الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"استقلال"، فإن لام التعريف الساكنة الداخلة على الكلمة تصبح وسيلةً للتوصُّل إلى النطق بالسين التي في بداية "استقلال"، وبذا تصبح أداة التعريف متحركة غير ساكنة، وتنطق الكلمة على صورة "لستقلال"، فمطالب السياق هنا غيَّرت صورة الرمز وأبقت على وظيفته، فصيّرت الأداة "ل" بدل "ال"، ولكن التعريف هو الوظيفة في الحالتين. والوظيفة التي تدل عليها همزة الوصل أينما وجدت في بداية الكلام هي أنها علامة على هذه البداية -بداية النطق- وليس بداية الجملة بالضرورة، وهذه دون شك دلالة على الموقع تجعل الهمزة ذات صلة بالهيكل العام للمعنى.
6-
الإدغام:
أشرنا من قبل إلى أن النظام قد يصادف مشاكل في تطبيقه حين يتعارض مع مطالب السياق، فالتعارض بين قواعد النظام ومطالب السياق أمر مألوف في اللغات جميعًا، وهو مألوف في اللغة العربية أيضًا، ولقد مثَّلنا من قبل بالتقاء الدال الساكنة والتاء بعدها، فالنظام يقول: إن الدال الساكنة مجهورة، وينبغي أن تظلَّ كذلك باطِّراد، ولكن السياق الذي جاء بعدها بالتاء له مطالب في هذا الموقع تتعارض مع قاعدة النظام، فالسياق هنا يتطلّب الإدغام الذي يصيِّر الدال الساكنة وبعدها التاء على صورة تاء مشددة. ولقد اهتمّ سيبويه بظاهرة الإدغام هذه حتى جعلها مناط دراسته للأصوات العربية كلها، وسنحاول فيما يلي أن نلخص نظرة سيبويه إلى ظاهرة الإدغام تلخيصًا يقربها إلى طريقة التناول الحديثة للظواهر الموقعية، ويذهب ببعض ما في أسلوب سيبويه من غموض وتعقيد يصادفهما القارئ أحيانًا.
الإدغام في نظر سيبويه أنواع:
أ- الإدغام في الحروفين اللذين تضع لسانك لهما موضعًا واحدًا لا يزول عنه -كالميم بعد الميم في كلمتين متتالتين.
ب- الإدغام في الحروف المتقاربة التي هي من مخرج واحد أو من مخرجين متقاربين -كالجيم بعد الشين والباء بعد النون.
جـ- الإدغام في حروف طرف اللسان والثنايا -كالدال بعد الطاء، والثاء بعد التاء، والضاد بعد التاء.
د- الحرف الذي يضارع به حرف من موضعه أو من غير موضعه كالدال بعد الصاد أو الشين أو الجيم.
هـ- قلب السين صادًا في بعض اللغات لوجود القاف بعدها في كلمة واحدة.
و الشاذّ الذي خفَّفوه على ألسنتهم وليس بمطَّرد.
وفيما يلي بيان كل نوع على حدة:
أ- المثلان:
وضع سيبويه لإدغام المثلين عللًا وأصولًا ترجع في النهاية إلى ما أطلقنا عليه ظاهرة "كراهية التقاء الأضداد والأمثال" التي تسيطر على الذوق العربي في الصوغ السياقي، والأصل الذي يرجع إليه سيبويه في ذلك ما عبَّر عنه بقوله:"كلما توالت الحركات أكثر كان الإدغام أحسن"، فاللغة العربية تكره توالي المتحركات في الكلام وتأباه في الكلمة الواحدة إذا زادت المتحركات على أربعة حروف، ويتضح هذا حين نعرب كلمة "ضربتُ" حيث نقول: إن الفعل هنا مبني على السكون منعًا لتوالي أربعة متحركات فيما هو كالكلمة الواحدة. ولكن اللغة على أية حال اغتفرت توالي أربعة متحركات في حالات قليلة منها لفظ "عُلَبِط" قال سيبويه: "ولا يكون ذلك في غير المحذوف"، وربما قصد بهذه العبارة أن توالي المتحركات الأربعة ربما أنبأ عن ساكن محذوف، وربما كانت هذه الكلمة في الأصل "علابط" فحذفت منها الألف. وواضح أن القول بأن توسُّط الألف بين اللام والباء هو اعتراض ساكن بين متحركين، بمعنى أن الألف "ساكنة" يحمل في طيه إما جرثومة فكرة عروضية حيث يمكن تمثيل الألف والمتحرك الذي قبلها بالزمر "-5"، وإما فكرة منطقية تقضي بأن الألف هنا ما دامت لا يمكن أن تصفها بالحركة فلا بُدَّ أن تكون ساكنة، والنتيجة في كلتا الحالتين أن توسُّط الألف
بين اللام والباء في علابط يجعل الأمر مختلفًا والكلمة مقبولة، أما من وجهة نظرنا: فالألف "حركة طويلة"، والحركة لا توصف بالحركة ولا بالسكون.
وهنا يصف سيبويه أربعة أنساق من الحروف المتحركة يمكننا أن نمثلها على طريقة رموز العروضيين بأن نجعل الحرف المتحرّك على صورة "-" والساكن على صورة "5" فنرمز إليها كما يأتي، والإدغام هنا للمثلين:
أولًا: "-----= --5--"
حيث توالت حروف خمسة متحركة أدغم ثالثها في رابعها، وهذه أحسن حالات الإدغام، ومن أمثلتها جَعَلَ لَكَ = جَعَلْ لكَ، وفَعَلَ لَبيد = فَعَلْ لَبيد، والبيان أي: التحريك في ذلك عربي جيد وحجازي كما يزعم سيبويه.
ثانيًا: "----5 = -5-5"
سبق أن المثلين بمتحرك واحد فقط، وتلى الثاني بساكنٍ فأصبح الإدغام حسنًا، وذلك مثل: يَدُ دَاوُدَ = يدْ دَاوُدَ
ثالثًا: "مد - - = مد 5 -"
التقى المثلان المتحركان وقبل أولهما حرف مد، فأصبح الإدغام حسنًا والبيان أحسن، ويعلل سيبويه ذلك بأن حرف المد عند اعتبار الإدغام يكون بمنزلة المتحرك، وذلك نحو: المالُ لَكَ = المالْ لَكَ، ومثله: أتحاجوني - ولا الضالين - راد - تظلميني، ويظهر أن الواو والياء اللينتين المشكلتين بالسكون تعاملان في هذه الحالة معاملة واو المد ويائه على نحو ما في الأمثلة التي أوردها سيبويه، إلّا إذا كانت مدغمة فهما بعدها نحو: وليُّ يَزيد = وليْ يزيد، وعدو وكيد = عدو وكيد، ولذلك تسري القاعدة نفسها على أُصَيْم تصغير أصم، ودويبة تصغير دابة، وثوب بكر= ثوبْ بكر، أما الياء والواو المتحركتان فتعاملان معاملة الحروف الصحاح.
رابعًا: "5- - = 5 اختلاس-"
فإذا سبق المثلان المتحركان بساكن، ففي الإخفاء باختلاس حركة المتحرك الأول وليس فيه الإدغام بسكون ما قبله، وذلك نحو: ابنُ نُوح
واسمُ موسى، ودلوْ واقد، وظبي ياسر، وولي يزيد، وعدوّ وليد. ويدلل سيبويه بعد ذلك على إخفاء المتحرك الأول من هذين المثلين بأمثلة تتصل بالبند "ثالثًا" السابق منها.
وإني بما قد كلفتني عشيرتي
…
من الذب عن أعراضها لحقيق
وقول غيلان بن حريث:
وامتاح مني حلبات الهاجم
…
شأو مدلّ سابق اللهامم
وقال أيضًا:
وغير سفع مُثّل يحامم
فالأمر في هذه الشواهد أمر إخفاء لا إسكان ولا إدغام؛ لأنه لو سكَّن وأدغم لانكسر الشعر، ولكن الشاهد الأول لو ورد تركيبه في النثر لجاز فيه الإدغام بحسب قاعدة البند "ثالثًا"، ولا يجوز في النثر الإدغام في اللهامم والقرادد واليحامم؛ لأن لام ميزانها الصرفي تتكرر في المفرد، ومن ثَمَّ يلزم تكرارها في الجمع بخلاف الهوام؛ لأن ميميها ليستا لامين في الميزان الصرفي.
خامسًا: "- ُووَ" وكذلك "- يِ يَ"
لا إدغام في هذه الحالة نحو: ادعوا واقدًا، واظلمي ياسرًا، فيترك المد على حاله في الانفصال.
سادسًا: "-يْ يَ" وكذلك "-وْ وَ"
فيه الإدغام نحو: اخشى ياسرًا، واخشوا واقدًا؛ لأن الباء والواو هنا ليستا حرفي مد.
سابعًا: "نحو: اقتتلوا ويقتتلان"
فيه الإظهار والإخفاء ولا إدغام إلّا عند بعض العرب الذين يقولون: قتلوا يقتلون ومنه: {تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُون} أو يقولون: قتَّلوا.
هذا ما يرويه سيبويه من إدغام الحرفين اللذين تضع لسانك لهما موضعًا واحدًا لا يزول عنه، وواضح هنا من الأمثلة والشواهد التي جاء بها سيبويه
أنه ينظر إلى ذلك في الكلمة الواحدة كما ينظر إليه في الكلمتين؛ إذ تتواليان فيكون المثلان آخر أولاهما وأول ثانيتهما، فما يورده من قواعد الإدغام هنا صادق على نسق البنية المفردة كما هو صادق على نسق السياق، ويمكن النظر إلى كلا النسقين من وجهة نظر الإدغام الناشئ عن كراهية التقاء المثلين.
ب- المتقاربان:
ثم يتكلَّم سيبويه عن النوع الثاني من أنواع الإدغام وهو الإدغام في الحروف المتقاربة التي هي من مخرج واحد أو من مخارج متقاربة، فيضع للإظهار ثلاثة ضوابط كما يأتي:
1-
الإظهار في الحروف التي من مخرج واحد وليست بأمثال أحسن؛ لأنها قد اختلفت "ونظام اللغة يجب التخالف".
2-
والإظهار في المختلفة المخارج أحسن لأنها أشد تباعدًا "والحالة هنا حالة تخالف أيضًا".
3-
كلما تباعدت المخارج ازداد الإظهار حسنًا "وهذا بسبب تفضيل التحالف كذلك".
ثم يقسِّم الإدغام في هذا المجال إلى ثلاثة أقسامٍ بحسب سلوك مجموعات الحروف:
1-
فمن الحروف ما لا يدغم في مقاربه ولا يدغم فيه مقاربه، كما لم يدغم من قبل في مثله "ء اوي".
2-
ومن الحروف ما لا يدغم في مقاربه ولكن يدغم فيه مقاربه "م ف ر ش".
3-
ومن الحروف ما يدغم في مقاربه ويدغم فيه مقاربه.
فأما الطائفة الأولى التي تأبى الإدغام في جميع صوره فهي "ء اوي" والهمزة بخصوصها من هذه المجموعة إذا استثقلت لم يكن تخفيفها بواسطة الإدغام، وإنما يكون بطرق أخرى يشملها التغيير أو الحذف، ولعل سيبويه
يستعمل كلمة التغيير هنا عمدًا ليشمل بها القلب والإبدال والتسهيل، وأما الألف فإنها لا تدغم في غيرها مطلقًا، ولكن سيبويه ينص على الهاء بصفة خاصة لما بينها وبين الألف من صلة قربى في نظره. والواو والياء لا تدغمان فيما يقاربهما حتى لو سبقتهما الفتحة فصارتا مظنَّة الإدغام لكونهما أصبحتا حرفي لين لا حرفي مد، وقد مثَّل سيبويه لذلك بأمثلة هي: رأيت قاضي جابر، ودلو مالك، وغلامي جابر، وأخرج ياسر. والإدغام ممتنع من باب أولى إذا كانت الياء والواو مدًّا نحو: ظلموا مالكًا، واظلمي جابرًا.
وأما الطائفة الثانية "التي لا تدغم في مقاربها، ولكن يدغم فيها مقاربها" فيه أربعة حروف أيضًا هي:
"م ف ر ش"؛ فالميم لا تدغم في الباء نحو: أكرم به، بل إن النون تصير إليها قبل الباء نحو:"العنبر" و"من بدا لك"، ولكن الباء تدغم في الميم نحو:"اصحمَّطرًا = اصحب مطرًا". والفاء لا تدغم في الباء، قال سيبويه: لأنها من باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا وانحدرت إلى الفم، وقد قاربت من الثنايا محرج الثاء فلم تدغم فيما لا تدغم فيه الثاء نحو:"اعرف بدرًا"، ولكن الباء قد تدغم في الفاء للتقارب ولأنها قد ضارعت الثاء فقويت على ذلك لكثرة الإدغام في حروف الفم؛ نحو قولك:"إذهفِّي ذلك = إذهب في ذلك". والراء لا تدغم في اللام ولا في النون لأنها مكررة، وهي تَفَشَّى، إذا كان معها غيرها فكرهوا أن يجحفوا بها بإدغامها فيما لا يتفشَّى ولا يكرر "ويقوى ذلك أن الطاء وهي مطبقة لا تجعل مع التاء تاء خالصة؛ لأنها أفضل منها بالإطباق"، وذلك قولك:"اجبر لبطة" و"اختر نقلًا"، ولكن قد تدغم اللام والنون مع الراء نحو:"هرَّأيت = هل رأيت"، و"مرَّ أيت= من رأيت". والشين لا تدغم في الجيم لأن الشين استطال مخرجها لرخاوتها حتى اتصل بمخرج الطاء فصارت منزلتها منها منزلة الفاء من الباء، فاجتمع هذا والتفشِّي فكرهوا أن يدغموها في الجيم كقولك:"افرش جبلة"، ولكن تدغم الجيم في الشين كما أدغمت اللام والنون في الراء نحو:"أخر شيئًا =أخرج شيئًا".
وأما الطائفة الثالثة المقاربة التي يدغم بعضها في بعض فبيانها كما يلي:
1-
الهاء والحاء: ويقعان من حيث التقدم والتأخُّر على صورتين:
هـ ح = ح ح نحو: اجْبَحَّمَلا= اجبه حملا، فالإدغام حسن لقرب المخرجين واتفاقهما في الهمس والرخاوة، ولكن البيان أحسن لاختلاف المخرجين وتأبي حروف الحلق على الإدغام.
ح هـ = ح هـ، فلا تدغم الحاء في الهاء نحو: امدح هلالًا؛ لأن ما كان أقرب إلى حروف الفم كان أقوى على الإدغام.
2-
الهاء والعين: ويقعان من حيث التقدم والتأخر على صورتين أيضًا:
هـ ع = ح ح نحو: إجْبَحِّنَبَة= إجبه عنبة، ولكن البيان بعدم الإدغام أحسن؛ لأن الهاء لا تدغم في العين لمخالفتها إياها في الهمس والرخاوة، ولما سبق من أن حروف الحلق تتأبى على الإدغام.
ع هـ = ح ح نحو: اقطحلالًا= اقطع هلالًا؛ لقرب المخرجين؛ ولأن الأقرب إلى الفم لا يدغم فيما وراءه، ولكن البيان أحسن.
3-
العين والحاء: ويقعان من حيث التقدم والتأخر كذلك على صورتين:
ع ح = ح ح نحو: اقطحَّمَلا= اقطع حملا، والإدغام هنا حسن لأنهما من مخرج واحد، والبيان حسن كذلك.
ح ع = ح ح نحو: امد حرفة = امدح عرفة، ولكن البيان أحسن، ويلاحظ أن الحاءين المدغمتين أو بعبارة أخرى: الحاء المشددة هي الصورة التي تحققت بها المقاربات في خمس من الحالات الست الماضية. وأن الهجات الحديثة العامية تفضل العين المشددة كلما كانت العين ثانية المتقاربين، وذلك نحو: اجبَّعنبة= اجبة عنة، وامد عّرفة= امدح عرفة.
4-
الغين والخاء: ونجدهما كذلك على صورتين:
غ خ= خ خ، نحو: ادْ مَخَّلَفَا= ادمغ خلفًا، وهذا الإدغام حسن ولكن البيان أحسن.
خ غ = غ غ، نحو: اسْلُغَّنَمك= اسلخ غنمك، ولكن البيان أحسن؛ لأن الغين مجهورة وهما من حروف الحلق التي تتأبى على الإدغام.
5-
القاف والكاف: وهما على صورتين:
ق ك= ك ك، نحو: الحَكَّلَدة= الحق كلدة، لقرب المخرجين وكونهما من حروف اللسان واتفاقهما في الشدة، ولكن البيان يتساوى في الحسن مع الإدغام.
ك ق = ق ق، نحو: انْهَقَّطنَا= انهك قطنًا، فالإدغام حسن هنا لقرب مخرجهما إلى الحلق فشبهت بالخاء مع الغين، ولكن البيان أحسن.
6-
الجيم والشين: سبق أن قرر سيبويه أن نسق "ش ج" لا إدغام فيه نحو: "افرش جيلة" أما الصورة الأخرى أي:
ج ش = ش ش، نحو ابْعَشَّبَثِّا= ابعج شيئًا، فالإدغام حسن؛ لأنهما من مخرج واحد وهما من حروف وسط اللسان، ولكن البيان يساوي ذلك في الحسن.
7-
اللام والراء: قضت إشارة إلى امتناع الإدغام في "ر ل" نحو: "اجبر لبطةً" ولكن
ل ر= ر ر نحو: اشغَرَّجَبَةً= اشغل رجبة، والإدغام هنا أحسن والبيان حسن.
8-
النون والراء: مضى قول سيبويه: إن الراء لا تدغم في النون نحو: اختر نقلًا، ولكن
ن ر= ر ر نحو: مَرَّأيت= مَنْ رَأَيْتَ، فالإدغام لقرب المخرجين على طرف اللسان والتماثل في الشدة، ويكون هذا الإدغام بغنَّة وبلاغنة.
9-
النون واللام: أما إذا تقدَّمت اللام على النون فلا إدغام في ذلك حسب ما يأتي تحت رقم 16 فيما بعد، ولكن
ن ل = ل ل نحو: ملَّك =من لك، ويكون الإدغام هنا بغنَّة وبغيرها، ويرى سيبويه أن علة الإدغام قرب النون من اللام على طرف اللسان.
10-
النون والميم: لا إدغام عند تقدُّم الميم بحسب ما يأتي تحت رقم 16 فيما بعد ولكن
ن م = م م والإدغام هنا لأن صوتهما واحد ولاتفاقهما في الجهر والخروج من الخياشيم، وذلك لك نحو: مما= من ما، وكذلك: ممعك= من معك.
11-
النون والباء: لا إدغام عند تقدم الباء حسب ما يأتي تحت رقم16، ولكن ن ب= م ب نحو: ممبك= من بك، وعمبر= عنبر، فنقلب النون ميمًا ولم يجعلوها باء لبعدها في المخرج، وأنها ليس فيها غنة، فأبدلوا في مكانها أشبه الحروف بالنون وبالباء وهو الميم.
12-
النون والواو: لا إدغام عند تقدُّم الواو حسب ما يأتي تحت رقم 16 ن و= وو نحو موجد= من وجد، والإدغام هنا بغنة أو بغيرها؛ لأن الواو من مخرج ما أدغمت فيه النون وهو الباء والميم.
13-
النون والياء: لا إدغام حيث تتقدَّم الياء حسب ما يأتي تحت رقم 16 ولكن:
ن ي= ي ي، نحو: ميَّكون= من يكون، والإدغام هنا لأن الياء أخت الواو، وهو يكون بغنَّة وبغيرها.
14-
النون وحروف الفم: لا إدغام عند تقدُّم أحد هذه الحروف على نحو ما تحت رقم16 ولكن:
ن ثم أي حرف فموي= إخفاء النون بجعلها غنة متفقة في التوقيت مع وضع اللسان في مخرج حرف الفم الذي يأتي بعد النون، وإطالة مدة النطق بهذا الحرف المصاحب للغنة حتى يصير بمقدار حرفين أولهما ساكن والثاني متحرك، وذلك نحو: من جاء ومن كان ومن قال.
15-
النون وحروف الحلق: فيها البيان دون الإدغام.
16-
جميع الحروف ثم النون: فيها البيان دون الإدغام إلّا اللام في هنَّري= هل نرى، فيجوز فيها الإدغام والبيان أحسن.
17-
لام التعريف: تدغم في ت ث د ذ ر ز ش ص ط ظ ل ن، وتسمَّى شمسية ولا تدغم في البواقي، وتسمَّى حينئذ قمرية.
18-
لام غير التعريف: كما في وبل مع بقية الحروف: الإدغام في بعضها حسن مثل: الراء والطاء والدال والتاء والصاد والزاي والسين وكذلك الظاء والثاء والذال، وهو أضعف من السوابق، وهو أضعف من ذلك مع الضاد والشين، ومثاله: هرَّ أيت، ونحو:
تقول إذا استهلكت مالًا للذة
…
فكيهة هَشَّئٌ بكفيك لائق
فدع دا ولكن هتُّعِينُ منيما
…
على ضوء برق آخر اللين ناصب
والنون إدغامها فيها أقبح:
وعند النظر في العلل التي جاء بها سيبويه للإدغام والإظهار في هذه المقاربات يستطيع المتأمل أن يستخلص القاعدة التي تختفي وراء إدغام المقاربات، ويمكن تلخيص هذه القاعدة فيما يأتي:
1-
من الظروف المناسبة للإدغام أن يتقارب مخرجا الحرفين المتتاليين أو أن يتفق هذا الحرفان في الصفة، والمقصود بالصفة هنا طريقة النطق كالشدة والرخاوة، أو القيمة الصوتية كالتنغيم والترقيق، أو وضع الصوت كالجهر والهمس.
2-
مما يكثر فيه الإدغام أن يكون بين حروف الفم، ويعبر سيبويه عن ذلك بقوله: إن حروف الفم أصل في الإدغام، ومعنى ذلك: أن الحروف غير الفموية أقل تعرضًا للإدغام، والمقصد بالفم هنا من الغار إلى اللهاة.
3-
لا يتمّ الإدغام بين حروف اللسان وحروف الحلق، وربما كان ذلك راجعًا إلى عدم تقارب المخارج فهو على عكس ما في رقم1.
4-
إذا تجاور حرفان من غير حروف الفم فإن أقربهما إلى الفم لا يدغم في أبعدهما منه، أما العكس فإنه يدغم كما في نسق "هـ ع" حيث تدغم الهاء في العين سالفة عليها أو لاحقة بها، فيكون الإدغام في الحالتين على صورة "ح ح".
"حـ" حروف طرف اللسان والثنايا:
وأما النوع الثالث من أنواع الإدغام وهو الإدغام في حروف اللسان والثنايا فهو كثير مطرد، ولكن البيان في بعضها مسموع أو أكثر أو أمثل، فإذا جعلنا ثاني الحرفين المتجاورين هو العنوان حصلن على أحد عشر مدخلًا لدراسة هذا النوع من الإدغام، ولكن قبل أن نحصي هذه الحالات يجدر بنا أن نشير إلى بعض القواعد الهامة التي جاء سيبويه مثل:
أ- الحروف "ز س ص" لا تدغم في الحروف "ت ث د ذ ط ظ"، وإن أدغمت هي فيها.
ب- الحروف نفسها "ز س ص" لا تدغم في "ض" ولا يدغم هو فيها.
جـ- ما أدغمته من حروف طرف اللسان وهو ساكن يدغم وهو متحرك
وهو متحرك كما يحدث للمثلين، وهو كالمثلين حسنًا وقبحًا وإخفاءً كذلك.
د- تاء الافتعال بعد "ث د ذ ز ص ض ط ظ" تدغم فيما قبلها أو تتحول إلى دال بعد "د ذ ز"، وإلى طاء بعد الأربعة المطبقة، وكون هذه التاء تدغم فيما قبلها هو عكس ما تقرره القاعدة رقم "هـ"، وهي تقول:
هـ- الأصل في الإدغام أن يجعل الأول من جنس الآخر.
وبعد هذه المقدمة يمكننا الآن أن نورد المداخل الأحد عشر التي ذكرناها، جاعلين ثاني الحرفين عنوانًا، وأولهما هو التفصيل الذي تحت هذا العنوان:
1-
الثاء وما يسبقها:
ظ ث= ث ث نحو: احفظ ثابتًا، والإدغام أكثر وأجود.
د ث= ث ث نحو: خذ ثابتًا، والإدغام أكثر وأجود.
ت ث= ث ث نحو: انعت ثابتًا.
2-
الذال وما يسبقها:
ظ ز= ذ ذ نحو: احفظ ذلك، والإدغام أكثر وأجود.
ث ذ= ذ ذ نحو: ابعث ذلك، والإدغام أكثر وأجود.
د ذ = ذ ذ نحو: أبعد ذلك.
3-
الظاء وما يسبقها:
ذ ظ= ظ ظ نحو: خذ ظالمًا.
ث ظ= ظ ظ نحو: ابعث ظالمًا.
ط ظ= ظ ظ نحو: اهبط ظاهرًا.
4-
السين وما يسبقها:
ص س= س س نحو: افحص سالمًا.
ز س= س س نحو: رز سليمًا.
ت س= س س نحو: ذهبت سلمى، والبيان عربي حسن.
د س= س س نحو: قد سمعت، والبيان عربي حسن.
ث س= س س نحو: ابعث سلمة.
ز س= س س نحو: مذ ساعة، والبيان أمثل.
ظ س= س س نحو: احفظ سلمة.
5-
الزاي وما يسبقها:
ص ز= ز ز نحو: افحص زهرة.
س ز= ز ز نحو: احبس زهيرًا.
ط ز= ز ز نحو: اضبط زهيرًا، والبيان عربي حسن.
ظ ز= ز ز نحو: احفظ زهيرًا.
ذ ز= ز ر نحو: مذ زمان.
6-
الصاد وما يسبقها:
س ص= ص ص نحو: احبس صابرًا.
ت ص= ص ص نحو: انعت صابرًا.
ذ ص= ص ص نحو: خذ صابرًا.
ز ص= ص ص نحو: أوجز صادقًا.
7-
الدال وما يسبقها:
ت د= د د نحو: انعت داود، والبيان جائز.
ذ د= د د نحو: خذ داود.
ط د= د د نحو: اضبط دخلك، والبيان جائز.
8-
الطاء وما يسبقها:
د ط= ط ط نحو: انقد طالبًا، والبيان جائز.
ت ط= ط ط نحو: انعت طالبًا.
ظ ظ= ط ط نحو: احفظ طالبًا.
9-
التاء وما يسبقها:
د ت= ت ت نحو: انقد تلك، والبيان جائز.
ث ت= ت ت نحو: ابعث تلك.
ط ت= ث ت نحو: انقط تاء الكلمة، والبيان جائز.
10-
الضاد وما يسبقها:
ط ض= ض ض نحو: خالط ضيفك.
ت ض= ض ض نحو: ثار فضجت ضجة ركائبه.
ظ ض= ض ض نحو: احفظ ضيفك.
ذ ض= ض ض نحو: خذ ضيفك.
ث ض= ض ض نحو: ابعث ضيفك.
11-
الشين وما يسبقها:
ط ش= ش ش نحو: اضبط شاكرًا.
ت ش= ش ش نحو: انعت شاكرًا.
د ش= ش ش نحو: انقد شاكرًا.
ض ش= ش ش نحو: عارض شاكرًا.
ظ ش= ش ش نحو: احفظ شاكرًا، والبيان عربيٌّ جيد.
ذ ش= ش ش نحو: خذ شاكرًا.
ث ش= ش ش نحو: ابعث شاكرًا.
لقد ذكرنا من قبل خمس قواعد جاء بها سيبويه بمناسبة إدغام حروف اللسان والثنايا، وقد كانت القاعدة الرابعة منها تدور حول تاء الافتعال وما تدغم به من الحروف. وإذا أردنا أن نبيِّن المقصود بهذه القاعدة فخير ما نفعله في ذلك هو الإتيان بالأمثلة، وقد أورد سيبويه أمثلة يمكن أن نقدمها على الصورة الآتية:
وقد شبه بعض العرب الأربعة المطبقة في غير الافتعال بها في الافتعال فقالوا: فحصط برجلي وضبطه وحفطه، وقال علقمة بن عبدة:
وفي كل حي قد خبط بنعمة
…
فحق لشأس من نداك ذنوب
وهنا موضع يكون الإدغام فيه أقوى من البيان، وهو أن تسكن التاء وتتلوها "ث د ذ ز ط" نحو: ادارأتم، واثّاقلتم، واذَّكر، وازَّين، واطوَّع، وقد سبق لنا في المداخل السالفة أن بينَّا حكم الإدغام في هذه المواقع.
د- الحرف الذي يضارع به حرف من موضعه أو من غيره:
أما النوع الرابع من الإدغام فهو حسب عبارة سيبويه "الحرف الذي يضارع به حرف من موضعه، والحرف الذي يضارع به ذلك الحرف وليس من موضعه"، وملخص ذلك أن الصاد والشين والجيم إذا تلتها الدال ألحق بها نوع من الإدغام يتناول الصفة ولا يتناول المخرج؛ لأن المخرج في كل الأحوال مقارب ولا يتغير، فالصاد والشين يلحقهما الجهر والجيم تلحقها الرخاوة إذا جاءت الدال بعدهن، مثال ذلك:
مصدر مزد "بتفخيم الزاي".
أشدق أجدق
أجدر أجدر
وقد يضارعون بالصاد الساكنة قبل الدال صادات متحركة لا تتبعها الدال كما في "مصادر مزادر" و"صراط زراط".
هـ- قلب السين صادًا في بعض اللغات لوجود القاف أو الغين أو الخاء بعدها في كلمة واحدة:
وذلك نحو: صقت وصبقت والصملق وصالغ وصلخ، وذلك كما قالوا في ساطع صاطع لقرب المخرجين والإطباق.