الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ، إِلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ، وَعَنْهُ إِلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
مُصَلٍّ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ، وَيُؤَخَّرُ الظُّهْرُ لَا الْمَغْرِبُ، وَأَمَّا الْجُمُعَةُ فَيُسَنُّ تَقْدِيمُهَا مُطْلَقًا، قَالَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ: مَا كُنَّا نُقِيلُ وَلَا نَتَغَدَّى إِلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ، وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ:«كُنَّا نَجْمَعُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ نَرْجِعُ فَنَتْبَعُ الْفَيْءَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، وَتَأْخِيرُهَا لِمَنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ إِلَى بَعْدِ صَلَاتِهَا وَلِمَنْ يَرْمِي الْجَمَرَاتِ حَتَّى يَرْمِيَهَا أَفْضَلَ.
[وَقْتُ صَلَاةِ الْعَصْرِ]
(ثُمَّ الْعَصْرُ) وَهُوَ الْعَشِيُّ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالْعَصْرَانِ الْغَدَاةُ وَالْعَشِيُّ، وَمِنْهُ سُمِّيَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ، وَذَكَرَ الْأَزْهَرِيُّ مِثْلَهُ تَقُولُ: فُلَانٌ يَأْتِي فُلَانًا الْعَصْرَيْنِ، وَالْبَرْدَيْنِ: إِذَا كَانَ يَأْتِيهِ طَرَفَيِ النَّهَارِ، فَكَأَنَّهَا سُمِّيَتْ بِاسْمِ وَقْتِهَا (وَهِيَ الْوُسْطَى) مُؤَنَّثُ الْأَوْسَطِ، وَهُوَ وَالْوَسَطُ: الْخِيَارُ، وَفِي صِفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ مِنْ أَوْسَطِ قَوْمِهِ أَيْ: مِنْ خِيَارِهِمْ، وَلَيْسَتْ بِمَعْنَى مُتَوَسِّطَةٍ، لِكَوْنِ الظُّهْرِ هِيَ الْأُولَى بَلْ بِمَعْنَى الْفُضْلَى، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ» وَلِمُسْلِمٍ «شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ» وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى أَنَّهَا الصُّبْحُ، لِأَنَّهُ لَمْ تَبْلُغْهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي الْعَصْرِ، وَقِيلَ: هِيَ الصُّبْحُ، وَقِيلَ: الظُّهْرُ، وَقِيلَ: الْمَغْرِبُ، لِأَنَّهَا وِتْرُ النَّهَارِ، وَلَا تُقْصَرُ، وَقِيلَ: هِيَ الْعِشَاءُ، وَقِيلَ: إِحْدَى الْخَمْسِ مُبْهَمَةٌ، وَقِيلَ: جميعها، وقيل الْجُمُعَةُ.
(وَوَقْتُهَا مِنْ خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ) وَهُوَ إِذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ سِوَى فَيْءِ الزَّوَالِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ بِخُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ مِنْ غَيْرِ فَاصِلٍ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ، هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ:«أَنَّ جِبْرِيلَ صَلَّى بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْعَصْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ» وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ و" التَّلْخِيصِ " أَنَّ بَيْنَهُمَا وَقْتًا فَاصِلًا، فَلَا تَجِبُ إِلَّا بَعْدَ الزِّيَادَةِ، وَآخِرُ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ (إِلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ) فِي رِوَايَةٍ نَقَلَهَا
مِثْلَيْهِ، ثُمَّ يَذْهَبُ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ وَيَبْقَى وَقْتُ الضَّرُورَةِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهَا فِي " الشَّرْحِ " وَابْنُ تَمِيمٍ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهِيَ أَظْهَرُ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَعَنْهُ: إِلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ) سِوَى ظِلِّ الزَّوَالِ إِنْ كَانَ، وَهِيَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَكَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَقَدَّمَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْفُرُوعِ " لِأَنَّ جِبْرِيلَ صَلَّاهَا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، وَقَالَ:«الْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ» وَفِي " التَّلْخِيصِ " أَنَّ مَا بَيْنَهُمَا وَقْتُ جَوَازٍ، ثُمَّ هُوَ وَقْتُ ضَرُورَةٍ إِلَى غُرُوبِهَا، وَفِي " الْكَافِي " أَنَّهُ إِذَا خَرَجَ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ بَقِيَ وَقْتُ الْجَوَازِ إِلَى الْغُرُوبِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَظَاهِرُ " الرَّوْضَةِ " أَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ يَخْرُجُ بِالْكُلِّيَّةِ بِخُرُوجِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ (ثُمَّ يَذْهَبُ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ) وَهُوَ الَّذِي يَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إِلَى آخِرِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَجَزَمَ فِي " الْمُحَرَّرِ " و " الشَّرْحِ " أَنَّهُ لَا يَحِلُّ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ إِلَّا لِعُذْرٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِمَا الْكَرَاهَةُ (وَيَبْقَى وَقْتُ الضَّرُورَةِ) وَهُوَ الَّذِي تَقَعُ الصَّلَاةُ فِيهِ أَدَاءً، وَيَأْثَمُ فَاعِلُهَا بِالتَّأْخِيرِ إِلَيْهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ (إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ) لِأَنَّ مُقْتَضَى الْأَحَادِيثِ ذَهَابُ الْوَقْتِ بَعْدَ مَا ذُكِرَ فِيهَا تَرْكُ الْعَمَلِ بِهِ فِي الْإِدْرَاكِ قَبْلَ غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ، فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَاهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ يَبْقَى إِلَى الْغُرُوبِ فِي حَقِّ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ، هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لِقَوْلِهِ عليه السلام:«مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْعَصْرِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ
وَتَعْجِيلُهَا أَفْضَلُ بِكُلِّ حَالٍ.
ثُمَّ الْمَغْرِبُ، وَهِيَ الْوِتْرُ، وَوَقْتُهَا مِنْ مَغِيبِ الشَّمْسِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ إِلَّا فِي الْإِثْمِ، وَعَدَمِهِ، فَالْمَعْذُورُ لَهُ التَّأْخِيرُ، وَغَيْرُهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَيَأْثَمُ بِهِ، وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَابْنِ أَبِي مُوسَى أَنَّ الْإِدْرَاكَ مُخْتَصٌّ بِمَنْ لَهُ ضَرُورَةٌ، كَحَائِضٍ طَهُرَتْ، وَصَبِيٍّ بَلَغَ، وَمَجْنُونٍ أَفَاقَ، وَنَائِمٍ اسْتَيْقَظَ، وَذِمِّيٍّ أَسْلَمَ، وَألْحقَ ابن عبدوس بِهِ الْخَبَّازُ، وَالطَّبَّاخُ، وَالطَّبِيبُ إِذَا خَشَوْا تَلَفَ ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ لَا يُدْرِكُهَا بِذَلِكَ، بَلْ تَفُوتُ بِفَوَاتِ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ، وَتَقَعُ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ قَضَاءً، وَقَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ أَحَدُ احْتِمَالَيِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَوَجَّهَهُ الزَّرْكَشِيُّ (وَتَعْجِيلُهَا) فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ (أَفْضَلُ بِكُلِّ حَالٍ) وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِمَا رَوَى أَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الْعَصْرَ، ثُمَّ يَرْجِعُ أَحَدُنَا إِلَى رَحْلِهِ فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ، وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ» وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: «كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ نَنْحَرُ الْجَزُورَ، ثُمَّ يُقَسَّمُ لَحْمُهَا عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ، ثُمَّ تُطْبَخُ فَنَأْكُلُ لَحْمًا نَضِيجًا قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، وَالْأَحَادِيثُ الثَّابِتَةُ تَدُلُّ عَلَى هَذَا، فَمِنْهَا: مَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ مَرْفُوعًا أَنَّهُ قَالَ: «الْوَقْتُ الْأَوَّلُ مِنَ الصَّلَاةِ رِضْوَانُ اللَّهِ، وَالْوَقْتُ الْآخِرُ عَفْوُ اللَّهِ» وَعَنْهُ: مَعَ غَيْمٍ نَقَلَهُ صَالِحٌ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَلَفْظُ رِوَايَتِهِ: يُؤَخَّرُ الْعَصْرُ أَحَبُّ إِلَيَّ، آخِرُ وَقْتِ الْعَصْرِ عِنْدِي مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ. فَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا.
تَنْبِيهٌ: قَدِ اسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ مِنَ الصَّلَوَاتِ مَا لَهُ إِلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ كَالظُّهْرِ، وَالْمَغْرِبِ، وَالْفَجْرِ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَمَالَهُ ثَلَاثَةٌ كَالْعَصْرِ، وَالْعِشَاءِ وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَجَوَازٍ وَضَرُورَةٍ، وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّ لَهَا وَقْتَ فَضِيلَةٍ، وَوَقْتَ اخْتِيَارٍ عَلَى الْخِلَافِ، وَوَقْتَ جَوَازٍ عَلَى قَوْلٍ، وَوَقْتَ كَرَاهَةٍ أَيْ: تَأْخِيرُهَا إِلَى الِاصْفِرَارِ، وَوَقْتَ تَحْرِيمِ التَّأْخِيرِ إِلَيْهِ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يَبْقَى مَا لَا يَسَعُ الصَّلَاةَ.