المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌779 - (23) باب تفسير قوله تعالى: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى} الآية - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٢٦

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌757 - (1) باب قيام الناس في عرقهم على قدر أعمالهم ودنو الشمس إليهم وخطبته صلى الله عليه وسلم وتعليمه الناس

- ‌758 - (2) باب إذا مات المرء عرض عليه مقعده، وما جاء في عذاب القبر، وسماع الميت قرع النعال، وفي إثبات الحساب، والأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت

- ‌ كتاب الفتن وأشراط الساعة

- ‌759 - (3) باب اقتراب الفتن، وفتح ردم يأجوج ومأجوج، والخسف بالجيش الذي يوم البيت، ونزول الفتن كمواقع القطر

- ‌760 - (4) باب ذكر حكم تواجه المسلمين بسيفيهما، وهلاك هذه الأمة بعضهم ببعض، وإخباره صلى الله عليه وسلم عما يكون إلى يوم القيامة، وذكر الفتنة التي تموج كموج البحر

- ‌761 - (5) باب لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب، وفتح القسطنطينية وخروج الدجال، ونزول عيسى وقيام الساعة والروم أكثر الناس وإقبال الروم في كثرة القتل عند خروج الدجال

- ‌762 - (6) باب فتوحات المسلمين قبل الدجال والآيات التي تكون قبل الساعة ولا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز وفي سكنى المدينة وعمارتها قبل الساعة وعدم إنبات الأرض مع كثرة المطر وكون الفتنة من المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان

- ‌763 - (7) باب لا تقوم الساعة حتى تعبد دوس ذا الخلصة، وحتى يمر الرجل على القبر فيتمنى أن يكون صاحبه، وأنه يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة، وذكر القحطاني والجهجاه، وقتال الترك، وذكر الخليفة الذي لا يعد المال عند قسمته

- ‌764 - (8) باب ذكر قتل عمار، وأغيلمة من قريش تكون فتنة لمن في زمنها، وإذا هلك كسرى…إلخ، وفتح مدينة جانبها في البحر، وقتال اليهود حتى يقول الحجر: يا مسلم، وذكر دجالين بين يدي الساعة

- ‌765 - (9) باب ذكر ابن صياد

- ‌766 - (10) باب ذكر الدجال وصفته وما معه من الفتن

- ‌767 - (11) باب حرمة المدينة على الدجال وقتله المؤمن وإحيائه هناك، وكون الدجال أهون على الله عز وجل، وقدر مكثه في الأرض، ونزول عيسى وقتله إياه

- ‌768 - (12) باب في ذكر حديث الجساسة وما فيه من ذكر الدجال

- ‌769 - (13) باب في بقية أحاديث الدجال وفضل العبادة في الهرج وقُرب الساعة وذكر ما بين النفختين

- ‌ كتاب الزهد

- ‌770 - (14) باب كون الدنيا سجن المؤمن وهوانها عند الله تعالى وما للمرء من ماله وما يحذر من بسط الدنيا ومن التنافس فيها والنهي عن النظر إلى من فوقك في الدنيا

- ‌771 - (15) باب في الابتلاء بالدنيا وكيف يعمل فيها، والخمول فيها والتقلل منها، والتزهيد في الدنيا والاجتزاء بالخشن منها، ورؤية الله في الآخرة ومخاطبة الرب عبده فيها

- ‌772 - (16) باب ضيق معيشة آل محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌773 - (17) باب النهي عن دخول مساكن الذين ظلموا إلا أن يبكوا، وفضل الساعي على الأرامل والأيتام، والباني للمساجد، وفضل الصدقة على المساكين، وتحريم الرياء ونحوه، ووجوب حفظ اللسان، وعقوبة من يأمر ولا يفعل، والنهي عن هتك الستر عن نفسه، وندب التشميت عند العطاس وكراهية التثاؤب

- ‌ كتاب في أحاديث متفرقة

- ‌774 - (18) باب خلق الملائكة والجان وآدم وأن الفأر مسخ ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين والمؤمن أمره كله خير والنهي عن المدح إذا كان فيه إفراط وتقديم الأكبر في مناولة الشيء وغيرها والتثبت في الحديث وحكم كتابة العلم وقصة أصحاب الأخدود

- ‌775 - (19) باب في حديث أبي اليسر وحديث جابر الطويل رضي الله تعالى عنهما وحديث الهجرة ويقال له حديث الرحل بالحاء

- ‌ كتاب التفسير

- ‌776 - (20) باب في تفسير قوله تعالى: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا}

- ‌777 - (21) باب تتابع الوحي قرب وفاته صلى الله عليه وسلم

- ‌778 - (22) باب بيان تفسير قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}

- ‌779 - (23) باب تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} الآية

- ‌780 - (24) باب قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}

- ‌781 - (25) باب قوله تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ}

- ‌782 - (26) باب قوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا}

- ‌783 - (27) باب قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ}

- ‌784 - (28) باب قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ}

- ‌785 - (29) باب في قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيتَ النَّاسَ} إلخ

- ‌786 - (30) باب قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا}

- ‌787 - (31) باب في قوله تعالى: {وَلَيسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} الآية

- ‌788 - (32) باب في قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ}

- ‌789 - (33) باب قوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [

- ‌790 - (34) باب في قوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ}

- ‌791 - (35) باب في قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} الآية

- ‌792 - (36) باب في بيان سبب نزول سورة براءة والأنفال والحشر، وبيان تسميتها بهذه الأسماء

- ‌793 - (37) باب في نزول تحريم الخمر

- ‌794 - (38) باب نزول قوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} الآية

الفصل: ‌779 - (23) باب تفسير قوله تعالى: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى} الآية

‌779 - (23) باب تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} الآية

7343 -

(2306)(166) حدّثني أَبُو الطَّاهِرِ، أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ وَحَرْمَلَةُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ، (قَال أَبُو الطَّاهِرِ: حَدَّثَنَا. وَقَال حَرْمَلَةُ: أَخْبَرَنَا) ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ قَوْلِ اللهِ:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] قَالت:

ــ

779 -

(23) باب تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} الآية

7343 -

(2306)(166)(حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح) الأموي المصري (وحرملة بن يحيى) بن عبد الله (التجيبي) المصري (قال أبو الطاهر حدثنا وقال حرملة أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير أنه سأل عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته (عن) تفسير (قول الله) تعالى ({وَإِنْ خِفْتُمْ}) يا أولياء اليتامى وعلمتم من أنفسكم ({أَلَّا تُقْسِطُوا}) أي أن لا تعدلوا ({فِي الْيَتَامَى}) إذا نكحتموهن ({فَانْكِحُوا}) أي فاتركوهن وتزوجوا ({مَا طَابَ}) وحل ({لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}) الأجنبيات أي فتزوجوا من استطابتها وأحبتها أنفسكم ومالت إليها قلوبكم من الأجنبيات أو فانكحوا ما حل لكم من النساء لأنه منهن ما حرم الله عليكم كالآتي في آية التحريم، وقوله {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] بدل من ما في قوله: {مَا طَابَ لَكُمْ إلَيكُمْ} والواو فيه بمعنى أو التي للتخيير أي فانكحوا اثنين اثنين من النساء الأجنبيات أو ثلاثة ثلاثة منها أو أربعًا أربعًا منها ولا تزيدوا على أربع أي فيجوز لكل أحد أن يختار لنفسه قسمًا واحدًا من هذه الأقسام بحسب حاله يسارًا أو إعسارًا فإن قدر على نكاح اثنتين فاثنتان وإن قدر على ثلاث فثلاث وإن قدر على أربع فأربع لا أنه يضم عددًا منها إلى عدد آخر، وأجمعت الأمة على أنه لا يجوز أن يزيد على أربع نسوة وأن الزيادة على أربع من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم التي لا يشاركه فيها أحد من الأمة (قالت) عائشة

ص: 510

يَا بْنَ أُخْتِي، هِيَ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا. تُشَارِكُهُ فِي مَالِهِ. فَيُعْجِبُهُ مَالُهَا وَجَمَالُهَا. فَيُرِيدُ وَلِيُّهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِغَيرِ أَنْ يُقْسِطَ فِي صَدَاقِهَا. فَيُعْطِيَهَا مِثْلَ مَا يُعْطِيهَا غَيرُهُ. فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ. ويَبْلُغُوا بِهِنَّ أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ مِنَ الصَّدَاقِ. وَأُمِرُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا طَابَ لَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ، سِوَاهُنَّ.

قَال عُرْوَةُ: قَالتْ عَائِشَةُ: ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ اسْتَفْتَوْا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ، فِيهِنَّ. فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل: {وَيَسْتَفْتُونَكَ

ــ

(يا بن أختي) أسماء هذه (هي اليتيمة) التي مات أبوها و (تكون في حجر وليها) القائم بأمورها (تشاركه في ماله فيعجبه) أي فيرغبه في نكاحها (مالها وجمالها فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط) أي من غير أن يعدل ويوفي لها حقها (في صداقها) وقوله (فيعطيها مثل ما يعطيها غيره) معطوف على معمول قوله (بغير) يعني يريد أن يتزوجها من غير أن يعطيها مثل ما يعطيها غيره أي ممن يرغب في نكاحها، ويدل على ذلك قوله (فنهوا) بضم النون والهاء من (أن ينكحوهن) وفي رواية البخاري (فنهوا عن أن ينكحوهن) بزيادة عن الجارة قبل أن المصدرية (إلا أن يقسطوا) بضم الياء من الإقساط أي إلا أن يقسطوا ويعدلوا ويوفوا (لهن) حقها من الصداق (ويبلغوا بهن) وفي رواية البخاري لهن أي ويكملوا لهن (أعلى سنتهن) أي طريقتهن (من الصداق) وعادتهن في ذلك (وأمروا) وفي رواية البخاري فأمروا أي فأمر الأولياء (أن ينكحوا) ويتزوجوا (ما طاب) وحل (لهم من النساء سواهن) أي سوى اليتامى من النساء الأجنبيات، وقد تقرر أن (ما) لا تستعمل في ذوي العقول واستعملها لهن هنا نظرًا إلى معنى الصفة كأنه قيل فانكحوا النوع الطيب من النساء أي الحلال أو المشتهى، والثاني أرجح لاقتضاء المقام له ولأن الأمر بالنكاح لا يكون إلا في الحلال فوجب الحمل على شيء آخر أو إجراء لهن مجرى غير العقلاء لنقصان عقلهن كقوله:{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيمَانُهُنَّ} اهـ قسط.

(قال عروة) بن الزبير بالسند السابق (قالت عائشة ثم إن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أي طلبوا منه الفتيا في أمر النساء (بعد) نزول (هذه الآية) وهي قوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} (فيهن) أي في يتامى النساء (فأنزل الله عز وجل معطوف على استفتوا أي أنزل في وسط هذه السورة ({وَيَسْتَفْتُونَكَ}) أي يستخبرك ويسألك يا محمد جماعة من الصحابة ما أشكل

ص: 511

فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [النساء: 127].

قَالتْ: وَالَّذِي ذَكَرَ اللهُ تَعَالى؛ أَنَّهُ يُتْلَى عَلَيكُمْ فِي الْكِتَابِ، الآيَةُ الأُولَى الَّتِي قَال اللهُ فِيهَا:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3]

ــ

عليهم ({فِي}) شؤون ({النِّسَاءِ}) وحقوقهن ويطلبونك ببيان ما غمض وخفي عليهم من أحكامهن من جهة حقوقهن المالية والزوجية كالعدل في المعاشرة وحين الفرقة والنشوز، والاستفتاء طلب الفتوى وهو إظهار ما أشكل من الأحكام الشرعية وكشفه وتبيينه، قال المفسرون: والذي استفتوه فيه هو ميراث النساء والصغار وذلك أنهم كانوا لا يورثون النساء ولا الصغار من الأولاد فلما نزلت آية الميراث {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَينِ} [النساء: 11] قالوا: يا رسول الله كيف ترث المرأة والصغير؟ وكيف نعطي المال من لا يركب فرسًا ولا يحمل سلاحًا ولا يقاتل عدوًا؟ فأجابهم بهذه الآية، فقال ({قُلِ}) لهم يا محمد في جواب استفتائهم ({اللَّهُ}) سبحانه وتعالى ({يُفْتِيكُمْ}) أي يبين لكم ما أشكل عليكم ({فِيهِنَّ}) أي في حقوقهن وشؤونهن من الميراث والمعاشرة وغير ذلك بما يوحيه إليك من الأحكام المبينة في الأحاديث، وبما سيأتي من الآيات الكريمة المتعلقة بشؤون النساء يبين لكم أيضًا ({وَمَا يُتْلَى}) ويقرأ ({عَلَيكُمْ}) أيها المؤمنون ({فِي الْكِتَابِ}) [النساء: 127] أي في القرآن مما نزل في أول هذه السورة ({فِي يَتَامَى النِّسَاءِ}) أي في بيان حقوق اليتامى من النساء ({اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ}) أي اللاتي لا تعطونهن ما وجب لهن من الميراث أو الصداق وذلك لأنهم يورثون الرجال دون النساء، والكبار دون الصغار فإنهم لا يعطونهن ما كُتب لهن من الإرث إذا كان في أيديهم لولايتهم عليهن ({وَتَرْغَبُونَ}) أي تطمعون في ({أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ}) وتزوّجوهن لمالهن وجمالهن بأقل من صداقتهن أو ترغبون وتعرضون عن أن تنكحوهن وتتزوّجوهن لدمامتهن وتمسكونهن رغبة في مالهن فلا تنكحوهن بأنفسكم ولا تنكحوهن لغيركم حتى يبقى مالهن في أيديكم (قالت) عائشة (والذي ذكر الله تعالى أنه يُتلى عليكم في الكتاب) في يتامى النساء والموصول مبتدأ خبره (الآية الأولى التي قال الله تعالى فيها) أي في ذكرها أول السورة ({وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3]،

ص: 512

قَالتْ عَائِشَةُ: وَقَوْلُ اللهِ فِي الآيَةِ الأُخرَى: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [النساء: 127]، رَغْبَةَ أَحَدِكُمْ عَنِ الْيَتِيمَةِ الَّتِي تَكُونُ فِي حَجْرِهِ، حِينَ تَكُونُ قَلِيلَةَ الْمَالِ وَالْجَمَالِ. فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا رَغِبُوا فِي مَالِهَا وَجَمَالِهَا مِنْ يَتَامَى النِّسَاءِ إِلَّا بِالْقِسْطِ. مِنْ أَجْلِ رَغْبَتِهِمْ عَنْهُنَّ

ــ

(قالت عائشة وقول الله) عز وجل (في الآية الأخرى) أي في الآية الأخيرة ({وَتَرْغَبُونَ}) عن ({أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ}) يعني (رغبة أحدكم) وإعراضه (عن) تزوج (اليتيمة التي تكون في حجره) وولايته أي إعراضه عنها (حين تكون قليلة المال والجمال فنهوا) عن (أن ينكحوا ما رغبوا) أي من رغبوا (في مالها وجمالها من يتامى النساء إلا بالقسط) والعدل في صداقهن (من أجل رغبتهم عنهن) أي عن زواجها حين كانت قليلة المال والجمال فينبغي أن يكون نكاح الغنية الجميلة ونكاح الفقيرة الدميمة على السواء في العدل.

وحاصل كلام عائشة رضي الله تعالى عنها أن من ولي يتيمة من أبناء أعمامها كأن يظلمها في الجاهلية من ناحيتين فإن كانت اليتيمة ذات مال وجمال رغب في أن يتزوجها بنفسه دون أن يعطيها صداق مثلها فكان ينكحها بأقل من مهر المثل فأمره الله سبحانه وتعالى أن لا يتزوجها في هذه الحالة بل يتزوج غيرها من أحل الله له بما شاء من المهر لئلا يبخس اليتيمة حقها في المهر وهذا هو المراد من قوله سبحانه {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} الآية. وأما إذا كانت اليتيمة قليلة الجمال ولها مال فلا يتزوجها الولي لعدم رغبته في جمالها ولا يزوّجها أحدًا غيره خشية أن يذهب الزوج بمالها فيمسكها عنده غير متزوجة ولا يخفى ما في ذلك من الظلم عليها فنهاه الله تعالى من هذا الظلم وأمره بأحد الأمرين إما أن يتزوجها بنفسه على مهر مثلها وإما أن ينكحها غيره وهذا هو المراد من قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيكُمْ فِي الْكِتَابِ} الآية.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع كثيرة منها في تفسير سورة النساء باب {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} [4573]، وأبو داود في النكاح باب ما يكره أن يجمع بينهن من النساء [2068]، والنسائي في النكاح باب القسط في الأصدقة [3346].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

ص: 513

7344 -

(00)(00) وحدّثنا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. جَمِيعًا عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِح، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ؛ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ قَوْلِ اللهِ:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} [النساء: 3]، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ: مِنْ أَجْلِ رَغبَتِهِمْ عَنْهُنَّ، إِذَا كُنَّ قَلِيلاتِ الْمَالِ وَالْجَمَالِ.

7345 -

(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، فِي قَوْلِهِ:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} [النساء: 3]. قَالت: أُنْزِلَت فِي الرَّجُلِ تَكُونُ لَهُ الْيَتِيمَةُ وَهُوَ وَليُّهَا وَوَارِثُهَا. وَلَهَا مَالٌ. وَلَيسَ لَهَا أَحَدٌ يُخَاصِمُ دُونَهَا

ــ

7344 -

(00)(00)(وحدثنا الحسن بن علي الحلواني) الهذلي المكي، ثقة، من (11)(وعبد بن حميد) الكسي، ثقة، من (11)(جميعًا) أي كلاهما رويا (عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد) الزهري، ثقة، من (9)(حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد (عن صالح) بن كيسان الغفاري (عن ابن شهاب أخبرني عروة أنه سأل عائشة) رضي الله تعالى عنها وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة صالح ليونس أي سألها (عن) سبب نزول (قول الله) عز وجل وعن تفسيره يعني قوله ({وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} وساق) صالح بن كيسان (الحديث بمثل حديث يونس عن الزهري و) لكن (زاد) صالح (في آخره) أي في آخر الحديث نُهوا عن نكاحها إذا كانت ذات جمال ومال (من أجل رغبتهم عنهن إذا كن قليلات المال والجمال) أي زاد لفظة إذا كن قليلات المال والجمال.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال:

7345 -

(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا أبو أسامة حدثنا هشام) بن عروة (عن أبيه عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة هشام للزهري أي روى عنها (في) سبب نزول (قوله) تعالى:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} أي سألها عنه فـ (قالت أنزلت) هذه الآية (في الرجل تكون له اليتيمة) وهي التي مات أبوها (وهو وليها) في النكاح (ووارثها) إذا ماتت كبنت عمه أو بنت ابن عمه (ولها مال وليس لها أحد) من الأولياء (يخاصمـ) ـه ويدافعه (دونها) أي عنها

ص: 514

فَلَا يُنْكِحُهَا لِمَالِهَا. فَيَضُرُّبِهَا ويسِيءُ صُحْبَتَهَا. فَقَال: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3]. يَقُولُ: مَا أَحْلَلْتُ لَكُمْ. وَدَعْ هَذِهِ الَّتِي تَضُرُّ بِهَا.

7346 -

(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ، عَنْ هِشَام، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، فِي قَوْلِهِ:{وَمَا يُتْلَى عَلَيكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [النساء: 127]

ــ

(فلا ينكحها) بضم الياء من الإنكاح بمعنى التزويج أي لا يزوّجها ذلك الولي لغيره (لمالها) أي لأجل الرغبة في مالها (فيضر بها) أي فيضر ذلك الولي بها يقال ضره وأضر به فالثلاثي بحذف الباء والرباعي بإثباتها فكلاهما بمعنى واحد أي يضر بها بعد تزوجه بنفسه بأن لا يعطيها مهر مثلها (ويسيء صحبتها) أي معاشرتها إذا تزوجها بعدم الإنفاق وترك المبيت عندها (فقال) الله سبحانه في ذلك الولي (إن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب) وحل (لكم من النساء) الأجنبيات (يقول) تعالى ويريد بذلك أي بقوله ما طاب لكم أي (ما أحللت لكم) غير المحرمات السابقة (ودع) أي واترك أيها الولي (هذه) اليتيمة (التي تضر بها) أي تريد إضرارها إذا تزوجتها ولا توفي لها حقها وتبادر إلى إسراف مالها، قال القرطبي: وقد اتفق كل من يعاني العلوم على أن قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} ليس له مفهوم إذ قد أجمع المسلمون على أن من لم يخف القسط في اليتامى له أن ينكح أكثر من واحدة أو اثتين أو ثلاثًا أو أربعًا كمن خاف فدل ذلك على أن الآية نزلت جوابًا لمن خاف وأن حكمها أعم من ذلك اهـ مفهم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في هذا الحديث فقال:

7346 -

(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبدة بن سليمان) الكلابي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن هشام) بن عروة (عن أبيه عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبدة بن سليمان لأبي أسامة أي روى عنها عروة (في) بيان سبب نزول (قوله) تعالى:{قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ} وفرض ({لَهُنَّ}) من المهور أو الميراث لأنهم يورثون الرجال دون النساء كما مر آنفًا ({وَتَرْغَبُونَ}) أي

ص: 515

قَالت: أُنْزِلَتْ فِيِ الْيَتِيمَةِ. تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَتَشْرَكُهُ فِي مَالِهِ. فَيَرْغَبُ عَنْهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا. ويكْرَهُ أَنْ يُزَوَّجَهَا غَيرَهُ. فَيَشْرَكُهُ فِي مَالِهِ، فَيَعْضِلُهَا فَلَا يَتَزَوَّجُهَا وَلَا يُزَوِّجُهَا غَيرَهُ.

7347 -

(00)(00) حدَّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، فِي قَوْلِهِ:{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} [النساء: 127] الآيَةَ. قَالتْ: هِيَ الْيَتِيمَةُ الَّتِي تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ. لَعَلَّهَا أَنْ تَكُونَ قَدْ شَرِكَتْهُ فِي مَالِهِ. حَتَّى فِي الْعَذْقِ. فَيَرْغَبُ، يَعْنِي، أَنْ يَنْكِحَهَا. وَيَكْرَهُ أَنْ

ــ

تطمعون في ({أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ})[النساء: 127] وتزوّجوهن لمالهن وجمالهن بأقل من صداقهن أو ترغبون وتعرضون عن أن تنكحوهن لدمامتهن وتمسكوهن رغبة في مالهن فلا تنكحوهن ولا تنكحوهن غيركم حتى يبقى مالهن في أيديكم وقد كان الرجل منهم يضم اليتيمة ومالها إلى نفسه فإن كانت جميلة تزوّجها وأكل المال، وإن كانت دميمة عضلها عن التزوج حتى تموت فيرثها (قالت) عائشة (أنزلت) هذه الآية (في اليتيمة تكون عند الرجل فتشركه) من باب سمع أي تشاركه (في ماله فيرغب عنها) أي يعرض عن (أن يتزوجها) لدمامتها، والجملة الفعلية في تأويل مصدر مجرور على كونه بدل اشتمال من الضمير المجرور بعن (وبكره أن يزوّجها غيره فيشركه) بفتح الراء أي فيشاركه ذلك الغير (في ماله) أي في مالها الذي في يده (فيعضلها) من بابين ضرب ونصر أي فيمنعها من الزواج (فلا يتزوجها) بنفسه (ولا يزوّجها غيره).

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال:

7347 -

(00)(00)(حدثنا أبو كريب حدثنا أسامة أخبرنا هشام عن أبيه عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي أسامة لعبدة بن سليمان أي روى عنها (في) سبب نزول (قوله) تعالى:{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} الآية، قالت) عائشة هذه المقصودة في هذه الآية (هي اليتيمة التي) مات أبوها (تكون عند الرجل) الذي كان وليًّا لها كابن عمها (لعلها) أي لعل تلك اليتيمة يشفق منها (أن تكون قد شركته في ماله حتى في العذق) بفتح العين وسكون الذال حتى في النخل (فيرغب) أي يعرض (يعني) عن (أن ينكحها) ويزوّجها لقلة جمالها (ويكره أن

ص: 516

يُنْكِحَهَا رَجُلًا فَيَشْرَكُهُ فِي مَالِهِ. فَيَعْضِلُهَا

ــ

ينكحها) ويزوّجها (رجلًا) غيره (فيشركه في ماله فيعضلها) بكسر الضاد وضمها يقال عضل الرجل المرأة إذا منعها من التزوج ظلمًا (قوله فيشركه في ماله) لأن اليتيمة إذا تزوجت غير وليها انقطع حق الولي من مالها وصار الزوج أحق بها فكأنه اقتطع نصيبًا من مال الولي وإلا فلا شركة له في مال الولي حقيقة أو المراد أن اليتيمة كانت شريكة في ماله حقيقة فيقوم زوجها على نصيبها فكأنه شارك الولي في ماله.

ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث عائشة وذكر فيه أربع متابعات.

***

ص: 517