْتُ أَنَا وَفُلانٌ وَفُلانٌ، حَتَّى عَدَّ خَمْسَةً، فِي حِجَاجِ عَينِهَا. مَا يَرَانَا أَحَدٌ. حَتَّى خَرَجْنَا. فَأَخَذْنَا ضِلَعًا مِنْ أَضْلاعِهِ فَقَوَّسْنَاهُ. ثُمَّ دَعَوْنَا بِأَعْظَمِ رَجُلٍ فِي الرَّكْبِ، وَأَعْظَمِ جَمَلٍ فِي الرَّكْبِ، وَأَعْظَمِ كِفْلٍ فِي الرَّكْبِ، فَدَخَلَ تَحْتَهُ مَا يُطَأْطِئُ رَأْسَهُ

ــ

بعدها (فزخر البحر) أي علا موجه وكثر ماؤه وامتدّ على الساحل (زخرة) أي هاج موجه وارتفع هيجة واحدة وحركة واحدة (فألقى) البحر (دابة) من دوابه إلى الساحل، وتقدم في كتاب الصيد أنه كان حوتًا عظيمًا يقُال له العنبر (فأورينا) أي أوقدنا (على شقها) أي على جانبها (النار) لنطبخه (فأطبخنا) ذلك الشق في القدور (واشتوينا) أي شويناه على الحديد المحماة (وأكلنا) منها (حتى شبعنا) منها (قال جابر: فدخلت أنا وفلان وفلان) وعد جابر الداخلين معه (حتى عد خمسة) أنفار أي دخلنا (في حجاج عينها) أي عين تلك الدابة، وحجاج عينها بفتح الحاء وكسرها عظمها المستدير بها والحال أنه (ما يرانا) فيها (أحد) من الناس لبعد قعرها (حتى خرجنا) منها (فأخدنا ضلعًا من أضلاعه) أي من أضلاع ذلك الحيوان، والضلع عظام الجنب (فقوسناه) أي ركزناه على صورة القوس (ثم دعونا بأعظم رجل في الركب) وأطولهم (وأعظم جمل في الركب) بالجيم للعذري، ولغيره بالحاء المهملة، وهو الصواب وأشبه بسياق الحديث اهـ أبي (وأعظم كفل في الركب) بكسر الكاف وسكون الفاء، قال الجمهور: المراد بالكفل ها هنا هو الكساء الذي يحويه راكب البعير على سنامه لئلا يسقط فيحفظ الكفل الراكب من السقوط، ويقال منه تكفلت البعير وأكفلته إذا أدرت ذلك الكساء حول سنامه ثم ركبته وهذا الكساء كفل، ورواه السمرقندي والصدفي بفتح الكاف والفاء معناه العجز، والصحيح الأول (فدخل) ذلك الرجل الأعظم الذي معه أعظمُ جمل الركب وأعظم كفل (تحته) أي تحت ذلك الضلع ومر تحته، والحال أنه (ما يطأطئ) ويخفض (رأسه) أي لم يحتج هذا الراكب إلى أن يخفض رأسه لعظم الضلع المقوس.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في المغازي [4360].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى حديث الجزء الثاني من الترجمة وهو حديث الهجرة فقال:

ص: 490

7336 -

(2302)(162) حدّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَال: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: جَاءَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ إِلَى أَبِي فِي مَنْزِلِهِ. فَاشْتَرَى مِنْهُ رَحْلًا. فَقَال لِعَازِبٍ: ابْعَثْ مَعِيَ ابْنَكَ يَحْمِلْهُ مَعِي إِلَى مَنْزِلِي. فَقَال لِي أَبِي: احْمِلْهُ. فَحَمَلْتُهُ وَخَرَجَ أَبِي مَعَهُ يَنْتَقِدُ ثَمَنَهُ. فَقَال لَهُ أَبِي: يَا أَبَا بَكْرٍ، حَدِّثْنِي كَيفَ صَنَعْتُمَا لَيلَةَ سَرَيتَ مَع رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه

ــ

7336 -

(2302)(162)(حدثني سلمة بن شبيب) المسمعي النيسابوري نزيل مكة، ثقة، من (11) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا الحسن) بن محمد (بن أعين) مولى بني مروان أبو عليّ الحراني، صدوق، من (9) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا زهير) بن معاوية بن حديج الجعفي الكوفي، ثقة، من (7)(حدثنا أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي، ثقة، من (3)(قال) أبو إسحاق (سمعت البراء بن عازب) بن الحارث بن عدي الأنصاري الأوسي أبا عمارة الكوفي رضي الله عنه (يقول) وهذا السند من خماسياته (جاء أبو بكر الصديق إلى أبي) عازب بن الحارث (في منزله) أي في منزل أبي (فاشترى منه) أي من أبي (رحلًا) بفتح الراء وسكون الحاء وهو للناقة كالسرج للفرس (فقال) أبو بكر (لـ) والدي (عازب) بن الحارث (ابعث معي ابنك) البراء حالة كونه (يحمله) أي يحمل هذا الرحل (معي إلى منزلي) قال البراء (فقال لي أبي احمله) أي احمل هذا الرحل مع أبي بكر إلى منزله، قال البراء (فحملته) له إلى منزله (وخرج أبي معه) أي مع أبي بكر حالة كون أبي (ينتقد) أي يأخذ (منه) أي من أبي بكر (ثمنه) أي ثمن الرحل ويستوفيه منه، قال ابن سعد: قالوا وكان عازب قد أسلم ولم يُسمع له بذكر في المغازي، وقد سمعنا بحديثه في الرحل الذي اشتراه منه أبو بكر الصديق كذا في الإصابة [2/ 235] وأما ابنه البراء رضي الله عنه فقد ثبت أنه شهد أحدًا وما بعدها ولم يشهد بدرًا لصغره وناصر عليًّا رضي الله عنه في الجمل وصفين، وهو الذي افتتح الري سنة أربع وعشرين، وشهد غزوة تستر مع أبي موسى، ونزل الكوفة، ومات في إمارة مصعب سنة (72 هـ) روى عن النبي صلى الله عليه وسلم جمع الإصابة [1/ 147] قال البراء (فقال له) أي لأبي بكر (أبي) أي والدي عازب بن الحارث (يا أبا بكر حدثني كيف صنعتما ليلة سريت) يقال سرى وأسرى لغتان بمعنى (مع رسول الله - صلى الله عليه

ص: 491

وسلم -. قَال: نَعَمْ. أَسْرَينَا لَيلَتَنَا كُلَّهَا. حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ. وَخَلا الطَّرِيقُ فَلَا يَمُرُّ فِيهِ أَحَدٌ. حَتَّى رُفِعَتْ لَنَا صَخرَةٌ طَويلَةٌ لَهَا ظِلٌّ. لَمْ تَأْتِ عَلَيهِ الشَّمسُ بَعْدُ. فَنَزَلْنَا عِنْدَهَا. فَأَتَيتُ الصَّخْرَةَ فَسَوَّيتُ بِيَدِي مَكَانًا، يَنَامُ فِيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي ظِلِّهَا. ثُمَّ بَسَطْتُ عَلَيهِ فَرْوَةً

ــ

وسلم - قال) أبو بكر (نعم) أخبرك يا أخي (أسرينا) أي سرينا (ليلتنا كلها) ليلة خرجنا من الغار (حتى قام) وحصل ظل (قائم) أي واقف وقت (الظهيرة) أي وقت انتصاف النهار وهو ظل وقت استواء الشمس أي بلوغها وسط السماء، قال النووي (قائم الظهيرة) نصف النهار وهو حال استواء الشمس سُمي قائمًا لأن الظل لا يظهر حينئذ فكأنه واقف قائم، وقال القاضي عياض: الظهيرة الهاجرة وهي ساعة الزوال ومنه سُميت صلاة الظهر، قال يعقوب: الظهيرة نصف النهار وهي أن تكون الشمس بحيال رأسك وتركد حتى كأنها لا تبرح وهو معنى قوله رضي الله عنه: "قام قائم الظهيرة" أي كأنه وقف ولم يبرح وهي كناية إما عن وقوف الشمس أو وقوف الظل عن الزيادة حتى يتبين زوال الشمس اهـ من الأبي.

والسرى وكذا الإسراء سير الليل أي أسرينا ومشينا ليلتنا ليلة إذ خرجنا من الغار (حتى) إذا (قام قائم الظهيرة) وإذا الشرطية مقدرة هنا (وخلا الطريق) عن المارة واشتد علينا السير وعجزنا عنه معطوف على قام (فلا يمر فيه أحد) من الناس لشدة الحر، وقوله (حتى رُفعت لنا) جواب إذا المقدرة وحتى هنا زائدة كما هي ساقطة في نسخ شرح الأبي وشرح السنوسي أي ظهرت لأبصارنا (صخرة طويلة لها ظل لم تأت عليه) أي على ذلك الظل أي لم تصل إلى ذلك الظل (الشمس) أي ضوءها (بعد) أي الآن أي وقت نزولنا قربها يعني كان لها ظل أول النهار من غدوة إلى الزوال وهذا الظل ليس بفيء وهو أبرد وأطيب هواء، والفيء ظل ما بعد الزوال ورجوعه من المشرق إلى المغرب فيما كانت الشمس أصابت أرضه اهـ من الأبي. وقوله (فنزلنا عندها) أي قربها، معطوف على رُفعت لنا أي رُفعت لنا صخرة فنزلنا قربها (فأتيت) أنا وحدي تحت (الصخرة فسويت) أي صلحت (بيدي مكانًا ينام فيه النبي صلى الله عليه وسلم في ظلها) بتسوية الرمل وإزالة ما ارتفع منه، والجار والمجرور في ظلها صفة ثانية لمكانًا (ثم بسطت) له (عليه) أي على ذلك المكان المسوّى (فروة) كانت عندنا، والفروة الجلد المدبوغ بلا إزالة شعر خفيف

ص: 492

ثُمَّ قُلْتُ: نَمْ. يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَنَا أَنْفُضُ لَكَ مَا حَوْلَكَ. فَنَامَ. وَخَرَجْتُ أَنْفُضُ مَا حَوْلَهُ. فَإِذَا أَنَا بِرَاعِي غَنَمِ مُقْبِلٍ بِغَنَمِهِ إِلَى الصَّخْرَةِ، يُرِيدُ مِنْهَا الَّذِي أَرَدْنَا. فَلَقِيتُهُ فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلامُ؟ فَقَال: لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. قُلْتُ: أَفِي غَنَمِكَ لَبَنٌ؟ قَال: نَعَمْ. قُلْتُ: أَفَتَحْلُبُ لِي؟ قَال: نَعَمْ. فَأَخَذَ شَاةً. فَقُلتُ لَهُ:

ــ

لين في الأرميا (ماسي)(ثم قلت) له صلى الله عليه وسلم (نم يا رسول الله) في هذا المكان الذي سوّيت لك لتستريح من تعب السير. وقوله (نم) بتفح النون أمر من نام ينام من باب خاف، وبضمها أمر من نام ينوم كقال يقول (وأنا أنفض لك) أي أبحث وأفتش عنك (ما) يأتي (حولك) أي جانبك وقربك من العدو والطلب لئلا يفجعك في نومك أي نم على الراحة وأنا حارس لك متجسس عنك العدو ومنه النفيضة وهي الجماعة تتقدم العسكر تنفض أمامه كالطليعة (فنام) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وخرجت) أنا من عنده من الظل أي ذهبت من عنده حالة كوني (أنفض) وأبحث (ما حوله) من العدو والطلب لنا (فإذا أنا) راء (براعي غنم مقبل) أي ذاهب (بغنمه إلى الصخرة) الطويلة (يريد منها) أي يقصد منها الاستظلال (الذي أردنا) هـ منها (فلقيته) أي فاستقبلت ذلك الراعي (فقلت) له (لمن أنت) مملوك (يا غلام فقال) أنا مملوك (لرجل من أهل المدينة) يعني مكة والمراد بالمدينة هنا معناها اللغوي يعني معنى البلدة فالمراد بالبلدة مكة لأن المدينة المنورة كانت تُسمى يومئذ يثرب ولأنه لم تجر العادة من الرعاة أن يبعدوا في المراعي هذه المسافة البعيدة، ووقع في رواية إسرائيل في البخاري في مناقب أبي بكر [3652]"فقال لرجل من قريش سماه فعرفته" ولم يكن قريش يسكنون المدينة حينئذ، قال أبو بكر (قلت) للراعي (أفي غنمك لبن) بفتح اللام والباء يعني اللبن المعروف أي ذات لبن، وروي بضم اللام وسكون الباء أي شياه ذوات ألبان اهـ أبي (قال) الراعي (نعم) فيها ذات لبن، قال أبو بكر (قلت) له (أفتحلب) اللبن الي، قال) الراعي (نعم) أحلب لك، قال الحافظ في الفتح [6/ 623] الظاهر أن مراده من الاستفهام في قوله (أفتحلب لي) أمعك إذن في الحلب لمن يمر بك على سبيل الضيافة، وبهذا التقرير يندفع الإشكال الماضي في اللقطة وهو كيف استجاز أبو بكر أخذ اللبن من الراعي بغير إذن مالك الغنم؟ ويحتمل أن يكون أبو بكر لما عرفه عرف رضاه بذلك بصداقته له أو إذنه العام لذلك اهـ، قال أبو بكر (فأخذ) الراعي (شاة) من غنمه وأمسكها ليحلب لي (فقلت له)

ص: 493

انْفُضِ الضَّرْعَ مِنَ الشَّعَرِ وَالتُّرَابِ وَالْقَذَى (قَال: فَرَأَيتُ الْبَرَاءَ يَضْرِبُ بِيَدِهِ عَلَى الأُخْرَى يَنْفُضُ) فَحَلَبَ لِي، فِي قَعْبٍ مَعَهُ، كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ. قَال: وَمَعِي إِدَاوَةٌ أَرْتَوي فِيهَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، لِيَشْرَبَ مِنْهَا وَيَتَوَضَّأَ. قَال: فَأَتَيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. وَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُ مِنْ نَوْمِهِ. فَوَافَقْتُهُ اسْتَيقَظَ. فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ مِنَ الْمَاءِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، اشْرَبْ مِنْ هَذا اللَّبَنِ. قَال: فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ

ــ

أي للراعي (انفض) من باب نصر أي انفض (الضرع) واضربه وامسحه وصفّه (من الشعر والتراب والقذى) أي القُمامة والأوساخ قبل الحلب لئلا تسقط هذه الأشياء في اللبن المحلوب (قال) أبو إسحاق (فرأيت البراء) بن عازب حين حدث لنا هذا الحديث (يضرب بيده على الأخرى) أي يمسح بها الأخرى حالة كونه يريد أن (ينفض) ويمسح بها اليد الأخرى عن الأوساخ حكاية ووصفًا لنا كيفية نفض الراعي ضرع الغنم، قال أبو بكر (فحلب لي) الراعي (في قعب) كان (معه) أي مع الراعي وهو قدح من خشب معروف أي حلب لي في القدح (كثبة) أي قليلًا (من لبن) والكثبة بضم الكاف وسكون المثلثة قدر الحلبة قاله ابن السكيت وهي القدر الذي يخرج من ضرع الماشية في مرة واحدة أي في حلبة واحدة، وقال ابن الأعرابي: هي القليل من اللبن (قال) أبو بكر (ومعي إداوة) أي مطهرة، وفي المنجد إناء صغير من جلد (أرتوي) أي إداوة أرتوى واستقي وآخذ (فيها) الماء (للنبي صلى الله عليه وسلم ليشرب منها ويتوضأ) فيها (قال) أبو بكر (فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم) ورجعت إليه تحت الصخرة (و) كنت في العادة (كرهت أن أوقظه من نومه) حتى يستيقظ بنفسه لأنه ربما يأتيه الوحي في نومه (فـ) وصلت إليه وقد (وافقته استيقظ فصببت على اللبن) شيئًا (من الماء حتى برد أسفله) أي أسفل اللبن وبرد بفتح الراء من باب نصر على المشهور، وقال الجوهري: بضم الراء من باب كرم، قال أبو بكر (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله اشرب من هذا اللبن، قال) أبو بكر (فشرب) رسول الله صلى الله عليه وسلم من اللبن شربًا يزيل جوعته (حتى رضيت) وفرحت بشربه، قال النووي: فإن قيل كيف شربوا اللبن من الغلام وليس هو ملكه، فجوابه من أوجه: أحدها أنه محمول على عادة العرب أنهم يأذنون للرعاة إذا مرّ بهم ضيف أو عابر سبيل أن يسقوه اللبن ونحوه، والثاني أن اللبن كان لصديق لهم،

ص: 494

ثُمَّ قَال: "أَلَمْ يَأْنِ لِلرَّحِيلِ؟ " قُلْتُ: بَلَى. قَال: فَارْتَحَلْنَا بَعْدَ مَا زَالتِ الشَّمْسُ. وَاتَّبَعَنَا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ. قَال: وَنَحْنُ فِي جَلَدٍ مِنَ الأَرْضِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُتِينَا. فَقَال:"لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا" فَدَعَا عَلَيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَارْتَطَمَتْ فَرَسُهُ إِلَى بَطْنِهَا. أُرَى فَقَال: إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكُمَا قَدْ دَعَوْتُمَا عَلَيَّ. فَادْعُوا لِي. فَاللهُ لَكُمَا أَنْ أَرُدَّ عَنْكُمَا الطَّلَبَ

ــ

والثالث أنه مال لحربي لا أمان له، الرابع لعلمهم أنهم كانوا مضطرين، والجوابان الأولان أجود اهـ منه (ثم) بعدما شرب اللبن (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألم يأن) أي ألم يقرب آن أي وقت (للرحيل) أي لارتحالنا من هذا المنزل ولسيرنا إلى مقصدنا (قال) أبو بكر (قلت) له (بلى) آن وقرب الرحيل يا رسول الله (قال) أبو بكر (فارتحلنا) من ذلك المنزل (بعدما زالت الشمس) ومالت عن كبد السماء إلى جهة المغرب (واتَّبعنا) أي لحقنا بعدما ارتحلنا (سراقة بن مالك) بن جعشم المدلجي (قال) أبو بكر (ونحن) أي والحال أني أنا والنبي صلى الله عليه وسلم ومن معنا (في جلد من الأرض) بالجيم واللام المفتوحتين أي في أرض صلبة، ورُوي جدد بوزن جلد بالدال بدل اللام أي في أرض مستوية، قال ابن سرّاج: جدد الأرض الخشن منها، وقال ابن دريد وغيره: هو المستوي وإنما ذكر ذلك لبيان أن مثل هذه الأرض لا تسوخ فيها قوائم الدابة عادة ولكنه كان معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم إذ لو كانت الأرض دهسة لم يستغرب ذلك الرسوخ، قال أبو بكر (فقلت يا رسول الله أُتينا) بضم الهمزة على صيغة المجهول أي أتانا طالبنا (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تحزن إن الله معنا) بالحفظ والنصر، قال أبو بكر (فدعا عليه) أي على سراقة (رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتطمت فرسه) أي غاصت قوائمها (إلى بطنها) في تلك الأرض الجلد يقال رطمه يرطمه من باب نصر إذا أدخله في أمر لا يخرج منه وارتطم في الطين وقع فيه فتخبط فيه كذا في اللسان [5/ 238] قال الراوي أو من دونه (أُرى) بضم الهمزة أي أظن أن أبا بكر قال (فقال) سراقة (إني قد علمت أنكما) خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر رضي الله عنه (قد دعوتما عليّ فادعوا لي) بخروج فرسي من الأرض (فالله) شاهد (لكما) عليّ على (أن أرد عنكما الطلب) أي من يطلبكما جمع طالب، قال محمد الدهني في تعليقه على مسلم: معناه فالله ينفعكم بردي عنكما الطلب والله أعلم، ويحتمل أن يكون

ص: 495

فَدَعَا اللهَ. فَنَجَى. فَرَجَعَ لَا يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا قَال: قَدْ كَفَيْتُكُمْ مَا ههُنَا. فَلَا يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا رَدَّهُ. قَال: وَوَفَى لَنَا

ــ

التقدير فالله شاهدي لكما على أن أرد عنكما الطلب والحاصل أنه أقسم بالله أنه إن نجا عن هذه المصيبة فإنه لا يدل أحدًا على مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بل يرد عنه من يطلبه (فدعا الله) له رسول الله صلى الله عليه وسلم بنجاة فرسه (فنجى) سراقة مما أصابه من المصيبة في فرسه (فرجع) سراقة إلى الطلب وكان (لا يلقى أحدًا) من الطلب (إلا قال) لهم (قد كفيتكم) أي أغنيتكم عن الطلب في (ما ها هنا) أي في هذه الجهة فإني بحثت عنهما في هذا المكان فلا حاجة لكم إلى أن تبحثوا عنهما فيه مرة أخرى وذلك وفاء بوعده أنه يرد عنهما الطلب، قال أبو بكر (فـ) لما رجع (لا يلقى أحدًا) من الطلب (إلا رده، قال) أبو بكر الصديق رضي الله عنه (ووفى) بفتح الفاء المخففة أي ووفى (لنا) سراقة ما وعد لنا من رد الطلب عنا.

وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات ولكن شاركه أحمد في مسنده [1/ 2]، وابن حبان في صحيحه [9/ 10]، والبيهقي في دلائل النبوة [2/ 483]، وأبو نعيم في الدلائل [2/ 325].

وقد تقدم للمؤلف بعض أطراف هذا الحديث في كتاب الأشربة باب شرب اللبن وغيره.

"تتمة" سبب اتباع سراقة له صلى الله عليه وسلم على ما ذكره ابن إسحاق في السيرة قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرًا جعلت قريش لمن يرده مائة ناقة، قال سراقة: فبينا أنا جالس في نادي قومي إذ أقبل رجل منا وقال: لقد رأيت ثلاثة مروا عليّ آنفًا وما أظنه إلا محمدًا وأصحابه، قال سراقة: فأومأت إليه أن اسكت، وقلت: إنما هم بنو فلان يتبعون ضآلة ثم قمت ودخلت بيتي، ثم أمرت بفرسي، فقُدّم إليّ وخرجت من دبر حجرتي، ثم أخذت قداحي فاستسهمت فخرج لي السهم الذي أكره ولا: يضر، ثم لبست لأمتي وخرجت رجاء أن أرده وآخذ المائة ناقة، فكان من أمره ما ذُكر في الحديث، وقال غير ابن إسحاق: وكان سراقة شاعرًا مجيدًا فقال يخاطب أبا جهل بن هشام بعد انصرافه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أبا حكم والله لو كنت شاهدًا

لأمر جوادي إذ تسوخ قوائمه

ص: 496

7337 -

(00)(00) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ. ح وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيلٍ. كِلاهُمَا عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ. قَال: اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ مِنْ أَبِي رَحْلًا بِثَلاثةَ عَشَرَ دِرْهَمًا. وَسَاقَ الْحَدِيثَ

ــ

علمت ولم تشكك بأن محمدًا

رسول من الله فمن ذا يقاومه

عليك بكف القوم عنه فإنني

أرى أمره يومًا ستبدو معالمه

بأمر يقود الناس فيه بأسرهم

فإن جميع الناس طُرًّا تسالمه

قال صاحب الإكتفاء: وسراقة هذا قد أظهر الله فيه آية أخرى من الآيات الدالة على أن الله سبحانه أطلعه من الغيب في حياته ما ظهر فيه صدقه بعد وفاته، ففي حديث عن سفيان بن عيينة عن أبي موسى عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسراقة:"كيف بك إذا ألبست سواري كسرى" فلما أتى عمر رضي الله عنه بهما وبمنطقة كسرى وتاجه دعا سراقة وألبسه السوارين وكان كثير شعر الساعدين وقال له: ارفع يديك وقل الله أكبر والحمد لله الذي سلبهما كسرى الذي كان يقول أنا رب الناس وألبسهما سراقة أعرابيًّا من بني مدلج، ورفع بها عمر رضوان الله عليه صوته اهـ من الأبي، وقد أخرج البخاري حديث سراقة هذا بسياق أتم من سياق ابن إسحاق راجعه في المناقب رقم [6/ 390].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث البراء رضي الله عنه فقال:

7337 -

(00)(00)(وحدثنيه زهير بن حرب حدثنا عثمان بن عمر) بن فارس العبدي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (ح وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا النضر بن شميل) المازني البصري ثم الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (كلاهما) أي كل من عثمان والنضر رويا (عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن) جده (أبي إسحاق) السبيعي (عن البراء) بن عازب الأنصاري الكوفي. وهذان السندان من خماسياته، غرضه بيان متابعة إسرائيل لزهير بن معاوية (قال) البراء (اشترى أبو بكر من أبي) عازب بن الحارث (رحلًا بثلاثة عشر درهمًا وساق) إسرائيل (الحديث) السابق

ص: 497

بِمَعْنَى حَدِيثِ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، وَقَال فِي حَدِيثِهِ، مِنْ رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ: فَلَمَّا دَنَا دَعَا عَلَيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَسَاخَ فَرَسُهُ فِي الأَرْضِ إِلَى بَطْنِهِ. وَوَثَبَ عَنْهُ. وَقَال: يَا مُحَمَّدُ، قَدْ عَلِمْتُ أَن هَذَا عَمَلُكَ. فَادْعُ اللهَ أَنْ يُخَلِّصَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ. وَلَكَ عَلَيَّ لأعُمِّيَنَّ عَلَى مَنْ وَرَائِي. وَهَذِهِ كِنَانَتِي. فَخُذْ سَهْمًا مِنْهَا. فَإِنَّكَ سَتَمُرُّ عَلَى إِبِلِي وَغِلْمَانِي بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا فَخُذْ مِنْهَا حَاجَتَكَ. قَال:"لَا حَاجَةَ لِي في إِبِلِكَ"

ــ

(بمعنى حديث زهير) بن معاوية (عن أبي إسحاق و) لكن (قال) إسرائيل (في حديثه) وروايته (من رواية عثمان بن عمر فلما دنا) وقُرب سراقة إلينا (دعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فساخ) هو بمعنى ارتطمت أي غاص قوائم (فرسه في الأرض إلى بطنه ووثب) سراقة (عنه) بسرعة (وقال) سراقة (يا محمد قد علمت) أنا (أن هذا) الذي أصاب فرسي (عملك) أي دعاؤك (فادع الله) لي (أن يخلّصني) وينجيني (مما أنا فيه) من مصيبة فرسي (ولك عليّ لأعمّين) أي لأخفين أمركم (على من ورائي) ممن يطلبكم وألبسه عليهم حتى لا يتبعكم أحدًا منهم.

قوله (ولك عليّ) جملة أراد بها القسم، وقوله (لأعمّين) جوابه أي ولك قسم عليّ على أن أعمّين أمرك على من ورائي وهو بضم الهمزة وفتح العين وكسر الميم المشددة من باب التفعيل يقال عمّى الرجل صيّره أعمى ولبّس الأمر عليه وكذلك أعماه، ويحتمل أن يكون (لأُعمين) بضم الهمزة وسكون العين وكسر الميم المخففة من الإعماء يعني أُضل عنكما من يأتي ورائي في طلبكم وأجعلهم عميًا عنكم (وهذه) الجعبة (كنانتي) أي كيس سهامي (فخذ سهمًا منها) أي من كنانتي لتكون علامة لك على إذني لك في أخذ ما شئت من إبلي (فإنك ستمر على إبلي وغلماني بمكان كذا وكذا فـ) إذا وصلت إليها فـ (خذ منها) أي من إبلي (حاجتك) أي قدر ما تحتاج إليه في سفرك فـ (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا حاجة لي في إبلك) ووقع في حديث سراقة عند البخاري في المناقب "ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: إن قومك قد جعلوا الدية، وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآني ولم يسألاني إلا أن قال: أخف عنا "وفيه كمال استغناء رسول الله صلى الله عليه وسلم عن متاع الدنيا مع حاجته إليه في السفر".

ص: 498

فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ لَيلًا. فَتَنَازَعُوا أَيُّهُمْ يَنْزِلُ عَلَيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَال: "أَنْزِلُ عَلَى بَنِي النَّجَّارِ، أَخْوَالِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أُكْرِمُهُمْ بِذَلِكَ" فَصَعِدَ الرِّجَالُ وَالنَّسَاءُ فَوقَ الْبُيُوتِ. وَتَفَرَّق الْغِلْمَانُ وَالْخَدمُ فِي الطُّرُقِ، يُنَادُونَ: يَا مُحَمَّدُ يَا رَسُولَ اللهِ. يَا مُحَمَّدُ، يَا رَسُولَ اللهِ

ــ

قال أبو بكر (فقدمنا المدينة ليلًا فتنازعوا) أي فتنازع الأنصار واختلفوا (أيهم ينزل) أي على أي منهم ينزل (عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنزل) أنا (علي بني النجار أخوال عبد المطلب أكرمهم بذلك) أي بنزولي عندهم (فصعد الرجال والنساء فوق البيوت) وسطوحها (وتفرق الغلمان والخدم في الطرق) والزقاق، حالة كونهم (ينادون يا محمد يا رسول الله يا محمد يا رسول الله) قال القاضي: وفي هذا إظهار ما وضع الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم من المحبة في القلوب وخص الله سبحانه به الأنصار رضي الله عنهم من التكرمة والخير في إعزازهم رسوله صلى الله عليه وسلم ونصرته اهـ من الأبي.

قوله (فتنازعوا على أيهم ينزل) قال الأبي: ليس في السير أنهم تنازعوا وإنما فيها أنه لما سمعت الأنصار أنهم خرجوا من مكة فكانوا يتوقعون دخوله فيخرجون إذا صلوا الصبح إلى ظاهر الحرة ينتظرونه فما يبرحون منها حتى تغلبهم الشمس على الظلال فيدخلون بيوتهم وبقوا على ذلك أيامًا، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا حين دخلوا البيوت، وكان أول من رآه يهودي وكان قد رأى ما يصنعون من انتظاره فنادى بأعلى صوته يا بني قيلة هذا جدكم قد جاء فخرجوا فوجدوه في ظل نخلة ومعه أبو بكر في مثل سنه وأكثرهم لم يكن رآه وركبه الناس وما يعرفونه من أبي بكر حتى زال الظل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام أبو بكر رضي الله عنه فأظله بردائه فعرفوه عند ذلك فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء في بني عمرو بن عوف فأقام فيهم الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، ثم رحل فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف فصلى عندهم ثم أتاه عتبان بن مالك وعباس بن عبادة في رجال من بني سالم فقالوا: يا رسول الله أقم عندنا في العدد والعُدد والمنعة فقال: "خلوا سبيلها، فإنها مأمورة" لناقته، فانطلقت حتى أتت دار بني بياضة، فقالوا له مثل ذلك، فقال لهم مثل ذلك، فخلوا سبيلها، حتى وافت دار بني الحارث بن الخزرج فقالوا له مثل ذلك، فقال لهم مثل

ص: 499

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ذلك، فخلوا سبيلها، حتى مرت بدار عدي بن النجار وهم أخواله صلى الله عليه وسلم دنيا أم جده عبد المطلب سلمى بنت عمرو النجارية فاعترضوه وقالوا: يا رسول الله هلم إلى أخوالك إلى العدد والعُدد، قال:"خلوا سبيلها" حتى أتت دار بني مالك بن النجار فلما بركت ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينزل وثبت وسارت غير بعيد ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع لها زمامها لا يثنيها ثم التفتت إلى مبركها أول مرة فبركت فيه ثم تحلحلت ورزمت ووضعت جرّانها فنزل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتمل أبو أيوب رحله، فوضعه في بيته، ونزل صلى الله عليه وسلم عنده حتى بنى المسجد وانتقل عنه فإن عني بقوله فتنازعوا هذا التعرض فقد سمعت حديثه وإلا فلا نزاع.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب عشرة أحاديث، اثنان منها لأبي اليسر، وسبعة لجابر بن عبد الله وواحد لبراء بن عازب، وفيه متابعة واحدة ذكره في الهجرة رضي الله عنهم أجمعين والله سبحانه أعلم.

***

ص: 500