الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى الْعِمَامَةِ الْمُحَنَّكَةِ إِذَا كَانَتْ سَاتِرَةً لِجَمِيعِ الرَّأْسِ إِلَّا مَا جَرَتِ الْعَادَةُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
خُفَّيْهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ اسْتِيعَابُ الْخُفِّ بِالْمَسْحِ بَلِ الْوَاجِبُ مَسْحُ أَكْثَرِ أَعْلَاهُ أَيْ: أَكْثَرِ ظَهْرِ الْقَدَمِ، وَقِيلَ: قَدْرَ النَّاصِيَةِ مِنَ الرَّأْسِ، وَقِيلَ: هُوَ الْمَذْهَبُ، وَقِيلَ: يَجِبُ جَمِيعُهُ، لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ مَغْسُولٍ (فَيَضَعُ يَدَهُ) مُعْوَجَّةَ الْأَصَابِعِ، وَيُسْتَحَبُّ تَفْرِيجُهَا (عَلَى الْأَصَابِعِ) أَيْ: عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ (ثُمَّ يَمْسَحُ إِلَى سَاقِهِ) هَذَا صِفَةُ الْمَسْحِ الْمَسْنُونِ، وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ، الْيُمْنَى بِالْيُمْنَى، وَالْيُسْرَى بِالْيُسْرَى، قَالَ فِي " الْبُلْغَةِ ": وَيُقَدِّمُ الْيُمْنَى، وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى خُفِّهِ الْأَيْمَنِ، وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى خُفِّهِ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ مَسَحَ إِلَى أَعْلَاهُ مَسْحَةً وَاحِدَةً» فَلَيْسَ فِيهِ تَقَدُّمٌ، فَلَوْ مَسَحَ مِنْ سَاقِهِ إِلَى أَسْفَلَ جَازَ، قَالَ أَحْمَدُ: كَيْفَمَا فَعَلْتَ فَهُوَ جَائِزٌ، نَعَمْ لَوْ مَسَحَهُ بِخِرْقَةٍ، أَوْ خَشَبَةٍ، أَوْ أُصْبُعٍ، أَوْ غَسَلَهُ، فَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ الْمَسْحِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، لِقَوْلِهِ مَسْحَةً وَاحِدَةً، لِأَنَّهُ يُوهِنُهُ وَيُخْلِقُهُ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ، بَلْ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ: يُكْرَهُ.
[الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ الْمُحَنَّكَةِ]
(وَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ الْمُحَنَّكَةِ) وَهِيَ الَّتِي يُدَارُ مِنْهَا تَحْتَ الْحَنَكِ لَوْثٌ أَوْ لَوْثَانِ وَنَحْوُهُ، وَهَذِهِ كَانَتْ عِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى عَهْدِهِ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ أَكْثَرُ سَتْرًا مِنْ غَيْرِهَا، وَيَشُقُّ نَزْعُهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ لَهَا ذُؤَابَةٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ، قَالَهُ الْقَاضِي، صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً (إِذَا كَانَتْ سَاتِرَةً لِجَمِيعِ الرَّأْسِ إِلَّا مَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِكَشْفِهِ) كَمُقَدَّمِ رَأْسِهِ،
بِكَشْفِهِ، وَلَا يَجُوزُ عَلَى غَيْرِ الْمُحَنَّكَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ ذَاتَ ذُؤَابَةٍ، فَيَجُوزُ فِي أَحَدِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَجَوَانِبِهِ، وَالْأُذُنَيْنِ إِذَا قُلْنَا: إِنَّهُمَا مِنْهُ، لِأَنَّهُ يَشُقُّ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، فَعُفِيَ عَنْهُ، بِخِلَافِ خَرْقِ الْخُفِّ، وَيُشْتَرَطُ لِمَا ذَكَرَهُ أَنْ تَكُونَ مُبَاحَةً، فَلَوْ كَانَتْ مَغْصُوبَةً، أَوْ حَرِيرًا لَمْ تُبَحْ، وَأَمَّا الطَّهَارَةُ وَالتَّوْقِيتُ فَقَدْ تَقَدَّمَا، وَهَذَا خَاصٌّ بِالرِّجْلِ، فَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا تَمْسَحُ عَلَيْهَا، لِأَنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنِ التَّشَبُّهِ بِالرِّجَالِ فِي حَقِّهَا، وَفِيهِ وَجْهٌ: تَمْسَحُ عَلَيْهَا لِضَرَرٍ بِهَا، وَإِنْ كَانَ تَحْتَ الْعِمَامَةِ قَلَنْسُوَةٌ يَظْهَرُ بَعْضُهَا، فَالظَّاهِرُ جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَيْهِمَا، لِأَنَّهُمَا صَارَا كَالْعِمَامَةِ الْوَاحِدَةِ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "(وَلَا يَجُوزُ عَلَى غَيْرِ الْمُحَنَّكَةِ) يَعْنِي إِذَا كَانَتْ صَمَّاءَ، لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ عِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَشُقُّ نَزْعُهَا، أَشْبَهَتِ الطَّاقِيَّةَ، وَالْكِلَّةَ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْ لُبْسِهَا، وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِالتَّلَحِّي، وَنَهَى عَنْ الِاقْتِعَاطِ» رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَالِاقْتِعَاطُ: أَنْ لَا يَكُونَ تَحْتَ الْحَنَكِ مِنْهَا شَيْءٌ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كَانَ أَبِي يَكْرَهُ أَنْ يَعْتَمَّ الرَّجُلُ بِالْعِمَامَةِ، وَلَا يَجْعَلَهَا تَحْتَ حَنَكِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ: أَنَّهُ كَرِهَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً، وَقَالَ: إِنَّمَا يَعْتَمُّ مِثْلَ هَذَا الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ، وَغَيْرُهُ، وَجْهًا بِالْجَوَازِ، قَالُوا: لَمْ يُفَرِّقْ أَحْمَدُ، وَفِي " مُفْرَدَاتِ " ابْنِ عَقِيلٍ: هُوَ مَذْهَبُهُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ هِيَ كَالْقَلَانِسِ الْمُبَطَّنَةِ، وَأَوْلَى، لِأَنَّهَا فِي السَّتْرِ، وَمَشَقَّةِ النَّزْعِ لَا تَقْصُرُ عَنْهَا (إِلَّا أَنْ تَكُونَ ذَاتَ ذُؤَابَةٍ) بِضَمِّ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هِيَ مِنَ الشَّعَرِ، وَالْمُرَادُ هُنَا طَرَفُ الْعِمَامَةِ الْمَرْخِيِّ، سُمِّيَ ذُؤَابَةً مَجَازًا (فَيَجُوزُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) اخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ لِأَنَّ إِرْخَاءَ الذُّؤَابَةِ مِنَ السُّنَّةِ، قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ: يَنْبَغِي أَنْ يُرْخِيَ خَلْفَهُ مِنْ عِمَامَتِهِ، كَمَا جَاءَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَعْتَمُّ، وَيُرْخِيهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:«عَمَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَبْدَ الرَّحْمَنِ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ، وَأَرْخَاهَا مِنْ خَلْفِهِ قَدْرَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ» ، وَلِأَنَّهَا لَا تُشْبِهُ عَمَائِمَ أَهْلِ
الْوَجْهَيْنِ وَيُجْزِئُ مَسْحُ أَكْثَرِهَا، وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ إِلَّا مَسْحُ جَمِيعِهَا.
وَيَمْسَحُ عَلَى
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الذِّمَّةِ، وَالثَّانِي: لَا، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَهُوَ ظَاهِرُ " الْوَجِيزِ " لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهَا، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَطَاوُسٍ، وَالْحَسَنِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَشُقُّ نَزْعُهَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْفُرُوعِ "(وَيُجْزِئُ مَسْحُ أَكْثَرِهَا) قَدَّمَهُ جَمَاعَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ " لِأَنَّهَا مَمْسُوحَةٌ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ، فَأَجْزَأَ بَعْضُهَا كَالْخُفِّ، وَيَخْتَصُّ ذَلِكَ بِأَكْوَارِهَا، وَهِيَ دَوَائِرُهَا، قَالَهُ الْقَاضِي، فَإِنْ مَسَحَ وَسَطَهَا فَقَطْ أَجْزَأَهُ فِي وَجْهٍ كَمَا يُجْزِئُ بَعْضُ دَوَائِرِهَا، وَفِي آخَرَ: لَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ مَسَحَ أَسْفَلَ الْخُفِّ وَحْدَهُ (وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ إِلَّا مَسْحُ جَمِيعِهَا) قِيلَ: إِنَّهُ الصَّحِيحُ، وَأَخَذَهُ مِنْ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: يَمْسَحُ الْعِمَامَةَ كَمَا يَمْسَحُ رَأْسَهُ، لَكِنْ قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ التَّشْبِيهَ فِي صِفَةِ الْمَسْحِ دُونَ الِاسْتِيعَابِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ التَّشْبِيهَ فِي الِاسْتِيعَابِ فَيَخْرُجُ فِيهَا مِنَ الْخِلَافِ مَا فِي وُجُوبِ اسْتِيعَابِ الرَّأْسِ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ: أَظْهَرُهُمَا وُجُوبُهُ فِيهِ، فَكَذَا هُنَا، وَلِأَنَّهَا بَدَلٌ مِنْ جِنْسِ الْمُبْدَلِ، فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِهِ، كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ عِوَضًا عَنْهَا إِذَا عَجَزَ عَنْهَا، بِخِلَافِ التَّسْبِيحِ، وَبِهِ يُجَابُ عَنْ مَسْحِ بَعْضِ الْخُفِّ.
فَرْعٌ: مَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِكَشْفِهِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِ مَعَ الْعِمَامَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ عليه السلام مَسَحَ عَلَى عِمَامَتِهِ، وَنَاصِيَتِهِ، وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ عَنِ الْوُجُوبِ، وَالْأَصَحُّ عَدَمُهُ، لِأَنَّ الْفَرْضَ انْتَقَلَ إِلَى الْعِمَامَةِ، فَلَمْ يَبْقَ لِمَا ظَهَرَ حُكْمٌ، وَفِي " الْمُغْنِي "،