المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ما جرى في هذه السنة بين المعز العلوي وعبد الرحمن الأموي صاحب الأندلس - المختصر في أخبار البشر - جـ ٢

[أبو الفداء]

فهرس الكتاب

- ‌خلافة المهدي

- ‌خلافة الهادي

- ‌بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب

- ‌خلافة الرشيد بن المهدي

- ‌خلافة الأمين

- ‌وقتل ذي الرياستين

- ‌وذكرهم عن آخرهم

- ‌رحمه الله

- ‌رحمه الله تعالى

- ‌خلافة المعتصم

- ‌وإمساك العباس بن المأمون وحبسه وموته

- ‌خلافة ابنه الواثق

- ‌خلافة المتوكل جعفر بن المعتصم

- ‌خلافة المستعينأحمد بن محمد المعتصم

- ‌خلافة المهتدي

- ‌خلافة المعتمد على الله

- ‌ما وراء النهر، وابتداء أمر الساماني

- ‌ أحمد المعتضد بالله

- ‌خلافة أبي العباس

- ‌خلافة المكتفي بالله

- ‌وانقراض ملك بني طولون

- ‌خلافة المقتدر باللهأبي الفضل جعفر بن المعتضد بالله

- ‌بن عبد الله بن إِبراهيم ابن أحمد بن محمد بن إِبراهيم بن الأغلب

- ‌خلافة القاهر بالله

- ‌خلافة الراضي بالله

- ‌وولاية ولده القائم

- ‌وحكاية شيء من منصبه الخبيث

- ‌غير ذلك من الحوادث

- ‌خلافة المتقي لله

- ‌غير ذلك من الحوادث

- ‌خلافة المستكفي بالله

- ‌خلع المستكفي وخلافة المطيع

- ‌بن أحمد بن إِسماعيل وولاية ابنه عبد الملك

- ‌ما جرى في هذه السنة بين المعز العلوي وعبد الرحمن الأموي صاحب الأندلس

- ‌غير ذلك من الحوادث

- ‌خلع المطيع وخلافة ابنه الطايع

- ‌بن عضد الدولة العراق وقبضه على أخيه صمصام الدولة

- ‌صاحب ديار بكر وابتداء دولة بني مروان

- ‌خلافة القادر باللهأبي العباس أحمد بن الأمير وإسحاق بن المقتدر بن المعتضد

- ‌وملكه حلب وأخبار ولده إلى سنة اثنتَين وسبعين وأربعمائة

- ‌وتفرق ممالك الأندلس، وأخبار الدولة العلوية بها

- ‌بن، بهاء الدولة بن عضد الدولة العراق

- ‌وفاة القادر باللهخلافة القائم بأمر الله

- ‌وهو سادس عشرينهم

- ‌وسياق أخبار من ملك بعده من أهل بيته إلى آخرهم

- ‌وهزيمة المعز بن باديس

- ‌خليفة مصر وما كان إلى قتل البساسيري

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌وقتل ناصر الدولة

- ‌خلافة المقتدي بأمر الله

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث

- ‌وانقراض دولة الصنهاجية منها:

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌وحال أخيه بركيارق بن ملكشاه:

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌خلافة المستظهر بالله

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث:

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث:

- ‌وملكهم أنطاكية وغيرها

- ‌‌‌ذكر غير ذلك من الحوادث:

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث:

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌لعنهم الله تعالى وقتل جناح الدولة صاحب حمص

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌واستيلاء الفرنج عليها:

- ‌وموت جكرمش وقليج أرسلان

- ‌‌‌ذكر غير ذلك من الحوادث

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌وقتل مودود بن الطونطاش صاحب الموصل:

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌واستيلاء أيلغازي عليها:

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌خلافة المسترشد

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌ذكر قتل بلك:

- ‌ذكر غير ذلك

الفصل: ‌ما جرى في هذه السنة بين المعز العلوي وعبد الرحمن الأموي صاحب الأندلس

بولاية العهد وهو معد المعز لدين الله، فبايعه الناس في يوم مات أبوه في سلخ شوال من هذه السنة، وأقام في تدبير الأمور إِلى سابع ذي الحجة فأذن للناس فدخلوا إِليه، وسلموا عليه بالخلافة، وكان عمر المعز إِذا ذاك أربعاً وعشرين سنة.

غير ذلك من الحوادث وفي هذه السنة ملك الروم مدينة سروج وسبوا أهلها وغنموا أموالهم، وخربوا المساجد. وفيها توفي أبو علي إِسماعيل بن محمد بن إِسماعيل الصفار النحوي المحدث، وهو من أصحاب المبرد، وكان مولده سنة سبع وأربعين ومائتين، وكان ثقة.

ثم دخلت سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة، ودخلت سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة.

موت الأمير نوح بن نصر

‌بن أحمد بن إِسماعيل وولاية ابنه عبد الملك

في هذه السنة مات الأمير نوح بن نصر الساماني، في ربيع الآخر، وكانت ولايته في سنة إِحدى وثلاثين وثلاثمائة، وكان يلقب بالأمير الحميد، وكان حسن السيرة كريم الأخلاق، ولما توفي ملك بعده ابنه عبد الملك بن نوح.

غير ذلك من الحوادث في هذه السنة في ربيع الأول، غزا سيف الدولة بن حمدان بلاد الروم، فغنم وقتل، ووقع بينه وبين الروم وقعة عظيمة، قتل فيها من الفريقين عالم كثير، وانتصر فيها سيف الدولة. وفيها أرسل معز الدولة سبكتكين في جيش إلى شهرزور، فعاد ولم يفتحها. وفيها مات محمد بن العباس، المعروف بابن النحوي الفقيه، ومحمد بن القاسم الكرخي.

ثم دخلت سنة أربع وأربعين وثلاثمائة فيها مات أبو علي بن المحتاج، صاحب جيوش خراسان بعد أن عزله الأمير نوح عن خراسان، فخرج لذلك عن طاعته نوح ولحق بركن الدولة بن بويه، ومات في خدمته.

‌ما جرى في هذه السنة بين المعز العلوي وعبد الرحمن الأموي صاحب الأندلس

وفي هذه السنة أنشأ عبد الرحمن الناصر الأموي مركباً كبيراً، لم يعمل مثله، وسير فيه بضائع لتباع في بلاد الشرق، ويعتاض عنها، فلقي في البحر مركباً فيه رسول من صقليه إِلى المعز العلوي، ومعه مكاتبات إِليه، فقطع عليهم المركب الأندلسي وأخذهم بما معهم، وبلغ المعز فجهز أسطولا إِلى الأندلس، واستعمل عليه الحسن بن علي عامله على صقلية، فوصلوا

ص: 100

إلى المرية وأحرقوا جميع ما في ميناها من المراكب، وأخذوا ذلك المركب الكبير المذكور، بعد عوده من الإسكندرية، وفيه جوار مغنيات وأمتعة لعبد الرحمن، وصعد أسطول المعز إِلى البر فقتلوا ونهبوا ورجعوا سالمين إِلى المهدية، ولما جرى ذلك، جهز عبد الرحمن أسطولاٌ إِلى بلاد إِفريقية، فوصلوا إِليها، فقصدهم عساكر المعز فرجعوا إِلى الأندلس بعد قتال جرى بينهم.

ثم دخلت سنة خمس وأربعين وثلاثمائة.

فيها سار سيف الدولة بن حمدان إِلى بلاد الروم، فغنم وسبى وفتح عدة حصون، ورجع إِلى أذنة فأقام بها، ثم ارتحل إِلى حلب. وفيها توفي أبو عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد غلام ثعلب المعروف بالمطرز، أحد أئمة اللغة المشاهير المكثرين، صحب أبا العباس ثعلباً زماناً فعرف به، وللمطرز المذكور عدة مصنفات، وكانت ولادته سنة إحدى وستين ومائتين، وكان اشتغاله بالعلوم، قد منعه عن اكتساب الرزق، فلم يزل مضيقَاً عليه، وكان لسعة روايته وكثرة حفظه يكذبه أدباء زمانه في أكثر نقل اللغة، ويقولون: لو طار طائر يقول أبو عمر المذكور: حدثنا ثعلب عن ابن الأعرابي ويذكر في معنى ذلك شيئاً، وكان يلقي تصانيفه من حفظه، حتى أنه أملى في اللغة ثلاثين ألف ورقة، فلهذا الإكثار نسب إِلى الكذب. ثم دخلت سنة ست وأربعين وثلاثمائة في هذه السنة مات السلار المرزبان صاحب أذربيجان، وملك بعده ابنه حسان، وكان لمرزبان أخ يسمى وهشوذان. فشرع في الإفساد بين أولاد أخيه، حتى وقع ما بينهم وتقاتلوا، وبلغ عمهم وهشوذان ما أراد، وقد ذكر ابن الأثير في حوادث هذه السنة أن البحر نقص ثمانين باعاً، فظهرت فيه جزائر وجبال لم تعرف قبل ذلك. وفيها توفي أبو العباس محمد بن يعقوب الأموي النيسابوري، المعروف بالأصم وكان عالي الإسناد في الحديث، وصحب الربيع بن سليمان صاحب الشافعي، وأبو إسحاق إِبراهيم بن محمد الفقيه البخاري الأمين.

ثم دخلت سنة سبع وأربعين وثلاثمائة.

مسير جيوش المعز العلوي إِلى أقاصي المغرب فيها عظم أمر أبي الحسن، جوهر عبد المعز، فصار في رتبة الوزارة، وسيره المعز في صفر هذه السنة، في جيش كثيف إِلى أقاصي المغرب، فسار إلى تاهرت، ثم سار منها إِلى فاس في جمادى الآخرة، وبها صاحبها أحمد بن بكر، فأغلق أبوابها، فنازلها جوهر وقاتل أهلها، فلم يقدر عليها، ومضى جوهر حتى انتهى إلى البحر المحيط، وسلك تلك البلاد جميعها، ثم عاد إِلى فاس ففتحها عنوة وكان مع جوهر زيري بن مناذ الصنهاجي، وكان شريكه في الإمرة، وكان فتح فاس في رمضان سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة. وفيها توفي أبو الحسن علي بن البوشجي الصوفي بنيسابور، وهو أحد المشهورين منهم. وفيها توفي أبو الحسن محمد من ولد أبي الشوارب، قاضي بغداد، وكان مولده سنة اثنتين وتسعين ومائتين، وأبو علي الحسين

ص: 101

بن علي النيسابوري. وأبو محمد عبد الله الفارسي النحوي، أخذ النحو عن المبرد.

ثم دخلت سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة فيها توفي أبو بكر بن سليمان الفقيه الحنبلي، المعروف بالنجاد، وعمره خمس وتسعون سنة، وجعفر بن محمد الخلدي الصوفي، وهو من أصحاب الجنيد، وفيها انقطعت الأمطار وغلت الأسعار في كثير من البلاد.

ثم دخلت سنة تسع وأربعين وثلاثمائة فيها وقع الخلف بين أولاد المرزبان، فاضطروا إِلى مساعدة عمهم وهشوذان، فكاتبوه وصالحوه، وقدموا عليه فغدر بهم، وأمسك حسان وناصراً ابني أخيه وأمهما وقتلهم. في هذه السنة غزا سيف الدولة ابن حمدان بلاد الروم في جمع كثير، ففتح وأحرق وقتل وغنم وبلغ إِلى خرشنه وفي عوده أخذت الروم عليه الضائق واستردوا ما أخذه، وأخذوا أثقاله وأكثروا القتل في أصحابه، وتخلص سيف الدولة في ثلاثمائة نفس. وكان قد أشار عليه أرباب المعرفة بأن لا يعود على الطريق، فلم يقبل، وكان سيف الدولة معجباً بنفسه، يحب أن يستبد ولا يشاور أحداً، لئلا يقال إِنه أصاب برأي غيره. وفي هذه السنة أسلم من الأتراك نحو مائتي ألف خركاة. وفيها انصرف حجاج مصر من الحج فنزلوا وادياً وباتوا فيه، فأتاهم السيل ليلاً وأخذهم جميعهم مع أثقالهم وجمالهم، فألقاهم في البحر. وفي هذه السنة أو قريب من هذه السنة، توفي أبو الحسن التيناتي، نسبة إِلى التينات، وكان عمره مائة وعشرين سنة، وله كرامات مشهورة. وفيها مات أنوجور بن الإخشيد صاحب مصر، وأقيم أخوه علي بن الإخشيد مكانه.

ثم دخلت سنة خمسين وثلاثمائة.

موت صاحب خراسان وفي هذه السنة يوم الخميس حادي عشر شوال، تقنطر بالأمير عبد الملك بن نوح الساماني فرسه، فوقع عبد الملك إِلى الأرض فمات من ذلك، فثارت الفتنة بخراسان بعده، وولي مكانه أخوه منصور بن نوح بن نصر بن أحمد بن إِسماعيل بن أحمد بن أسد بن سامان.

وفاة صاحب الأندلس وفي هذه السنة توفي عبد الرحمن الناصر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل، في رمضان، وكانت مدة إِمارته خمسين سنة ونصفاً، وعمره ثلاث وسبعون سنة، وكان أبيض أشهل حسن الوجه، وهو أول من تلقب من الأمويين أصحاب الأندلس بألقاب الخلفاء، وتسمى بأمير المؤمنين، وكان من قبله يخاطبون، ويخطب لهم بالأمير وأبناء الخلائف، وبقي عبد الرحمن كذلك إلى أن مضى من إِمارته سبع وعشرون سنة، فلما بلغه ضعف الخلفاء بالعراق، وظهور الخلفاء العلويين بإفريقية ومخاطبتهم بأمير المؤمنين أمر حينئذ أن يلقب بالناصر لدين الله، ويخطب له بأمير المؤمنين، وأمه أم ولد اسمها مدنة ولما مات ولي الأمر بعده ابنه الحكم بن عبد الرحمن وتلقب بالمستنصر

ص: 102

وخلف عبد الرحمن أحد عشر ولداً ذكراً.

وفي هذه السنة تولى قضاء القضاة ببغداد أبو العباس عبد الله بن الحسن بن أبي الشوارب، والتزم كل سنة أن يؤدي مائتي ألف درهم، وهو أول من ضمن القضاء. وكان ذلك في أيام معز الدولة بن بويه، ولم يسمع بذلك قبلها، ثم ضمنت بعده الحسبة والشرطة ببغداد. وفيها توفي أبو شجاع فاتك وكان رومياً، وأخذه الإخشيد صاحب مصر من سيده بالرملة، وارتفعت مكانته عنده، وكان رفيق كافور، فلما مات الإخشيد وصار كافور أتابك ولده، أنف فاتك من ذلك، وكانت الفيوم إِقطاعة، فانتقل وقام بها، وكثرت أمراضه لوخم الفيوم، فعاد إلى مصر كرهاً المرض، وكان كافور يخافه ويخدمه، وكان المتنبي إِذ ذلك بمصر عند كافور، فاستأذنه، ومدح فاتك المذكور بقصيدته التي أولها:

لا خيل عندك تُهديها ولا مال

فليسعد النطق إِن لم يسعد الخال

كفاتك ودخول الكاف منقصة

كالشمس قلت وما للشمس أمثال

ولما توفي فاتك رثاه المتنبي بقصيدته التي أولها:

الحزن يقلق والتجملُ يردعُ

والدمع بينهما عصيٌ طيع

ومنها:

إِني لأجبن من فراق أحبتي

وتحس نفسي بالحمام فأشجع

تصفو الحياة لجاهل أو غافل

عما مضى منها وما يتوقع

ومن يغالط في الحقيقة نفسه

ويسومها طلب المحال فتطمع

أين الذي الهرمان من بنيانه

ما قومه ما يومه ما المصرع

تتخلف الآثار عن أصحابها

حينا ويدركها الفناء فتتبع

ثم دخلت سنة إِحدى وخمسين وثلاثمائة، وفي هذه السنة سارت الروم مع الدمستق وملكوا عين زربى بالأمان فقتلوا بعض أهلها وأطلقوا أكثرهم.

استيلاء الروم على حلب وعودهم عنها بغير سبب

وفي هذه السنة استولت الروم على مدينة حلب، دون قلعتها، وكان قد سار إِليها الدمستق، ولم يعلم به سيف الدولة إِلا عند وصوله، فلم يلحق سيف الدولة أن يجمع، وخرج فيمن معه وقاتل الدمستق، فقُتل غالب أصحابه وانهزم سيف الدولة في نفر قليل، وظفر الدمستق بداره، وكانت خارج مدينة حلب تسمى الدارين، فوجد الدمستق فيها ثلاثمائة بدرة من الدراهم، وأخذ لسيف الدولة ألف وأربعمائة بغل، ومن السلاح ما لا يحصى، وملكت الروم الحواضر وحصروا المدينة وثلموا السور، وقاتلهم أهل حلب أشد قتال، فتأخر الروم إِلى جبل جوشن.

ثم وقع بين أهل حلب ورجالة الشرطة فتنة، بسبب نهب كان وقع بالبلد، فاجتمع بسبب ذلك الناس، ولم يبق على الأسوار أحد، فوجد الروم السور خالياً، فهجموا البلد وفتحوا أبوابه وأطلقوا السيف في أهل حلب، وسبوا بضعة عشر ألف صبي

ص: 103

وصبية، وغنموا ما لا يوصف كثرة، فلما لم يبق معهم ظهر يحمل الغنائم، أمر الدمستق فأحرقوا ما بقي بعد ذلك، وأقام الدمستق تسعة أيام ثم ارتحل عائداً إِلى بلاده ولم ينهب قرايا حلب، وأمرهم بالزراعة ليعود من قابل إِلى حلب في زعمه.

غير ذلك من الحوادث وفي هذه السنة استولى ركن الدولة بن بويه على طبرستان وجرجان. وفيها كتب عامة الشيعة بأمر معز الدولة على المساجد، ما هذه صورته لعن الله معاوية بن أبي سفيان، ولعن من غصب فاطمة فدكا، ومن منع أن يدفن الحسن عند قبر جده، ومن نفى أبا ذر الغفاري، ومن أخرج أبا العباس عن الشورى.

فلما كان من الليل حكه بعض الناس، فأشار الوزير المهلبي على معز الدولة أن يكتب موضع المحي لعن الله الظالمين لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يذكر أحد في اللعن إِلا معاوية، ففعل ذلك. وفي هذه السنة في ذي القعدة سارت جيوش المسلمين إِلى صقلية، ففتحوا طبرمين، وهي من أمنع الحصون وأشدها على المسلمين بعد حصار سبعة أشهر ونصف، وسميت طبرمين المعزية نسبة إِلى المعز العلوي. وفيها فتحت الروم حصن دلوك بالسيف وثلاثة حصون مجاورة له.

وفي هذه السنة في شوال أسرت الروم أبا فراس الحارث بن سعيد بن حمدان من منبج، وكان متقلداً بها. وفيها توفي أبو بكر محمد بن الحسن النقاش المقري، صاحب كتاب شفاء الصدور.

ثم دخلت سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة في هذه السنة توفي الوزير المهلبي أبو محمد، وكانت مدة وزارته ثلاث عشرة سنة وثلاثة أشهر، وكان كريماً عاقلاً ذا فضل. وفيها في عاشر المحرم أمر معز الدولة الناس أن يغلقوا دكاكينهم، وأن يظهروا النياحة، وأن يخرج النساء منشورات الشعور، مسودات الوجوه قد شققن ثيابهن ويلطمن وجوههن، على الحسين بن علي رضي الله عنهما، ففعل الناس ذلك. ولم يقدر السنية على منع ذلك لكثرة الشيعة، والسلطان معهم. وفيها عزل ابن أبي الشوارب عن القضاء. وأَبطل ما كان التزم به من الضمان. وفيها قتل الروم ملكهم، وملكوا غيره، وصار ابن شمشقيق دمستقاً، وفيها في ثامن ذي الحجة، أمر معز الدولة بإِظهار الزينة في البلد والفرح، كما يفعل في الأعياد، فرحاً بعيد غد يرخم، وضربت الدبادب والبوقات.

ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة في هذه السنة سار معز الدولة واستولى على الموصل ونصيبين، بعد أن انهزم ناصر الدولة من بين يديه، ثم وقع بينهما الاتفاق، وضمن ناصر الدولة الموصل بمال ارتضاه معز الدولة، فرحل معز الدولة ورجع إلى بغداد.

ثم دخلت سنة أربع وخمسين وثلاثمائة وفي هذه السنة سار ملك الروم إِلى المصيصة، فحاصرها وفتحها عنوة بالسيف، يوم السبت ثالث عشر رجب، ووضع السيف في أهلها، ثم رفع السيف وأخذ من بقي أسرى، ونقلهم إِلى بلد الروم، وكان أهلها

ص: 104

نحو مائتي ألف إِنسان، ثم سار إِلى طرسوس، فطلب أهلها الأمان فأمنهم، وتسلم طرسوس وسار أهلها عنها في البر والبحر، وسير ملك الروم معهم من يحميهم، حتى وصلوا إِلى إنطاكية، وجعل جامع طرسوس اصطبلا، وأحرق المنبر، وعمر طرسوس حصنها وتراجع إِليها بعض أهلها وتنصر بعضهم، ثم عاد ملك الروم إِلى القسطنطينية.

مخالفة أهل إنطاكية على سيف الدولة بن حمدان

في هذه السنة أطاع أهل إنطاكية بعض المقدمين، الذين حضروا من طرسوس، وخالفوا سيف الدولة، وكان اسم المقدم الذي أطاعوه رشيقاً فسار إِلى جهة حلب، وقاتل عامل سيف الدولة قرعويه، وكان سيف الدولة بميافارقين فأرسل سيف الدولة عسكراً مع خادمه بشارة فاجتمع قرعويه العاعل بحلب مع بشارة، وقاتلا رشيق، فقتل رشيق وهرب بأصحابه، ودخلوا إنطاكية.

وفي هذه السنة قتل المتنبي الشاعر وابنه، قتلهما الأعراب وأخذوا ما معهما، واسمه أحمد بن الحسين بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الكندي، ومولده سنة ثلاث وثلاثمائة في الكوفة، بمحلة تسمى كندة، فنسب إِليها، وليس هو من كندة، التي هي قبيلة، بل هو جُعْفي القبيلة، بضم الجيم وسكون العين المهملة، ويقال إِنّ المتنبي كان سقاء بالكوفة، وفي ذلك يقول بعضهم يهجو المتنبي بأبيات منها:

أي فضل لشاعر يطلب الفض

ل من الناس بكرة وعشيا

عاش حينا يبيع في الكوفة الما

ء وحينا يبيع ماء المحيا

ثم قدم المتنبي إِلى الشام في صباه، واشتغل بفنون الأدب، ومهر فيها، وكان من المكثرين لنقل اللغة، والمطلعين عليها وعلى غريبها، لا يسأل عن شيء إلا واستشهد فيه بكلام العرب، حتى قيل إِن الشيخ أبا علي الفارسي صاحب كتاب الإيضاح قال له يوماً: كم لنا من الجموع على وزن فعلى، فقال المتنبي في الحال: حجلى وظربى. قال أبو علي فطالعت كتب اللغة ثلاث ليال على أن أجد لهما ثالثاً فلم أجد، وحسبك من يقول في حقه أبو علي هذه المقالة، وأما شعره فهو النهاية ورزق فيه السعادة، وإنما قيل له المتنبي لأنه ادعى النبوة في برية السماوة، وتبعه خلق كثير من بني كلب، وغيرهم، فخرج إِليه لؤلؤ نائب الإخشيدية بحمص، فأسر المتنبي وتفرق عنه أصحابه، وحبسه طويلا ثم استتابه وأطلقه، ثم التحق المتنبي بسيف الدولة بن حمدان في سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة، ثم فارقه واتصل بمصر سنة ست وأربعين، فمدح كافوراً الإِخشيدي، ثم هجاه وفارقه سنة خمسين وقصد عضد الدولة ببلاد فارس ومدحه، ثم رجع قاصداً الكوفة، فقتل بقرب النعمانية، وهي من الجانب الغربي من سواد بغداد عند دير العاقول، قتلته العرب، وأخذوا ما معه. وفيها توفي محمد بن حبان أبو حاتم بن أحمد بن حبان البستي صاحب التصانيف المشهورة، حبان بكسر الحاء المهملة والباء الموحدة ثم ألف

ص: 105

ونون.

ثم دخلت سنة خمس وخمسين وثلاثمائة.

خروج الروم إلى بلاد الإسلام في هذه السنة، خرجت الروم ووصلوا إلى آمد وحصروها، ثم انصرفوا عنها إِلى قرب نصيبين، وغنموا، وهرب أهل نصيبين، ثم ساروا من الجزيرة إِلى الشام ونازلوا إنطاكية وأقاموا عليها مدة طويلة، ثم رحلوا عنها إِلى طرسوس. وفي هذه السنة استفك سيف الدولة بن حمدان بن عمه أبا فراس ابن حمدان من الأسر، وكان بينه وببن الروم الفداء، فخلص عدة من المسلمين من الأسر.

ثم دخلت سنة ست وخمسين وثلاثمائة.

موت معز الدولة وولاية ابنه بختيار في هذه السنة سار معز الدولة إِلى واسط، وجهز الجيوش لمحاربة عمران بن شاهين صاحب البطيحة، وحصل له إِسهال، فلما قوي به عاد إِلى بغداد، وترك العسكر في قتال عمران بن شاهين، ثم تزايد به المرض بعد وصوله إِلى بغداد، فلما أحس بالموت، عهد إِلى ابنه بختيار، ولقبه عز الدولة، وأظهر معز الدولة التوبة وتصدق بأكثر ماله وأعتق مماليكه، وتوفي ببغداد في ثالث عشر ربيع الآخر من هذه السنة، بعلة الذرب، ودفن بباب التبن، في مقابر قريش، وكانت إمارته إِحدى وعشرين سنة، وأحد عشر شهراً. ولما مات معز الدولة استقر ابنه عز الدولة بختيار في الإمارة، وكتب بختيار إِلى العسكر بمصالحة عمران بن شاهين، وعودهم إِلى بغداد، ففعلوا ذلك، وكان معز الدولة مقطوع اليد، قيل إِنها قطعت بكرمان في بعض حروبه، ومعز الدولة هو الذي أنشأ السعاة ببغداد لأعلام أخيه ركن الدولة بالأحوال سريعاً، فنشأ في أيامه فضل ومرعوش وفاقا جميع السعاة، وكان كل واحد منهما يسير في اليوم نيفاً وأربعين فرسخاً، وتعصبت لهما الناس، وكان أحدهما ساعي السنية والآخر ساعي الشيعة، ولما تولى بختيار، أساء السيرة واشتغل باللعب واللهو وعشرة النساء، والمغنيين وبغى كبائر الديلم شرهاً إِلى إِقطاعاتهم.

القبض على ناصر الدولة بن حمدان

وفي هذه السنة، قبض ابن ناصر الدولة أبو تغلب، على أبيه ناصر الدولة، وحبسه وكان سبب قبضه، أن ناصر الدولة كان قد كبر وساءت أخلاقه، وضيق على أولاده وأصحابه وخالفهم في أغراضهم فضجروا منه، حتى وثب عليه ابنه أبو تغلب فقبضه في هذه السنة في أواخر جمادى الأولى، ووكل به من يخدمه، ولما فعل أبو تغلب ذلك خالفه بعض أخوته، فاحتاج أبو تغلب إِلى مداراة بختيار ليعضده، فضمن أبو تغلب البلاد لبختيار بألف ألف ومائتي ألف درهم.

ص: 106

وفاة وشمكير في هذه السنة مات وشمكير بن زيار أخو مرداويج بأن حمل عليه وهو في الصيد، خنزير مجروح، فقامت به فرسه فسقط إلى الأرض فمات، فقام بالأمر بعده ابنه بيستون بن وشمكير بن زيار، وقيل إِن موته كان سنة سبع وخمسين في المحرم.

وفاة كافور وفيها مات كافور الإخشيدي وكان خصياً أسود من موالي محمد بن طغج الإخشيدي صاحب مصر، واستولى كافور على ملك مصر والشام بعد موت أولاد الإخشيد، فإنه ملك بعد الإخشيد ابنه أنوجور، والأمر جميعه إِلى كافور، ثم مات أنوجور سنة تسع وأربعين وثلاثمائة، فأقام كافور أخاه علياً بن الإخشيد، فتوفي علي ابن الإخشيد المذكور، وهو صغير، في سنة خمس وخمسين وثلاثمائة فاستقل كافور بالمملكة من هذا التاريخ وكان كافور شديد السواد، واشتراه الإخشيد بثمانية عشر ديناراً وقصده المتنبي ومدحه، وحكى المتنبي قال: كنت إِذا دخلت على كافور، أنشده يضحك لي، ويبش في وجهي إِلى أن أنشدته:

ولما صار ود الناس خبا

جزيتَ على ابتسام بابتسام

وصرت أشك فيمن أصطفيه

لعلمي أنه بعض الأنام

قال: فما ضحك بعدها في وجهي إِلى أن تفرقنا، فعجبت من فطنته وذكائه، ولم يزل كافور مستقلاً بالأمر حتى توفي في هذه السنة يوم الثلاثاء لعشرين بقين من جمادى الأولى بمصر، وقيل كانت وفاته سنة سبع وخمسين، ودفن بالقرافة الصغرى، وكان يدعى له على المنابر بمكة والحجاز جميعه، والديار المصرية، وبلاد الشام، وكان تقدير عمره خمساً وستين سنة، ووقع الخلف فيمن ينصب بعده، واتفقوا على أبي الفوارس أحمد بن علي بن الإخشيد وخطب له في جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وثلاثمائة.

وفاة سيف الدولة وفيها مات سيف الدولة، أبو الحسن علي بن عبد الله بن حمدان بن حمدون التغلبي الربعي، وكان موته بحلب في صفر، وحمل تابوته إِلى ميافارقين، فدفن بها، وكان مولده في ذي الحجة سنة ثلاث وثلاثمائة وكان مرضه عسر البول، وهو أول من ملك حلب من بني حمدان، أخذها من أحمد بن سعيد الكلابي نائب الإخشيد وقيل إن أول من ولى حلب من بني حمدان، الحسين بن سعيد، وهو أخو أبي فراس حمدان وكان سيف الدولة شجاعاً كريماً، وله شعر فمنه ما قاله في أخيه ناصر الدولة:

وهبت لك العلياء وقد كنت أهلها

وقلت لهم بيني وبين أخي فرق

ص: 107

وما كان لي عنها نكول وإنما

تجاوزت عن حقي فتم لك الحق

أما كنت ترضى أن أكون مصلياً

إذا كنت أرضى أن يكون لك السبق

وله:

قد جرى في دمعه دمه

فإلى كم أنت تظلمه

رد عنه الطرف منك فقد

جَرحنه منك أسهمه

كيف يستطيع التجلد من

خطرات الوهم تؤلمه

ولما توفي سيف الدولة، ملك بلاده بعده ابنه سعد الدولة شريف، وكنيته أبو المعالي بن سيف الدولة بن حمدان.

وفي هذه السنة توفي أبو علي محمد بن إِلياس، صاحب كرمان. وفي هذه السنة توفي أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم بن عبد الرحمن بن مروان بن عبد الله بن مروان بن محمد بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي، الكاتب الأصفهاني صاحب كتاب الأغاني، وجده مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية، وهو أصفهاني الأصل بغدادي المنشأ، وروى عن عالم كثير من العلماء، وكان عالماً بأيام الناس والأنساب والسير، وكان على أمويته متشيعاً، قيل إِنه جمع كتاب الأغاني في خمسين سنة وحمله إِلى سيف الدولة، فأعطاه ألف دينار، واعتذر إِليه، له غيره مصنفات عدة، وصنف كتباً لبني أمية أصحاب الأندلس، وسيرها إِليهم سراً وجاءه الإنعام منهم سراً، وكان منقطعاً إِلى الوزير المهلبي، وله فيه مدائح، وكانت ولادته سنة أربع وثمانين ومائتين، وأسماء الكتب التي صنفها لبني أمية: نسب بني عبد شمس، وأيام العرب ألف وسبع مائة يوم، وجمهرة النسب ونسب بني سنان.

ثم دخلت سنة سبع وخمسين وثلاثمائة في هذه السنة استولى عضد الدولة ابن ركن الدولة بن بويه على كرمان بعد موت صاحبها علي بن إِلياس.

قتل أبي فراس بن حمدان وفي هذه السنة في ربيع الآخر قتل أبو فراس وكان مقيماً بحمص، فجرى بينه وبين أبي المعالي بن سيف الدولة وحشة، وطلبه أبو المعالي، فانحاز أبو فراس إلى صدد فأرسل أبو المعالي عسكر مع قرعويه، أحد قواد عسكره، فكبسوا أبا فراس في صدد، وقتلوه، وكان أبو فراس خال أبي المعالي وابن عمه، واسم أبي فراس الحارث بن أبي العلا سعيد بن حمدان بن حمدون وهو ابن عم ناصر الدولة، وسيف الدولة أسر بمنبج كما ذكرناه، وحمل إِلى القسطنطينية، وأقام في الأسر أربع سنين، وله في الأسر أشعار كثيرة، وكانت منبج إِقطاعه. وقال ابن خالويه. لما مات سيف الدولة عزم أبو فراس على التغلب على حمص، فاتصل خبره بأبي المعالي بن سيف الدولة وغلام أبيه قرعويه، فأرسله إِليه وقاتله، فقتل في صدد وقيل بقي مجروحاً أياماً، َ ومات، وكان مولده سنة عشرين وثلاثمائة. وفي مقتله في

ص: 108

صدد يقول بعضهم:

وعلمني الصد من بعده

عن النوم مصرعه في صدد

فسقيا لها إِذ حوت شخصه

وبعداً لها حيث فيها ابتعد

غير ذلك من الحوادث وفي هذه السنة مات المتقي لله إِبراهيم بن المقتدر في داره أعمى مخلوعاً، ودفن فيها. وفيها توفي علي بن قيدار الصوفي في النيسابوري.

ثم دخلت سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة.

ملك المعز العلوي مصر في هذه السنة، سير المعز لدين الله أبو تميم معد بن إِسماعيل المنصور بالله ابن القائم محمد بن المهدي عبيد الله القائد أبا الحسين، جوهر أغلام، والده المنصور، وجوهر رومي الجنس، فسار جوهر المذكور، في جيش كثيف إلى الديار المصرية، فاستولى عليها، وكان سبب ذلك أنه لما مات كافور الإِخشيدي، اختلفت الأهواء في مصر، وتفرقت الآراء، فبلغ ذلك المعز، فجهّز العسكر إِليها، فهربت العساكر الإِخشيدية من جوهر المذكور قبل وصوله، ووصل القائد جوهر إِلى الديار المصرية سابع عشر شعبان، وأقيمت الدعوة للمعز في الجامع العتيق في شوال، وكان الخطيب أبا محمد عبد الله بن الحسين الشمشاطي، وفي جمادى الأولى من سنة تسع وخمسين وثلاثمائة، قدم جوهر إِلى جامع ابن طولون وأمر فأذن فيه بحي على خير العمل، ثم أذّن بعده بذلك في الجامع العتيق، وجهر في الصلاة يبسم الله الرحمن الرحيم ولما استقر جوهر بمصر شرع في بناء القاهرة.

ملك عسكر المعز دمشق وغيرها من البلاد ولما استقر قدم جوهر بمصر، سيّر جمعاً كثيراً مع جعفر بن فلاج إلى الشام، فبلغ الرملة، وبها للحسن بن عبد الله بن طغج، وجرى بينهما حروب كان الظفر فيها لعسكر المعز، وأسر ابن طغج وغيره من القواد، فسيرهم جوهر إِلى المعز، واستولى عساكر المعز على تلك البلاد، وجبوا أموالها.

ثم سار جعفر بن فلاج بالعساكر إِلى طبرية، فوجد أهلها قد أقاموا الدعوة للمعز قبل وصوله. فسار عنها إِلى دمشق، فقاتله أهلها فظفر بهم، وملك دمشق ونهب بعضهما، وكف عن الباقين، وأقام الخطبة يوم الجمعة للمعز لدين الله العلوي، لأيام خلت من المحرم، سنة تسع وخمسين، وقطعت الخطبة العباسية، وجرى في أثناء هذه السنة بعد إِقامة الخطبة العلوية، فتنة بين أهل دمشق وجعفر بن فلاج، ووقع بينهم حروب، وقطعوا الخطبة العلوية، ثم استظهر جعفر بن فلاج واستولى على دمشق، فزالت الفتن واستقرت دمشق للمعز لدين الله العلوي.

ص: 109

اختلاف أولاد ناصر الدولة وموت أبيهم كان أبو تغلب وأبو البركات، وأختهما فاطمة، أولاد ناصر الدولة، من زوجته فاطمة بنت أحمد الكردية، وكانت مالكة أمر ناصر الدولة، فاتفقت مع ابنها أبي تغلب، وقبضوا على ناصر الدولة على ما ذكرناه، وكان لناصر الدولة ابن آخر اسمه حمدان، كان ناصر الدولة قد أقطعه الرحبة وماردين وغيرهما، فلما قبض ناصر الدولة، كاتب ابنه حمدان يستدعيه، ليتقوى به على المذكورين، فظفر أولاده بالكتاب، فخوفوا أباهم وحذروه، وبلغ ذلك حمدان، فعادى أخوته، وكان أشجعهم، ولما خاف أبو تغلب من أبيه ناصر الدولة، نقله إِلى قلعة كواشي، وحبسه بها، وبقي ناصر الدولة محبوساً بها شهوراً، ومات ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان بن حمدون بن الحارث بن لقمان التغلبي المذكور، بقلعة كواشي، في ربيع الأول من هذه السنة، ووقع بين حمدان بن ناصر الدولة، وبين أخويه أبي تغلب وأبي بركات حروب كثيرة، قتل فيها أبو البركات، قتله أخوه حمدان. ثم قوي أبو تغلب على أخيه حمدان وطرده عن بلاده، واستولى عليها، وكان يلقب أبو تغلب بن ناصر الدولة المذكور، عدة الدولة الغضنفر أبا تغلب.

ما فعله الروم بالشام في هذه السنة دخل ملك الروم إِلى الشام، ولم يمنعه أحد، فسار في البلاد إلى طرابلس، وفتح قلعة عرقة بالسيف، ثم قصد حمص، وقد أخلاها أهلها، فأحرقها ورجع إِلى بلاد الساحل، فأتى عليها نهباً وتخريباً، وملك ثمانية عشر منبراً، وأقام في الشام شهرين، ثم عاد إِلى بلاده، ومعه من الأسرى والغنائم ما يفوق الحصر.

استيلاء قرعويه على حلب في هذه السنة استولى قرعويه غلام سيف الدولة على حلب، وأخرج ابن أستاذه أبا المعالي شريف بن سيف الدولة بن حمدان منها، فسار أبو المعالي إِلى عند والدته بميافارقين، وأقام عندها، ثم جرى بينهما وحشة، ثم اتفقا بعدها، ثم سار أبو المعالي فعبر الفرات وقصد حماة وأقام بها. وفي هذه السنة طلب سابور بن أبي طاهر القرمطي من أعمامه، أن يسلموا الأمر إِليه، فحبسوه ثم أخرج ميتاً في منتصف رمضان.

ثم دخلت سنة تسع وخمسين وثلاثمائة.

ما ملكه الروم من البلاد في هذه السنة، سارت الروم إِلى الشام، ففتحوا إنطاكية بالسيف، وقتلوا أهلها، وغنموا وسبوا، ثم قصدوا حلب، وقد تغلب عليها قرعويه، غلام سيف الدولة بن حمدان، بعد طرد ابن أستاذه أبي المعالي عنها، فتحصن قرعويه بالقلعة، وملك الروم مدينة حلب وحصروا

ص: 110

القلعة، ثم اصطلحوا على مال يحمله قرعويه إلى ملك الروم في كل سنة، وكانت المصالحة بحمل المال المقرر على حلب وما معها من البلاد، وهي حماة وحمص وكفر طاب والمعرة وأفامية وشيزر وما بين ذلك، ودفع أهل حلب الرهائن بالمال إِلى الروم، فرحلت الروم عن حلب، وعادت المسلمون إِليها.

وفيها رسل ملك الروم إِلى ملاز كرد من أرمينية جيشاً، فحصروها وفتحوها، عنوة بالسيف، وصارت البلاد كلها مسبية، ولا يمنع الروم عنها مانع.

قتل ملك الروم

كان قد غلب على ملك الروم رجل ليس من بيت المملكة، واسمه نقفور وخرج إلى بلاد الإسلام وفتح من الشام وغيره ما ذكرناه، وطمع في ملك جميع الشام وعظمت هيبته، وكان قد قتل الملك الذي قبله، وتزوج امرأته، ثم أراد أن يخصي أولادها الذين من بيت الملك، لينقطع نسلهم، ويبقى الملك في نسل نقفور المذكور وعقبه، فعظم ذلك على أمهم التي هي زوجة نقفور، فاتفقت مع الدمستق على قتله، وأدخلت الدمستق مع جماعة في زي النساء إِلى كنيسة متصلة بدار نقفور، فلما نام نقفور وغلقت الأبواب قامت زوجته ففتحت الباب الذي إِلى جهة الكنيسة، ودعت الدمستق، فدخل على نقفور وهو نائم، فقتله وأراح الله المسلمين من شره، وأقام الدمستق أحد أولادها الذي من بيت الملك في الملك، والدمستق عندهم اسم لكل من يلي بلاد الروم التي هي شرقي خليج قسطنطينية.

استيلاء أبي تغلب بن ناصر الدولة على حران في هذه السنة سار أبو تغلب إِلى حَران وحاصرها مدة وفتحها بالأمان، فاستعمل على حران البرقعيدي، وهو من أكابر أصحاب بني حَمْدان، ثم عاد أبو تغلب إِلى المَوْصل.

غير ذلك من الحوادث في هذه السنة اصطلح قرعويه مع ابن أستاذه أبي المعالي، وخطب له بحلب، وكان أبو المعالي حينئذ بحمص، وخطب أيضاً بحمص وحلب للمعز لدين الله العلوي، صاحب مصر، وخطب بمكة للمطيع، وبالمدينة النبوية للمعز، وخطب أبو محمد الموسوي والد الشريف الرضي خارج المدينة للمطيع.

وفي هذه السنة مات محمد بن داود الدينوري، المعروف بالرقي وهو من مشاهير مشايخ الصوفية، والقاضي أبو العلا محارب بن محمد بن محارب، الفقيه الشافعي، وكان عالماً بالفقه والكلام.

ثم دخلت سنة ستين وثلاثمائة.

ملك القرامطة دمشق في هذه السنة، في ذي القعدة، وصلت القرامطة إِلى دمشق، وبلغ خبرهم جعفر ابن فلاج، نائب المعز لدين الله، فاستهان بهم، فكبسوه خارج دمشق وقتلوه، وملكوا دمشق وأمنوا

ص: 111

أهلها، ثم ساروا إِلى الرملة فملكوها، ثم اجتمع إليهم خلق من الإخشيدية. فقصدوا مصر، ونزلوا بعين شمس، وجرى بنيهم وبين المغاربة وجوهر قتال، انتصرت فيه القرامطة، ثم انتصرت المغاربة، فرحلت القرامطة وعادوا إلى الشام، وكان كبير القرامطة حينئذ اسمه الحسن بن أحمد بن بهرام.

غير ذلك من الحوادث في هذه السنة، استوزر مؤيد الدولة بن ركن الدولة، الصاحب أبا القاسم ابن عباد. وفيها مات أبو القاسم سليمان بن أيوب الطبراني، صاحب المعاجم الثلاثة بأصفهان، وكان عمره مائة سنة. وفيها توفي السري الرفاء الشاعر الموصلي ببغداد.

ثم دخلت سنة إِحدى وستين وثلاثمائة في هذه السنة وصلت الروم إِلى الجزيرة والرها ونصيبين، فغنموا وقتلوا، ووصل المسلمون إلى بغداد مستصرخين، فثارت العامة. وجرى في بغداد فتن كثيرة، واستغاثوا إِلى بختيار وهو في الصيد، فوعدهم الخروج إِلى الغزاة، وأرسل بختيار يطلب من الخليفة المطيع مالاً، فقال المطيع: أنا ليس لي غير الخطبة، فإِن أحببتم اعتزلت، فتهدده بختيار، فباع الخليفة قماشه وغير ذلك، حتى حمل إِلى بختيار أربعمائة ألف درهم، فأنفقها بختيار وأخرجها في مصالح نفسه، وبطل حديث الغزاة، وشاع في الناس أن الخليفة صودرَ.

مسير المعز لدين الله العلوي إِلى مصر وفي هذه السنة سار المعز من إفريقية، في أواخر شوال واستعمل على بلاد إفريقية يوسف، ويسمى بلكين بن زيري بن مناذ الصنهاجي، وجعل على بلاد صقلية أبا القاسم علي بن الحسين بن علي بن أبي الحسين، وعلى طرابلس الغرب عبد الله بن يخلف الكتامي، واستصحب المعز معه أهله وخزانته، وفيها أموال عظيمة، حتى سبك الدنانير وعملها مثل الطواحين، وشالها على جمال، ولما وصل إلى برقة ومعه محمد بن هاني الشاعر الأندلسي، قتل غيلة، لا يدري من قتله، وكان شاعراً مجيداً، وغالي في مدح المعز حتى كفر في شعره، فمما قاله:

ما شئتَ لا ما شاءَتِ الأقدار

فاحكمْ فأنتَ الواحد القهار

ثم سار المعز حتى وصل إِلى الإسكندرية في أواخر شعبان، سنة اثنتين وستين وثلاثمائة، وأتاه أهل مصر وأعيانها فلقيهم وأكرمهم، ودخل القاهرة خامس شهر رمضان سنة اثنتين وستين وثلاثمائة.

غير ذلك من الحوادث

في هذه السنة، تم الصلح بين منصور بن نوح الساماني، صاحب خراسان وبين ركن الدولة بن بويه، على أن يحمل ركن الدولة إِليه في كل سنة مائة ألف دينار وخمسين ألف دينار، وتزوج منصور بابنة عضد الدولة. وفيها ملك أبو تغلب بن ناصر الدولة بن

ص: 112