المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌خلافة القادر باللهأبي العباس أحمد بن الأمير وإسحاق بن المقتدر بن المعتضد - المختصر في أخبار البشر - جـ ٢

[أبو الفداء]

فهرس الكتاب

- ‌خلافة المهدي

- ‌خلافة الهادي

- ‌بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب

- ‌خلافة الرشيد بن المهدي

- ‌خلافة الأمين

- ‌وقتل ذي الرياستين

- ‌وذكرهم عن آخرهم

- ‌رحمه الله

- ‌رحمه الله تعالى

- ‌خلافة المعتصم

- ‌وإمساك العباس بن المأمون وحبسه وموته

- ‌خلافة ابنه الواثق

- ‌خلافة المتوكل جعفر بن المعتصم

- ‌خلافة المستعينأحمد بن محمد المعتصم

- ‌خلافة المهتدي

- ‌خلافة المعتمد على الله

- ‌ما وراء النهر، وابتداء أمر الساماني

- ‌ أحمد المعتضد بالله

- ‌خلافة أبي العباس

- ‌خلافة المكتفي بالله

- ‌وانقراض ملك بني طولون

- ‌خلافة المقتدر باللهأبي الفضل جعفر بن المعتضد بالله

- ‌بن عبد الله بن إِبراهيم ابن أحمد بن محمد بن إِبراهيم بن الأغلب

- ‌خلافة القاهر بالله

- ‌خلافة الراضي بالله

- ‌وولاية ولده القائم

- ‌وحكاية شيء من منصبه الخبيث

- ‌غير ذلك من الحوادث

- ‌خلافة المتقي لله

- ‌غير ذلك من الحوادث

- ‌خلافة المستكفي بالله

- ‌خلع المستكفي وخلافة المطيع

- ‌بن أحمد بن إِسماعيل وولاية ابنه عبد الملك

- ‌ما جرى في هذه السنة بين المعز العلوي وعبد الرحمن الأموي صاحب الأندلس

- ‌غير ذلك من الحوادث

- ‌خلع المطيع وخلافة ابنه الطايع

- ‌بن عضد الدولة العراق وقبضه على أخيه صمصام الدولة

- ‌صاحب ديار بكر وابتداء دولة بني مروان

- ‌خلافة القادر باللهأبي العباس أحمد بن الأمير وإسحاق بن المقتدر بن المعتضد

- ‌وملكه حلب وأخبار ولده إلى سنة اثنتَين وسبعين وأربعمائة

- ‌وتفرق ممالك الأندلس، وأخبار الدولة العلوية بها

- ‌بن، بهاء الدولة بن عضد الدولة العراق

- ‌وفاة القادر باللهخلافة القائم بأمر الله

- ‌وهو سادس عشرينهم

- ‌وسياق أخبار من ملك بعده من أهل بيته إلى آخرهم

- ‌وهزيمة المعز بن باديس

- ‌خليفة مصر وما كان إلى قتل البساسيري

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌وقتل ناصر الدولة

- ‌خلافة المقتدي بأمر الله

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث

- ‌وانقراض دولة الصنهاجية منها:

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌وحال أخيه بركيارق بن ملكشاه:

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌خلافة المستظهر بالله

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث:

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث:

- ‌وملكهم أنطاكية وغيرها

- ‌‌‌ذكر غير ذلك من الحوادث:

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث:

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌لعنهم الله تعالى وقتل جناح الدولة صاحب حمص

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌واستيلاء الفرنج عليها:

- ‌وموت جكرمش وقليج أرسلان

- ‌‌‌ذكر غير ذلك من الحوادث

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌وقتل مودود بن الطونطاش صاحب الموصل:

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌واستيلاء أيلغازي عليها:

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌خلافة المسترشد

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌ذكر قتل بلك:

- ‌ذكر غير ذلك

الفصل: ‌خلافة القادر باللهأبي العباس أحمد بن الأمير وإسحاق بن المقتدر بن المعتضد

الرضي، فبادر بالخروج من دار الخلافة، وقال في ذلك أبياتاً من جملتها:

أمسيت أرحم من كنت أغبطه

لقد تقارب بين العز والهون

ومنظر كان بالسراء يضحكني

يا قرب ما عاد بالضراء يبكيني

هيهات أعثر بالسلطان ثانية

قد ضل عندي ولاج السلاطين

‌خلافة القادر بالله

أبي العباس أحمد بن الأمير وإسحاق بن المقتدر بن المعتضد

وهو خامس عشرينهم، وكان مقيماً بالبطيحة. كما ذكرناه، فأرسل إِليه بهاء الدولة، خواص أصحابه ليحضروه، ولما قرب من بغداد خرج بهاء الدولة وأعيان الناس لملتقاه، ودخل القادر دار الخلافة ثاني عشر شهر رمضان، وبايعه الناس، وخطب له ثالث عشر رمضان. وكانت مدة مقام القادر في البطيحة، عند مهذب الدولة، سنتين وأحد عشر شهراً. وكان مهذب الدولة محسناً إِلى القادر بالله، ولما توجه من عنده، حمل إِليه مهذب الدولة أموالاً كثيرة.

قتل بكجور وموت سعد الدولة كنا قد ذكرنا استيلاء منير الخادم من جهة العزيز على دمشق، ومسير بكجور عنها إِلى الرقة، فلما كان هذه السنة، سار بكجور إِلى قتال سعد الدولة بن سيف الدولة بحلب، واقتتلا قتالاً شديداً، وهرب بكجور وأصحابه، وكثر القتل فيهم، ثم أمسك بكجور وأحضر أسيراً إِلى سعد الدولة فقتله، ولقي بكجور عاقبة بغيه وكفره، إحسان مولاه، ولما قتله سار سعد الدولة إِلى الرقة، وبها أولاد بكجور وأمواله، وحصرها فطلبوا الأمان، وحلفوا سعد الدولة على أن لا يتعرض إِليهم، ولا إلى مالهم، فبذل سعد الدولة اليمين لهم، فلما سلموا الرقة إِليه، وخرجوا منها، غدر بهِم سعد الدولة، وقبض على أولاد بكجور وأخذ ما معهم من الأموال، وكانت شيئاً كثيراٌ. فلما عاد سعد الدولة إِلى حلب، لحقه فالج في جانبه اليمين، فأحضر الطبيب ومد إليه يده اليسرى، فقال الطبيب: يا مولانا هات اليمين. فقال سعد الدولة: ما تركت لي اليمين يميناً، وعاش بعد ذلك ثلاثة أيام ومات في هذه السنة، واسم سعد الدولة المذكور شريف، وكنيته أبو المعالي بن سيف الدولة بن علي بن حمدان بن حمدون الثعلبي. وقبل موته عهد إِلى ولده أبي الفضائل بن سعد الدولة، وجعل مولاه لؤلؤاً يدبر أمره.

غير ذلك من الحوادث في هذه السنة، وصل بسيل ملك الروم إلى الشام، ونازل حمص ففتحها ونهبها، ثم سار إِلى شيزر فنهبها، ثم سار إِلى طرابلس، فحصرها مدة، ثم عاد إِلى بلاد الروم. وفي هذه السنة توفي القائد جوهر الذي فتح مصر للمعز العلوي، معزولا عن وظيفته.

ثم دخلت سنة

ص: 128

اثنتين وثمانين وثلاثمائة فيها شغبت الجند على بهاء الدولة بسبب استيلاء أبي الحسن بن المعلم على الأمور كلها، فقبض بهاء الدولة على ابن المعلم وسلمه إلى الجند فقتلوه.

ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة في هذه السنة استولى على بخارى بغراخان، واسمه هارون بن سليمان أيلك خان، وكان له كاشغر وبلا صاغون إِلى حد الصين، فقصد بخارى، وجرى بينه وبين الأمير الرضي نوح بن منصور الساماني حروب انتصر فيهما بغراخان، وملك بخارى، وخرج منها الأمير نوح مستخفياً، فعبر النهر إِلى أمل الشط، وأقام الأمير نوح المذكور بها، ولحق به أصحابه، وبقي يستدعي أبا علي بن سيمجور صاحب جيش خراسان، فلم يأته وعصي عليه، ومرض بغراخان في بخارى، فارتحل عنها راجعاً نحو بلاده، فمات في الطريق، وكان بغراخان ديناً حسن السيرة، وكان يحب أن يكتب عنه مولى رسول الله، وولي أمرة الترك بعده طغان خان أبو نصر أحمد بن علي خان، ولما رحل بغراخان عن بخارى ومات، بادر الأمير نوح فعاد إِلى بخارى، واستقر في ملكه وملك آبائه.

ثم دخلت سنة أربع وثمانين وثلاثماثة في هذه السنة لما عاد نوح إلى بخارى، اتفق أبو علي بن سيمجور صاحب جيش خراسان، وفائق، على حرب نوح، فكتب نوح إِلى سبكتكين وهو بغزنة يعلمه الحال، وولاه خراساَن، فسار سبكتكين عن غزنة ومعه ولده محمود إِلى نحو خراسان، وخرج نوح من بخارى، فاجتمعوا وقصدوا أبا علي بن سيمجور وفائقاً، واقتتلوا بنواحي هراة، فانهزم أبو علي وأصحابه، وتبعهم عسكر نوح وسبكتكين. يقتلون فيهم، ولما استقر أمر نوح بخراسان، استعمل عليها محمود بن سبكتكين.

وفيها توفي عبيد الله بن محمد بن نافع، وكان من الصالحين، بقي سبعين سنة لا يستند إلى حائط ولا إِلى مخدة. وأبو الحسن علي بن عيسى النحوي، المعروف بالرماني، ومولده سنة ست وتسعين ومائتين، وله تفسير كبير، ومحمد بن العباس بن أحمد القزاز، سمع وكتب كثيراً، وخطه حجة في صحة النقل، وجودة الضبط.

وفيها توفي أيضاً أبو إسحاق إِبراهيم بن هلال الكاتب الصابي المشهور، وكان عمره إِحدى وتسعين سنة، وكان قد زمن وضاقت الأمور به، وقلت عليه الأموال، كان كاتب إِنشاء ببغداد لمعز الدولة، ثم كتب لبختيار، وكانت تصدر عنه مكاتبات إِلى عضد الدولة تؤلمه، فحقد عليه، فلما ملك عضد الدولة بغداد حبسه مدة، ثم أطلقه، وأمره عضد الدولة أن يصنف له كتاباً في أخبار الدولة الديلمية، فصنف له كتاباً وسماه التاجي، ونقل إِلى عضد الدولة عنه، أن بعض أصحاب أبي إسحاق، دخل عليه وهو يؤلف في التاجي، فسأله عما يعمل؟ فقال: أباطيل أنمقها، وأكاذيب ألفقها، فحرك ذلك عضد الدولة وأهاج حقده، فأبعده وأحرمه، ولم يزل الصابي على دينه، فجهد عليه معز الدولة أن يسلم فلم يفعل، وكان مع ذلك يحفظ القرآن، ولما مات الصابي المذكور رثاه الشريف الرضي فليم على ذلك. فقال: إِنما رثيت فضيلته.

ثم دخلت سنة خمس وثمانين وثلاثمائة وفي هذه السنة عاد أبو علي ابن

ص: 129

سيمجور إِلى خراسان، وقاتل محمود بن سبكتكين، وأخرجه عنها، ثم سار سبكتكين ومحمود ابنه بالعساكر، واقتتلوا مع أبي علي بطرس فهزموه، وفي ذلك يقول بعض الشعراء عن ابن سيمجور:

عصى السلطان فابتدرت إِليه

رجال يقلعون أبا قبيس

وصير طوس معقله فكانت

عليه طوس أشأم من طويس

ثم إِن أبا علي طلب الأمان من نوح، فأمنه وسار إِليه، فلما وصل إِلى بخارى، قبض نوح على أبي علي وأصحابه وحبسهم، حتى مات أبو علي في الحبس.

وفاة ابن عباد في هذه السنة مات الصاحب أبو القاسم إِسماعيل بن عباد وزير فخر الدولة، علي بن ركن الدولة، بالري، ونقل إِلى أصفهان ودفن بها، وكان الصاحب المذكور أوحد زمانه، علماً وفضلا وتدبيراً وكرماً، وكان عالماً بأنواع العلوم، وجمع من الكتب ما لم يجمعه غيره، وهو أول من لقب بالصاحب من الوزراء، لأنه كان يصحب أبا الفضل بن العميد، فقيل له صاحب ابن العميد. ثم طلق عليه هذا اللقب لما تولى الوزارة، وبقي علماً عليه. ثم سمي به كل من ولي الوزارة، وكان أولاً وزيراً لمؤيد الدولة بن ركن الدولة، فلما مات مؤيد الدولة، واستولى أخوه فخر الدولة على مملكته، أقر الصاحب بن عباد على وزارته، وعظمت منزلته عنده، وصنف الصاحب عدة كتب، منها المحيط في اللغة، والكافي في الرسائل، وكتاب الإمامة، يتضمن فضائل علي وصحة إمامة من تقدمه، وكتاب الوزارة، وله النظم الجيد، وكان مولده في ذي القعدة سنة ست وعشرين وثلاثمائة بإصطخر وقيل بالطالقان، وهي طالقان قزوين، لا طالقان خراسان، وكان عباد أبو الصاحب وزير ركن الدولة، وتوفي عباد في سنة أربع أو خمس وثلاثين وثلاثمائة وفي هذه السنة توفي الإمام أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد المعروف بالدارقطني. وكان حافظاً إِماماً فقيهاً، مذهب الشافعي، وكان يحفظ كثيراً من دواوين الشعراء منها ديوان السيد الحميري، فنسب إِلى التشيع لذلك، وخرج من بغداد إلى مصر، وأقام عند أبي الفضل جعفر بن الفضل، وزير كافور الإخشيدي. وحصل للدارقطني منه مال جزيل، وكان متقناً في علوم كثيرة، إِماماً في علوم القرآن، وكان مولده في ذي القعدة سنة ست وثلاثين وكانت وفاته ببغداد، والدارقطني نسبة إِلى دار القطن، وكانت محلة كبيرة ببغداد.

وفيها توفي أبو محمد يوسف بن الحسن بن عبد الله، بن المرزبان السيرافي النحوي الفاضل بن الفاضل، شرح أبوه الحسن بن عبد الله، كتاب سيبويه، وظهر له فيه ما لم يظهر لغيره، وصنف بعده كتاب الإقناع، ومات الحسن المذكور قبل إِتمامه، فكمله ولده يوسف المذكور. ثم صنف عدة كتب مشهورة، مثل شرح أبيات كتاب سيبويه، وشرح إِصلاح المنطق، وسيراف فرضة فارس، وليس بها زرع، ولا ضرع، وأهلها زجاة، ومنها ينتهي الإنسان

ص: 130

إِلى حصن ابن عمارة على البحر، من أمنع الحصون. ويقال إِن صاحبها هو الذي يقول الله تعالى في حقه:" وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً "" الكهف: 79 " وكان اسم ذلك الملك الجُلُندي بضم الجيم واللام وسكون النون وفتح الدال المهملة وبعدها ألف.

ثم دخلت سنة ست وثمانين وثلاثمائة.

وفاة العزيز بالله وولاية ابنه الحاكم

وفي هذه السنة لليلتين بقيتا من رمضان، توفي العزيز بالله أبو منصور نزار بن المعز معد بن المنصور إِسماعيل العلوي الفاطمي، صاحب مصر. وعمره اثنتان وأربعون سنة وثمانية أشهر بمدينة بليس وكان قد برز إِليها لغزو الروم، وكان موته بعدة أمراض، منها القولنج. وكانت خلافته إِحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر ونصف شهر. ومولده بالمهدية، وكان قد ولى كتابته رجلاً نصرانياً يقال له عيسى بن نسطورس، واستناب بالشام رجلاً يهودياً اسمه ميشا، فاستطالت النصارى واليهود بسببهما على المسلمين، فعمد أهل مصر إِلى قراطيس، فعملوها على صورة امرأة، ومعها قصة وجعلوها في طريق العزيز فأخذها العزيز وفيها مكتوب بالذي وأعز اليهود بميشا، والنصارى بعيسى بن نطورس، وأذل المسلمين بك، إِلا كشفت عنده فقبض على عيسى النصراني المذكور، وصادره، وكان العزيز يحب العفو ويستعمله. ولما مات العزيز بويع ابنه المنصور أبو علي الحاكم بأمر الله، بعهد من أبيه، فولي الخلافة وعمره إِحدى عشرة سنة، وقام بتدبير ملكه خادم أبيه رجوان، وكان خصياً أبيض فضبط الملك وحفظه للحاكم إِلى أن كبر، ثم قتل الحاكم أرجوان المذكور.

غير ذلك من الحوادث وفي هذه السنة مات أبو دواد بن المسيب، أمير الموصل، وولي بعده أخوه المقلد بن المسيب. وفيها توفي منصور بن يوسف بلكين بن زيري الصنهاجي أمير إِفريقية، وكان ملكاً كريماً شجاعاً، وتولى بعده ابنه باديس بن منصور. وفيها توفي أبو طالب محمد بن علي بن عطية المكي، صاحب قوت القلوب. روى أنه صنف كتابه قوت القلوب، وكان قوته إِذ ذاك عروق البدري، وكان صالحاً مجتهداً في العبادة، ولم يكن من أهل مكة، وإنما كان من أهل الجبل، وسكن مكة فنسب إِليها، وقدم بغداد فوعظ وخلط في كلامه، فهجروه. وكان مما خلط فيه وحفظ عليه، أنه قال: ليس على المخلوقين أضر من الخالق. ومنع من الكلام بعد ذلك، وتوفي ببغداد في جمادى الآخرة من هذه السنة.

ثم دخلت سنة سبع وثمانين وثلاثمائة.

ابتداء دولة بن حماد ملوك بجاية من كتاب الجمع والبيان في أخبار القيروان. في هذه السنة أعني سنة سبع وثمانين وثلاثمائة عقد باديس بن منصور بن بلكين صاحب إِفريقية، في شهر صفر، الولاية لعمه حماد بن بلكين

ص: 131

على أشير وخرج إِليها حماد، فاتسعت ولاية حماد وكثر دخله وعظم شأنه، واجتمع له العساكر والأموال، وبقي كذلك إِلى سنة خمس وأربعمائة فأظهر حماد الخلاف على ابن أخيه باديس وخرج عن طاعته وخلعه، وسار كل منهما بجموعه إِلى الآخر واقتتلا في أول جمادى الأولى سنة ست وأربع مائة، فانهزم حماد هزيمة شنيعة، بعد قتال شديد جرى بين الفريقين، ولما انهزم حماد التجأ إلى قلعة مغيلة، ثم سار حماد إلى مدينة دكمة ونهبها ونقل منها الزاد إِلى القلعة المذكورة، وعاد إِليها وتحصن بها وباديس نازل بالقرب منه محاصر له، ودام الحال كذلك حتى توفي باديس فجأة، نصف ليلة الأربعاء آخر ذي القعدة سنة ست وأربع مائة.

وتولى بعد باديس ابنه المعز بن باديس. واستمر حماد على الخلف معه كما كان مع أبيه، حتى اقتتل المعز بن باديس وحماد في سنة ثمان وأربع مائة بموضع يقال له ينني، فانهزم حماد بعد قتال شديد هزيمة قبيحة، وبعد هذه الهزيمة لم يعد حماد إِلى قتال، واصطلح مع المعز المذكور، على أن يقتصر حماد على ما في يده، وهو عمل ابن علي وما وراءه من أشير وتاهرت، واستقر للقائد بن حماد المسيلة وطبنة ومرسى الدجاجي وزواوة ومقرة ودكمة وغير ذلك، وبقي حماد وابنه القائد كذلك حتى توفي حماد في نصف سنة تسع عشرة وأربع مائة، واستقر في الملك بعده ابنه القائد بن حماد وبقي القائد في الملك حتى توفي في سنة ست وأربعين وأربعمائة في شهر رجب.

ولما توفي القائد ملك بعده ابنه محسن بن القائد بن حماد، فأساء السيرة، وخبط وقتل جماعة من أعمامه، فخرج عن طاعة محسن المذكور، ابن عمه بلكين ابن محمد بن حماد، واقتتل معه فقتل بلكين محسناً المذكور وملك موضعه في ربيع الأول سنة سبع وأربعين وأربع مائة، وبقي حتى غدر ببلكين المذكور الناصر بن علناس بن حماد، وأخذ منه الملك في رجب سنة أربع وخمسين وأربعمائة، واستقر الناصر بن علناس بن حماد في الملك حتى توفي في سنة إِحدى وثمان وأربعمائة.

وملك بعده ابنه المنصور بن الناصر وبقي في الملك حتى توفي في سنة ثمان وتسعين وأربعمائة، وملك بعده ابنه باديس بن المنصور، وأقام باديس مدة يسيرة وتوفي، وملك بعده أخوه العزيز بالله بن المنصور، وبقي العزيز في الملك حتى توفي، ولم يقع لي تاريخ وفاته، وملك بعده ابنه يحيى بن العزيز بالله، وبقي في الملك حتى سار عبد المؤمن من الغرب الأقصى وملك بجاية. قال ابن الأثير في الكامل: إِن ذلك كان في سنة سبع وأربعين وخمس مائة، وكان آخر من ملك منهم يحيى بن العزيز بالله بن المنصور بن الناصر بن علناس بن حماد بن بلكين، وانقرضت دولة بني حماد في السنة المذكورة، وكان ينبغي أن نذكر ذلك مبسوطاً مع السنين، وإنما جمعناه لقلته لينضبط.

ص: 132

موت نوح صاحب ما وراء النهر في هذه السنة مات الرضي الأمير نوح بن منصور بن نوح بن ناصر بن أحمد بن إِسماعيل بن أحمد بن أسد بن سامان. في رجب، واختلّ بموته ملك آل سامان، ولما توفي قام بالأمر بعده ابنه أبو الحارث منصور بن نوح.

موت سبكتكين وفي هذه السنة توفي سبكتكين في شعبان، وكان مقامه ببلخ، فلما طال مرضه ارتاح إِلى هوى غزنهَ، فسار عن بلخ إِليها فمات في الطريق، فنقل ميتاً ودفن بغزنة، وكانت مدة ملكه نحو عشرين سنة. وكان عادلاً خيراً، ولما حضرته الوفاة عهد إِلى ولده إِسماعيل، وكان محمود أكبر منه، فملك إِسماعيل وكان بينه وبين أخيه محمود قتال في تلك المدة، ثم انتصر محمود وانهزم إِسماعيل وانحصر في قلعة غزنة، وحاصره محمود، فنزل إِسماعيل بالأمان، فأحسن إِليه محمود وأكرمه وكان مدة ملك إِسماعيل سبعة أشهر.

وفاة فخر الدولة وفي هذه السنة، توفي فخر الدولة أبو الحسن علي بن ركن الدولة، أبي علي الحسن بن بويه، بقلعة طبرك، في شعبان، وأقعدوا في الملك بعده ولده مجد الدولة أبا طالب رستم، وعمره أربع سنين، واتفق الأمراء على ذلك، وكان المرجع في تدبير الملك إِلى والدة أبي طالب المذكور.

غير ذلك من الحوادث وفي هذه السنة توفي أبو الوفاء محمد بن محمد المهندس الحاسب البوزجاني، أحد الأئمة المشاهير في علم الهندسة، ومولده في رمضان سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة ببوزجان، وهي بلدة من خراسان، بين هراة ونيسابور، ثم قدم العراق. وفيها توفي الحسن بن إِبراهيم بن الحسين من ولد سليمان بن زولاق، وهو مصري الأصل، وكان فاضلاً في التاريخ، وله فيه مصنفات، وله كتاب خطط مصر، وكتاب قضاة مصر، وله غير ذلك من المصنفات، رحمه الله تعالى.

وفيها توفي الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري، العلامة، وكنيته أبو أحمد، صاحب التصانيف الكثيرة في اللغة والأمثال وغيرها، وكان أبو أحمد المذكور من أهل عسكر مكرم، وهي مدينة من كور الأهواز، وكان مولده في شوال سنة ثلاث وتسعين ومائتين، وأخذ العلم عن أبي بكر بن دريد، ومن جملة تصانيفه كتاب في علم المنطق، وكتاب الزواجر، وكتاب المختلف والمؤتلف، وكتاب الحكم والأمثال.

ثم دخلت سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة.

ص: 133

قتل صمصام الدولة في هذه السنة، في ذي الحجة، قتل صمصام الدولة، أبو كاليجار المرزبان بن عضد الدولة فناخسرو بن ركن الدولة حسن بن بويه بسبب شغب الديلم عليه، وكان عمر صمصام الدولة خمساً وثلاثين سنة وسبعة أشهر، ومدة ولايته بفارس تسع سنين وثمانية أيام. قال القاضي شهاب الدين بن أبي الدم: إِن صمصام الدولة المذكور، لما خرج من الاعتقال، وملك في سنة ثمانين وثلاثمائة كان أعمى من حين سمل واستمر في الملك، وكان منه ما تقدم ذكره، حتى قتل في هذه السنة وهو أعمى. وفيها توفي محمد بن الحسن بن المظفر المعروف بالحاتمي، أحد الأعلام، وكان إِماماً في الأدب واللغة وهو صاحب الرسالة الحاتمية التي بيّن فيها سرقة المتنبي ونسبة الخاتمي إِلى حاتم بعض أجداده.

ثم دخلت سنة تسع وثمانين وثلاثمائة.

القبض على الأمير منصور بن نوح وولاية أخيه في هذه السنة، اتفق أعيان عسكر منصور الساماني، مع بكتورون، وفائق، وخلعوا منصوراً بن نوح، وأمر بكتورون به، ولم يراقب الله ولا إِحسان مواليه إِليه، وأقاموا في الملك أخاه عبد الملك، وهو صبي صغير، وكان مدة ملك منصور سنة وسبعة أشهر.

ملك محمود بن سبكتكين خراسان

ولما وقع من بكتورون وفائق ما وقع في حق منصور بن نوح، كتب محمود بن سبكتكين يلومهما على ذلك وسار إِليهما، فاقتتلوا أشد قتال، ثم انهزم بكتورون وفائق، وتبعهم محمد يقتل في عسكرهم، حتى أبعدوا في الهرب، واستولى محمود على ملك خراسان، وقطع منها خطبة السامانية.

انقراض دولة السامانية وفي هذه السنةِ انقرضت دولة السامانية، فإِن محمود بن سبكتكين لما ملك خراسان وقطع خطبتهم، اتفق ببخارى مع عبد الملك بن نوح بكتورون، وفائق، وأخذوا في جمع العساكر، فاتفق أن فائقاً مات في تلك المدة، وكان هو المشار إِليه، فضعفت نفوسهم بموته، وبلغ ذلك أيلك خان، واسمه أرسلان، فسار في جمع الأتراك إِلى بخارى، وأظهر المودة، لعبد الملك والحمية له، فظنوه صادقاً، وخرج إِليه بكتورون وغيره من الأمراء والقواد، فقبض عليهم وسار حتى دخل بخارى، عاشر ذي القعدة من هذه السنة. ثم قبض على عبد الملك بن نوح وحبسه حتى مات في الحبس، وحبس معه أخاه منصور الذي سملوه وباقي بني سامان، وانقرضت دولة بني سامان.

وكانت دولتهم قد انتشرت وطبقت كثيراً من الأرض، وكانت

ص: 134

من أحسن الدول سيرة وعدلا، وهذا عبد الملك هو عبد الملك بن نوح بن منصور بن نوح بن نصر بن أحمد بن إِسماعيل بن أحمد بن أسد بن سامان. فسبحان من لا يزول ملكه، وكان ابتداء دولتهم في سنة إِحدى وستين ومائتين، وانقرضت في هذه السنة، أعني سنة تسع وثمانين وثلاثمائة، ثم دخلت سنة تسعين وثلاثمائة في هذه السنة وقيل بل في سنة خمس وتسعين وثلاثمائة توفي أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا الرازي اللغوي، كان إِماماً في علوم شتى، وخصوصاً في اللغة، وله عدة مصنفات منها: كتابه المجمل في اللغة، ووضع المسائل الفقهية، وهي مسألة في المقامة الطيبية، وكان مقيماً بهمذان وعليه اشتغل البديع الهمذاني صاحب المقامات.

ثم دخلت سنة إِحدى وتسعين وثلاثمائة في هذه السنة قتل حسام الدولة المقلد بن المسيب بن رافع بن جعفر بن عمر بن مهنا بن يزيد بالتصغير بن عبد الله بن زيد، من ولد ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن العقيلي، وكان المقلد المذكور أعور وأخوه أبو الذواد محمد بن المسيب، هو أول من استولى منهم على الموصل، وملكها في سنة ثمانين وثلاثمائة حسبما تقدم ذكره، ثم ملكها بعده أخوه المقلد المذكور، في سنة ست وثمانين وثلاثمائة واستمر مالكها حتى قتل في هذه السنة، قتله مماليكه الأتراك بالأنبار، وكان قد عظم شأنه، ولما مات قام مقامه ابنه قرواش بن المقلد بن المسيب.

غير ذلك من الحوادث في هذه السنة توفي أبو عبد الله الحسين بن الحجاج الشاعر، بطريق النيل. وكان شاعراً مشهوراً، ذا مجون وخلاعة، وتولى حسبة بغداد مدة، وكان من كبار الشيعة، وأوصى أن يدفن عند مشهد موسى بن جعفر، وأن يكتب على قبره " وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد " " الكهف: 18 "، ولما مات بالنيل، نقل إِلى بغداد ودفن كما أوصى، والنيل بلدة على الفرات بيِن بغداد والكوفة، وأصل اسم هذا الموضع، أن الحجاج بن يوسف حفر به نهراً مخرجه من الفرات، وعليه قرى، وسماه باسم نيل مصر.

ثم دخلت سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة في هذه السنة غزا السلطان محمود بن سبكتكين بلاد الهند، فغنم وأسر وسبى كثيراً، وعاد إِلى غزنة سالماً غانماً. وفي هذه السنة جرى بين قرواش بن المقلد بن المسبب العقيلي وبين عسكر بهاء الدولة حروب، انتصر فيها قرواش أولاً، ثم انتصر عسكر بهاء الدولة. وفي هذه السنة توفي أبو بكر محمد بن محمد بن جعفر الفقيه الشافعي المعروف بابن الدقاق، صاحب الأصول.

ثم دخلت سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة في هذه السنة ملك يمين الدولة محمود بن سبكتكين سجستان، وانتزعها من يد صاحبها، خلف بن أحمد، وبقي خلف بن أحمد المذكور في الجوزخان بعد ذلك أربع سنين، ثم نقله يمين الدولة محمود إِلى جودين، واحتاط

ص: 135

عليه هناك حتى أدركه أجله، سنة تسع وتسعين، وكان خلف المذكور مشهوراً بطلب العلم، وله تفسير من أكبر الكتب.

غير ذلك من الحوادث

في هذه السنة توفي أبو عامر محمد، الملقب بالمنصور، أمير الأندلس، وكان قد عظم شأنه، وأكثر الغزوات، وضبط البلاد، وكانت ولايته في سنة ست وستين وثلاثمائة حسبما ذكرناه هناك، فكانت مدة ولايته نحواً من سبع وعشرين سنة، ولم يكن للمؤيد خليفة الأندلس معه من الأمر شيء، ولما توفي المنصور بن أبي عامر المذكور، تولى بعده ابنه أبو مروان عبد الملك بن المنصور المذكور، وتلقب بالمظفر وجرى في الغزو وسياسة الملك عن هشام المؤيد، على قاعدة أبيه، وبقي عبد الملك المذكور في الولاية سبع سنين، فتكون وفاته في سنة أربعمائة.

ولما توفي عبد الملك المظفر المذكور، قام بالأمر بعده أخوه عبد الرحمن بن المنصور بن أبي عامر المذكور، وتلقب عبد الرحمن المذكور بالناصر، فخلط ولم يزل مضطرب الأمور مدة أربعة أشهر، فخرج على المؤيد، ابن عمه محمد بن هشام على ما سنذكره إِن شاء الله تعالى، فخلع هشام وقُتل عبد الرحمن المذكور وصُلب.

وفي هذه السنة كثرت العيارون والمفسدون والفتن ببغداد. وفيها استعمل الحاكم العلوي صاحب مصر والشام على دمشق، أبا محمد الأسود، ولما استقر في قصر الإِمارة بدمشق وحكم، أشْهَر إِنساناً مغربياً ونادى عليه، هذا جزاء من يحب أبا بكر وعمر ثم أخرجه من دمشق.

وفيها توفي ببغداد عثمان بن جني النحوي الموصلي، مصنف اللمع وغيره، ومولده سنة اثنتين وثلاثمائة وفيها توفي القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني بالري، وكان إِماماً فاضلاً ذا فنون كثيرة، والوليد بن بكر بن مخلد الأندلسي الفقيه المالكي، وهو محدث مشهور.

وفيها توفي أبو الحسن محمد بن عبد الله السلامي الشاعر البغدادي، فمن شعره في عضد الدولة:

فبشرت آمالي بملك هو الورى

ودار هي الدنيا ويوم هو العمر

وله في الدرع:

يا ربَّ سابغة حبتني نعمة

كافأتها بالسوء غير مفند

أضحت تصون عن المنايا مهجتي

وظللت أبذلها لكل مهندِ

ثم دخلت سنة أربع وتسعين وثلاثمائة خروج البطيحة عن ملك مهذب الدولة في هذه السنة استولى على البطيحة وغيرها إِنسان يقال له أبو العباس بن واصل. وكان رجلاً قد تنقل في خدم الناس، ثم خدم مهذب الدولة صاحب البطيحة، فتقدم عنده حتى جهز معه جيشاً، فاستولى على البصرة وسيراف، فلما فتحهما ابن واصل المذكور، وغنم

ص: 136

أموالاً عظيمة، قويت نفسه، وخلع طاعة مهذب الدولة مخدومه، ثم قصده، فانهزم مهذب الدولة عن البطيحة، واستولى ابن واصل على بلاد مهذب الدولة وأمواله وكانت عظيمة، ونهب ما كان مع مهذب الدولة من المال، وقصد مهذب الدولة بغداد، فلم يمكن من الدخول إِليها، وهذا خلاف ما اعتمده مهذب الدولة المذكور، مع القادر لما هرب من بغداد إِليه، فإِن مهذب الدولة بالغ في الخدمة والإِحسان إِليه.

غير ذلك من الحوادث في هذه السنة قلد بهاء الدولة الشريف أبا أحمد الموسوي، والد الشريف الرضي، نقابة العلويين بالعراق، وقضاء القضاة والمظالم، وكتب عهده بذلك من شيراز، ولقبّه الطاهر ذا المناقب، فامتنع الخليفة من تقليده قضاء القضاة، وأمضى ما سواه.

ثم دخلت سنة خمس وتسعين وثلاثمائة عود مهذب الدولة إِلى البطيحة كان أبو العباس بن واصل لما استولى على البطايح، قد أقام بها نائباً، وسار هو إِلى نحو البصرة، فلم يتمكن نائبه من المقام بها، وخرج أهل البطيحة عن طاعته، فأرسل عميد الجيوش وهو أمير العراق من جهة بهاء الدولة، عسكراً في السفن مع مهذب الدولة إِلى البطيحة، فلما دخلها لقيه أهل البلاد وسروا بقدومه، وسلموا إليه جميع الولايات، واستقر عليه لبهاء الدولة، في كل سنة خمسون ألف دينار، واشتغل عنه ابن واصل بحرب غيره.

وفي هذه السنة فتح يمين الدولة محمود بن سبكتكين مدينة بهاطية من أعمال الهند وهي وراء الملتان، وهي مدينة حصينة عالية السور.

ثم دخلت سنة ست وتسعين وثلاثمائة في هذه السنة سار يمين الدولة ففتح الملتان، ثم سار إِلى نحو بيدا ملك الهند، فهرب إلى قلعته المعروفة بكاليجار فحصره بها، ثم صالحه على مال حمله إِليه، وألبس ملك الهند خلعته، واستعفى من شد المنطقة، فلم يعفه يمين الدولة منها فشدها على كره.

غير ذلك من الحوادث

وفي هذه السنة قُلد الشريف الرضي نقابة الطالبيين ولقب بالرضي، ولقب أخوة المرتضى فعل ذلك بهاء الدولة. وفيها توفي محمد بن إِسحاق بن محمد ابن يحيى بن منده الأصفهاني، صاحب التصانيف المشهورة.

ثم دخلت سنة سبع وتسعين وثلاثمائة قتل ابن واصل في هذه السنة وقع بين بهاء الدولة وأبي العباس بن واصل حروب، آخرها أن أبا العباس انهزم إِلى البصرة ثم انهزم عنها، فأُسر وحُمل إِلى بهاء الدولة، فأمر بقتله قبل وصوله إِليه، وطيف برأس أبي العباس بن واصل المذكور بخورستان وكان قتله بواسط عاشر صفر.

ص: 137

خبر أبي ركوة في هذه السنة، خرج على الحاكم بمصر، إِنسان أموي من ولد هشام بن عبد الملك، يسمى أبا ركوة، لحمله ركوة على كتفه، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، فكثر جمعه وملك برقة، وجهز إِليه الحاكم جيشاً فهزمه أبو ركوة، وغنم ما في ذلك الجيش، وقوى به، وسار أبو ركوة إِلى الصعيد واستولى عليه، فعظم ذلك على الحاكم إِلى الغاية، فأحضر عساكر الشام، واستخدم عساكر كثيرة، واستعمل عليهم فضل بن عبد الله، وأرسله إِلى أبي ركوة، فجرى بينهم قتال عظيم، وآخره أن عساكر الحاكم انتصرت، وهربت جموع أبي ركوة، وأُخذ أسيراً فقتله الحاكم وصلبه، وطيف برأسه.

ثم دخلت سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة في هذه السنة، سار يمين الدولة محمود إلى الهند، وأوغل فيه وغزا وفتح. وفي هذه السنة استعملت والدة مجد الدولة بن فخر الدولة - وكان إليها الحكم بمملكة ابنها - أبا جعفر ابن شمتر يار، المعروف بابن كاكوية، على أصفهان، فاستقر فيها قدمه وعظم شأنه وإنما قيل له ابن كاكوية، لأنه كان ابن خال والدة مجد الدولة المذكورة، وكاكوية هو الخال بالفارسية.

وفي هذه السنة توفي عبد الواحد بن نصر المعروف بالببغاء الشاعر.

وفيها توفي البديع أبو الفضل أحمد بن الحسين الهمذاني صاحب المقامات المشهورة التي عمل الحريري على منوالها المقامات الحريرية.

وفيها توفي أبو نصر إِسماعيل بن أحمد الجوهري، مصنف كتاب الصحاح في اللغة المعروف بصحاح الجوهري وهو كتاب شهرته تغني عن ذكره، وإسماعيل المذكور هو من فاراب وهي مدينة ببلاد الترك، من وراء النهر، وتسمى هذا الزمان أطرار وكان المذكور إِماماً في اللغة العربية، قدم إِلى نيسابور وتوفي بها، وكان يكتب خطاً حسناً منسوباً من الطبقة العالية.

ثم دخلت سنة تسع وتسعين وثلاثمائة في هذه السنة قتل أبو علي بن ثمال الخفاجي، وكان الحاكم العلوي قد ولاه الرحبة، ثم انتقلت عنه، وصار أمرها إِلى صالح بن مرداس الكلابي صاحب حلب. وفيها توفي علي بن عبد الرحمن بن أحمد بن يونس المصري، صاحب الزيج الحاكمي، المعروف بزيج بن يونس، وهو زيج كبير في أربع مجلدات، وذكر أن الذي أمر بعمله العزيز أبو الحاكم.

ثم دخلت سنة أربعمائة في هذه السنة عاد يمين الدولة وغزا الهند وغنم وعاد.

؟؟؟ أخبار المؤيد الأموي خليفة الأندلس

قد تقدم في سنة ست وستين وثلاثمائة ذكر موت الحاكم صاحب الأندلس، وولاية ابنه المؤيد هشام بن الحكم المنتصر بن عبد الرحمن الناصر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عمر المؤيد لما

ص: 138

ولي الخلافة عشر سنين، فاستولى على تدبير المملكة أبو عامر محمد بن أبي عامر، وبقي المؤيد محجوباً عن الناس، واستمر المؤيد هشام المذكور في الخلافة إِلى سنة تسع وتسعين وثلاثمائة فخرج عليه في السنة المذكورة، محمد بن هشام بن عبد الجبار بن عبد الرحمن الناصر الأموي، في جمادى الآخرة من سنة تسع وتسعين وثلاثمائة واجتمع عليه الناس وبايعوه بالخلافة، وقبض على المؤيد وحبسه في قرطبة وتلقب محمد المذكور بالمهدي، واستمر في الخلافة، فخرج عليه سليمان بن الحكم بن سليمان بن عبد الرحمن الناصر، فهرب محمد بن هشام بن عبد الجبار المذكور، واستولى سليمان على الخلافة في أوائل شوال من هذه السنة أعني سنة أربعمائة، ثم جمع المهدي محمد بن هشام جمعاً وقصد سليمان بقرطبة، فهرب سليمان وعاد محمد المهدي المذكور إِلى الخلافة في منتصف شوال من هذه السنة المذكورة، ثم اجتمع كبار العسكر وقبضوا على المهدي محمد المذكور، وأخرجوا المؤيد من الحبس، وأعادوه إِلى الخلافة في سابع ذي الحجة من هذه السنة، أعني سنة أربعمائة، وأحضروا المهدي المذكور بين يديه، فأمر بقتله، فقتل، واستمر المزيد في الخلافة، وقام بتدبير أمره واضح العامري ثم قبض المؤيد على واضح المذكور وقتله، فكثرت الفتن على المؤيد، واتفقت البربر مع سليمان بن الحكم بن سليمان بن عبد الرحمن الناصر، وسار وحصر المؤيد بقرطبة، وملكها سليمان عنوة، وأخرج المؤيد من القصر، ولم يتحقق للمؤيد خبر بعد ذلك، وبُويع سليمان بالخلافة في منتصف شوال من سنة ثلاث وأربعمائة، وتلقب بالمستعين بالله، ثم كان من سليمان وأخبار الأندلس ما سنذكره إِن شاء الله تعالى في سنة سبع وأربعمائة.

غير ذلك من الحوادث في هذه السنة بنى أبو محمد بن سهلان، سوراً على مشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وفيها توفي النقيب أبو أحمد الموسوي، والد الشريف الرضي، وكان مولده سنة أربع وثلاثمائة، وكان قد أضر في آخر عمره.

وفيها توفي أبو العباس النامي الشاعر، وأبو الفتح علي بن محمد البستي، الكاتب الشاعر، صاحب التجنيس.

ثم دخلت سنة إحدى وأربعمائة فيها سار أيلك خان ملك الترك، من سمرقند، بجيوشه لقتال أخيه طغان خان، فوصل إلى أوزكند وسقط عليه ثلج منعه من المسير إِليه، فعاد إِلى سمرقند.

الخطبة العلوية بالكوفة والموصل في هذه السنة خطب قرواش بن المقلد بن المسيب أمير بني عقيل، للحاكم بالله العلوي صاحب مصر، بأعماله كلها، وهي الموصل والأنبار والمدائن والكوفة وغيرها. وكان ابتداء

ص: 139