الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
بِهِمَا، وَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ، أَوْ هُمَا عَجْزًا فِي الْأَصَحِّ، وَيَطْهُرُ، بَلْ بَقَاءُ طَعْمِهَا فِي الْأَصَحِّ، وَقَالَ الْقَاضِي: بَقَاءُ أَثَرِ النَّجَاسَةِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْعَدَدِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، وَيُعْتَبَرُ الْعَصْرُ فِي كُلِّ غَسْلَةٍ مَعَ إِمْكَانِهِ فِيمَا يَتَشَرَّبُ النَّجَاسَةَ، أَوْ دَقُّهُ، أَوْ تَثْقِيلُهُ وَجَفَافُهُ كَعَصْرِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَغَمْسُهُ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ رَاكِدٍ لَمْ يَطْهُرْ حَتَّى يَنْفَصِلَ عَنْهُ، وَيُعَادَ إِلَيْهِ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ، وَقِيلَ: يَكْفِي تَحْرِيكُهُ، وَخَضْخَضَتُهُ فِيهِ، وَفِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ " أَنْ تَمُرَّ عَلَيْهِ أَجْزَاءٌ لَمْ تُلَاقِهِ، كَمَا لَوْ مَرَّتْ عَلَيْهِ جَرَيَاتٌ فِي الْمَاءِ الْجَارِي، وَإِنْ عَصَرَ ثَوْبًا نَجِسًا فِي مَاءٍ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ مِنْهُ، فَغَسَلَهُ يَبْنِي عَلَيْهَا، وَيَطْهُرُ، وَإِذَا غَمَسَ ثَوْبًا نَجِسًا فِي مَاءٍ قَلِيلٍ، نَجَّسَ الْمَاءَ وَلَمْ يَطْهُرْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَا يُعْتَدُّ بِهَا غَسْلَةً، وَإِنْ وَضَعَهُ فِيهِ، ثُمَّ صَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ فَغَمَرَهُ، ثُمَّ عَصَرَهُ مِرَارًا مُتَعَدِّدَةً طَهُرَ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ وَارِدٌ كَصَبِّهِ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ الْإِنَاءِ.
[كَيْفِيَّةُ تَطْهِيرِ الْأَرْضِ النَّجِسَةِ]
(وَلَا تَطْهُرُ الْأَرْضُ النَّجِسَةُ بِشَمْسٍ وَلَا رِيحٍ) وَلَا جَفَافٍ لِأَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ بِغَسْلِ بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ يُطَهِّرُ لَاكْتَفَى بِهِ، وَلِأَنَّ الْأَرْضَ مَحَلٌّ نَجِسٌ فَلَمْ تَطْهُرْ بِالْجَفَافِ كَالثِّيَابِ، وَاخْتَارَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ: يَطْهُرُ إِذَا ذَهَبَ أَثَرُ النَّجَاسَةِ، وَقِيلَ: وَغَيْرِهَا، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي حَبْلِ غَسِيلٍ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. لَا يُقَالُ: جَفَافُ الْأَرْضِ طَهُورُهَا مُسْتَدِلِّينَ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «كَانَتِ الْكِلَابُ تَبُولُ وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، لِأَنَّهُ فِي الْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا، وَلَيْسَ فِيهِ " تَبُولُ " مَعَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ تَبُولُ ثُمَّ تُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ فَيَكُونُ إِقْبَالُهَا وَإِدْبَارُهَا بَعْدَ بَوْلِهَا.
[حُكْمُ النَّجَاسَةِ إِذَا اسْتَحَالَتْ]
(وَلَا يَطْهُرُ شَيْءٌ مِنَ النَّجَاسَاتِ بِالِاسْتِحَالَةِ)«لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا» ، لِأَكْلِهَا النَّجَاسَةَ، وَلَوْ طَهُرَ بِالِاسْتِحَالَةِ لَمْ يُنْهَ عَنْهُ، فَعَلَى هَذَا إِذَا وَقَعَ كَلْبٌ فِي مَلَّاحَةٍ فَصَارَ مِلْحًا أَوْ أُحْرِقَ السِّرْجِينُ النَّجِسُ فَصَارَ رَمَادًا فَهُوَ نَجِسٌ، وَعَنْهُ: يَطْهُرُ،
إِلَّا الْخَمْرَةُ إِذَا انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا. وَإِنْ خُلِّلَتْ لَمْ تَطْهُرْ، وَقِيلَ: تَطْهُرُ، وَلَا تَطْهُرُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَذَكَرَهَا فِي " الشَّرْحِ " تَخْرِيجًا قِيَاسًا عَلَى جُلُودِ الْمَيْتَةِ إِذَا دُبِغَتْ، فَحَيَوَانٌ مُتَوَلَّدٌ مِنْ نَجَاسَةٍ كَدُودِ الْجُرُوحِ وَالْقُرُوحِ، وَصَرَاصِيرِ الْكَنِيفِ طَاهِرٌ لَا مُطْلَقًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ رِوَايَتَيْنِ فِي نَجَاسَةِ وَجْهِ تَنُّورٍ سُجِّرَ بِنَجَاسَةٍ، وَنَقَلَ الْأَكْثَرُ يُغْسَلُ، وَنَقَلَ ابْنُ أَبِي حَرْبٍ لَا بَأْسَ، وَعَلَيْهِمَا يَخْرُجُ عَمَلُ زَيْتٍ نَجِسٍ صَابُونًا، وَتُرَابِ جَبَلٍ بِرَوْثِ حِمَارٍ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَحِلْ عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ فِي رِوَايَةٍ، وَذَكَرَ الْأَزَجِّيُّ أَنَّ نَجَسَ التَّنُّورِ بِذَلِكَ طَهُرَ بِمَسْحِهِ بِيَابِسٍ، وَإِنْ مُسِحَ بِرَطْبٍ تَعَيَّنَ الْغَسْلُ، وَحَمَلَ الْقَاضِي قَوْلَ أَحْمَدَ: يُسَجَّرُ التَّنُّورُ مَرَّةً أُخْرَى عَلَى ذَلِكَ.
فَرْعٌ: الْقُصْرُمُلُّ وَدُخَانُ النَّجَاسَةِ وَغُبَارُهَا نَجِسٌ عَلَى الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي، وَكَذَا مَا تَصَاعَدَ مِنْ بُخَارِ الْمَاءِ النَّجِسِ إِلَى الْجِسْمِ الصَّقِيلِ، ثُمَّ عَادَ فَقَطَرَ، فَإِنَّهُ نَجِسٌ عَلَى الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ نَفْسُ الرُّطُوبَةِ الْمُتَصَاعِدَةِ، وَإِنَّمَا يَتَصَاعَدُ فِي الْهَوَاءِ كَمَا يَتَصَاعَدُ بُخَارُ الْحَمَّامَاتِ، وَبُخَارُ الْحَمَّامَاتِ طَهُورٌ. (إِلَّا الْخَمْرَةُ) هِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ خَمَرَ إِذَا سَتَرَ، وَمِنْهُ خِمَارُ الْمَرْأَةِ، وَكُلُّ شَيْءٍ غَطَّى شَيْئًا فَقَدْ خَمَرَهُ، وَمِنْهُ:«خَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ» وَالْخَمْرُ يُخَمِّرُ الْعَقْلَ أَيْ: يُغَطِّيهِ وَيَسْتُرُهُ، وَهِيَ نَجِسَةٌ إِجْمَاعًا، لَكِنْ خَالَفَ فِيهِ اللَّيْثُ، وَرَبِيعَةُ، وَدَاوُدُ، وَحَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنِ الْمُزَنِيِّ، فَقَالُوا بِطَهَارَتِهَا، وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ لِلنَّجَاسَةِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ طَاهِرَةً لَفَاتَ الِامْتِنَانُ بِكَوْنِ شَرَابِ الْجَنَّةِ طَهُورًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: 21] أَيْ: طَاهِرًا، وَعَلَّلَهُ فِي " الشَّرْحِ " بِأَنَّهُ يَحْرُمُ تَنَاوُلُهَا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ أَشْبَهَ الدَّمَ (إِذَا انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا) فَإِنَّهَا تَطْهُرُ فِي الْمَنْصُوصِ، وَفِي " الشَّرْحِ " لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، لِأَنَّ نَجَاسَتَهَا لِشِدَّتِهَا الْمُسْكِرَةِ، وَقَدْ زَالَتْ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ خَلَّفَتْهَا، فَوَجَبَ أَنْ تَطْهُرَ كَالْمَاءِ، لَا يُقَالُ: حُكْمُ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ كَذَلِكَ أَيْ: تَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ، لِأَنَّ نَجَاسَتَهَا لِعَيْنِهَا، وَالْخَمْرَةُ نَجَاسَتُهَا لِأَمْرٍ زَالَ بِالِانْقِلَابِ، وَالنَّبِيذُ كَذَلِكَ، وَخَالَفَ الْقَاضِي فِيهِ، لِأَنَّ فِيهِ مَاءً نَجِسًا، وَدَنُّهَا مِثْلُهَا، قَالَهُ الْأَصْحَابُ.
الْأَدْهَانُ النَّجِسَةُ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَطْهُرُ مِنْهَا بِالْغَسْلِ مَا يَتَأَتَّى غَسْلُهُ وَإِذَا خَفِيَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
(وَإِنْ خُلِّلَتْ لَمْ تَطْهُرْ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ «أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا فَقَالَ: أَهْرِقْهَا، قَالَ: أَفَلَا أُخَلِّلُهَا؛ قَالَ: لَا، لَا» . وَلَوْ جَازَ التَّخْلِيلُ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ، وَلَمْ تُبَحْ إِرَاقَتُهُ، وَعَلَى هَذَا يَحْرُمُ تَخْلِيلُهَا فَلَا تَحِلُّ، فَفِي النَّقْلِ أَوِ التَّفْرِيغِ مِنْ مَحَلٍّ إِلَى آخَرَ، وَإِلْقَاءِ جَامِدٍ فِيهِ وَجْهَانِ (وَقِيلَ: تَطْهُرُ) وَهُوَ رِوَايَةٌ، لِأَنَّ عِلَّةَ التَّحْرِيمِ زَالَتْ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ، وَعَلَيْهِمَا تَطْهُرُ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " يُكْرَهُ، وَأَنَّ عَلَيْهَا لَا تَطْهُرُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِي إِمْسَاكِ خَمْرٍ لِيَصِيرَ خَلًّا بِنَفْسِهِ أَوْجُهٌ، ثَالِثُهَا: يَجُوزُ فِي خَمْرَةِ خَلَّالٍ، وَهُوَ أَظْهَرُ، فَيُتْرَكُ حِينَئِذٍ فَعَلَى هَذَا تَصِيرُ هَذِهِ الْخَمْرَةُ مُحَرَّمَةً، وَعَلَى الْمَنْعِ يَطْهُرُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنِ اتَّخَذَ عَصِيرًا لِلْخَمْرِ فَلَمْ يَتَخَمَّرْ وَتَخَلَّلَ بِنَفْسِهِ، فَفِي حِلِّهِ الْخِلَافُ، وَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الْحَشِيشَةَ الْمُسْكِرَةَ طَاهِرَةٌ، وَقِيلَ: نَجِسَةٌ، وَقِيلَ: إِنْ أُمِيعَتْ.
فَائِدَةٌ: الْخَلُّ الْمُبَاحُ: أَنْ يُصَبَّ عَلَى الْعِنَبِ أَوِ الْعَصِيرِ خَلٌّ قَبْلَ غَلَيَانِهِ حَتَّى لَا يَغْلِيَ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، قِيلَ لَهُ: صُبَّ عَلَيْهِ خَلٌّ فَغَلَا. قَالَ: يُهْرَاقُ.
تَنْبِيهٌ: لَا يَطْهُرُ إِنَاءٌ تَشَرَّبَ نَجَاسَةً بِغَسْلِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: بَلَى، إِنْ لَمْ يَبْقَ لِلنَّجَاسَةِ أَثَرٌ، وَقِيلَ: بَلْ ظَاهِرُهُ، وَمِثْلُهُ سِكِّينٌ سُقِيَتْ مَاءً نَجِسًا، وَيَطْهُرُ بَاطِنُ حَبٍّ نُقِعُ فِي نَجَاسَةٍ بِغَسْلِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: بَلَى، كَظَاهِرِهِ فَيُنْقَعُ وَيُجَفَّفُ مِرَارًا كَعَجِينٍ، وَقِيلَ: كُلُّ مَرَّةٍ أَكْثَرَ مِنْ مُدَّةِ إِقَامَتِهِ فِي الْمَاءِ النَّجِسِ، وَإِنْ طُبِخَ لَحْمٌ بِمَاءٍ نَجِسٍ، طَهُرَ ظَاهِرُهُ بِغَسْلِهِ، وَعَنْهُ: وَبَاطِنُهُ، فَيُغْلَى فِي مَاءٍ طَهُورٍ كَثِيرٍ، وَيُجَفَّفُ مِرَارًا، وَقِيلَ: إِنْ تَشَرَّبَهُ اللَّحْمُ لَمْ يَطْهُرْ بِحَالٍ، وَلَا يَطْهُرْ جِسْمٌ صَقِيلٌ بِمَسْحِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَعَنْهُ: تَطْهُرُ سِكِّينٌ مِنْ دَمِ الذَّبِيحَةِ فَقَطْ.
(وَلَا تَطْهُرُ الْأَدْهَانُ النَّجِسَةُ) بِغَسْلِهَا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ وُصُولُ الْمَاءِ إِلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهِ، وَلَوْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ لَمْ يَأْمُرِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِإِرَاقَةِ السَّمْنِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ