المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الأصوات: سبق أن فرَّقنا في الفهم بين الكلام واللغة، وبينَّا أن - اللغة العربية معناها ومبناها

[تمام حسان]

الفصل: ‌ ‌الأصوات: سبق أن فرَّقنا في الفهم بين الكلام واللغة، وبينَّا أن

‌الأصوات:

سبق أن فرَّقنا في الفهم بين الكلام واللغة، وبينَّا أن الكلام أداء فردي في إطار اجتماعي ما، وهذا الإطار الاجتماعي هو اللغة، وحين يتكلّم الفرد يتم كلامه في إحدى صورتين شهيرتين: إما النطق وإما الكتابة. وليس يدخل في غايتنا هنا أن نشرح كيف تتمّ الكتابة، ولا أن نقوم بدراسة تحليلية لمنحنيات الرموز الكتابية وزواياها، ولا أن نلقى ضوءًا أيًّا كان على الرموز الكتابية التي يستعملها "المتكلم"، فذلك أمر تهتم به دراسات من نوع آخر، ولكننا مع كل التأكيد لا نستطيع أن نتخلَّى بنفس القدر من اللامبالاة عن العمل النطقي الذي يقوم به الإنسان الفرد، وذلك للأسباب الآتية:

1-

إن تقاليد السماع في الكلام بحكم قِدَمِها، وحداثة تقاليد الكتابة جعلت الكلام المسموع يبدو أكبر أهميةً من الكلام المنظور، ذلك لأنه أدخل في الحياة من الكتابة، وأوغل في سلوك الفرد والمجتمع، حتى لقد زعم بعض العلماء أن التفكير لا يتمّ بدون الكلمات، ولعله قصد بالكلمات هنا ما قصده المتنبي بقوله:

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما

جُعِلَ اللسان على الفؤاد دليلا

2-

إن اعتماد الكلام المنطوق على أساسين أحدهما حركيّ يسمَّى المخارج، والثاني سمعي يسمى الصفات، قد عدد أسس الاختلاف بين الأصوات المنطوقة، فأمكن لهذه الأسس وما بينها وما في خلالها من مقابلات أو قيم خلافية أن تكون منطلقًا مناسبًا للسعي إلى إنشاء نظام صوتي لغوي تستخدم فيه هذه القيم الخلافية بين المخرج والمخرج، وبين الشدة والرخاوة مثلًا، وبين الجهر والهمس، وبين التفخيم والترقيق. أما الحركات الكتابية فلا تتعدد فيها الأسس على هذا النحو، ومن ثَمَّ لا يمكن أن يكون للنظام الكتابي من التركيب والتنوع ما للنظام الصوتي منهما.

3-

إن الكلام المسموع يتَّسِمُ أحيانًا بطابع التضارب بينه وبين الأنظمة اللغوية "أي القواعد" صوتية كانت أو صرفية أو نحوية، وعند ظهور مشاكل

ص: 46

تطبيق الأنظمة على الكلام المنطوق تعمد اللغة إلى تقديم طائفة من الحلول تسمَّى الظواهر الموقعية1 أو المعالم السياقية، وإنَّ اختصاص النطق دون الكتابة بهذه الظواهر يجعل الكلام المسموع أغنَى وأكثر تنوعًا من الكلام المكتوب.

4-

إن وجود النَّبر والتنغيم بالذات -من بين الظواهر المذكورة- في الكلام المسموع دون المكتوب يجعل الأول أقدر في الكشف عن ظلال المعنى ودقائقه من الثاني، ولقد حاولت الكتابة أن تستعيض عن التنغيم بالترقيم، ولكنها لن تعوض النَّبر بوسيلة أخرى، ولم يحاول الكاتبون ذلك.

لهذا كانت دراسة الكلام المنطوق المسموع مقدمة لا بُدَّ منها لدراسة الأنظمة -القواعد- اللغوية، أو بعبارة أخرى: لدراسة اللغة نفسها، وأصبح علم الأصوات تمهيدًا بالملاحظة الحسية لإنشاء علم الصوتيات الذي هو تخطيط عقلي لقواعد الأصوات، بناءً على هذه الملاحظة الحسية.

إذا رأى أحدنا سائق سيارة يصدم أحد المارة وتطوَّع بالشهادة أمام شرطة المرور، فإنه قد يقتصر على وصف الحركة التي أدَّت إلى المصادمة فيقول:"إن السيارة كانت مسرعة على الجانب الفلاني من الطريق، وعبر هذا الشخص الطريق في الوقت الذي كان النور الأخضر فيه مضاءً أمام السيارة، وحاول السائق أن يتوقَّف قبل بلوغ هذا الشخص، ولكنه لم يتمكن". في هذه الحالة يكون وصفه للأحداث غير مختلط بتفسيرها في ضوء قواعد المرور، ولكنه إذا جاء في كلامه بما كان ينبغي لهذا أو ذاك أن يفعله حسب ما تقضي به قوانين المرور، فقد بدأ يتخطَّى مجرد الوصف الحسي إلى ذكر قواعد معينة تُرَاعَى في العادة. وحين كان هذا الشاهد يقصر كلامه على وصف الحركات التي لاحظها فحسب، كان موقفه شبيهًا بموقف الباحث في أصوات اللغة، فهو يلاحظ ما يقوم به الجهاز النطقي لدى المتكلم من حركات، وما يصاحب هذه الحركات من آثار سمعية فيسجل ذلك ويكتفي به. وحين كان الشاهد المذكور يفسِّر موقف السائق وموقف الماشي في ضوء نظام المرور كان عمله

1 انظر الفصل الذي يتناول هذه الظواهر في هذا الكتاب.

ص: 47

شبيهًا بعمل صاحب الصوتيات الذي يهتم من الحركات والآثار النطقية بما لكلٍّ منهما من وظائف، وبما بين كل واحدة منها وبين الأخرى من علاقات، ويضعها جميعًا في إطار فهم معين. فعالم الأصوات مسجل، وعالم الصوتيات مفسِّر ومنظم، وأولهما يلاحظ والثاني يُقَعِّدُ.

فعلم الأصوات دراسة عملية لموضوع مدرَكٍ بالحواس؛ لأن حاسة النظر ترى من حركات الجهاز النطقي حركة الشفتين والفك الأسفل وبعض حركات اللسان، ثم ترى كذلك بعض الحركات المصاحبة التي تقوم بها عضلات الوجه، وحاسَّة السمع تدرك الآثار السمعية المصاحبة لهذه الحركات العضوية، فتميز انحباس الهواء وتسريحه بعد انحباسه، واحتكاكه بأعضاء الجهاز النطقي بسبب تضييق المجرى عند نقطة معينة من هذا الجهاز، وحرية مرور الهواء عند عدم الحبس والتضييق، واختلاف قيمة الصوت عند اختلاف شكل حجرة الرنين، وكون النطق مجهورًا حينًا ومهموسًا حينًا آخر، وهلم جرا مما تستطيع الحواس أن تدركه، سواء أكان الشخص الذي يدرك هذ المحسوسات على معرفة باللغة التي يستعملها المتكلم أم لا. ولا شك أن كل واحد منَّا قد جرّب ذات مرة أن يستمع إلى متكلمٍ بلغة غير مألوفة له أنه لاحظ حركات المتكلم وسمع صوته وما يعرو كلًّا منهما من تغير تدركه الحواس، حتى إنه قد يسلي نفسه أحيانًا بتقليد أصوات هذه اللغة غير المفهومة التي تعتَبر بالنسبة إليه "رطانة".

هذا بالنسبة لمن لا خبرة له بعلم الأصوات، فإذا كان له تدريب في الاستماع والملاحظة والتسجيل والوصف، فإن موقفه -ولو كان يجهل اللغة المسموعة أيضًا- لا بُدَّ أن يلحقه بعض التغيير، وإنه لا يقنع في هذه الحالة بتسلية نفسه بمحاولة تقليد الرطانة، وإنما يصغي إلى ما يسمعه من كلام فيسجّل أصواته بالكتابة الصوتية، ثم يعيد سماعه من شريط تسجيل أو أسطوانة، فيكرر الاستماع إلى الجملة مرات متعددة ليتحقق بذلك من حسن ملاحظته ودقة تسجيله، ثم يصف الأصوات التي سمعها وصفًا علميًّا من الناحيتين الحركية والسمعية، وقد يستخدم في توثيق ملاحظته منهجًا آليًّا مما يستخدم في معمل الأصوات، ولكنه لا يحاول أن ينظم هذه الأصوات في مجموعات تقوم كل مجموعة

ص: 48

-حرف- منها بوظيفة معينة في نظام صوتي؛ لأنه إذا بدا يفعل ذلك فقد تخطَّى علم الأصوات إلى علم الصوتيات، ولكنه يستطيع أن يضع جدولًا للأصوات بحسب مخارجها وصفاتها دون أن يقسمها إلى حروف، أو أن يضع أيّ واحد منه موضعًا تنظيميًّا خاصًّا خارج إطار الملاحظة الخالصة. حتى الجدول الذي وضعه للأصوات لا يعتبر محاولة للتنظيم اللغوي -لأنه كما ذكرنا لا يعرف اللغة- وإنما يعتبر تلخيصًا لعلاقات بين مدركات حسية صوتية تظل تنتظر من يبوبها ويقسمها ويجعل كل قسم منها حرفًا من حروف النظام الصوتي للغة، أو بعبارة أخرى: تنتظر من يرتِّبها في جدول تنظيمي يحكي ما يربطها من علاقات عضوية، أو يفرق بينها من قيم خلافية؛ إذ لا يمكن للأصوات أن تعتبر جزءًا من اللغة إلّا من خلال هذ العلاقات والمقابلات. ومن هنا يتحتّم على من يتصدى لتنظيم الأصوات وتقسيمها إلى حروف أن يكون على قدر من المعرفة باللغة في عمومها أو بمفرداتها على الأقل، وسوف يبدو لنا السبب في اشتراط هذا القدر من المعرفة عند الكلام عن طريقة استنباط هذا النظام الصوتي من المادة الحاضرة، وهي الأصوات المدرَكَة الموصوفة؛ حيث يتمّ الاستنباط بواسطة الاستبدال والحذف والإضافة على نحو ما سنرى.

فإذا كان الأمر كذلك، فكيف كان موقف النحاة العرب من دراسة الأصوات العربية؟

لست أشك لحظة واحدة في أنّ هؤلاء العلماء الأجلاء قد استطاعوا بالملاحظة فقط -ومعها كل الصعوبات التي تواجه الطليعة في العادة- أن يصلوا إلى وصف دقيق للأصوات العربية دون أن يكون لهم من الوسائل الآلية التي يستخدمها المحدثون ما يستطيعون بواسطته توثيق نتائج مدركاتهم الحسية، ولقد بينوا مخارج الأصوات وصفاتها، واشتمل ذلك عند الكثيرين منهم على أصوات غير عربية شاعت في البيئة العربية في القرن الثاني الهجري، وقد سمَّى سيبويه بعض هذه الأصوات الأجنبية وشبهها أصواتًا عربية مشهورة، ووصف ذلك بأنه "غير مستحسن ولا كثير في لغة من ترضى عربيته، ولا يستحسن في قراءة القرآن ولا في الشعر1".

1 كتاب سيبويه "باب الإدغام".

ص: 49

ويظهر أن سيبويه كان على وعي تامٍّ بأن دراسة الأصوات مقدمة لا بُدَّ منها لدراسة اللغة، وأن النظام الصوتي ضروري لمن أراد دراسة النظام الصرفي، بل لعله كان يرى في النظام الصوتي جزءًا لاحقًًا، أو من دراسة الصرف نفسها، حتى إنه حين وضع الدراسات الصوتية تحت عنوان:"باب الإدغام" قد كشف عن وجهة نظره هذه من جهة، وقيد دراسة الأصوات وضيَّق مجالها من جهة خرى. وتأتي دعوى تضييق سيبويه لمجال دراسة الأصوات من أن الإدغام ليس جزءًا من النظام الصوتي، وإنما هو ظاهرة موقعة سياقية ترتبط بمواقع محدَّدة يلتقي في كلٍّ منها صوتان؛ السابق منهما ساكن والتالي متحرك، فإذا تحقَّقت صفات خاصة في الصوتين جميعًا تحققت بذلك ظاهرة الإدغام كما فهمها سيبويه. ولكن سيبويه مهَّد لدراسة الإدغام بدراسة الأصوات العربية تحت العنوان نفسه:"باب الإدغام"، فتناول هذه الأصوات بالوصف من حيث المخرج وطريقة النطق والجهر والهمس والتفخيم والترقيق، ناظرًا إلى الصوت في حالة عزلة عن السياق، تاركًا سلوك الصوت في السياق إلى دراسة الإدغام نفسه، ناهجًا في ذلك كله نهج النحاة -وهو من كبار أئمتهم- عندما درسوا الزمن النحوي؛ حيث نسبوا للصيغة في عزلتها زمنًا صرفيًّا، ولكنهم حين رأوا لها في السياق زمنًا آخر قد لا يطابق الزمن الصرفي جعلوا ينسبون الزمن إلى عناصر غير الأفعال وما جرى مجراها، فقد نسبوه إلى الأدوات وإلى بعض الجهات كالقلب والتنفيس وإلى بعض الظروف كذلك.

ولقد اتجه سيبويه وأصحابه عند النظر في استنباط الحروف من الأصوات اتجاهًا عكس ما يراه المحدثون، فسوف نرى في دراسة الصوتيات أن اتجاه البحث الحديث إنما يكون من الأصوات إلى الحروف؛ إذ ينظم الباحث ما لديه من أصوات جرت ملاحظتها ووصفها فيبوبها إلى مجموعات تسمى كل مجموعة منها حرفًا، وذلك كأن يجمع الأصوات المختلفة الدالة على النون مع

ص: 50

اختلاف المخارج بين هذه الأصوات فيجعلها تحت عنوان واحد هو "حرف النون"، ولكن سيبويه وأصحابه حين تصدَّوا لتحليل الأصوات العربية كان بين أيديهم نظام صوتي كامل معروف ومشهور للغة العربية، وكانت الحروف التي يشتمل عليها هذا النظام قد جرى تطويعها للكتابة منذ زمن طويل، فكان لكل حرفٍ منها رمز كتابي يدل على الحرف في عمومه دون النظر إلى ما يندرج تحته من أصوات، فارتضى سيبويه وأصحابه هذا النظام الصوتي المشهور، واتخذوه نقطة ابتداء في دراستهم للأصوات العربية، ومن هنا رأينا الأصوات العربية التي تحت كل حرف من هذا النظام لا تعدو أن تكون صفة لهذا الحرف، كأن تكون إدغامًا له أو إقلابًا أو إخفاءً أو إمالةً وهلم جرا. وهكذا جاء منهج النحاة في دراسة الأصوات من حيث اتجاه الحركة عكس المنهج الحديث.

ولقد رأى سيبويه -وهو رأي شيوخه وأصحابه كذلك- أن أصول حروف العربية -يقصد الأصوات الرئيسية لحروفها- تبلغ في عددها تسعة وعشرين حرفًا هي:

1-

الهمزة ورمزهاء

2-

الألف ورمزها ا

3-

الهاء ورمزها هـ

4-

العين ورمزها ع

5-

الحاء ورمزها ح

6-

الغين ورمزها غ

7-

الخاء ورمزها خ

8-

الكاف ورمزها ك

9-

القاف ورمزها ق

ص: 51

10-

الضاد ورمزها ض

11-

الجيم ورمزها ج

12-

الشين ورمزها ش

13-

الياء ورمزها ي

14-

اللام ورمزها ل

15-

الراء ورمزها ر

16-

النون ورمزها ن

17-

الطاء ورمزها ط

18-

الدال ورمزها د

19-

التاء ورمزها ت

20-

الصاد ورمزها ص

21-

الزاي ورمزها ز

22-

السين ورمزها س

23-

الظاء ورمزها ظ

24-

الذال ورمزها ذ

25-

الثاء ورمزها ث

26-

الفاء ورمزها ف

27-

الباء ورمزها ب

28-

الميم ورمزها م

29-

الواو ورمزها

وثم يضيف سيبويه إلى ذلك ستة فروع أصلها من التسعة والعشرين، وهي كثيرة -يقصد كثة ورودها في الكلام frequency- يؤخذ بها، وتستحسن في قراءة القرآن والأشعار وهي:

ص: 52

30-

النون الخفية: والذي في كتاب سيبويه هو وصفها بلفظ "الخفيفة"، والمعروف أن النون الخفية غير النون الخفيفة؛ فالخفية هي نون الإخفاء قبل حروف الفم وهي التاء والثاء الجيم والدال والذال والزاي والسين والشين والصاد والضاد والطاء والظاء والفاء والقاف والكاف، وأما الخفيفة فهي إحدى نوني التوكيد، ولها أحكام في الوقف تفردها بطابعٍ خاصٍّ حيث تصير في الوقف ألفًا نحو قفا = قفن.

31-

الهمزة التي بين بين: وهي همزة متحركة تكون بعد ألف أو بعد حركة، فتصير في النطق مجرد خفقة صدرية لا يصاحبها إقفال للأوتار الصوتية نحو:"أأنت قلت للناس"، فإذا كانت الهمزة مفتوحة مكسورًا ما قبلها قلبت ياء، أو مضمومًا ما قبلها قلبت واوًا.

32-

الألف الممالة إمالة شديدة: والمقصود به الألف الجانحة نحو الياء، وهي التي يقرأ بها القراء مثلًا قوله تعالى:{وَالضُّحَى، وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} فيجعلون صوت الألف الأخيرة في "الضحى" و"سجى" كصوت الياء في نطق العامة في مصر لكلمة "بيت".

33-

ألف التفخيم بلغة أهل الحجاز: وهي ألف تستدير في نطقها الشفتان قليلًا مع اتساع الفم نتيجة لحركة الفك الأسفل، ويرتفع مؤخر اللسان قليلًا فيصير الفم في مجموعه حجرة رنين صالحة لإنتاج القيمة الصوتية التي نسميها التفخيم على لغة أهل الحجاز، وهو أوغل في بابه من تفخيم القبائل الأخرى، حتى إن بعض الألفات المفخَّمة على لغة الحجازيين في مثل كلمتي: الصلاة والزكاة، لما جاورت أصواتًا غير مطبقة، فخشي مدونوا القرآن على تفخيم الألف، فلهذا السبب كتبوها في صورة الواو ليعلم القارئ أن هذه الألف مفخمة.

34-

الشين التي كالجيم: وهي الشين المجهورة التي تشبه صوت الجيم في اللهجة السورية واللبنانية، فكان الناطقون بهذه الشين من العرب

ص: 53

يجعلون كلمة أشدق كأنها أجدق، ومثل هذا ما نسمعه في لهجة القاهريين في كلمات مثل الأشغال والأشجار.

35-

الصاد التي كالزاي: وهي صاد مجهورة مفخَّمة تشبه نطق العامة في مصر للظاء في كلمة "ظالم" مثلًا، والقاهريون ينطقون هذه الصاد المجهورة في كلمة "مصدر" كما كان العرب ينطقونها قديمًا، ولكن العرب كانوا ينطقونها من أجل الصاد في مثل: الصقر والصراط كذلك.

ثم يضيف سيبويه إلى ذلك "حروفًا" ثمانية أخرى غير مستحسنة ولا كثيرة frequent في لغة من تُرْتَضَى عربيته، ولا تستحسن في قراءة القرآن ولا في الشعر، ولم يحدد سيبويه بالنسبة لهذه الثمانية ما إذا كانت قاصرة على الكلمات المعرَّبة من اللغات الأجنبية دون الكلمات الأصيلة في العربية، أو أنها كانت توجد في الكلمات الأصيلة كذلك، ولم يذكر سيبويه أيضًا ما إذا كانت هذه الأصوات لحنًا مما أصاب ألسنة العرب بسبب مخالطتهم الموالي، أو أنها وردت على ألسنة الموالي فقط، ثم إنه لم يشر إلى تقدير ما زعمه من كثرة الكثير وقِلَّة القليل في كل ما أورده، وهذ الأصوات الثمانية هي:

36-

الكاف التي بين الجيم والكاف: ولم يمثِّل سيبويه لهذا الصوت، ولكن ابن عصفور في كتابه المقرب1 قال: إن الفعل الماضي "كمل" يصير عند النطق على طريقة هذ الكاف "جمل"، ولكن التمثيل الخطَّي بصورة الجيم غير دقيق؛ لأن الجيم مجهورة، وهذا الصوت من أصوات الكاف لم يفقد همسه وإن أصبح معطشًا كتعطيش الجيم، وهذا الصوت هو الذي يصفه النحاة باصطلاح الكشكشة، وهو شبيه لما في نطق العراقيين لكلمة "كيف".

ويسمع المرء مثل هذه الكاف في كلام بعض سكان المنطقة التي تقع على الحدود بين محافطتي الشرقية والدقهلية في شرق الدلتا.

1 ذكر إدغام المتقاربين.

ص: 54

37-

الجيم التي كالكاف: ولم نجد في كلام سيبويه تمثيلًا لهذه الجيم، ولكن ابن عصور جاء بمثال لها في المقرب أيضًا، إن كلمة "رجل" تصير بهذه الجيم إلى "ركل" ragul، وهو بهذا يجعل هذه الجيم أختًا للجيم القاهرية ومطابقة لها تمامًا.

38-

الجيم التي كالشين: ولم يمثل لها سيبويه، ولكن الواضح أن هذه المشبهة للشين كانت صوتًا من أصوات الجيم لا يرد إلّا في موقع خاصٍّ هو موقعه قبل تاء الافتعال، وقد مثَّل ابن عصفور له بكلمة "اجتمعوا" التي تصير إلى "اشتمعوا"، ونحن نعرف أن الكلمة الفصيحة "اجتر" قد أصبحت بفضل هذا الصوت من أصوات الجيم على صورة "اشتر"، وهكذا شاعت على ألسنة الفلاحين في ريف مصر شمالًا وجنوبًا.

39-

الضاد الضعيفة: ولسنا نجد تمثيلًا لها في كتاب سيبويه، ولم نر فيه شرحًا لطابع ضعفها، ولكننا نعرف أن الضاد الفصيحة كانت تنطق بواسطة احتكاك هواء الزفير المجهور بجانب اللسان والأضراس المقابلة لهذا الجانب، ومن ثَمَّ يكون صوت الضاد الفصيحة من بين أصوات الرخاوة، مثله في ذلك مثل الثاء. ومن هناء وجدنا بعض العرب حين ينطقون كلمة تشتمل على صوت الثاء متلوًّا بحرف مفخم مجهور يحدث في نطق الثاء شيء من عدوى التفخيم والجهر الضعيفة، فتصير الثاء بذلك ضادًا ضعيفة، وقد مثَّل ابن عصفور لها بكلمة "أثر" التي تعتبر "أضر"، مع ملاحظة ما سبق من وصف نطق الضاد.

40-

الصاد التي كالسين: ومع أن سيبويه لم يمثل لهذه الصاد لا نجد صعوبة في تصوّر المراد من هذا الشبه؛ إذ أن الصاد والسين تشتركان في المخرج وفي الصفات كلها إلّا التفخيم والترقيق، فالصاد مفخَّمة والسين مرقَّقة، وهذا هو الفارق الوحيد بينهما، ومن ثَمَّ فإن إحداهما إذا أشبهت الأخرى فلا بُدَّ أن يكون معنى ذلك مشاركتها في الصفة الوحيدة التي فارقتها من جهتها، فإذا أشبهت الصاد السين فإن معنى أن تترك الصاد تفخيمها إلى ترقيق السين

ص: 55

وقد مثَّل ابن عصفور لهذا الصوت من أصوات الصاد بكلمة "صابر" التي تصير "سابر"، ومثل هذه الصاد ما نسمعه اليوم على ألسنة النساء ولا سيما المتشبهات منهن بالأجنبيات.

41-

الطاء التي كالتاء: ولم يمثِّل سيبويه لهذه الطاء أيضًا، ولكن كلامًا شبيهًا بما قيل في وجه الشبه بين الصاد والسين يمكن أن يقال هنا أيضًا في وجه الشبه بين الطاء والتاء، فالمعروف أن التفخيم والترقيق هو أوضح ما يفرق بين الطاء والتاء الآن، فإذا أشبهت الطاء التاء فقدت تفخيمها، وقد مثَّل ابن عصفور1 لهذا الصوت بكلمة "طال" التي تصير إلى صورة "تال"، ونحن نسمع من النساء السابق ذكرهن مثل هذه الطاء في وقتنا الحاضر.

42-

الظاء التي كالثاء: ولم نر مثالًا لها في كتاب سيبويه، ولكن النظر إلى الفارق بين الظاء والثاء يوضح أنهما يختلفان من وجهتين؛ أولاهما: الجهر والهمس، والثانية: التفخيم والترقيق، فإذا أشبهت الظاء الثاء فسيكون معنى ذلك أنها فقدت إما الجهر وإما التفخيم وإما هما معًا. ولقد جاء ابن عصفور بمثال لهذا الصوت فقال: إن كلمة "ظالم" تصير "ثالم"، ونحن قادرون على أن نفهم من مثاله هذا أن الظاء فقدت جهرها وهمست كهمس الثاء، أما التفخيم فمن الصعب في هذا المثال أن نقرر أن الظاء فقدته أو احتفظت به؛ لأن الكتابة العربية لا تصطنع رموزًا للدلالة على التفخيم والترقيق، ومن ثَمَّ لا نستطيع الجزم بأن "ثالم" السابق ذكرها مفخَّمة "الظاء" أو مرققتها.

43-

الباء التي كالفاء: لقد فهمت من كلام سيبويه في هذا الصوت أن الباء التي يعنيها هي ما يسمونه الباء الفارسية، وهي باء مهموسة مثل صوت "P" في اللغات الأجنبية، والمعروف أن العرب كانوا يعربون هذه الباء بقلبها فاء، ومن ثَمَّ أصبحت كلمة "برزده" عند تعريبها "فرزدق"، وكلمة "بالوزه" فالوذج، ولكن ابن عصفور يزعم أن هذه الباء "على ضربين

1 المقرب، ذكر إدغام المتقاربين.

ص: 56

أحدهما لفظ الباء أغلب عليه من لفظ الفاء، والآخر بالعكس نحو بلح".

فهل يقصد بالأول ما يشبه صوت "V"، وبالثاني صوت "P"؟ لعله كذلك.

ومن الواضح أن سيبويه مع تفريقه بين أصول الحروف وفروعها لم يكن يفرّق بين اصطلاحي "الحرف" و"الصوت" على نحو ما يفرّق علم اللغة الحديث بين اصطلاحي phoneme و sound أو allophone، فالحرف لديه يشمل كل ذلك. ومن الواضح أيضًا أن سيبويه جعل الكثير من الأعضاء الثانوية أو الفروع المختلفة للحروف على حد تعبيره أوصافًا تعرو العضو الرئيسي -أو كما يسميه: الأصل، وسمَّى الأوصاف ولم يعدد الأصوات، وكان من بين ما سماها به الإدغام والإقلاب والإخفاء ونحوها، فوصف العضو الرئيسي بأنه مقلب أو مدغم أو مخفي، ولم تعدد الأعضاء الفرعية. ومن الواضح كذلك أن هذه الأعضاء الفرعية يختلف بعضها عن بعض كما تختلف جميعًا عن العضو الرئيسي، إما من حيث المخرج، وإما من حيث طريقة النطق، أو من حيث واحدة أو أكثر من الصفات، وقد أشرنا إلى ذلك عند كلامنا عن النون الخفيفة قبل قليل.

وأحصى سيبويه لمخارج التي تخرج منها الأصوات العربية فعدَّها خمسة عشر مخرجًا هي:

1-

ما بين الشفتين.

2-

باطن الشفة السفلى وأطراف الأسنان.

3-

طرف اللسان وأطراف الثنايا.

4-

طرف اللسان وفويق الثنايا.

5-

طرف اللسان وأصول الثنايا.

6-

ما بين طرف اللسان وفويق الثنايا.

7-

ما بين طرف اللسان وفويق الثنايا أدخل في ظهر اللسان.

8-

حافة اللسان إلى الطرف وما فوقهما.

ص: 57

9-

أول حافّة اللسان وما يليه من الأضراس.

10-

وسط اللسان ووسط الحنك الأعلى.

11-

مؤخر اللسان وما يليه من الحنك الأعلى.

12-

أقصى اللسان وما يليه من الحنك الأعلى.

13-

أدنى الحلق.

14-

وسط الحلق.

15-

اقصى الحلق.

والملاحظ أن طرف اللسان يرد ذكره في المخارج الخمسة ذوات الأرقام 3، 4، 5، 6، 7، وكذلك ترد معه الثنايا مع تباين الجزء الذي يتصل به طرف اللسان منها، ولقد ورد ذكر حافة اللسان في المخرجين 8، 9، وورد ذكر وسط اللسان في رقم 10، ومؤخره في 11، وأقصاه 12، وورد ذكر الحلق في 13، 14، 15 أي: أدناه ووسطه وأقصاه.

أما الصفات فقد قسمها على النحو الآتي:

1-

الشدة والرخاوة وما بينهما، واللين والهوى.

2-

الجهر والهمس.

3-

التفخيم والترقيق.

وجعل الشداد أربعة أقسام:

أ- ما يمتنع معه النفس.

ب- المنحرف.

جـ- الأنفي.

د- المكرر.

وذلك على نحو ما يبدو في الجدول التالي:

ص: 58

سكنر

ص: 59

ولقد كان قراءة سيبويه -ولا يزالون- يجدون صعوبة في فهم مصطلحات سيبويه التي استعملها في تحليله للأصوات العربية، إما لأنهم لا يرون لهذه الاصطلاحات عنصر الأطراد في الدلالة، وإما لأنهم يخلطون بين معناها المعجمي ومعناها الاصطلاحي، وإما لأسباب أخرى، ولكن الأمر الذي لا شك فيه أن كل مَنْ تحدثت إليهم من قراء سيبويه سواء منهم أصحاب الثقافة العربية التقليدية الخالصة، ومن خلطوا بين هذه الثقافة وبين الثقافة الحديثة، يجدون في أنفسهم أشياء من مصطلحات سيبويه في باب الإدغام، حتى ذهب بعضهم إلى أن سيبويه فهم النحو والصرف فهمًا تامًّا عن شيوخه، ولكنه لم يفهم عنهم الأصوات، ومن ثَمَّ لم يستطع أن ينقلها واضحة للناس. ولقد حاولت أن أنظر على مهل في مصطلحات سيبويه التي يستعملها في دراسة الأصوات، فوجدتني أهتدي فيها إلى فهمٍ لعله يكون صائبًا، وسأعرض هذا الفهم فيما يلي:

يستعمل سيبويه طائفة من المصطلحات منها ما لا لبس فيه كالتفخيم والترقيق والأنفي والمكرر والمنحرف وهلم جرا، ومنها ما يعتوره اللبس إما لأنه لا يسمَّى ظاهرة يمكن ضبطها كالإشباع والاعتماد والاستعلاء والاستفال، وإما لأنه يسمّى ظاهرة يمكن ضبطها، ولكنه لا يحددها تحديدًا شافيًا كالجهر والهمس والصوت والنفس والإطباق والانفتاح. وفيما يلي محاولة لاستشفاف ما يقصده سيبويه بهذه المصطلحات، يقول سيبويه:"فالمجهور حرف أشبع الاعتماد في موضعه، ومنع النفس أن يجري معه حتى ينقضي الاعتماد عليه ويجري الصوت، فهذه حال المجهورة في الحلق والفم إلّا النون والميم قد يعتمد لهما في الفم والخياشيم فتصير فيهما غنة"، ثم يقول:"وأما المهموس فهو حرف أضعف الاعتماد في موضعه حتى جرى النفس معه، وأنت تعرف ذلك إذا اعتبرت فرددت الحرف مع جري النفس"، وينبغي لنا هنا أن نسجل الملاحظات الآتية:

1-

يظهر أن الإشباع والإضعاف كما يبدو من المقابلة بينهما ووضوح معنى الثاني منهما -إذ أن معنى الإضعاف سلب القوة- يمكن فهمهما على النحو التالي:

ص: 60

الإشباع = التقوية Strengtheing

الإضعاف = إزالة القوة Weekening

2-

يظهر من إسناد الإشباع والإضعاف إلى "الاعتماد"، واتفاق منع جري الصوت مع إشباع الاعتماد وجري النفس مع إضعاف الاعتماد أن:

الاعتماد = الضغط Pressure

3-

يظهر من استعمال سيبويه لكلمة "موضعه" دون كلمة "مخرجه" في النص السابق، أن المقصود بهذه الكلمة غير المقصود بالأخرى، ويتبع ذلك:

أ- إن الاعتماد له موضع ولا يوصف بأنه له مخرج؛ لأن المخارج عند سيبويه للحروف فقط.

ب- إن الاعتماد يكون من موضعه -والضمير للاعتماد- واقعًا على مخرج الحرف ضاغطًا عليه، فمنشأ الاعتماد وموضعه هو الحجاب الحاجز الضاغط على الرئتين لإفراغ ما فيهما من هواء وهو -أي: الاعتماد أوالضغط- واقع على مخرج الحرف، أي: المكان الذي يتمّ نطقه فيه، ولا يطعن في هذا الفهم قوله عن الميم والنون:"قد يعتمد لهما في الفم والخياشيم فتصير فيهما غنة"؛ لأن حروف الجر يحل بعضها محل بعض، والحرف "في" هنا حلَّ محل "على". أو يكون الاعتماد واقعًا "من" الحجاب الحاجز "على"المخرج الذي يوجد "في" الفم والخياشيم. فإعادة الضمير في كلمة "موضعه" على الاعتماد أولى بأن تجعل المعنى مستقيمًا.

4-

يظهر من عبارة سيبويه القائلة: "ومنع النفس أن يجري معه..... ويجري الصوت" أن هناك نوعًا من التقابل بين النفس وبين الصوت يمكن إيضاحه كما يأتي:

النفس يرتبط بالهمس breath

الصوت يرتبط بالجهر voice

5-

يظهر مما تقدَّم من عبارات سيبويه ومحاولة فهمها:

ص: 61

أ- أن سيبويه لم يكن يعرف وظيفة الأوتار الصوتية في الجهر والهمس، بل لم يكن يعرف حتى تركيب الحنجرة بدليل تسميته إياها أقصى الحلق، واعتباره إياها جزءًا قصيًّا من الحلق.

ب- أنه رأى الجهر نتيجة لتقوية الضغط، كما رأى الهمس نتيجة لإضعافه.

جـ- أن سيبويه مع أحساسه بهذا الضغط "الاعتماد"، لم يكن يعرف مصدره ولا طريقته، ومن ثَمَّ يكون الربط بين هذا وبين الحجاب الحاجز تفسيرنا نحن للظاهرة، وليس تفسير سيويه.

د- أن الجهر مظهره "الصوت"، وأن الهمس مظهر النفس.

فإذا أعدنا تعبير سيبويه مشروحًا على طريقة شراح المتون، أو معبَّرًا عنه بعبارتنا نحن، التي تستعمل مصطلحات حديثة بدت عبارة سيبويه السابقة على النحو التالي.

"فالمجهور صوت شدد الضغط في الحجاب الحاجز معه، ولم يسمح للهواء المهموس أن يجري معه حتى ينتهي الضغط عليه، ولكن يجري الصوت أثناء نطقه، فهذه حال الأصوات المجهورة في الحلق والفم إلّا النون والميم، فقد يتمّ الاعتماد فيهما على مخرجهما في الفم والخياشيم، فتصير فيهما غنة أي: أثر صوتي أنفي مجهور. وأما المهموس فهو صوت أضعف الضغط في موضع الضغط أثناء نطقه حتى جرى الهواء المهموس معه، وأنت تعرف ذلك إذا اعتبرت فرددت الصوت بنطقه مع جري النفس، فإنك لا تسمع له جهرًا".

وهكذا يختلف فهم سيبويه للجهر والهمس عن فهم المحدثين.

ثم يقول سيبويه في معرض الكلام عن الإطباق والانفتاح: "ومنها المطبقة والمنفتحة، فأمّا المطبقة فالصاد والضاد والطاء والظاء، والمنفتحة كلّ ما سوى ذلك من الحروف؛ لأنك لا تطبق لشيء منهنّ لسانك من مواضعهن إلى ما حاذى الحنك الأعلى من اللسان ترفعه إلى الحنك، فإذا وضعت لسانك فالصوت محصور فيما بين اللسان والحنك إلى موضع الحرف".

ثم يقول: "فهذه الأربعة لها موضعان من اللسان".

ص: 62

ويؤخذ من كلام سيبويه هنا الإشارات الآتية:

1-

الإطباق ضد الانفتاح.

2-

الحروف المطبقة هي: ص ض ط ظ.

3-

الحروف المنفتحة كل ما عدا ذلك ومنها: خ غ ق.

4-

إن الأطباق يتم برفع اللسان إلى الحنك الأعلى1.

5-

إن الإطباق يحصر الصوت -ومعناه الأثر السمعي- بين اللسان والحنك، وكأن سيبويه يوشك أن يقول:"وبذلك تتكون حجرة رنين لها شكل معين ينتج عنها أثر سمعي معين هو الذي نسميه التفخيم".

6-

إن اللسان حين يرتفع إلى الحنك الأعلى يكون لهذه الحروف "موضعان من اللسان"، أحدهما: موضع المخرج وهو طرف اللسان، وثانيهما: موضع التفخيم وهو مؤخّر اللسان المرتفع إلى الحنك الأعلى.

7-

التفخيم يلازم الإطباق كما في ص ض ط ظ، ولكنه لا يتوقف عليه كما في خ غ ق2.

وهذه الملاحظات السبع تتفق اتفاقًا تامًّا مع وجهة النظر الحديثة في العملية النطقية الحركية للتفخيم، ومن شاء أن يطّلع على دراسة الأصوات العربية من وجهة النظر هذه فليرجع إليها في كتابنا "مناهج البحث في اللغة" وسيجدها مفصلة في ذلك الكتاب.

1 يقول ابن عصفور في المقرب: "والإطباق أن ترفع لسانك إلى الحنك الأعلى مطبقًا له".

2 "فهي تشارك الحروف المطبقة في الاستعلاء، وهو تصعد اللسان إلى الحنك الأعلى انطبق أو لم ينطبق" ابن عصفور.

ص: 63