الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ثمان وأربعين ومائتين.
موت المنتصر في هذه السنة توفي المنتصر بالله، محمد بن جعفر المتوكل، يوم الأحد بسامراء لخمس خلون من ربيع الأول، بالذبحة، وكانت مدة علته ثلاثة أيام وعمره خمس وعشرون سنة وستة أشهر، وكانت خلافته ستة أشهر ويومين، وكان أعين، أقنى، قصيراً، سهيباً، عظيم اللحية، راجح العقل، كثير الإنصاف، وأمر الناس بزيارة قبر الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وأمن العلويين، وكانوا خائفين أيام أبيه.
خلافة المستعين
أحمد بن محمد المعتصم
وهو ثاني عشرهم، ولما توفي المنتصر، اتفق كبراء الدولة مثل بغا الكبير، وبغا الصغير، وأتامش الأتراك، ومحمد بن الخصيب، على تولية المستعين وكرهوا أن يقيموا بعض ولد المتوكل، لكونهم قتلوا المتوكل، فبايعوا المستعين ليلة الاثنين، لست خلون من ربيع الآخر، وهو ابن ثمان وعشرين سنة، ويكنى أبا العباس. وفيها ورد على المستعين الخبر بوفاة طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عبد الله أمير خراسان، في رجب، فعقد المستعين لولده محمد بن طاهر على خراسان. وفيها مات بغا الكبير. فجعل المستعين ابنه موسى بن بغا مكانه. وفي هذه السنة شغب أهل حمص على كيدر عاملهم، فأخرجوه عنهم. وفي هذه السنة تحرك يعقوب ابن الليث الصفار من سجستان، نحو هراة. وفيها توفي محمد ابن العلا الهمداني، وكان من مشايخ البخاري ومسلم.
ثم دخلت سنة تسع وأربعين ومائتين في هذه السنة كان بين المسلمين والروم وقعة بمرج الأسقف. قتل فيها مقدم العسكر، وهو عمر بن عبد الله الأقطع، وكان من شجعان المسلمين وانهزمت المسلمون وقتل منهم جماعة، وخرجت الروم، فأغاروا إِلى الثغور الجزرية.
وفي هذه السنة شغبت الجند، الشاكرية والعامة، ببغداد، على الأتراك، بسبب استيلائهم على أمور المسلمين، يقتلون من شاءوا من الخلفاء ويستخلفون من أحبوا من غير ديانة، ولا نظر للمسلمين، ثم وقعت في سامراء فتنة من العام وفتحوا السجون وأطلقوا ما فيها، ثم ركبت الأتراك وقتلوا من العامة جماعة وسكنت الفتنة.
وفي هذه السنة ثارت الموالي بأتامش، فقتلته، ونهبوا من داره أموالاً جمة، لأن المستعين كان قد أطلق يد أتامش، ويد والدته، أعني والدة المستعين، ويد شاهك الخادم، في بيوت الأموال، فكانوا يأخذون الأموال من دون غيرهم، فقتل أتامش بسبب استيلائه على الأموال.
وفي هذه السنة توفي علي بن الجهم الشاعر. وفي هذه السنة توفي أبو إِبراهيم أحمد بن محمد بن إبراهيم بن الأغلب صاحب إفريقية، ولما مات ولي موضعه أخوه زيادة الله بن محمد، وكنية زيادة الله المذكور أبو محمد.
ثم دخلت سنة خمسين ومائتين في هذه السنة ظهر يحيى عمر بن يحيى
بن حسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ويكنى أبا الحسين، بالكوفة، وكثر جمعه، واستولى على الكوفة، ثم جهز إِليه محمد بن عبد الله بن طاهر جيشاً، فخرج إِليهم يحيى بجمعة، فقتل يحيى وانهزم أصحابه، وقتل منهم جماعة وحمل رأسه إِلى المستعين، ثم في هذه السنة ظهر الحسن بن زيد بن محمد بن إِسماعيل بن زيد بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب بطبرستان، وكثر جمعه واستقل بملك طبرستان، ويسمى بالداعي إِلى الحق، وبقي مستولياً حتى قتل في سنة سبع وثمانين ومائتين، وقام بعده الناصر الحسن بن علي. وفي هذه السنة وثب أهل حمص على عاملهم، وهو الفضل بن قارن أخو مازيار فقتلوه، فأرسل المستعين إِليهم موسى بن بغا الكبير، فحاربوه بين حمص والرستن، فهزمهم وافتتح حمص، فقتل من أهلها مقتلة عظيمة، وأحرقها. وفي هذه السنة توفي زيادة الله بن محمد بن إِبراهيم بن الأغلب أمير إفريقية، وكانت ولايته سنة وستة أشهر، وملك بعده ابن أخيه أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد المذكور وفيها مات الخليع الشاعر، واسمه الحسين بن الضحاك، وأشعاره وأخباره مشهورة، وكان مولده سنة اثنتين وستين ومائة.
ثم دخلت سنة إِحدى وخمسين ومائتين في هذه السنة اتفق بغا الصغير ووصيف، وقتلا باغر التركي، فشغبت الترك، وحصروا المستعين وبغا الصغير ووصيفاً في القصر، بسامراء فهرب المستعين وبغا ووصيف في حرّاقه، وانحدروا إلى بغداد، واستقر بها المستعين.
البيعة للمعتز بالله
في هذه السنة بعد مسير المستعين إِلى بغداد من سامراء، كما ذكرنا، خافه الأتراك فأخرجوا المعتز بالله بن المتوكل، وكان في الحبس، وبايعوه، واستولى على الأموال التي كانت في سامراء للمستعين، ولأمه، وأنفق في الجند، ثم عقد المعتز لأخيه أبي أحمد طلحة بن المتوكل، وهو الموافق لسبع بقين من المحرم، وجهزه مع خمسين ألفاً من الترك، إِلى حرب المستعين، وتحصن المستعين ببغداد، وبقي المعتز بسامراء والمستعين ببغداد، وجرى بين الفريقين قتال كثير، ثم اتفق كبراء الدولة ببغداد، على خلع المستعين، وألزموه بذلك، وفي هذه السنة مات السري السقطي الزاهد.
ثم دخلت سنة اثنتين وخمسين ومائتين.
خلع المستعين وولاية المعتز وهو ثالث عشرهم، ولما جرى من أمر المعتز والمستعين ما ذكرناه، خلع المستعين أحمد بن محمد المعتصم نفسه من الخلافة، وبايع المعتز بالله بن المتوكل بن المعتصم، وخطب للمعتز ببغداد يوم الجمعة، رابع المحرم من هذه السنة، وأخذت له البيعة على جميع من ببغداد، ثم نقل المستعين من الرصافة إلى قصر الحسن بن سهل بعياله وأهله، وأخذ منه البردة والقضيب والخاتم، فطلب المستعين أن يكون مقامه بمكة، فمنع من التوجه إِلى مكة، فاختار
المقام بالبصرة، فوكل به جماعة، وانحدر إِلى واسط، ثم أمر المعتز بقتل المستعين، وكتب إلى أحمد بن طولون بقتل المستعين، فامتنع أحمد بن طولون عن قتله، وسار أحمد بن طولون بالمستعين إِلى القاطول وسلمه إِلى الحاجب سعيد بن صالح، فضربه سعيد حتى مات، وحمل رأسه إِلى المعتز. فأمر بدفنه، وكانت مدة خلافة المستعين إِلى أن خلع ثلاث سنين وتسعة أشهر وكسراً، وكان عمره أربعاً وثلاثين سنة.
وفي هذه السنة عقد لعيسى بن الشيخ علي الرملة، فأنفذ له نائبا عليها يسمى أبا المعتز، وهذا عيسى شيباني وهو عيسى بن الشيخ بن السليك من ولد جساس بن مرة بن ذهل بن شيبان، فلما كان من فتنة الأتراك ما كان بالعراق، تغلب ابن الشيخ المذكور على دمشق وأعمالها، وقطع ما كان يحمل من الشام إلى الخليفة، واستبد بالأموال.
وفيها توفي محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى الزمن البصريان وهما من مشايخ البخاري ومسلم في الصحيح.
ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين ومائتين في هذه السنة شغبت الجند بسبب طلب رزق أربعة أشهر، فلم يجبهم وصيف إِلى ذلك، فوثبوا على وصيف وقتلوه، فجعل المعتز كل ما كان إِلى وصيف إِلى بغا الشرابي.
وفي هذه السنة مات محمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين. وفي هذه السنة ملك يعقوب الصفّار هراة وبوشنج، وعظم أمره، وهابه أمير خراسان وغيره.
ثم دخلت سنة أربع وخمسين ومائتين. في هذه السنة قتل بغا الشرابي الصغير، تحت الليل، وكان بغا قد خرج من بين أصحابه وجنده، ومعه خادمان له، وقصد الركوب في زورق، فأعلم المتوكلون بالجسر المعتز بخبره، فأمرهم بقتله، فقتلوه وحملوا رأسه إِلى المعتز.
وفي هذه السنة في جمادى الآخرة، توفي علي الهادي؛ وعلي التقي وهو أحد الأئمة الإثني عشر عند الإِمامية، وهو علي الزكي بن محمد الجواد المقدم ذكره في سنة عشرين ومائتين، وكان علي المذكور قد سعى به إِلى المتوكل، أن عنده كتباً وسلاحاً، فأرسل المتوكل جماعة من الأتراك، وهجموا عليه ليلاً على غفلة، فوجدوه في بيت مغلق، وعليه مدرعة من شعر، وهو مستقبل القبلة يترنم بآيات من القرآن، في الوعد والوعيد، ليس بينه وبين الأرض بساط إِلا الرمل، والحصا، فحمل على هيئته إِلى المتوكل، والمتوكل يستعمل الشراب، وفي يده الكأس، فلما رآه المتوكل أعظمه، وأجلسه إلى جانبه، وناوله الكأس، فقال: يا أمير المؤمنين ما خامر لحمي ودمي قط، فاعفني منه، فأعفاه، وقال: أنشدني شعراً. فقال: إِني لقليل الرواية للشعر. فقال المتوكل: لا بد من ذلك. فأنشده:
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم
…
غلبَ الرّجالُ فما أغنتهُمُ القلَلُ
واستُزلوا بعد عزٍ عَنْ معاقلِهِم
…
فأَودَعوا حُفراً يا بئس ما نزلوا
ناداهُمُ صارخٌ من بعدما قَبروا
…
أين الأسرة والتيجانُ والحلل
أين الوجوهُ التي كانت مُنعَّمة
…
منْ دونها تُضرب الأستار والكللُ
فأفصحَ القبرُ عنهمْ حين ساءلهم
…
تلكَ الوجوهُ عليها الدود يقتتَلُ
قد طال ما أكلوا دهراً وما شربوا
…
فأصبحوا بعد طولِ الأكل قد أكلوا
فبكى المتوكل، ثم أمر برفع الشراب وقال: يا أبا الحسن، أعليك دين؟ قال: نعم، أربعة آلاف دينار، فدفعها إِليه ورده إِلى منزله مكرماً، وكانت ولادة علي المذكور، في رجب سنة أربع عشرة ومائتين، وقيل ثلاث عشرة، وتوفي لخمس بقين من جمادى الآخرة، من هذه السنة، أعني سنة أربع وخمسين ومائتين، بسرمن رأى، ويقال لعلي المذكور، العسكري لسكناه بسرمن رأى يقال لها العسكري، لسكنى العسكر بها، وعلي المذكور عاشر الأئمة الاثني عشر، وهو والد الحسن العسكري، والحسن العسكري هو حادي عشر الأئمة الاثني عشر، وهو الحسن بن علي الزكي المذكور بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسن بن علي بن أبي طالب، المقدم ذكرهم، رضي الله عنهم أجمعين.
وكانت ولادة الحسن العسكري المذكور، في سنة ثلاثين ومائتين، وتوفي في سنة ستين ومائتين في ربيع الأول، وقيل في جمادى الأولى، بسرمن رأى، ودفن إِلى جانب أبيه علي الزكي المذكور، والحسن العسكري المذكور، هو والد محمد المنتظر، صاحب السرداب، ومحمد المنتظر المذكور هو ثاني عشر الأئمة الاثني عشر، على رأى الإِمامية، ويقال له القائم، والمهدي، والحجة. وولد المنتظر المذكور، في سنة خمس وخمسين ومائتين، والشيعة يقولون: دخل السرداب في دار أبيه، بسرمن رأى، وأمه تنظر إِليه، فلم يعد يخرج إِليها، وكان عمره حينئذ تسع سنين، وذلك في سنة خمس وستين ومائتين، وفيه خلاف.
وفيها توفي أحمد بن الرشيد، وهو عم الواثق. وفي هذه السنة ولي أحمد بن طولون على مصر.
ثم دخلت سنة خمس وخمسين ومائتين في هذه السنة استولى يعقوب بن الليث الصفّار على كرمان، ثم استولى بالسيف على فارس، ودخل يعقوب الصفار إِلى شيراز، ونادى بالأمان وكتب إِلى الخليفة بطاعته، وأهدى له هدية جليلة، منها عشرة بازات بيض، ومائة مَن من المسك.
خلع المعتز وموته وفي هذه السنة، في يوم الأربعاء لثلاث بقين من رجب، خلع المعتز بن جعفر، المتوكل بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد، واختلف في اسم المعتز، فقيل محمد، وقيل الزبير، ويكنى أبا عبد الله، وقيل كنيته غير ذلك، ومولده، بسرمن رأى، في ربيع الآخر، سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وأمه أم ولد، تدعى قبيحة، ولليلتين خلتا من شعبان ظهر موته، وكان سبب ذلك: أن الأتراك طلبوا أرزاقهم، فلم يكن عند المعتز مال يعطيهم، فنزلوا معه إِلى خمسين ألف دينار فأرسل المعتز وسأل أمه قبيحة في ذلك، فقالت: ما عندي شيء. فاتفق الأتراك والمغاربة والفراعنة،