الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ
وَهُوَ الشَّرْطُ الْخَامِسُ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ إِلَّا فِي حَالِ الْعَجْزِ عَنْهُ، وَالنَّافِلَةُ عَلَى
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
تَصِحُّ عَلَى ظَهْرِهَا، وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ فِيهَا إِنْ نُقِضَ الْبِنَاءُ، وَصَلَّى إِلَى الْمَوْضِعِ، وَالْحِجْرُ مِنْهَا، نُصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ سِتَّةُ أَذْرُعٍ وَشَيْءٌ فَيَصِحُّ التَّوَجُّهُ إِلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ: لَا، وَقَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي فِي الْمَكِّيِّ، وَيُسَنُّ النَّفْلُ فِيهِ، وَالْفَرْضُ كَدَاخِلِهَا فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ.
مَسْأَلَةٌ: يُسْتَحَبُّ نَفْلُهُ فِيهَا، وَعَنْهُ: لَا، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: يُصَلِّي فِيهَا إِذَا دَخَلَ وَجَاهَةً، كَذَا فَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَا يُصَلِّي حَيْثُ شَاءَ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ يَقُومُ كَمَا قَامَ عليه السلام بَيْنَ الْأُسْطُوَانَتَيْنِ.
[بَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ]
[حُكْمُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ]
بَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ.
قَالَ الْوَاحِدِيُّ: الْقِبْلَةُ الْوُجْهَةُ، وَهِيَ الْفِعْلَةُ مِنَ الْمُقَابَلَةِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: مَا لَهُ قِبْلَةٌ وَلَا دُبْرَةٌ، إِذَا لَمْ يَهْتَدِ لِجِهَةِ أَمْرِهِ، وَأَصْلُ الْقِبْلَةِ فِي اللُّغَةِ: الْحَالَةُ الَّتِي يُقَابِلُ الشَّيْءُ غَيْرَهُ عَلَيْهَا، كَالْجِلْسَةِ لِلْحَالِ الَّتِي يُجْلَسُ عَلَيْهَا، إِلَّا أَنَّهَا الْآنَ صَارَتْ كَالْعَلَمِ لِلْجِهَةِ الَّتِي يَسْتَقْبِلُهَا الْمُصَلِّي، وَسُمِّيَتْ قِبْلَةً لِإِقْبَالِ النَّاسِ عَلَيْهَا، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يُقَابِلُهَا، وَهِيَ تُقَابِلُهُ (وَهُوَ الشَّرْطُ الْخَامِسُ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] قَالَ عَلِيٌّ: شَطْرَهُ قِبَلَهُ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ:«بَيْنَمَا النَّاسُ بِقُبَاءَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَاخْتُلِفَ هَلْ كَانَتْ شِرْعَةُ التَّوَجُّهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِالْمَدِينَةِ بِالسُّنَّةِ أَوِ الْقُرْآنِ؛ عَلَى قَوْلَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنِ الْحَسَنِ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَالرَّبِيعِ، وَعِكْرِمَةَ أَنَّهُ كَانَ بِرَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِصَلَاتِهِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَسُئِلَ عَنْهَا ابْنُ عَقِيلٍ فَقَالَ: الْجَوَابُ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي خَيْثُمَةَ فِي " تَارِيخِهِ " أَنَّهُ قِيلَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم -
الرَّاحِلَةِ فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ، وَهَلْ يَجُوزُ التَّنَفُّلُ لِلْمَاشِي؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
صَلَّى إِلَى الْكَعْبَةِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَصَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِالْمَدِينَةِ (إِلَّا فِي حَالِ الْعَجْزِ عَنْهُ) كَالْمَرْبُوطِ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَالْمَصْلُوبِ وَنَحْوِهِمَا، لِأَنَّهُ شَرْطٌ عَجَزَ عَنْهُ فَسَقَطَ كَالْقِيَامِ، وَمِنْهُ: إِذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ عِنْدَ الْتِحَامِ الْحَرْبِ، وَيَأْتِي (وَالنَّافِلَةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي السَّفَرِ) هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ قَطْعِ الْمَسَافَةِ، وَجَمْعُهُ أَسْفَارٌ سُمِّيَ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ يُسْفِرُ عَنْ أَخْلَاقِ الرِّجَالِ، قَالَهُ ثَعْلَبٌ (الطَّوِيلُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ لِكُلِّ مَنْ سَافَرَ سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ أَنْ يَتَطَوَّعَ عَلَى دَابَّتِهِ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ (وَالْقَصِيرُ) هُوَ مُغْنٍ عَنِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ فِي الْقَصِيرِ جَازَ فِي الطَّوِيلِ مِنْ بَابٍ أَوْلَى، وَجَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] قَالَ ابْنُ عُمَرَ: نَزَلَتْ فِي التَّطَوُّعِ خَاصَّةً، وَلِمَا رَوَى هُوَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُسَبِّحُ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ، يُومِئُ بِرَأْسِهِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِلْبُخَارِيِّ إِلَّا الْفَرَائِضَ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ طَوِيلِ السَّفَرِ وَقَصِيرِهِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ فِي التَّطَوُّعِ، لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إِلَى تَقْلِيلِهِ أَوْ قَطْعِهِ، فَاسْتَوَيَا فِيهِ إِذَا كَانَ مُبَاحًا، زَادَ فِي " التَّلْخِيصِ " وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمَا: إِذَا كَانَ يَقْصِدُ جِهَةً مُعَيَّنَةً لَا مِنْ رَاكِبِ التَّعَاسِيفِ، وَيُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَهُوَ أَخْفَضُ مِنْ رُكُوعِهِ، هَذَا إِذَا كَانَ الرَّاكِبُ يَحْفَظُ نَفْسَهُ بِفَخْذَيْهِ وَسَاقَيْهِ كَرَاحِلَةِ الْقَتْبِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ فِي الْهَوْدَجِ وَالْعَمَارِيَّةِ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ الِاسْتِقْبَالُ في جميعها وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ لَزِمَهُ كراكب السفينة، لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ غَيْرُ مُشِقٍّ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ دُونَهُمَا لَزِمَهُ وَأَوْمَأَ بِهِمَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الآمديُّ: لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، لِأَنَّ الرُّخْصَةَ الْعَامَّةَ يَسْتَوِي فِيهَا مَنْ وُجِدَتْ فِيهِ الْمَشَقَّةُ وَغَيْرُهُ، كَالْقَصْرِ وَالْجَمْعِ، وَلَعَلَّهُ موافق لظاهر كَلَامه، وَيُعْتَبَرُ طَهَارَةُ مَحَلِّهِ نَحْوَ سَرْجٍ وَرِكَابٍ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمَرْكُوبِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَعِيرًا أَوْ غَيْرَهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْحَضَرِ عَلَى الْمَذْهَبِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ عليه السلام، وَعَنْهُ: يَجُوزُ لِلسَّائِرِ الرَّاكِبِ خَارِجَ الْمِصْرِ، فَعَلَهُ أَنَسٌ، لِأَنَّهُ رَاكِبٌ أَشْبَهَ الْمُسَافِرَ.
(وَهَلْ يَجُوزُ
افْتِتَاحُ الصَّلَاةِ إِلَى الْقِبْلَةِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَالْفَرْضُ فِي الْقِبْلَةِ إِصَابَةُ الْعَيْنِ لِمَنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
التَّنَفُّلُ لِلْمَاشِي) فِي السَّفَرِ سَائِرًا (عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: لَا يَجُوزُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، و" الْوَجِيزِ " لِأَنَّ الرُّخْصَةَ وَرَدَتْ فِي الرَّاكِبِ، وَالْمَاشِي بِخِلَافِهِ، لِأَنَّهُ يَأْتِي فِي الصَّلَاةِ بِمَشْيٍ مُتَتَابِعٍ وَعَمَلٍ كَثِيرٍ فَلَمْ يَصِحَّ الْإِلْحَاقُ، وَالثَّانِيَةُ: نَقَلَهَا الْمُثَنَّى بْنُ جَامِعٍ يَجُوزُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَفِي " الْفُرُوعِ " لِأَنَّ الصَّلَاةَ أُبِيحَتْ لِلرَّاكِبِ لِئَلَّا يَنْقَطِعَ عَنِ الْقَافِلَةِ فِي السَّفَرِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْمَاشِي.
فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَفْتَتِحَهَا إِلَى الْقِبْلَةِ إِذَا أَمْكَنَهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ بِالْأَرْضِ إِلَيْهِمَا لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ، وَيَفْعَلُ مَا سِوَى ذَلِكَ مَاشِيًا إِلَى جِهَةِ سَيْرِهِ، وَقِيلَ: يُومِئُ بِهِمَا سَيْره، وَقِيلَ: مَا سِوَى الْقِيَامِ يَفْعَلُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ غَيْرَ مَاشٍ.
(وَإِنْ أَمْكَنَهُ) أَيِ: الرَّاكِبَ (افْتِتَاحُ الصَّلَاةِ) أَيْ: بِالْإِحْرَامِ (إِلَى الْقِبْلَةِ) بِالدَّابَّةِ أَوْ بِنَفْسِهِ كَرَاكِبِ رَاحِلَةٍ مُنْفَرِدَةٍ تُطِيعُهُ (فَهَلْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: يَلْزَمُهُ بِلَا مَشَقَّةٍ جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَنَقَلَهُ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ الْمَذْهَبُ، لِمَا رَوَى أَنَسٌ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا سَافَرَ وَأَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ اسْتَقْبَلَ بِنَاقَتِهِ الْقِبْلَةَ، فَكَبَّرَ ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ كَانَ وُجْهَةُ رِكَابِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَهَذَا لَفْظُهُ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَلِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ ابْتِدَاءُ الصَّلَاةِ إِلَى الْقِبْلَةِ فَلَزِمَهُ، وكراكب السفينة، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَلْزَمُهُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَرَجَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ، وَلِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَلِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنَ الصَّلَاةِ أَشْبَهَ سَائِرَهَا، وَيُحْمَلُ الْخَبَرُ الْأَوَّلُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُمْكِنُهُ اسْتِقْبَالُهَا بِهِ كَرَاكِبِ رَاحِلَةٍ لَا تُطِيعُهُ، أَوْ جَمَلٍ مَقْطُورٍ لَا يُمْكِنُهُ إِدَارَتُهُ، لَمْ يَلْزَمْهُ، لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْهُ، أَشْبَهَ الْخَائِفَ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِذِكْرِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إِذَا أَمْكَنَهُ مِنْ غَيْرِ
قَرُبَ مِنْهَا، وَإِصَابَةُ الْجِهَةِ لِمَنْ بَعُدَ عَنْهَا، فَإِنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ بِخَبَرٍ ثِقَةٍ عَنْ يَقِينٍ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
مَشَقَّةٍ، نُصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ كَسَفِينَةٍ، قَالَهُ جَمَاعَةٌ، فَدَلَّ أَنَّهُ وِفَاقٌ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ، وَذَكَرَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " رِوَايَةٌ لِلتَّسَاوِي فِي الرُّخَصِ الْعَامَّةِ فَدَلَّ أَنَّ السَّفِينَةَ كَذَلِكَ كَالْمِحَفَّةِ.
تَذْنِيبٌ: إِذَا نَذَرَ الصَّلَاةَ عَلَيْهَا جَازَ، وَذَكَرَ الْقَاضِي قَوْلًا: لَا، فَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ مَنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي الْكَعْبَةِ.
1 -
فَرْعٌ: إِذَا عُذِرَ مَنْ عَدَلَتْ بِهِ دَابَّتُهُ عَنْ جِهَةِ سَيْرِهِ، أَوْ عَدَلَ هُوَ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَطَالَ، بَطَلَتْ، وَقِيلَ: لَا، فَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ كَسَاهٍ، وَإِنْ لَمْ يُعْذَرْ بِأَنْ عَدَلَتْ دَابَّتُهُ، وَأَمْكَنَهُ رَدُّهَا، أَوْ عَدَلَ إِلَى غَيْرِهَا مَعَ عِلْمِهِ، بَطَلَتْ، وَكَذَا إِنِ انْحَرَفَ عَنْ جِهَةِ سَيْرِهِ فَصَارَ قَفَاهُ إِلَى الْقِبْلَةِ عَمْدًا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَا انْحَرَفَ إِلَيْهِ جِهَةَ الْقِبْلَةِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَإِنْ وَقَفَتْ دَابَّتُهُ تَعَبًا أَوْ مُنْتَظِرًا رُفْقَةً أَوْ لَمْ يَسِرْ كَسَيْرِهِمْ أَوْ نَوَى النُّزُولَ بِبَلَدٍ دَخَلَهُ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَإِنْ نَزَلَ فِي أَثْنَائِهَا نَزَلَ مُسْتَقْبِلًا وَأَتَمَّهَا، نُصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَقَامَ فِي أَثْنَائِهَا أَتَمَّ صَلَاةَ مُقِيمٍ، وَإِنْ رَكِبَ مَاشٍ فِيهَا أَتَمَّهَا، وَالْمُقَدَّمُ بُطْلَانُهَا.
1 -
(وَالْفَرْضُ فِي الْقِبْلَةِ إِصَابَةُ الْعَيْنِ) أَيْ: عَيْنِ الْكَعْبَةِ (لِمَنْ قَرُبَ مِنْهَا) وَهُوَ مَنْ كَانَ مُعَايِنًا لَهَا، أَوْ نَاشِئًا بِمَكَّةَ، أَوْ كَثُرَ مَقَامُهُ فِيهَا، فَيَلْزَمُهُ بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْ بَدَنِهِ عَنْهَا، نُصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى التَّوَجُّهِ إِلَى عَيْنِهَا قَطْعًا، فَلَمْ يَجُزِ الْعُدُولُ عَنْهُ وَالتَّوَجُّهُ إِلَيْهَا ظَنًّا، فَعَلَى هَذَا لَوْ خَرَجَ بِبَعْضِ بَدَنِهِ عَنْ مَسَامِتِهَا، لَمْ تَصِحَّ، وَقِيلَ: بَلَى فَإِنْ كَانَ ثَمَّ حَائِلٌ أَصْلِيٌّ مِنْ جَبَلٍ وَنَحْوِهِ، وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ التَّعْيِينُ، اجْتَهَدَ إِلَى عَيْنِهَا، وَعَنْهُ: أَوْ إِلَى جِهَتِهَا، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ إِنْ تَعَذَّرَ فَكَبَعِيدٍ، وَلَا يَضُرُّ عُلُوٌّ عَلَيْهَا، وَلَا نُزُولٌ عَنْهَا إِذَا أَخْرَجَهُ ذَلِكَ عَنْ بِنَائِهَا، وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ مَوْضِعِهَا، لِأَنَّ الْوَاجِبَ اسْتِقْبَالُهَا.
تَنْبِيهٌ: حُكْمُ مَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ فِي اسْتِقْبَالِ قِبْلَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حُكْمُ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ، لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى الْخَطَأِ، وَقَالَ صَاحِبُ " النَّظْمِ " وَكَذَا مَسْجِدُ الْكُوفَةِ لِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ، لَكِنْ قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": فِي قَوْلِ الْأَصْحَابِ نَظَرٌ، فَإِنَّ صَلَاةَ الصَّفِّ الْمُسْتَطِيلِ فِي مَسْجِدِهِ عَلَيْهِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
السَّلَامُ صَحِيحَةٌ، مَعَ خُرُوجِ بَعْضِهِمْ عَنِ اسْتِقْبَالِ عَيْنِ الْكَعْبَةِ، لِكَوْنِ الصَّفِّ أَطْوَلَ مِنْهَا، وَقَوْلُهُمْ: إِنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى الْخَطَأِ صَحِيحٌ لَكِنْ إِنَّمَا الْوَاجِبُ عَلَيْهِ اسْتِقْبَالُ الْجِهَةِ، وَقَدْ فَعَلَهُ (وَإِصَابَةُ الْجِهَةِ لِمَنْ بَعُدَ عَنْهَا) جَزَمَ بِهِ فِي " الْكَافِي " و" الْوَجِيزِ " وَقَدَّمَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " و" الْمُحَرَّرِ " و" الْفُرُوعِ " وَهُوَ الْمَذْهَبُ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَحَكَاهُ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَلِأَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ الِاثْنَيْنِ الْمُتَبَاعِدَيْنِ يَسْتَقْبِلَانِ قِبْلَةً وَاحِدَةً، وَعَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ الصَّفِّ الطَّوِيلِ عَلَى خَطٍّ مُسْتَوٍ.
لَا يُقَالُ: مَعَ الْبُعْدِ يَتَّسِعُ الْمُحَاذِي، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَتَّسِعُ مَعَ التَّقَوُّسِ، أَمَّا مَعَ عَدَمِهِ فَلَا، فَعَلَى هَذَا لَا يَضُرُّ التَّيَامُنُ وَالتَّيَاسُرُ فِي الْجِهَةِ، وَالْبَعِيدُ هُنَا مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمُعَايَنَةِ، وَلَا عَلَى مَنْ يُخْبِرُهُ عَنْ عِلْمٍ، وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ إِصَابَةُ عَيْنِهَا اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي أَنَّهُ الْمَشْهُورُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] وَقِيَاسًا عَلَى الْقَرِيبِ، وَالْخَبَرِ الْأَوَّلِ: لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى عُمُومِ الْأَمْكِنَةِ بَلْ هُوَ خَاصٌّ بِالْمَدِينَةِ وَمَا شَابَهَهَا، فَعَلَى هَذَا إِنْ تَيَامَنَ أَوْ تَيَاسَرَ بَطَلَتْ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " عَلَيْهَا: إِنْ رَفَعَ رَأْسَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ فَخَرَجَ بِوَجْهِهِ عَنِ الْقِبْلَةِ مُنِعَ، وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدُوسَ، وَجَعَلَاهُ فَائِدَةَ الْخِلَافِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ إِنَّمَا يَظْهَرُ فِي صُورَةٍ يَخْرُجُ فِيهَا الْمُصَلِّي عَنِ اسْتِقْبَالِ الْعَيْنِ إِلَى اسْتِقْبَالِ الْجِهَةِ، وَهَذَا لَمْ يَخْرُجْ عَنِ الْعَيْنِ إِلَى الْجِهَةِ، وَإِنَّمَا خَرَجَ وَجْهُهُ خَاصَّةً (فَإِنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ) أَيْ: مَعْرِفَةُ الْقِبْلَةِ (بِخَبَرٍ ثِقَةٍ) عَدَلَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَقِيلَ: أَوْ مَسْتُورٌ أَوْ مُمَيَّزٌ (عَنْ يَقِينٍ) أَيْ: عَنْ عِلْمٍ لَزِمَهُ تَقْلِيدُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَيْسَ لَهُ الِاجْتِهَادُ كَالْحَاكِمِ يَقْبَلُ النَّصَّ مِنَ الثِّقَةِ، وَلَا يَجْتَهِدُ، وَقَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": الْقَادِرُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ لَيْسَ لَهُ مُتَابَعَةُ