الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسامراء، وكانت خلافته ثمان سنين وثمانية أشهر ويومين، وكان مولده سنة سبع وتسعين ومائة، وهو ثامن الخلفاء، والثامن من ولد العباس، ومات عن ثمانية بنين، وثمان بنات، وكان أبيض، أصهب اللحية طويلها، مربوعاً مشرب اللون بحمرة، وهو أول من أضيف إِلى لقبه اسم الله تعالى من الخلفاء، وكان المعتصم بالله، طيب الأخلاق، لكنه إِذا غضب لا يبالي من قتل، وما فعل، وقد حكي أن المعتصم انفرد عن أصحابه في يوم مطر، فبينما هو يسير إِذ رأى شيخاً مع حمار عليه حمل شوك، وقد توحل الحمار ووقع الحمل، وهو ينتظر من يمر عليه ويساعده على ذلك، فنزل المعتصم بالله عن دابته، وخلص الحمار، ورفع معه الحمل عليه، ثم لحقه أصحابه، فأمر لصاحب الحمار بأربعة آلاف درهم، وقال ابن أبي داود: تصدق المعتصم ووهب على يدي مائة ألف ألف درهم.
خلافة ابنه الواثق
وهو تاسعهم، وبويع الواثق بالله هارون بن المعتصم في اليوم الذي توفي أبوه، وذلك يوم الخميس لثماني عشرة مضت من ربيع الأول، في هذه السنة أعني سنة تسع وعشرين ومائتين، وأم الواثق أم ولد رومية تسمى قراطيس. وفي هذه السنة هلك نوفيل ملك الروم، وملك بعده امرأته بدورة، وابنها ميخائيل بن نوفيل.
الفتنة بدمشق لما مات المعتصم، ثارت القيسية بدمشق، وعاثوا وأفسدوا، وحصروا أميرهم بدمشق. فبعث إِليهم الواثق عسكراً مع رجاء بن أيوب فقاتلهم، وكانوا قد اجتمعوا بمرج راهط فقتل من القيسة نحو ألف وخمس مائة، وانهزم الباقي، وصلح أمر دمشق.
وفي هذه السنة توفي بشر بن الحارث الزاهد، المعروف بالحافي في ربيع الأول.
ثم دخلت سنة ثمان وعشرين ومائتين في هذه السنة فتح المسلمون عدة أماكن من جزيرة صقلية، وكان الأمير على صقلية محمد بن عبد الله بن الأغلب، وكان مقيماً في صقلية، بمدينة بلرم، لم يخرج منها، لكن يجهز الجيوش والسرايا فيفتح ويغنم، وكانت إِمارته على صقلية تسع عشرة سنة، وتوفي في سنة سبع وثلاثين ومائتين في رجب على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
وفي هذه السنة مات أبو تمام حبيب بن أوس الطائي الشاعر، وفيها أعطى الواثق أشناس، تاجاً ووشاحين.
ثم دخلت سنة تسع وعشرين ومائتين في هذه السنة حبس الواثق الكتاب، وألزمهم أموالاً عظيمة، وفيها توفي خلف بن هشام البزار المقرئ البزار، بالزاي المنقوطة والراء المهملة.
ثم دخلت سنة ثلاثين ومائتين في هذه السنة مات عبد الله بن طاهر بنيسابور وهو أمير خراسان وعمره ثمان وأربعون سنة، واستعمل
الواثق موضعه ابنه طاهر بن عبد الله. وفي هذه السنة خرجت المجوس في أقاصي بلاد الأندلس، في البحر، إِلى بلاد المسلمين، وجرى بينهم وبين المسلمين بالأندلس عدة وقائع، انهزم فيها المسلمون، وساروا يقتلون المسلمين، حتى دخلوا حاضر إِشبيلية، ووافاهم عسكر عبد الرحمن الأموي صاحب الأندلس، ثم اجتمع عليهم المسلمون من كل جهة، فهزموا المجوس، وأخذوا لهم أربعة مراكب، بما فيها، وهربت المجوس في مراكبهم إِلى بلادهم.
وفي هذه السنة مات أشناس التركي بعد عبد الله بن طاهر بتسعة أيام.
ثم دخلت سنة إِحدى وثلاثين ومائتين، فيها مات مخارق المغني وأبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي الفقيه، صاحب الشافعي، وكان قد حبس في محنة الناس بالقرآن المجيد، فلم يجب إِلى القول بأنه مخلوق، وكان البويطي من الصالحين، وهو منسوب إِلى بويط، قرية من قرى مصر. وفيها توفي محمد بن زياد المعروف بابن الأعرابي الكوفي، صاحب اللغة، وكان أبوه زياد عبداً سندياً أخذ الأدب عن المفضل الضبي صاحب المفضليات، ولابن الأعرابي المذكور عدة مصنفات منها: كتاب النوادر وكتاب الأنواء وكتاب تاريخ القبائل وغير ذلك، وولد في الليلة التي توفي فيها أبو حنيفة، سنة خمسين ومائة، والأعرابي منسوب إِلى الأعراب، يقال رجل أعرابي إِذا كان بدوياً، وإن لم يكن من العرب، ورجل عربي منسوب إِلى العرب، وإن لم يكن بدوياً، ويقال رجل أعجم وأعجمي إِذا كان في لسانه عجمة، وإن كان من العرب، ورجل عجمي منسوب إِلى العجم، وإن كان فصيحاً، هكذا ذكر محمد بن عزيز السجستاني، في كتابه الذي فسر فيه غريب القرآن.
ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين ومائتين موت الواثق بالله وتوفي الواثق بالله أبو جعفر هارون بن المعتصم بالله، في هذه السنة، لست بقين من ذي الحجة بالاستسقاء وعولج بالإِقعاد في تنور مسخن، ووجد عليه خفة، فعاوده وشدد سخونته، وقعد فيه أكثر من اليوم الأول، فحمي عليه، وأخرج منه في محفة، فمات فيها، ودفن بالهاروني، ولما اشتد مرض الواثق، أحضر المنجمين، فنظروا في مولده، فقدروا له أنه يعيش خمسين سنة مستأنفة، من ذلك اليوم، فلم يعش بعد قولهم إِلا عشرة أيام، وكان أبيض مشرّباً حمرة، في عينه اليسرى نكتة بياض، وكانت خلافته، خمس سنين وتسعة أشهر وكسراً، وعمره اثنتان وثلاثون سنة وكان الواثق يبالغ في إِكرام العلويين والإِحسان إِليهم، وفرق في الحرمين أموالا عظيمة، حتى أنه لم يبق بالحرمين في أيام الواثق سائل، ولما بلغ أهل المدينة موته، كانت تخرج نساؤهم إِلى البقيع كل ليلة، ويندبن الواثق، لفرط إِحسانه إِليهم، وسلك الواثق مذهب أبيه المعتصم، وعمه المأمون في امتحان الناس بالقرآن المجيد، وألزمهم القول بخلق القرآن، وأن الله لا يُرى في الآخرة بالأبصار.