المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌768 - (12) باب في ذكر حديث الجساسة وما فيه من ذكر الدجال - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٢٦

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌757 - (1) باب قيام الناس في عرقهم على قدر أعمالهم ودنو الشمس إليهم وخطبته صلى الله عليه وسلم وتعليمه الناس

- ‌758 - (2) باب إذا مات المرء عرض عليه مقعده، وما جاء في عذاب القبر، وسماع الميت قرع النعال، وفي إثبات الحساب، والأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت

- ‌ كتاب الفتن وأشراط الساعة

- ‌759 - (3) باب اقتراب الفتن، وفتح ردم يأجوج ومأجوج، والخسف بالجيش الذي يوم البيت، ونزول الفتن كمواقع القطر

- ‌760 - (4) باب ذكر حكم تواجه المسلمين بسيفيهما، وهلاك هذه الأمة بعضهم ببعض، وإخباره صلى الله عليه وسلم عما يكون إلى يوم القيامة، وذكر الفتنة التي تموج كموج البحر

- ‌761 - (5) باب لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب، وفتح القسطنطينية وخروج الدجال، ونزول عيسى وقيام الساعة والروم أكثر الناس وإقبال الروم في كثرة القتل عند خروج الدجال

- ‌762 - (6) باب فتوحات المسلمين قبل الدجال والآيات التي تكون قبل الساعة ولا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز وفي سكنى المدينة وعمارتها قبل الساعة وعدم إنبات الأرض مع كثرة المطر وكون الفتنة من المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان

- ‌763 - (7) باب لا تقوم الساعة حتى تعبد دوس ذا الخلصة، وحتى يمر الرجل على القبر فيتمنى أن يكون صاحبه، وأنه يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة، وذكر القحطاني والجهجاه، وقتال الترك، وذكر الخليفة الذي لا يعد المال عند قسمته

- ‌764 - (8) باب ذكر قتل عمار، وأغيلمة من قريش تكون فتنة لمن في زمنها، وإذا هلك كسرى…إلخ، وفتح مدينة جانبها في البحر، وقتال اليهود حتى يقول الحجر: يا مسلم، وذكر دجالين بين يدي الساعة

- ‌765 - (9) باب ذكر ابن صياد

- ‌766 - (10) باب ذكر الدجال وصفته وما معه من الفتن

- ‌767 - (11) باب حرمة المدينة على الدجال وقتله المؤمن وإحيائه هناك، وكون الدجال أهون على الله عز وجل، وقدر مكثه في الأرض، ونزول عيسى وقتله إياه

- ‌768 - (12) باب في ذكر حديث الجساسة وما فيه من ذكر الدجال

- ‌769 - (13) باب في بقية أحاديث الدجال وفضل العبادة في الهرج وقُرب الساعة وذكر ما بين النفختين

- ‌ كتاب الزهد

- ‌770 - (14) باب كون الدنيا سجن المؤمن وهوانها عند الله تعالى وما للمرء من ماله وما يحذر من بسط الدنيا ومن التنافس فيها والنهي عن النظر إلى من فوقك في الدنيا

- ‌771 - (15) باب في الابتلاء بالدنيا وكيف يعمل فيها، والخمول فيها والتقلل منها، والتزهيد في الدنيا والاجتزاء بالخشن منها، ورؤية الله في الآخرة ومخاطبة الرب عبده فيها

- ‌772 - (16) باب ضيق معيشة آل محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌773 - (17) باب النهي عن دخول مساكن الذين ظلموا إلا أن يبكوا، وفضل الساعي على الأرامل والأيتام، والباني للمساجد، وفضل الصدقة على المساكين، وتحريم الرياء ونحوه، ووجوب حفظ اللسان، وعقوبة من يأمر ولا يفعل، والنهي عن هتك الستر عن نفسه، وندب التشميت عند العطاس وكراهية التثاؤب

- ‌ كتاب في أحاديث متفرقة

- ‌774 - (18) باب خلق الملائكة والجان وآدم وأن الفأر مسخ ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين والمؤمن أمره كله خير والنهي عن المدح إذا كان فيه إفراط وتقديم الأكبر في مناولة الشيء وغيرها والتثبت في الحديث وحكم كتابة العلم وقصة أصحاب الأخدود

- ‌775 - (19) باب في حديث أبي اليسر وحديث جابر الطويل رضي الله تعالى عنهما وحديث الهجرة ويقال له حديث الرحل بالحاء

- ‌ كتاب التفسير

- ‌776 - (20) باب في تفسير قوله تعالى: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا}

- ‌777 - (21) باب تتابع الوحي قرب وفاته صلى الله عليه وسلم

- ‌778 - (22) باب بيان تفسير قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}

- ‌779 - (23) باب تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} الآية

- ‌780 - (24) باب قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}

- ‌781 - (25) باب قوله تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ}

- ‌782 - (26) باب قوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا}

- ‌783 - (27) باب قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ}

- ‌784 - (28) باب قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ}

- ‌785 - (29) باب في قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيتَ النَّاسَ} إلخ

- ‌786 - (30) باب قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا}

- ‌787 - (31) باب في قوله تعالى: {وَلَيسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} الآية

- ‌788 - (32) باب في قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ}

- ‌789 - (33) باب قوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [

- ‌790 - (34) باب في قوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ}

- ‌791 - (35) باب في قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} الآية

- ‌792 - (36) باب في بيان سبب نزول سورة براءة والأنفال والحشر، وبيان تسميتها بهذه الأسماء

- ‌793 - (37) باب في نزول تحريم الخمر

- ‌794 - (38) باب نزول قوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} الآية

الفصل: ‌768 - (12) باب في ذكر حديث الجساسة وما فيه من ذكر الدجال

‌768 - (12) باب في ذكر حديث الجساسة وما فيه من ذكر الدجال

7210 -

(2921)(88) حدَّثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، وَحَجَّاجُ ابْنُ الشَّاعِرِ. كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ، (وَاللَّفْظُ لِعَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ)، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنِ الْحُسَينِ بْنِ ذَكْوَانَ. حَدَّثَنَا ابْنُ بُرَيدَةَ. حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ الشَّعْبِيُّ، شَعْبُ هَمْدَانَ؛

ــ

768 -

(12) باب في ذكر حديث الجساسة وما فيه من ذكر الدجال

الجساسة بفتح الجيم وتشديد السين الأولى، قيل سمت نفسها بذلك كما سيأتي في الحديث لتجسسها الأخبار للدجال لأن الدجال كان موثقًا في دير في جزيرة بحر الشام وكانت الجساسة في تلك الجزيرة كما في حديث المشارق في الباب الثامن اهـ من الحدائق، مأخوذة من التجسس بالجيم وهو الفحص عن الأخبار والبحث عنها ومنه الجاسوس وقد رُوي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن هذه الدابة هي دابة الأرض التي تخرج للناس في آخر الزمان فتكلمهم اهـ من المفهم.

واستدل المؤلف رحمه الله تعالى على الترجمة بحديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنهما فقال:

7210 -

(2921)(88)(حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث) العنبري البصري، صدوق، من (11)(وحجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي البغدادي المعروف بـ (ابن الشاعر) ثقة، من (11) روى عنه في (14) بابا (كلاهما) رويا (عن عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (16) بابا (واللفظ لعبد الوارث بن عبد الصمد) قال عبد الوارث (حدثنا أبي) عبد الصمد بن عبد الوارث العنبري البصري، صدوق، من (9)(عن جدي) عبد الوارث بن سعيد العنبري البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن الحسين بن ذكوان) المعلّم المكتب العوذي البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا) عبد الله (بن بريدة) بن الحصيب الأسلمي المروزي، ثقة، من (3) روى عنه في (8) أبواب (حدثني عامر بن شراحيل) الهمداني (الشعبي شعب همدان) بفتح الباء على كونه منصوبًا بفعل مقدر تقديره أعني وهو تفسير لنسبة الشعبي يعني أنه منسوب إلى شعب همدان لأن شعبًا بطن من همدان كما في الأنساب للسمعاني [8/ 106] وذكر ابن الأثير في جمهرة

ص: 284

أَنَّهُ سَأَلَ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيسٍ، أُخْتَ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيسٍ. وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ. فَقَال: حَدِّثِينِي حَدِيثًا سَمِعْتِيهِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. لَا تُسْنِدِيهِ إِلَى أَحَدٍ غَيرِهِ. فَقَالتْ: لَئِنْ شِئْتَ لأَفْعَلَنَّ. فَقَال لَهَا: أَجَلْ. حَدِّثِينِي. فَقَالتْ: نَكَحْتُ ابْنَ الْمُغِيرَةِ. وَهُوَ مِنْ خِيَارِ شَبَابِ قُرَيشٍ يَوْمَئِذٍ. فَأُصِيبَ فِي أَوَّلِ الْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم

ــ

الأنساب (ص 406) أنه من حمير ولا يبعد أن يكون هناك شعبان شعب همدان وشعب حمير فأراد الراوي أن يبين أن عامر بن شراحيل الشعبي من شعب همدان لا من شعب حمير (أنه) أي أن عامرًا (سأل فاطمة بنت قيس) بن خالد القرشية الفهرية (أخت الضحاك بن قيس) الصحابية المشهورة (وكانت من المهاجرات الأول فقال) الشعبي لفاطمة معطوف على قوله فسأل. وهذا السند من ثمانياته (حدثيني حديثًا سمعتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم) والجملة الفعلية صفة أولى لحديثًا. وقوله: (لا تسنديه إلى أحد غيره) صلى الله عليه وسلم صفة ثانية لحديثًا. وقوله (فقالت) معطوف على قوله فقال أي فقالت فاطمة للشعبي والله (لئن شئت) أن أحدّثك حديثًا موصوفًا بما ذكرته (لأفعلن) ما طلبته مني من تحديثه لك (فقال) الشعبي (لها) أي لفاطمة (أجل) أي نعم (حدثيني، فقالت) فاطمة للشعبي (نكحت) أي تزوجت عبد الحميد بن حفص (بن المغيرة) وهو ابن عم لخالد بن الوليد بن المغيرة القرشي (وهو) أي ابن المغيرة (من خيار شباب قريش) وأعيانهم وأشرافهم (يومئذ) أي يوم إذ تزوجني (فأصيب في أول الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) ظاهر هذا الكلام أنه استشهد في الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس الأمر كذلك فإنه لم يستشهد في غزوة غزاها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأول بعض العلماء هذا الحديث بأن المراد من قولها (أُصيب) أنه أُصيب بجراحات لا أنه مات في الجهاد وإنما ذكرت فاطمة إصابته في الجهاد لبيان فضائله لا لبيان بينونتها منه، وذكر الحافظ في الفتح [9/ 478] أنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه مع علي إلى اليمن وذكر جماعة من أهل السير أنه مات هناك فيصدق أنه أُصيب في الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أي في طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يلزم من هذا أن تكون بينونتها منه بالموت بل بالطلاق السابق على الموت ولكن هذا التأويل لا يلتئم مع قولها في أول الجهاد لأن

ص: 285

فَلَمَّا تَأَيَّمْتُ خَطَبَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَخَطَبَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَوْلاهُ أُسَامَةَ بْنِ زَيدٍ. وَكُنْتُ قَدْ حُدِّثْتُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّ أُسَامَةَ" فَلَمَّا كَلَّمَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ: أَمْرِي بِيَدِكَ. فَأَنْكِحْنِي مَنْ شِئْتَ. فَقَال: "انْتَقِلِي إِلَى أُمِّ

ــ

ذهابه إلى اليمن لا يصدق عليه أنه أول الجهاد ثم إنه مخالف لقولها تأيمت فإن ظاهره أنها تأيمت بشهادة زوجها في الجهاد، وذكر جماعة من أهل السير أنه لم يمت في اليمن وأنه بقي إلى خلافة عمر رضي الله عنه والجواب الصحيح عن هذا الإشكال أن قولها (فأُصيب في أول الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهم من بعض الرواة فلا يصح لما تقدم من الإشكال وذلك لأنه روى هذا الحديث سيار بن وردان أبو الحكم العنزي الواسطي عن الشعبي كما سيأتي في الرواية الآتية فلم يذكر فيه إصابته في الجهاد وإنما ذكر قول فاطمة: طلقني بعلي ثلاثًا، فلعلها ذكرت بعض فضائل زوجها ومن جملتها كونه أُصيب بجهاد معه صلى الله عليه وسلم فلعل أحد الرواة زعم أن تأيمها كان بسبب موت زوجها في الجهاد فذكره بالسياق المذكور، وقد ذكر الحافظ في الفتح احتمال كونه وهمًا (فلما تأيمت) أي كنت أيمًا أي غير ذات زوج بطلاق زوجي إياي لا بموته كذا فسره النووي وهو الصواب (خطبني عبد الرحمن بن عوف) الزهري (في نفر) أي مع نفر (من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقد مر في الطلاق أنه خطبها أيضًا معاوية وأبو جهم رضي الله عنهما، وقد مر هناك أيضًا أن هذه الخطبة كانت بعد انقضاء عدتها لا قبله كما يوهم كون الخطبة قبل انقضاء العدة ظاهر هذه الرواية ففي هذه شيء من التقديم والتأخير (وخطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم على مولاه) أي لمولاه (أسامة بن زيد) بن حارثة رضي الله عنه (وكنت قد حُدِّثت) وأُخبرت (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أحبني فليحب أسامة) بن زيد (فلما كلمني رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي خطبني لأسامة (قلت) له صلى الله عليه وسلم (أمري بيدك) يا رسول الله أي جعلت أمر زواجي بيدك ورأيك أي فوضته إليك وفية دلالة على صحة وكالة المرأة رجلًا أجنبيًّا في النكاح اهـ مفهم (أنكحني من شئت) أي زوجني لمن شئت فالأمر أمرك. قوله (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (انتقلي إلى) بيت (أم

ص: 286

شَرِيكٍ" وَأُمُّ شَرِيكٍ امْرَأَةٌ غَنِيَّةٌ، مِنَ الأَنْصَارِ. عَظِيمَةُ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ. يَنْزِلُ عَلَيهَا الضِّيفَانُ. فَقُلْتُ: سَأَفْعَلُ. فَقَال: "لَا تَفْعَلِي. إِنَّ أُمَّ شَرِيكٍ امْرَأَةٌ كَثِيرَةُ الضِّيفَانِ. فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَسْقُطَ عَنْكِ خِمَارُكِ، أَوْ يَنْكَشِفَ الثَّوْبُ عَنْ سَاقَيكِ، فَيَرَى الْقَوْمُ مِنْكِ بَعْضَ مَا تَكْرَهِينَ. وَلَكِنِ انْتَقِلِي إِلَى ابْنِ عَمِّكِ، عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو بْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ" -

ــ

شريك) قبله محذوف كما في المبارق تقديره قالت طلقني زوجي ثلاثًا وكان بيتي في مكان خال فخفت أن اعتد فيه فرخص لي النبي صلى الله عليه وسلم في النقلة إلى موضع آخر فقال لي "انتقلي" أي تحولي من بيتك إلى بيت أم شريك الأنصارية كُنيت باسم ابنها شريك قيل اسمها غزية بنت العكر وقيل غزيلة، قالت فاطمة بنت قيس (وأم شريك) هذه (امرأة غنية) ذات مال (من الأنصار) قال النووي: قد أنكر بعض العلماء كونها من الأنصار، فقال أبو الوليد: ليست منهم إنما هي قرشية من بني عامر بن لؤي واسمها غزية وقيل غزيلة، وقال آخرون: هما ثنتان قرشية وأنصارية وتقدم في الطلاق أن المراد هنا الأنصارية (عظيمة النفقة) أي كثيرة الإنفاق (في سبيل الله) وطاعته (ينزل عليها الضيفان) كثيرًا لإطعامها، وجملة قوله (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (سأفعل) الانتقال إلى بيت أم شريك قريبًا معطوفة على جملة قوله فقال "انتقلي إلى أم شريك" وما بينهما جملة معترضة من كلام فاطمة ساقته لبيان أم شريك، وقوله (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تفعلي) الانتقال إلى بيت أم شريك معطوف على محذوف تقديره فأمرني أن أعتد في بيت أم شريك ثم رجع عليه السلام من ذلك فقال لي (إن أم شريك امرأة كثيرة الضيفان فإني أكره) أي أخاف (أن يسقط عنك خمارك أو ينكشف الثوب عن ساقيك فيرى القوم) الداخلون عليها يعني الضيفان (منك) أي من بشرتك وعورتك (بعض ما تكرهين) إطلاع الناس عيه، وفيه دليل على أن أطراف شعر الحرة وساقيها عورة فيجب عليها سترها في الصلاة كما سبق في كتاب الصلاة اهـ مفهم (ولكن انتقلي) أي تحولي (إلى) بيت (ابن عمك عبد الله بن عمرو بن أم مكتوم) هكذا هو في جميع النسخ، وقوله ابن أم مكتوم يكتب بالألف لأنه صفة لعبد الله لا لعمرو فنسبه إلى أبيه عمرو وإلى أمه أم مكتوم فجمع نسبه إلى أبويه كما في عبد الله بن مالك ابن بحينة وعبد الله بن أبي ابن سلول ونظائره كثير في كلامهم، قال القاضي: المعروف أنه ليس بابن عمها ولا من

ص: 287

(وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فِهْرٍ، فِهْرِ قُرَيشٍ وَهُوَ مِنَ الْبَطْنِ الَّذِي هِيَ مِنْهُ) - فَانْتَقَلْتُ إِلَيهِ. فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتِي سَمِعْتُ نِدَاءَ الْمُنَادِي، مُنَادِي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يُنَادِي: الصَّلاةَ جَامِعَةً. فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ. فَصَلَّيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَكُنْتُ

ــ

البطن الذي هي منه بل هي من بني محارب بن فهر وهو من بني عامر بن لؤي هذا كلام القاضي، والصواب أن ما جاءت به الرواية صحيح والمراد بالبطن هنا القبيلة لا البطن الذي هو أخص منها والمراد أنه ابن عمها مجازًا لكونه من قبيلتها فالرواية صحيحة ولله الحمد (وهو) أي عبد الله (رجل من بني فهر فهر قريش وهو من البطن الذي هي منه) وفي القاموس والفهر بكسر الفاء وسكون الهاء قبيلة من قريش وهو فهر بن مالك بن النضر بن كنانة وقريش كلهم يُنسبون إليه خرج به فهر بمعنى الحجر وفهر بمعنى مدرسة اليهود ولم أر فهرًا بمعنى القبيلة إلا من قريش والتقييد بقريش بيان للمعلوم فلا مفهوم له والله أعلم (فانتقلت إليه) أي إلى بيت ابن أم مكتوم وكنت معه حتى انقضت عدتي وحللت للأزواج. وقوله (فلما انقضت عدتي) شرط جوابه محذوف تقديره فلما انقضت عدتي وحللت للأزواج زوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد وكنت معه في جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم و (سمعت) يومًا (نداء المنادي) في المسجد النبوي (منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم) بدل من الأول أو عطف بيان منه (ينادي) ذلك المنادي بقوله (الصلاة جامعة) ليجتمع الناس لخطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الأبي: الأظهر أنه ليس دعاء للصلاة وإنما المراد به الاجتماع لأمر مهم كما يقتضيه الحديث ولكنه يخالفه ظاهر الحديث إلا أن يقال إن المراد بهذا النداء الآذان لا خصوص هذه الكلمة لأن القصة بعد ما شرع الآذان وليس ينادى بها للفرائض فلم أر من ذكر اسم تلك الصلاة هل هي الظهر أم العصر؟ والله أعلم. وقول المنادي (الصلاة جامعة) فيه من أوجه الإعراب أربعة رفعهما ونصبهما ورفع الأول ونصب الثاني ونصب الأول ورفع الثاني، وقد بسطنا الكلام في إعرابها بما لا مزيد عليه في حاشيتنا على كشف النقاب فراجعها إن شئت، قوله (فخرجت) معطوف على سمعت والمعنى قالت فاطمة وسمعت يومًا نداء المنادي في المسجد فخرجت (إلى المسجد) النبوي تعني أني سمعت الآذان فخرجت إلى المسجد (فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت

ص: 288

فِي صَفِّ النِّسَاءِ الَّتِي تَلِي ظُهُورَ الْقَوْمِ. فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلاتَهُ، جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَضْحَكُ. فَقَال:"لِيَلْزَمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُصَلَّاهُ". ثُمَّ قَال: "أَتَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُمْ؟ " قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَال: "إِنِّي، وَاللهِ، مَا جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَةٍ وَلَا لِرَهْبَةٍ. وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ، لأَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ، كَانَ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا، فَجَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ. وَحَدَّثَنِي حَدِيثًا وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ مَسِيحِ الدَّجَّالِ

ــ

في صف النساء التي تلي ظهور القوم) من الرجال (فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته جلس على المنبر وهو) صلى الله عليه وسلم (يضحك فقال: ليلزم كل إنسان) منكم (مصلاه) أي الموضع الذي صلّى فيه (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أتدرون) أي هل تعلمون (لم جمعتكم) ومنعتكم من القيام (قالوا الله ورسوله أعلم) فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني والله ما جمعتكم لرغبة) فيكم لغرض من الأغراض كبعث البعوث وإطعام المحاويج (ولا لرهبة) عليكم أي لخوف عليكم من هجوم الأعداء لتستعدوا لهم. وهذا الكلام يؤيد كلام الأبي المذكور آنفًا (ولكن جمعتكم) لأخبركم خبرًا عجيبًا سمعته من تميم الداري وذلك (لأن تميمًا الداري كان) أولًا (رجلًا نصرانيًّا فجاء) إليّ (فبايعـ) ـني على الإسلام (وأسلم وحدثني حديثًا) عجيبًا (وافق) الحديث (الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال) أي في شؤون مسيح الدجال وخروجه في أمتي.

"وأما ترجمة تميم" فهو تميم بن أوس بن خارجة الداري نسبة إلى الدار بن هانئ من بني لخم كان راهب عصره وعابد أهل فلسطين وقيل نسبه إلى جده الدار بن هانئ بن حبيب وقيل نسبه إلى دارين وهو اسم موضع في بلاد البحرين تُجلب إليه العطور من بلاد الهند، والأول أصح، أبو رقية بقاف وتحتانية مصغرًا الصحابي المشهور رضي الله عنه وكان راهب أهل فلسطين، أسلم سنة تسع هو وأخوه نعيم، ولهما صحبة، قدم المدينة وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أول من أسرج السراج في المسجد رواه الطبراني من حديث أبي هريرة وأول من قصَّ - من العظة - وذلك في عهد عمر رواه إسحاق بن راهويه وابن أبي شيبة وكذا رواه عمر بن شبة في تاريخ المدينة أنه كان يعظ الناس قبل صلاة الجمعة انتقل إلى الشام بعد قتل عثمان وسكن فلسطين وكان النبي - صلى

ص: 289

حَدَّثَنِي؛ أَنَّهُ رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ، مَعَ ثَلاثِينَ رَجُلًا مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامَ. فَلَعِبَ بِهِمُ الْمَوْجُ شَهْرًا فِي الْبَحْرِ. ثُمَّ أَرْفَؤُوا إِلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ حَتَّى مَغْرِبِ الشَّمْسِ. فَجَلَسُوا فِي أَقْرُبِ السَّفِينَةِ. فَدَخَلُوا الْجَزِيرَةَ. فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ

ــ

الله عليه وسلم - أقطعه بها قرية عينون قبل أن تفتح فأقره عمر رضي الله عنه وكان كثير التهجد مات بالشام سنة أربعين وقبره ببيت جبرين من بلاد فلسطين كذا في الإصابة [1/ 186].

قوله (وحدثني حديثًا) قال النووي: هذا معدود في مناقب تميم لأن النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه هذه القصة، وفيه رواية الفاضل عن المفضول ورواية المتبوع عن تابعه وهو جواب لغز من ألغز بقوله من الذي حدّث عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ.

وذلك أنه (حدثني أنه ركب في سفينة بحرية) قال بعضهم: قيده بالبحرية إشارة إلى ما سيقع في آخر أمته من سفينة برية وجوية من السيارات والطائرات (مع ثلاثين رجلًا من لخم) بالصرف لخفته بسكون الوسط (وجذام) بمنعه للعلمية والتأنيث المعنوي، وقوله لخم بفتح اللام وسكون الخاء قبيلة من قبائل العرب مشهورة وكذا جذام بضم الجيم (فلعب بهم الموج شهرًا) كاملًا (في البحر ثم أرفؤوا) بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الفاء وضم الهمزة لمناسبة واو الضمير لأنه ماض على وزن أكرموا أي لجؤوا (إلى جزيرة في البحر) وقربوا سفنهم إليها، قال صاحب الأفعال: أرفأت إلى الشيء ألجأت إليه وأرفأت السفينة قربتها إلى موضعها حيث تصلح، وقال صاحب العين: أرفأت السفينة قربتها من الشط، وقال غيره: مرفأ السفينة حيث ترسى وتوقف فيه (حتى مغرب الشمس) أي إلى غروبها (فجلسوا في أقرب السفينة) وأخرياتها وأطرافها، والأقرب بفتح الهمزة وضم الراء جمع قارب على غير قياس بكسر الراء وفتحها أشهر وأكثر، وحكي ضمها وهي سفينة صغيرة تكون مع الكبير كالجنيبة في الفرس يتصرف فيها ركاب السفينة لقضاء حوائجهم، وقال الكسائي: المراد بأقرب السفينة أخرياتها وما قرب منها للنزول (فدخلوا الجزيرة فلقيتهم) أي استقبلتهم (دابة أهلب) أي غليظة الشعر والهلب بالتحريك ما غلظ من الشعر ومنه المهلب وهو شعر الخنزير الذي يخرز به، وذكر أهلب حملًا على المعنى وكأنه قال حيوان أهلب أو شخص ولو راعى اللفظ لقال دابة هلباء لأن قياس أهلب

ص: 290

كَثِيرُ الشَّعَرِ. لَا يَدْرُونَ مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ. مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ. فَقَالُوا: وَيلَكِ، مَا أَنْتِ؟ فَقَالتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ. قَالُوا: وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ قَالتْ: أَيُّهَا الْقَوْمُ، انْطَلِقُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيرِ. فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالأَشْوَاقِ. قَال: لَمَّا سَمَّتْ لَنَا رَجُلًا فَرِقْنَا مِنْهَا أَنْ تَكُونَ شَيطَانَةً. قَال: فَانْطَلَقْنَا سِرَاعًا. حَتَّى دَخَلْنَا الدَّيرَ. فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ

ــ

هلباء كأحمر وحمراء اهـ مفهم، قال الأبي: هذا بناء على أن هذه الدابة تمشي على أربع وهو المناسب لقوله ما يعرف قبله من دُبره إذ لو كان منتصب القامة لم يخف ذلك ولكن مخاطبتهم لها وقولهم ما أنت يدل على أنها إنسان منتصب القامة وهو نص الطريق الآخر حيث قال فلقيهم إنسان اهـ من الأبي، وقوله (كثير الشعر) تفسير لقوله أهلب (لا يدرون) أي لا يعلمون (ما قبله من دُبره من كثرة الشعر، فقالوا) لتلك الدابة (ويلك) أي ألزمك الله الويل والهلاك (ما أنت) أي أي حنس أنت من الحيوان، قال القرطبي: اعتقدوا فيها أنها مما لا يعقل فاستفهموا عنها بـ (ما) ثم إنها بعد ذلك كلمتهم كلام من يعقل وعند ذلك رهبوا أن تكون شيطانة أي خافوا ذلك (فقالت) في جواب سؤالهم (أنا الجساسة) بفتح الجيم وتشديد السين الأولى على وزن علامة، قيل سمت نفسها بذلك لتجسسها أخبار الدجال، من التجسس وهو الفحص عن أخبار الشيء والبحث عنها كما سبق (قالوا) لها (وما) معنى قولك أنا (الجساسة؟ قالت) لهم (أيها القوم انطلقوا) أي اذهبوا (إلى هذا الرجل) الساكن (في الدير) بفتح الدال وهو في الأصل صومعة رهبان النصارى والمراد به هنا القصر كما سيأتي (فإنه) أي فإن ذلك الرجل (إلى خبركم) أي إلى استخباركم جار ومجرور متعلق بقوله (بالأشواق) وهو خبر إن والتقدير فإنه ملتبس بالشوق والعشق إلى استخباركم عن خبر أهل الأرض أي شديد العشق والمحبة إلى استخباركم، قال السنوسي: قوله (فإنه إلى خبركم بالأشواق) أي شديد الشوق إليه حتى كأن الأشواق ملصقة به أو كأنه مهتم بها اهـ منه (قال) تميم الداري (لما سمت) تلك الدابة وذكرت (لنا رجلًا) لا نعرفه (فرقنا) بكسر الراء أي خفنا (منها أن تكون شيطانة) وغولًا، وجملة أن في تأويل مصدر مجرور على كونه بدلًا من ضمير منها أي خفنا من كونها شيطانة (قال) تميم (فانطلقنا) أي ذهبنا من عندها إلى الدير (سراعًا) أي مسرعين (حتى دخلنا) أي حتى وصلنا إلى (الدير) ودخلناها (فإذا فيه) أي في الدير (أعظم) أي

ص: 291

إِنْسَانٍ رَأَينَاهُ قَطُّ خَلْقًا. وَأَشَدُّهُ وِثَاقًا. مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ، مَا بَينَ رُكْبَتَيهِ إِلَى كَعْبَيهِ، بِالْحَدِيدِ. قُلْنَا: وَيلَكَ، مَا أَنْتَ؟ قَال: قَدْ قَدَرْتُمْ عَلَى خَبَرِي. فَأَخْبِرُونِي مَا أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ. رَكِبْنَا فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ. فَصَادَفْنَا الْبَحْرَ حِينَ اغْتَلَمَ. فَلَعِبَ بِنَا الْمَوْجُ شَهْرًا. ثُمَّ أَرْفَأْنَا إِلَى جَزِيرَتِكَ هَذِهِ. فَجَلَسْنَا فِي أَقْرُبِهَا. فَدَخَلْنَا الْجَزِيرَةَ. فَلَقِيَتْنَا دَابَّةٌ

ــ

أكبر (إنسان رأيناه قط) أي فيما مضى من الزمن (خلقًا) أي أكبره جثة أو أهيبه هيئة، وجملة رأيناه صفة إنسان احترز به عمن لم يروه ولما كان هذا الكلام في معنى ما رأينا مثله صح قوله قط الذي يختص بنفي الماضي، وقوله (وأشده وثاقًا) معطوف على قوله أعظم إنسان على كونه مبتدأ مؤخرًا خبره مقدم عليه أي وإذا فيه أشد إنسان وثاقًا، والوثاق بفتح الواو وقد يكسر القيد أي وإذا فيه أعجب إنسان مقيد بالسلاسل تقييدًا شديدًا، وإذا فجائية أي فلما دخلنا الدير فاجأنا رؤية أعظم إنسان خلقًا وأشده وثاقًا بالقيد، وقوله (مجموعة يداه إلى عنقه) بالرفع صفة لأعظم أي فإذا فيه أعظم إنسان مغلولة يداه إلى عنقه أي مربوطة يداه إلى عنقه بالغل والسلسلة، وقوله (ما بين ركبتيه إلى كعبيه) بدل اشتمال من يداه، وقوله (بالحديد) متعلق بمجموعة أي مجموعة يداه إلى عنقه بالحديد مجموع ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد يعني كانت يداه وساقاه مجموعة إلى عنقه بالحديد فـ (قلنا) له (ويلك) أي ألزمك الله الويل (ما أنت) أي أي جنس أنت هل أنت من الإنس أم من الجن أم من الشيطان؟ فـ (قال) لنا ذلك الرجل (قد قدرتم على خبري) أي قد وصلتم أنتم إلى حال تمكنتم فيه من الاطلاع على خبري لأني سأخبركم بذلك (فأخبروني ما أنتم) أي من أنتم؟ فيه استعمال ما في العاقل أي من أي جنس أنتم من بني آدم؟ أمن العرب أم من الفرس أم من الروم أم من غيرهم؟ فـ (قالوا) فيه التفات مقتضى السياق أن يقال فقلنا له (نحن) معاشر الحاضرين عندك (أناس من العرب ركبنا في سفينة بحرية فصادفنا البحر) أي وافقناه (حين اغتلم) أي حين هاج موجه وارتفع وجاوز حده المعتاد، والاغتلام في الأصل أن يتجاوز الإنسان ما حُدّ له من الخير والمباح اهـ نووي (فلعب بنا الموج شهرًا) أي منعنا من الوصول إلى المقصد ومن الرجوع إلى الوطن (ثم أرفأنا) أي التجأنا وخرجنا (إلى جزيرتك هذه فجلسنا في أقربها) أي في أقرب السفينة وأخرياتها فنزلنا منها (فدخلنا الجزيرة فلقيتنا) أي استقبلتنا (دابة

ص: 292

أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ. لَا يُدْرَى مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ. فَقُلْنَا: وَيلَكِ، مَا أَنْتِ؟ فَقَالتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ. قُلْنَا: وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ قَالتِ: اعْمِدُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيرِ. فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالأَشْوَاقِ. فَأَقْبَلْنَا إِلَيكَ سِرَاعًا. وَفَزِعْنَا مِنْهَا. وَلَمْ نَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً. فَقَال: أَخْبِرُونِي عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ. قُلْنَا: عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَال: أَسْأَلُكُمْ عَنْ نَخْلِهَا، هَلْ يُثْمِرُ؟ قُلْنَا لَهُ: نَعَمْ. قَال: أَمَا إِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ لَا

ــ

أهلب) أي غليظة الشعر (كثير الشعر لا يُدرى) ولا يُعلم (ما) هو (قبله من دبره من كثرة الشعر فقلنا) لها (ويلك ما أنت) أيتها الدابة (فقالت) لنا (أنا الجساسة) فـ (قلنا) لها (وما الجساسة) فـ (قالت) لنا (اعمدوا) أي اقصدوا وانطلقوا (إلى هذا الرجل) الجالس (في الدير) أي في هذا القصر (فإنه إلى خبركم بالأشواق، فأقبلنا) أي توجهنا (إليك سراعًا) أي مسرعين (و) قد (فزعنا) أي فجعنا (منها ولم نأمن من أن تكون) تلك الدابة (شيطانة، فقال) لنا ذلك الرجل (أخبروني عن نخل بيسان) بفتح الباء الموحدة وسكون الياء، ذكر الطيبي أنها قرية بالشام وزاد ابن الملك وقال الحموي في معجم البلدان [2/ 526] مدينة بالأردن بالغور الشامي ويقال هي لسان الأرض وهي بين حوران وفلسطين وبها عين الفلوس يقال إنها من الجنة وهي عين فيها ملوحة يسيرة جاء ذكرها في حديث الجساسة وتُوصف بكثرة النخل وقد رأيتها مرارًا فلم أر فيها غير نخلتين حائلتين وهو من علامات خروج الدجال وهي بلدة وبئة حارة أهلها سُمر اللون جعد الشعور لشدة الحر الذي عندهم، ثم ذكر في الأخير أن هناك موضعًا آخر اسمه بيسان وهو باليمامة ثم قال: والذي أراه أن هذا الموضع هو الموصوف بكثرة النخل لأنهم إنما احتجوا على كثرة نخل بيسان بقول أبي دؤاد الأيادي:

نخلات من نخل بيسان أينعـ

ـن جميعًا ونبتهن تؤام

وتدلّت على مناهل برد

وفليج من دونها وسنام

والله سبحانه وتعالى أعلم.

فـ (قلنا) له (عن أبي شأنها) أي عن أبي شأن نخلها وحالها (تستخبر) فـ (قال أسألكم عن نخلها هل يُثمر) الآن أم لا (قلنا له نعم) يثمر نخلها (قال) ذلك الرجل (أما) أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (إنه) أي إن الشأن والحال (يوشك) أي يقرب (أن لا

ص: 293

تُثْمِرَ. قَال: أَخْبِرُونِي عَنْ بُحَيرَةِ الطَّبَرِيَّةِ. قُلْنَا: عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَال: هَلْ فِيهَا مَاءٌ؟ قَالُوا: هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ. قَال: أَمَا إِنَّ مَاءَهَا يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ. قَال: أَخْبِرُونِي عَنْ عَينِ زُغَرَ. قَالُوا: عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَال: هَلْ فِي الْعَينِ مَاءٌ؟ وَهَلْ يَزْرَعُ أَهْلُهَا بِمَاءِ الْعَينِ؟ قُلْنَا لَهُ: نَعَمْ. هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ، وَأَهْلُهَا يَزْرَعُونَ مِنْ مَائِهَا. قَال: أَخْبِرُونِي عَنْ نَبِيِّ الأُمِّيِّينَ مَا فَعَلَ؟ قَالُوا: قَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَنَزَلَ يَثْرِبَ. قَال: أَقَاتَلَهُ الْعَرَبُ؟

ــ

تثمر) أي أن لا تخرج ثمرها (قال) الرجل (أخبروني عن بحيرة الطبرية) هي بحر صغير معروف بالشام اهـ من المبارق، وقد تقدمت في باب حديث النواس (قلنا) له (عن أبي شأنها تستخبر؟ قال) الرجل (هل فيها) أي في تلك البحيرة (ماء؟ قالوا) فيه التفات أيضًا أي قلنا له نعم (هي كثيرة الماء، قال أما) أي انتبهوا واسمعوا (إن ماءها يوشك أن يذهب) وينعدم (قال أخبروني عن عين زغر) بزاي معجمة مضمومة ثم غين معجمة مفتوحة ثم راء بوزن زفر بلدة معروفة في الجانب القبلي من الشام اهـ نووي، وهي لا تنصرف اهـ مبارق، وقال الحموي في معجم البلدان [4/ 143] هي قرية بمشارف الشام وقيل زغر اسم بنت لوط عليه السلام نزلت بهذه القرية فسُميت باسمها وجاء ذكر زغر في حديث الجساسة وحدثني الثقة أن زُغر هذه في طرف البحيرة المنتنة في واد هناك بينها وبين بيت المقدس ثلاثة أيام وهي من ناحية الحجاز ولهم هناك زروع، قال ابن عباس رضي الله عنه لما هلك قوم لوط مضى لوط عليه السلام وبناته يريدون الشام فماتت الكبرى من بناته وكان يقال لها رية فدفنت عند عين هناك فسُميت باسمها عين رية ثم ماتت بعد ذلك الصغرى وكان اسمها زغر فدُفنت عند عين فسُميت عين زغر وهذه في واد وخم رديء في أسأم بقعة إنما يسكنه أهله لأجل الوطن (قالوا) أي قلنا له (عن أبي شأنها تستخبر؟ قال هل في العين ماء وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له نعم هي كثيرة الماء وأهلها يزرعون من مائها، قال أخبروني عن نبي الأميين ما فعل) مع الناس ونبي الأميين هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والأميون هم العرب لأن الغالب منهم لا يكتب ولا يحسب كما قال صلى الله عليه وسلم "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب" فكأنهم باقون على أصل ولادة الأم لهم فنُسب الأمي إليها هذا أولى ما قيل فيه اهـ من المفهم (قالوا) أي قلنا له (قد خرج من مكة ونزل يثرب، قال) الرجل (أقاتله) أي هل قاتله (العرب) أم

ص: 294

قُلْنَا: نَعَمْ. قَال: كَيفَ صَنَعَ بِهِمْ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ عَلَى مَنْ يَلِيهِ مِنَ الْعَرَبِ وَأَطَاعُوهُ. قَال لَهُمْ: قَدْ كَانَ ذلِكَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَال: أَمَا إِنَّ ذَاكَ خَيرٌ لَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ. وَإِنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي. إِنِّي أَنَا الْمَسِيحُ. وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ. فَأَخْرُجُ فَأَسِيرُ فِي الأَرْضِ فَلَا أَدَعُ قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيلَةً. غَيرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ. فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ. كِلْتَاهُمَا. كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً، أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمَا، اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيفُ صَلْتًا. يَصُدُّنِي عَنْهَا

ــ

أطاعوه وآمنوا به (قلنا) له (نعم) قاتلوه (قال) الرجل (كيف صنع بهم) في المقاتلة معهم (فأخبرناه أنه قد ظهر) وغلب (على من يليه من العرب وأطاعوه) أي امتثلوا فيما أمر ونهى (قال) الرجل (لهم) أي لتميم وأصحابه (قد كان) ووقع (ذلك) الامتثال له والإيمان به منهم (قلنا) له (نعم) أطاعوه وآمنوا به (قال) الرجل (أما) أي انتبهوا (إن ذاك) الإيمان به (خير لهم) أي للعرب من أن ينكروه، وجملة قوله (أن يطيعوه) في تأويل مصدر منصوب على كونه بدلًا من اسم إن بدل كل من كل أي إن ذاك إطاعتهم إياه خير لهم من مخالفته (وإني مخبركم عني) أي عن حقيقتي وشأني (إني أنا المسيح) أي الدجال هكذا وجدنا إني بكسر الهمزة في نسخ متعددة ولذا أبقيناه على حاله، ولعله وقع في موقع الاستئناف والله أعلم، ثم وجدت في المرقاة حيث قال (عنِّي إني) بكسر الهمزة وفتحها (وإني) بالوجهين (أوشك) أي أقرب (أن يؤذن لي في الخروج) عن هذه الجزيرة (فأخرج) منها (فأسير في) نواحي (الأرض) مشارقها ومغاربها (فلا أدع) أي لا أترك (قرية) من قرى الأرض ولا بلدة من بلدانها (إلا هبطتها) ونزلت فيها بالنصب في الأفعال الثلاثة (فأخرج، فأسير، فلا أدع) وجوّز رفعها اهـ دهني أي إلا هبطتها وعممتها (في أربعين ليلة غير مكة وطيبة) بفتح الطاء وسكون الياء وهي المدينة ويقال لها أيضًا طابة وأن كل ذلك مأخوذ من الطيب لطيبها بطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم (فهما) أي مكة وطيبة (محرمتان عليّ) دخولهما (كلتاهما) توكيد لضمير المبتدأ (كلما أردت أن أدخل واحدة) منهما (أو) قال كلما أردت أن أدخل (واحدًا منهما) بالتذكير بالشك من الراوي (استقبلني) أي قابلني وجاءني (ملك) من الملائكة (بيده السيف) حالة كون السيف (صلتًا) أي مسلولًا مجردًا من الغمد (يصدني) ذلك الملك ويمنعني (عنها) أي عن دخول كل واحدة منهما، والصلت قال ابن السكيت: فيه لغتان فتح الصاد وضمها

ص: 295

وَإنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلائكَةً يَحرُسُونَهَا. قَالتْ: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ فِي الْمِنبَرِ:"هَذِهِ طَيْبَةُ. هَذِهِ طَيْبَةُ. هَذِهِ طَيْبَةُ" يَعْنِي الْمَدِينَةَ "أَلا هَلْ كُنْتُ حَدَّثْتُكُم ذلِكَ؟ " فَقَال الناسُ: نَعَمْ. "فَإنهُ أَعْجَبَنِي حَدِيثُ تَمِيمٍ أنَّهُ وَافَقَ الذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ وَعَنِ المدِينَةِ وَمَكَّةَ. أَلا إنهُ فِي بَحْرِ

ــ

مع سكون اللام فيهما، يقال أصلت السيف إذا جرده من الغمد، وجملة يصدني صفة ثانية لملك (وإن على كل نقب) وطريق بفتح النون وسكون القاف الطريق أو الباب (منها) أي من كل واحدة منهما أو من المدينة (ملائكة يحرسونها) أي يحفظون كل واحدة منهما أو المدينة من دخول الدجال وأصحابه (قالت) فاطمة بنت قيس ثم (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم و) الحال أنه قد (طعن) ودق (بمخصرته في المنبر) النبوي، والمخصرة على وزن مكنسة يعني بكسر الميم وسكون الخاء اسم الآلة التي يتكأ عليها مثل عصا وعكازة كذا في القاموس، وفي القرطبي: المخصرة بكسر الميم عصا أو قضيب كانت تكون مع الملك إذا تكلم اهـ، وذكر المقول بقوله (هذه) البلدة يعني المدينة المنورة (طيبة) أي هي الموضع الذي سماه الرجل طيبة والذي ذكر فيه أنه لا يستطيع أن يدخلها وقال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم افتخارًا على مدينته ومسرة على موافقة الخبر بما أخبر به، وقوله (هذه طيبة هذه طيبة) توكيد لفظي لما قبله (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بقوله هذه (المدينة) المنورة، قوله (طيبة) قال القاضي: هو بفتح الطاء ويقال أيضًا طابة سمى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك المدينة من الطيب وهو الطهارة، وفي المصنف والطاب أولى بها وقيل لطيب العيش بها وقيل لطيب أرضها اهـ.

قال الأبي: وإخبار الدجال بما أخبر به يحتمل أنه علم ذلك من كتب سابقة أو من نبي أو غير ذلك اهـ (ألا) أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (هل كنت) أنا (حدثتكم) أولًا (ذلك) الخبر الذي حدثنا به تميم الداري في شأن الدجال ومكة والمدينة (فقال الناس) الحاضرون عنده صلى الله عليه وسلم (نعم) حدثتنا به ذلك أولًا يا رسول الله ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فإنه) أي فإن الشأن والحال (أعجبني حديث تميم) الداري، وجملة قوله (أنه وافق) بدل اشتمال من فاعل أعجبني أي أعجبني موافقة حديث تميم الحديث (الذي كنت أحدثكم) به (عنه) أي عن الدجال (وعن) شأن (المدينة ومكة، ألا) بالتخفيف حرف تنبيه أي انتبهوا واستمعوا (إنه) أي إن المسيح الدجال (في بحر

ص: 296

الشَّأمِ أَو بَحرِ اليَمَنِ. لَا بَل مِنْ قِبَلِ المشرِقِ، مَا هوَ. مِن قِبَلِ المشرِقِ، مَا هوَ. مِن قِبَلِ الْمَشرِقِ، مَا هُوَ" وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى المشرِقِ. قَالت: فَحَفِظتُ هَذا مِن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم

ــ

الشام) أراد ببحر الشام ما يلي الجانب الشامي من البحر (أو) في (بحر اليمن) أراد به ما يلي الجانب اليمني من البحر، والبحر واحد وإنما ردد بينهما إما لأن الوحي لم يكن نازلًا بالتصريح بمحله بل قاله على ظن ثم عرض له ظن آخر وإما لتنقل الدجال من بعضها إلى بعض، قال القرطبي: هذا كله كلام ابتدئ على الظن ثم عرض له الشك أو قصد الإبهام ثم بقي ذلك كله وأضرب عنه بالتحقيق بقوله لا بل في المشرق، وقال الطيبي: لما تيقن صلى الله عليه وسلم بالوحي أنه من قبل المشرق نفى الأولين بقوله (لا) أي ليس في بحر الشام ولا في بحر اليمن وأثبت كونه في قبل المشرق بقوله (بل من قبل المشرق ما هو) وبل حرف إضراب، الإضراب الإبطال من قبل المشرق، جار ومجرور خبر مقدم، ما زائدة لتأكيد الكلام، هو مبتدأ مؤخر، والمعنى ليس هو في بحر الشام ولا في بحر اليمن بل هو في قبل المشرق، فالمراد إثبات أنه في جهة المشرق ثم أكد ذلك بما الزائدة وبالتكرار اللفظي مرتين، فقال (من قبل المشرق ما هو) أي بل هو في جهة المشرق (من قبل المشرق ما هو) أي بل هو في جهة المشرق (وأومأ) أي أشار (بيده) الشريفة في المرات الثلاث (إلى) جهة (المشرق) تأكيدًا لكلامه، فلا نافية لكونه في الأولين، وما زائدة، لا نافية، من قبل المشرق خبر مقدم، وهو مبتدأ مؤخر كما مر آنفًا، قال القرطبي: وهذا المعنى لا بعد فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم بشر يظن ويشك كما يسهو وينسى إلا أنه لا يتمادى ولا يقر على شيء من ذلك بل يرشد إلى التحقيق واليقين ويسلك به سواء الطريق. والحاصل من هذا الكلام أنه صلى الله عليه وسلم ظن أن الدجال المذكور في بحر الشام لأن تميمًا إنما ركب في بحر الشام ثم عرض له أنه في بحر اليمن لأنه يتصل ببحر متصل بالشام فيجوز ذلك ثم أطلعه العليم الخبير على تحقيق ذلك فحقق وأكد والله سبحانه أعلم اهـ من المفهم (قالت) فاطمة بنت قيس بالسند السابق (فحفظت هذا) الحديث من أوله إلى هنا (من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الملاحم باب في خبر

ص: 297

7211 -

(00)(00) حدثنا يَحيَى بْنُ حَبِيبٍ الحارِثِي. حَدَّثَنَا خَالِدُ بن الْحَارِثِ الْهُجَيمِيُّ، أَبُو عُثْمَانَ. حَدَّثَنَا قُرَّةُ. حَدَّثَنَا سَيارٌ، أَبُو الحكَمِ. حَدَّثَنَا الشَّعْبِيُّ قَال: دَخَلْنَا عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيسٍ فَأتْحَفَتْنَا بِرُطَبٍ يُقَالُ لَهُ: رُطَبُ ابنِ طَابٍ. وَأَسقَتْنَا سَويقَ سُلْتٍ. فَسَألتُهَا عَنِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلاثًا أَينَ تَعْتَدُّ؟ قَالتْ: طَلَّقَنِي بَعْلِي ثَلاثًا. فَأذِنَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَعْتَدَّ فِي أهْلِي. قَالتْ: فَنُودِيَ فِي الناسِ: إِنَّ الصَّلاة جامِعَةً. قَالتْ: فَانطَلَقتُ فِيمَنِ انْطَلَقَ مِنَ

ــ

الجساسة [4325]، والترمذي في الفتن باب طلوع الشمس من مغربها [4125]، وابن ماجه في الفتن [4074]، وأحمد [6/ 373].

ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث فاطمة رضي الله تعالى عنها فقال:

7211 -

(00)(00)(حدثنا يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا خالد بن الحارث) بن عبيد بن سليم (الهجيمي) نسبة إلى هجيم بن عمرو (أبو عثمان) البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (حدثنا قرة) بن خالد السدوسي البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (13) بابا (حدثنا سيار) بن وردان (أبو الحكم) العنزي الواسطي، ثقة، من (6) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا الشعبي) عامر بن شراحيل (قال دخلنا على فاطمة بنت قيس) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سيار لعبد الله بن بريد (فأتحفتنا) أي ضيفتنا وأكرمتنا وقربت إلينا (برطب يقال له رطب بن طاب) نوع من أنواع رطب المدينة المنورة وتمر المدينة مائة وعشرون نوعًا (وأسقتنا) أي أشربتنا (سويق سلت) والسلت بضم السين وسكون اللام حب يشبه القمح ويشبه الشعير اهـ من الأبي، أي يشبه لبها القمح وسنبلتها الشعير، وجعلها في القاموس نوعًا من الشعير، قال الشعبي (فسألتها) أي سألت فاطمة (عن المطلقة ثلاثًا أين تعتد) هي، هل في سكن المطلق أم عند أهلها (قالت) فاطمة (طلقني بعلي) عبد الحميد بن المغيرة (ثلاثًا) فشكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بيتي خال فأخاف على نفسي (فأذن لي النبي صلى الله عليه وسلم في (أن أعتد في) بيت (أهلي) وأقاربي فلما انقضت عدتي أنكحني لأسامة بن زيد فكان منزلنا قريبًا من المسجد (قالت) فاطمة (فنُودي في الناس) بلفظ (إن الصلاة جامعة، قالت) فاطمة (فانطلقت) إلى المسجد (فيمن) أي مع من (انطلق) إليه (من

ص: 298

النَّاسِ. قَالت: فَكُنتُ فِي الصف المقَدَّمِ مِنَ النسَاءِ. وَهُوَ يَلِي المؤَخَّرَ مِنَ الرِّجَالِ. قَالت: فَسَمِعتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخطُبُ فَقَال:"إِن بَنِي عَمٍّ لِتَمِيمٍ الدَّارِي رَكِبُوا فِي البَحْرِ"، وَسَاقَ الْحَدِيثَ، وَزَادَ فِيه: قَالتْ: فَكَأنَّمَا أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأهوَى بِمِخصَرَتِهِ إِلَى الأَرضِ، وَقَال:"هذِهِ طَيْبَةُ" يَعْنِي المدِينَةَ.

7212 -

(00)(00) وحدثنا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الحلوَانِيُّ وَأَحمدُ بن عُثمَانَ النَّوفَلِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بن جَرِيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. قَال: سَمِعتُ غَيلانَ بْنَ جَرِيرٍ يُحَدِّثُ، عَنِ الشُّعْبِي، عَن

ــ

الناس، قالت) فاطمة (فكنت في الصف المقدم) أي الأول (من) صفوف (النساء وهو) أي الصف المقدم من صفوف النساء الصف الذي (يلي) الصف (المؤخر من) صفوف (الرجال قالت) فاطمة رضي الله تعالى عنها (فسمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر) حالة كونه (يخطب) ويعظ الناس (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته (إن بني عم لتميم) بن أوس (الداري) أي إن تميمًا وبني عمه (ركبوا) السفينة الجارية (في البحر، وساق) سيار بن وردان (الحديث) السابق بمثل حديث أبي بريدة (و) لكن (زاد) سيار (فيه) أي في الحديث لفظة (قالت) فاطمة (فكأنما أنظر) الآن (إلى النبي صلى الله عليه وسلم و) الحال أنه قد (أهوى) وأشار (بمخصرته إلى الأرض وقال هذه) البلدة (طيبة) قيل سماها بذلك لطيب أرضها أو لطيب عقائد سكانها وصفاء قرائحهم (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم باسم الإشارة (المدينة) المنورة بنوره صلى الله عليه وسلم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث فاطمة بنت في رضي الله عنها فقال:

7212 -

(00)(00)(وحدثنا الحسن بن علي) بن محمد بن علي الهذلي (الحلواني) المكي، ثقة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (وأحمد بن عثمان) بن أبي عثمان (النوفلي) البصري، ثقة، من (11) روى عنه في (7) أبواب (قالا حدثنا وهب بن جرير) بن حازم الأزدي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا أبي) جرير بن حازم، ثقة، من (6) روى عنه في (19) بابا (قال) جرير (سمعت غيلان بن جرير) الأزدي البصري ثقة، من (5) روى عنه في (8) أبواب (يحدّث عن الشعبي عن

ص: 299

فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، قَالتْ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم تَمِيمٌ الدَّارِيُّ. فَأَخْبَرَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم؛ أَنهُ رَكِبَ البَحْرَ. فَتَاهَتْ بِهِ سَفِينَتُهُ. فَسَقَطَ إِلَى جَزِيرَةٍ. فَخَرَجَ إِلَيهَا يَلتَمِسُ الْمَاءَ. فَلَقِي إِنْسَانًا يَجَرُّ شَعَرَهُ. وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ. وَقَال فِيهِ: ثُمَّ قَال: أَمَا إِنَّهُ لَوْ قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوج، قَدْ وَطِئْتُ الْبِلادَ كُلَّهَا، غَيرَ طَيْبَةَ. فَأَخْرَجَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِلَى النَّاس فَحَدَّثَهُمْ قَال:"هَذِهِ طَيبَةُ. وَذَاكَ الدَّجَّالُ"

ــ

فاطمة بنت قيس) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة غيلان بن جرير لابن بريدة وسيار بن وردان (قالت) فاطمة (قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم تميم) بن أوس (الداري فأخبر) تميم (رسول الله) بالنصب على المفعولية صلى الله عليه وسلم أنه ركب البحر فتاهت به) أي ضلَّت به (سفينته) عن الطريق، يقال تاهت السفينة إذا صارت على غير اهتداء وطريق في سيرها في البحر لعارض هيجان الموج (فسقط) أي وصل (إلى جزيرة) من جزائر البحر (فخرج إليها) أي إلى تلك الجزيرة حالة كونه (يلتمس) أي يطلب (الماء) الصالح للشرب (فلقي) تميم في تلك الجزيرة أي رأى (إنسانًا يجر) أي يسحب (شعره) على الأرض لطوله (واقتص) أي ذكر غيلان بن جرير (الحديث) السابق (و) لكن (قال) غيلان وزاد (فيه) أي في الحديث (ثم قال) ذلك الإنسان الذي يجر شعره (أما) أي انتبهوا (أنه) أي إن الشأن والحال (لو قد أذن لي في الخروج) من هذه الجزيرة، وفي بعض النسخ (لو أذن لي) بغير لفظ قد، وقوله (قد وطئت البلاد كلها) جواب لو، ولكنه بمعنى الاستقبال والمعنى أما إنه لو قد أذن لي في الخروج من هذه الجزيرة فسأطأ وأمشي في البلاد كلها (غير طيبة) والمدينة، والأحسن هنا جعل لو للتمني، وجملة وطئت معطوفة على مدخول لو والمعنى حينئذ أتمنى الإذن لي والوطء في جميع البلاد، وقوله (فأخرجه) فأخرج تميمًا (رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس فحدَّثهم) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي فحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث تميم هذا للناس معطوف على قوله قدم تميم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره و (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الرواية (هذه) البلدة (طيبة وذاك) الإنسان الذي يجر شعره المسيح (الدجال) أي الكذاب.

قوله (وذاك الدجال) هذا تصريح من رسول الله صلى الله عليه وسلم بكونه دجالًا ولم يقع هذا التصريح إلا في هذا الطريق وهو يدل على أن الدجال لا يزال مشدودًا

ص: 300

7213 -

(00)(00) حدّثني أَبُو بَكرِ بْنُ إِسْحَاقَ. حَدَّثَنَا يَحيَى بن بُكَيْرٍ. حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ، (يَعنِي الْحِزَاميَّ)، عَنْ أَبِي الزَّنَادِ، عَنِ الشَّعْبِي، عَن فَاطِمَةَ بِنتِ قَيسٍ؛ أَن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَعَدَ عَلَى المِنْبَرِ فَقَال:"أَيُّهَا الناسُ، حدّثني تَمِيمٌ الدارِي؛ أَنَّ أُناسًا مِنْ قَومِهِ كانُوا فِي البحرِ، فِي سَفِينَةٍ لَهُمْ. فَانْكَسَرَت بِهِمْ. فَرَكِبَ بَعضُهُمْ عَلَى لَوْحٍ مِنْ أَلْوَاحِ السفِينَةِ. فَخَرَجُوا إلَى جَزِيرَةِ فِي الْبَحْرِ". وَسَاقَ الْحَدِيثَ.

7214 -

(2922)(89) حدثني عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ

ــ

بجزيرة إلى أن يخرج في آخر الزمان أما كون الناس لم يصلوا إليه حتى الآن فلم يثبت أن الناس قد وصلوا إلى كل مكان من الجزائر، ويحتمل أيضًا أن الله تعالى قد جعله مخفيًا عن أعين الناس وإنما أظهره مرة على تميم الداري رضي الله عنه لتصديق أخبار النبي صلى الله عليه وسلم فقط والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من التكملة.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث فاطمة رضي الله عنها فقال:

7213 -

(00)(00)(حدثني أبو بكر) محمد (بن إسحاق) الصاغاني البغدادي، ثقة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا يحيى) بن عبد الله (بن بكير) نُسب إلى جده لشهرته به القرشي المخزومي مولاهم أبو زكرياء المصري، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا المغيرة) بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حزام (يعني الحزامي) نسبة إلى هذا الجد، ثقة، من (7) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان الأموي المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (9) أبواب (عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس) رضي الله عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي الزناد لمن روى عن الشعبي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قعد على المنبر) أي جلس على المنبر النبوي (فقال أيها الناس حدثني تميم) بن أوس (الداري أن أناسًا من قومه كانوا في البحر في سفينة لهم فانكسرت بهم) السفينة أي تكسرت (فركب بعضهم على لوح من ألواح السفينة فخرجوا إلى جزيرة في البحر وساق) أبو الزناد (الحديث) السابق بنحوهم.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث فاطمة بنت قيس بحديث أنس رضي الله عنهما فقال:

7214 -

(2922)(89)(حدثني علي بن حجر السعدي) المروزي، ثقة، من (9)

ص: 301

حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. حدّثني أبُو عَمرٍو، (يَعنِي الأَوزَاعِيَّ)، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ الله بنِ أبِي طَلْحَةَ. حدّثني أنسُ بن مَالِكٍ قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَيسَ مِنْ بَلَدٍ إِلا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ. إلا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ. وَلَيسَ نَقْبٌ مِنْ أنْقَابِهَا إلا عَلَيهِ الملائكَةُ صَافِّينَ تَحْرُسُهَا، فَيَنْزِلُ بِالسَّبَخَةِ. فَتَرْجُفُ الْمَدِينَةُ ثَلاثَ رَجَفَاتٍ. يَخرُجُ إلَيهِ مِنهَا كُلُّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ"

ــ

(حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي الأموي مولاهم الدمشقي، ثقة، من (8)(حدثني أبو عمرو) عبد الرحمن بن عمرو (يعني الأوزاعي) الشامي، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري أبي يحيى المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (7) أبواب (حدثني أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أنس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس من بلد) من بلدان الأرض، فمن زائدة في النفي تفيد العموم (إلا سيطؤه) أي إلا سيَدْخُلُه (الدجال إلا مكة والمدينة) قيل وكذا في بيت المقدس كما مر (وليس نقب) أي طريق (من أنقابها) أي من طرق المدينة (إلا عليه الملائكة) حالة كونهم (صافين) عليه حالة كون الملائكة (تحرسها) أي تحرس المدينة من الدجال.

قوله: (إلا سيطؤه الدجال) أي يدخله ويدوسه ويفسده، قال الحافظ في الفتح [4/ 96] هو على ظاهره وعمومه عند الجمهور، وشذ ابن حزم فقال: المراد إلا يدخله بَعْثُه وجنودُه وكأنه استَبْعدَ إِمكانَ دخولِ الدجال جميع البلاد لقصر مدته وغفل عما ثبت في صحيح مسلم أن بعض أيامه يكون قَدْرَ السنة (فينزل) الدجال (بالسبخة) أي بسبخة المدينة، وفي القاموس السبخة محركة ومسكنة أرض ذات نَزّ ومِلْحٍ يقال فيها سبَخَة وسَبْخَة اهـ، قال علي القاري في المرقاة [6/ 34] السَّبِخة بكسر الباء صفة وهي الأرض التي تعلوها الملوحة ولا تكاد تُنبت إلا بعض الشجر، وبفتحها اسم وهو موضع قريب من المدينة (قلت) ويؤيد الأول حديث أبي سعيد عند البخاري في الفتن "ينزل السباخ التي في المدينة"(فترجف) أي تضطرب (المدينة) وتزلزل (ثلاث رجفات) أي ثلاث اضطرابات أي تصيبها زلازل وليس ذلك من رعب الدجال وإنما هو لإخراج الكفار والمنافقين منها كما قال فـ (يخرج إليه) أي إلى الدجال (كل كافر ومنافق).

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها باب في ذكر

ص: 302

7215 -

(00)(00) وحدثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ حَمادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَال. فَذَكَرَ نَحْوَهُ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: فَيَأتِي سَبَخَةَ الْجُرُفِ فَيَضْرِبُ رِوَاقَهُ. وَقَال: فَيَخْرُجُ إِلَيهِ كُلُّ مُنَافِقٍ وَمُنَافِقَةٍ

ــ

الدجال [7124]، والترمذي في الفتن باب ما جاء في الدجال لا يدخل المدينة [2242].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

7215 -

(00)(00)(وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يونس بن محمد) بن مسلم البغدادي أبو محمد المؤدِّب، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (عن حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري المدني، ثقة، من (4)(عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة حماد بن سلمة لأبي عمرو الأوزاعي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكر) حماد بن سلمة (نحوه) أي نحو حديث الأوزاعي (غير أنه) أي لكن أن حمادًا (قال) في روايته (فيأتي) الدجال (سبخة الجرف) بضم الجيم والراء وهو موضع معروف بقرب المدينة في جهة الشام، وأخرج الحاكم وأحمد عن محجن بن الأردع مرفوعًا "يجيئ الدجال فيصعد أحدًا فيتطلع فينظر إلى المدينة فيقول لأصحابه ألا ترون إلى هذا القصر الأبيض هذا مسجد أحمد ثم يأتي المدينة فيجد بكل نقب من نقابها ملكًا مصلتًا سيفه فيأتي سبخة الجرف"(فيضرب) أي يمد ويبني (رواقه) أي خيمته وفسطاطه هناك أي في سبخة الجرف، والرواق بضم الراء وكسرها بيت كالفسطاط أو سقف في مقدم البيت يُجمع في القلة على أروقة وفي الكثرة على روق اهـ مفهم والمراد هنا أنه ينزل فيها ويضع ثقله وأحماله ويمد خيامه هناك (وقال) حماد أيضًا في روايته (فيخرج إليه) أي إلى الدجال من المدينة (كل منافق ومنافقة) بدل رواية الأوزاعي (كل كافر ومنافق).

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان: الأول حديث فاطمة بنت قيس ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني حديث أنس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة.

***

ص: 303