الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ر س م - د ر س - ب د ر - ف ق و - وق ح، ونحوها.
3-
إن عبارة الشيخ بهاء الدين المفصلة لا تحكي القصة كلها، بدليل ما استدركته أنا عليه من تواليف لم يذكرها، وهي التي وضعت تحتها خطًّا في الجدول الذي سبق، ولهذا أرفض أن تكون مقالته شاملة.
4-
إن دراسة ظاهرة التأليف إذا بنيت على المخارج العشرة التي ذكرناها سابقًا كل منها على حدة، فلربما كانت أجدى في شمول هذه الظاهرة الموقعية من دراستها مؤسَّسة على هذه المناطق الثلاث التي يشتمل كل منها على مخارج متعددة.
5-
ولربما كان من الممكن أن يضاف إلى الاعتبار العضوي المخرجي في هذه الدراسة اعتبار القيمة الصوتية من تفخيم وترقيق، فيمكن بهذا أن تدعي مثلًا ندرة تجاور أحد المطبقات مع أحد الغاريات وهي أشد الحروف استفالًا.
6-
هذه الظاهرة الموقعية "التأليف" مرتبطة أشد الارتباط بدراسة المستعمل والمجهور من مواد اللغة، وهي بهذا المعنى ترتبط بمعنى الكلمة العربية الفصحى نوع ارتباط.
2-
ظاهرة الوقف:
يدل الوقف بوسائله المتعددة على موقع هو في طابعه "مِفْصَل" من مفاصل الكلام يمكن عنده قطع السلسلة النطقية chain of utterance، فينقسم السياق بهذا إلى دفعات كلامية spoken groups تعتبر كل دفعة منها إذا كان معناها كاملًا "واقعة تكليمية" speech event منعزلة، أما إذا لم يكن معناها كاملًا كالوقف على الشرط قبل ذكر الجواب مثلًا، فإن الواقعة التكلمية حينئذ تشتمل على أكثر من دفعة كلامية واحدة.
ولعل ظاهرة الوقف باعتبارها موقعية من موقعيات السياق العربي ترجع إلى كراهية توالي الأضداد، أو "كراهية التنافر" إن شئت اسمًا آخر لهذا المظهر من مظاهر الذوق العربي، فالحركة مظهر من مظاهر الاستمرار
في الأداء، والصمت الذي يأتي عن تمام المعنى جزئيًّا أو كليًّا أو عن انقطاع النفس أو لأي سبب يدعو إلى قصد الوقف يعتبر عكس الحركة تمامًا فبينه وبين الحركة تنافر. والحركة التي تقع في نهاية الدفعة الكلامية لا بُدَّ لمقطعها أن يكون من نوع "ص ح"، وهو نوع لا يقع عليه النبر، وهو في آخر الدفعية الكلامية أبدًا، أو انعدام النبر في هذا المقطع يضعف الحركة في النطق ويجعلها من قبيل الرَّوْم، وهو الاصطلاح الذي أطلقه النحاة على الوقوف بها ضعيفة، بل من قبيل الإشمام الذي هو تهيؤ الشفتين لنطق الحركة دون حدوث هذا النطق، ومن ثَمَّ تكون الحركة الأخيرة في ضعفها وقصورها عن الوصول إلى الأذن غير ذات قيمة كبيرة باعتبارها قرينة لفظية على المعنى، ومن هنا اختار الاستعمال أن ينشئ ظاهرة الوقف دفعًا للتنافر، ودلالة على موقع انتهاء الدفعة الكلامية، وهو موقع يرتبط تمام المعنى جزئيًّا أو كليًّا كما ذكرنا، ولقائل أن يقول: فلم بقيت هذه الحركة في قوافي الشعر ولم يلجأ الشعراء إلى ظاهرة الوقف يستعملونها في نهاية كل بيت من أبيات القصيدة، والجواب على ذلك من وجهين:
الأول: إن الشعر موسيقى، والموسيقى تكون بالحركة والمد ولا تكون بالسكون، ولذا كان الشعر أشد حرصًا على الحركة في قوافيه منه على السكون، ومع ذلك لم يرفض الشعر السكون رفضًا تامًّا فارتضى القوافي المقيدة بالسكون لا لحبه للسكون نفسه، وإنما لاصطناع تقييد القافية باعتباره طريقة تعبيرية ذات قيمة خاصة في مجال المزاج الشعري.
الثاني: إن الحركات التي في قوافي الشعر يغلب فيها ألّا تبقى على كميتها القصيرة، فإن الطابع الإنشادي للشعر العربي يجعل الشاعر يترنَّم بالشعر فيشبع حركاته الأخيرة بما يسمَّى إطلاق القافية فتطول الحركة وتصبح مدًّا، والوقف على المد تباركه القاعدة حتى في الاستعمال غير الشعري.
وللوقف وسائل متعددة غير الإسكان: فله غير الإسكان الرَّوْم والإشمام والإبدال والزيادة والحذف والنقل والتضعيف؛ فالرَّوْم إضعاف صوت الحركة دون أن تختفي تمامًا على الأذن، والإشمام عدم النطق بالضمة، ولكن مع
الإشارة بالشفتين إليها، فلا يدركه إلّا من يرى شفتي المتكلم، أي: إن الإشمام لا قيمة له بالنسبة للأعمى ولا المبصر عند الإظلام، ويذكر النحاة أن معناه مرتبط بالفرق بين الساكن أصلًا فلا إشمام فيه وبين المسكن بالوقف ففيه الإشمام. وأما الإبدال فهو إبدال الألف من تنوين المنصوب وتنوين إذًا ومن نون التوكيد الخفيفة، وكذلك إبدال الهاء من تاء التأنيث التي تلحق الأسماء. وأما الزيادة فهي زيادة هاء السكت بعد الفعل المعتل المحذوف الآخر نحو أعطه وأرجه وعه وقه، وكذلك بعد ما الاستفهامية لحاجة الصيغة إليها في كل ذلك بعد أن انتقصها نظام اللغة، وذلك لإشباعها في الكلام. وأما الحذف فهو حذف التنوين من آخر المنوّن مرفوعًا كان أو مجرورًا، ومن آخر المقصور مطلقًا، وحذف إشباع الضمير في به وله، وحذف ياء المنقوص مع التنوين في الاسم المنقوص المنكر، وفي لغة ترد الياء دور التنوين. وأما النقل فتحويل حركة الحرف الأخير من الكلام إلى الساكن قبله لبيان حركة الإعراب أو التخلص من التقاء الساكنين إلّا إذا كان ما قبل الآخر ممنوعًا تحريكه. وأما التشديد فليس المقصود به تضعيف الحرف وإنما هو شبيه بقلقلة بطيئة للحرف الموقوف عليه، وهو يلاحظ في يومنا هذا في إلقاء "الإملاء" على التلاميذ، وفي كلام المحاضرين المتأنين والمتأنقين، ويلاحظ في وقف الدكتور طه حسين على جمل كلامه حين يحاضر، فهو يجعل تشديد الحرف الأخير المسكَّن للوقف وسيلة من وسائل الإبلاغ السمعي لإرادة التأكيد، أو أي معنى آخر مناسب. ويزعم النحاة أن التأني في نطق هذا الحرف الساكن الأخير هو من قبيل التشديد، وأن سببه هو بيان أنه متحرك أصلًا فيتحرك عند الوصل، ويقولون: إن هذه الظاهرة لا تكون في الحرف الأخير إذا كان همزة كبناء؛ لأن القصر يغني عنها، والنبر قرينة على وجودها عند عدم القصر، والعرب لا تضعف الهمزة إلّا إذا كانت عينًا في الكلمة. وهذه الظاهرة لا تكون أيضًا في حرف لين جاء بعد حرف متحرك كما في: سرو وبقي والقاضي، ولا في الحرف الآخر الصحيح إذا سبق بحرف صحيح ساكن نحو:"بَكْرْ".