المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أما اللغة العربية فلا تفرق بالنبر بين الأسماء والأفعال، أي: - اللغة العربية معناها ومبناها

[تمام حسان]

الفصل: أما اللغة العربية فلا تفرق بالنبر بين الأسماء والأفعال، أي:

أما اللغة العربية فلا تفرق بالنبر بين الأسماء والأفعال، أي: إنها لا تعطي النبر معنًى وظيفيًّا في الصيغة أو في الكلمة، ولكنها تمنحه معنى وظيفيًّا في الكلام، أي: في معنى الجملة. ويتضح ذلك إذا قارنا في النطق بين جملتي:

أذكر الله وأذكري الله

فالمعروف أن هذا الموقع من المواقع التي تفقد فيها الياء كميتها فتصبح بمقدار الكسرة في الكلام مثلها في ذلك مثل الياء في عبارة "القاضي الفاضل" التي ذكرناها من قبل. ومن هنا تصبح أحوال الأصوات في الجملتين واحدة، وتصبح فرصة اللبس سانحة هنا، فلا يعرف السامع ما إذا كان المتكلم يخاطب رجلًا أو امرأة. هنا يتدخل النبر فيفرق بين الإسنادين؛ فيكون النبر في الجملة الأولى على مقطع همزة الوصل، ويكون في الجملة الثانية على مقطع الكاف ليدل على طول الياء؛ لأنَّ النبر يقع على ما قبل الآخر إذا كان المقطع الأخير متوسطًا "ري" وما قبل الآخر قصيرًا "ك" حسب القاعدة "الثانية 2ب" من قواعد النبر الأوليّ. فيكون النبر هنا ذا وظيفة تشبه وظيفة حركة الدليل على المحذوف في نحو:"تسعون" حيث تدل الفتحة على ألف "سعى" المحذوفة.

ص: 308

13-

‌ التنغيم:

في الذي قدمناه من الكلام في التنغيم يبدو التنغيم جزءًا من النظام النحوي لغة في الوقت الذي أحصيناه فيه مع الظواهر السياقية، ومن الواضح أن النظام ثابت وتحليلي، وأن الظواهر السياقية تركيبية، فما الوجه الذي يبرر إحصاء التنغيم بين الظواهر السياقية إذًا؟ من الممكن أن يجاب على ذلك من وجوه:

1-

ذكرنا في الكلام عن التنغيم في النظام النحوي أن كل نوعٍ من أنواع الجمل يتفق مع هيكل تنغيمي خاص يقف منه في إطار النظام النحوي موقف الصيغة الصرفية من المثال، أي: كموقف "استفعل" مثلًا من "استخرج" من حيث تقوم الصيغة مقام القالب بالنسبة للمثال، ولكن اللغة لها جانبان

ص: 308

كما عرفنا في تقسيم الجمل: الجانب التعاملي والجانب الإفصاحي، وأولهما أقرب إلى الاستعمال الموضوعي للغة، وثانيهما أقرب إلى الجانب الذاتي. وهذا الجانب الإفصاحي يغلب عليه الطابع التأثري exclamatory، ومن أمثلته التعجب والمدح والذم وخوالف الإخالة وخوالف الأصوات، وكل هذه تتحقق غالبًا في صورة صيحات انفعالية تأثرية. وقد يكون المتكلم بهذه اللغة الإفصاحية في مقام يتطلب منه أن يغير وظيفة الجملة من التعامل إلى الإفصاح؛ كالذي يحدث من المعلقين على مباريات كرة القدم، فبدل أن يصيح باللفظ الإفصاحي "هيه" كما يصيح أيّ متفرج يحرص على أن يستمر في الجملة الإخبارية التعاملية التي كان يقولها، ولكنه يغير وظيفتها إلى الإفصاح، وتعطيها نغمة فقط "هيه" عندما يرى الكرة دخلت فعلًا إلى منطقة الهدف وهو لم يكمل الجملة. وقد يقول:"جول" بنغمة "هيه" فيخبر ويفصح في الوقت نفسه. وهذا حل صوتي لمشكلة من مشكلات النظام عند تطبيقه، ويعارضه أثناء التطبيق مع مطالب السياق. والمعلق ينقل رسالتين بهذه الطريقة إلى السامعين أولاهما الإخبار عن النتيجة "وللإخبار نغمة خاصة في نظام التنغيم"، وذلك بواسطة جملة خبرية التركيب، وثانيتهما نقل الانفعال باعتباره دعوة إلى الجمهور للمشاركة فيه، وذلك بواسطة إعطاء التركيب الخبري المذكور نغمة إفصاحية تأثرية كنغمة صيحات المشجعين في مدرج الملعب.

ومن هذا القبيل ما يحدث من أن يحي المرء شخصا يكرهه هو ويود أن لو اختفى عن ناظره فيحتفظ بالعبارة العرفية للتحية ولكنه يغيروا وظيفتها ويحملها من نغمة الكراهية وتعبيرات الملامح التي تصاحبها ما يجعل التنغيم هنا ظاهرة سياقية، وذلك كان يجعل المتكلم شفتيه على صورتهما التي ينطقان بها "الكسرة"، ويضيق عينيه ويقلص ما بين حاجبيه حين ينطق التحية بنغمة الكراهية قائلًا:"كيف حالك يا عزيزي".

2-

من المواطن التي يصير فيها التنغيم ظاهرة موقعية في السياق أن يعمد المتكلم إلى التظاهر بأمر هو عكس ما يتطلب الموقف من تنغيم كأن يقص

ص: 309

المتكلم أمر حادثة مات فيها عدد من أصحابه وأقربائه، ولكنه يريد أن يبدو هادئًا في سرد القصة لئلّا يثير أحزان السامعين بصورة أشد، فيصطنع لهذا الكلام الذي يحتمل نغمة الحسرة والجزع نغمة أخرى فيها هدوء وتماسك. فهنا تعطى الجملة وظيفة جديدة ونغمة غير نغمتها التي في النظام، ويكون التنغيم ظاهرة سياقية.

3-

يحدث أحيانًا أن يستعمل المتكلم النغمة على صورة تقوى من العلاقة بين إحدى كلمات السياق وبين معناها الذي سيقت له، فإذا قال:"بلاد بعيدة" عبَّر عن شدة البعد بمد الياء مدًّا طويلًا، وكذلك الفتحة التي بعدها من كلمة "بعيدة"، ونطق الياء والفتحة على نغمة واحدة مسطحة عالية نوعًا ما. وإذا أراد أن يقول: إنه قذف حجر إلى أعلى فوصل إلى علوٍّ شاهق فلربما منح ذلك التنغيم نفسه لكلمة "فوق" فمد حرف المد منها بصورة ملحوظة ورفع الصوت به. وهذه الظاهرة يستغلها ملحنو الأغاني كثيرًا. وإذا أراد التعبير عن التراوح بين مكانين بقوله: "رايح جاي" أعطى كلًّا من الكلمتين نغمة خاصة كان يجعل نغمة "رايح" أعلى من نغمة "جاي"، ثم يكرر الكلمتين كلًّا منهما بنغمتها مقويًا معنى تكرار الرواح والمجيء بهذا النوع من التنغيم.

هذه بعض الأمثلة التي تجعل التنغيم ظاهرة موقعية تحل مشكلة تطبيق نظام التنغيم في النحو على السياق الاستعمالي حين تتعارض قواعد النظام مع مطالب السياق.

ص: 310