الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة بالموصل، الحمد لله الذي انجلت بنوره غمرات الغضب، وانهدت بعظمته أركان النصب، وأطلع بقدرته شمس الحق من الغرب، فكتب بهاء الدولة إِلى عميد الجيوش يأمره بالمسير إِلى حرب قرواش فسار إِليه، وأرسل قرواش يعتذر وقطع خطبة العلويين.
غير ذلك من الحوادث وفي هذه السنة وقع الحرب بين بني مزيد وبني دبيس، بسبب أن أبا الغنائم محمد بن مزيد، كان مقيماً عند بني دبيس، في جزيرتهم، بنواحي خورستان لمصاهرة بينهم، فقتل أبو الغنائم محمد بن مزيد، أحد وجوه بني دبيس، ولحق بأخيه أبي الحسن بن مزيد، فسار إِليهم أبو الحسن بن مزيد، واقتتلوا فقتل أبو الغنائم محمد بن مزيد، وهرب أخوه أبو الحسن.
وفي هذه السنة توفي عميد الجيوش أبو علي بن أستاذ هرمز، وكان أميراً من جهة بهاء الدولة على العسكر، وعلى الأمور ببغداد، وكانت ولايته ثمان سنين وأربعة أشهر وأياماً. وعمره تسع وأربعون سنة، وكان أبوه أستاذ هرمز، من حجاب عضد الدولة، واتصل عميد الجيوش بخدمة بهاء الدولة، فلما فسد حال بغداد من الفتن، أرسله بهاء الدولة إِلى بغداد، فأصلح الأمور وقمع المفسدين، فلما مات عميد الجيوش، استعمل بهاء الدولة موضعه على بغداد فخر الملك، أبا غالب.
ثم دخلت سنة اثنتين وأربعمائة أخبار صالح بن مرْداس
وملكه حلب وأخبار ولده إلى سنة اثنتَين وسبعين وأربعمائة
وكان ينبغي أن نذكر ذلك مبسوطاً في السنين، ولكن لقلته كان يضيع ولا ينضبط فلذلك أوردنا في هذه السنة جملة، كما فعلنا مثل ذلك في عدة قصص من هذا التاريخ فنقول: إِننا ذكرنا ملك أبي المعالي شريف الملقب بسعد الدولة بن سيف الدولة بن حمدان لحلب، إِلى أن توفي بالفالج، وهو مالكها، على ما شرحناه في سنة إِحدى وثمانين وثلاثمائة، ولما توفي أبو المعالي سعد الدولة المذكور، أقيم أبو الفضائل ولد سعد الدولة مكان أبيه، وقام بتدبيره، لؤلؤ، أحد موالي سعد الدولة، ثم استولى أبو نصر بن لؤلؤ المذكور علي أبي الفضائل بن سعد الدولة، وأخذ منه حلب، واستولى عليها، وخطب للحاكم العلوي بها، ولقب الحاكم أبا نصر بن لؤلؤ المذكور، مرتضى الدولة. واستقر في ملك حلب، وجرى بينه وبين صالح بن مرداس الكلابي وبني كلاب وحشة وقصص يطول شرحها، وكانت الحرب بينهم سجالاً، وكان لابن لؤلؤ غلام اسمه فتح، وكان دزدار قلعة حلب، فجرى بينه وبين أستاذه ابن لؤلؤ وحشة في الباطن، حتى عصى.
فتح المذكور في قلعة حلب على أستاذه، واستولى عليها، وكاتب فتح المذكور الحاكم العلوي بمصر، ثم أخذ فتح من الحاكم صيدا وبيروت، وسلم حلب إِلى نواب الحاكم،
فسار مولاه ابن لؤلؤ إِلى إنطاكية وهي للروم، فأقام معهم بها، وتنقلت حلب بأيدي نواب الحاكم، حتى صارت بيد إِنسان من الحمدانية، يعرف بعزيز الملك، وبقي المذكور نائب الحاكم بحلب، حتى قتل الحاكم، وولي الظاهر لاعزاز دين الله، العلوي، فتولى من جهة الظاهر العلوي المذكور على مدينة حلب، إِنسان يعرف بابن ثعبان وولي القلعة خادم يعرف بموصوف، فقصدهما صالح بن مرداس، أمير بني كلاب، فسلم إِليه أهل البلد مدينة حلب، لسوء سيرة المصريين فيهم، وصعد ابن ثعبان إِلى القلعة، وحصرها صالح بن مرداس، فسلمت إِليه قلعة حلب أيضاً، في سنة أربع عشرة وأربعمائة واستقر صالح مالكاً لحلب، وملك معها من بعلبك إِلى عانة وأقام صالح بن مرداس بحلب، مالكاً لما ذكر ست سنين، فلما كان سنة عشرين وأربعمائة، جهز الظاهر العلوي جيشاً لقتال صالح المذكور، ولقتال حصان أمير بني طيئ وكان قد استولى حسان المذكور على الرملة. وتلك البلاد، وكان مقدم عسكر المصريين اسمه أنوش تكين، فاتفق صالح وحسان على قتال أنوش تكين، وسار صالح من حلب إلى حسان، واجتمعا على الأردن عند طبرية ووقع بينهم القتال، فقتل صالح بن مرداس وولده الأصغر، ونفذ رأساهما إلى مصر، ونجا ولده أبو كامل نصر بن صالح بن مرداس، وسار إِلى حلب، فملكها، وكان لقب أبي كامل المذكور، شبل الدولة وبقي شبل الدولة بن صالح مالكاً لحلب إلى سنة تسع وعشرين وأربعمائة، وذلك في أيام المستنصر بالله العلوي، صاحب مصر.
فجهزت العساكر من مصر إِلى شبل الدولة، ومقدمهم رجل يقال له الدزبري بكسر الدال المهملة وسكون الزاي المعجمةَ وباء موحدة وراء مهملة ويا مثناة من تحت وهو أنوش تكين المذكور، وكان يلقب الدزبري.
نقلت ذلك من تاريخ ابن خلكان فاقتتلوا مع شبل الدولة عند حماة، في شعبان سنة تسع وعشرين وأربعمائة فقتل شبل الدولة، وملك الدزبري حلب في رمضان من السنة المذكورة. وملك الشام جميعه، وعظم شأن الدزبري وكثر ماله، وتوفي الدزبري بحلب سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة على ما سنذكره إِن شاء الله تعالى.
وكان لصالح بن مرداس ولد بالرحبة، يقال له: أبو علوان ثمال، ولقبه معز الدولة، فلما بلغه وفاة الدزبري سار ثمال بن صالح المذكور إِلى حلب وملك مدينة حلب، ثم ملك قلعتها في صفر سنة أربع وثلاثين وأربعمائة وبقي معز الدولة ثمال بن صالح المذكور، مالكاً لحلب إِلى سنة أربعين وأربعمائة، فأرسل إليه المصريون جيشاً، فهزمهم ثمال، ثم أرسلوا إِليه جيشاً آخر، فهزمهم ثمال أيضاً ثم صالح ثمال المذكور المصريين، ونزل لهم عن حلب فأرسل المصريون رجلاً من أصحابهم يقال له الحسن بن علي بن ملهم ولقبوه مكين الدولة، فتسلم حلب من ثمال بن صالح بن مرداس، في سنة تسع وأربعين وأربعمائة، وسار ثمال إِلى مصر، وسار أخوه عطية بن صالح بن مرداس
إِلى الرحبة، وكان لنصر الملقب بشبل الدولة الذي قتل في حرب الدزبري ولد يقال له محمود، فكاتبه أهل حلب، وخرجوا عن طاعة ابن ملهم، فوصل إِليهم محمود، واتفق معه أهل حلب، وحصروا ابن ملهم في جمادى الآخرة من سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة، فجهز المصريون جيشاً لنصرة ابن ملهم، فلما قاربوا حلب، رحل محمود عنها هارباً، وقبض ابن ملهم على جماعة من أهل حلب، وأخذ أموالهم، ثم سار العسكر في أثر محمود بن نصر بن صالح المذكور، فاقتتلوا وانتصر محمود وهزمهم، ثم عاد محمود إِلى حلب فحاصرها، وملك المدينة والقلعة، في شعبان سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة، وأطلق ابن ملهم ومقدم الجيش، وهو ناصر الدولة، من ولد ناصر الدولة بن حمدان، فسار إِلى مصر واستقر محمود بن شبل الدولة نصر بن صالح بن مرداس مالكاً لحلب.
ولما وصل ابن ملهم وناصر الدولة إِلى مصر، وكان ثمال بن صالح بن مرداس قد سار إِلى مصر كما ذكرنا، جهز المصريون ثمال بن صالح بجيش، لقتال ابن أخيه محمود بن شبل الدولة فسار ثمال بن صالح إِلى حلب وهزم محمود بن أخيه، وتسلم ثمال بن صالح بن مرداس حلب، في ربيع الأول من سنة ثلاث وخمسين أربعمائة ثم توفي ثمال في حلب سنة أربع وخمسين في ذي القعدة، وأوصى بحلب لأخيه عطية، الذي كان سار إِلى الرحبة كما ذكرناه.
فسار عطية بن صالح من الرحبة، وملك حلب في السنة المذكورة، وكان محمود بن شبل الدولة، لما هرب من عمه ثمال من حلب، سار إِلى حران، فلما مات ثمال، وملك أخوه عطية حلب، جمع محمود عسكراً وسار إلى حلب، فهزم عمه عطية عنها وسار عطية إِلى الرقة فملكها، ثم أُخذت منه، فسار عطية إِلى الروم، وأقام بقسطنطينية حتى مات بها.
وملك محمود بن نصر بن صالح بن مرداس حلب، في أواخر سنة أربع وخمسين وأربعمائة ثم استوَلى محمود على أرتاح، وأخذها من الروم في سنة ستين، ومات محمود المذكور في ذي الحجة سنة ثمان وستين وأربعمائة في حلب، مالكاً لها.
وملك حلب بعده ابنه نصر بن محمود بن نصر بن صالح بن مرداس، ثم قتل التركمان نصراً المذكور، على ما سنذكره إِن شاء الله تعالى، في سنة تسع وستين وأربعمائة وملك حلب بعده أخوه سابق بن محمود بن نصر بن صالح بن مرداس وبقي سابق بن محمود المذكور، مالكاً لحلب إِلى سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة وأخذ حلب منه شرف الدولة، مسلم بن قريش، صاحب الموصل على ما نذكره إن شاء الله تعالى.
غير ذلك من الحوادث
في هذه السنة، كتب ببغداد محضر بأمر القادر، يتضمن القدح في نسب العلويين خلفاء مصر، وكتب فيه جماعة من العلويين والقضاة، وجماعة من الفضلاء، وأبو عبد الله بن النعمان فقيه الشيعة، ونسخة المحضر المذكورة هذا ما شهد به الشهود، أن معد بن إِسماعيل بن
عبد الرحمن بن سعيد، منتسب إلى ديصان بن سعيد، الذي ينسب إِليه الديصانية، وأن هذا الناجم بمصر هو منصور ابن نزار المتلقب بالحاكم، حكم الله عليه بالبوار والدمار، ابن معد بن إِسماعيل بن عبد الرحمن بن سعيد، لا أسعده الله، وأن من تقدمه من سلفه، الأرجاس الأنجاس، عليهم لعنة الله، ولعنة اللاعنين، أدعياء خوارج لا نسب لهم في ولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأن ما ادعوه من الانتساب إِليه، زور وباطل، وأن هذا الناجم في مصر، هو وسلفه، كفّار وفسّاق، زنادقة ملحدون معطلون، وللإِسلام جاحدون، أباحوا الفروج وأحلوا الخمور، وسبوا الأنبياء، وادعوا الربوبية وتضمن المحضر المذكور نحو ذلك، أضربنا عنه، وفي آخره كتب في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعمائة وفيها اشتد أذى خفاجة للحجاج، وقطعوا عليهم الطريق.
ثم دخلت سنة ثلاث وأربعمائة قتل قابوس في هذه السنة، قتل شمس المعالي قابوس بن وشمكير بن زيار، بسبب تشديده على أصحابه، وعدم التجاوز عن ذنوبهم، فخرجوا عن طاعته وحصروه، واستدعوا ولده منوجهر بن قابوس، فأقاموه عليهم، وكان بجرجان، ثم اتفق مع أبيه قابوس، فانقطع قابوس في قلعة يعبد الله، فلم يطب للعسكر الذين خلعوه، وعاودوا منوجهر في قتله، فسكت فمضوا إِلى قابوس، وأخذوا جميع ما عنده من ملبوس، وتركوه حتى مات بالبرد، وكان قابوس المذكور كثير الفضائل، عظيم السياسة، شديد الأخذ، قليل العفو، وكان عالماً بالنجوم وغيرها، وله أشعار حسنة، فمن شعره:
قلْ للذي بصروف الدهرِ عيرنا
…
هلْ عاند الدهر ُإِلا مَنْ له خطرُ
ففي السماء نجوم ما لها عدد
…
وليسَ يكسف إِلا الشمسُ والقمر
وفي هذه السنة مات ملك الترك، أيلك خان، وملك بعده أخوه طغان خان، وكان أيلك خان خيراً عادلاً محباً للدين وأهله.
وفاة بهاء الدولة في هذه السنة في عاشر جمادى الآخرة، توفي بهاء الدولة أبو نصر خاشاذ بن عضد الدولة بن بويه بتتابع الصرع، مثل مرض أبيه عضد الدولة، وكان موت بأرجان، وملك العراق وعمره اثنتان وأربعون سنة وتسعة أشهر، وملكه أربع وعشرون سنة.
ولما توفي ولي الملك بعده ابنه سلطان الدولة أبو شجاع بن بهاء الدولة. وفيها كان استيلاء سليمان بن الحكم بن سليمان بن عبد الرحمن الناصر على قرطبة، وبويع بالخلافة على ما قدمنا ذكره، في سنة أربعمائة، ولما استولى على قرطبة عدم المؤيد هشام، فلم يتحقق له خبر بعد هذه السنة، وسنذكر ما قيل في ظهوره إِن شاء الله تعالى وإن ذلك كان تنويجاً لا حقيقة له.
وفيها توفي القاضي أبو بكر بن الباقلاني، واسمه محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر، وكان أبو بكر المذكور، على مذهب أبي الحسن الأشعري، وهو ناصر طريقته، ومؤيد مذهبه، وسكن ببغداد، وصنف التصانيف للكثيرة في علم الكلام، وانتهت إِليه الرئاسة في مذهبه، ونسبة الباقلاني إلى بيع الباقلاء، وهي نسبة شاذة مثل صنعاني.
ثم دخلت سنة أربع وأربعمائة في هذه السنة أيضاً عاد يمين الدولة محمود، فغزا الهند وأوغل في بلادهم وغنم وفتح وعاد إِلى غزنة. وفيها عاثت خفاجة، ونهبوا سواد الكوفة، وطلع عليهم العسكر وقتل منهم وأسر.
وفي هذه السنة توفي أبو الحسن علي بن سعيد الأصطخري، وهو من شيوخ المعتزلة، وكان عمره قد زاد على ثمانين سنة.
ثم دخلت سنة خمس وأربعمائة في هذه السنة، كانت الحرب بين أبي الحسن علي بن مزيد الأسدي، وبين مضر وحسان ونبهان وطراد بني دبيس، وكان آخر تلك الحرب، أن مضر بن دبيس، كبس أبا الحسن ابن مزيد المذكور، فهزمه واستولى ابن دبيس على خيل أبي الحسن وأمواله وهرب أبو الحسن إِلى بلد النيل.
وفيها توفي الحافظ محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم الضبي الطهماني، المعروف بابن الحاكم النيسابوري إِمام أهل الحديث في عصره، والمؤلف فيه الكتب التي لم يسبق إِلى مثلها، سافر في طلب الحديث، وبلغت عدة شيوخه نحو ألفين، وصنف عدة مصنفات، منها الصحيحان، والأمالي، وفضائل الشافعي، وإنما عُرف أبوه بالحاكم، لأنه تولى القضاء بنيسابور.
وفيها قتل طائفة من عامة الدينور، قاضيهم أبا القاسم يوسف بن أحمد بن كج، الفقيه الشافعي، قاضي الدينور، قتلوه خوفاً منه، وله وجه في المذهب، وصنف كتباً كثيرة، وجمع بين رئاستي العلم والدنيا.
ثم دخلت سنة ست وأربعمائة وفاة باديس في هذه السنة، توفي باديس بن منصور بن يوسف بلكين بن زيري، أمير إِفريقية. وولي بعده إِمرة إِفريقية ابنه المعز بن باديس، وعمره ثمان سنين، ووصلت إِليه الخلع والتقليد من الحاكم العلوي، ولقبه شرف الدولة، وهذا المعز بن باديس هو الذي حمل أهل المغرب على مذهب الإمام مالك، وكانوا قبله على مذهب أبي حنيفة.
وفي هذه السنة غزا يمين الدولة محمود الهند على عادته، فتاه الدليل، ووقع هو وعسكره في مياه فاضت من البحر فغرق كثير ممن معه، وبقي فيه أياماً، حتى تخلص، وعاد إِلى خراسان.
وفي هذه السنة عَزَل سلطان الدولة بن بهاء الدولة نائبه بالعراق، فخر الملك، أبا غالب، وقتله سلخ ربيع الأول من هذه السنة، وكان عمر فخر الملك اثنتين وخمسين سنة وأحد عشر شهراً، وكانت مدة ولايته على العراق خمس سنين وأربعة أشهر وأياماً، ووجد له من المال ألف ألف دينار عيناً، غير العروض. وغير ما نهب، وكان قبضه بالأهواز. ثم استوزر سلطان الدولة بن بهاء