الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيمن اجتمع معه من الملوك والأمراء المذكورين، وتكبر عليهم، فخبثت نياتهم على كربوغا، ولما ضاق على الفرنج الأمر وقلت الأقوات عندهم، خرجوا من أنطاكية واقتتلوا مع المسلمين، فولى المسلمون هاربين، وكثر القتل فيهم، ونهبت الفرنج خيامهم، وتقووا بالأقوات والسلاح ولما انهزمت المسلمون من بين أيديهم سار الفرنج إلى المعرة فاستولوا عليها، ووضعوا السيف في أهلها، فقتلوا فيها ما يزيد على مائة ألف إنسان وسبوا السبي الكثير، وأقاموا بالمعرة أربعين يوماً وساروا إلى حمص فصالحهم أهلها.
ثم دخلت سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة ذكر ملك الفرنج بيت المقدس كان تنش قد أقطع بيت المقدس للأمير أرتق، فلما توفي صارت القدس لولديه أيلغازي وسقمان ابني أرتق، حتى خرج عسكر خليفة مصر فاستولوا على القدس بالأمان، في شعبان سنة تسع وثمانين وأربعمائة وسار سقمان وأخوه أيلغازي من القدس فأقام سقمان ببلد الرها، وسار أيلغازي إلى العراق، وبقي القدس في يد المصريين إلى الآن فقصده الفرنج وحصروا القدس نيفاً وأربعين يوماً وملكوه يوم الجمعة لسبع بقين من شعبان من هذه السنة، ولبث الفرنج يقتلون في المسلمين بالقدس أسبوعاً، وقتل من المسلمين في المسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألف نفس، منهم جماعة كثيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم وعبادهم وزهادهم ممن جاور في ذلك الموضع الشريف، وغنموا ما لا يقع عليه الإحصاء، ووصل المستنفرون إلى بغداد في رمضان، فاجتمع أهل بغداد في الجوامع واستغاثوا وبكوا، حتى أنهم أفطروا من عظم ما جرى عليهم، ووقع الخلاف بين السلاطين السلجوقية، فتمكن الفرنج من البلاد، وقال في ذلك المظفر الأبيوردي أبياتاً منها:
مزجنا دماء بالدموع السواجم
…
فلم يبق منا عرضة للمراجم
وشر سلاح المرء دمع يفيضه
…
إذا الحرب شبت نارها بالصوارم
وكيف تنام العين ملء جفونها
…
على هفوات أيقظت كل نائم
وإخوانكم بالشام يضحى مقيلهم
…
ظهور المذاكي أو بطون القشاعم
يسومهم الروم الهوان وأنتم
…
تجرون ذيل الخفض فعل المسالم
وكم من دماء قد أبيحت ومن دم
…
توارى حياء حسنها بالمعاصم
أترضى صناديد الأعاريب بالأذى
…
وتغضى على ذل كماة الأعاجم
فليتهم إذ لم يذودوا حمية
…
عن الدين ضنوا غيرة بالمحارم
ذكر غير ذلك من الحوادث:
في هذه السنة قوي أمر محمد بن ملكشاه أخي الملك بركيارق، وهو أخو السلطان لأب وأم، وأمهما أم ولد، واجتمع إليه العساكر واستوزر محمد مؤيد الملك عبيد الله بن نظام الملك وقصد أخاه السلطان بركيارق، وهو بالري فسار بركيارق عن الري، ووصل إليها محمد ووجد والدة أخيه بركيارق زبيدة خاتون قد تخلفت بالري عن ابنها، فقبض عليها مؤيد الملك وأخذ خطها بمال، ثم خنقها، ثم اجتمع إلى محمد كوهرابين شحنة بغداد وكربوغا صاحب الموصل، وأرسل يطلب الخطبة ببغداد، فخطب له بها نهار الجمعة سابع عشر ذي الحجة من هذه السنة.
ثم دخلت سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة فيها سار بركيارق ودخل بغداد وأعيدت الخطبة له في صفر، ثم سار بركيارق إلى أخيه محمد وجمع كل منهما عساكره واقتتلوا رابع رجب، عند النهر الأبيض وهو على عدة فراسخ من همذان، فانهزم بركيارق وأرسل السلطان محمد إلى بغداد بذلك، فأعيدت خطبته، ولما انهزم بركيارق سار إلى الري واجتمع عليه أصحابه وقصد خراسان واجتمع مع الأمير داذا أمير جيش خراسان، ووقع بين بركيارق وبين أخيه السلطان سنجر
القتال، فانهزم بركيارق وعسكره، وسار بركيارق إلى جرجان، ثم إلى دامغان.
ذكر غير ذلك من الحوادث:
فيها جمع صاحب ملطية وسيواس وغيرهما، وهو كمشتكين بن طيلو المعروف بابن الدانشمند، وإنما قيل له ابن الدانشمند لأن أباه كان معلم التركمان والمعلم عندهم اسمه الدانشمند، فترقى ابنه حتى ملك هذه البلاد، وقصد الفرنج وكانوا قد ساروا إلى قرب ملطية، وأوقع بهم وأسر ملكهم.
وفي هذه السنة توفي أبو علي يحيى بن عيسى بن جذلة الطبيب، صاحب كتاب المنهاج الذي جمع فيه الأدوية والأغذية المفردة والمركبة، كان نصرانياً ثم أسلم، وصنف رسالة في الرد على النصارى وبيان عوار مذهبهم، ومدح فيها الإسلام وأقام الحجة على أنه الدين الحق، وذكر فيها ما قرأه في التوراة والإنجيل في ظهور النبي صلى الله عليه وسلم، وأن اليهود والنصارى أخفوا ذلك، وهي رسالة حسنة، وصنف أيضاً في الطب كتاب تقويم الأبدان، وغير ذلك، ووقف كتبه قبل موته، وجعلها في مشهد أبي حنيفة رضي الله عنه.
ذكر ابتداء دولة بيت شاهرمن من ملوك خلاط وفي هذه السنة أعمي سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة، كان استيلاء سقمان القطبي، وقيل سكمان بالكاف، على خلاط، وكان سكمان المذكور مملوكاً للملك إسماعيل صاحب مدينة مرند من أذربيجان، ولقب إسماعيل المذكور قطب الدين وكان من بني سلجوق. ولذلك قيل لسكمان المذكور القطبي نسبة إلى مولاه قطب الدين إسماعيل المذكور، وانتشأ سكمان المذكور في غاية الشهامة والكفاية، وكان تركي الجنس وكانت خلاط لبني مروان
ملوك ديار بكر، وكان قد كثر ظلمهم لأهل خلاط واتفقوا معه، فسار إليهم سكمان وفتحوا له باب خلاط، وسلموها إليه، وهرب عنها بنو مروان في هذه السنة، واستمر سكمان القطبي مالكاً لخلاط حتى توفي في سنة ست وخمسمائة، وملك خلاط بعده ولده ظهير الدين إبراهيم بن سكمان على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
ثم دخلت سنة أربع وتسعين وأربعمائة ذكر الحرب بين الأخوين بركيارق ومحمد قد تقدم ذكر هزيمة بركيارق من أخيه محمد، ثم قتال بركيارق مع أخيه سنجر بخراسان، وهزيمة بركيارق أيضاً، فلما انهزم بركيارق صار إلى خورستان واجتمع عليه أصحابه، ثم أتى عسكر مكرم وكثر جمعه، ثم سار إلى همذان فلحق به الأمير إياز ومعه خمسة آلاف فارس، وسار أخوه محمد إلى قتاله، واقتتلوا ثالث جمادى الآخرة من هذه السنة، وهو المصاف الثاني، واشتد القتال بينهم طول النهار، فانهزم محمد وعسكره، وأسر مؤيد الملك بن نظام الملك وزير محمد، وأحضر إلى السلطان بركيارق فوافقه على ما جرى منه في حق والدته، وقتله السلطان بركيارق بيده، وكان عمر مؤيد الملك لما قتل قريب خمسين سنة، ثم سار السلطان بركيارق إلى الري، وأما محمد فإنه هرب إلى خراسان واجتمع بأخيه سنجر وتحالفا واتفقا، وجمعا الجموع وقصدا أخاهما بركيارق، وكان بالري، فلما بلغه جمعهما سار من الري إلى بغداد وضاقت الأموال على بركيارق، فطلب من الخليفة مالاً، وترددت الرسل بينهما، فحمل الخليفة إليه خمسين ألف دينار، ومد بركيارق يده إلى أموال الرعية، ومرض وقوي به المرض، وأما محمد وسنجر فإنهما استوليا على بلاد أخيهما بركيارق وسارا في طلبه حتى وصلا إلى بغداد، وبركيارق مريض، وقد أيس منه، فتحول إلى الجانب الغربي محمولاً، ثم وجد خفة فسار عن بغداد إلى جهة واسط، ووصل السلطان محمد وأخوه سنجر إلى بغداد فشكى الخليفة المستظهر إليهما سوء سيرة بركيارق، وخطب لمحمد، ثم كان منهم ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
ذكر ملك ابن عمار مدينة جبل
كان قد استولى على جبلة القاضي أبو محمد عبيد الله بن منصور المعروف بابن صليحة، وحاصره الفرنج بها، فأرسل إلى طغتكين أتابك دقاق صاحب دمشق يطلب منه أن يرسل إليه من يتسلم منه جبلة ويحفظها، فأرسل إليها طغتكين ابنه تاج الملوك توري، فتسلم جبلة وأساء السيرة في أهلها، فكاتب أهل جبلة أبا علي ابن محمد بن عمار صاحب طرابلس، وشكوا إليه ما يفعله توري بهم، فأرسل إليهم عسكراً فاجتمعوا وقاتلوا توري فانهزم أصحابه، وملك عسكر ابن عمار جبلة، وأخذ توري أسيراً وحملوه إلى طرابلس، فأحسن إليه