الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلافة المعتمد على الله
وهو خامس عشرهم، لما خلع المهتدي وقُتل، أخرج كبراء الدولة، أبا العباس أحمد بن المتوكل من الحبس، وبايعه الناس بالخلافة، ولقب المعتمد على الله، واستوزر عبيد الله بن يحيى بن خاقان.
وفي هذه السنة ملك صاحب الزنج الأبله عنوة. وقتل من أهلها خلقاً كثيراً وأحرقها، وكانت مبنية بالساج، فأسرعت النار فيها، ثم استولى على عبادان بالأمان ثم استولى على الأهواز بالسيف، وفيها عزل عيسى بن الشيخ عن الشام، وكان قد استولى عليه، وقطع الحمل عن بغداد، كما ذكرنا، فعقد لعيسى على أرمينية، وولى أماجور الشام، فسار واستولى عليه، بعد أن جرى بينه وبين أصحاب عيسى قتال شديد، انتصر فيه أماجور واستقر أميراً بالشام.
وفي هذه السنة توفي الإمام محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي صاحب المسند الصحيح، الذي هو الدرجة العالية في الصحة، المتفق على تفضيله والأخذ منه، والعمل به، ورحل في طلب الحديث إِلى الأمصار، وكان مولده سنة أربع وتسعين ومائة لثلاث عشرة خلت من شوال. قال البخاري: ألهِمت حفظ الحديث وأنا في الكتاب، ابن عشر سنين، فلما بلغت ثماني عشرة سنة صنفت قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم، وصنفت كتاب التاريخ، إِذ ذاك، عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أخرجت الصحيح من زهاء ستمائة ألف حديث، وما أدخلت فيه إِلا ما صح.
وورد مرة إِلى بغداد، فعمد أهل الحديث إلى مائة حديث، فقلبوا متونها وأسانيدها، ووضعوا عشرة أنفس، فأورد واحد بعد آخر الأحاديث المذكورة، والبخاري يقول في كل حديث منها: لا أعرفه. فلما فرغوا قال: أما الحديث الأول فهو كذا، ورده إِلى حقيقته، وأما الثاني فهو كذا، حتى ذكرها عن آخرها على حقيقتها.
ووقع بين البخاري وأمير بخارى واسمه خالد وحشة، فدسّ خالد من قال إن البخاري يقول بخلق الأفعال للعباد، وبخلق القرآن فتبرأ البخاري من ذلك وأنكره، وعظم عليه فارتحل، ونزل عند بعض أقاربه، بقرية من قرى سمرقند على فرسخين منها، اسمها خرشك فمات بها ليلة عيد الفطر من هذه السنة.
ثم دخلت سنة سبع وخمسين ومائتين، فيها أخذ الزنج البصرة، وقتلوا بها كل من وجدوه، وخربوها. وفي هذه السنة ملك يعقوب الصفار بلخ، ثم سار إلى كابل، فاستولى عليها، وأرسل هدية إِلى الخليفة، وفيها أصنام من تلك البلاد. وفي هذه السنة قصد الحسن بن زيد العلوي صاحب طبرستان جرجان وملكها وفيها قُتل محمد بن خفاجة أمير صقلية، قتله خدَمه كما تقدم ذكره سنة سبع وأربعين ومائتين، واستعمل محمد بن أحمد الأغلبي صاحب إِفريقية على صقلية أحمد بن يعقوب. وفيها توفي العباس بن الفرج الرياشي اللغوي.
ثم دخلت سنة ثمان وخمسين ومائتين في هذه السنة أرسل المعتمد أخاه الموفق، أبا أحمد إِلى قتال الزنج.
ثم دخلت سنة تسع وخمسين ومائتين في هذه السنة استولى يعقوب الصفار على نيسابور وملكها. وفيها توفي محمد بن موسى بن شاكر، أحد الأخوة الثلاثة الذين ينسب إِليهم جيل بني موسى المشهورين، واسم أخويه أحمد والحسين، وكان لهم همم عالية في تحصيل العلوم القديمة، وكان الغالب عليهم الهندسة والحيل والموسيقى، ولما بلغ المأمون من كتب الأوائل أن ثور الأرض أربعة وعشرون ألف ميل، أراد تحقيق ذلك، فأمر بني موسى المذكورين بتحرير ذلك، فسألوا عن الأراضي المتساوية، فأخبروا بصحراء سنجار ووطاة الكوفة، فأرسل معهم المأمون جماعة يثق إِلى أقوالهم، فساروا إِلى صحراء سنجار؛ وحققوا ارتفاع القطب الشمالي، وضربوا هناك وتداً، وربطوا فيه حبلاً طويلاً ومشوا إِلى الجهة الشمالية على الاستواء، من غير انحراف حسب الإمكان، وبقي كلما فرغ حبل نصبوا في الأرض وتداً آخر؛ وربطوا فيه حبلاً آخر كفعلهم الأول، حتى انتهوا كذلك إِلى موضع قد زاد فيه ارتفاع القطب الشمالي المذكور درجة محققة، ومسحوا ذلك القدر، فكان ستة وستين ميلاً، وثلثي ميل، ثم وقفوا عند موقفهم الأول، وربطوا في الوتد حبلا، ومشوا إِلى جهة الجنوب من غير انحراف، وفعلوا ما شرحناه، حتى انتهوا إِلى موضع قد انحط فيه ارتفاع القطب الشمالي درجة، ومسحوا ذلك القدر، فكان ستة وستين ميلا وثلثي ميل، ثم عادوا إِلى المأمون وأخبروه بذلك، فأراد المأمون تحقيق ذلك في موضع آخر، فصيرهم إِلى أرض الكوفة، فساروا إِليها وفعلوا كما فعلوا في أرض سنجار، فوافق الحسابان، وعادوا إِلى المأمون، فتحقق صحة ذلك، وصحة ما نقل من كتب الأوائل، لمطابقة ما اعتبره، ثم ضربوا الأميال المذكورة في ثلاثمائة وستين، وهي درج الفلك، فكان الحاصل أربعة وعشرين ألف ميل، وهو دور الأرض. أقول: كذا نقله ابن خلكان. ونقل غيره من المؤرخين أن الذي وجد في أيام المأمون لحصّة الدرجة ستة وستون ميلاً وثلثا ميل، وهو غير صحيح، فإِن ذلك هو لحصة الدرجة على رأي القدماء وأما في أيام المأمون فإنه وجد حصة الدرجة ستة وخمسين ميلاً، وقد تحقق ذلك في علم الهيئة.
ثم دخلت سنة ستين ومائتين فيها قتلت العرب منجور والي حمص، واستعمل عليها بكتمر. وفيها توفي مالك بن طوق الثعلبي بالرحبة، وهو الذي بناها والذي تنسب إِليه فيقال رحبة مالك. وفيها توفي الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو المعروف بالعسكري، وهو أحد الأئمة الاثني عشر، على مذهب الإِمامية. وهو والد محمد المنتظر من سرداب سرمن رأى على زعمهم، وكان مولده سنة اثنتين وثلاثين ومائتين حسبما تقدم ذكره، في سنة أربع وخمسين ومائتين. وفيها توفي الحسن بن الصباح الزعفراني الفقيه، وهو من أصحاب الشافعي البغداديين. وفيها توفي حنين بن