الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موسى الأشعري، وَاشتغل بعلم الكلام، على مذهب المعتزلة زماناً طويلاً. ثم خالف المعتزلة والمشبهة، فكانت مقالته أمراً متوسطاً، وناظر أبا علي الجبائي، في وجوب الأصلح على الله تعالى، فأثبته الجبائي على قواعد مذهبه.
فقال الأشعري ما تقول في ثلاثة صبية اخترم الله أحدهم قبل البلوغ، وبقي الاثنان فآمن أحدهما وكفر الآخر، ما العلة في اخترام الصغير؟.
فقال الجبائي: إِنما اخترمه لأنه علم أنه لو بلغ لكفر، فكان اخترامه أصلح له.
فقال له الأشعري: فقد أحيا أحدهما فكفر.
فقال الجبائي: إِنما أحياه ليعرضه لأعلى المراتب، أي ليبلغ ويصير أهلاً للتكليف، لأن الصبي والحيوان غير مكلف، فإِذا أدرك الصبي، صار مكلفاً، وهي أعلى المراتب، لأنها المرتبة الإنسانية.
فقال الأشعري: فلم لا أحيى الذي اخترمه ليعرضه لأعلى المراتب.
فقال الجبالًي: وسوست.
فقال الأشعري: ما وسوست، ولكن وقف حمار الشيخ على القنطرة، يعني أنه انقطع.
ثم أظهر الأشعري مذهبه، وقرره، فصارت مقالته أشهر المقالات، حتى طبق الأرض ذكرها، ومعظم الحنابلة يحكمون بكفره ويستبيحون دمه، ودم من يقول بقوله، وذلك لجهلهم، وكان أبو علي الجبائي المعتزلي زوج أم أبي الحسن الأشعري.
ثم دخلت سنة إِحدى وثلاثين وثلاثمائة في هذه السنة سار ناصر الدولة عن بغداد إِلى الموصل، وثارت الديلم، ونهبت داره، وكان أخوه سيف الدولة بواسط، فثارت عليه الأتراك الذين معه، وكبسوه ليلاً، في شعبان، فهرب سيف الدولة أبو الحسن علي، إِلى جهة أخيه ناصر الدولة أبي محمد الحسن بن عبد الله بن حمدان، ولحق به، ثم قدم سيف الدولة إِلى بغداد، وطلب من المتقي مالاً ليفرقه في العسكر، ويمنع تورون والأتراك من دخول بغداد، فأرسل إِليه المتقي ربع مائة ألف دينار، ففرقها في أصحابه، ولما وصل تورون إِلى بغداد، هرب سيف الدولة عنها، ودخل تورون بغداد في الخامس والعشرين من رمضان، في هذه السنة، فخلع المتقي عليه وجعله أمير الأمراء وبقيِ المتقي خائفاً من تورون. وتورون بتاء مثناة من فوقها مضمومة وواو ساكنة وراء مهملة مضمومة وواو ثم نون، هو اسم تركي مشتق من اسم الباطية لأن الباطية اسمها بالتركي تروو بتاء وراء مضمومتين وواين ساكنتين.
موت نصر بن أحمد بن إسماعيل الساماني وفي هذه السنة، توفي أبو السعيد نصر بن أحمد الساماني، صاحب خراسان وما وراء النهر، وكان مرضه السل، فبقي مريضاً ثلاثة عشر شهراً، وكانت ولايته ثلاثين سنة وثلاثة وثلاثين يوماً، وكان عمره ثمانياً وثلاثين سنة، وكان حليماً كريماً، ولما مات نصر بن أحمد، تولى بعده ابنه نوح بن نصر، وبايعه الناس، وحلفوا له في شعبان، واستقر ملكه على خراسان وما وراء النهر.
غير ذلك من الحوادث
في هذه السنة، أرسل ملك الروم يطلب من المتقي منديلاً، زعم أن المسيح مسح به وجهه،
فصارت صورة وجهه فيه، وأن هذا المنديل في بيعة الرها، وأنه إن أرسله أطلق عدداً كثيراً من أسرى المسلمين، فأحضر المتقي القضاة والفقهاء واستفتاهم في ذلك، فاختلفوا. فقال بعضهم: ادفعه إِليهم وإطلاق الأسرى أولى. وقال بعضهم: إِن هذا المنديل لم يزل في بلاد الإسلام، ولم يطلبه ملك الروم منهم، ففي دفعه إليهم غضاضة، وكان في الجماعة علي بن عيسي الوزير فقال: إِن خلاص المسلمين من الأسر والضنك، أولى من حفظ هذا المنديل، فأمر الخليفة بتسليمه إليهم، وأرسل من تسلم الأسرى فأطلقوا.
وفي هذه السنة توفي محمد بن إِسماعيل الفرغاني الصوفي، أستاذ أبي بكر الدقاق، وهو مشهور بين المشايخ. وفيها مات سنان بن ثابت بن قرة بعلة الذرب، وكان حاذقاً في الطب، ولم يغن عنه شيئا عند دنو الأجل.
ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة فيها سار المتقي عن بغداد خوفاً من تورون وابن شيرزاد، إِلى جهة ناصر الدولة بالموصل، وانحدر سيف الدولة إلى ملتقى المتقي بتكريت، ثم انحدر ناصر الدولة إِلى تكريت، وأصعد الخليفة إلى الموصل، ثم سار الخليفة وبنو حمدان إِلى الرقة، فأقاموا بها، وظهر للمتقي تضجر بني حمدان منه، وإيثارهم مفارقته، فكتب إِلى تورون يطلب الصلح منه، ليقدم إلى بغداد، وخرجت السنة على ذلك.
غير ذلك من الحوادث
في هذه السنة خرجت طائفة من الروس في البحر، وطلعوا من البحر في نهر الكر، فانتهوا إِلى مدينة برْدَعَة، فاستولوا على بردعة، وقتلوا ونهبوا، ثم عادوا في المراكب إِلى بلادهم. وفيها مات أبو طاهر القرمطي رئيس القرامطة بالجدري، وفيها كان ببغداد غلاء عظيم. وفيها استعمل ناصر الدولة بن حمدان محمد بن علي بن مقاتل على قنسرين والعواصم وحمص. ثم استعمل بعده في السنة المذكورة ابن عمه الحسين بن سعيد بن حمدان على ذلك.
ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة.
مسير المتقي إِلى بغداد وخلعه كان قد كتب المتقي إِلى الإخشيد صاحب مصر، يشكو إِليه حاله، وما هو فيه، فسار الإخشيد من مصر إِلى حلب، ثم إِلى الرقة، واجتمع بالمتقي، وحمل إِليه هدايا عظيمة، واجتهد بالمتقي أن يسير معه إِلى مصر أو الشام ليكون بين يديه، فلم يفعل، ثم أشار عليه بالمقام في الرقة، وخوفه من تورون، فلم يفعل، وكان قد أرسل المتقي إِلى تورون في الصلح كما ذكرناه، فحلف تورون للمتقي على ما أراد، فانحدر المتقي لأربع بقين من المحرم إِلى بغداد وعاد الإخشيد إِلى مصر، ولما وصل المتقي إِلى هيت، أقام بها، وأرسل فجدد اليمين على تورون وسار تورون عن بغداد لملتقى الخليفة. فالتقاه بالسندية، ووكّل عليه حتى أنزله في مضربه، ثم قبض تورون على المتقي وسمله، وأعمى عينيه فصاح المتقي وصاح من عنده من الحرم والخدم، فأمر تورون