المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌759 - (3) باب اقتراب الفتن، وفتح ردم يأجوج ومأجوج، والخسف بالجيش الذي يوم البيت، ونزول الفتن كمواقع القطر - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٢٦

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌757 - (1) باب قيام الناس في عرقهم على قدر أعمالهم ودنو الشمس إليهم وخطبته صلى الله عليه وسلم وتعليمه الناس

- ‌758 - (2) باب إذا مات المرء عرض عليه مقعده، وما جاء في عذاب القبر، وسماع الميت قرع النعال، وفي إثبات الحساب، والأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت

- ‌ كتاب الفتن وأشراط الساعة

- ‌759 - (3) باب اقتراب الفتن، وفتح ردم يأجوج ومأجوج، والخسف بالجيش الذي يوم البيت، ونزول الفتن كمواقع القطر

- ‌760 - (4) باب ذكر حكم تواجه المسلمين بسيفيهما، وهلاك هذه الأمة بعضهم ببعض، وإخباره صلى الله عليه وسلم عما يكون إلى يوم القيامة، وذكر الفتنة التي تموج كموج البحر

- ‌761 - (5) باب لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب، وفتح القسطنطينية وخروج الدجال، ونزول عيسى وقيام الساعة والروم أكثر الناس وإقبال الروم في كثرة القتل عند خروج الدجال

- ‌762 - (6) باب فتوحات المسلمين قبل الدجال والآيات التي تكون قبل الساعة ولا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز وفي سكنى المدينة وعمارتها قبل الساعة وعدم إنبات الأرض مع كثرة المطر وكون الفتنة من المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان

- ‌763 - (7) باب لا تقوم الساعة حتى تعبد دوس ذا الخلصة، وحتى يمر الرجل على القبر فيتمنى أن يكون صاحبه، وأنه يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة، وذكر القحطاني والجهجاه، وقتال الترك، وذكر الخليفة الذي لا يعد المال عند قسمته

- ‌764 - (8) باب ذكر قتل عمار، وأغيلمة من قريش تكون فتنة لمن في زمنها، وإذا هلك كسرى…إلخ، وفتح مدينة جانبها في البحر، وقتال اليهود حتى يقول الحجر: يا مسلم، وذكر دجالين بين يدي الساعة

- ‌765 - (9) باب ذكر ابن صياد

- ‌766 - (10) باب ذكر الدجال وصفته وما معه من الفتن

- ‌767 - (11) باب حرمة المدينة على الدجال وقتله المؤمن وإحيائه هناك، وكون الدجال أهون على الله عز وجل، وقدر مكثه في الأرض، ونزول عيسى وقتله إياه

- ‌768 - (12) باب في ذكر حديث الجساسة وما فيه من ذكر الدجال

- ‌769 - (13) باب في بقية أحاديث الدجال وفضل العبادة في الهرج وقُرب الساعة وذكر ما بين النفختين

- ‌ كتاب الزهد

- ‌770 - (14) باب كون الدنيا سجن المؤمن وهوانها عند الله تعالى وما للمرء من ماله وما يحذر من بسط الدنيا ومن التنافس فيها والنهي عن النظر إلى من فوقك في الدنيا

- ‌771 - (15) باب في الابتلاء بالدنيا وكيف يعمل فيها، والخمول فيها والتقلل منها، والتزهيد في الدنيا والاجتزاء بالخشن منها، ورؤية الله في الآخرة ومخاطبة الرب عبده فيها

- ‌772 - (16) باب ضيق معيشة آل محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌773 - (17) باب النهي عن دخول مساكن الذين ظلموا إلا أن يبكوا، وفضل الساعي على الأرامل والأيتام، والباني للمساجد، وفضل الصدقة على المساكين، وتحريم الرياء ونحوه، ووجوب حفظ اللسان، وعقوبة من يأمر ولا يفعل، والنهي عن هتك الستر عن نفسه، وندب التشميت عند العطاس وكراهية التثاؤب

- ‌ كتاب في أحاديث متفرقة

- ‌774 - (18) باب خلق الملائكة والجان وآدم وأن الفأر مسخ ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين والمؤمن أمره كله خير والنهي عن المدح إذا كان فيه إفراط وتقديم الأكبر في مناولة الشيء وغيرها والتثبت في الحديث وحكم كتابة العلم وقصة أصحاب الأخدود

- ‌775 - (19) باب في حديث أبي اليسر وحديث جابر الطويل رضي الله تعالى عنهما وحديث الهجرة ويقال له حديث الرحل بالحاء

- ‌ كتاب التفسير

- ‌776 - (20) باب في تفسير قوله تعالى: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا}

- ‌777 - (21) باب تتابع الوحي قرب وفاته صلى الله عليه وسلم

- ‌778 - (22) باب بيان تفسير قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}

- ‌779 - (23) باب تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} الآية

- ‌780 - (24) باب قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}

- ‌781 - (25) باب قوله تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ}

- ‌782 - (26) باب قوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا}

- ‌783 - (27) باب قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ}

- ‌784 - (28) باب قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ}

- ‌785 - (29) باب في قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيتَ النَّاسَ} إلخ

- ‌786 - (30) باب قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا}

- ‌787 - (31) باب في قوله تعالى: {وَلَيسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} الآية

- ‌788 - (32) باب في قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ}

- ‌789 - (33) باب قوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [

- ‌790 - (34) باب في قوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ}

- ‌791 - (35) باب في قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} الآية

- ‌792 - (36) باب في بيان سبب نزول سورة براءة والأنفال والحشر، وبيان تسميتها بهذه الأسماء

- ‌793 - (37) باب في نزول تحريم الخمر

- ‌794 - (38) باب نزول قوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} الآية

الفصل: ‌759 - (3) باب اقتراب الفتن، وفتح ردم يأجوج ومأجوج، والخسف بالجيش الذي يوم البيت، ونزول الفتن كمواقع القطر

‌759 - (3) باب اقتراب الفتن، وفتح ردم يأجوج ومأجوج، والخسف بالجيش الذي يوم البيت، ونزول الفتن كمواقع القطر

7062 -

(2852)(19) حدَّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَينَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، عَنْ زَينَبَ بِنْتِ جَحْشٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَيقَظَ مِنْ نَوْمِهِ وَهُوَ يَقُولُ: "لَا إِلَهَ إِلَّا

ــ

759 -

(3) باب اقتراب الفتن، وفتح ردم يأجوج ومأجوج، والخسف بالجيش الذي يوم البيت، ونزول الفتن كمواقع القطر

وقوله (اقتراب) هو افتعال بمعنى القرب لأن باب افتعل يأتي بمعنى الثلاثي أي باب في قرب وقوع الفتن التي تدل على قرب الساعة التي منها فتح ردم يأجوج ومأجوج أي فتح سدهما الذي سده عليهما ذو القرنين، وعطف ردم يأجوج ومأجوج على الفتن من عطف الخاص على العام لغرض الاهتمام به أو من عطف المفصل على المجمل أي باب قرب الفتن وقرب فتح ردم يأجوج ومأجوج.

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأول من الترجمة وهو فتح ردم يأجوج ومأجوج بحديث زينب بنت جحش رضي الله تعالى عنها فقال:

7062 -

(2852)(19)(حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة) بن الزبير (عن زينب بنت أم سلمة) ربيبته صلى الله عليه وسلم وبنت أبي سلمة الصحابية المخزومية رضي الله تعالى عنها (عن أم حبيبة) رملة بنت أبي سفيان بن حرب الأموية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، روى عنها في (3) أبواب (عن زينب بنت جحش) بن رئاب بن يعمر الأسدية أم المؤمنين رضي الله عنها، أمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لها أحد عشر حديثًا، ويروي عنها (ع) وابن أخيها محمد بن عبد الله بن جحش وزينب بنت أبي سلمة ومولاها مذكور وجماعة، ماتت سنة عشرين في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته، ومن لطائفه أنه اجتمع فيه ثلاث صحابيات ربيبته صلى الله عليه وسلم وزوجتاه يروي بعضهم عن بعض اهـ أبي (أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ) أي انتبه يومًا (من نومه وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (يقول لا إله إلا

ص: 60

اللهُ. وَيلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ. فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأجُوجَ وَمَأجُوجَ مِثلُ هَذِهِ".

وَعَقَدَ سُفْيَانُ بِيَدِهِ عَشَرَةً

ــ

الله ويل للعرب) أي هلاك لهم (من شر قد اقترب) أي قرُب وقوعه عليهم، هذا الكلام ظاهر في أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر به عن شر وفتنة اقترب إصابتها للعرب ولم يبيّن صلى الله عليه وسلم أكثر من ذلك ولا عيّن تلك الفتنة، وقد اختلف الشراح في تعيينها فمنهم من ذهب إلى أنه إشارة إلى قتل عثمان رضي الله عنه حيث تتابعت بعد ذلك الفتن، وقال القرطبي: هذا تنبيه على الاختلاف والفتن والهرج الواقع في العرب وأول ذلك قتل عثمان رضي الله عنه ولذلك أخبر عنه بالقرب ثم لم يزل كذلك إلى أن صارت العرب بين الأمم كالقصعة الواقعة بين الأكلة كما قال في الحديث الآخر "أوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها" رواه أحمد وأبو داود عن ثوبان قال ذلك مخاطبًا للعرب كما خاطبهم بقوله أيضًا "إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر" كما سيأتي اهـ من المفهم. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم خص العرب بذلك لأنهم كانوا حينئذ معظم من أسلم (فُتح) أي فرج (اليوم) أي الآن (من ردم) أي من سد (يأجوج ومأجوج مثل) أي قدر (هذه الفرجة التي ترونها بين إبهامي وسبابتي (وعقد سفيان) بن عيينة (بيده) أي عد سفيان بعقد أصابعه الأربعة غير السبابة (عشرة) أي أشار بها إلى عشرة من العدد لأنه جعل طرف السبابة على باطن نصف الإبهام فالأصابع الثلاثة الخنصر والبنصر والوسطى لكل منها ثلاث عقد فتكون إشارة إلى تسعة ويحسب من الإبهام العقدة العليا لأن السفلى مقبوضة مع السبابة فلا تُحسب فإذا ضممت العقدة العليا من الإبهام إلى عقد الأصابع الثلاثة تكون جملة العقد عشرة فتكون كل واحدة منها إشارة إلى واحد.

والردم هو السد الذي بناه ذو القرنين على يأجوج ومأجوج سدًّا لطريق خروجهم إلى ما وراء الجبلين، والردم هو سد الثلمة بالحجر والردم هو بمعنى المردوم، ويأجوج ومأجوج يهمزان ولا يهمزان قبيلتان من ولد يافث بن نوح عليه السلام والصحيح أنهم أمة من بني آدم وما رُوي من خلاف هذا فإنه لا أصل له في الروايات الصحيحة وإنما هو منقول من بعض أهل الكتاب. فمن همزهما جعلهما من أجيج النار وهو ضوءها

ص: 61

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وحرارتها، وقيل من الأجاج وهو الماء الشديد الملوحة وسُموا بذلك لكثرتهم وشدتهم، وقيل هما اسمان أعجميان غير مشتقين، أما كثرتهم فقد ذكر القزويني في كتابه المسمى بعيون المعاني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يأجوج أمة لها أربعمائة أمير وكذلك مأجوج، لا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف فارس من ولده وكذلك مأجوج، وإذا خرجوا فمقدمتهم بالشام وساقتهم بخراسان يربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية ويأكلون كل فيل وخنزير ومن مات منهم أكلوه، وأما شدتهم فصنف منهم كالأرز طول أحدهم مائة وعشرون ذراعًا وصنف منهم في طول شبر لهم مخالب وأنياب كأنياب السباع وتداعى الحمام وتسافد البهائم وعواء الذئب وشعور تقيهم الحر والبرد، وآذان عظام أحدها وبرة يشتون فيها وأخرى جلدة يصيفون فيها فيمنعهم الله من مكة والمدينة وبيت المقدس، يحفرون السد حتى كادوا ينقبونه فيعيده الله كما كان حتى يقولوا ننقبه غدًا إن شاء الله فينقبون ويخرجون ويتحصن الناس بالحصون فيرمون السهام إلى السماء فترد إليهم ملطخًا بالدم ثم يهلكهم الله بالنغف في رقابهم وهو الدود" قاله علي رضي الله عنه اهـ من المفهم والله أعلم.

ويحتمل أن يكون قوله (فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج) محمولًا على الحقيقة على أن سد ذي القرنين كان سالمًا إلى ذلك اليوم فحدثت فيه ثلمة يومئذ، ويحتمل أن يكون محمولًا على المجاز فيكون كناية عن ظهور أمارات الفتن، ويحتمل أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في المنام ذلك السد بعينه ورأى أنه قد انكسر بمقدار حلقة وكان تعبير ذلك الرؤيا أن العرب تصيبهم مصيبة ويشكل على الاحتمال الأول ما رواه الترمذي في تفسير سورة الكهف [رقم / 3153] عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في السد قال:"يحفرونه كل يوم حتى إذا كادوا يخرقونه قال الذي عليهم ارجعوا فستخرقونه غدًا فيعيده الله كأشد ما كان حتى إذا بلغ مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس قال الذي عليهم ارجعوا فستخرقونه غدًا إن شاء الله واستثنى قال فيرجعون فيجدونه كهيئته حين تركوه فيخرقونه فيخرجون على الناس" الحديث. وهذا يدل على أن يأجوج ومأجوج يحفرون كل يوم ولا يزالون يفعلون ذلك إلى حين خروجهم بقرب القيامة ويمكن الجواب عنه بأن هذه الرواية وإن حسنّها الترمذي، ولكنه قال: حسن غريب إنما نعرفه من هذا الوجه مثل هذا، وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره

ص: 62

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَال: نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ"

ــ

[3/ 105] وإسناده جيد قوي ولكن متنه في رفعه نكارة لأن ظاهر الآية يقتضي أنهم لم يتمكنوا من ارتقائه ولا من نقبه لإحكام بنائه وصلابته وشدته ولكن هذا قد رُوي عن كعب الأحبار أنهم قبل خروجهم يأتونه فيلحسونه ويقولون غدًا نفتحه ويُلهمون أن يقولوا إن شاء الله فيصبحون وهو كما فارقوه فيفتحونه وهذا متجه، ولعل أبا هريرة تلقاه من كعب فإنه كان كثيرًا ما كان يجالسه ويحدّثه فحدّث به أبو هريرة فتوهم بعض الرواة عنه أنه مرفوع فرفعه، وقال الحافظ ابن كثير أيضًا في البداية والنهاية [2/ 112] فإن لم يكن رفع هذا الحديث محفوظًا وإنما هو مأخوذ عن كعب الأحبار كما قاله بعضهم فقد استرحنا من المؤنة وإن كان محفوظًا فيكون محمولًا على أن صنيعهم هذا يكون في آخر الزمان عند اقتراب خروجهم كما هو المروي عن كعب الأحبار أو يكون المراد بقوله:{وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} أي نافذًا منه فلا ينفوا أن يلحسوه ولا ينفذوه والله أعلم. وعلى هذا فيمكن الجمع بين هذا وبين ما في الصحيحين عن أبي هريرة "فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وعقد تسعين" أي فُتح فتحًا نافذًا فيه والله أعلم.

قالت زينب (قلت) له صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون) بفتح النون وكسر اللام على البناء للفاعل وكان زينب رضي الله تعالى عنها فهمت من فتح القدر المذكور من الردم أن الأمر إن تمادى على ذلك اتسع الخرق بحيث يخرجون فكان عندها علم أن في خروجهم على الناس إهلاكًا عامًّا لهم فسألت عن ذلك (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) تهلكون (إذا كثُر الخبث) بفتح الخاء والباء وفسروه بالزنا وبأولاد الزنا وبالفسوق والفجور وهو أولى لأنه قابله بالصلاح، قال ابن العربي: فيه الدلالة على أن الخير يهلك بهلاك الشرير إذا لم يغير عليه خبثه وكذلك إذا غيّر عليه لكن حيث لا يجدي ذلك ويصر الشرير على عمله السيء ويفشو ذلك ويكثر حتى يعم الفساد فيهلك حينئذ القليل والكثير نعم يُحشر كل أحد على نيته اهـ فتح الباري [13/ 109] وهو في معنى قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} .

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [7/ 428]، والبخاري في مواضع منها في الفتن باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "ويل للعرب من شر قد اقترب، [7059] وباب يأجوج ومأجوج [7135]، والترمذي في الفتن باب ما جاء في خروج

ص: 63

7063 -

(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَسَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشعَثِيُّ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابنُ أَبِي عُمَرَ. قَالُوا: حَدَّثَنَا سُقيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذا الإِسْنَادِ، وَزَادُوا فِي الإِسْنَادِ عَنْ سُفْيَانَ، فَقَالُوا: عَنْ زَينَبَ بِنتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ حَبِيبَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، عَنْ زَينَبَ بِنتِ جَحْشٍ

ــ

مأجوج [2187]، وابن ماجه في الفتن باب ما يكون من الفتن [4001].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها فقال:

7063 -

(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وسعيد بن عمرو) بن سهل الكندي (الأشعثي) أبو عثمان الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب، انفرد بالرواية عنه (م)(وزهير بن حرب و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (قالوا) أي قال كل من هؤلاء الأربعة (حدثنا سميان عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن زينب عن أم حبيبة عن زينب (وزادوا) أي زاد هؤلاء الأربعة (في) سلسلة (الإسناد عن سفيان) حبيبة بنت عيد الله بن جحش (فقالوا) في زيادتها عن عروة (عن زينب بنت أم سلمة عن حبيبة) بنت عبيد الله بن جحش زوج أم حبيبة أولًا الذي كان قد تنصر في الحبشة فهي ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم (عن أم حبيبة) أم المؤمنين (عن زينب بنت جحش) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهن. فهذا الإسناد من ثمانياته، غرضه بيان متابعة هؤلاء الأربعة لعمرو الناقد، وقد اجتمع في هذا الإسناد لطائف الأول منها أن فيه أربعة من النساء الصحابيات تروي كل منهن عن الأخرى، والثاني أن زينب بنت أم سلمة وحبيبة بنت عبيد الله كلتاهما ربيبتان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأم حبيبة وزينب بنت جحش كلتاهما زوجتان له صلى الله عليه وسلم، والثالث أن حبيبة تروي هذا الحديث عن أمها عن عمتها لأن زينب بنت جحش أخت لأبيها عبيد الله بن جحش، وقد جمع الحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدي جزءا في الأحاديث المسلسلة بأربعة من الصحابة وجملة ما فيه أربعة أحاديث، وبلغها الحافظ عبد القادر الرهاوي والحافظ يوسف بن خليل إلى تسعة أحاديث وأصحها حديث الباب اهـ من فتح الباري. قال النووي: ولا يعلم حديث اجتمع فيه أربع صحابيات بعضهن عن بعض غير هذا ثم إن بعض العلماء زعم أن هذه الرواية التي وقعت بزيادة (حبيبة) في الإسناد تؤذن بانقطاع

ص: 64

7064 -

(00)(00) حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ؛ أَنَّ زَينَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ أَخبَرَتْهُ؛ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ أَخبَرَتهَا؛ أَنَّ زَينَبَ بِنْتَ جَحشٍ، زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا فَزِعًا، مُحْمَرًّا وَجْهُهُ، يَقُولُ:"لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ. وَيلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ. فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمأجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ" وَحَلَّقَ بإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ، وَالَّتِي تَلِيهَا

ــ

الطريق السابق الذي ليس فيه ذكر (حبيبة) ولكن الصحيح أن زينب بنت أبي سلمة سمعت هذا الحديث مرة عن أم حبيبة بلا واسطة وأخرى بواسطة حبيبة، والدليل على ذلك ما سيأتي عن المؤلف في طريق يونس عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير أن زينب بنت أبي سلمة أخبرته أن أم حبيبة بنت أبي سفيان أخبرتها وكذلك ما أخرجه البخاري في باب علامات النبوة رقم [3598] من طريق شعيب عن الزهري قال: حدثني عروة بن الزبير أن زينب بنت أبي سلمة حدثته أن أم حبيبة بنت أبي سفيان حدثتها .. الخ، وفيه تصريح بأن أم حبيبة حدثت زينب بنت أبي سلمة بلا واسطة فكلا الطريقين صحيح والله أعلم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث زينب رضي الله تعالى عنها فقال:

7064 -

(00)(00)(حدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير أن زبنب بنت أبي سلمة أخبرته أن أم حبيبة بنت أبي سفيان أخبرتها أن زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من ثمانياته، غرضه بيان متابعة يونس لسفيان بن عيينة (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا) من عندي (فزعًا) أي خائفًا (محمرًا وجهه) لفزعه حالة كونه (يقول لا إله إلا الله وبل للعرب من شر) وفتن (قد اقترب) وقوعها فيهم (فُتح اليوم من ردم) وسد (يأجوج ومأجوج مثل هذه) الحلقة (وحلّق بأصبعه الإبهام والتي تليها) يعني السبابة فتكون الإشارة إلى تسعة بعقد الأصابع الثلاثة المرسلة فكل عقدة لها لواحد فتكون

ص: 65

قَالتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَال:"نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ".

7065 -

(00)(00) وحدَّثني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، حَدَّثَنِي عُقَيلُ بْنُ خَالِدٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ. كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. بِمِثلِ حَدِيثِ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِهِ

ــ

الإشارة إلى تسعة (قالت) زينب (فقلت) له (يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث) والفجور والزنا والفواحش.

قوله (بأصبعه الإبهام والتي تليها) قال القرطبي: هذا إخبار وتفسير من الصحابة التي شاهدت إشارة النبي صلى الله عليه وسلم ثم إن الرواة بعدهم عبّروا عن ذلك بإصطلاح الحُسّاب، فقال بعضهم: وعقد سفيان بيده عشرة كما مر، وقال بعضهم: وعقد وهيب بيده تسعين كما سيأتي وهذا تقريب في العبارة، والحاصل أن الذي فتحوا من السد قليل وهم مع ذلك لم يلهمهم الله أن يقولوا غدًا نفتحه إن شاء الله تعالى فإذا قالوها خرجوا والله أعلم اهـ من المفهم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث زينب رضي الله تعالى عنها فقال:

7065 -

(00)(00)(وحدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث) بن سعد الفهمي المصري أبو عبد الله، ثقة، من (11) روى عنه في (11) بابا (حدثني أبي) شعيب بن الليث الفهمي أبو عبد الملك المصري، ثقة، من (10) روى عنه في (11) بابا (عن جدي) ليث بن سعد (حدثني عقيل) مصغرًا (بن خالد) بن عقيل مكبرا الأموي المصري، ثقة، من (6)(ح وحدثني عمرو) بن محمد (الناقد) البغدادي (حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (9)(حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد، ثقة، من (8)(عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني، ثقة، من (4) كلاهما) أي كل من عقيل بن خالد وصالح بن كيسان رويا (عن ابن شهاب) وهذان السندان من تساعياته، غرضه بيان متابعة عقيل وصالح ليونس بن يزيد وساقا (بمثل حديث يونس) بن يزيد (عن الزهري بإسناده) أي بإسناد يونس يعني عن عروة عن زينب بنت أبي سلمة .. الخ.

ص: 66

7066 -

(2853)(20) وحدّثنا أَبُو بَكرٍ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ. حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. حَدَّثَنَا عَبدُ اللهِ بْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال:"فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأجُوجَ وَمَأَجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ" وَعَقَدَ وُهَيبٌ بِيَدِهِ تِسْعِينَ.

7067 -

(2854)(21) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. وَأَبُو بَكرٍ بْنُ أبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ -وَاللَّفْظُ لِقُتَيبَةَ- (قَال إِسْحَاقُ: أَخبَرَنَا. وَقَال الآخَرانِ: حَدَّثَنَا) جَرِيرٌ،

ــ

ثم استشهد المؤلف لحديث زينب بنت جحش بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال:

7066 -

(2853)(20)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أحمد بن إسحاق) بن زيد بن عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي مولاهم أبو إسحاق البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (14) بابا (حدثنا عبد الله بن طاوس) بن كيسان اليماني الحميري، ثقة، من (6)(عن أبيه) طاوس بن كيسان، ثقة، من (3)(عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فُتح اليوم من ردم) أي من سد (يأجوج ومأجوج مثل هذه) الحلقة (وعقد وهيب) بن خالد (بيده) أي أشار بعقد أصابع يده الثلاثة الخنصر والبنصر والوسطى أي عدَّ بعقدها عند إرسالها مع قبض السبابة والإبهام (تسعين) من العدد لأن الأصابع الثلاثة لكل منها ثلاث عقد وجملة عقدها تسع وكل عقدة تدل على عشرة فالجملة تسعون.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأنبياء باب قصة يأجوج ومأجوج [3347] وفي الفتن باب يأجوج ومأجوج [7136].

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة وهو الخسف بالجيش الذي يؤم البيت بحديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها فقال:

7067 -

(2854)(21)(حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم واللفظ لقتيبة قال إسحاق أخبرنا وقال الآخران حدثنا جرير) بن عبد الحميد

ص: 67

عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيعٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ ابْنِ الْقِبْطِيَّةِ. قَال: دَخَلَ الْحَارِثُ بْنُ أبِي رَبِيعَةَ وَعَبدُ اللهِ بْنُ صَفْوَانَ، وَأَنَا مَعَهُمَا، عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ. فَسَأَلاهَا عَنِ الجَيشِ الَّذِي يُخسَفُ بِهِ. وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَيَّامِ ابْنِ الزُّبَيرِ. فَقَالت: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَعُوذُ عَائِذٌ بِالْبَيتِ فَيُبْعَثُ إِلَيهِ

ــ

الضبي الكوفي، ثقة، من (8)(عن عبد العزيز بن رفيع) مصغرًا الأسدي أبي عبد الله المكي، ثقة، من (4) روى عنه في (7) أبواب (عن عبيد الله بن القبطية) الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (2) بابين الصلاة والفتن (قال) عبيد الله (دخل الحارث) بن عبد الله (بن أبي ربيعة) الحجازي، صدوق، من (2) كان قليل الحديث، روى عن أم سلمة في الفتن (وعبد الله بن صفوان) بن أمية بن خلف الجمحي أحد الأشراف أبو صفوان المكي، قُتل مع ابن الزبير وهو متعلق بأستار الكعبة سنة ثلاث وسبعين (73) ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من التابعين، روى عن حفصة وأم سلمة في الفتن، ثقة، من (1) روى عنه في (1) باب، قال عبيد الله بن القبطية دخلا (وأنا معهما) أي مع ابن أبي ربيعة وابن صفوان (على أم سلمة أم المرمنين) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (فسألاها) أي سألا أم سلمة (عن الجيش الذي يُخسف به) الأرض (وكان ذلك) أي سؤالهما لأم سلمة (في أيام) خلافة عبد الله (بن الزبير) رضي الله عنه اعترض على هذا أبو الوليد الكتاني بأن أم سلمة توفيت في خلافة معاوية قبل موته بسنتين سنة تسع وخمسين ولم تدرك أيام ابن الزبير، وأجاب عنه القاضي والنووي بأن هناك قولًا يقول أنها توفيت في أوائل أيام يزيد بن معاوية ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب وأبو بكر بن أبي خيثمة وعلى هذا يستقيم ما ذُكر في هذا الحديث لأن ابن الزبير نازع يزيد أول ما بلغته بيعته عند وفاة معاوية ذكر ذلك الطبراني وغيره، وقد ذكر مسلم هذا الحديث بعد هذه الرواية من رواية حفصة وقال بعد ذلك أيضًا عن أم المؤمنين ولم يسمها، قال الدارقطني: هي عائشة، قال: ورواه سالم بن أبي الجعد عن حفصة أو أم سلمة قال: والحديث محفوظ عن أم سلمة وهو أيضًا محفوظ عن حفصة هذا آخر كلام القاضي اهـ نووي. (فقالت) أم سلمة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ عائذ بالبيت) أي سوف يستجير ويلوذ ويلتجئ بالكعبة ويلوذ بها رجل من المسلمين لا منعة له ولا قوة، وقد صرح في حديث عائشة الآتي بأنه سيكون من قريش (فيبعث إليه) أي إلى ذلك

ص: 68

بَعْثٌ. فَإِذَا كَانُوا بِبَيدَاءَ مِنَ الأَرْضِ، خُسِفَ بِهِمْ" فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَكَيفَ بِمَنْ كَانَ كَارِهًا؟ قَال:"يُخْسَفُ بِهِ مَعَهُمْ. وَلَكِنَّهُ يُبعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى نِيَّتِهِ".

وَقَال أَبُو جَعْفَرٍ: هِيَ بَيدَاءُ الْمَدِينَةِ

ــ

الرجل المستجير بالبيت (بعث) أي جيش أي فيبعث إليه عدوه بعثًا ليهجم عليه وينتهك حرمة البيت والعياذ بالله من ذلك (فإذا كانوا) أولئك البعث (ببيداء) أي بمفازة (من الأرض) في طريقهم إلى البيت، والبيداء الأرض الملساء التي لا شيء فيها وهي المفازة، يُجمع على بيد كبيضاء يُجمع على بيض، وسيأتي أن أبا جعفر الباقر فسرها ببيداء المدينة وهو الموضع المشرف قدام ذي الحليفة إلى جهة مكة، ويمكن أن يكون عنده خبر معين وإلا فلفظ الحديث نكرة يصدق على آية بيداء كانت (خسف بهم) الأرض قالت أم سلمة (فقلت يا رسول الله فكيف) الحكم (بمن كان) معهم أي مع أولئك الجيش حالة كونه (كارهًا) لعملهم أو مكرهًا على عملهم فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم هو (يُخسف به) الأرض (معهم ولكنه يُبعث يوم القيامة على نيته) أي على برائته من عملهم (وقال أبو جعفر) محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني، ثقة، من (4): تلك البيداء التي يُخسف فيها الجيش (هي بيداء المدينة) المكان المشرف قدام ذي الحليفة كما مر آنفًا.

قوله (خُسف بهم) يعني أن الله عز وجل سوف يخسف بهم عقوبة لهم على عملهم الذي أرادوا به من الهجوم على الكعبة وعلى من لجأ إليها، وقال الأبي: الأظهر في هذا الخسف أنه لم يقع بعد وأنه لا بد منه لوجوب صدق خبره صلى الله عليه وسلم وحاول بعضهم أن يحمل هذا الحديث على من غزا عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، وهو مستعيذ بمكة ولكن سيأتي أن عبد الله بن صفوان رد على من زعم ذلك فقال: أما والله ما هو بهذا الجيش وقد ثبت صدقه بأن الجيش الذي هجم على ابن الزبير رضي الله عنه لم يُخسف به فظهر أن المراد في الحديث جيش آخر ولم أطلع في التاريخ على جيش يمكن أن يجعل مصداق هذا الحديث فالظاهر كما قال الأبي أنه سوف يكون في المستقبل والله أعلم. قوله (فكيف بمن كان كارهًا) أي رافقهم من غير أن يكون منه رضًا بعملهم فكأنها تعجبت من كون مثله يُخسف به مع المعذبين مع أنه لم يرض بفعلهم. قوله (يُخسف به معهم) .. الخ يعني أنه يصيبه العذاب العام في الدنيا ولكنه ينجو من عذاب الآخرة إن

ص: 69

7068 -

(00)(00) حدّثناه أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيعٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَفِي حَدِيثِهِ قَال، فَلَقِيتُ أَبَا جَعْفَرٍ، فَقُلْتُ: إِنَّهَا إِنَّمَا قَالت: بِبَيدَاءَ مِنَ الأَرْضِ. فَقَال أَبُو جَعْفَرٍ: كَلَّا. وَاللهِ، إِنَّهَا لَبَيدَاءُ الْمَدِينَةِ

ــ

كانت نيته صالحة وهذا موافق لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أنزل الله بقوم عذابًا أصاب العذاب من كان فيهم ثم بُعثوا على أعمالهم" أخرجه البخاري في الفتن رقم [2108] وقال الحافظ في الفتح [4/ 341] وفي هذا الحديث دلالة على أن الأعمال تعتبر بنية العامل والتحذير من مصاحبة أهل الظلم ومجالستهم وتكثير سوادهم ألا لمن اضطر إلى ذلك ويتردد النظر في مصاحبة التاجر لأهل الفتنة هل هي إعانة لهم على ظلمهم أو من ضرورة البشرية ثم يعتبر عمل كل أحد بنيته وعلى الثاني يدل ظاهر الحديث أي حديث عائشة وسيأتي متنه قريبًا.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في الفتن باب بدون ترجمة [2171]، وأبو داود في المهدي [4289]، وابن ماجه في الفتن باب جيش البيداء [4115].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها فقال:

7068 -

(00)(00)(حدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) بن عبد الله التميمي الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا زهير) بن معاوية بن حُديج الجعفي الكوفي، ثقة، من (7)(حدثنا عبد العزيز بن رفيع) الأسدي المكي، ثقة، من (4) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة زهير لجرير، وساق زهير (بهذا الإسناد) يعني عن ابن القبطية عن أم سلمة مثله (و) لكن (في حديثه) أي في حديث زهير وروايته لفظة (قال) عبد العزيز بن رفيع اهـ مفهم (فلقيت أبا جعفر) الهاشمي محمدًا الباقر بن علي (فقلت) له (إنها) أي إن أم سلمة (إنما قالت) لفظة (بيداء من الأرض) ولم تعينها ولم تعرّفها ببيداء مخصوصة (فقال) لي (أبو جعفر كلا) حرف ردع وزجر عما لا يليق أي ارتدع عن اعتقادك وانزجر عما قلت (والله أنها) أي إن البيداء التي يُخسف بهم فيها (لـ) هي (بيداء المدينة) التي قدام ذي الحليفة من جهة مكة، فاختلف عبد العزيز وأبو جعفر في المراد بالبيداء اهـ (ط).

ص: 70

7069 -

(2855)(22) حدَّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ (وَاللَّفْظُ لِعَمْرٍو). قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ صَفْوَانَ. سَمِعَ جَدَّهُ عَبْدَ اللهِ بْنَ صَفْوَانَ يَقُولُ: أَخبَرَتْنِي حَفْصَةُ؛ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَيَؤُمَّنَّ هَذَا الْبَيتَ جَيشٌ يَغزُونَهُ. حَتَّى إِذَا كَانوا بِبَيدَاءَ مِنَ الأَرْضِ، يُخْسَفُ بِأَوْسَطِهِمْ ويُنَادِي أَوَّلُهُمْ آخِرَهُمْ. ثُمَّ يُخسَفُ بِهِمْ. فَلَا يَبقى إِلَّا الشَّرِيدُ الَّذِي يُخبِرُ عَنْهُمْ".

فَقَال رَجُلٌ: أَشْهَدُ عَلَيكَ أَنَّكَ لَمْ تَكذِبْ عَلَى حَفْصَةَ. وَأَشهَدُ عَلَى حَفْصَةَ أَنَّهَا لَمْ تَكذِبْ عَلَى

ــ

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أم سلمة بحديث حفصة بنت عمر رضي الله عنهم فقال:

7069 -

(2855)(22)(حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (واللفظ لعمرو) الناقد (قالا حدثنا سفيان بن عيينة عن أمية بن صفوان) بن عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحي المكي، روى عن جده عبد الله بن صفوان في الفتن وأبي بكر بن أبي زهير، ويروي عنه (م س ق) وسفيان بن عيينة ونافع بن عمر، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: مقبول، من السادسة (سمع جده عبد الله بن صفوان) الجمحي المكي (يقول أخبرتني حفصة) بنت عمر أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها (أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهذا السند من خماسياته (يقول) والله (ليؤمن) أي ليقصدن (هذا البيت) المشرف يعني الكعبة المشرفة زادها الله تعالى شرفًا (جيش) في مستقبل الزمان موصوف بكونهم (يغزونه) أي يغزون أهل هذا البيت أي يريدون غزو أهله ومقاتلتهم وانتهاك حرمته ويسيرون إليه (حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض) أي بمفازة من الأرض (يُخسف بأوسطهم) وقلبهم الأرض (وينادي أولهم) ومقدمتهم (آخرهم) وساقتهم ليرجع آخرهم إلى ورائهم (ثم يُخسف بهم) جميعًا أي بأولهم وآخرهم كما خُسف بأوسطهم (فلا يبقى منهم إلا الشريد الذي) يشرد عن موضع الخسف أي يفر فـ (يخبر) الناس (عنهم) أي عن خبرهم أي عن خبر ما وقع بالجيش من الخسف (فقال رجل) من الحاضرين لعبد الله بن صفوان (أشهد عليك أنك لم تكذب على حفصة وأشهد على حفصة أنها لم تكذب على

ص: 71

النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

7070 -

(2856)(23) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ بْنِ مَيمُونٍ. حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو. حَدَّثَنَا زَيدُ بْنُ أبِي أُنَيسَةَ عَنْ عَبْدِ المَلِكِ الْعَامِرِيِّ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكٍ. أَخبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ صَفْوَانَ، عَنْ أُمِّ الْمُؤمِنِينَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "سَيَعُوذُ بِهَذَا الْبَيتِ -

ــ

النبي صلى الله عليه وسلم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي في الحج باب حرمة الحرم [2880]، وابن ماجه في الفتن باب جيش البيداء [4113].

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أم سلمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال:

7070 -

(2856)(23)(وحدثني محمد بن حاتم بن ميمون) السمين البغدادي، صدوق، من (10) روى عنه في (11) بابا (حدثنا الوليد بن صالح) النخاس بنون ومعجمة ثم مهملة بياع الدقيق الضبي أبو محمد الجزري الفلسطيني، نزيل بغداد، روى عن عبيد الله بن عمرو الرقي والحمادين والليث وغيرهم، ويروي عنه (خ م) ومحمد بن حاتم بن ميمون ويعقوب الدورقي وغيرهم، وثقة الدورقي وأبو حاتم وأبو عوانة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من صغار التاسعة، روى عنه في (1) باب واحد باب الفتن (حدثنا عبيد الله بن عمرو) بن أبي الوليد الأسدي مولاهم أبو وهب الجزري الرقي، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا زيد بن) زيد (أبي أنيسة) مصغرًا كنية أبيه زيد لأنه زيد بن زيد الغنوي أبو أسامة الجزري شيخ الجزيرة، ثقة، من (6) روى عنه في (10) أبواب (عن عبد الملك) بن ميسرة الهلالي (العامري) الزراد نسبة إلى صنعة الدروع والزرد أبي زيد الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (4) أبواب (عن يوسف بن ماهك) بفتح الهاء والكاف غير منصرف للعلمية والعجمية بن بهزاد بضم الموحدة وسكون الهاء بعدها زاي الفارسي المكي، ثقة، من (3) روى عنه في (2) بابين الوضوء والفتن (أخبرني عبد الله بن صفوان) الجمحي المكي (عن أم المومنين) عائشة رضي الله تعالى عنها كذا فسره الدارقطني كما مر آنفًا. وهذا السند من ثمانياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سيعود) ويستجير ويلتجئ (بهذا البيت) المشرف

ص: 72

يَعني الْكَعْبَةَ- قَوْمٌ لَيسَتْ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَلَا عَدَدٌ وَلَا عُدَّةٌ. يُبعَثُ إلَيهِمْ جَيشٌ. حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَيدَاءَ مِنَ الأَرْضِ خُسِفَ بِهِم".

قَال يُوسُفُ: وَأَهْلُ الشَّأمِ يَوْمَئِذٍ يَسِيرُونَ إِلَى مَكَّةَ. فَقَال عَبدُ اللهِ بْنُ صَفْوَانَ: أَمَا وَاللهِ، مَا هُوَ بِهَذَا الجَيشِ

ــ

(يعني) به (الكعبة) المشرفة (قوم ليست لهم منعة) أي عشيرة تحميهم عمن يظلمهم ويبغي عليهم بفتح النون وبكسرها وهي العشيرة التي تمنع عنهم الأعداء وهو بتحريك النون جمع مانع ككتبة جمع كاتب وبالسكون مصدر منع اهـ مفهم، أي ليس لهم من يحميهم ويمنعهم (ولا عدد) كثير يمنع عنهم العدو (ولا عدة) أي ولا أسلحة يدفعون بها عن أنفسهم (يُبعث إليهم) أي إلى هؤلاء الضعفاء اللاجئين إلى البيت (جيش) تقاتلهم وتأخذهم أي يبعث إليهم عدوهم جيشًا تقاتلهم وتنتهك حرمة البيت فيذهبون إلى البيت لقتالهم (حتى إذا كانوا) أي كان أولئك الجيش (ببيداء) أي بمفازة (من الأرض خُسف بهم) أي خسف الله بهم الأرض (قال يوسف) بن ماهك (وأهل الشام) يعني جيش يزيد بن معاوية (يومئذ) أي يوم إذا وقعت فتنة ابن الزبير (يسيرون إلى مكة) لقتال ابن الزبير الملتجئ إلى الحرم المكي (فقال عبد الله بن صفوان) الجمحي المكي (أما) حرف استفتاح وتنبيه أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (والله ما هو) أي ما الجيش الذي يُخسف به (بهذا الجيش) الذي أرسله يزيد بن معاوية إلى مكة لأخذ ابن الزبير كما قد ظهر أن هذا الجيش لم يُخسف به والذي أثار هذا الحديث في وقت عبد الله بن الزبير أن عبد الله بن الزبير لجأ إلى البيت عندما طالبه يزيد بن معاوية بأن يبايعه ففر من المدينة إلى مكة واستجار بالبيت ووافقه على رأيه ذلك جماعة على خلاف يزيد فجهز يزيد جيشًا من أهل الشام إلى مكة فحدّث الناس أن ذلك الجيش يُخسف به وذكروا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحينئذ قال لهم عبد الله بن صفوان: أما والله ما هو بهذا الجيش! كما ظهر أن ذلك الجيش لم يُخسف به اهـ من المفهم. وعبد الله بن صفوان هذا أدرك زمان النبي صلى الله عليه وسلم وكان من أشراف قريش وكان ممن يقوي أمر عبد الله بن الزبير رضي الله عنه ولما حوصر بابن الزبير أذن له ابن الزبير بأن يخرج من حزبه ليصون نفسه وقال: قد أذنت لك وأقلتك بيعتي، فأبى عبد الله بن صفوان أن يتركه في هذه الحالة حتى قُتل معه وهو متعلق بأستار الكعبة حكاه الزبير بن بكار كما في تهذيب

ص: 73

قَال زَيدٌ: وَحَدَّثَنِي عَبدُ المَلِكِ الْعَامِرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، عَنْ أُمِّ الْمُؤمِنِينَ. بِمِثلِ حَدِيثِ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكٍ. غَيرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْجَيشَ الَّذِي ذَكَرَهُ عَبدُ اللهِ بْنُ صَفْوَانَ.

7071 -

(2857)(24) وحدّثنا أَبُو بَكرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ

ــ

التهذيب [5/ 266] من حسن إنصافه رضي الله عنه أنه مع كونه من أنصار عبد الله بن الزبير أنكر أن يكون الجيش الذي غزا ابن الزبير مصداقًا لهذا الحديث.

وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات والله أعلم كما ذكره القرطبي في التلخيص.

(قال زيد) بن أبي أنيسة بالسند السابق (وحدثني عبد الملك) بن ميسرة (العامري) الكوفي (عن عبد الرحمن بن سابط) بكسر الموحدة الجمحي المكي، ويقال عن عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط وهو الصحيح، ويقال ابن عبد الله بن عبد الرحمن ذي مراسيل أرسل عن أبي بكر وعمر ومعاذ، روى عن الحارث بن أبي ربيعة في الفتن، ويروي عنه (م دت ق) وعبد الملك العامري وعلقمة بن مرثد وابن جريج والليث وخلق، روى عن عائشة بواسطة في (م) فرد حديث في الفتن، وثقه ابن معين، قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، له في مسلم فرد حديث في الفتن، وقال ابن حبان في الثقات: تابعي ثقة، وقال في التقريب: ثقة كثير الإرسال، روى عنه في (1) باب واحد في الفتن، أي قال زيد: حدثني عبد الملك العامري عن ابن سابط كما حدثني عن يوسف بن ماهك (عن الحارث بن أبي ربيعة) الحجازي (عن أم المومنين) عائشة رضي الله تعالى عنها، غرضه بيان متابعة ابن سابط ليوسف ابن ماهك ولكنها متابعة ناقصة وساق ابن سابط (بمثل حديث يوسف بن ماهك غير أنه) أي لكن أن ابن سابط (لم يذكر فيه) أي في حديثه (الجيش الدي ذكره عبد الله بن صفوان) بقوله (أما والله ما هو بهذا الجيش) وهذا السند من ثمانياته أيضًا والله أعلم.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أم سلمة بحديث آخر لعائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

7071 -

(2857)(24)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يونس بن محمد) بن

ص: 74

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الفَضْلِ الْحُدَّانِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيادٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ قَالت: عَبِثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَنَامِهِ. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، صَنَعْتَ شَيئًا فِي مَنَامِكَ لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُهُ. فَقَال:"الْعَجَبُ إِنَّ نَاسًا مِنْ أُمَّتِي يَؤُمُّونَ بِالْبَيتِ بِرَجُلٍ مِنْ قُرَيشٍ. قَدْ لَجَأ بِالْبَيتِ. حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْبَيدَاءِ خُسِفَ بِهِمْ" فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ الطرِيقَ قَدْ يَجْمَعُ النَّاسَ

ــ

مسلم البغدادي أبو محمد، المؤدّب الحافظ، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا القاسم بن الفضل) بن معدان الأزدي (الحداني) بضم الحاء والدال المشددة منسوب إلى بني حدان ولم يكن من أنفسهم بل كان نازلًا فيهم وهو من بني الحارث بن مالك اهـ نووي أبو المغيرة البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (3) أبواب (عن محمد بن زياد) الجمحي مولاهم أبي الحارث المدني ثم البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن عبد الله بن الزبير) بن العوام الأسدي أبي خبيب مصغرًا المكي ثم المدني الصحابي رضي الله عنه، قُتل بمكة سنة (73) ثلاث وسبعين في ذي الحجة (أن) خالته (عائشة) رضي الله عنها (قالت) وهذا السند من سداسياته، وفيه رواية صحابي عن صحابية (عبث) قال القرطبي: وجدته مقيدًا بفتح الباء أي أتى بكلمات كانها مختلطة يقال عبث الشيء يعبث إذا اختلطه بفتح الباء في الماضي وكسرها في المضارع من باب ضرب، فأما عبث بكسر الماضي وفتح المضارع فمعناه لعب اهـ من المفهم، وقال النووي: أي اضطرب بجسمه في مرقده وحرك أطرافه كمن يأخذ شيئًا أو يدفعه عن نفسه اهـ نووي، وفي النهاية: إنه عبث في منامه أي حرك يديه كالدافع أو الآخذ اهـ (رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه) قالت عائشة (فقلنا) له (يا رسول الله صنعت) وفعلت (شيئًا في منامك لم تكن) قط (تفعله فقال) عبث بي (العجب) أي الأمر الغريب الذي يتعجب منه وذلك (إن ناسًا من أمتي يؤمون) أي يقصدون (بالبيت) أي بهتك حرمة بيت الله والكعبة، وقال القرطبي: أشرب أي ضمن يؤمون معنى ينزلون فعداه أي بالباء وهو مما يتعدى بنفسه، وقوله (برجل) بدل من الجار والمجرور قبله أي يقصدون بخطف رجل مسلم (من قريش) لا منعة له (قد لجأ) ذلك الرجل منهم (بالبيت) أي لاذ والتجأ واستجار منهم بالبيت (حنى إذا كانوا بالبيداء خُسف بهم) أي خسف الله بهم الأرض، قالت عائشة (فقلنا يا رسول الله إن الطريق قد يجمع الناس) المختلفين الصالح والطالح

ص: 75

قَال: "نَعَمْ. فِيهِمُ الْمُسْتَبصِرُ وَالْمَجْبُورُ وَابْنُ السَّبِيلِ. يَهْلِكُونَ مَهْلَكًا وَاحِدًا. وَيَصْدُرُونَ مَصَادِرَ شَتَّى. يَبْعَثُهُمُ اللهُ عَلَى نِيَّاتِهِمْ".

7072 -

(2858)(25) حدَّثنا أَبُو بَكرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ

ــ

المطيع والعاصي فكيف يخسف الله بهم لأن فيهم الصالح والمطيع تعني إنه قد يلحق بالجيش رجال في الطريق ليسوا منهم ولا يريدون ما يريده الجيش فكيف بهم، وفي رواية نافع بن جبير عند البخاري قلت: يا رسول الله كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) يجمع الطريق الأناس المختلفين عملًا وقصدًا (فيهم المستبصر) أي العارف لما يقصده الجيش العامد معهم مثل ما قصدوه من انتهاك حرمة بيت الله تعالى، وقال النووي:(المستبصر) المستبين لذلك القاصد له عمدًا اهـ (و) فيهم (المجبور) أي المكره الذي لم يخرج معهم عن اختيار وإنما أكرهوه على ذلك يقال أجبرته فهو مجبر هذه هي اللغة المشهورة، ويقال أيضًا فهو مجبور حكاها الفراء وغيره وجاء هذا الحديث على هذه اللغة (و) فيهم (ابن السبيل) فهو الذي يسلك الطريق معهم وليس منهم فكلهم (يهلكون مهلكًا واحدًا) أي يقع الهلاك على جميعهم معًا (ويصدرون) أي يبعثون ويرجعون إلى ربهم (مصادر) أي مراجع (شتى) أي مختلفة باختلاف نياتهم ومقاصدهم الحسن أو السيء فيجازون بحسبها كما ذكره بقوله (يبعثهم الله) تعالى (على نياتهم) أي يبعثهم الله ويجازيهم على حسب نياتهم المختلفة خيرًا أو شرًّا، وقال القرطبي (المستبصر) البصير بالأمور (والمجبور) المكره الذي لا حيلة له في دفع ما يُحمل عليه وهو من جبرت الرجل على الشيء يفعله فهو مجبور ثلاثيًّا ويقال أجبرته رباعيًّا وهو الأصح والأكثر فهو مجبر بفتح الباء (والمهلك) الهلاك ويصدرون يرجعون وأصل الصدر الرجوع عن موضع الماء (وشتى) أي مختلفين بحسب نياتهم اهـ من المفهم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في البيوع باب ما ذُكر في الأسواق [2118].

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة وهو نزول الفتن كمواقع القطر بحديث أسامة بن زيد رضي الله عنه فقال:

7072 -

(2858)(25) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد

ص: 76

وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أبِي عُمَرَ -وَاللَّفْظُ لابْنِ أبِي شَيبَةَ- (قَال إِسْحَاقُ: أَخبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا) سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَغ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُسَامَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَشْرَفَ عَلَى أُطُم مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ. ثُمَّ قَال:"هَل تَرَوْنَ مَا أَرَى؟ إِنِّي لأَرَى مَوَاقِعَ الْفِتَنِ خِلال بُيُوتكُمْ، كَمَوَاقِعِ الْقَطرِ".

7073 -

(00)(00) وحدّثنا عَبدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخبَرَنَا عَبْدِ الرَّزَّاقِ. أَخبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ

ــ

وإسحاق بن إبراهيم وابن أبي عمر واللفظ لابن أبي شيبة قال إسحاق أخبرنا وقال الآخرون حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة) بن الزبير (عن أسامة) بن زيد بن حارثة الكلابي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبّه رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم أشرف) أي علا وارتفع (على أطم) بضم الهمزة والطاء وهو القصر أو الحصن وجمعه آطام أي علا وارتفع على حصن (من آطام المدينة) وحصونها (ثم قال هل ترون ما أرى) أي هل تبصرون ما أبصر (إني لأرى) وأبصر (مواقع الفتن) أي مواضع وقوع الفتن (خلال بيوتكم) أي وسط بيوتكم أي أرى مواقع كمواقع القطر) أي في الكثرة والعموم والانتشار يعني أنها كثيرة وتعم الناس لا تختص بها طائفة وهذه إشارة إلى الحروب الجارية بينهم كوقعة الجمل وصفين والحرة ومقتل عثمان ومقتل الحسين رضي الله عنهما وغير ذلك، وفيه معجزة ظاهرة له صلى الله عليه وسلم والمواقع جمع موقع وهو مكان وقوع الشيء فهو اسم مكان ويصح كونه مصدرًا ميميًّا والقطر بفتح القاف وسكون الطاء المطر، وقوله (خلال بيوتكم) أي بينها كأنه إشارة إلى قتل عثمان في الدار.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع كثيرة منها في فضائل المدينة [1878] وفي المظالم [2467] وفي المناقب [3597] وفي الفتن [7060].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أسامة رضي الله عنه فقال:

7073 -

(00)(00)(وحدثنا عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري) غرضه بيان متابعة معمر لأبي عيينة، وساق معمر (بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن أسامة (نحوه) أي نحو ما حدّث سفيان.

ص: 77

7074 -

(2859)(26) حدّثني عَمْرٌو النَّاقِدُ وَالحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ (قَال عَبْدٌ: أَخْبَرَنِي. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) يَعْقُوبُ -وَهُوَ ابْنُ إِبرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ- حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُسَيَّب وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "سَتَكُونُ فِتَنٌ، القَاعِدُ فِيهَا خَيرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيرٌ مِنَ السَّاعِي. مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَستَشرِفُهُ. وَمَنْ وَجَدَ فِيهَا مَلْجَأً فَلْيَعُذْ بِهِ"

ــ

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أسامة بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال:

7074 -

(2859)(26)(حدثني عمرو) بن محمد (الناقد) البغدادي (والحسن) بن علي (الحلواني) الهذلي المكي، ثقة، من (11)(وعبد بن حميد) الكسي، ثقة، من (11)(قال عبد أخبرني وقال الآخران حدثنا يعقوب وهو ابن إبراهيم بن سعد) الزهري المدني، ثقة، من (9)(حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم الزهري المدني، ثقة، من (8)(عن صالح) بن كيسان الغفاري، ثقة، من (4)(عن ابن شهاب حدثني) سعيد (بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني، ثقة، من (2)(وأبو سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري، ثقة، من (3)(أن أبا هريرة) رضي الله عنه (قال) وهذا السند من سباعياته (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ستكون) أي ستقع فيكم أيتها الأمة (فتن) كثيرة تموج كموج البحر (القاعد فيها) أي في تلك الفتن أي القاعد في مكانه في حالة وقوعها (خير) أي أقل ضررًا بها (من القائم) في مكانه في تلك الحالة (والقائم فيها خير) أي أقل ضررًا (من الماشي والماشي فيها) أي إليها برجله (خير من الساعي) أي من المسرع إليها (من تشرف) أي من انتصب وتطلع وتعرض (لها تستشرفه) أي تقلبه وتسقطه وتهلكه (ومن وجد فيها) أي في تلك الفتنة أي من وجد (ملجأ) ومنجًا عنها وموضعًا يلتجئ إليه منها (فليعُذ به) أي فليلذ بذلك الملجأ ويستجر به ويعتزل فيه عنها، أي ليذهب إليه ليعتزل فيه ومن لم يجد ملجأ فليتخذ سيفًا من خشب اهـ مناوي.

قوله (من تشرف لها تستشرفه) أي من تعاطاها أو تشوف إليها صرعته وأهلكته وهو مأخوذ من أشرف المريض على الهلاك إذا أشفى عليه، ورُوي (من يتشرف إليها) على أنه

ص: 78

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فعل مضارع مجزوم بمن الشرطية، والأول على أنه فعل ماض في موضع الجزم بها اهـ مفهم.

قوله (القاعد فيها خير من القائم) وفي رواية آتية (النائم فيها خير من اليقظان واليقظان فيها خير من القائم) قال الداودي: الظاهر أن المراد من يكون مباشرًا لها في الأحوال كلها يعني أن بعضهم في ذلك أشذ من بعض فأعلاهم في ذلك الساعي فيها بحيث يكون سببًا لإثارتها ثم من يكون قائمًا بأسبابها وهو الماشي ثم من يكون مباشرًا لها وهو القائم ثم من يكون مع النظارة ولا يقاتل وهو القاعد ثم من يكون مجتنبًا لها ولا يباشرها ولا ينظر إليها وهو المضطجع اليقظان ثم من لا يقع منه شيء من ذلك ولكنه راض وهو النائم والمراد بالأفضلية وهذه الخيرية من يكون أقل شرًّا ممن فوقه على التفصيل المذكور اهـ فتح الباري [13/ 30 و 31].

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في المناقب في علامات النبوة [3601] وفي الفتن باب فتنة القاعد فيها خير من القائم [3081 و 7082].

والمقصود من الحديث حث الناس على اعتزال الفتن فكل من كان أكثر اعتزالًا وإن أبعد من الشر وإن درجات النائم واليقظان والقاعد تشير على درجات مختلفة من الاعتزال لا إلى درجات من الوقوع في الفتنة، والحاصل أن الإنسان ينبغي له أيام الفتنة أن يلزم بيته ما أمكن لأنه وإن لم يخرج لقصد الفتنة فإنها ربما تدركه فيقع فيها.

قوله (من تشرف لها تستشرفه) أما لفظة تشرف فقد رُوي بفتح التاء والشين من تفعل الخماسي نظير تكلم، ورُوي أيضًا (من يشرف) بضم الياء وسكون الشين وكسر الراء من باب أفعل الرباعي من الإشراف للشيء وهو الانتصاب والتطلع إليه والتعرض له (وأما تستشرفه) فهو بمعنى أنها تعلو عليه وتغلبه يقال استشرفت الشيء علوته وأشرفت عليه وقيل إنه من الإشراف بمعنى الإشفاء على الهلاك ومنه أشفى المريض على الموت وأشرف والمعنى أنها تجعله يشرف على الهلاك والحاصل أن من تطلع إلى هذه الفتنة لمجرد النظر إليها فإنها ربما تخطفه وتغلبه وتهلكه فلا ينبغي لإنسان أن يخرج إليها ولو لمجرد النظر.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في الشاهد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

ص: 79

7075 -

(2860)(27) حدَّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَالحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ وَعَبدُ بْنُ حُمَيدٍ (قَال عَبدٌ: أَخبَرَنِي. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) يَعْقُوبُ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدَّثَنِي أَبُو بَكرٍ بْنُ عَبدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُطِيعِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاويةَ، مِثلَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ هَذَا، إِلَّا أَنَّ أَبَا بَكرٍ يَزِيدُ:"مِنَ الصَّلاةِ صَلاةٌ، مَنْ فَاتَتْهُ فَكَأنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالهُ"

ــ

7075 -

(2860)(27)(حدثنا عمرو) بن محمد (الناقد) البغدادي (والحسن) بن علي (الحلواني) الهذلي المكي (وعبد بن حميد) الكسي (قال عبد أخبرني وقال الآخران حدثنا يعقوب) بن إبراهيم (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد (عن صالح) بن كيسان (عن ابن شهاب حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن) بن الحارث بن هشام القرشي المدني، كان أحد الفقهاء السبعة في المدينة، قبل اسمه محمد، وقيل اسمه أبو بكر، وكنيته أبو عبد الرحمن، والصحيح أن اسمه وكنيته واحد، ثقة فقيه عابد، من (3) روى عنه في (6) أبواب (عن عبد الرحمن بن مطيع) بضم الميم (بن الأسود) بن حارثة القرشي العدوي المدني أخي عبد الله بن مطيع، روى عن نوفل بن معاوية في الفتن، ويروي عنه (خ م) وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وقال في التقريب: يقال له صحبة، وذكره أبو نعيم في التابعين، له عندهما حديث واحد مقرونًا (عن نوفل بن معاوية) بن عروة بن صخر الديلي بكسر المهملة وسكون الياء أبي معاوية المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه له أحاديث شهد الفتح وحنينًا والطائف، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ويروي عنه (خ م س) وابن أخته عبد الرحمن بن مطيع بن الأسود في الفتن، وفيه (من الصلاة صلاة من فاتته فكأنما وتر أهله وماله) وهذا السند من ثمانياته، غرضه بيان متابعة أبي بكر بن عبد الرحمن لسعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن، ولكنها متابعة ناقصة لأنها متابعة في الشاهد لأن أبا بكر بن عبد الرحمن روى عن نوفل بن معاوية بواسطة عبد الرحمن بن مطيع، وأما ابن المسيب وأبو سلمة فرويا عن أبي هريرة بلا واسطة، وساق أبو بكر بن عبد الرحمن عن نوفل بن معاوية (مثل حديث أبي هريرة هذا) المذكور في السند السابق في قوله ستكون فيه .. الخ (إلا أن أبا بكر يزيد) في حديثه عن نوفل لفظة (من الصلاة صلاة) وسطى (من فاتته) تلك الصلاة (فكأنما وتر) أي سُلب وأُخذ (أهله وماله).

ص: 80

7076 -

(00)(00) حدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "تَكُونُ فِتنَةٌ النَّائِمُ فِيهَا خَيرٌ مِنَ الْيَقْظَانِ. وَالْيَقْظَانُ فِيهَا خَيرٌ مِنَ الْقَائِمِ. وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيرٌ مِنَ السَّاعِي. فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَسْتَعِذْ"

ــ

قوله (ألا أن أبا بكر) الضرير شيخ الزهري (يزيد) زيادة مرسلة أو بالسند السابق عن عبد الرحمن بن مطيع إلى آخره وتلك الزيادة هي قوله (من الصلاة صلاة) هي صلاة العصر اهـ قسطلاني قوله (وتر أهله وماله) بنصبهما على أنه مفعول ثان أي نُقص هو أهله وماله وسلبهما فبقي بلا أهل ولا مال، وبرفعهما بمعنى أنهما أصيبا بمكروه اهـ قسطلاني بزيادة.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

7076 -

(00)(00)(حدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي المروزي ثم النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (17) بابا (أخبرنا أبو داود الطيالسي) سليمان بن داود بن الجارود البصري، ثقة، من (9)(حدثنا إبراهيم بن سعد) الزهري المدني، ثقة، من (8)(عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، ثقة، من (5)(عن) عمه (أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سعد بن إبراهيم للزهري (قال) أبو هريرة (قال النبي صلى الله عليه وسلم تكون فتنة) أي توجد فيكم (فتنة) شديدة متتابعة منتشرة مستمرة (النائم فيها خير) أي أسلم (من اليقظان واليقظان) المضطجع (فيها خير) أي أسلم (من القائم) في مكانه لم يتحرك عن مكانه (والقائم فيها خير) أي أسلم (من الساعي) المسرع إليها (فمن وجد ملجأ) أي مخبأ وملاذًا ومهربًا ومفرًا فليلذ إليه وليفر (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو أبو هريرة فمن وجد (معاذًا) بفتح الميم والذال المعجمة أي محل استعاذة وتحصن منها (فليستعد) أي فليتحصن ويستجر به، والشك من الراوي أو ممن دونه، وقال العيني: وفيه الحث على تجنب الفتن والهرب منها وإن شرها يكون بحسب التعلق بها اهـ.

ص: 81

7077 -

(2861)(28) حدّثني أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ، فُضَيلُ بْنُ حُسَينٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ. حَدَّثَنَا عُثْمَانُ الشَّحَّامُ قَال: انْطَلَقْتُ أَنَا وَفَرْقَدْ السَّبَخِيُّ إِلَى مُسْلِمِ بْنِ أَبِي بَكرَةَ، وَهُوَ فِي أَرْضِهِ. فَدَخَلنَا عَلَيهِ فَقُلْنَا: هَل سَمِعْتَ أَبَاكَ يُحَدِّثُ فِي الْفِتَنِ حَدِيثًا؟ قَال: نَعَمْ. سَمِعْتُ أَبَا بَكرَةَ يُحَدِّثُ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتَنٌ. أَلا ثُمَّ تَكُونُ

ــ

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أسامة بن زيد بحديث أبي بكرة رضي الله عنهما فقال:

7077 -

(2861)(28)(حدثني أبو كامل الجحدري فضيل بن حسين) البصري (حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (حدثنا عثمان) بن عبد الله، وقيل ابن ميمون، وقيل ابن مسلم (الشحام) أي بائع الشحم أو السمين العدوي أبو سلمة البصري، روى عن مسلم بن أبي بكرة في الفتن، وأبي رجاء العطاردي وعكرمة وعدة من التابعين، ويروي عنه (م د ت س) وحماد بن زيد ووكيع وابن أبي عدي، وثقه ابن معين وأبو زرعة وأبو داود، وقال أبو حاتم: ما أرى بحديثه بأسًا، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال: مرة ليس به بأس، وقال في التقريب: لا بأس به، من السادسة (قال) عثمان (انطلقت أنا وفرقد) بن يعقوب (السبخي) منسوب إلى سبخة البصرة والسبخة أرض ذات نز وملح كما في القاموس، والنز ما يتحلب من الماء في الأرض، وهو من صالحي أهل البصرة، قليل الحديث، ضعّفه أكثر نقاد الحديث راجع التهذيب [8/ 262](إلى مسلم بن أبي بكرة) نفيع بن الحارث الثقفي البصري، روى عن أبيه في الفتن، ويروي عنه (م دت س) وعثمان الشحام وسعيد بن جهمان وغيرهم، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: صدوق، من الثالثة، مات في حدود سنة (90) تسعين، وأتينا به (وهو) أي والحال أن مسلمًا (في أرضه) ومزرعته (فدخلنا عليه فقلنا) له (هل سمعت أباك) أبا بكرة (يحدّث في الفتن) التي ستكون في المسلمين (حديثًا) عن النبي صلى الله عليه وسلم (قال) مسلم (نعم سمعت) والدي (أبا بكرة) نفيع بن الحارث بن كلدة الثقفي البصري رضي الله عنه (يحدّث) فيها حديثًا. وهذا السند من خماسياته فـ (قال) أبو بكرة في حديثها (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها) أي إن القصة (ستكون) وتوجد فيكم بعد وفاتي (فتن) كثيرة مهلكة (ألا ثم تكون

ص: 82

فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيرٌ مِنَ الْمَاشِي فِيهَا. وَالْمَاشِي فِيهَا خَيرٌ مِنَ السَّاعِي إِلَيهَا. أَلا، فَإِذَا نَزَلَتْ أَوْ وَقَعَتْ، فَمَنْ كَانَ لَهُ إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبلِهِ. وَمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ. وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضْهِ" قَال: فَقَال رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيتَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِبِلٌ وَلَا غَنَمٌ وَلَا أَرْضٌ؟ قَال: "يَعْمِدُ إِلَى سَيفِهِ فَيَدُقُّ عَلَى حَدِّهِ بِحَجَرٍ. ثُمَّ لْيَنْجُ إِنِ اسْتَطَاعَ النَّجَاءَ

ــ

فتنة) عظيمة (القاعد فيها) أي في حالة وقوعها لا يتحرك عن محله (خير من الماشي فيها والماشي فيها خير من الساعي إليها) فالحديث إلى آخره كله تضمن الإخبار عن وقوع فتن هائلة عظيمة بعده والأمر بالكف عنها والفرار منها (ألا) حرف استفتاح وتنبيه كسابقتها ألا (فإذا نزلت) بكم فتن (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي فإذا (وقعت) فيكم فتن، والشك من الراوي أو ممن دونه (فمن كان له إبل) في البوادي (فليلحق بإبله) أي فليذهب إليها فرارًا من الوقوع فيها (ومن كانت له كنم) ترعى في البادية (فليلحق بغنمه ومن كانت له أرض) أي بساتين ومزارع في البوادي (فليلحق بأرضه قال) أبو بكرة (فقال رجل) من الحاضرين لم أر من ذكر اسمه (يا رسول الله أرأيت) أي أخبرني (من لم يكن له إبل ولا غنم ولا أرض) فأي شيء يفعل في السلامة والنجاة منها (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يعمد) من باب ضرب أي يقصد ذلك الذي ليس له مفر ولا ملحق (إلى سيفه فيدق على حده بحجر) أي فيأخذ بحجر ويضعه على حده أي على طرفه الحاد فيدقه أي فيكسر طرفه الحاد بحجر، قال القرطبي: هذا محمول على ظاهره وذلك أنه إذا فعل ذلك لم يكن له شيء يستعين به على الدخول فيها فيفر منها أو سلم اهـ مفهم، قال النووي: وقيل هو مجاز والمراد ترك القتال والأول أصح (ثم لينج) أي ليفر ويسرع هربًا حتى لا تصيبه الفتن (إن استطاع النجاء) أي الإسراع هو من نجا ينجو نجاء ونجاة بمعنى الخلاص منها والسلامة عنها، والمعنى أي ليسرع إن وجد إلى ذلك سبيلًا.

قال القرطبي: وقد قال بظاهر هذه الأحاديث جماعة من السلف فاجتنبوا جميع ما وقع بين الصحابة من الخلاف والقتال منهم أبو بكرة وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة وأسامة بن زيد فأما عبد الله بن عمر فندم على تخلفه عن نصر علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال عند موته: ما آسى على شيء ما آسى على تركي قتال الفئة الباغية يعني فئة معاوية، وأما محمد بن مسلمة فاتخذ سيفًا من خشب وقال: إن رسول الله صلى الله عليه

ص: 83

اللَّهُمَّ هَل بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ، هَل بَلَّغْتُ؟ اللهُمَّ هَل بَلَّغتُ" قَال: فَقَال رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيتَ إِنَّ أُكرِهْتُ حَتَّى يُنْطَلَقَ بِي إِلَى أَحَدِ الصَّفَّينِ، أَوْ إِحْدَى الفِئَتَينِ، فَضَرَبَنِي

ــ

وسلم أمره بذلك وأقام بالربذة، فمن هؤلاء من تمسك بمثل هذه الأحاديث فانكف، ومنهم من أشكل عليه الأمر فانكف لذلك كعبد الله بن عمر إلى أن اتضح له الحق فندم، قال القاضي: ويتوجه في هذا الحديث الكلام في دماء الصحابة وقتالهم وللناس في ذلك غلو وإسراف واضطراب من المقالات واختلاف، والذي عليه جماعة أهل السنة والحق حُسن الظن بهم والإمساك عما شجر بينهم وطلب أحسن التأويل لفعلهم وأنهم مجتهدون غير قاصدين للمعصية والمجاهرة بذلك وطلب حب الدنيا بل كل عمل على شاكلته وبحسب ما أداه إليه اجتهاده، لكن منهم المخطئ في اجتهاده ومنهم المصيب، وقد رفع الله تعالى الحرج عن المجتهد المخطئ في فروع الدين وضغف الأجر للمصيب، وقد توقف الطبري وغيره عن تعيين المحق منهم، وعند الجمهور أن عليًّا وأشياعه مصيبون في ذبهم عن الإمامة وقتالهم من نازعهم فيها إذ كان أحق الناس بها وأفضل من على الأرض حينئذ وغيره تأول وجوب القيام بتغيير المنكر في طلب قتلة عثمان الذين في عسكر علي رضي الله عنهما وأنهم لا يعطون بيعة ولا يعقدون إمامة حتى يقضوا ذلك ولم يطلبوا سوى ذلك ولم ير هو دفعهم إذا الحكم فيهم إلى الإمام وكانت الأمور لم يستقر استقرارها ولا اجتمعت الكلمة بعد وفيهم عدد ولهم شوكة ومنعة ولو أظهر تسليمهم أولًا أو القصاص لاضطرب الأمر وانبث الحيل، ومنهم جماعة لم يروا الدخول في شيء من ذلك محتجين بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التلبس بالفتن والنهي عن قتال أهل الدعوة كما احتج به أبو بكرة رضي الله عنه في ذا الحديث على الأحنف وعذروا الطائفتين بتأويلهم ولم يروا إحداهما باغية فيقاتلوها اهـ من المفهم.

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت قال) أبو بكرة (فقال رجل) من الحاضرين (يا رسول الله أرأيت) أي أخبرني (إن كُرهت) وأجبرت على الدخول في الفتنة (حتى ينطلق) ويذهب (بي إلى إحدى الصفين) أي الطائفتين لأقاتل معها، قال الراوي أو من دونه (أو) قال الرجل السائل لفظة حتى يُنطلق بي إلى (إحدى الفئتين) والشك من الراوي أو ممن دونه (فضربني) معطوف على

ص: 84

رَجُلٌ بِسَيفِهِ، أَوْ يَجِيءُ سَهْمٌ فَيَقْتُلُنِي؟ قَال:"يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثمِكَ. وَيَكُونُ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ".

7078 -

(00)(00) وحدّثنا أَبُو بَكرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ. كِلاهُمَا عَنْ عُثمَانَ الشَّحَّامِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. حَدِيثُ ابْنِ أَبِي

ــ

أكرهت أي إن أكرهت على الدخول فيها فدخلت فيها فضربني (رجل) من إحدى الطائفتين (بسيفه أو يجيء سهم) منهم (فيقتلني) ذلك السهم فهل عليّ ذنب قتلي أو على من أكرهني (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يبوء) أي يرجع الذي أكرهك (بإثمه) في إكراهك وفي دخوله في الفتنة (وبإثمك) في قتلك غيره ويتحمل الإثمين (ويكون) الذي أكرهك (من أصحاب النار) في الآخرة بسبب إثمك وإثمه وأنت من الناجين قتلت أو قُتلت فمعنى (يبوء بإثمه) أي يلزمه ويرجع به ويتحمله من باب يبوء بواءًا ومباءة إذا رجع والمباءة المرجع يعني أنه يبوء بإثمه فيما دخل فيه وبإثمك بقتلك غيره أو لإكراهه إياك على ما أكرهك عليه والمكره هنا هو الذي لا يملك من نفسه شيئًا لقوله أرأيت إن أكرهت حتى يُنطلق بي ولم يقل إنه انطلق من قبل نفسه ولم يختلفوا أن الإكراه على القتل لا يعذر به أحد اهـ من المفهم. وقال الحافظ في الفتح [3/ 131] والمراد بالفتنة هنا ما ينشأ عن الاختلاف في طلب الملك حيث لا يعلم المحق من المبطل أما إذا اتضح الحق فالواجب نصر المحق بإزاء المبطل.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الفتن والملاحم باب النهي عن السعي في الفتنة [4256].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي بكرة رضي الله عنه فقال: 7078 - (00)(00)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب) محمد بن العلاء (قالا حدثنا وكيع) بن الجراح (ح وحدثني محمد بن المثنى حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) محمد السلمي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب كلاهما) أي كل من وكيع وابن أبي عدي رويا (عن عثمان الشحام) غرضه بيان متابعتهما لحماد بن زيد وساقا (بهذا الإسناد) يعني عن مسلم عن أبي بكرة مثله، ولكن (حديث ابن أبي

ص: 85

عَدِيٍّ نَحْوَ حَدِيثِ حَمَّادٍ إِلَى آخِرِهِ. وَانْتَهَى حَدِيثُ وَكِيعٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: "إِنِ اسْتَطَاعَ النَّجَاءَ" وَلَمْ يَذكُرْ مَا بَعْدَهُ

ــ

عدي) بالرفع مبتدأ، وفي بعض النسخ وحديث بالواو (نحو حديث حماد إلى آخره) أي إلى آخر حديث حماد برفع نحو على أنه خبر المبتدأ، وأما نصبه كما هو في أغلب النسخ فتحريف من المشكل فلا معنى له (وانتهى حديث وكيع عند قوله إن استطاع النجاء ولم يذكر) وكيع (ما بعد) قوله (4) إن استطاع النجاء من قوله اللهم هل بلغت .. إلخ.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث تسعة: الأول حديث زينب بنت جحش ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد، والثالث حديث أم سلمة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث حفصة ذكره للاستشهاد، والخامس حديث عائشة ذكره للاستشهاد، والسادس حديث آخر لعائشة ذكره للاستشهاد، والسابع حديث أسامة ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثامن حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين متابعة في شاهده ومتابعة في نفسه، والتاسع حديث أبي بكرة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.

***

ص: 86