الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك في التاريخ المذكور، وكان الصلح على أن لا يذكر بركيارق في البلاد التي استقرت لمحمد، وأن لا يتكاتبا بل تكون المكاتبة بين وزيريهما، وأن لا يعارض العسكر في قصد أيهما شاء، وأما البلاد التي استقرت لمحمد، ووقع عليها الصلح فهي: من النهر المعروف باسبيدز إلى باب الأبواب وديار بكر والجزيرة والموصل والشام، ويكون له من العراق بلاد صدقة بن مزيد، ولما وصلت الرسل إلى المستظهر الخليفة بالصلح وما استقر عليه الحال، خطب لبركيارق ببغداد وكان شحنة بركيارق ببغداد أيلغازي بن أرتق.
ذكر ملك الفرنج جبيل وعكا من الشام في هذه السنة سار صنجيل وقد وصله مدد الفرنج من البحر إلى طرابلس وحاصرها براً وبحراً، فلم يجد فيها مطمعاً، فعاد عنها إلى جبيل وحاصرها وتسلمها بالأمان، ثم سار إلى عكا، ووصل إليه من الفرنج جمع آخر من القدس، وحصروا عكا في البر والبحر، وكان الوالي بعكا من جهة خليفة مصر، اسمه بنا ولقبه زهر الدولة الجيوشي، نسبة إلى أمير الجيوش، وجرى بينهم قتال طويل حتى ملك الفرنج عكا بالسيف وفعلوا بأهلها الأفعال الشنيعة، وهرب من عكا بنا المذكور إلى الشام ثم سار إلى مصر، وملوك الإسلام إذ ذاك مشتغلون بقتال بعضهم بعضاً، وقد تفرقت الآراء واختلفت الأهواء وتمزقت الأموال، ثم إن الفرنج قصدوا حران فاتفق جكرمش صاحب الموصل وسقمان بن أرتق ومعه التركمان فتحالفا واتفقا وقصدا الفرنج واجتمعا على الخابور، والتقيا مع الفرنج على نهر البليخ، فنصر الله تعالى المسلمين وانهزمت الفرنج، وقتل منهم خلق كثير وأسر ملكهم القومص.
ذكر وفاة دقاق في هذه السنة في رمضان توفي الملك دقاق بن تنش بن ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق صاحب دمشق، فخطب طغتكين الأتابك بدمشق لابن دقاق وكان طفلاً له سنة واحدة، ثم قطع خطبته وخطب لبلتاش بن تنش عم هذا الطفل في ذي الحجة، ثم قطع خطبة بلتاش وأعاد خطبة الطفل، واستقر طغتكين في ملك دمشق.
ذكر غير ذلك من الحوادث
في هذه السنة سار صدقة بن مزيد صاحب الحلة إلى واسط واستولى عليها، وضمن البطيحة لمهذب الدولة بن أبي الخير بخمسين ألف دينار. وفيها توفي أمين الدولة أبو سعد الحسن بن موصلايا فجأة، وكان قد أضر، وكان بليغاً فصيحاً، خدم الخلفاء خمساً وستين سنة، لأنه خدم القائم سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة، وكان نصرانياً فأسلم سنة أربع وثمانين وأربعمائة، وكان كل يوم تزداد منزلته حتى تاب عن الوزارة، وكان كثير الصدقة جميل
السيرة ووقف أملاكه على وجوه البر.
ثم دخلت سنة ثمان وتسعين وأربعمائة ذكر وفاة بركيارق في هذه السنة ثاني ربيع الآخر توفي السلطان بركيارق بن ملكشماه بن ألب أرسلان بن داود ابن ميكائيل بن سلجوق، وكان مرضه السل والبواسير، وكان بأصفهان، فسار طالباً بغداد، فقوي به المرض في بروجرد، فجمع العسكر وحلفهم لولده ملكشاه وعمره حينئذ أربع سنين وثمانية أشهر، وجعل الأمير أياز أتابكه فحلف العسكر له، وأمرهم بالمسير إلى بغداد وتوفي بركيارق ببروجرد ونقل إلى أصفهان فدفن بها في تربة عملتها له سريته، ثم ماتت عن قريب فدفنت بإزإئه. وكان عمر بركيارق خمساً وعشرين سنة، وكانت مدة وقوع السلطنة عليه اثنتي عشرة سنة وأربعة أشهر، وقاسى من الحروب واختلاف الأمور عليه ما لم يقاسه أحد، واختلفت به الأحوال بين رخاء وشدة، وملك وزواله، وأشرف عدة مرات على ذهاب مهجته في الأمور التي تقلبت به، ولما استقام أمره وأطاعه المخالفون أدركته منيته، واتفق أنه كلما خطب له ببغداد وقع فيها الغلاء وقاسى من طمع أمرائه فيه شدائد، حتى إنهم كانوا يحضرون نوابه ليقتلوهم، وكان صابراً حليماً كريماً حسن المداراة كثير التجاوز، ولما مات بركيارق سار أياز بالعسكر ومعه ملكشاه بن بركيارق، ودخلوا بغداد سابع عشر ربيع الآخر من هذه السنة وخطب لملكشاه بجوامع بغداد على قاعدة أبيه بركيارق.
ذكر قدوم السلطان محمد إلى بغداد لما بلغ محمداً موت أخيه بركيارق، سار إلى بغداد ونزل بالجانب الغربي وبقي أياز وملكشاه بالجانب الشرقي، وجمع أياز العسكر لقتال محمد، ثم إن وزير أياز أشار عليه بالصلح ومشى بينهما، واتفق الصلح، وحضر الكيا الهراس مدرس النظامية والفقهاء وحلفوا محمد الأياز وللأمراء الذين معه، وحضر أياز والأمراء إلى عند محمد وأحضروا ملكشاه، فأكرمه وأكرمهم وصارت السلطنة لمحمد، وكان ذلك لسبع بقين من جمادى الأولى من هذه السنة، واستمر الأمر على ذلك إلى ثامن جمادى الآخرة فعمل أياز دعوة عظيمة للسلطان محمد في داره ببغداد، فحضر إليه وقدم له أياز أموالاً عظيمة، وفي ثالث عشر جمادى الآخرة طلب السلطان أيازاً وأوقف له في الدهليز جماعة، فلما دخل ضربوه بسيوفهم حتى قتلوه، وكان عمر أياز قد جاوز أربعين سنة، وهو من جملة مماليك السلطان ملكشاه، وكان غزير المروة شجاعاً، وأمسك الصفي وزير أياز وقتل في رمضان وعمره ست وثلاثون، سنة وكان من بيت رئاسة بهمذان.
ذكر وفاة سقمان في هذه السنة توفي سقمان بن أرتق بن أكسب، كذا ذكره ابن الأثير أنه أكسب بالباء، وصوابه أكسك بكافين، ذكر ذلك أيضاً ابن خلكان، وكان وفاة سقمان في القريتين لأنه كان متوجهاً إلى دمشق، باستدعاء طغتكين بسبب الفرنج، ليجعله مقابلتهم بحكم مرض طغتكين، فلحق سقمان الخوانيق في مسيره فتوفي في القريتين في صفر من هذه السنة، وخلف سقمان اثنين هما إبراهيم وداود، وحمل سقمان في تابوت إلى حصن كيفا فدفن به، ولما مات سقمان كان مالكاً لحصن كيفا ماردين، أما ملكه لحصن كيفا فقد ذكرنا ذلك، وصورة تسليم موسى التركماني صاحب الموصل الحصن له لما استنجد به على جكرمش، وأما ملكه ماردين فنحن نورده من أول الحال.
وهو أن ماردين كان قد وهبها هي وأعمالها، السلطان بركيارق لإنسان مغن، ووقع حرب بين كربوغا صاحب الموصل وبين سقمان، وكان مع سقمان ابن أخيه ياقوتي وعماد الدين زنكي ابن أقسنقر، وهو إذ ذاك صبي، فانهزم سقمان وأخذ ابن أخيه ياقوتي أسيراً، فحبسه كربوغا في قلعة ماردين، وبقي ياقوتي في حبسه مدة، فمضت زوجة أرتق إلى كربوغا وسألته في إطلاق ابن ابنها ياقوتي، فأجابها كربوغا إلى ذلك وأطلقه، فأعجبت ياقوتي ماردين، وأرسل يقول لصاحبها المغني إن أذنت لي سكنت في ربض قلعتك وجلبت إليها الكوبات وحميتها من المفسدين، ويحصل لك بذلك النفع، فأذن له المغني بالمقام في الربض فأقام ياقوتي بماردين.
وجعل يغير من باب خلاط إلى بغداد ويستصحب معه حفاظ قلعة ماردين ويحسن إليهم ويؤثرهم على نفسه، فاطمأنوا إليه، وسار مرة ونزل معه أكثرهم، فقيدهم وقبضهم وأتى إلى باب قلعة ماردين ونادى من بها من أهليهم إن فتحتم الباب وسلمتم إلي القلعة وإلا ضربت أعناقهم جميعهم، فامتنعوا، فأحضر واحداً منهم وضرب عنقه، ففتحوا له باب القلعة وتسلمها ياقوتي وأقام بها، ثم جمع ياقوتي جمعاً وقصد نصيبين، ولحقه مرض حتى عجز عن لبس السلاح وركوب الخيل، وحمل على فرسه وركبه، فأصابه سهم فسقط ياقوتي منه ومات، ثم ملك ماردين بعد ياقوتي أخوه علي، وصار في طاعته جكرمش صاحب الموصل، واستخلف على ماردين بعض أصحابه وكان اسمه علياً أيضاً، فأرسل علي يقول لسقمان: إن ابن أخيك يريد أن يسلم ماردين إلى جكرمش، فسار سقمان بنفسه وتسلم ماردين، فطالبه ابن أخيه علي بردها إليه، فلم يفعل سقمان ذلك، وأعطاه جبل جور عوضها، واستقرت ماردين وحصن كيفا لسقمان حتى سار إلى دمشق ومات بالقريتين، فصارت ماردين لأخيه أيلغازي بن أرتق، وصارت حصن كيفا لابنه إبراهيم بن سقمان المذكور، وبقي إبراهيم بن سقمان مالكاً لحصن كيفا حتى توفي، وملكها بعده أخوه داود بن سقمان حتى توفي، وملكها بعدهما