الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولكن استخدام الصيغة دون المثال سيقف بنا عند فهم المعاني الوظيفية التي سجلناها منذ لحظة، فلا يمكننا من فهم أي معنى معجمي؛ لأن المعاني المعجمية يمكن استخراجها من الأمثلة فقط، ولا يمكن استخراجها من المباني على إطلاقها مهما فصلنا القول في إلصاقها وتصريفها وإسنادها.
الإلصاق:
هناك عدة معانٍ صرفية عامة تؤدي بواسطة اللواصق، وهذه المعاني منها:
1-
الشخص "التكلم والخطاب والغيبة".
2-
العدد "الإفراد والتثنية والجمع".
3-
النوع "التذكير والتأنيث".
4-
التعيين "التعريف والتنكير".
5-
المضارعة.
6-
التوكيد.
7-
النسب.
فأما الشخص فتعبّر عنه ضمائر الرفع المتصلة في الفعل الماضي وحروف المضارعة في المضارع، وأما فعل الأمر فجميعه لشخص واحد هو المخاطب مع اختلاف في العدد والنوع، فلا حاجة بالأمر إلى لواصق لبيان الشخص، ومع الاعتراف الكامل لضمائر الرفع المتصلة بصلاحيتا للدلالة على معاني الضمائر أرى أنها لم تسق هنا لتكون ضمائر مستقلة الدلالة كالضمائر المنفصلة، وإنما سيقت هنا لتكون لواصق ووسائل من وسائل بيان الشخص لينتفع بهذا البيان في تحديد القرائن اللفظية كالمطابقة والربط بعود الضمير، وأظن النحاة كانوا يفهمون هذا من طبيعة هذه اللواصق، ولذلك سموا عدم وجوها استتارًا ولم يسموه حذفًا؛ لأن الاستتار على تقدير الوجود، والحذف على تقدير عدمه، فهم قالوا بوجودها مختفية لتكون المطابقة والربط بها مكفولين؛ إذ لا بُدَّ من ضمان توفير القرائن التي تدل على المعنى، ولو قالوا بحذفها لكانت هي نفسها في حال الحذف بحاجة إلى قرينة تدل عليها؛ إذ لا حذف بدون قرينة. وأما حروف المضارعة فإن دلالتها معينة بالنسبة للهمزة والنون، فالهمزة تعين المتكلم والنون تعين المتكلمين، أما التاء فإن لم يشاركها غيرها عند الخطاب
فإنها هي نفسها تشارك الياء في الغيبة، وبذا تصحب الياء أقوى على تعيين الغائب من التاء على تعيينٍ لمخاطب.
وأما العدد فيدل عليه بالضمائر في الأفعال، وباللواصق الحرفية في الصفات والأسماء، فأما مع الماضي فإن الدلالة على العدد تتضح داخل التكلّم من الفرق بين التاء المضمومة للمتكلم الواحد وضمير المتكلمين "نا"، وفي داخل الخطاب تتضح من الفرق بين تَ، وتما، وتم، وفي الغيبة ن الفرق بين الاستتار وبين ألف الاثنين وواو الجماعة، وأما في المضارع والأمر فإن فروق العدد تتضح في مقابلة الاستتار في الخطاب بألف الاثنين وواو الجماعة، وكذلك تقع المقابلة بين ذلك في الغيبة في المضارع، أما في التكلم في المضارع فالضمائر مستترة، ولذلك يتوقّف تحديد العدد في التكلم على حرف المضارعة، وفي الصفات والأسماء يعبّر عن العدد بالواو والنون أو الياء والنون للجمع، وبالألف والنون أو الياء والنون للمثنى، وبعدم ذلك للإفراد، وبالألف والتاء لجمع المؤنث حيث يمكن لهذه العلامات بالمقابلة بينها أن تدل على النوع أيضًا.
وأما النوع فإنه يعبر عنه في أفراد الأسماء بإلصاق التاء بالمؤنث، وكذلك الألف المقصورة والهمزة بعد الممدودة، وبعدم ذلك للمذكر، وفي الجمع بالألف والتاء للمؤنث في مقابل علامات أخرى يعرف بها الجمع في حالة التذكير. أما في الأفعال فبتاء التأنيث ونون النسوة.
وأما التعيين فلا يكون إلّا للأسماء، فإذا وردت أل مع الصفات فهي ضمير موصول وليست أداة تعريف، ويرجع ذلك إلى طبيعة دلالة الصفة لا إلى "أل" نفسها، فالصفات تدل على موصوف بالحدث فتكون ذات صلة بالحدث من نوع ما، وهذه الصلة بين الصفات ومعنى الحدث توجد جهة شركة بين الصفات والأفعال من حيث تدل الأفعال على حدث وزمن، ومن هنا توصف الصفات بالتعدي واللزوم ويتعلق بهذا الظرف والجار والمجرور، كما يتعلقان بالأفعال. وهذا نفسه هو الذي يسوغ للمصدر أن يدخل في مثل هذه العلاقات السياقية.
فالفرق بين النكرة من الأسماء في حالة التنكير وبينها في حالة التعريف هو إلصاق "أل" بها في حالة التعريف.
على أن معاني "أل" تتعدد بين التعريف والموصولية على النحو التالي:
أما التعريف كظاهرة عامة فهو أوسع من أن يقتصر على دلالة "أل" بمفردها، ويتضح ذلك مما نظمه بعض النحاة في قوله:
إن المعارف سبعة تشفي العلل
…
أنا صالح ذا ما الفتى ابني يا رجل
من هذا يتضح أن أوسع اللواصق مجالًا هي الضمائر المتصلة؛ لأنها يمكن أن يستفاد منها ثلاثة معانٍٍ هي الشخص والعدد والنوع، ثم حروف المضارعة؛ لأنها يستفاد منها الشخص والعدد ولواصق التثنية والجمع حيث يستفاد منها العدد والنوع أيضًا، ثم لواصق التأنيث وهي تفيد النوع عند مقابلتها بصيغ المذكر، وتفيد العدد عند مقابلة التاء بالنون، وأضيق اللواصق مجال تطبيق هي أداة التعريف.
لقد رأينا منذ قليل أن حروف المضارعة تشارك الضمائر في الدلالة على الشخص والعدد، ونحب أن نضيف هنا أن هذه المشاركة ذات صلة قوية جدًا بتطبيق فكرة استتار الضمير، لقد رأى النحاة أن يعبروا عن الضمير المطَّرد الاستتار فلا يظهر أبدًا بعبارة "مستتر وجوبًا"، وعن الضمير غير المطَّرد الاستتار فيظهر أحيانًا بعبارة "مستتر جوازًا". فإذا أردنا أن نفهم الفرق بين هذين النوعين من الاستتار في المضارع، فإن مما يعيننا على الوصول إلى فهم صحيح لهذا الفرق هو النظر إلى العلاقة التي بين حروف المضارعة وضمائر الرفع المتصلة؛ فحيث تكون دلالة حرف المضارعة على الشخص مطَّردة بمعنى أنه لا يشاركه في الدلالة عليه حرف مضارعة آخر، فإن وجود المضارعة يكون حاسمًا في الدلالة على الشخص، ومن ثَمَّ يكون استتار الضمير واجبًا، فالهمزة مثلًا تدل على المتكلم المفرد، ومن ثَمَّ يستتر الضمير وجوبًا في "أقوم"، والنون تدل على المتكلمين ولا يشاركها في ذلك غيرها، ومن ثَمَّ يكون استتار الضمير واجبًا في "نقوم"، وليس يبدأ المضارع في حالة الخطاب إلّا بالتاء، ومن ثَمَّ تدل التاء على الخطاب دلالة محددة، ويستتر الضمير وجوبًا في "نقوم" مسندًا للمخاطب، أما في حالة الغيبة فليست الياء ولا التاء نصًّا