الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بضرب الدبادب لئلا تظهر أصواتهن، وانحدر تورون بالمتقط إلى بغداد وهو أعمى، وكانت خلافة المتقي لله، وهو إبراهيم بن جعفر المقتدر بن المعتضد ثلاث سنين وخمسة أشهر وعشرين يوماً، وأمه أم ولد اسمها خلوب.
خلافة المستكفي بالله
وهو ثاني عشرينهم، ولما قبض تورون على المتقي، بايع المستكفي بالله أبا قاسم عبد الله بن المكتفي بالله علي بن المعتضد أحمد بن الموفق طلحة بن المتوكل جعفر بن المعتصم محمد بن الرشيد هارون، وأحضره إِلى السندية، وبايعه عامة الناس، وكانت بيعة المستكفي بالله يوم خلع المتقي في صفر من هذه السنة.
خروج أبي يزيد الخارجي بالقيروان وفي هذه السنة اشتدت شوكة أبي يزيد الخارجي وهزم الجيوش، وهو رجل من زناتة، واسم والده كنداد، من مدينة توزر من بلاد قسطيلية.
فولد له أبو يزيد بتوزر من جارية سوداء، وانتشأ أبو يزيد في توزر وتعلم القرآن وسار إلى تاهرت، وصار على مذهب النكارية وهو تكفير أهل الملة، واستباحة أموالهم ودمائهم، ودعا أهل تلك البلاد فأطاعوه، وكثر جمعه فحصر قسطيلية في هذه السنة، وكان أبو يزيد قصيراً قبيح الصورة، يلبس جبة صوف، ثم فتح تبسة، ثم سبيبة وصلب عاملها، ثم فتح الأريس، فأخرج القائم جيوشاً لحفظ رقادة والقيروان فهزمهم أبو يزيد، واستولى على تونس، ثم على القيروان، ورقادة، ثم سار أبو يزيد إِلى القائم فجهز إِليه القائم جيشاً، فجرى بينهم قتال كثير، وآخره أن جيوش القائم انهزمت، وسار أبو يزيد وحصر القائم بالمهدية، في جمادى الأولى من هذه السنة، وضايقها وغلا بها السعر، وعدم القوت، ودام محاصرها حتى خرجت هذه السنة، ثم رحل عن المهدية في صفر سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، وسار إلى القيروان، وتوفي القائم وملك ابنه إِسماعيل المنصور على ما نذكره فجهز المنصور العساكر وسار بنفسه إِلى القيروان، واستعادها من أبي يزيد وذلك في سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، ودام حالهم على القتال إِلى سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة، فهزم المنصور عساكر أبي يزيد، وسار المنصور في أثره في ربيع الأول سنة خمس وثلاثين فأدرك أبا يزيد على مدنية كاغلية، فهرب أبو يزيد من موضع إِلى آخر، حتى وصل طبسة، ثم هرب حتى وصل إِلى جبل للبربر، واسم ذلك الجبل برزال، والمنصور في إِثره، واشتد على عسكر المنصور الحال حتى بلغت عليقة الشعير ديناراً ونصفاً، وبلغت قربة الماء ديناراً، فرجع المنصور إِلى بلاد صنهاجة، وبلغ إِلى موضع يسمى قرية عمرة، واتصل هناك بالمنصور، العلوي الأمير زيري الصنهاجي، وهو جد ملوك بني باديس على ما سيأتي ذكرهم إِن شاء الله تعالى.
فأكرمه المنصور غاية الإكرام ومرض المنصور هناك مرضاً
شديداً، ثم تعافى ورحل إِلى المسيلة، ثاني رجب سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة، وكان قد اجتمع إِلى أبي يزيد جمع من البربر، وسبق المنصور إلى مسيلة، فلما قدم المنصور إِلى مسيلة هرب عنها أبو يزيد إِلى جهة بلاد السودان، ثم صعد أبو يزيد إِلى جبال كتامة، ورجع عن قصد بلاد السودان، فسار المنصور عاشر شعبان إِليه، واقتتلوا في شعبان، فقتل غالب جماعة أبي يزيد وانهزم، فسار المنصور في إِثره أول شهر رمضان واقتتلوا أيضاً، وانهزم أبو يزيد وأخذت أثقاله والتجأ أبو يزيد إِلى قلعة كتامة، وهي منيعة، فحاصرها المنصور وداوم الزحف عليها، ثم ملكها المنصور عنوة، وهرب أبو يزيد من القلعة من مكان وعر، فسقط منه، فأخذ أبو يزيد وحمل إلى المنصور، فسجد المنصور شكراً لله تعالى، وكثر تكبير الناس وتهليلهم، وبقي أبو يزيد في الأسر مجروحاً فمات، وذلك في سلخ المحرم سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، فسلخ جلد أبي يزيد، وحشي تبناً، وكتب المنصور إلى سائر البلاد بالفتح، وبقتل أبي يزيد لعنه الله، وعاد المنصور إِلى المهدية، فدخلها في شهر رمضان من سنة ست وثلاثين وثلاثمائة.
غير ذلك من الحوادث في هذه السنة أعني سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة نقل المستكفي، القاهر، من دار الخلافة إِلى دار أبي طاهر، وكان قد بلغ بالقاهر الضر والفقر إِلى أن كان ملتفاً بجبة قطن وفي رجله قبقاب خشب.
ملك سيف الدولة مدينة حلب وحمص وفي هذه السنة، لما سار المتقي عن الرقة إِلى بغداد، وسار عنها الإخشيد إلى مصر كما ذكرنا، سار سيف الدولة أبو الحسن علي بن أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان إِلى حلب، وبها يأنس المؤنسي، فأخذها منه سيف الدولة، واستولى عليها، ثم سار من حلب إِلى حمص، فاستولى عليها ثم سار إِلى دمشق فحصرها، ثم رحل عنها، وكان الإخشيد قد خرج من مصر إِلى الشام، بسبب قصد سيف الدولة دمشق، وسار إِليه فالتقيا بقنسرين، ولم يظفر أحد العسكرين بالآخر، ورجع سيف الدولة إلى الجزيرة، فلما رجع الإخشيد إِلى دمشق، عاد سيف الدولة إِلى حلب، فملكها، فلما ملكها سارت الروم حتى قاربت حلب، فخرج إِليهم سيف الدولة وهزمهم وظفر بهم. ثم دخلت سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة.
موت تورون في هذه السنة في المحرم، مات تورون ببغداد، وكانت إِمارته سنتين وأربعة أشهر وتسعة عشر يوماً، ولما مات، عقد الأجناد لابن شيرزاد الإمرة عليهم، وكان بهبت، فحضر إِلى بغداد مستهل صفر، وأرسل إِلى المستكفي فاستحلفه فحلف له بحضرة القضاة وولاة أمرة الأمراء.