الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بن سليمان، وتوفي قدر خان المذكور في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة، على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
ثم دخلت سنة عشر وأربعمائة، وفيها توفي وثاب بن سابق النميري صاحب حران وملك بلاده بعده ولده شبيب بن وثاب.
ثم دخلت سنة إِحدى عشرة وأربعمائة موت الحاكم بأمر الله في هذه السنة، لثلاث بقين من شوال، فقد الحاكم بأمر الله أبو علي منصور ابن العزيز بالله العلوي، صاحب مصر، وكان فَقْده بأن خرج يطوف بالليل على رسمه، وأصبح عند قبر الفقاعي وتوجه إِلى شرقي حلوان، ومعه ركابيان فأعاد أحدهما مع جماعة من العرب ليوصلهم ما أطلق لهم من بيت المال، ثم عاد الركابي الآخر وأخبر أنه خلف الحاكم عند العين والمقصبة، فخرج جماعة من أصحابه لكشف خبره، فوجدوا عند حلوان حمار الحاكم، وقد ضربت يده بسيف، وعليه سرجه ولجامه، وأتبعوا الأثر، فوجدوا ثياب الحاكم فعادوا ولم يشكوا في قتله، وكان سبب قتله: أنه تهدد أخته، فاتفقت مع بعض القواد، وجهزوا عليه من قتله، وكان عمر الحاكم ستاً، وثلاثين سنة وتسعة أشهر، وولايته خمساً وعشرين سنة وأياماً، وكان جواداً بالمال، سفاكاً للدماء، وكان يصدر عنه أفعال متناقضه، يأمر بالشيء ثم ينتهي عنه.
وولي الخلافة بعده ابنه الظاهر لإعزاز دين الله، أبو الحسن علي بن منصور الحاكم بأمر الله، وبويع له بالخلافة. في اليوم السابع من قتل الحاكم، وهو إذ ذاك صبي وكتبت الكتب إِلى بلاد مصر والشام بأخذ البيعة له، وجمعت عمته أخت الحاكم، واسمها ست الملك، الناس، ووعدتهم وأحسنت إِليهم ورتبت الأمور وباشرت تدبير الملك بنفسها، وقويت هيبتها عند الناس، وعاشت بعد قتل الحاكم أربع سنين وماتت.
ملك شرف الدولة
بن، بهاء الدولة بن عضد الدولة العراق
وفي هذه السنة، في ذي الحجة شغبت الجند ببغداد على سلطان الدولة فأراد الإنحدار إِلى واسط، فقال الجند له: إِما أن تجعل عندنا ولدك، وإما أخاك مشرف الدولة، فاستخلف أخاه مشرف الدولة على العراق، وسار سلطان الدولة عن بغداد إِلى الأهواز، واستوزر في طريقه ابن سهلان، فاستوحش مشرف الدولة من ذلك، وأرسل سلطان الدولة وزيره ابن سهلان ليخرج أخاه مشرف الدولة من العراق، فسار إِليه واقتتلا، فانتصر مشرف الدولة وأمسك ابن سهلان، وسمله، فلما سمع سلطان الدولة بذلك، ضعفت نفسه وهرب إِلى الأهواز في أربعمائة فارس، واستقر مشرف الدولة بن بهاء الدولة في ملك العراق، وقطعت خطبة سلطان الدولة، وخطب لمشرف الدولة في أواخر المحرم سنة اثنتي عشرة وأربعمائة.
غير ذلك من الحوادث وفي هذه السنة، في الموصل، قبض معتمد الدولة قرواش بن المقلد على وزيره أبي القاسم المغربي، ثم أطلقه، فيما بعد، وقبض أيضاً على سليمان بن فهد، وكان ابن فهد في حداثته بين يدي الصابي ببغداد، ثم صعد إِلى الموصل، وخدم المقلد ابن المسيب والد قرواش، ثم نظر في ضياع قرواش فظلم أهلها، ثم سخط قرواش عليه وحبسه ثم قتله، وهو المذكور في شعر ابن الزمكدم في أبياته وهي:
وليلِ كوجهِ البرقعيدي مظلم
…
ورد أغانيه وطولِ قرونهِ
سريت ونومي فيه نوم مشردٍ
…
كعَقلِ سليمَانَ بن فهد ودينهِ
علي أولق فيه التفات كأنه
…
أبو جابر في خطبهِ وجنونهِ
إِلى أن بدا نور الصباح كأنه
…
سنا وجه قرواش وضوء جبينه
وكان من حديث هذه الأبيات، أن قرواشاً جلس في مجلس شرابه في ليلة شاتية وكان عنده المذكورون، وهم البرقعيدي وكان مغنياً لقرواش، وسليمان بن فهد الوزير المذكور، وأبو جابر، وكان حاجباً لقرواش، فأمر قرواش الزمكدم أن يهجو المذكورين ويمدحه، فقال هذه الأبيات البديهية.
وفيها اجتمع غريب بن معن ودبيس بن علي بن مزيد، وأتاهم عسكر من بغداد، وجرى بينهم وبين قرواش قتال، فانهزم قرواش، وامتدت يد نواب السلطان إِلى أعماله، فأرسل قرواش يسأل الصفح عنه.
وفيها على ما حكاه ابن الأثير في حوادث هذه السنة، في ربيع الآخر نشأت سحابة بإفريقية شديدة البرق والرعد، فأمطرت حجارة كثيرة وهلك كل من أصابته. ثم دخلت سنة اثنتي عشرة وأربعمائة فيها مات صدقة بن فارس المازياري أمير البطيحة، وضمنها أبو نصر شيرزاد بن الحسن بن مروان، واستقر فيها، وأمنت به الطرق. وفيها توفي علي بن هلال، المعروف بابن البواب، المشهور بجودة الخط، وقيل كان موته سنة ثلاث عشرة وكان عنده علم، وكان يقص بجامع المدينة ببغداد، ويقال له ابن الستري أيضاً، لأن أباه كان بواباً، والبواب يلازم ستر الباب، فلهذا نسب إِليه أيضاً، وكان شيخه في الكتابة محمد بن أسد بن علي القارئ الكاتب البزار البغدادي. وتوفي ابن البواب ببغداد، ودفن بجوار أحمد بن حنبل.
وفيها توفي أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي الصوفي صاحب طبقات الصوفية. وفيها توفي علي بن عبد الرحمن الفقيه البغدادي، المعروف بصريع الدلاء، قتيل الغواشي ذي الرقاعتين، الشاعر المشهور، وله قصيدة في المجون فمنها قوله:
وليس يخرا في الفراش عاقلٌ
…
والفرش لا ينكر فيها من فسى
من فاته العلم وأخطاه الغنى
…
فذاك والكلب على حال سوا
وقدم مصر في السنة التي توفي فيها، ومدح الظاهر لإعزاز دين الله.
أخبار اليمن
من تاريخ اليمن لعمارة قال: وفي هذه السنة، أعني سنة اثنتي عشرة وأربعمائة، استولى نجاح على اليمن حسبما سبقت الإشارة إليه، في سنة ثلاث ومائتين، ونجاح المذكور مولى مرجان، ومرجان مولى حسين بن سلامة، وحسين مولى رشد، ورشد مولى زياد، وكان لنجاح عدة من الأولاد منهم: سعيد الأحول، وجياش، ومعارك، وغيرهم وبقي نجاح في ملك اليمن حتى توفي في سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة. قيل إن الصليحي أهدى إليه جارية جميلة، فسمت نجاحاً ومات بالسم.
ثم ملك بعد نجاح بنوه، وكبيرهم سعيد الأحول بن نجاح، وبقي الأمر فيهم بعد موت نجاح سنتين وغلب عليهم الصليحي، على ما سنذكره في سنة خمس وخمسين وأربعمائة، فهرب بنو نجاح إِلى دهلك وجزائرها، ثم افترقوا منها فقدم جياش متنكراً إِلى زبيد، وأخذ منها وديعة كانت له، ثم عاد إِلى دهلك مدة ملك الصليحي. وأما سعيد الأحوال، فقدم إِلى زبيد أيضاً، بعد عود أخيه جياش عنها، واستتر بها، وأرسل واستدعى جياشاً من دهلك، وبشره بانقضاء ملك الصليحي، وأن ذلك قد قرب أوانه، فقدم جياش إِلى زبيد في اليوم التاسع من ذي القعدة، سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة، وقصدا الصليحي، وكان الصليحي قد سار إِلى الحج، فلحقاه عند أم الدهيم، وبير أم معبد، وبغتاه وقتلاه في ثاني عشر ذي القعدة، من السنة المذكورة، ومعه عسكر كثير، فلم يشعروا إِلا بقتل الصليحي، وكذلك قتل مع الصليحي أخوه عبد الله بن محمد، وحز سعيد رأس الصليحي ورأس أخيه عبد الله، واحتاط على امرأة الصليحي، وهي أسماء بنت شهاب، وسار عائداً إِلى زبيد، وكان لأسماء ابن يقال له الملك المكرم، وكان مالكاً بعض حصون اليمن، ودخل سعيد بن نجاح وأخوه جياش زبيد في أواخر سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة والرأسان قدامهما، أمام هودج أسماء بنت شهاب، وأنزل سعيد أسماء بدار في زبيد، ونصب الرأسين قبالتها، واستوسق الأمر بتهامة لسعيد بن نجاح، واستمرت أسماء مأسورة إِلى سنة خمس وسبعين وأربعمائة، فأرسلت أسماء بالخفية كتاباً إِلى ابنها المكرم تستوحيه، فجمع المكرم، واسمه أحمد بن علي الصليحي، جموعاً وسار من الجبال إِلى زبيد، وجرى بينه وبين سعيد بن نجاح قتال شديد، فانتصر الملك المكرم، وهرب سعيد، ومن سلم معه إِلى دهلك، واستولى المكرم على زبيد، وأنزل رأسي الصليحي وأخيه ودفنهما، وبنى عليهما مشهداً وولى المكرم على زبيد خاله أسعد بن شهاب، وماتت أسماء المذكورة، بعد ذلك في صنعاء سنة سبع وسبعين وأربعمائة.
ثم عاد بنو نجاح من دهلك وملكوا زبيد، وأخرجوا أسعد بن شهاب منها في سنة تسع وسبعين وأربعمائة،
ثم غلب عليهم الملك المكرم أحمد بن علي الصليحي، وملك زبيد وقتل سعيد بن نجاح في سنة إحدى وثمانين وأربعمائة، وقيل سنة ثمانين، ونصب رأسه مدة، ولما قتل سعيد في السنة المذكورة، هرب أخوه جياش إِلى الهند، وأقام جياش في الهند ستة أشهر، ثم عاد إِلى زبيد فملكها، في بقايا سنة إِحدى وثمانين المذكورة، وكان قد اشترى من الهند جارية هندية، فأقدمها معه وهي حبلى منه، فلما حصل في زبيد ولدت له ابنه الفاتك بمن جياش، وبقي المكرم في الجبال يوقع الغارات على بلاد جياش، ولم يبق له من القدرة على غير ذلك. ولم يزل جياش مالكاً لتهامة من اليمن، من سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، إِلى سنة ثمان وتسعين وأربعمائة، فمات في أواخرها، وقيل إِن موته كان في سنة خمسمائة، وترك عدة أولاد منهم: الفاتك ابن الهندية، ومنصور، وإبراهيم، فتولى بعده ابنه فاتك بن جياش، وخالف عليه أخوه إبراهيم، ثم مات فاتك في سنة ثلاث وخمسمائة وخلف ولده منصوراً، فاجتمعت عليه عبيد أبيه فاتك وملكوه وهو دون البلوغ، فقصده عمه إِبراهيم وقاتله، فلم يظفر إِبراهيم بطائل، وثار في زبيد عم الصبي عبد الواحد بن جياش، وملك زبيد، فاجتمع عبيد فاتك على منصور واستنجدوا وقصدوا زبيد، وقهروا عبد الواحد، واستقر منصور بن فاتك في الملك بزبيد، ثم ملك بعد منصور بن فاتك، ولده فاتك بن منصور بن فاتك. ثم ملك بعد فاتك الأخير المذكور ابن عمه، واسمه أيضاً فاتك بن محمد بن فاتك بن جياش بن نجاح، مولى مرجان، في سنة إِحدى وثلاثين وخمسمائة، واستقر فاتك بن محمد المذكور في ملك اليمن، من السنة المذكورة، حتى قتله عبيد في سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة وهو آخر ملوك اليمن من بني نجاح.
ثم تغلب على اليمن في سنة أربع وخمسين وخمسمائة، علي بن مهدي، على ما سنذكره إِن شاء الله تعالى.
ثم دخلت سنة ثلاث عشرة وأربعمائة فيها كان الصلح بين مشرف الدولة وأخيه سلطان الدولة، واستقر الحال على أن يكون العراق جميعه لمشرف الدولة وكرمان وفارس لسلطان الدولة. وفيها استوزر مشرف الدولة أبا الحسن بن الحسن الرخجي، ولقب مؤيد الملك، وامتدحه المهيار وغيره من الشعراء، وبنى مارستان بواسط، وجعل عليه وقوفاً عظيمة، وكان يسأل في الوزارة ويمتنع، فألزمه مشرف الدولة بها في هذه السنة.
وفيها توفي علي بن عيسى السكري. شاعر السنة وسمي بذلك لإكثاره من مدح الصحابة ومناقضته شعراء الشيعة، وفيها توفي عبد الله بن المعلم فقيه الإمامية، ورثاه المرتضى.
ثم دخلت سنة أربع عشرة وأربعمائة في هذه السنة استولى علاء الدولة أبو جعفر بن كاكوية على همذان وأخذها من صاحبها سماء الدولة أبي الحسن بن شمس الدولة، من بني بويه، ولما ملك علاء الدولة همذان، سار إِلى الدينور، فملكها، ثم ملك شابور خواشت، أيضاً وقْويت هيبته وضبط المملكة. وفي
هذه السنة قبض مشرف الدولة على وزيره الرخجي، واستوزر أبا القاسم المغربي، واسمه الحسين، الذي تقدم ذكره أنه كان وزير القرواش، وكان أبوه من أصحاب سيف الدولة بن حمدان، وسار إِلى مصر وولد له أبو القاسم المذكور بها، سنة سبعين وثلاثمائة ثم قتل الحاكم أباه، فهرب أبو القاسم إِلى الشام وتنقْل في الخدم.
وفي هذه السنة غزا يمين الدولة محمود بلاد الهند، وأوغل فيه وفتح وغنم وعاد سالماً. وفي هذه السنة توفي القاضي عبد الجبار وقد جاوز التسعين، وكان متكلماً معتزلياً، وله تصانيف مشهورة في علم الكلام.
ثم دخلت سنة خمس عشرة وأربعمائة وفاة سلطان الدولة في هذه السنة، في شوال، توفي الملك سلطان الدولة، أبو شجاع بن بهاء الدولة أبي نصر بن عضد الدولة، بشيراز، وعمره اثنتان وعشرون سنة وأشهر.
فاستولى أخوه قوّام الدولة أبو الفوارس بن بهاء الدولة ملك كرمان، على مملكة فارس، وكان أبو كاليجار بن سلطان الدولة بالأهواز، فسار إِلى عمه واقتتلا، فانهزم عمه أبو الفوارس، واستولى أبو كاليجار بن سلطان الدولة على شيراز وسائر مملكة أبيه بفارس، ثم أخرجه عمه أبو الفوارس عنها، ثم عاد أبو كاليجار فملكها ثانياً، وهزم عمه قوّام الدولة، وملك شيراز، واستفر في ملك أبيه.
وفيها توفي علي بن عبيد الله بن عبد الغفار السمساني اللغوي، كان فيمن يعلم اللغة، وكتب الأدب التي عليها خطه، مرغوب فيها.
ثم دخلت سنة ست عشرة وأربعمائة، في هذه السنة عاد أيضاً يمين الدولة إِلى غزو بلاد الهند، وأوغل فيه، وفتح مدينة الصنم المسمى بسومنات، وهذا الصنم كان أعظم أصنام الهند، وهم يحجون إِليه، وكان له من الوقوف ما يزيد على عشرة آلاف ضيعة، وقد اجتمع في بيت الصنم من الجواهر والذهب ما لا يحصى، فقتل يمين الدولة فيها من الهنود ما لا يحصى وغنم تلك الأموال، وأوقد على الصنم ناراً حتى قدر على كسره، من صلابة حجره، وكان طوله خمسة أذرع، منها ثلاثة بارزة، وذراعان في البناء، وأخذ بعض الصنم معه إِلى غزنة، وجعله عتبة للجامع.
وفاة مشرف الدولة وفي هذه السنة، في ربيع الأول توفي مشرف الدولة، أبو علي بن بهاء الدولة، وعمره ثلاث وعشرون سنة وأشهر، وملكه خمس سنين وخمسة وعشرون يوماً، وكان عادلاً حسن السيرة. وفيها قتل علي بن محمد التهامي الشاعر، المشهور، صاحب المرثية المشهورة التي عملها في ولد صغير له مات، التي منها:
حكم المنية في البريةِ جاري
…
ما هذه الدنيا بدار قرارِ
طُبعتْ على كَدر وأنتَ تُريدها
…
صفواً من الأقذاء والأكدارِ
ومكلف الأيام ضد طباعها
…
متطلبٌ في الماءِ جذوةَ نارِ
ووصل التهامي المذكور إِلى القاهرة، متخفياً، ومعه كتب من حسان بن مفرج ابن دغفل البدوي، إلى بني قرة، فعلم بأمره وحبس في خزانة البنود، ثم قتل بها محبوساً في التاريخ المذكور، والتهامي منسوب إِلى تهامة، وهي تطلق على مكة، ولذلك قيل للنبي صلى الله عليه وسلم تهامي، لأنه منها، وتطلق على البلاد التي بين الحجاز وأطراف اليمن.
ثم دخلت سنة سبع عشرة وأربعمائة في هذه السنة تسلط الأتراك في بغداد فأكثروا مصادرات الناس، وعظم الخطب، وزاد الشر، ودخل في الطمع العامة والعيارون، وذلك بسبب موت شرف الدولة وخلو بغداد من سلطان. وفيها توفي أبو بكر عبد الله بن أحمد بن عبد الله الفقيه الشافعي، المعروف بالقفال، وعمره تسعون سنة، وله التصانيف النافعة، وكان يعمل الأقفال، ماهراً في عملها، واشتغل على كبر، وفاق أهل زمانه، يقال كان عمره لما ابتدأ بالاشتغال ثلاثين سنة، وأبو بكر القفال المذكور غير أبي بكر القفال الشاشي، المقدم ذكره في سنة خمس وستين وثلاثمائة، والقفال المذكور اسمه عبد الله، وكنيته أبو بكر، وأما القفال الشاشي المقدم الذكر، اسمه وكنيته أبو بكر.
ثم دخلت سنة ثماني عشرة وأربعمائة.
ملك جلال الدولة أبي طاهر بن بهاء الدولة بغداد في هذه السنة سار جلال الدولة من البصرة إِلى بغداد، وكان قد استدعاه الجند بأمر الخليفة، لما حصل من النهب والفتن ببغداد، لخلوها من السلطان، فدخلها ثالث رمضان، وخرج الخليفة القادر لملتقاه، وحلفه واستوثق منه، واستقر جلال الدولة في ملك بغداد.
وفي هذه السنة توفي الوزير أبو القاسم الغربي الذي تقدم ذكره، وعمره ست وأربعون سنة. وفيها سقط بالعراق بَرَدٌ كبار، وزن البَرَدة، رطل ورطلان بالبغدادي، وأصغره كالبيضة. وفيها نقضت الدار التي بناها معز الدولة بن بويه ببغداد، وكان قد غرم عليها ألف ألف دينار، وبذل في حكاكة سقف منها ثمانية آلاف دينار.
وفي هذه السنة أعني سنة ثماني عشرة وأربعمائة، توفي الأستاذ أبو إسحاق إِبراهيم بن محمد بن إِبراهيم بن مروان الاسفرائيني، ويلقب ركن الدين الفقيه الشافعي، المتكلم الأصولي، أخذ عنه الكلام عامة شيوخ نيسابور، وأقر أهل خراسان له بالعلم، وله التصانيف الجليلة في الأصول والرد. على الملحدين، وهو أحد من بلغ حد الاجتهاد من العلماء، لتبحره في العلوم، واختلف إِلى مجلسه أبو القاسم القشيري، وأكثر الحافظ أبو بكر البهيقي الرواية عنه.
وفيها توفي أبو القاسم بن طباطبا الشريف، وله شعر جيد، واسمه أحمد بن محمد بن إِسماعيل بن إِبراهيم طباطبا بن إِسماعيل بن إِبراهيم بن الحسن بن الحسن ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، نقيب الطالبيين بمصر، وكان من أكابر رؤسائها، وطباطبا لقب جده، لقّب بذلك لأنه كان يلثغ، فيجعل القاف طاء، طلب يوماً قماشه، فقال غلامه: أجيب
دراعة، فقال: لا، طباطبا يريد قباقيا فبقي عليه لقباً، ومن شعره:
كأن نجوم الليل سارتْ نهارها
…
فوافت عشاء وهي أنضاء أسفارِ
وقد خيمتْ كي تستريح ركابها
…
فلا فلكُ جارٍ ولا كوكب ساري
ثم دخلت سنة تسع عشرة وأربعمائة في هذه السنة، في ذي القعدة توفي قوام الدولة أبو الفوارس بن بهاء الدولة، صاحب كرمان، فسار ابن أخيه أبو كاليجار ابن سلطان الدولة، صاحب فارس، إِلى كرمان، واستولى عليها بغير حرب.
ثم دخلت سنة عشرين وأربعمائة في هذه السنة استولى يمين الدولة محمود بن سبكتكين على الري وقبض على مجد الدولة بن فخر الدولة علي بن ركن الدولة حسن بن بويه، صاحب الري، وكان سبب ذلك أن مجد الدولة اشتغل عن تدبير المملكة، بمعاشرة النساء ومطالعة الكتب، فشغبت عليه جنده، فبعث يشكو جنده إِلى يمين الدولة محمود، وعلم محمود بعجزه، فبعث إِليه عسكراً قبضوا على مجد الدولة، واستولى على الري. وفي هذه السنة كان قتل صالح بن مرداس أمير بني كلاب، صاحب حلب على ما سبق ذكره في سنة اثنتين وأربعمائة وفي هذه السنة توفي منوجهر بن قابوس بن وشمكير بن زيار، وملك بعده ابنه أنوشروان بن منوجهر.
ثم دخلت سنة إِحدى وعشرين وأربعمائة.
؟؟ وفاة السلطان محمود
وفي هذه السنة، في ربيع الآخر، توفي محمود بن سبكتكين، ومولده في عاشورا سنة ستين وثلاثمائة، وكان مرضه إِسهالاً وسوء مزاج، وبقي كذلك نحو سنتين، وكان قوي النفس، فلم يضع جنبه في مرضه، بل كان يستند إِلى مخدته حتى مات، كذلك وأوصى بالملك لابنه محمد بن محمود، وكان أصغر من مسعود، فقعد محمد في الملك، وكان أخوه مسعود بأصفهان، فسار نحو أخيه محمد، فاتفق أكابر العسكر وقضوا على محمد، وحضر مسعود فتسلم المملكة، واستقر فيها وأطلق أخاه محمداً، وأحسن إِليه. ثم قبض مسعود على القواد الذين قبضوا أخاه محمداً، وسعوا لمسعود في المملكة. وهذا عاقبة غدرهم.
ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة في هذه السنة سير السلطان مسعود بن محمود بن سبكتكين عسكراً، فاستولى على التيز ومكران.
ملك الروم مدينة الرها وكانت الرها لعطير، من بني نمير، فاستولى أبو نصر بن مروان صاحب ديار بكر على حران، وجهز من قتل عطيراً صاحب الرها، فأرسل صالح بن مرداس يشفع إلى أبي نصر بن مروان في أن يرد الرها إِلى ابن عطير ابن والي شيل، بينهما نصفين فقبل شفاعته وسلمها إِليهما في سنة ست عشرة وأربعمائة، وبقيت المدينة معهما إلى هذه السنة، فراسل ابن عطير أرمانوس ملك الروم، وباعه حصته من الرها، بعشرين ألف دينار وعدة قرى، وحضر