المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌766 - (10) باب ذكر الدجال وصفته وما معه من الفتن - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٢٦

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌757 - (1) باب قيام الناس في عرقهم على قدر أعمالهم ودنو الشمس إليهم وخطبته صلى الله عليه وسلم وتعليمه الناس

- ‌758 - (2) باب إذا مات المرء عرض عليه مقعده، وما جاء في عذاب القبر، وسماع الميت قرع النعال، وفي إثبات الحساب، والأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت

- ‌ كتاب الفتن وأشراط الساعة

- ‌759 - (3) باب اقتراب الفتن، وفتح ردم يأجوج ومأجوج، والخسف بالجيش الذي يوم البيت، ونزول الفتن كمواقع القطر

- ‌760 - (4) باب ذكر حكم تواجه المسلمين بسيفيهما، وهلاك هذه الأمة بعضهم ببعض، وإخباره صلى الله عليه وسلم عما يكون إلى يوم القيامة، وذكر الفتنة التي تموج كموج البحر

- ‌761 - (5) باب لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب، وفتح القسطنطينية وخروج الدجال، ونزول عيسى وقيام الساعة والروم أكثر الناس وإقبال الروم في كثرة القتل عند خروج الدجال

- ‌762 - (6) باب فتوحات المسلمين قبل الدجال والآيات التي تكون قبل الساعة ولا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز وفي سكنى المدينة وعمارتها قبل الساعة وعدم إنبات الأرض مع كثرة المطر وكون الفتنة من المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان

- ‌763 - (7) باب لا تقوم الساعة حتى تعبد دوس ذا الخلصة، وحتى يمر الرجل على القبر فيتمنى أن يكون صاحبه، وأنه يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة، وذكر القحطاني والجهجاه، وقتال الترك، وذكر الخليفة الذي لا يعد المال عند قسمته

- ‌764 - (8) باب ذكر قتل عمار، وأغيلمة من قريش تكون فتنة لمن في زمنها، وإذا هلك كسرى…إلخ، وفتح مدينة جانبها في البحر، وقتال اليهود حتى يقول الحجر: يا مسلم، وذكر دجالين بين يدي الساعة

- ‌765 - (9) باب ذكر ابن صياد

- ‌766 - (10) باب ذكر الدجال وصفته وما معه من الفتن

- ‌767 - (11) باب حرمة المدينة على الدجال وقتله المؤمن وإحيائه هناك، وكون الدجال أهون على الله عز وجل، وقدر مكثه في الأرض، ونزول عيسى وقتله إياه

- ‌768 - (12) باب في ذكر حديث الجساسة وما فيه من ذكر الدجال

- ‌769 - (13) باب في بقية أحاديث الدجال وفضل العبادة في الهرج وقُرب الساعة وذكر ما بين النفختين

- ‌ كتاب الزهد

- ‌770 - (14) باب كون الدنيا سجن المؤمن وهوانها عند الله تعالى وما للمرء من ماله وما يحذر من بسط الدنيا ومن التنافس فيها والنهي عن النظر إلى من فوقك في الدنيا

- ‌771 - (15) باب في الابتلاء بالدنيا وكيف يعمل فيها، والخمول فيها والتقلل منها، والتزهيد في الدنيا والاجتزاء بالخشن منها، ورؤية الله في الآخرة ومخاطبة الرب عبده فيها

- ‌772 - (16) باب ضيق معيشة آل محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌773 - (17) باب النهي عن دخول مساكن الذين ظلموا إلا أن يبكوا، وفضل الساعي على الأرامل والأيتام، والباني للمساجد، وفضل الصدقة على المساكين، وتحريم الرياء ونحوه، ووجوب حفظ اللسان، وعقوبة من يأمر ولا يفعل، والنهي عن هتك الستر عن نفسه، وندب التشميت عند العطاس وكراهية التثاؤب

- ‌ كتاب في أحاديث متفرقة

- ‌774 - (18) باب خلق الملائكة والجان وآدم وأن الفأر مسخ ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين والمؤمن أمره كله خير والنهي عن المدح إذا كان فيه إفراط وتقديم الأكبر في مناولة الشيء وغيرها والتثبت في الحديث وحكم كتابة العلم وقصة أصحاب الأخدود

- ‌775 - (19) باب في حديث أبي اليسر وحديث جابر الطويل رضي الله تعالى عنهما وحديث الهجرة ويقال له حديث الرحل بالحاء

- ‌ كتاب التفسير

- ‌776 - (20) باب في تفسير قوله تعالى: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا}

- ‌777 - (21) باب تتابع الوحي قرب وفاته صلى الله عليه وسلم

- ‌778 - (22) باب بيان تفسير قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}

- ‌779 - (23) باب تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} الآية

- ‌780 - (24) باب قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}

- ‌781 - (25) باب قوله تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ}

- ‌782 - (26) باب قوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا}

- ‌783 - (27) باب قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ}

- ‌784 - (28) باب قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ}

- ‌785 - (29) باب في قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيتَ النَّاسَ} إلخ

- ‌786 - (30) باب قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا}

- ‌787 - (31) باب في قوله تعالى: {وَلَيسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} الآية

- ‌788 - (32) باب في قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ}

- ‌789 - (33) باب قوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [

- ‌790 - (34) باب في قوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ}

- ‌791 - (35) باب في قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} الآية

- ‌792 - (36) باب في بيان سبب نزول سورة براءة والأنفال والحشر، وبيان تسميتها بهذه الأسماء

- ‌793 - (37) باب في نزول تحريم الخمر

- ‌794 - (38) باب نزول قوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} الآية

الفصل: ‌766 - (10) باب ذكر الدجال وصفته وما معه من الفتن

‌766 - (10) باب ذكر الدجال وصفته وما معه من الفتن

7186 -

(2911)(78) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ الدَّجَّال بَينَ ظَهْرَانَيِ النَّاسِ فَقَال:"إِنَّ اللهَ تَعَالى لَيسَ بِأَعْوَرَ. أَلا وَإِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّال أَعْوَرُ الْعَينِ الْيُمْنَى. كَأَنَّ عَينَهُ عِنَبَةٌ طَافِئَةٌ"

ــ

766 -

(10) باب ذكر الدجال وصفته وما معه من الفتن

واستدل المؤلف رحمه الله تعالى على الترجمة أولًا بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

7186 -

(2911)(78) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة ومحمد بن بشر) بن الفرافصة العبدي الكوفي، ثقة، من (9)(قالا حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري المدني (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (واللفظ له حدثنا محمد بن بشر حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر) وهذا السند أيضًا من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال) أي ذكر خروج المسيح الدجال لفتنة الناس في آخر الزمان أي ذكره جالسًا (بين ظهراني الناس) أي في وسط الناس للإنذار به وهو بفتح الظاء المعجمة وسكون الهاء أي جالسًا في وسط الناس والمراد أنه جلس بينهم مستظهرًا لا مستخفيًا، وهو مفرد المعنى مثنى اللفظ لأنه مثنى ظهر وزيدت فيه الألف والنون للتأكيد والمبالغة في المعنى (فقال) صلى الله عليه وسلم في وصفه (إن الله تعالى ليس بأعور) العين وناقصها ومعيبها وهذا توطئة لما بعده (ألا و) لكن (إن المسيح الدجال) الذي يدعي الألوهية (أعور العين اليمنى) أي ذاهب ضوءها مطموس نورها معيبة ذاتها. وقوله (كأن عينه) المذكورة يعني اليمنى (عنبة طافئة) تفسير لعورها إن قرأناه بالهمز أي كان عينه اليمنى حبة عنب طافئة أي سائل منها ماؤها لأكل الطيور مثلًا، وإن قرأنا بالياء فكلام مؤسس مستقل والمعنى كان عينه الأخرى يعني اليسرى عنبة طافية أي حبة عنب بارزة خارجة من بين أخواتها.

قال النووي: قوله عنبة طافية روي بالهمز وتركه وكلاهما صحيح فالمهموز هي التي

ص: 233

7187 -

(. .)(. .) حدّثني أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ. قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، (وَهُوَ ابْنُ زَيدٍ)، عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ. حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، (يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ)، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ

ــ

ذهب نورها، وغير المهموز التي نتأت وطفت مرتفعة وفيها ضوء وقد سبق في كتاب الإيمان بيان هذا كله وبيان الجمع بين الروايتين في أنه جاء في رواية وأعور العين اليمنى وفي رواية أعور العين اليسرى، وكلاهما صحيح، والعور في اللغة العيب وعيناه معيبتان عوراوان وأن إحداهما طافئة بالهمز لا ضوء فيها والأخرى طافية بلا همز ظاهرة ناتئة اهـ نووي.

ثم إنه وقع في هذا الحديث أن العوراء هي عين الدجال اليمنى، ووقع في حديث حذيفة الآتي قريبًا أنه أعور العين اليسرى فذهب بعض العلماء إلى ترجيح حديث ابن عمر على حديث حذيفة بكثرة رواة حديث ابن عمر ولكن جمع القاضي القاضي عياض بينهما بأن كل واحدة من عيني الدجال معيبة عوراء فإحداهما معيبة بذهاب ضوئها حتى ذهب إدراكها والأخرى معيبة بنتوئها والله أعلم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع كثيرة جدًّا زهاء ثمانية أبواب منها في الفتن باب ذكر الدجال [7123 و 7127]، وأبو داود في السنة باب في الدجال [4757] والترمذي في الفتن باب ما جاء في علامة الدجال، وأحمد [2/ 37].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:

7187 -

(. .)(. .)(حدثني أبو الربيع) الزهراني سليمان بن داود البصري (وأبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري (قالا حدثنا حماد وهو ابن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8)(عن أيوب) السختياني (ح وحدثنا محمد بن عباد) بن الزبرقان المكي، نزيل بغداد، صدوق، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا حاتم يعني ابن إسماعيل) العبدري مولاهم مولى بني عبد الدار أبو إسماعيل المدني، صدوق، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش بتحتانية ومعجمة الأسدي المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (10) أبواب (كلاهما) أي كل من أيوب وموسى رويا (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذان السندان من خماسياته، غرضه بيان متابعة أيوب وموسى لعبيد الله بن عمر وساقا (بمثله) أي بمثل حديث عبد الله بن عمر لفظًا ومعنى.

ص: 234

7188 -

(2912)(79) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَال: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الأَعْوَرَ الْكَذَّابَ، أَلا إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيسَ بِأَعْوَرَ، مَكْتُوبٌ بَينَ عَينَيهِ ك ف ر".

7189 -

(. .)(. .) حدَّثنا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى)، قَالا: حَدَّثَنَا

ــ

ثم استشهد المؤلف لحديث ابن عمر بحديث أنس رضي الله عنهم فقال:

7188 -

(2912)(79)(حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن قتادة قال سمعت أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أنس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من نبي) من الأنبياء (إلا وقد أنذر) وخوّف (أمته) المسيح (الأعور الكذاب) لادعائه الألوهية أي أنذرهم من فتنته (ألا) أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (إنه أعور) والأعور هو الذي أصابه في عينه عور وهو العيب الذي يُذهب إدراكها (وإن ربكم ليس بأعور) ألا وإنه (مكتوب بين عينيه) كلمة كافر بهذه الحروف (كـ ف ر) المهجّاة وإنما اقتصر على وصف الدجال بالعور مع أن أدلة الحدوث كثيرة ظاهرة فيه لأن العور أثر محسوس يدركه كل أحد فدعواه الربوبية مع نقص خلقته علم كذبه لأن الإله يتعالى عن النقص اهـ قسطلاني.

قوله (مكتب بين عينيه ك ف ر) قال الأبي: إن ذكر الحروف مما يدل على أن ذكر الكتب حقيقة لا مجاز ولا كناية اهـ. قال ملا علي: فيه إشارة إلى أنه داع إلى الكفر لا إلى الرشد فيجب اجتنابه وهذه نعمة عظيمة من الله تعالى في حق هذه الأمة حيث ظهر رقم الكفر بين عينيه اهـ.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الفتن باب ذكر الدجال [7131]، وأبو داود في الملاحم باب خروج الدجال [4316 و 4317 و 4318] والترمذي في الفتن [2245].

ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

7189 -

(. .)(. .) (حدثنا ابن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى قالا حدثنا

ص: 235

مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ. حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"الدَّجَّالُ مَكْتُوبٌ بَينَ عَينَيهِ ك ف ر، أَي كَافِرٌ".

7190 -

(. .)(. .) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ شُعَيبِ بْنِ الْحَبْحَابِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الدَّجَّالُ مَمْسُوحُ الْعَينِ. مَكْتُوبٌ بَينَ عَينَيهِ كَافِرٌ"، ثُمَّ تَهَجَّاهَا ك ف ر. "يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُسْلِمٍ"

ــ

معاذ بن هشام) الدستوائي (حدثنا أبي) هشام الدستوائي (عن قتادة حدثنا أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة هشام لشعبة (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال الدجال مكتوب بين عينيه ك ف ر أي كافر) أي مكتوب بين عينيه كلمة كافر حروفًا مقطعة.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

7190 -

(. .)(. .)(وحدثني زهير بن حرب حدثنا عفان) بن مسلم بن عبد الله الأنصاري مولاهم أبو عثمان الصَّفار البصري، ثقة، من كبار (10) روى عنه في (15) بابا (حدثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان العنبري البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن شعيب بن الحبحاب) الأزدي مولاهم ابن صالح البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (4) أبواب (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة شعيب لقتادة (قال) أنس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ممسوح العين) أي طافئة عينه بالهمز مطموسة لا ضوء فيها (مكتوب بين عينيه كافر ثم تهجّاها) النبي صلى الله عليه وسلم أي قرأ حروف كلمة كافر مقطعة هكذا (ك ف ر يقرؤه) أي يقرأ حروف كافر بين عينيه (كل مسلم) كاتبًا كان أو غير كاتب، قال النووي: والصحيح الذي عليه المحققون أن هذه الكتابة على ظاهرها وإنها كتابة حقيقية جعلها الله تعالى آية وعلامة من جملة العلامات القاطعة بكفره وكذبه وإبطاله ويظهرها الله تعالى لكل مسلم كاتب وغير كاتب ويخفيها ممن أراد شقاوته وفتنته ولا امتناع في ذلك اهـ منه.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهم فقال:

ص: 236

7191 -

(2913)(80) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) أَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ حُذَيفَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الدَّجَّالُ أَعْوَرُ الْعَينِ الْيُسْرَى. جُفَالُ الشَّعَرِ، مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ، فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ"

ــ

7191 -

(2913)(80)(حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (ومحمد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي (وإسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي (قال إسحاق أخبرنا وقال الآخران حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي (عن شقيق) بن سلمة الأسدي أبي وائل الكوفي (عن حذيفة) بن اليمان العبسي الكوفي صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) حذيفة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال أعور العين اليسرى جُفال الشعر) بضم الجيم وتخفيف الفاء أي كثيره، قال ذو الرمة يصف شعر امرأة:

وأسود كالأساود مسبكرًا. . . على المتنين منسدلًا جفالا

مسبكرًا منسدلًا مسترسلًا، والأساود الحيات، وشعر الدجال مع كثرته جعد قطط وهو الشديد الجعودة الذي لا يمتد إلا باليد كشعور السودان (معه جنة ونار فناره جنة) لمن دخلها (وجنته نار) كذلك.

قوله (معه جنة ونار) وفي الرواية الآتية (معه نهران يجريان. . الخ) وفي رواية عبد الملك بن عمير الآتية بعدها (إن معه ماء ونارًا) والله أعلم بحقيقتهما (فناره جنة وجنته نار) وزاد في حديث أبي أمامة عند ابن ماجه (فمن ابتلي بناره فليستغث بالله وليقرأ فواتح الكهف فتكون عليه بردًا وسلامًا).

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأنبياء باب ما ذكر من بني إسرائيل [3450] وفي الفتن باب ذكر الدجال [7130]، وأبو داود في الملاحم باب خروج الدجال [4315]، وابن ماجه في الفتن باب فتنة الدجال وخروج عيسى بن مريم [4122]، وأحمد [5/ 383 و 397].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث حذيفة رضي الله عنه فقال:

ص: 237

7192 -

(. .)(. .) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيفَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لأَنَا أَعْلَمُ بِمَا مَعَ الدَّجَّال مِنْهُ. مَعَهُ نَهْرَانِ يَجْرِيَانِ. أَحَدُهُمَا، رَأْيَ الْعَينِ، مَاءٌ أَبْيَضُ. وَالآخَرُ، رَأْيَ الْعَينِ، نَارٌ تَأَجَّجُ. فَإِمَّا أَدْرَكَنَّ

ــ

7192 -

(. .)(. .)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم الواسطي، ثقة، من (9) روى عنه في (20) بابا (عن أبي مالك) سعيد بن طارق بن أشيم بن مسعود (الأشجعي) الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (6) أبواب (عن ربعي بن حراش) العبسي أبي مريم الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (6) أبواب (عن حذيفة) بن اليمان العبسي الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ربعي بن حراش لشقيق بن سلمة (قال) حذيفة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) والله (لأنا أعلم بما مع الدجال) مما يلبس به على الناس من الجنة والنار (منه) أي من الدجال وهو جواب لقسم محذوف كما قدرناه أي والله لأنا أعلم منه بما علمني ربي لأن الدجال لا يعلم حقيقة ما معه من الجنة والنار ولا من النهرين أي أنه يظنهما كما يراهما غيره فيظن جنته جنة وماءه ماء وحقيقة الأمر على الخلاف من ذلك فيكون قد لُبس عليه فيهما، والنبي صلى الله عليه وسلم قد علم حقيقة كل واحد منهما ولذلك بينه فقال "ناره ماء بارد" وفي اللفظ الآخر "فجنته نار وناره جنة" كما رواه مسلم عن حذيفة في هذا الطريق بهذا اللفظ (معه) أي مع الدجال (نهران يجريان أحدهما) أي أحد النهرين (رأي العين) منصوب بنزع الخافض أي في رأي العين ونظرها، وقوله أحدهما مبتدأ خبره قوله (ماء أبيض و) النهر (الآخر) في (رأي العين) ونظرها (نار تأجج) أي تتقد وتتلهب أصله تتأجج فحذفت التاء الأولى تخفيفًا لثقل توالي مثلين يقال تأججت النار إذا تلهبت وأججتها فتأججت والأجيج تلهب النار (فإما أدركن) كذا وقع في أكثر النسخ وهو خلاف القياس الصرفي لأن نون التوكيد مطلقًا لا تلحق الفعل الماضي، والصواب فإما يدركن أحد منكم ذلك التلبيس الدجالي اهـ من المفهم، وعبارة النووي هنا هكذا هو في أكثر النسخ (أدركن) وفي بعضها (فإما أدركه) وهذا الثاني ظاهر وأما الأول فغريب من حيث العربية لأن هذه النون لا تدخل على الفعل الماضي (قلت)

ص: 238

أَحَدٌ فَلْيَأْتِ النَّهْرَ الَّذِي يَرَاهُ نَارًا وَلْيُغَمِّضْ. ثُمَّ لْيُطَأْطِئْ رَأْسَهُ فَيَشْرَبَ مِنْهُ. فَإِنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ. وَإِنَّ الدَّجَّال مَمْسُوحُ الْعَينِ. عَلَيهَا ظَفَرَةٌ غلِيظَةٌ، مَكْتُوبٌ بَينَ عَينَيهِ كَافِرٌ، يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، كَاتِبٍ وَغَيرِ كَاتِبٍ"

ــ

قال ابن هشام في المغني: ولا يؤكد بهما أي بنوني التوكيد الثقيلة والخفيفة الماضي مطلقًا وشذ قوله:

دامن سعدك لو رحمت متيمًا. . . لولاك لم يك للصبابة جانحًا

(أحد فليأت النهر الذي يراه نارًا) بفتح الياء أي يعلمه وبضمها أي يظنه نارًا (وليغمّض) من التغميض وهو تغطية العينين بالأجفان أي وليغلق عينيه (ثم ليطأطئ) أي ثم ليخفض (رأسه فيشرب منه) لئلا يلحقه خوف من التهاب النار (فإنه) أي فإن النهر الذي تراه نارًا (ماء بارد) وكل ما يظهره الله تعالى على يدي الدجال من الخوارق للعادة محن امتحن الله بها عباده وابتلاء ابتلاهم به ليتميز أهل التنزيه والتوحيد بما يدل عليه العقل السديد من استحالة الألوهية على ذوي الأجسام وإن أتوا على دعواهم بأمثال تلك الطوام أو ليغتر أهل الجهل باعتقاد التجسيم حتى يوردهم ذلك نار الجحيم وفتنة الدجال من نحو فتنة أهل المحشر بالصورة الهائلة التي تأتيهم فتقول لهم أنا ربكم فيقول المؤمنون نعوذ بالله منك كما تقدم في كتاب الإيمان (وإن الدجال ممسوح العين) أي مطموس ضوءها وإدراكها فلا يبصر بها شيئًا (عليها) أي على عينه (ظفرة) أي لحمة (غليظة) أي ثخينة، والظفرة بالظاء المعجمة والفاء المفتوحتين جلدة تغشى العين إن لم تقطع غشيت العين، وقال الأصمعي: الظفرة لحمة تنبت عند الماقي وأنشد:

بعينها من البكاء ظفرة

حل ابنها في السجن وسط الكفرة

اهـ من الأبي.

(مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب) يعني من يستطيع الكتابة ومن لا يستطيعها وقد تقدم أن ذلك على سبيل خرق العادة بحيث يخلق الله تعالى إدراكًا في بصر المؤمن ما يدرك به ذلك والله أعلم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث حذيفة رضي الله عنه فقال:

ص: 239

7193 -

(. .)(. .) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ قَال، فِي الدَّجَّالِ:"إِنَّ مَعَهُ مَاءٌ وَنَارًا. فَنَارُهُ مَاءٌ بَارِدٌ، وَمَاؤُهُ نَارٌ. فَلَا تَهْلِكُوا". قَال أَبُو مَسْعُودٍ: وَأَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

7194 -

(2914)(81) حدَّثنا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. حَدَّثَنَا شُعَيبُ بْنُ صَفْوَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ

ــ

7193 -

(. .)(. .)(حدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري (حدثنا شعبة ح وحدثنا محمد بن المثنى واللفظ له حدثنا محمد بن جعفر) غندر (حدثنا شعبة عن عبد الملك بن عمير) الفرسي اللخمي الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (15) بابا (عن ربعي بن حراش) العبسي الكوفي (عن حذيفة) بن اليمان العبسي الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عبد الملك بن عمير لأبي مالك الأشجعي (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في) بيان شأن (الدجال إن معه ماء ونارًا فناره ماء بارد وماؤه نار) حار (فلا تهلكوا) أنفسكم باختيار مائه.

(قال أبو مسعود) عقبة بن عمرو الأنصاري البدري الكوفي رضي الله عنه (وأنا سمعته) أي سمعت هذا الحديث (من رسول الله صلى الله عليه وسلم) فصار الحديث من مسانيد أبي مسعود أيضًا وسيأتي أن ربعي بن حراش انطلق معه إلى حذيفة رضي الله عنهم فحدّث حذيفة بهذا الحديث فصدقه أبو مسعود رضي الله عنه وقائل هذه الجملة يعني قوله قال أبو مسعود ربعي بن حراش لأنه كان معهما، وغرضه بها بيان المتابعة في الشاهد.

ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث ابن عمر بحديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنهم فقال:

7194 -

(2914)(81)(حدثنا علي بن حجر) السعدي المروزي، ثقة، من (9)(حدثنا شعيب بن صفوان) بن الربيع الثقفي الكوفي، مقبول، من (7) روى عنه في (2) بابين الجنائز والفتن (عن عبد الملك بن عمير) الفرسي الكوفي (عن ربعي بن حراش عن

ص: 240

عُقْبَةَ بْنِ عَمْروٍ، أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ، قَال: انْطَلَقْتُ مَعَهُ إِلَى حُذَيفَةَ بْنِ الْيَمَانِ. فَقَال لَهُ عُقْبَةُ: حَدِّثْنِي مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الدَّجَّالِ. قَال: "إِنَّ الدَّجَّال يَخْرُجُ. وَإِنَّ مَعَهُ مَاءً وَنَارًا. فَأَمَّا الَّذِي يَرَاهُ النَّاسُ مَاءً، فَنَارٌ تُحْرِقُ. وَأَمَّا الَّذِي يَرَاهُ النَّاسُ نَارًا فَمَاءٌ بَارِدٌ عَذْبٌ. فَمَنْ أَدْرَكَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَلْيَقَعْ فِي الَّذِي يَرَاهُ نَارًا. فَإِنَّهُ مَاءٌ عَذْبٌ طَيِّبٌ".

فَقَال عُقْبَةُ: وَأَنَا قَدْ سَمِعْتُهُ. تَصْدِيقًا لِحُذَيفَةَ

ــ

عقبة بن عمرو أبي مسعود الأنصاري) الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) ربعي بن حراش (انطلقت) أي ذهبت (معه) أي مع أبي مسعود الأنصاري (إلى حذيفة بن اليمان فقال له) أي لحذيفة (عقبة) بن عمرو (حدثني) بصيغة الأمر أي حدِّثني يا حذيفة (ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في) شأن (الدجال) قال حذيفة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الدجال يخرج) من سجنه في البحر إلى الناس في آخر الزمان (و) الحال (إن معه ماء) أي وما يتولد منه من أسباب النعم بحسب الظاهر المعبّر عنه بالجنة فيما تقدم يرغب إليه من أطاعه (ونارًا) أي ما يكون ظاهره سببًا للعذاب والمشقة والألم يخوف به من عصاه (فأما الذي يراه الناس ماء فنار تحرق) بضم التاء من الإحراق (وأما الذي يراه الناس نارًا فماء بارد عذب) أي حلو يكسر العطش، والمعنى إن الله تعالى يجعل ناره ماء باردًا عذبًا على من كذّبه وألقاه فيها غيظًا كما جعل نار نمروذ بردًا وسلامًا على إبراهيم عليه السلام ويجعل ماءه الذي أعطاه لمن صدّقه نارًا محرقة دائمة، ومجمله أن ما ظهر من فتنته ليس له حقيقة بل تخييل منه وشعبذة كما يفعله السحرة والمشعبذون مع احتمال أن الله تعالى يقلب ناره وماءه الحقيقيين فإنه على كل شيء قدير اهـ من المرقاة (فمن أدرك ذلك) الزمن (منكم فليقع) أي فليدخل (في الذي يراه نارًا فإنه ماء عذب طيب فقال عقبة) بن عمرو الأنصاري لحذيفة بن اليمان (وأنا) والله (قد سمعته) أي قد سمعت هذا الحديث الذي حدثنيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم -أي قال عقبة هذا الكلام (تصديقًا لحذيفة) فيما حدّثه.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الفتن [7130]، وأبو داود في الملاحم [4315]، وابن ماجه في الفتن [4122].

ص: 241

7195 -

(. .)(. .) حدَّثنا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لابْنِ حُجْرٍ -. (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال ابْنُ حُجْرٍ: حَدَّثَنَا) جَرِيرٌ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ نُعَيمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، قَال: اجْتَمَعَ حُذَيفَةُ وَأَبُو مَسْعُودٍ. فَقَال حُذَيفَةُ: "لأَنَا بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ أَعْلَمُ مِنْهُ. إِنَّ مَعَهُ نَهْرًا مِنْ مَاءٍ وَنَهْرًا مِنْ نَارٍ. فَأَمَّا الَّذِي تَرَوْنَ أَنَّهُ نَارٌ، مَاءٌ. وَأَمَّا الَّذِي تَرَوْنَ أَنَّهُ مَاءٌ، نَارٌ؛ فَمَنْ أَدْرَكَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَأَرَادَ الْمَاءَ فَلْيَشْرَبْ مِنَ الَّذِي يَرَاهُ أَنَّهُ نَارٌ. فَإِنَّهُ سَيَجِدُهُ مَاءً".

قَال أَبُو مَسْعُودٍ: هَكَذَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ.

7196 -

(2915)(82) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا حُسَينُ بْنُ مُحَمَّدٍ

ــ

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث حذيفة وأبي مسعود رضي الله عنهما فقال:

7195 -

(. .)(. .)(حدثنا علي بن حجر السعدي) المروزي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (واللفظ لابن حجر قال إسحاق أخبرنا وقال ابن حجر حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن المغيرة) بن مقسم الضبي الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (9) أبواب (عن نعيم بن أبي هند) النعمان بن أشيم الأشجعي الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (4) أبواب (عن ربعي بن حراش قال) ربعي (اجتمع حذيفة وأبو مسعود) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة نعيم بن أبي هند لعبد الملك بن عمير (فقال حذيفة) والله (لأنا بما مع الدجال أعلم منه) أي من الدجال (إن معه نهرًا من ماء ونهرًا من نار فأما الذي ترون أنه نار) فهو (ماء) بارد (وأما الذي ترون أنه ماء) فهو (نار) محرقة (فمن أدرك ذلك) الزمن (منكم فأراد الماء فليشرب من الذي يراه أنه نار فإنه يجده ماء، قال أبو مسعود) وأنا (هكذا سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول).

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهم فقال:

7196 -

(2915)(82)(حدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا حسين بن محمد) التميمي أبو محمد المروذي، نسبة إلى مروروذ مدينة من خراسان،

ص: 242

حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَلا أُخْبِرُكُمْ عَنِ الدَّجَّالِ حَدِيثًا مَا حَدَّثَهُ نَبِيٌّ قَوْمَهُ؟ إِنَّهُ أَعْوَرُ. وَإِنَّهُ يَجِيءُ مَعَهُ مِثْلُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ. فَالَّتِي يَقُولُ إِنَّهَا الْجَنَّةُ، هِيَ النَّارُ. وَإِنِّي أَنْذَرْتُكُمْ بِهِ كَمَا أَنْذَرَ بِهِ نُوحٌ قَوْمَهُ".

7197 -

(2916)(83) حدَّثنا أَبُو خَيثَمَةَ، زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ. حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ جَابِرٍ الطَّائِيُّ، قَاضِي حِمْصَ

ــ

ثقة، من (9) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا شيبان) بن عبد الرحمن التميمي البصري ثم الكوفي ثم البغدادي، ثقة، من (7) روى عنه في (10) أبواب (عن يحيى) بن أبي كثير صالح بن المتوكل الطائي اليمامي، ثقة، من (5) روى عنه في (17) بابا (عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (3)(قال سمعت أبا هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا) أي انتبهوا واستمعوا (أخبركم عن) شأن (الدجال حديثًا) أي خبرًا (ما حدّثه نبي) من الأنبياء (قومه) وذلك الخبر قوله (إنه) أي إن الدجال (أعور) إحدى عينيه ومعيبها (وإنه يجيء معه) أي يأتي معه أشياء (مثل الجنة والنار) أي شبههما فيما يراه الناس (فالتي) أي فالصورة التي (يقول إنها الجنة هي النار وإني أنذرتكم) وخوفتكم (به) أي بالدجال وفتنته (كما أنذر به نوح قومه) عليه السلام.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأنبياء باب قول الله عز وجل: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} [2238].

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا بحديث النواس بن سمعان رضي الله عنه فقال:

7197 -

(2916)(83)(حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي الأموري مولاهم الدمشقي عالمها، ثقة، من (8) روى عنه في (6) أبواب (حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر) الأزدي أبو عتبة الدمشقي الداراني، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن يحيى بن جابر) بن حسان (الطائي) أبي عمرو الحمصي (قاضي حمص) بكسر المهملة مع سكون الميم، مدينة

ص: 243

حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، جُبَيرِ بْنِ نُفَيرٍ الْحَضْرَمِيِّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ النَّوَّاسَ بْنَ سَمْعَانَ الْكِلابِيَّ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ الطَّائِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيرِ بْنِ نُفَيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، جُبَيرِ بْنِ نُفَيرٍ، عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ، قَال: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الدَّجَّال ذَاتَ غَدَاةٍ. فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ

ــ

مشهورة في الشام (حدثني عبد الرحمن بن جبير) بن نفير بالتصغير فيهما الحضرمي أبو حميد الشامي، ثقة، من (4) روى عنه في (9) أبواب (عن أبيه جبير بن نفير الحضرمي) الحمصي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (10) أبواب (أنه) أي أن جبير بن نفير (سمع النوّاس) بفتح النون وتشديد الواو (بن سمعان) بفتح أوله أو بكسره (الكلابي) بكسر الكاف نسبة إلى بني كلاب قبيلة مشهورة في العرب، الشامي، الصحابي المشهور رضي الله عنه، روى عنه في (3) أبواب الصلاة والبر والصلة والفتن. وهذا السند من سباعياته (ح وحدثني محمد بن مهران) بكسر أوله وسكون ثانيه الجمّال بالجيم (الرازي) نسبة إلى بلدة في العجم، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (واللفظ له حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن يحيى بن جابر الطائي عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه جبير بن نفير عن النواس بن سمعان) الكلابي الشامي. وهذا السند من سباعياته أيضًا (قال) النواس (ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال) أي شأنه وفتنته (ذات غداة) فلفظ ذات إما مقحمة أي غداة من الغدايا أو من إضافة الشيء إلى نفسه أي في ذات هي غداة أو من إضافة المسمى إلى الاسم أي في ذات وزمن يسمى بالغداة وهي أول النهار (فخفض) رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته تارة (فيه) أي في ذكره إبقاء على نفسه (ورفع) صوته فيه تارة ليسمع من بعد عنه أو المعنى فخفض فيه أي حقر في شأنه تارة ورفع فيه أي عظم فتنته أخرى.

وعبارة القرطبي هنا قوله: (فخفض فيه ورفع) بتخفيف الفاء فيهما أي أكثر من الكلام فيه فتارة يرفع صوته ليسمع من بعد عنه وتارة يخفض ليستريح من تعب الإعلان، وهذه الحالة حالة المكثر من الكلام، وقيل معناه فحقّره وصغّره تارة كما قال هو أهون على الله من ذلك وتارة عظّمه كما قال ليس بين يدي الساعة خلق أكبر فتنة من الدجال، والأول أسبق إلى الفهم، وقد روي اللفظان فخفض فيه ورفع مشدد الفاء وهو للتضعيف

ص: 244

حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ. فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيهِ عَرَفَ ذلِكَ فِينَا. فَقَال: "مَا شَأْنُكُمْ؟ " قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، ذَكَرْتَ الدَّجَّال غَدَاةً. فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ. حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ. فَقَال: "غَيرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيكُمْ

ــ

والتكثير أي للمبالغة في كثرة ذلك اهـ من المفهم.

قال النووي: وفي معناه قولان: الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الكلام في شأنه فتارة رفع صوته ليسمعه كل أحد وأخرى خفض صوته ليستريح من تعب الجهر، والثاني أن المراد من التخفيض تصغير شأنه وتحقيره كما ذكر أنه أعور وأنه أهون على الله من ذلك وأنه لا يقدر على قتل أحد إلا ذلك الرجل ثم يعجز عنه وأنه يضمحل أمره ويُقتل بيد عيسى عليه السلام والمراد من الترفيع تعظيم فتنته حيث تصدر منه أمور خارقة للعادة وأنه ليس بين يدي الساعة أحد أعظم فتنة من الدجال.

أي أكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم الإنذار في الدجال (حتى ظنناه) أي حتى ظننا أن الدجال مختف (في طائفة) أي في قطعة من (النخل) قريبة إلينا يعني أنه صلى الله عليه وسلم وصفه بصفات كثيرة من الفتن حتى ظننا أنه مختف في مكان قريب إلينا (فلما رحنا) أي رجعنا (إليه) صلى الله عليه وسلم في الرواح أي في آخر النهار (عرف) صلى الله عليه وسلم (ذلك) الظن الهائل (فينا) أي عرف منا أنا ظننا وجوده في طائفة من النخل (فقال) لنا (ما شأنكم) وحالكم في الخوف من الدجال أشد الخوف حتى ظننتم أنه قريب إليكم فـ (قلنا) له (يا رسول الله) أنك (ذكرت) لنا (الدجال) وفتنته (غداة) أي في أول النهار (فخفضت فيه) أي في ذكره صوتك تارة (ورفعتـ) ـه أخرى (حتى ظنناه) أنه قريب إلينا مختف (في طائفة النخل) القريبة إلينا فلذلك خفنا منه خوفًا شديدًا (فقال) لنا (غير الدجال) من دعاة جهنم (أخوفني) أي أشد خوفًا (عليكم) عندي، والمعنى إني أخاف عليكم من غير الدجال أكثر مما أخافه عليكم منه أي غير الدجال أخوف عندي عليكم من الدجال فحُذف للعلم به.

قوله (غير الدجال أخوفني عليكم) قال القاضي: رويناه عن الأكثر أخوفني بالنون بعد الفاء ورُوي عن أبي بحر أخوفي بغير نون وهي قليلة حكاها ثابت، وقد وقع في الترمذي أخوف لي، قال القرطبي: وهو الموافق لقاعدة العربية، قال أبو مروان بن سرّاج: أفعل التي للمفاضلة لا تُستعمل إلا مع من يقال زيد أفضل من عمرو، وضعتها

ص: 245

إِنْ يَخْرُجْ، وَأَنَا فِيكُمْ، فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ. وَإِنْ يَخْرُجْ، وَلَسْتُ فِيكُمْ، فَامْرُؤٌ

ــ

العرب موضع كلام أكثر منها طلبًا للاختصار والأصل في قولك أخوف من كذا أي كذا يزيد خوفه على كذا فتقدر بالمصدر والفعل ثم وُضعت أخوفني موضع أخوف مني ولما تضمنت معنى المصدر ووُضعت موضعه أظهر معها الضمير الذي يظهر مع المصدر، قال الأبي: النون المذكورة هي المسماة بنون الوقاية وحقها أن لا تدخل إلا في الأفعال المتعدية نحو أكرمني وإنما دخلت فيها لتقيها الكسر لأن ياء المتكلم لا يكون ما قبلها إلا مكسورًا والأفعال لا يدخلها الكسر فألحقت بها النون وجُعل فيها الكسر ولذلك سميت نون الوقاية ولهذه العلة فالأصل أن لا تلحق الأسماء لأن الأسماء يدخلها الكسر ولذلك قل دخولها على الأسماء لعدم الحاجة إليها ومنه قوله:

وما أدري وظني كل ظن. . . أمسلمني إلى قومي شراحي

يعني شراحيل فرخمه في غير النداء للضرورة فدخلت على مسلمي وهو اسم فاعل، ولما كان أفعل التفضيل أشبه الأشياء بالأفعال على ما هو مقرر في علم العربية لحقه النون كما في رواية الأكثر في هذا الحديث على الأصل في تركيب ما وقع في هذا الحديث.

وأما معنى الحديث فذكر النووي عن شيخه ابن مالك في تقريره ثلاثة أوجه قال: أظهرها أن يكون التقدير أخوف مخوفاتي عليكم غير الدجال فحُذف المضاف إلى ياء المتكلم، ومنه "أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون" أي إن الأشياء التي أخافها على أمتي أحقها بأن تخاف الأئمة المضلون، والثاني أن يكون أخوف من أخاف بمعنى خوف بتشديد الواو ومعناه غير الدجال أشد موجبات خوفي عليكم، والثالث أن يكون من وصف المعاني بما تُوصف به الأعيان على وجه المبالغة كقولهم في الشعر الفصيح شعر شاعر، وخوف فلان أخوف من خوفك، والمعنى هنا خوف غير الدجال أخوف خوفي عليكم، ثم حُذف المضاف الأول ثم الثاني اهـ من الأبي.

(إن يخرج) الدجال ويظهر (وأنا) حي (فيكم فأنا حجيجه) أي محاجه ومخاصمه وقاطعه بالحجة بإظهار كذبه وإفساد قوله (دونكم) أي من غير افتقار وحاجه إلى محاجة شخص معين يدافعه عنكم أي فأنا كاف لكم في محاجته (وإن يخرج) ويظهر الدجال (و) أنا (لست فيكم فامرؤ) أي فكل امرئ منكم والدليل على عمومه قوله "والله خليفتي على

ص: 246

حَجِيجُ نَفْسِهِ. وَاللهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ. إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ. عَينُهُ طَافِئَةٌ

ــ

كل مسلم" (حجيج نفسه) أي محاج ومدافع له عن نفسه والمعنى ليحتج كل امرئ منكم عن نفسه ويدافعه عنها بما أعلمته من صفته وبما يدل عليه العقل من كذبه في دعوى الإلهية وهو خبر بمعنى الأمر، وفيه التنبيه على النظر عند المشكلات والتمسك بالأدلة الواضحات اهـ مفهم. وهذا الكلام يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتبين له وقت خروجه غير أنه كان يتوقعه ويقربه وكذلك كان يقرب أمره حتى يظنوا أنه في النخل القريب منهم اهـ منه (والله) عز وجل (خليفتي على) دفع شره وفتنته عن (كل مسلم) ومسلمة يعني أن الله تعالى ولي كل مسلم وحافظه فيعينه عليه ويدفع شره بلا واسطة وهذا منه صلى الله عليه وسلم تفويض إلى الله في كفاية كل مسلم من تلك الفتن العظيمة وتوكل عليه في ذلك ولا شك في أن من صح إسلامه في ذلك الوقت أنه يكفى تلك الفتن لصدق النبي صلى الله عليه وسلم في توكله وصحة ضمان الله تعالى كفاية من توكل عليه بقوله: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]، أي كافيه مشقة ما توكل عليه فيه وموصله إلى ما يصلحه منه ومع هذا فقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما يقرؤه على الدجال فيؤمن من فتنته وذلك عشر آيات من أول سورة الكهف أو من آخرها على اختلاف الرواية في ذلك والاحتياط والحزم يقتضي أن يقرأ عشرًا من أولها وعشرًا من آخرها على أنه قد روى أبو داود من حديث النواس "فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف فإنه جوار لكم من فتنته" رواه أبو داود [4321].

ثم قال صلى الله عليه وسلم ألا (إنه) أي إن الدجال رجل (شاب) الجسم لا كهل ولا شيخ (قطط) بفتحتين وبكسر الطاء الأولى لغتان فيه أي شديد جعودة الشعر الذي لا يمتد إلا باليد كشعور السودان مباعد عن الجعودة المحبوبة كذا في النووي (عينه طافئة) أي منطفئة الضوء والنور لا ترى شيئًا، ذكره القاضي أبو الفضل بالوجهين طافئة بالهمز وطافية بالياء بلا همز وعلى الهمز اسم فاعل من طفئت النار تطفأ فهي طافئة وانطفئت فهي منطفئة وأطفأتها فهي مطفأة فكأن عينه كانت تنير كالسراج فانطفأت أي ذهب نورها وهذا المعنى في هذه الرواية التي لم يُذكر فيها عنبة واضح ويبعد فيها ترك الهمز، وأما الرواية التي هي فيها (كأنها عنبة طافية) فالأولى ترك الهمز فيها فإنه شبهها في استدارتها وبروزها بحبة العنب وهو اسم فاعل من طفا يطفو إذا علا غير مهموز فهي طافية أي

ص: 247

كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ. فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ. إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةَ بَينَ الشَّأْمِ وَالْعِرَاقِ. فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا،

ــ

قائمة ناتئة جاحظة عن موضعها (كأني أشبهه بعبد العزى ابن قطن) ولم يقل كأنه عبد العزى قيل إنه لم يكن جازمًا بتشبيهه به، وقيل إنه كان يهوديًّا، والظاهر كان مشركًا لأن العزى اسم صنم يؤيده ما جاء في بعض الحواشي هو رجل من خزاعة هلك في الجاهلية اهـ من الأبي، قال على القاري في المرقاة [10/ 162] قلت: لا شك في تشبيهه به إلا أنه لما كان معرفة المشبّه في عالم الكشف أو المنام عبّر عنه بكأني كما هو المعتبر في حكاية الرؤيا والله تعالى أعلم. ويمكن أن يقال لما لم يوجد في الكون أقبح صورة منه فلا يتم التشبيه من جميع الوجوه بل ولا من وجه واحد عدل عن صيغة الجزم وعبر عنه بما عبّر به عنه، ثم في صيغة الحال إشعار باستحضار صورة المآل (فمن أدركه) أي أدرك الدجال (منكم) أيها المسلمون (فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف) زاد أبو داود من طريق صفوان بن صالح (فإنها جواركم من فتنته) وهو بكسر الجيم بمعنى الأمان (إنه خارج خلّة) أي في خلة وطريق (بين الشام والعراق) وقيل للطريق، والسبيل خلة لأنه خل وفصل ما بين البلدتين اهـ من النهاية، قال النووي: خلة بفتح الخاء المعجمة وتنوين التاء اهـ هو منصوب بنزع الخافض كما أشار إليه في النهاية قاله ملا علي، قال القرطبي: وقد روى الترمذي من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الدجال يخرج من أرض بالمشرق يقال لها خراسان يتبعه أفواج كأن وجوههم المجان المطرقة" رواه الترمذي [2237] قال: وفي الباب عن أبي هريرة وعائشة رضي الله تعالى عنهما وهذا حديث حسن غريب ووجه الجمع بينه وبين الذي قبله: أن مبدأ خروج الدجال من خراسان ثم يخرج إلى الحجاز فيما بين العراق والشام اهـ من المفهم (فعاث) أي أفسد في الأرض (يمينًا) أي في يمينه (وعاث) أي أفسد في الأرض (شمالًا) أي في شماله وفي مشارقها ومغاربها وجنوبها، رُوي بالعين المهملة والثاء المثلثة مفتوحة غير منونة على أنه فعل ماض، وبكسرها وتنوينها على أنه اسم فاعل أي فهو عاث في الأرض يمينًا وشمالًا يقال عثا في الأرض يعثو أفسد وكذلك عثي بالكسر يعثى من باب رضي، ومنه قوله تعالى:{وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [البقرة: 60]، والتعبير بالماضي عن المستقبل إشعار بأنه محقق الوقوع لا محالة

ص: 248

يَا عِبَادَ اللهِ، فَاثْبُتُوا" قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا لَبْثُهُ فِي الأَرْضِ؟ قَال:"أَرْبَعُونَ يَوْمًا، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ"

ــ

(يا عباد الله فاثبتوا) على دينكم دين الإسلام ولا تؤمنوا به وهذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم يأمر من لقي الدجال أن يثبت ويصبر فإن لبثه في الأرض قليل على ما يأتي، وأما من سمع به ولم يلقه فليبعد عنه وليفر منه بنفسه كما أخرجه أبو داود من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه "قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سمع الدجال فلينأ عنه فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات أو لما يبعث به من الشبهات" رواه أبو داود [4319] قال النواس بن سمعان (قلنا) معاشر الحاضرين (يا رسول الله وما لبثه) أي وما قدر لبثه ومكثه (في الأرض قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم قدر لبثه في الأرض ومدته (أربعون يومًا يوم) أول منها طوله (كـ) طول (سنة ويوم) ثان منها طوله (كـ) طول (شهر ويوم) ثالث منها طوله (كـ) طول (جمعة) وأسبوع (وسائر أيامه كأيامكم) أي باقي أيامه أي قدرها كقدر أيامكم اثنتي عشرة ساعة، قال القرطبي: ظاهر هذا الكلام أن الله تعالى يخرق العادة في تلك الأيام فيبطئ بالشمس عن حركتها المعتادة في أول يوم من تلك الأيام حتى يكون أول يوم كمقدار سنة معتادة ويبطئ بالشمس في الثاني حتى يكون كمقدار شهر ويبطئ الشمس في الثالث حتى يكون كمقدار جمعة وهذا ممكن لا سيما وذلك الزمان تنخرق فيه العوائد كثيرًا لا سيما على يدي الدجال، وقد تأوله أبو الحسين بن المنادي على ما حكاه أبو الفرج الجوزي فقال: المعنى يهجم عليكم غم عظيم لشدة النبلاء وأيام النبلاء طوال، ثم يتناقص ذلك الغم في اليوم الثاني، ثم يتناقص في الثالث ثم يعتاد البلاء كما يقول الرجل اليوم عندي سنة كما قال: وليل المحب بلا آخر. قال أبو الفرج يرده قولهم "أتكفينا فيه صلاة يوم وليلة؟ قال: لا، اقدروا له قدره" والمعنى قدروا الأوقات للصلاة غير أن أبا الحسين بن المنادي قد طعن في صحة هذه اللفظات أعني قولهم "أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، اقدروا له قدره" قال: فهذا عندنا من الدسائس التي كادنا بها ذوو الخلاف علينا قديمًا ولو كان ذلك صحيحًا لاشتهر على ألسنة الرواة كحديث الدجال فإنه قد رواه ابن عباس وابن عمر وجابر بن عبد الله وحذيفة وعبادة بن الصامت وأُبي بن كعب وسمرة بن جندب وأبو هريرة وأبو الدرداء وأبو مسعود البدري وأنس بن مالك وعمران بن

ص: 249

قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، فَذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ، أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلاةُ يَوْمٍ؟ قَال:"لَا، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ"

ــ

حصين ومعاذ بن جبل ومجمع بن جارية مع آخرين رضي الله عنهم أجمعين ولم يذكروا تلك اللفظات في الحديث ولو كانت تلك اللفظات في الحديث لقوي اشتهارها ولكانت أعظم وأقطع من طلوع الشمس من مغربها.

[قلت] هذه الألفاظ التي أنكرها هذا الرجل صحيحة في حديث النواس خرّجها الترمذي من حديث النواس وذكر الحديث بطوله نحوًا مما خرّجه مسلم وقال في الحديث: حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وقد خرّجه أبو داود أيضًا من حديث عبد الرحمن بن يزيد المذكور وذكر طرفًا من الحديث ولم يذكره بطوله فصح الحديث عند هؤلاء الأئمة، وانفراد الثقة بالحديث لا يخرم الثقة به لأنه قد يسمع ما لم تسمعه الجماعة في وقت لا يحضر غيره، وقد يوجد ذلك في الأحاديث وقد رواه قاسم بن أصبغ من حديث جابر بن عبد الله على ما يأتي وتطرُّق إدخال المخالفين الدسائس على أهل العلم والتحرز والثقة بعيد لا يُلتفت إليه لأنه يؤدي إلى القدح في أخبار الآحاد وإلى خرم الثقة بها مع أن ما تضمنته هذه الألفاظ أمور ممكنة الوقوع في زمان خرق العادات كسائر ما جاء مما قد صح وثبت من خوارق العادات التي تظهر على يدي الدجال مما تضمّنه هذا الحديث وغيره ولا معنى لتخصيص هذه الألفاظ بالإنكار والكل ظنون مستندة إلى أخبار العدول والله سبحانه وتعالى أعلم بحقائق الأمور.

(قلنا يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا) وتجزئنا (فيه صلاة يوم) واحد وهي خمس صلوات فقط (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا) تكفيكم فيه صلاة يوم بل (اقدروا له) أي لذلك اليوم (قدره) أي قدر اليوم من سائر الأيام، قال النووي رحمه الله تعالى: ومعنى اقدروا له قدره أنه إذا مضى بعد طلوع الفجر قدر ما يكون بينه وبين الظهر كل يوم فصلوا الظهر ثم إذا مضى بعده قدر ما يكون بينها وبين العصر فصلوا العصر وإذا مضى بعد هذا قدر ما يكون بينها وبين المغرب فصلوا المغرب وهذا العشاء والصبح ثم الظهر ثم العصر ثم المغرب وهكذا حتى ينقضي ذلك اليوم وقد وقع فيه صلوات سنة فرائض كلها مؤداة في وقتها، وأما الثاني الذي كشهر والثالث الذي كجمعة

ص: 250

قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا إِسْراعُهُ فِي الأَرْضِ؟ قَال: "كَالْغَيثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ. فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ، فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ. فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ، وَالأَرْضَ فَتُنْبِتُ، فَتَرُوحُ عَلَيهِمُ سَارِحَتُهُمْ، أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًا، وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا، وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ

ــ

فقياس اليوم الأول أن يقدّر لهما كاليوم الأول على ما ذكرناه والله أعلم، وقال القاضي عياض في قوله (اقدروا له) الخ: هذا حكم مخصوص بذلك اليوم شرعه لنا صاحب الشرع ولو وكلنا فيه لاجتهادنا لكانت الصلاة فيه عند الأوقات المعروفة في غيره من الأيام اهـ (قلنا يا رسول الله وما إسراعه) أي وما قدر إسراعه (في الأرض؟ قال كالغيث) الذي (استدبرته الريح) العاصفة، قال الأبي: علموا أن له إسراعًا فسألوا عن كيفيته لقولهم ما لبثه والمراد بالغيث الغيم إطلاقًا للسبب على المسبب أي يسرع في الأرض إسراع الغيم إذا استدبرته الريح وهو كناية عن سرعة سيره في الأرض وقطع المسافات البعيدة في أسرع وقت (فيأتي) أي يمر (على القوم فيدعوهم) إلى الإيمان به وتصديق ألوهيته (فيؤمنون به) أي بإلهيته (ويستجيبون له) أي يمتثلونه في جميع ما أمرهم به (فيأمر السماء) بأن تمطر لهم (فتمطر) لهم مجازاة لهم على الإيمان به وإجابتهم إلى دعوته (و) يأمر (الأرض) بأن تنبت لهم (فتُنبت) لهم مجازاة على إيمانهم به (فتروح) أي ترجع (عليهم) فيما بعد الزوال (سارحتهم) أي ماشيتهم التي تسرح أي تذهب أول النهار إلى المرعى والسارحة المواشي التي تخرج للسرح وهو الرعي كالإبل والبقر والغنم أي ترجع إليهم سارحتهم آخر النهار إلى مراحها، حالة كونها (أطول ما كانت) عليه (ذُرًا) أي سنامًا والذرى بضم الذال المعجمة جمع ذُروة بضمها أيضًا وهي الأسنمة جمع سنام وهي لحمة تنبت في وسط ظهر الإبل (و) حالة كونها (أسبغه) أي أملا ما كانت (ضروعًا) لكثرة اللبن (و) حالة كونها (أمدّه) أي أزيد ما كانت عليه (خواصر) لكثرة أكلها وخصب مرعاها والخواصر جمع خاصرة وامتدادها كناية عن شدة امتلائها بسبب الشبع والمراد أن من آمن بالدجال يكون في خصب فترجع ماشيته في المساء سمينة طويلة الأسنام.

قال الخطابي رحمه الله تعالى في أعلام الحديث [4/ 2331] وقد يُسأل عن هذا فيقال كيف يجوز أن يُجري الله تعالى آياته على أيدي أعدائه وإحياء الموتى آية عظيمة من آيات أنبيائه فكيف مكن منه للدجال وهو كذاب مفتر على الله يدعي الربوبية لنفسه.

ص: 251

ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ. فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيهِ قَوْلَهُ. فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ. فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيسَ بِأَيدِيهِمْ شَيءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ. وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ. فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ. ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا، فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَينِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ

ــ

فالجواب أن هذا جائز لله على سبيل الامتحان لعباده إذا كان منه ما يدل على أنه مبطل غير محق في دعواه وهو أن الدجال أعور عينه اليمنى مكتوب على جبهته كافر يقرؤه كل مسلم فدعواه داحضة مع رسم الكفر ونقص العور الشاهدين بأنه لو كان ربًا لقدر على رفع العور عن عينه ومحو السمة عن وجهه وآيات الله التي أعطاها لأنبيائه سليمة عما تعار به وعما يناقضها اهـ.

(ثم) بعدما مر على الذين آمنوا به وأمدهم بنعمه (يأتي القوم) الآخرين (فيدعوهم) إلى الإيمان به (فيردون عليه قوله) وينكرونه (فينصرف) أي يرجع (عنهم فيُصبحون) أي فيصيرون في صباح ذلك اليوم (ممحلين) أي مصابين بالمحل، وفي بعض الروايات (آزلين) والمحل والأزل والقحط والجدب كلها بمعنى واحد، وفي القاموس المحل على وزن فعل الجدب والقحط والإمحال كون الأرض ذات جدب وقحط يقال أمحل البلد إذا أجدب بسبب انقطاع المطر ويبس الأرض (ليس بأيديهم شيء من أموالهم) أي مواشيهم (ويمر) الدجال (بالخربة) بفتح الخاء وكسر الراء المكان الخرب الذي ليس فيه بناء ولا زرع أي على الأرض الخالية عن النبات والأبنية التي ليس بها أنيس (فيقول لها أخرجي كنوزك) أي معادنك التي خلقها الله فيك (فتتبعه) أي فتتبع الدجال (كنوزها) أي كنوز تلك الخربة ومعادنها، حالة كون الدجال (كيعاسيب النحل) وأمرائها التي تتبعها سائر النحول واليعاسيب جمع يعسوب واليعسوب أمير النحل وسلطانه الذي إذا طار تبعته جماعته والمعنى أن كنوز الأرض تتبع الدجال كما تتبع النحل أميرها فشبه الدجال باليعسوب والكنوز بالنحل (ثم يدعو رجلًا ممتلئًا شبابًا) وقوة (فيضربه بالسيف فيقطعه) به حتى يصير (جزلتين) أي قطعتين وفرقتين منفصلتين مثل (رمية الغرض) أي مثل قطعة منفصلة من الغرض والهدف إذا رميت بالسهم والغرض الهدف الذي يُرمى إليه والرمية مرة من الرمي والمراد أنه يفرق جسمه حتى يصير قطعتين بينهما مسافة بقدر رمية الغرض وهذا المعنى هو الذي رجحه أكثر الشراح ولكنه فيه بعد كما قاله القرطبي، قال

ص: 252

ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ يَضْحَكُ. فَبَينَمَا هُوَ كَذلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ. فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ البَيضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ. بَينَ مَهْرُودَتَينِ

ــ

القرطبي: والأولى فتح الجيم في جزلتين مع سكون الزاي لأن جزلتين هنا مصدر ملاق في المعنى ليقطعه فكأنه قال قطعه قطعتين أو جزله جزلتين وجزلة مصدر محدود بجزل جزلًا وجزلة ويجوز كسرها على أنه اسم يعني قسمه قطعتين وفرقتين، قوله (رمية الغرض) منصوب نصب المصدر أي كرمية الغرض في السرعة والإصابة وقيل جعل بين القطعتين مثل رمية الغرض وفيه بعد والأول أشبه اهـ من المفهم (ثم) بعد قتله بالسيف (يدعوه) الدجال ويناديه (فيُقبل) ذلك المقتول ويأتي إلى الدجال (ويتهلل) أي يضيء (وجهه) مثل ضوء الهلال والقمر أي يقبل إليه حالة كونه (يضحك) وهو حال من فاعل يقبل أي يقبل حالة كونه ضاحكًا بشاشًا اهـ من المرقاة، والمعنى يصير حيًّا بعدما كان ميتًا، وقد ذكرنا أن كل ما يظهر على يدي الدجال من الخوارق استدراج له (فبينما هو) أي الدجال كائن (كذلك) أي على ذلك من قتله وإحيائه أي فبينما أوقات كون الدجال على ذلك المذكور من قتله وإحيائه (إذ بعث الله) عز وجل وأرسل إليه (المسيح ابن مريم) أي عيسى بن مريم عليه السلام (فينزل) عيسى (عند المنارة) أي بفتح الميم أي عند المئذنة (البيضاء) الكائنة تلك المنارة في (شرقي) مدينة (دمشق) اسم مدينة مشهورة بالشام سُميت باسم أول من بناها وهو دمشق بن نمروذ عدو إبراهيم الخليل عليه السلام وولده دمشق آمن بإبراهيم وهاجر معه من العراق إلى دمشق وهو من صلحاء أتباعه كما بيناه في الحدائق وفي أوائل هذا الكتاب، وإذ فجائية رابطة لجواب بينما، وقوله (شرقي دمشق) بنصب شرقي على الظرفية وإضافته إلى دمشق أي فينزل عند المنارة البيضاء حالة كون عيسى (بين مهرودتين) أي لابسًا حلتين مصبوغتين بورس أو زعفران، والمهرودتين بالدال المهملة ويعجم أي حالة كون عيسى بينهما بمعنى لابسهما اهـ من المرقاة، والمهرود الثوب الذي يُصبغ بالورس ثم بالزعفران قاله في النهاية.

قوله (عند المنارة البيضاء) قال النووي: وهذه المنارة موجودة اليوم شرقي دمشق وظاهر هذا أن عيسى عليه السلام ينزل بدمشق، وهذا ما جزم به البرزنجي في كتاب الإشاعة (ص 145) وقال السيوطي في مصباح الزجاجة (ص 297) قال ابن كثير: هذا هو الأشهر في موضع نزول عيسى وقد جددت هذه المنارة في زماننا في سنة إحدى

ص: 253

وَاضِعًا كَفَّيهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَينِ. إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ. وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ. فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ. وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ. فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ

ــ

وأربعين وسبعمائة من حجارة بيض ولعل هذا يكون من دلائل النبوة الظاهرة حيث فرض الله بناء هذه المنارة لينزل عيسى ابن مريم عليها، ثم قال الحافظ ابن كثير: وقد ورد في بعض الأحاديث أن عيسى ينزل ببيت المقدس، وفي رواية بالأردن، وفي رواية بمعسكر المسلمين فالله أعلم بمكان نزوله، قال السيوطي: وحديث نزوله ببيت المقدس مذكور عند ابن ماجه وهو عندي أرجح ولا ينافي سائر الروايات لأن بيت المقدس هو شرقي دمشق وهو معسكر المسلمين إذ ذاك والأردن اسم الكورة كما في الصحاح وبيت المقدس داخل فيه فاتفقت الروايات فإن لم يكن في بيت المقدس الآن منارة بيضاء فلا بد أن تحدث قبل نزوله وقد حدثت وما رجحه السيوطي من نزول عيسى بيت المقدس هو ما رجحه أكثر العلماء والله أعلم. قوله (بين مهرودتين) على زنة مفعولتين ورُوي بالذال المعجمة أيضًا أي ينزل في ثوبين مصبوغتين بورس ثم بزعفران فبين هنا بمعنى في الظرفية وهذا كناية عن جمال ملبسه عليه السلام أي ينزل في مهرودتين حالة كونه (واضعًا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ) وخفض (رأسه قطر) رأسه أي صب رأسه قطرات الماء (وإذا رفعه) أي رفع رأسه (تحدر منه) أي نزل من رأسه (جمان) أي حبوب من الماء (كاللؤلؤ) أي مثل جمان اللؤلؤ والفضة في صفائها ولمعانها يعني إذا خفض رأسه قطر منه ماء كثير وإذا رفعه تحدر منه أي نزل منه ماء ببطئ وتأخر شيئًا فشيئًا شبيه بجمان اللؤلؤ وحبوبه في الصفاء واللمعان وهذا كناية عن جمال ذات عيسى عليه السلام وحسن خلقته مع جمال لباسه المذكور آنفًا (فلا يحل) أي لا يمكن ولا يقع (لكافر يجد ريح نفسه) أي ريح نفس عيسى عليه السلام بفتح النون والفاء أي فلا يمكن لكافر وجد ريح نفس عيسى الحياة في حال من الأحوال (إلا مات) ذلك الكافر الذي شم ريح نفس عيسى عليه السلام (ونفسه) أي والحال أن نفس عيسى (ينتهي) ويحل (حيث ينتهي) ويصل (طرفه) بسكون الراء أي بصره، وقال القرطبي: معناه أن الكفار لا يقربونه وإنما يهلكون عند رؤيته ووصول نفسه إليهم حفظًا من الله تعالى له وإظهارًا لكرامته (فيطلبه) عيسى أي يطلب عيسى الدجال ويتتبعه (حتى يدركه) أي حتى يدرك عيسى الدجال (بباب

ص: 254

لُدٍّ. فَيَقْتُلُهُ. ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللهُ مِنْهُ. فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ. فَبَينَمَا هُوَ كَذلِكَ إِذْ أَوْحَى اللهُ إِلَى عِيسَى: إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي، لَا يَدَانِ لأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ

ــ

لد) بضم اللام وتشديد الدال وبصرفه اسم جبل بالشام وقيل اسم قرية من قرى بيت المقدس وقيل بلدة معروفة في فلسطين قريبة من بيت المقدس ولحكومة إسرائيل فيها اليوم مطار (فيقتله) أي فيقتل عيسى الدجال، قال العلامة علي القاري في المرقاة [10/ 198] قوله (فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات) يجوز كون الدجال مستثنى من هذا الحكم لحكمة إراءة دمه في الحربة ليزداد كونه ساحرًا في قلوب المؤمنين ويحتمل كون هذه الكرامة لعيسى أولًا حين نزوله ثم تكون زائلة حين يرى الدجال إذ دوام الكرامة ليس بلازم، وقيل النفس الذي يموت الكافر لأجله هو النفس المقصود به إهلاك الكافر لا النفس المعتاد فعدم موت الدجال لعدم النفس المراد وقيل المفهوم منه أن من وجد من نفس عيسى من الكفار يموت ولا يُفهم منه أن يكون ذلك أول وصول نفسه فيجوز أن يحصل ذلك بهم بعد أن يريهم عيسى عليه السلام دم الدجال في حربته للحكمة المذكورة، ثم قال علي القاري رحمه الله تعالى: من الغريب أن نفس عيسى عليه السلام تعلّق به الإحياء لبعض والإماتة لبعض ومقصوده أن عيسى عليه السلام قد أُوتي عند بعثته معجزة إحياء الموتى بنفسه وفي آخر حياته صار نفسه سببًا لموت الكفار اهـ من التكملة (ثم يأتي عيسى ابن مريم) بالنصب على المفعولية (قوم) بالرفع على الفاعلية أي يأتيه قوم من المسلمين (قد عصمهم) أي قد حفظهم (الله) تعالى (منه) أي من شر الدجال وفتنته (فيمسح) عيسى ابن مريم (عن وجوههم) أي يمسح عن وجوه أولئك القوم أي يزيل عن وجوههم بمسحه عليها ما أصابها من غبار سفر الغزو ووعثائه مبالغة في إكرامهم وفي اللطف بهم وقيل معناه يكشف ما نزل بهم من الخوف والمشقات والحزن والكآبة على وجوههم بما يسرهم من خبره بقتل الدجال فيكون المعنى الأول حقيقيًّا والثاني مجازيًا (ويحدّثهم) عيسى أي يخبرهم (بدرجاتهم في الجنة فبينما هو) أي عيسى كائن (كذلك) أي على ذلك من مسح وجوههم وإخباره بدرجاتهم (إذ أوحى الله) تعالى (إلى عيسى إني قد أخرجت) أي أوحى إليه بأني قد أخرجت (عبادًا لي) من مقرهم (لا يدان) أي لا طاقة (لأحد) من الناس ولا قدرة (بقتالهم) أي على قتال أولئك العباد واليدان كناية عن القوة

ص: 255

فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ، وَيَبْعَثُ اللهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ. وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ. فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيرَةِ طَبَرِيَّةَ. فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا

ــ

لأنهما مظهر القوة، قال الأبي: وعبّر باليد لأن الدفاع لا يكون إلا بها وثنيت مبالغة كأن يديه معدومتان للعجز عن دفعهم، وإعرابه يدان مثنى اللفظ مفرد المعنى في محل النصب اسم لا مبني على فتح مقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة الحكاية. وقوله (أخرجت عبادًا لي) أي أظهرت جماعة منقادة لقضائي وقدري والمراد بهم يأجوج ومأجوج والمعهود في الكتاب والسنة عمومًا أنه إذا قصد بالعباد الكفار والطغاة أضيفوا إلى الله سبحانه بواسطة اللام كما في قوله تعالى: في سورة الإسراء {بَعَثْنَا عَلَيكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} وأما إذا أُريد بهم المسلمون والصلحاء أُضيفوا إلى الله تعالى بلا واسطة كقوله: {يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ} [الزمر: 16] وكقوله: هنا (فحرز عبادي) المؤمنين أي فاجمعهم (إلى الطور) أي إلى جبل الطور. وقوله (فحرز) بتشديد الراء مد التحريز مأخوذ من الحرز، والمراد بالعباد هنا المسلمون فأضيفوا إلى الله بدون واسطة اللام، والطور جبل معروف بالشام أي ضمهم إليه واجعله حرزًا لهم يقال أحرزت الشيء أحرزه إحرازًا إذا حفظته وضممته إليك وصنته عن الأخذ أي ارتحل بهم إلى جبل يحرزون فيه أنفسهم، والطور الجبل بالسريانية فيعم كل جبل ويحتمل أن يكون ذلك هو طور سيناء (ويبعث الله) سبحانه وتعالى أي يرسل الله سبحانه (يأجوج ومأجوج) من مقرهم وهو ما وراء سد ذي القرنين على الناس أي على أهل الأرض مشارقها ومغاربها جنوبها وشمالها (وهم) أي والحال أن يأجوج ومأجوج (من كل) أي إلى كل (حدب) ومكان مرتفع (ينسلون) أي يسرعون وقد تقدم القول على يأجوج ومأجوج في أول كتاب الفتن فراجعه، والحدب بفتحتين المكان المرتفع من الآكام والكداء، وينسلون من النسلان وهي مقاربة الخطو مع الإسراع كمشي الذئب إذا بادر قاله القتبي، وقال الزجاج: ينسلون يسرعون (فيمر أوائلهم) أي أوائل يأجوج ومأجوج جمع أول (على بحيرة طبرية) والبحيرة تصغير بحرة وبحيرة طبرية بفتح الطاء والباء بحيرة من أعمال الأردن في طرف الغور وفي طرف جبل وجبل الطور مطل عليها وتطل على هذه البحيرة مدينة طبرية وهي التي ينسب إليها الإمام الطبراني صاحب المعاجم الثلاثة أما النسبة على طبرستان فطبري راجع معجم البلدان لياقوت الحموي [5/ 17 و 18](فيشربون ما فيها) أي ما في البحيرة من الماء حتى

ص: 256

وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ: لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ، مَرَّةً، مَاءٌ. وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ. حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لأَحَدِهِمْ خَيرًا مِنْ مِئَةِ دِينَارٍ لأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ. فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ. فَيُرْسِلُ اللهُ عَلَيهِمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ. فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ

ــ

ينشفوها (ويمر آخرهم) على تلك البحيرة (فيقولون) أي يقول الأواخر بعضهم لبعض والله (لقد كان بهذه) البقعة (مرة) من الدهور أي زمنًا من الأزمان (ماء) فأين هو الآن يعني أن أوائلهم يشربون ماء البحيرة كله حتى لا يبقى للماء فيها إلا آثار فيمر عليها أواخرهم فيدركون بهذه الآثار أنه كان فيها ماء أولًا (ويحصر) أي يحبس (نبي الله عيسى) عليه السلام (وأصحابه) من المؤمنين أي يبقون محصورين على جبل الطور بلا طعام ولا شراب (حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرًا من مائة دينار لأحدكم اليوم) يعني أنهم تشتد بهم الفاقة والمجاعة إلى حد نفاد أغذيتهم وطعامهم وهم محاصرون بيأجوج ومأجوج حتى لا يوجد رأس الثور وهو فحل البقر إلا بمائة دينار، وهذا مع كمال رخص البقر في تلك الديار الشامية ومع أن رأس الثور لا يرغب فيه الناس رغبتهم في لحم باقي أعضاء البقر، قال القاضي: لعل ذلك لما ينالهم من الحاجة إلى ما يأكلون وهم لا يحرثون لشدة حصرهم، قال الأبي: وإنما ذكر الرأس ليقاس البقية عليه في القيمة (فيرغب) أي يتضرع إلى الله تعالى ويدعوه (نبي الله عيسى وأصحابه) أي يدعونه الفرج من هذه المحاصرة والمجاعة، والرغبة ها هنا بمعنى الدعاء وزاد في بعض الروايات إلى الله (فيرسل الله) تعالى (عليهم) أي على يأجوج ومأجوج أي يسلط الله عليهم وينزل بهم (النغف) بفتحتين جمع نغفة وهي دود يكون في أنوف الإبل والغنم (في رقابهم) وهذا استجابة لدعاء عيسى وأصحابه عليه السلام (فيصبحون) أي يصبح يأجوج ومأجوج أي يكونون في صباح تلك الليلة التي دعوا عليهم فيها (فرسى) أي هلكى موتى دفعة (كموت نفس واحدة).

وقوله (فرسى) كهلكى وزنًا ومعنى وهو جمع فريس كقتيل وقتلى مأخوذ من فرس الذئب الشاة إذا كسرها وقتلها ومنه فريسة الأسد.

وقوله (كموت نفس واحدة) أي يهلكون جميعًا دفعة واحدة، قال التوربشتي رحمه الله: يعني أن القهر الإلهي الغالب على كل شيء يفرسهم دفعة واحدة فيصبحون قتلى وقد نبه بالكلمتين أعني النغف وفرسى على أنه سبحانه يهلكهم في أدنى ساعة بأهون شيء

ص: 257

ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الأَرْضِ. فَلَا يَجِدُونَ فِي الأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا مَلأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ. فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللهِ. فَيُرْسِلُ اللهُ طَيرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيثُ شَاءَ اللهُ. ثُمَّ يُرْسِلُ اللهُ مَطَرًا لَا يَكُنُّ مِنْهُ بَيتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ

ــ

وهو النغف فيفرسهم فرس السبع فريسته بعد أن طارت ثغرة البغي في رؤوسهم فزعموا أنهم قاتلوا من في السماء اهـ من المرقاة.

(ثم) بعد هلاكهم (يهبط) وينزل (نبي الله عيسى وأصحابه) من جبل الطور (إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر) أي قدر شبر (إلا ملأه زهمهم) بفتحتين أي دسمهم (ونتنهم) أي عفونتهم وهو عطف تفسير لما قبله والزهم بفتح الزاي والهاء النتن والدسومة يقال زهمت يدي بكسر الهاء من باب فرح أي دسمت ثم استعيرت الكلمة للنتن لأن الدسومة تنتن بعد قليل، وذكر التوربشتي أن الزهم بفتحتين معناه الدسومة والزهم بضم الزاي وسكون الهاء الريح المنتنة، وذكر في القاموس أن الزهمة ريح لحم سمين (فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه) أي يتضرعون (إلى الله) ويدعونه تصفية الأرض من نتنهم (فيرسل الله) تعالى على موتى يأجوج ومأجوج (طيرًا) طوال الأعناق وغلاظها (كأعناق البخت) والإبل أي كطول أعناق البخت والإبل والبخت بضم الباء وسكون الخاء نوع من الإبل غلاظ الأعناق عظام الأسنام قاله القرطبي، وقال في اللسان: البخت والبختية دخيل في العربية أعجمي معرب وهي الإبل الخراسانية تنتج من عربية وفالج وهي جمال طوال الأعناق اهـ (فتحملهم) أي فتحمل موتى يأجوج ومأجوج تلك الطيور (فتطرحهم حيث شاء الله) أي في مكان شاء الله طرحهم فيه مما لا يعلمه إلا الله (ثم) بعد نقل الطيور موتاهم (يرسل الله) أي ينزل الله سبحانه (مطرًا) شديدًا، زاد الترمذي قبله (ويستوقد المسلمون من قسيهم ونشابهم وجعابهم سبع سنين ثم يرسل الله مطرًا) والنشاب السهام والجعاب ظرف السهام، وقوله (لا يكن) بضم الكاف وتشديد النون من باب شد وهو من كننت الشيء إذا سترته وصنته عن الشمس وهو بمعنى أكننت الشيء إذا سترته والمفعول محذوف جملة فعلية صفة لمطر أي يرسل الله مطرًا شديدًا لا يستر ولا يحجز (منه) أي من ذلك المطر لكثرته (بيت) مبني من (مدر) أي من طين متحجر (ولا) بيت ممدود من (وبر) أي من نسيج شعر إبل والمراد أن هذا المطر يصيب

ص: 258

فَيَغْسِلُ الأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ. ثُمَّ يُقَالُ لِلأَرْضِ: أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ، وَرُدِّي بَرَكَتَكِ. فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ. وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا. وَيُبَارَكُ فِي الرِّسْلِ، حَتَّى أَنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ

ــ

كل شيء سواء كان ذلك الشيء تحت سقف البيت أم لا لأن الماء يتقاطر من سقف البيت أيضًا لشدته، وقوله (بيت مدر ولا وبر) مرفوع على الفاعلية ليكن و (المدر) بفتحتين التراب المتحجر والمراد به هنا البيوت المحكمة المبنية من الأحجار والطوب واللبن كبيوت المدن والقرى و (الوبر) بفتح الواو وسكون الباء صوف الإبل والمراد به هنا البيوت المبنية من وبر الإبل وصوف الغنم وشعر البقر يعني غير المحكمة كبيوت أهل الريف والمواشي (فيغسل) ذلك المطر (الأرض) كلها شرقًا وغربًا أي ينزفها من آثار جيف يأجوج ومأجوج (حتى يتركها) أي يترك الأرض ويصيرها (كالزلفة) بفتح الزاي واللام أي كالمرآة في صفائها ونقائها، وقيل معناه كالمصنع الذي يجتمع فيه الماء المملوء ماء، وقيل كالإجانة الخضراء، وقيل كالروضة ويُروى كالزلقة بالقاف بدل الفاء ومعناهما واحد (ثمَّ يقال للأرض) من جهة الله تعالى:(انبتي ثمرتك) أي أخرجي أشجارك وثمارك فتنبت ثمرتك (ورُدي بركتك) أي خيراتك من الثمار والحبوب والأعشاب والمياه (فيومئذ) أي فيوم إذ أمرت الأرض بإخراج خيراتها فأخرجتها وهو أيام نزول عيسى عليه السلام (تأكل العصابة) أي الجماعة من الناس (من الرمانة) أي من الحبة الواحدة من الرمان أي يشبعون منها لكبرها وذلك من بركة الأرض (ويستظلون) أي تستظل العصابة من حر الشمس (بقحفها) بكسر القاف وسكون الحاء أي بقشرها الذي أكلوا منه والقحف في الأصل عظم مستدير فوق دماغ الإنسان واستعير هنا لما يلي رأس الرمانة من القشر، وقيل ما انفلق من جمجمته وانفصل، والجمجمة هي العظم المحتوي على الدماغ والمراد أن الرمانة تكون كبيرة بحيث تستظل بقشرها العصابة (ويبارك في الرسل) أي في اللبن وهو بكسر الراء وسكون السين أي ينزل الله فيه البركة (حتى إن اللقحة من الإبل) واللقحة بكسر اللام وفتحها مع سكون القاف فيهما لغتان مشهورتان والكسر أشهر هي الناقة القريبة العهد بالولادة وجمعها لقح كبركة وبرك واللقوح ذات اللبن وجمعها لقاح أي حتى إن لبن اللقحة من الإبل (لتكفي الفئام) أي الجماعة (من الناس) وهمزة إن في قوله حتى إن اللقحة مكسورة بدليل ذكر اللام الفارقة بعدها، وحتى

ص: 259

وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ. وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخِذَ مِنَ النَّاسِ. فَبَينَمَا هُمْ كَذلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ رِيحًا طَيِّبَةً. فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ. وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ. يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ،

ــ

اتبتدائية، وفتحها في تشكيل أغلب النسخ غلط ممن لا يعرف العربية، والفئام بكسر الفاء على وزن رجال الجماعة ولا واحد له من لفظه والمراد أن لبن الناقة الواحدة ليكفي جماعة من الناس والمراد من الفئام هنا جماعة أكثر من القبيلة (واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس) والقبيلة أكثر من الفخذ وأقل من الفئام (واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس) قال أهل اللغة: الفخذ الجماعة من الأقارب وهم دون البطن والبطن دون القبيلة اهـ نووي. قال الزبير بن بكار: العرب على ست طبقات شعب وقبيلة وعمارة وبطن وفخذ وفصيلة وما بينهما من الآباء فإنها يعرفها أهلها وسميت بالشعوب لأن القبائل تتشعب منها وسميت القبائل بذلك لأن العمائر تقابلت عليها فالشعب يجمع القبائل والقبيلة تجمع العمائر والعمارة تجمع البطون والبطون تجمع الأفخاذ، قال ابن فارس: لا يقال في فخذ النسب إلا بسكون الخاء بخلاف الجارحة تلك يقال فيها بكسر الخاء وسكونها وبكسر الفاء أيضًا اهـ من المفهم (فبينما هم) أي الناس كائنون (كذلك) أي مبسوطون عليهم من بركات الأرض (إذ بعث الله ريحًا طيبة) وإذ فجائية رابطة لجواب بينما أي بينا أوقات كونهم مبسوطين عليهم فاجأهم بعث الله تعالى عليهم ريحًا طيبة أي لينة (فتأخذهم) تلك الريح بألم يظهر (تحت آباطهم) جمع إبط وهو ما تحت مجتمع الكتف والعضد (فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم) قال النووي هكذا هو في جميع نسخ مسلم (وكل مسلم) بالواو المفيدة للجمع والصواب أن يقال (أو كل مسلم) بأو المفيدة للشك (ويبقى) على الأرض (شرار الناس) أي خبائثهم ورذائلهم ممن لا مروءة ولا حياء له وهم الكفار حالة كونهم (يتهارجون) أي يتجامعون (فيها) أي في الأرض أو في تلك الأزمنة تهارجًا كـ (تهارج الحمر) في الشوارع وبحضرة الناس والحمر بضمتين جمع حمار وهو ذكر الأتان أي يجامع الرجال النساء بحضرة الناس كما يفعل الحمير ولا يكترثون لذلك من الهرج بسكون الراء وهو الجماع يقال هرج زوجته إذا جامعها يهرجها بتثليث الراء، وفسره بعضهم بأن المراد من التهارج هنا التخاصم فإن الأصل في الهرج

ص: 260

فَعَلَيهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ".

7198 -

(. .)(. .) حدَّثنا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. . قَال ابْنُ حُجْرٍ: دَخَلَ حَدِيثُ أَحَدِهِمَا فِي حَدِيثِ الآخَرِ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ مَا ذَكَرْنَا، وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ "- لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ، مَرَّةً، مَاءٌ - ثُمَّ يَسِيرُونَ حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى جَبَلِ الْخَمَرِ. وَهُوَ جَبَلُ بَيتِ الْمَقْدِسِ. فَيَقُولُونَ: لَقَدْ قَتَلْنَا مَنْ فِي الأَرْضِ

ــ

القتل وسرعة عدو الفرس وهرج في حديثه أي خلط اهـ من المرقاة (فعليهم) أي فعلى هؤلاء الشرار (تقوم الساعة) وينفخ الصور.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الملاحم باب خروج الدجال [4321]، والترمذي في الفتن باب ما جاء في فتنة الدجال [2240]، وابن ماجه في الفتن باب طلوع الشمس من مغربها [4126]، وأحمد [4/ 181].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه فقال:

7198 -

(. .)(. .)(حدثنا علي بن حجر السعدي) المروزي، ثقة، من (9) روى عنه في (11) بابا (حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر) الأزدي الدمشقي، لا بأس به (والوليد بن مسلم) القرشي الدمشقي، ثقة، من (8) روى عنه في (6) أبواب (قال ابن حجر دخل حديث أحدهما في حديث الآخر) كلاهما رويا (عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر) الأزدي الدمشقي، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب. غرضه بيان متابعة علي بن حجر لزهير بن حرب، وساق علي بن حجر (بهذا الإسناد) يعني عن يحيى بن جابر عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه عن النواس (نحو ما ذكرنا) عن زهير بن حرب (و) لكن (زاد) علي بن حجر (بعد قوله) أي بعد قول الحديث (لقد كان بهذه مرة ماء) أي زاد لفظة (ثم يسيرون) أي يسير يأجوج ومأجوج (حتى ينتهوا) أي يصلوا (إلى جبل الخمر) بفتحتين وفسره الراوي بقوله (وهو جبل بيت المقدس) والخمر هو الشجر الملتف الذي يستر من فيه سُمي الجبل بذلك لكثرة شجره (فيقولون) أي يقول يأجوج ومأجوج بعضهم لبعض عندما وصلوا إلى ذلك الجبل (لقد قتلنا من في الأرض) كلهم

ص: 261

هَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، فَيَرْمُونَ بِنُشَّابِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ، فَيَرُدُّ اللهُ عَلَيهِمْ نُشَّابَهُمْ مَخْضُوبَةً دَمًا".

وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حُجْرٍ: "فَإِنِّي قَدْ أَنْزَلْتُ عِبَادًا لِي، لَا يَدَي لأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ"

ــ

حتى استأصلناهم أي قد قتلنا من كان ظاهرًا فيها وقد مر أن عيسى عليه السلام وأصحابه يكونون محصورين مستورين (هلم) أي هلموا وأقبلوا إلى قتال من في السماء (فلنقتل من في السماء فيرمون بنشابهم) أي بسهامهم واحده نشابة (إلى السماء فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دمًا) أي ملطخة به (وفي رواية ابن حجر) لفظة (فإني قد أنزلت) وأخرجت (عبادًا لي) من مقرهم (لا يدي) أي لا قدرة (لأحد) من الناس (بقتالهم) أي على قتالهم بدل قول زهير بن حرب في روايته (إني قد أخرجت عبادًا لي لا يدان لأحد بقتالهم).

قوله (مخضوبة دمًا) استدراجًا لهم مع احتمال إصابة سهامهم لبعض الطيور فيكون فيه إشارة إلى إحاطة فسادهم بالسفليات والعلويات اهـ من المرقاة.

قوله (لا يدي لأحد) يدي تثنية يد حذفت نونه للتخفيف أو لغة وإعرابه يدي في محل النصب اسم لا مبني على الياء نيابة عن الفتح لأن لفظه من المثنى الذي رفعه بالألف ونصبه وجره بالياء، وعبارة محمد الدهني (قوله لا يدي لأحد بقتالهم) وفي رواية غيره لا يدان لأحد كما سبق على كون لفظة لا: لا المشبهة بليس فهو مرفوع بالألف، وأما في هذه الرواية فهي لنفي الجنس تعمل عمل إن ولكن لم يظهر لي وجه سقوط نون التثنية من يدي اللهم إلا أن يقال وجهه على إجرائه مجرى الإضافة لأحد والله أعلم.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث: الأول حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث أنس ذكره للاستشهاد به وذكر فيه متابعتين، والثالث حديث حذيفة بن اليمان ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والرابع حديث أبي مسعود الأنصاري ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد، والسادس حديث النواس بن سمعان ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.

***

ص: 262