المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌خلافة المتوكل جعفر بن المعتصم - المختصر في أخبار البشر - جـ ٢

[أبو الفداء]

فهرس الكتاب

- ‌خلافة المهدي

- ‌خلافة الهادي

- ‌بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب

- ‌خلافة الرشيد بن المهدي

- ‌خلافة الأمين

- ‌وقتل ذي الرياستين

- ‌وذكرهم عن آخرهم

- ‌رحمه الله

- ‌رحمه الله تعالى

- ‌خلافة المعتصم

- ‌وإمساك العباس بن المأمون وحبسه وموته

- ‌خلافة ابنه الواثق

- ‌خلافة المتوكل جعفر بن المعتصم

- ‌خلافة المستعينأحمد بن محمد المعتصم

- ‌خلافة المهتدي

- ‌خلافة المعتمد على الله

- ‌ما وراء النهر، وابتداء أمر الساماني

- ‌ أحمد المعتضد بالله

- ‌خلافة أبي العباس

- ‌خلافة المكتفي بالله

- ‌وانقراض ملك بني طولون

- ‌خلافة المقتدر باللهأبي الفضل جعفر بن المعتضد بالله

- ‌بن عبد الله بن إِبراهيم ابن أحمد بن محمد بن إِبراهيم بن الأغلب

- ‌خلافة القاهر بالله

- ‌خلافة الراضي بالله

- ‌وولاية ولده القائم

- ‌وحكاية شيء من منصبه الخبيث

- ‌غير ذلك من الحوادث

- ‌خلافة المتقي لله

- ‌غير ذلك من الحوادث

- ‌خلافة المستكفي بالله

- ‌خلع المستكفي وخلافة المطيع

- ‌بن أحمد بن إِسماعيل وولاية ابنه عبد الملك

- ‌ما جرى في هذه السنة بين المعز العلوي وعبد الرحمن الأموي صاحب الأندلس

- ‌غير ذلك من الحوادث

- ‌خلع المطيع وخلافة ابنه الطايع

- ‌بن عضد الدولة العراق وقبضه على أخيه صمصام الدولة

- ‌صاحب ديار بكر وابتداء دولة بني مروان

- ‌خلافة القادر باللهأبي العباس أحمد بن الأمير وإسحاق بن المقتدر بن المعتضد

- ‌وملكه حلب وأخبار ولده إلى سنة اثنتَين وسبعين وأربعمائة

- ‌وتفرق ممالك الأندلس، وأخبار الدولة العلوية بها

- ‌بن، بهاء الدولة بن عضد الدولة العراق

- ‌وفاة القادر باللهخلافة القائم بأمر الله

- ‌وهو سادس عشرينهم

- ‌وسياق أخبار من ملك بعده من أهل بيته إلى آخرهم

- ‌وهزيمة المعز بن باديس

- ‌خليفة مصر وما كان إلى قتل البساسيري

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌وقتل ناصر الدولة

- ‌خلافة المقتدي بأمر الله

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث

- ‌وانقراض دولة الصنهاجية منها:

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌وحال أخيه بركيارق بن ملكشاه:

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌خلافة المستظهر بالله

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث:

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث:

- ‌وملكهم أنطاكية وغيرها

- ‌‌‌ذكر غير ذلك من الحوادث:

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث:

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌لعنهم الله تعالى وقتل جناح الدولة صاحب حمص

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌واستيلاء الفرنج عليها:

- ‌وموت جكرمش وقليج أرسلان

- ‌‌‌ذكر غير ذلك من الحوادث

- ‌ذكر غير ذلك من الحوادث

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌وقتل مودود بن الطونطاش صاحب الموصل:

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌ذكر غير ذلك

- ‌واستيلاء أيلغازي عليها:

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌خلافة المسترشد

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌ذكر غير ذلك:

- ‌ذكر قتل بلك:

- ‌ذكر غير ذلك

الفصل: ‌خلافة المتوكل جعفر بن المعتصم

‌خلافة المتوكل جعفر بن المعتصم

هو عاشرهم، ولما مات الواثق، عزم كبراء الدولة على البيعة لمحمد بن الواثق، فألبسوه قلنسوة ودرّاعة سوداء وهو غلام أمرد قصير، فلم يروا ذلك مصلحة، فتناظروا فيمن يولونه، وذكروا عدة من بني العباس، ثم أحضروا المتوكل، فقام أحمد بن أبي داود وألبسه الطويلة، وعممه، وقبل بين عينيه وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين. فبويع بالخلافة في يوم مات الواثق فيه، لست بقين من ذي الحجة، سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وكان عمر المتوكل لما بويع ستَاً وعشرين سنة.

ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين ومائتين.

القبض على ابن الزيات

في صفر من هذه السنة، قبض المتوكل على محمد بن عبد الملك الزيات، وحبسه وأخذ جميع أمواله، وعذبه بالسهر، ثم حطه في تنور خشب، فيه مسامير حديد، أطرافها إِلى داخل التنور، يمتنع من يكون فيه من الحركة، ولا يقدر على الجلوس، فبقي كذلك محمد بن الزيات أياماً، ومات لإحدى عشرة ليلة بقيت من ربيع الأول من هذه السنة، وكان ابن الزيات هو الذي عمل هذا التنور، وعذب به ابن أسباط المضري وأخذ أمواله، وكان ابن الزيات صديق إِبراهيم الصولي، فلما ولي ابن الزيات الوزارة صادره بألف ألف درهم، فقال الصولي:

وكنت أذم إليك الزمان

فأصبحت منك أذم الزمانا

وكنت أعدك للنائبات

فها أنا أطلب منك الأمانا

وفي هذه السنة ولى المتوكل ابنه المنتصر الحرمين واليمن والطائف، وفيها توفي أبو زكريا يحيى بن معين بن عون بن زياد بن بسطام المري البغدادي المشهور، وكان إماماً حافظاً، قيل إِنه من قرية نحو الأنبار تسمى نقيا، وهو صاحب الجرح والتعديل، وكان الإمام أحمد بن حنبل شديد الصحبة له، وكانا مشتركين في الاشتغال بعلوم الحديث، وذكر الدارقطني يحيى بن معين المذكور في جملة من روى عن الإمام الشافعي. وولد يحيى بن معين المذكور في سنة ثمان وخمسين ومائة، وتوفي في هذه السنة أعني سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، في ذي القعدة، وقيل ذي الحجة رحمه الله تعالى.

ثم دخلت سنة أربع وثلاثين ومائتين فيها توفي محمد بن مبشر، أحد المعتزلة البغداديين، وأبو جيثمة زهر المحدث، وعلي بن عبد الله بن جعفر المعروف بابن المديني الحافظ، وهو إِمام ثقة. ثم دخلت سنة خمس وثلاثين ومائتين في هذه السنة، ظهر بسامراء رجل يقال له: محمود بن فرج، وادعى النبوة، وزعم أنه ذو القرنين، وتبعه سبعة وعشرون رجلاً، فأُتي به وبأصحابه إِلى المتوكل، فأمر أصحابه فصفعه كل واحد عشر صفعات، وضرب حتى مات من الضرب، وحبس أصحابه.

ص: 37

وفي هذه السنة مات الحسن بن سهل وعمره تسعون سنة، وكان قد شرب دواء فأفرط عليه القيام حتى مات، وفيها مات إِسحاق بن إِبراهيم الموصلي، صاحب الألحان والغناء. وفيها مات سريح بن يونس بن سريح بالسين المهملة، وفيها وقيل في السنة التي تليها، توفي عبد السلام بن رغبان - بالغين المنقوطة - الشاعر المشهور المعروف بديك الجن، وكان يتشيع، وعاش بضعاً وسبعين سنة، ومن جيد شعره أبياته التي من جملتها:

وقم أنت فاحثث كأسها غير صاغر

ولا تسق إِلا خمرها وعقارها

مشعشة من كف ظبي كأنما

تناولها من خده وأدارها

ثم دخلت سنة ست وثلاثين ومائتين في هذه السنة أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهدم ما حوله من المنازل ومنع الناس من إِتيانه، وكان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي طالب، ولأهل بيته، وكان من جملة ندمائه عبادة المخنث، وكان يشد على بطنه تحت ثيابه مخدة، ويكشفَ رأسه، وهو أصلع، ويرقص ويقول: قد أقبل الأصلع البطين، خليفة المسلمين، يعني علياً، والمتوكل يشرب ويضحك، وفعل كذلك يوماً بحضرة المنتصر، فقال: يا أمير المؤمنين، إِن علياً ابن عمك، فكل أنت لحمه إِذا شئت، ولا تخلي مثل هذا الكلب وأمثاله يطمع فيه، فقال المتوكل للمغنين غنوا:

غارا الفتى لابن عمه

رأس الفتى في حرامه

وكان يجالس من اشتهر ببغض علي، مثل ابن الجهم الشاعر، وأبي السمط من ولد مروان بن أبي حفصة، من موالي بني أمية وغيرهما، فغطى ذمه لعلي على حسناته، وإلا فكان من أحسن الخلفاء سيرة، ومنع الناس عن القول بخلق القرآن. وفي هذه السنة توفي منصور بن المهدي.

ثم دخلت سنة سبع وثلاثين ومائتين في هذه السنة مات محمد بن عبد الله أمير صقلية، وتولى موضعه على جزيرة صقلية العباس بن الفضل بن يعقوب بن فزارة، وفتح فيها الفتوحات الجليلة، وفتح قصر يانه، وهي المدينة التي بها دار الملك بصقلية، وكان الملك قبلها يسكن مرقوسه، فلما أخذ المسلمون بعض الجزيرة، انتقل الملك إِلى قصر يانه. لحصانتها، ففتحها العباس في هذه السنة، يوم الخميس منتصف شوال، وبنى فيها مسجداً في الحال، ونصب فيه منبراً وخطب وصلى فيه الجمعة.

وفيها توفي حاتم الأصم الزاهد المشهور البلخي، ولم يكن أصم؛ وإنما سمي به لأن امرأة جاءت تسأله عن مسألة فخرج منها صوت فخجلت، فأوهمها أنّه أصم، وقال: ارفعي صوتك، فسرّت المرأة ظناً منها أنه لم يسمع حبقتها، فغلب عليه هذا الاسم.

ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين ومائتين في هذه السنة توفي عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل بن معاوية بن هشام بن عبد الملك الأموي، صاحب الأندلس، في ربيع الآخر، وكان مولده سنة ست وسبعين ومائة، وولايته إِحدى وثلاثين

ص: 38

سنة وثلاثة أشهر، وكان أسمر طويلاً عظيم اللحية، يخضب بالحناء، وخلف خمسة وأربعين ابناً، ولما مات ملك بعده ابنه محمد بن عبد الرحمن.

ثم دخلت سنة تسع وثلاثين ومائتين فيها توفي محمود بن غيلان المروزي، وهو من مشايخ البخاري ومسلم.

ثم دخلت سنة أربعين ومائتين في هذه السنة مات ابن الإمام الشافعي، واسمه محمد، وكنيته أبو عثمان، وكان قاضي الجزيرة، وروى عن أبيه وعن ابن عينية، وكان للشافعي ولد آخر اسمه محمد أيضاً، مات بمصر سنة إِحدى وثلاثين ومائتين.

وفيها توفي أبو ثور إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي، الفقيه البغدادي، صاحب الإمام الشافعي، وناقل أقواله القديمة عنه، وكان على مذهب أهل الرأي، حتى قدم الشافعي إِلى العراق، فاختلف إِليه واتبعه، ورفض مذهبه الأول.

ثم دخلت سنة إِحدى وأربعين ومائتين في هذه السنة توفي الإِمام أحمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إِدريس، ينسب إِلى معد بن عدنان، وكان وفاته في ربيع الأول وروى عنه مسلم، والبخاري، وأبو داود، وإبراهيم الحرثي، وكان مجتهداً ورعاً زاهداً صدوقاً، قال الشافعي: خرجت من بغداد، وما خلفت بها أحداً أتقى ولا أورع ولا أفقه من أحمد بن حنبل.

ثم دخلت سنة اثنتين وأربعين ومائتين فيها مات أبو العباس محمد بن إِبراهيم بن الأغلب أمير إِفريقية، وولي بعده ابنه أبو إِبراهيم أحمد بن محمد المذكور.

وفيها توفي القاضي يحيى بن أكثم بن محمد بن قطن من ولد أكثم بن صيفي التميمي، حكم العرب، وكان يحيى المذكور عالماً بالفقه بصيراً بالأحكام، وهو من أصحاب الشافعي، وكان إِماماً في عدة فنون، وكان ذميم الخلق، وابن أكثم المذكور، هو الذي رد المأمون عن القول بتحليل المتعة. فقال ابن أكثم لبعض الفضلاء الذي كانوا يعاشرون المأمون، ومنهم أبو العيناء: بكروا غداً إِليه، فإِن وجدتم للقول وجهاً فقولوا، وإلا فاسكتوا، حتى أدخل. قال أبو العيناء: فدخلنا على المأمون وهو يسأل ويقول وهو مغتاظ: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى عهد أبي بكر رضي الله عنه، وأنا أنهي عنهما، ومن أنت يا جعل حتى تنهي عما فعله رسول الله، فأوجم أولئك، حتى دخل يحيى بن أكثم فقال له المأمون: أراك متغيراً، فقال يحيى: هو غم لما حدث من النداء بتحليل الزنا يا أمير المؤمنين. فقال المأمون: الزنا. فقال: نعم. المتعة زنا. قال: ومن أين قلت هذا. قال: من كتاب الله وحديث رسوله. قال الله تعالى: " قد أفلح المؤمنون إِلى قوله والذين هم لفروجهم حافظون إِلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون "" المؤمنون: 5 " يا أمير المؤمنين زوجة المتعة ملك يمين؟ قال: لا. قال: فهي الزوجة ترث وتورث؟ قال: لا. قال: وهذا الزهري روى عن عبد الله والحسن ابني محمد بن الحنفية عن أبيهما عن علي بن أبي طالب قال " أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنادي بالنهي عن المتعة

ص: 39

وتحريمها، بعد أن كان أمر بها " فقال المأمون: أمحفوظ هذا عن الزهري؟ قال: نعم. رواه عنه جماعة، منهم مالك رضي الله عنه، فقال: المأمون: أستغفر الله، فبادروا بتحريم المتعة، والنهي عنها، ولم يكن في يحيى بن أكثم ما يعاب به سوى ما يتهم به من محبة الصبيان، وقد قيل فيه بسبب ذلك عدة أشعار منها:

وكنا نرجى أن نرى العدل ظاهراً

فاعقبنا بعد الرجاء قنوط

متى تصلح الدنيا ويصلح أهلها

وقاضي قضاة المسلمين يلوط

ولأحمد بن نعيم في ذلك:

أنطقني الدهر بعد إِخراس

لنائبات أطلن وسواسي

لا أفلحت أمة وحق لها

بطول نكس وطول إِتعاسِ

ترضى بيحيى يكون سايسها

وليس يحيى لها بسواسِ

قاضٍ يرى الحد في الزناء ولا

يرى على من يلوط من باسِ

يحكم للأمرد العذير على

مثل جرير ومثل عباسِ

فالحمد لله كيف قد ذهب ال

عدل وقل الوفاء في الناسِ

أميرنا يرتشي وحاكمنا

يلوط والرأس شر ما راسِ

لا أحسب الجور ينقضي

وعلى الأمة وال من آل عباس

وأكثم بالثاء المثناة من فوقها والثاء المثلثة كلاهما لغتان، وهو الرجل العظيم البطن، والشبعان أيضاً.

ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين ومائتين في هذه السنة سار المتوكل إِلى دمشق في ذي القعدة. وفيها مات إِبراهيم بن العباس بن محمد بن صول الصولي وفيها توفي الحارث بن أسد المحاسبي الزاهد، وكان قد هجره أحمد بن حنبل لأجل علم الكلام، فاختفى لتعصب العامة لأحمد، فلم يصل عليه غير أربعة أنفس.

ثم دخلت سنة أربع وأربعين ومائتين في هذه السنة وصل المتوكل إِلى دمشق ودخلها في صفر، وعزم على المقام بها، ونقل دواوين الملك إِليها، فقال يزيد ابن محمد المهلبي.

أظن الشام يشمت بالعراق

إِذا عزم الإمام على انطلاق

فإِن تدع العراقَ وساكنيهِ

فقد تبكي المليحةُ بالطلاقِ

ثم استوبأ المتوكل دمشق، واستثقل ماءها، فرجع إِلى سامراء وكان مقامه بدمشق شهرين وأياماً، وفيها غضب المتوكل على بختيشوع الطبيب، وقبض ماله ونفاه إِلى البحرين. وفيها قتل المتوكل أبا يوسف يعقوب بن إِسحاق المعروف بابن السكيت، صاحب كتاب إصلاح المنطق في اللغة وغيره وكان إِماماً اللغة والأدب، قتله المتوكل لأنه قال له أيمّا أحب إليك: ابناي المعتز والمؤيد، أم الحسن والحسين، فغض ابن السكّيت عن ابنيه، وذكر عن الحسن

ص: 40

والحسين ما هما أهله، فأمر مماليكه فداسوا بطَنه، فحمل إِلى داره فمات بعد غد ذلك اليوم. وقيل إن المتوكل لما سأل ابن السكيت عن ولديه، وعن الحسن والحسين، قال له ابن السكيت: والله إِن قنبراً خادم علي خير منك ومن ولديك. فقال المتوكل سلوا لسانه من قفاه، ففعلوا به ذلك، فمات لساعته، في رجب في هذه السنة المذكورة، وكان عمره ثمانياً وخمسين سنة والسكيت بكسر السين المهملة وتشديد الكاف فعيل، اسم لكثير السكوت والصمت.

ثم دخلت سنة خمس وأربعين ومائتين في هذه السنة توفي ذو النون المصري، في ذي القعدة، وأبو علي الحسين بن علي، المعروف بالكرابيسي، صاحب الشافعي.

ثم دخلت سنة ست وأربعين ومائتين فيها تحول المتوكل إلى الجعفري، وكان قد ابتدئ في عمارته سنة خمس وأربعين ومائتين، وأنفق عليه أموالاً تجل عن الحصر، وكان يقال لموضعه الماحورة وفيها توفي دعبل بن علي الخزاعي الشاعر، وكان مولده سنة ثمان وأربعين ومائة، وكان يتشيع.

ثم دخلت سنة سبع وأربعين ومائتين.

مقتل المتوكل في هذه السنة قتل المتوكل جماعة بالليل بالسيوف، وقت خلوته، باتفاق من ابنه المنتصر، وبغا الصغير الشرابي، وقتل في مجلس شرابه، وقتل معه وزيره الفتح ابن خاقان، وكان قتله ليلة الأربعاء لأربع خلون من شوال، وكانت خلافته أربع عشرة سنة وعشرة أشهر وثلاثة أيام، وعمره نحو أربعين سنة، وكان أسمر خفيف العارضين.

بيعة المنتصر وهو حادي عشرهم، لما أصبح نهار الأربعاء صبيحة الليلة التي قتل فيها المتوكل حضر الناس والقواد والعساكر إلى الجعفري، فخرج أحمد بن الخصيب إِلى الناس، وقر عليهم كتاباً من المنتصر، أن الفتح بن خاقان قتل المتوكل فقتلته به، فبايع الناس المنتصر، صبيحة الليلة، التي قتل فيها المتوكل.

وفي هذه السنة توفي العباس أمير صقلية، فولى الناس عليهم ابنه عبد الله ابن عباس، ثم ورد من إِفريقية خفاجة بن سفيان أميراً على صقلية، فغزا وفتح في جزيرة صقلية، ثم اغتاله رجل من عسكره، فقتله وهرب القاتل إِلى المشركين، ولما قتل خفاجة استعمل الناس ابنه محمد بن خفاجة، ثم أقره على ولايته محمد بن أحمد بن الأغلب صاحب القيروان، وبقي محمد بن خفاجة أميراً على صقلية إِلى سنة سبع وخمسين ومائتين، فقتله خدمه الخصيان وهربوا، فأدركهم الناس وقتلوهم، على ما سنذكره إِن شاء الله تعالى.

وفي هذه السنة توفي أبو عثمان بكر بن محمد المازني النحوي الإمام في العربية.

ثم دخلت

ص: 41