الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيا: أقسام الكلم
مدخل
…
ثانيًا: أقسام الكلم
لقد رأينا أن النظام الصرفي للغة العربية الفصحى يمكن أن يوضع في صورة جدول بعده الرأسي مباني التقسيم، وهي الاسم ومعناه الاسمية، والصفة ومعناها الوصفية، والفعل ومعناه الفعلية، والضمير ومعناه الإضمار، والخالفة ومعناها الإفصاح، والظرف ومعناه الظرفية، والأداة ومعناها معنى التعليق بيا. ورأينا كذلك أن البعد الأفقي لهذا الجدول هو مباني التصريف، وهي التكلم ومعناه التكلم، والمخاطب ومعناه الخطاب، والإضمار للإشارة ومعناها الإشارة، والغائب ومعناه الغيبة، والموصول ومعناه الوصل، والمفرد ومعناه الإفراد، والمثنى ومعناه التثنية، والمجموع ومعناه الجمع، والمذكر ومعناه التذكير، والمؤنث ومعناه التأنيث، والمعرف ومعناه التعريف، والمنكر ومعناه التنكير. وعرفنا كذلك أن مباني التقسيم تتفرع إلى صيغ وصور مطلقة، وأن مباني التصريف تتفرع إلى لواصق وزوائد كالضمائر المتصلة وكعلامات التثنية والجمع والتأنيث والتعريف، وكالسين والتاء في الاستفعال، وكالنون في الانفعال، والتاء في الافتعال، وهلم جرا.
وإذا كان النحاة العرب قد قدموا لدراسة النحو ببابٍ صرفيٍّ هو "الكلام وما يتألف منه"، وهو مبحثنا هذا الذي نعالجه في الصفحات التالية، فإن صنيعهم هذا يشير إلى أن النحو لا يفتأ يستخدم معطيات الصوتيات والصرف المختلفة في عرض الأغلب الأعمّ من تحليلاته، وفي الرمز لعلاقاته وأبوابه، حتى إننا لنجد القرائن اللفظية الدالة على أبواب النحو المختلفة هي في جملتها عناصر تحليلية مستخرجة من الصوتيات والصرف، من ذلك مثلًا اشتراط صيغة صرفية ما لتكون مبنى لباب نحوي ما، أي: قرينة لفظية على ذلك الباب، كاشتراط المصدر للمفعول المطلق والمفعول لأجله، وكالقول بالجمود للتمييز، ثم بالاشتقاق للحال والنعت الحقيقي، وكاطراد صيغة المبني للمفعول في الإسناد إلى نائب الفاعل، وهلم جرا. ومن هذا القبيل أيضًا التعبير
عن الإسنادات المختلفة بإلصاق الضمائر المتصلة بالأفعال، ثم ما يتصل بذلك من إجراءات صوتية كالتحريك أو الإسكان، أو صرفية كالحذف أو النقل أو غير ذلك.
ولقد قسَّم النحاة الكَلِمَ إلى ثلاثة أقسام: يقول ابن مالك:
واسم وفعل ثم حرف الكلم
ثم حاولوا راشدين عند إنشاء هذا التقسيم أن يبنوه على مراعاة اعتباري الشكل والوظيفة، أو بعبارة أخرى: المبنى والمعنى؛ إذ ينشئون على هذين الأساسين قيمًا خلافية يفرقون بها بين كل قسم وقسم آخر من الكلم في لغة ما، ويتضح نظرهم إلى المبنى والمعنى في تقسيمهم للكلم من قول ابن مالك مثلًا:
بالجر والتنوين والندا وأل
…
ومسند للاسم تمييز حصل
بتا فعلت وأتت ويا افعلي
…
ونون أقبلنّ فعل ينجلي
سواهما الحرف كهل وفي ولم
…
.............................
كما يتضح أيضًا قول النحاة الآخرين: "الاسم ما دلَّ على مسمَّى، والفعل ما دلَّ على حدث وزمن، والحرف ما ليس كذلك".
ومن الواضح أن أبيات ابن مالك فرّقت بين أقسام الكلم تفريقًا من حيث المبنى، وأن الموقف الذي لخصَّناه عن النحاة الآخرين قد فرّق بين هذه الأقسام تفريقًا من حيث المعنى، وأن التفريق على أساس من المبنى فقط أو المعنى فقط ليس هو الطريقة المثلى التي يمكن الاستعانة بها في أمر التمييز بين أقسام الكلم، فأمثل الطرق أن يتم التفريق على أساسٍ من الاعتبارين مجتمعين، فيبنى على طائفة من المباني ومعها -جنبًا إلى جنب فلا تنفك عنها- طائفة أخرى من المعاني على نحو ما نرى فيما يلي:
أ- المباني ب- المعاني
الصورة الإعرابية التسيمة
الرتبة الحدث
أ- المباني ب- المعاني
الصيغة الزمن
الجدول التعليق
الإلصاق المعنى الجملي
التضام
الرسم الإملائي
وسنحاول فيما يلي أن نلقي ضوءًا على استخدام ما ذكرنا من المباني والمعاني في التفريق بين أقسام الكلم.
وأول ما نبدأ به أننا نجد التقسيم الذي جاء به النحاة بحاجة إلى إعادة النظر، ومحاولة التعديل بإنشاء تقسيم آخر جديد مبني على استخدامٍ أكثر دقة لاعتباري المبنى والمعنى اللذين ذكرناهما وفصلنا القول في كلٍّ منهما، وسنجد في التقسيم الجديد مكانًا متسقلًّا لقسم جديد هو الصفة، يمكن له أن يقف جنبًا إلى جنب مع الاسم والفعل دون أن يكون جزءًا من أولهما، ولا متحدًا مع ثانيهما، وسنرى أن الصفة تختلف مبنًى ومعنًى عن الأسماء، على رغم ما رآه النحاة من أنها منها، كما تختلف على الأساس نفسه عن الأفعال. وسنجد كذلك مكانًا مستقلًّا لقسم جديد هو الضمير، وقد عدَّ النحاة الضمائر بين الأسماء أيضًا عند تقسيمهم للكلم، ولكننا سنرى بعد قليل أن إفراد الضمائر بقسم مستقل له ما يبرره، سواء من حيث المبنى أو من حيث المعنى. وهذ الضمائر التي أفردناها بقسم خاصٍّ هي أعمّ من أن تكون ضمائر شخصية فقط؛ كأنا وأنت وهو وفروعها. وسنجد في تقسيمنا الجديد مكانًا مستقلًّا ثالثًا للخوالف، وهي عناصر معينة وزعها لنحاة بين أقسام الكلم لاختلاف مبنى كلٍّ منها عن مباني الأخريات، واختلاف معنى كلٍّ منها عن معناهن، ولكنهم غفلوا عمّا يجمع بينها جميعًا من عناصر يرجع بعضها إلى المبنى نفسه، ويرجع بعضها الآخر إلى المعنى. فهي جميعًا تستعصي على الدخول في جدول إسنادي أو تصريفي ما، وهي جميعًا تستعمل في الأسلوب الإفصاحي الإنشائي التأثري الانفعالي الذي يسمونه affective language وتلك هي الإخالة والصوت
والتعجب والمدح والذم، وربما ألحقنا به على المستوى النحوي لا الصرفي أساليب أخرى كالندبة والاستغاثة من النداء. ولقد استعرت اسم الخالفة لأدلَّ به على هذه العبارات مما رواه الأشموني1 عن الفرّاء، من أنه كان يسمي اسم الفعل "خالفة"، وإن كان بعض المحدثين قد تعودوا نسبة ذلك إلى ابن جابر الأندلسي. والظرف كذلك بحاجة إلى مكانٍ خاصٍّ بين أقسام الكلم لأسباب تعود من ناحية إلى مباني الظرف، أي: صورها المطلقة وتضامها مع الكلمات والتراكيب، ومن ناحية أخرى إلى معانيها التي تختلف عن التسمية والحدث والزمن الذي هو جزء معنى الفعل؛ لأننا سنرى أن دلالة الظروف إنما هي دلالة على علاقات زمانية بالوظيفة، وليست دلالة زمنية بالتضمن كالزمن في الأفعال، وسنرى كذلك أن أسماء الزمان والمكان كاليوم والساعة وأمام ووراء قد تطرح معانيها المعجمية وتتخذ لنفسها معنى وظيفيًّا هو معنى الظرف فتعدّ "بالنقل" بين الظروف معنًى، وإن اختلفت عنها في المبنى؛ لأنها أسماء في الأصل وليست ظروفًَا. وسنتوسع في فهمنا للأدوات، فنرى الحروف منها أدوات أصلية، ونرى غيرها أدوات محوّلة كالظروف التي تتصدَّر جملة الشرط أو الاستفهام، وكالأسماء النكرات التي تستعمل لإبهامها استعمال الحرف، وكالنواسخ الآتية على صور الأفعال، ولكنها تستخدم لنقصها استخدام الحروف، وهلم جرا.
والمعاني التقسيمية والتصريفية على السواء تعتبر من العموم والاتساع والشمول في إطار اللغة؛ بحيث يصدق عليها هي وطائفة أخرى من المعاني العامة المشاهبة كالإثبات والنفي والتأكيد والاستفهام والشرط إلخ أنها "مقولات لغوية Linguistic ctegories تشبيهًا لهذه المعاني اللغوية العامة في اتساعها وشمولها بالمقولات المنطقية Logical categories، وهي الأجناس العليا التي لا توجد أجناس أعلى منها أو أعمّ.
ولقد ذكرنا من قبل أن معاني التقسيم يعبَّر عنها بمبانٍ هي صيغ ما تصرف من أنواع الكلم والصور المطلقة لما لم يتصرّف منها، وأن معاني التصريف يعبر
1 في باب أسماء الأفعال.