الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ألب أرسلان النهر مد سماطاً في بليدة هناك يقال لها قرير، وبتلك البليدة حصن على شاطئ جيحون، فأحضر إليه مستحفظ ذلك الحصن، ويقال له يوسف الخوارزمي، مع غلامين يحفظانه وكان قد ارتكب جريمة في أمر الحصن، فأمر السلطان أن تضرب له أربعة أوتاد، ويشد بأطرافه إليها. فقال له يوسف: يا مخنث، مثلي يقتل هذه القتلة؟ فغضب السلطان وأخذ القوس والنشاب وقال للغلامين: خلياه ورمام بسهم، فأخطأه ولم يكن يخطئ سهمه، فوثب يوسف على السلطان بسكين كانت معه، فقام السلطان عن السدة فوقع على وجهه، فضربه يوسف بالسكين، ثم جرح شخصاً آخر واقفاً على رأس السلطان يقال له سعد الدولة، ثم ضرب بعض الفراشين يوسف المذكور بمزربة على رأسه فقتله ثم قطعه الأتراك، فقال السلطان وهو مجروح: لما كان أمس صعدت على تل فارتجت الأرض تحتي من عظم الجيش، فقلت في نفسي: أنا ملك الدنيا، وما يقدر أحد علي فعجزني الله بأضعف خلقه، وأنا أستغفر الله وأستقيله من ذلك الخاطر، وكان جرح السلطان في سادس عشر ربيع الأول، وتوفي في عاشر ربيع الآخر من هذه السنة، وعمره أربعون سنة وشهور وأيام، وكانت مدة ملكه مذ خطب له بالسلطنة إلى أن توفي تسع سنين وستة أشهر وأياماً وأوصى بالسلطنة لابنه ملك شاه وكان في صحبته، فحلف جميع العسكر لملك شاه، واستقر في السلطنة.
وكان المتولي على الأمر نظام الملك وزير السلطان ألب أرسلان، وعماد ملكشاه بالعسكر من بلاد ما وراء النهر إلى خراسان، وأرسل إلى بغداد وإلى الأطراف، فخطب له فيها على قاعدة أبيه ألب أرسلان، واستمر نظام الملك على وزارته ونفوذ أمره، ولما استقر ملك ملكشاه خرج عمه قاروت بك صاحب كرمان عن طاعته، وسار إليه فالتقى الجمعان فانهزم عسكر قاروت بك وأتي به إلى ملكشاه أسيراً، فأمر به فخنق وأقر كرمان على أولاده، ولما انتصر ملكشاه كثرت أذية العسكر للبلاد ففوض ملكشاه الأمور إلى نظام الملك، وحلف له وزاده من الإقطاعات على ما كان بيده مواضع من جملتها مدينة طوس ولقبه ألقابا من جملتها أتابك، وأصلها أطابك، ومعناه الوالد الأمين فأحسن نظام الملك السياسة والتدبير.
أخبار المستنصر العلوي خليفة مصر
وقتل ناصر الدولة
.
فنقول: كانت قد استولت والدة المستنصر العلوي خليفة مصر على الأمر، فضعف أمر الدولة، وصارت العبيد حزباً، والأتراك حزباً، وجرت بينهم حروب، وكان ناصر الدولة وهو من أحفاد ناصر الدولة بن حمدان من أكبر قواد مصر، والمشار إليه، فأجمعت إليه الأتراك وجرى بينهم وبين العبيد عدة وقعات، وحصر ناصر الدولة مصر وقطع الميرة عنها براً وبحراً، فغلت الأسعار بها وعدم ما كان بخزائن المستنصر، حتى أخرج العروض كما تقدم ذكره وعدم المتحصل بسبب انقطاع السبيل، ثم استولى ناصر الدولة على مصر وانهزمت
العبيد وتفرقت في البلاد، واستبد ناصر الدولة بالحكم، وقبض على والدة المستنصر وصادرها بخمسين ألف دينار، وتفرق عن المستنصر أولاده وأهله.
وانقضت سنة أربع وستين وما قبلها بالفتن، وبالغ ناصر الدولة في إهانة المستنصر، حتى بقي المستنصر يقعد على حصيرة، لا يقدر على غير ذلك. وكان غرضه في ذلك أن يخطب للخليفة القائم العباسي، ففطن بفعله قائد كبير من الأتراك اسمه الدكز، فاتفق مع جماعة على قتل ناصر الدولة، وقصدوه في داره فخرج ناصر الدولة إليهم مطمئناً بقوته، فضربوه بسيوفهم حتى قتلوه، وأخذوا رأسه ثم قتلوا فخر العرب أخا ناصر الدولة، وتتبعوا جميع من بمصر من بني حمدان فقتلوهم عن آخرهم، وكان قتلهم في هذه السنة أعني سنة خمس وستين وبقي الأمر بمصر مضطرباً ولما كان سنة سبع وستين وأربعمائة ولى الأمر بمصر أمير الجيوش بدر الجمالي، وقتل الدكز والوزير ابن كدينة، واستقامت الأمور كما سنذكره إن شاء الله تعالى.
غير ذلك فيها توفي الإمام أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري النيسابوري، مصنف الرسالة، وغيرها، وكان فقيهاً أصولياً مفسراً كاتباً ذا فضائل جمة. وكان له فرس قد أهدي إليه فركبه نحو عشرين سنة، فلما مات الشيخ لم يأكل الفرس شيئاً ومات بعد أسبوع، ومولده سنة سنة ست وسبعين وثلاثمائة، وكان إماماً في علم التصوف، وقرأ أصول الدين على أبي بكر بن فورك، وعلى ابن إسحاق الإسفراييني، وله تفسير حسن، وله شعر حسن فمنه:
إذا ساعدتك الحال فارقب زوالها
…
فما هي إلا مثل حلبة أشطر
وإن قصدتك الحادثات ببوسها
…
فوسع لها ذرع التجلد واصبر
وفيها توفي علي بن الحسين بن علي بن المفضل الكاتب المعرف بصردر الشاعر المشهور، وكان أبوه يلقب بشحنة صردر، فما بلغ ولده المذكور وأجاد في الشعر قيل صردر، ومن جيد شعره قوله:
تسائل عن ثمامات بحزوي
…
وبأن الرمل يعلم ما عنينا
فقد كشف الغطاء فما نبالي
…
أصرحنا بذكرك أم، كنينا
ألا لله طيف منك يسقى
…
بكاسات الري زوراً ومينا
مطيته طوال الليلة جفني
…
فكيف شكا إليك وجا وأينا
فأمسينا كأنا ما افترقنا
…
وأصبحنا كأنا ما التقينا
ثم دخلت سنة ست وستين وأربعمائة، وفي هذه السنة زادت دجلة وجاءت السيول حتى غرق الجانب الشرقي، وبعض الغربي، ودخل الماء إلى المنازل من فوق ونبع من البلاليع، وغرق من الجانب الغربي مقبرة أحمد، ومشهد باب التين، وهلك في ذلك خلق