المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تعدد المعنى الوظيفي للمبنى - اللغة العربية معناها ومبناها

[تمام حسان]

الفصل: ‌تعدد المعنى الوظيفي للمبنى

‌تعدد المعنى الوظيفي للمبنى

الواحد:

عند هذا الحد أودّ أن أشير إلى فكرة هامة يتوقف عليها فهم طبيعة عناصر التركيب العربي، وهي المباني التي يتكوّن منها ويتوقف عليها فهم الإطار العام للصرف والنحو العربيين، لقد مرَّ بنا طوال هذا الفصل أن الصرف يتكوّن من نظام من المعاني التي تعبِّر عنها المباني، وأن هذه المباني تتحقّق بدورها بواسطة العلامات، فمن المعاني والمباني تكون اللغة، ومن العلامات يكون الكلام، ونضيف هنا ما سبق أن أشرنا إليه إشارة عابرة من أن النحو لا يستعمل من المباني المعبرة عن معانيه إلّا ما يقدمه له الصرف من مباني التقسيم، وتحتها الصيغ، ومن مباني التصريف وتحتها اللاواصق، ومن مباني القرائن وتحتها العلامات الإعرابية والرتبة، وزوائد العلاقة كالهمز والتضعيف للتعدية، وكأدوات العلاقات وكالتضام وأدوات الربط، وهلم جرّا مما يعبر عن معانٍ نحوية صرف.

والفكرة الهامة التي أردت أن أسجلها تحت هذا العنوان أن المعاني الوظيفية التي تعبر عنها المباني الصرفية هي بطبيعتها تتَّسم بالتعدد والاحتمال، فالمبنى الصرفي الواحد صالح لأن يعبر عن أكثر من معنى واحد ما دام غير متحقق بعلامة ما في سياق ما، فإذا تحقق المعنى بعلامة أصبح نصًّا في معنى واحد بعينه تحدده القرائن اللفظية والمعنوية والحالية على السواء. ويصدق هذا الكلام على كل أنواع المباني التي سبق ذكرها سواء في ذلك مباني التقسيم، ومنها الصيغ ومباني التصريف، ومنها اللواصق ومباني القرائن، والمقصود بها ما ذكرناه منذ قليل مما يسمَّى القرائن اللفظية، وكذلك مباني بعض التراكيب، وإليك البيان:

لقد مَرَّ بنا في شرح أقسام الكلم أن مباني الأقسام قد تتعدَّد معانيها كالمصدر من الأسماء ينوب عن الفعل نحو: ضربًا زيدًا، ويؤكد الفعل كضربته ضربًا، ويبين سببه كضربته تأديبًا له، وينوب عن اسم المفعول نحو {بِدَمٍ كَذِب} واسم الفاعل مثل:{أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا} ، ويكون بمعنى الظرف نحو آتيك طلوع الشمس، وهلم جرا، وكاسمي الزمان والمكان يتعدد معناهما الوظيفي

ص: 163

بأن يكونا ظرفين أو داخلين في علاقة إسناد، وكالأسماء المبهمة من المقادير والأعداد والجهات والمكاييل والموازين حين تخرج عن معنى الاسمية إلى معنى الظرفية، وكالصفات تستخدم لمجرد الوصف وينوب بعضها عن بعض كما ينوب فعيل عن فاعل ومفعول، وتستخدم أعلامًا وتدخل في علاقات سياقية مع المنصوبات، وتكون أحوالًا ونعوتًا، وتدخل في علاقة إسنادية، وهلمَّ جرا، وكالأفعال يتحوّل معناها إلى العملية كيزيد ويشكر، وكالضمائر تستعمل استعمال الأدوات كما في الإغراء والتحذير، وتنفصل فتؤدي معنى تقسيميًّا كما أنها تتصل فتؤدي معنى تصريفيًّا بدلاتها على معاني التصريف، وتكون وسيلة ربط لعودها على متقدِّم لفظًا ورتبةً، وكالظروف تكون للظرفية المحضة، كما تتحول إلى أدوات للشرط أو الاستفهام أو التعليل1، وكالأدوات تكون الواحدة منها لعدد من المعاني مثل:"ما" تكون موصولة ونافية وكافة ومصدرية ظرفية واستفهامية وتعجيبة وشرطية، ومثل:"إن" تكون شرطية ونافية وزائدة ومخففة من الثقيلة المؤكدة، وإن شئت أن تنظر في تعدد المعاني الوظيفية للأداة فارجع إلى كتاب "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب"2 وسترى ذلك مفصلًا فيه أروع تفصيل.

والصيغ أيضًا صالحة لهذا التعدد والاحتمال، ويكفي أن تنظر في معنى صيغة مثل "أفعل" لتجد أن معناها يكون التعدية ومصادفة الشيء على صفة والسلب والإزالة وصيرورة الشيء ذا شيء والدخول في شيء والاستحقاق والتعريض والتمكين، كما أنك ستجد "فعّل" للتكثير، ونسبة الشيء إن أصل الفعل والتوجه إلى الشيء وقبول الشيء، ونجد كل ذلك مفصلًا في دراسة الصيغة.

وأما مباني التصريف: فإذا أخذنا التاء مثلًا وجدناها مرة للتأنيث ومرة للوحدة ومرة للمبالغة، وإذا نظرنا إلى الألف والنون وجدناها مرة للمثنى الحقيقي ومرة للمطابقة، كما تكون الألف للاثنين والنون بعدها للرفع كما تمتد

ص: 164

تاء المضارعة على بداية عدد من الإسنادات تتجاوز المخاطب إلى بعض إسناد الغائب وهلم جرا.

وأما مباني القرائن: فيكفي أن تعلم ن الاسم المرفوع مبنى صالح لأن يكون فاعلًا أو نائب فاعل، أو اسمًا لكان أو خبرًا لأن، أو مبتدأ أو خبرًا، أو تابعًا مرفوعًا، وأن الاسم المنصوب صالح لأن يكون أيّ واحد من المفعولين، أو حالًا أو تمييزًا أو مستثنى، أو منادى مضافًا، أو منصوبًا على الاختصاص، أو مشتغلًا عنه، أو تابعًا منصوبًا، أو منزوع الخافض، كما أن رتبة الصدراة تكون لأداة الاستفهام أو الترجي أو التمني أو العرض أو التخصيص أو القسم أو التعجب، وأن صيغة المصدر تكون للمفعول المطلق والمفعول لأجله وللمصدر النائب عن فعله وللمبتدأ والخبر والفاعل، ولكل معنى نحوي يؤدى بالأسماء، وأن المطابقة تكون لمعنى الحال، والنعت الحقيقي والخبر المفرد والفعل بعد المبتدأ، وأن الربط باللام يكون في جواب القسم، وفي جواب الشرط الامتناعي، وفي خبر إن، كما يكون الربط بالفاء في جواب الشرط، وفي خبر المبتدأ الدالّ على العموم، ولا سيما حين يكون المبتدأ اسمًا موصولًا نحو: الذي يأتيني فله درهم، والتضام الافتقاري يكون بين الموصول وصلته، والجار والمجرور والنواسخ والمنسوخات، وإلا والمستثنى وحرف العطف والمعطوف.

وهذا التعدد والاحتمال نلحظه في مباني الجمل؛ فمبنى الجملة المثبتة يكون للإثبات نحو: قام محمد، ويكون للدعاء نحو: رحمه الله، ويكون لصلة الموصول وصفة الموصوف وخبر المبتدأ وضميمة للظرف وحالًَا ومقولًا للقول. كما يكون مبنى الجملة الاستفهامية للاستفهام ولصدر جملة الشرط، وللإنكار والتقرير ومقول القول، وصفة على معنى التشبيه، فقوله: هل رأيت الذئب قط، معناه: كالذئب.

فالمبنى الواحد متعدد المعنى، ومحتمل كل معنى مما نسب إليه، وهو خارج السياق. أما إذا تحقق المبنى بعلامة في سياق فإن العلامة لا تفيد إلّا معنًى واحدًا تحدده القرائن اللفظية والمعنوية والحالية، وهذا التعدد والاحتمال في المعنى الوظيفي يقف بإزائه تعدد واحتمال في المعنى المعجمي أيضًا، وسوف نتناول ذلك في حينه إن شاء الله.

ص: 165