الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الركن الأول التكبير
قوله: وهل يجب استصحاب النية إلى أن يفرغ من التكبير؟ فيه وجهان: أصحهما: نعم. انتهى.
ذكر مثله أيضًا في "الشرح الصغير" و"المحرر" ثم خالف ذلك في كتاب الطلاق من "الشرح الكبير" فقال في الكلام على نية الكنايات.
والأظهر: الاكتفاء بمقارنتها لأول التكبير. انتهى.
وحذفه النووي من "الروضة" هناك فاتفق أن يسلم من الاختلاف؛ لكنه قال في "شرح المهذب" و"شرح الوسيط" المسمى "التنقيح": المختار ما اختاره الإمام والغزالي [إلى](1) أنه يكفي فيها المقارنة العرفية عند العوام بحيث يعد مستحضرًا لصلاة.
قوله: في أصل "الروضة": ولو علق الخروج بدخول شخص ونحوه مما يحتمل حصوله في الصلاة، وعدمه بطلت في الحال في الأصح كما لو دخل في الصلاة هكذا فإنها لا تنعقد بلا خلاف، وكما لو علق به الخروج من الإسلام فإنه يكفر في الحال قطعًا.
والثاني: لا تبطل في الحال.
وهل تبطل بوجود الصفة إذا وجدت وهو ذاهل عن التعليق؟ وجهان:
أصحهما وهو قول الأكثرين: تبطل.
(1) سقط من ب.
قال الإمام: ويظهر على هذا أن يقال: يتبين بالصفة بطلانها من حين التعليق.
أما إذا وجدت، وهو ذاكر للتعليق فتبطل قطعًا. انتهى.
ذكر الرافعي نحوه، وفيه أمور:
أحدها: أن الرافعي قد عكس هذا الترتيب في الصيام فقال قبيل الركن الثاني: هل هو خارج عن الصوم عند مجيئه؟ فيه وجهان: إن قلنا نعم فهل يخرج في الحال؟ فيه وجهان: وكل ذلك كما في الصلاة.
الأمر الثاني: أن ما ذكره من عدم الخلاف فيما إذا دخل في الصلاة على هذا التعليق ليس كذلك، فقد حكى القاضي حسين في "تعليقه" في ذلك خلافًا.
الأمر الثالث: [أن ما ذكره من](1) كونه ذاكرًا للتعليق مدلوله استحضار أنه كان قد علق مع أنه لم ينس تعليقًا آخر مماثلًا للأول، فهذا لا سبيل فيه إلى ما زعمه من القطع بالبطلان ولا شك أن مراده إنشاء تعليق آخر إلا أن عبارته قصرت عنه.
قوله فيها أيضًا: ولو تردد الصائم في الخروج من صومه، أو علقه على دخول شخص ونحوه لم يبطل على المذهب الذي قطع به الجماهير، وقيل: وجهان. انتهى.
وما ذكره من تصحيح طريقة القطع قد خالفه في كتاب الصوم فجزم بحكاية وجهين.
قوله: الثانية لو شك في النية نظر إن أحدث على الشك ركنًا فعليًا بطلت صلاته، وإن أحدث ركنًا قوليًا كالقراءة والتشهد، وكذلك في أظهر
(1) سقط من جـ.
الوجهين، وهو المنصوص. انتهى ملخصًا.
وهذه العبارة تشعر أو توهم أن الحكم متعلق بجميع الفاتحة أو التشهد، وليس كذلك، بل البعض منها مبطل أيضًا على الأصح كما صرح به الخوارزمي في "الكافي" ونقله عن نص الشافعي.
قوله: وفي اشتراط نية الفرضية وجهان: أظهرهما عند الأكثرين، وبه قال أبو إسحاق: يشترط لأن الطهر قد يوجد من الصبي، وممن صلى منفردًا ثم أعادها في الجماعة، مع أنه ليس بفرض، ولك أن تقول: إن عني بالفرضية في هذا المقام كونها لازمة على المصلي بعينه وجب أن لا ينوي الصبي الفرضية بلا خلاف ولم يفرق الأئمة بين الصبي والبالغ بل أطلقوا الوجهين.
وأيضًا فإن من صلى منفردًا ثم أدرك جماعة ينوي بالثانية الفرض على الصحيح، وهو غير لازم عليه وإن عنى بالفرضية كونها لازمة على أهل الكمال فالطهر أخص منه، والتعرض للأخص يغني عن التعرض للأعم؛ وإن عنى به شيئًا آخر فلابد من بيانه. انتهى ملخصًا.
فيها أمران:
أحدهما: أن ما أشعر به إطلاقه من إلحاق الصبي في ذلك بالبالغ قد صرح به في الباب الثالث من أحكام التيمم فقال: والصحيح أن الصبي لا يجمع بين فرضين لأنه وإن لم يكن ملحقًا لكن ما يؤديه حكمه حكم الفرض، ألا ترى أنه ينوي بصلاته المفروضة. هذه عبارته.
وقد صرح النووي أيضًا هنا في "الروضة" بذلك فقال مختصرًا لكلام الرافعي ونية الفرضية شرط على الأصح عند الاكثرين سواء كان الناوي بالغًا أو صبيًا، ثم خالف ذلك في "شرح المهذب" فقال: قال الرافعي:
وسواء في الاشتراط كان الناوي بالغًا أو صبيًا، وهذا ضعيف.
والصواب أنه لا يشترط في حقه نية الفرضية، وكيف ينوي الفرضية وصلاته لا تقع فرضًا؟ .
وقد صرح بهذا صاحب "الشامل" وغيره. هذا كلامه.
وذكر مثله في "التحقيق" فقال: الأصح أنه لا يشترط، وما ذكره النووي فيهما هو الصواب.
وقد جزم به أيضا في "التتمة" في الكلام على ما إذا صلى الصبي ثم بلغ وإمام الحرمين في الكلام على المنفرد إذا أعاد في جماعة، ونقله عنه الرافعي هناك، واقتضى كلامه الاتفاق عليه، وستعرفه في موضعه إن شاء الله تعالى.
ورأيته أيضًا مجزومًا به في كتاب "القولين والوجهين" للمحاملي في كتاب الصيام.
واعلم أن الذي ذكره الرافعي أيضًا في الصلاة المعادة قد خالفه في "الروضة" في صلاة الجماعة فقال من زوائده: الراجح أنه لا يشترط فيها نية الفرضية، وبما ذكرناه يحصل الجواب عن البحث السابق.
وتعليل النووي عدم نية الفرضية لكونه لا يقع فرضًا منقوض بمن أدرك الإمام في الجمعة بعد الرفع من الركوع الثاني، فإن الأصح في "الروضة" و"شرح المهذب" وغيرهما أنه ينوي الجمعة [وإن كانت لا تحصل، وكتب النووي على حاشية هذه المسألة في كتاب الجمعة](1)، من "الروضة" فقال: إنما ينوي الجمعة لأنا لم نتيقن فواتها لاحتمال أن يكون الإمام قد
(1) سقط من أ.
نسي القراءة من إحدى الركعتين فتذكر أنه بقي عليه ركعة فيقوم إليها.
وحينئذ فيكون الذي قاله فارقًا بين المسألتين، لكنه غير مستقيم، فقد ذكر في "الروضة" من "زياداته" أن المسبوق إذا بقي عليه ركعة فقام الإمام إلى خامسة، فلا يجوز متابعته فيها حملًا على أنه تذكر ترك ركن.
وأيضًا فلو راعينا هذا لكان يلزمه الاقتداء به، وهو بعيد.
الأمر الثاني: أن كلامه يقتضي إلحاق فرض الكفاية والمندوب وركعتي الطواف إن أوجبناهما بالصلوات الخمس في شيئين:
أحدهما في التعيين، وهو ظاهر، وكلامهم في الصوم يدل عليه، وحينئذ فينوي صلاة الجنازة مثلًا أو عن نذر أو ركعتي الطواف.
ثانيهما: في الفرضية، وهو ظاهر أيضًا، وقد صرح به في فرض الكفاية الرافعي في باب صلاة الجنازة، وحكى معه وجهًا آخر أنه لابد من نية فرض الكفاية.
وأما المنذور فنقله في "الكفاية" عن بعضهم ساكتًا عليه، والقياس في ركعتي الطواف كذلك.
قوله: وأصح الوجهين عند الأكثرين أنه لا يشترط التعرض لنية الأداء والقضاء، بل يصح الأداء بنية القضاء، وبالعكس.
ولك أن تقول: إن جرى ذلك على لسانه أو في قلبه، ولم يقصد حقيقة معناه، بل قصد بالأداء حقيقته، وبالقضاء حقيقته، فلا ينبغي أن يقع نزاع في جوازه، وإن قصد معناه المصطلح عليه، فلا ينبغى أن يقع نزاع في منعه، وإن كان المراد شيئًا آخر فلابد من بيانه أولًا. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أنه قد يلتزم تصويره بما إذا أراد شيئًا آخر [لابد من بيانه](1) فسبق لسانه إلى غيره بناءً على أن التلفظ يجب، وعلى أن نية القضاء والأداء لابد منها، وهذا الجواب قد ذكره في "الكفاية".
الأمر الثاني: أن النووي قد استدرك عليه في "الروضة" فقال: مراد الأصحاب بهذه المسألة ما إذا نوى ذلك جاهلًا بالوقت لغيم ونحوه، وذكر أيضًا مثله في "شرح المهذب" ثم قال: صرح الأصحاب بأنه إذا نوى الأداء في وقت القضاء وعكسه لم يصح بلا خلاف.
وممن صرح به إمام الحرمين في مواقيت الصلاة. انتهى.
وحاصل ما قاله النووي: أن محل الوجهين فيما إذا نوى ذلك جاهلًا، لكنه قد ذكر في الشرح المذكور قبل هذا الموضع بأسطر قلائل ما يخالفه فقال: وإذا ظن الوقت باقيًا فنوى الأداء لم يضر بلا خلاف، ونص عليه الشافعي. هذا كلامه.
وذكر قريبًا منه أو ما يقتضيه في مثله من الصوم.
واعلم أن حمل الخلاف على صورة الجهل وإثبات الخلاف فيها قد أنكره في "الكفاية"، ولا وجه لإنكاره؛ وتوجيه البطلان أنه نوى شيئًا ليس مطابقًا لما في نفس الأمر لاسيما من يقول بوجوب التعرض للأداء والقضاء، فله أن يقول: هذا الشرط لم يحصل، فبطلت الصلاة مع الجهل كسائر الشروط التي جهلها المصلي.
وقد ظفرت بنسخة صحيحة من "فتاوى القاضي حسين" ورأيته قد ذكر هذه المسألة فقال: ظاهر المذهب أنه يصح؛ وهو يقتضي إثبات الخلاف، ثم
(1) سقط من ب.
رأيت نسخة أخرى فلم أظفر بذلك لاختلاف النسخ ورأيت في "فتاوى القفال" كلامًا حاصله: التفصيل بين أن يضم إليه شيئًا آخر يعارضه لقوله: أصلي فرض الوقت قضاءًا، أو أصلي ظهر أمس [أداء](1)، فيصح، ويلغو ذكر القضاء والأداء، أو لا يضم إليه ذلك، فلا يصح [فاقتضى](2) كلامه فرض ذلك مع العلم.
قوله: في "الروضة": ولا يشترط التعرض لعدد الركعات على الصحيح، لكن لو نوى الظهر ثلاثًا أو خمسًا لم تنعقد. انتهى.
وما ذكره من عدم الانعقاد [مقتضاه](3) أنه لا فرق فيه بين الغالط والعامد، وهو خلاف ما ذكره الرافعي فإنه قد ذكر ذلك قبل هذه المسألة بقليل استدلالًا على شئ، وفرضه في حالة العلم.
ومقتضاه أنه لا يؤثر عند الغلط، ويؤيده ما ذكروه في نية الخروج من الصلاة وفي غيرها فإنهم قالوا: إذا لم يوجبها فأخطأ في التعيين لم يضر.
قوله: القسم الثاني: النوافل، وهما ضربان:
أحدهما: النوافل المتعلقة بوقت أو سبب فيشترط فيها أيضًا نية فعل الصلاة، والتعيين [فينوي](4) سنة الاستسقاء والخسوف، وسنة عيد الفطر والتراويح والضحى وغيرها.
وفي الرواتب تعين بالإضافة فيقول: أصلي ركعتي الفجر، وراتبه الظهر، أو سنة العشاء. انتهى.
(1) سقط من ب.
(2)
سقط من أ.
(3)
سقط من أ.
(4)
في أ: سوى.
فيه أمور:
أحدها: أن النووي في "شرح المهذب": قد مثل للراتبة بقوله: وسنة الظهر التي قبلها أو التي بعدها. هذه عبارته.
واقتضى كلامه اشتراط ذلك، ولا وجه لاشتراطه عند تقديم المقدمة لا فيها ولا في المتأخرة.
فإن أخرها فقد اجتمعتا فتحتمل الشرطية، ويتجه تخريجه على الخلاف في الأداء، والقضاء عند اجتماعهما، وإن كانت المؤخرة أداء.
وأصل هذا البحث أن الراتبة المقدمة على الفريضة تؤخر وتكون أداء بخلاف المؤخرة فإنها لا تقدم.
الأمر الثاني: أن كلامه -أعني: الرافعي- يقتضي اشتراط التعيين في ركعتي لإحرام والطواف والتحية وسنة الوضوء لأنها من ذوات السبب كما صرحوا به في الأوقات المنهي عنها مع أنه لا يشترط في التحية بلا شك كما قاله في "الكفاية" قال: وأما الأولان فصرح الأصحاب باشتراط التعيين فيهما؛ وقد صرح في "تصحيح التنبيه" بركعتي الطواف، وعدهما مما يجب فيه التعيين بلا خلاف، وأما سنة الوضوء فيتجه إلحاقها بالتحية، وقد ذكر الغزالي ذلك وزاد عليه فقال في "الإحياء" في كلامه على سنة الوضوء: ولا ينبغي أن ينوي ركعتي الوضوء كما ينوي ركعتي التحية، فهو تطوع محض يقع عقب الوضوء كيلا يتعطل وضوءه.
الأمر الثاني: أن تعبيره بقوله: ركعتي الفجر أو راتبه الظهر أو سنة العشاء، فيه إشارة إلى التخيير بين هذه الألفاظ.
وتعبيره بقوله: فينوي سنة الاستسقاء، والخسوف، وسنة عيد الفطر والتراويح، والضحى إلى آخره.
هكذا وقع في الرافعي -أعني: بلفظ- السنة ولا يمكن تصحيح النية بما ذكره فقط.
وعبر في "الروضة" بقوله: فينوي صلاة الاستسقاء والخسوف أو عيد الفطر أو النحر.
قال الشيخ عز الدين: وينبغي في صلاة العيد أن لا يجب التعرض لكونه فطرًا أو نحرًا لأنهما مستويان في جميع الصفات فيلتحق بالكفارات.
الأمر الرابع: أن الرافعي قد جزم في مواضع من باب صلاة التطوع بأن الوتر من الرواتب التابعة للفرائض، وتابعه عليه في "الروضة"، وحينئذ فكيف يستقيم مع ذلك ما ذكراه هنا ليس من كونها لا تضاف إلى العشاء لأنها صلاة مستقلة.
الأمر الخامس: أن ما سبق في الوتر محله فيما إذا نوي عددًا، فإن لم ينو شيئًا فهل يلغو لإبهامه أو تصح وتحمل على ركعة [لأنها المتيقن](1) أو على ثلاث لأنها أفضل كما لو نوى الصلاة فإنها تنعقد ركعتين مع صحة الركعة أو علي إحدى عشرة لأن الوتر له غاية هي أفضل فحملنا الإطلاق عليها بخلاف الصلاة؟ في كل ذلك نظر.
قوله: وهل يشترط التعرض للنفلية في هذا الضرب؟
اختلف فيه كلام الناقلين، وهو قريب من نية الفرضية في الفرض. انتهى.
وهذا الخلاف الذي ذكره الرافعي رحمه الله كيف يتصور مع التصريح بالسنة؟ فإن التعرض لسنة العشاء مثلًا يستلزم التعرض للسنة قطعًا.
(1) سقط من ب.
قوله: الضرب الثاني: النوافل المطلقة فيكفي فيها نية فعل الصلاة، ولم يذكروا هنا خلافًا في اشتراط التعرض للنفلية.
ويمكن أن يقال: مقتضى اشتراط الفرضية في الفرض اشتراط النفلية هنا. انتهى.
وما ذكره من عدم ذكرهم الخلاف، ليس كذلك فقد جزم صاحب "التقريب" بأن الصلاة لا تصح إلا مع التعرض للفرض أو النفل.
ذكر ذلك في كتاب "الحج" في الكلام على ما إذا أهل بالحج في غير أشهره، فقال ما نصه: فأما الصلاة فلا يجوز صرفها من نية إلى نية لأنه عقدها لا يجوز على غير شيء، ألا تراه لو صلى لا ينوي به فرضًا، ولا نفلًا لم يجز صرفها إلى واحد منهما لحاجة كل واحد منهما إلى تعيين النية له دون صاحبه.
وللشافعي ما يدل على هذا القول، وقد أشرنا إليه في كتاب الصلاة. هذا كلام ابن القفال، ومن "التقريب" نقلته.
ولم يطلع في "الروضة" على ما ذكرناه فقال: الصواب الجزم بعدم اشتراط النفلية في الضربين، ولا وجه للاشتراط في الأول، وذكر نحوه في "شرح المهذب"، ووجه ما قاله من أنه لا وجه لاشتراطه في الضرب الأول؛ وهو ذو السبب والوقت أمران:
أحدهما: ما ذكرته قبل هذه المسألة.
والثاني: أن هذه الأمور لا تكون إلا نافلة بخلاف الظهر ونحوها، فإنها قد تكون فرضًا، وقد لا تكون بدليل صلاة الصبي، والصلاة المعادة، فاعلم ذلك فإن كلامه قد يتبادر منه العكس.
قوله في أصل "الروضة": النية في جميع العبادات تتعين بالقلب، ثم قال: ولنا وجه شاذ أنه يشترط نطق اللسان. انتهى.
وهو يقتضي أن هذا الوجه يجري في العبادات كلها لأنه لم يخصه بشيء، وليس كذلك.
فإن الصوم لا يجب النطق فيه بلا خلاف كما هو مصرح به في "الشرح" و"الروضة" في كتاب الصيام، وكذلك أيضًا الحج كما دل عليه كلام الرافعي هنا، وكذا في الزكاة كما دل عليه كلامه في موضعه.
وكلام الرافعي لا إيراد عليه، لأن سياق كلامه هنا يقتضي تخصيص الوجه بالصلاة.
نعم في باب الوضوء من "البحر" وجه أنه لابد من التلفظ، ومقتضاه جريانه في العبادات كلها فإنه قال: وقال أبو عبد الله الزبيري: النية اعتقاد بالقلب، وذكر باللسان، ليظهر بلسانه ما اعتقد بقلبه. هذه عبارته.
وهو لا يدفع عن النووي الاعتراض المذكور.
قوله: ولو عقب النية بقوله: إن شاء الله تعالى، بالقلب أو اللسان، فإن قصد به التبرك ووقوع الفعل بمشيئة الله تعالى لم يضر.
وإن قصد الشك لم تصح صلاته. انتهى.
تبعه عليه في "الروضة"، وقد أهملا قسمًا ثالثًا وهو الإطلاق، وقد نص عليه الجرجاني في باب صفة الوضوء من "الشافي" وقال: إنه لا يصح، لأن اللفظ موضوع للتعليق.
قوله: ولو تحرم بالفرض منفردًا فجاء الإمام وتقدم ليصلي بالناس فقال -يعني الشافعي-: أحببت أن يسلم عن ركعتين تكون نافلة، ويصلي
الفرض في جماعة. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن ما قاله الشافعي معناه: أن يقطع نية الفرضية ويقلبها نفلًا، هكذا ذكره الرافعي في آخر كتاب صلاة الجماعة، وذكر هنا في آخر المسألة نحوه أيضًا، ولكن حذفه النووي من "الروضة".
الأمر الثاني: أن صورة المسألة أن تكون الجماعة مشروعة، فإن لم تكن كما لو كان يصلي الظهر مثلًا فوجد من يصلي العصر، فإنه لا يجوز القطع، كما قاله النووي في صلاة الجماعة من "شرح المهذب" ونقله عن المتولي وغيره.
ونقل الرافعي هناك عن القاضي حسين أنه في هذه الحالة لا يستحب القطع، وتابعه النووي عليه وزاد فجزم به غير ناقل له عن أحد.
والقياس امتناعه، فإن الخروج من الصلاة في الوقت يجعلها قضاء على ما قاله أئمتنا.
ويأتيك أيضًا في الحج.
وكان القياس يقتضي امتناعه، وإن كانت الجماعة مشروعة، إلا أَنَّا قد اغتفرناه لهذا الغرض.
قوله: ولو قلب فرضه نفلًا بلا سبب، فالأظهر البطلان. انتهى.
إنما قيده بعدم السبب ليحترز عن المسألة السابقة، وعن المتيمم إذا رأى الماء في أثناء صلاته فإن له قلبها نفلًا على اختلاف فيه مذكور في موضعه،
[وعما](1) لو دخل في الفائتة ظانًا أن وقت الحاضرة متسع فبان ضيقه فإنه يجب قطعها على الصحيح كما قاله (2) [في "الروضة".
قال القاضي حسين: ويستحب له في هذه الحالة أن يقلبها نفلًا ويسلم من ركعتين.
قوله في "الروضة": فإن طال -أي: الفصل بين التكبير لقوله: الله لا إله إلا هو الملك القدوس أكبر- لم يجزئه قطعًا. انتهى.
وما ذكره من عدم الخلاف قد أشعر به كلام الرافعي أيضًا، وليس كذلك فقد خالف فيه [الشاشي] (3) فقال: ولا اعتبار عندي بطول الفصل وقصره، بل بالانتظام، فمتى أفاد التكبير بأن يكون [أكبر](4) خبرًا عنه انعقد، وقد حكى ذلك في "الكفاية"، لكنه حكاه عن بعضهم، ولم يبين قائله.
واعلم أن الماوردي قد مثل اليسير بقوله: الله لا إله إلا هو أكبر، مع أن الفاصل أربع كلمات فاعلمه.
قوله من زوائده: ومن فروع الفصل ما ذكره صاحب "التلخيص" والبغوي والأصحاب أنه لو كبر للإحرام أربع تكبيرات أو أكثر، دخل في الصلاة بالأوتار وبطلت بالأشفاع.
وصورته: أن ينوي بكل تكبيرة افتتاح الصلاة ولم ينو الخروج عن الصلاة بين كل تكبيرتين فبالأولى دخل، وبالثانية خرج، وبالثالثة دخل، وبالرابعة خرج، وبالخامسة دخل، وبالسادسة خرج، وهكذا أبدًا.
(1) في أ: وكما.
(2)
بداية سقط كبير من ب قرابة عشر ورقات مخطوط.
(3)
سقط من أ.
(4)
سقط من أ.
لأن من افتتح صلاة ثم نوى افتتاح صلاة بطلت صلاته، ولو نوى افتتاح الصلاة بين كل تكبيرتين فبالنية يخرج، وبالتكبير يدخل، ولو لم ينو بالتكبيرة، وما بعدها افتتاحًا ولا خروجًا صح دخوله بالأولى، وباقي التكبيرات ذِكر لا تبطل به الصلاة. انتهى كلامه.
وهذه المسألة التي بسطها قد ذكرها الرافعي مختصرة في الباب الثاني من أبواب الشفعة في الكلام على تصرف المشتري في الشقص المشفوع فقال ما نصه: كما إذا تحرم بالصلاة ثم شك فجدد نية وتكبيرة لا تنعقد بها الصلاة لأنه يحصل بها الحل، فلا يحصل بها العقد. هذا لفظه، وقد عبر الإمام أبو عبد الله المعروف بالختن عن هذه العلة بعبارة تقتضي معنًا آخر، أو بسطًا للمعنى المذكور هنا، فقال: لأنه مع التكبيرة الثانية ينوي الخروج من الصلاة التي عقدها بالتكبيرة الأولى، وينوي الدخول بها في الثانية، ولا يجوز أن يكون في وقت واحد مبطلًا لإحدى صلاتين داخلًا في أخرى. هذه عبارته، ومن شرحه على "التلخيص" نقلت.
واعلم أن صاحب "التلخيص" ذكر هذا الحكم ولم يعلله، ولم يجزم به أيضًا، بل نقله عن بعض شيوخه، فيقال عقب ذكره له: سمعت بعض مشايخنا يقوله.
هذه عبارته ومن "التلخيص" نقلت.
قوله: وحكى في بعض نسخ "الوجيز" في قيد الرفع ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه يرفع يديه إلى حذو المنكبين.
والثاني: أنه يرفعها إلى أن تحاذي أصول أصابعه أذنيه.
والثالث: إلى أن تحاذي أطراف أصابعه أذنيه، وإبهاماه شحمة أذنيه، وكفاه منكبيه.
وفي بعض النسخ الأول والثاني خاصة.
والمراد من القول الأول أن لا يجاوز بأصابعه منكبيه، وهكذا صرح به إمام الحرمين.
وأما الثاني فكأن المراد من الأذن هو شحمته وأسافله، لا أعلاه، وإلا اتحد مع القول الثالث.
وظاهر المذهب القول الثالث، ولم ينقل معظم الأصحاب في ذلك خلافًا، ولم أرَ حكاية الخلاف إلا لابن كج، وإمام الحرمين، لكنهما لم يذكرا إلا القول الأول والثالث.
فظهر تفرد المصنف بما نقل من حكاية القولين أو الثلاثة. انتهى ملخصًا.
والحاصل أن المسألة ليس فيها ثلاثة أقوال بل ولا قولان على الوجه الذي حكاه الغزالي وإنما قولان آخران:
أحدهما: أن يرفع بحيث يحاذي برؤوس أصابعه منكبيه.
والثاني: القول المعروف، ولم يثبت في "الروضة" خلافًا بالكلية وكأنه يوهم نفي أصل القولين.
قوله: لكن الأكثرين على ترجيح الوجه الثاني المنسوب إلى رواية وائل ابن حجر، وهو أنه يبتدئ الرافع مع ابتداء التكبير، واختلفوا على هذا في انتهائه، فمنهم من قال: يجعل انتهاء الرفع والتكبير معًا.
وقيل: يجعل انتهاء التكبير، والإرسال معًا؛ وقال الأكثرون: لا استحباب في طرف الانتهاء، فإن فرغ من التكبير قبل تمام الرفع أو بالعكس أتم الثاني. انتهى كلامه.
تابعه النووي في "الروضة" على نفي الاستحباب في الانتهاء فقال: إنه الأصح، لكنه لم ينقله عن الأكثرين، وصرح بتصحيحه أيضًا في "شرح مسلم"، ثم صحح -أعني: النووي- في "التحقيق" الوجه الآخر، وهو أنه يستحب انتهاؤهما معًا، وقال في "شرح الوسيط" المسمى "بالتنقيح": إنه الأصح، وهو قول الجمهور، ونص عليه الشافعي في "الأم"، وقال في "شرح المهذب": إنه الأصح المنصوص عليه في "الأم".
وإذا علمت ما تقدم علمت أن الفتوى على خلاف ما في "الشرح" و"الروضة" ترجيحًا لأحد الموضعين المتعارضين على الآخر بنص الشافعي.
واعلم أن الإمام قد حكى عن شيخه ما حاصله أن الكيفيات كلها على السواء، وأقره عليه، وتابعه عليه الغزالي فقال في "الوسيط": قال المحققون: ليس هذا اختلافًا بل صحت الروايات كلها فلنقبل الكل ولنجوزها على نسق واحد.
قوله: والثالثة: ويُسن بعد التكبير، وحط اليدين من رفعهما أن يضع اليمنى على اليسرى وذلك بأن يقبض بكفه اليمنى كوع اليسرى، وبعض الرسغ والساعد، وقد روى ذلك عن وائل بن حجر عن النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى.
والرسغ: براء مضمومة ثم سين مهملة ساكنة، وعين معجمة وهو ما رقّ من الكف واتصل بالذراع، ويقال فيه: الرصغ بالصاد، قاله الجوهري، وحديث وائل رواه أبو داود بإسناد صحيح كما قاله في "شرح المهذب"، ورواه مسلم أيضًا عنه، ولفظه:"ثم وضع يده اليمنى على اليسرى"(1) ولم يذكر غير ذلك.
ووائل مهموز على وزن ضارب؛ وحجر بحاء مهملة ثم جيم ساكنة
(1) أخرجه مسلم (401) وأبو داود (723) وأحمد (18886).
بعدها راء.
واعلم أن كلام الرافعي يقتضي أن إرسال اليدين مكروه، لأن مخالفة السنة مكروهة، كما قاله النووي.
وبذلك -أعني: كراهة الإرسال- صرح البغوي في "التهذيب"، لكن قال الشافعي: والقصد من ذلك تسكين يديه، فإن أرسلهما ولم يعبث فلا بأس كذا نقله عنه في "الشامل".
قوله: ويتخير بين بسط أصابع اليمنى في عرض المفصل وبين نشرها في صوب الساعد، ذكره القفال لأن القبض باليمنى على اليسرى حاصل في الحالين. انتهى.
تابعه في "الروضة" على نقله عن القفال واقتصاره عليه، وقد ذكر الغزالي في "الإحياء" كيفية أخرى تخالف هذه فقال في أوائل الباب الثاني من كتاب "أسرار الصلاة": ويضع اليمنى علي اليسرى إكرامًا لليمنى بأن تكون محمولة، وينشر المسبحة والوسطى من اليمنى على الساعد، ويقبض بالخنصر والبنصر على كوع اليسرى. هذه عبارته في نسخة وقفت عليها.
قوله: وكيف يفعل المصلي بعد رفع اليدين عند التكبير أيدلي يديه كما يفعله الشيعة في دوام القيام ثم يضمها إلى الصدر، أم يجمعهما ويضمهما إلى الصدر من غير أن يدليهما؟
والجواب: أن المصنف ذكر في "الإحياء" أنه لا يقبض يديه يمينًا وشمالًا إذا فرغ من التكبير، ولكن يرسلهما إرسالًا خفيفًا رقيقًا ثم يستأنف وضع اليمين على الشمال.
قال: وفي بعض الأخبار أنه كان يرسل يديه إذا كبر، فإذا أراد أن يقرأ وضع اليمنى على اليسرى، فهذا ظاهر في أنه يدلي ثم يضمهما إلى
الصدر، وقال صاحب "التهذيب" وغيره: المصلي بعد الفراغ من التكبير يجمع بين يديه، وهذا يشعر بالاحتمال الثاني. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن المراد من الاحتمال الأول المنقول عن الشيعة هو المبالغة في إرسال اليدين كما يفعله المالكية، وما نقله عن الغزالي في "الإحياء" مخالف لهذا الاحتمال، فإن قول الغزالي: إرسالًا خفيفًا، صريح في أنه لا يبالغ، بل يقبض عند الصدر، وقد صرح به كذلك في درسه، كذا نقله عنه ابن الصلاح في "مشكل الوسيط" فقال: وبعد هذا كله لطيفة علقتها بنيسابور مما علق عن صاحب الكتاب في الدرس قال: ثم حالة إرسال اليدين لا ينبغي أن يرسل يديه ثم يستأنف رفعها إلى الصدر، فإني سمعت بعض المحدثين يقول: الخبر إنما ورد بأنه يرسل يديه إلى صدره. هذا كلامه، وما ذكره البغوي لا ينافيه أيضًا.
وإذا ظهر لك ذلك علمت قطعًا المنافاة بين كلام الغزالي والاحتمال الأول من احتمال الرافعي، وقد اختصره في "الروضة" بعبارة هي أفحش في الغلط من عبارة الرافعي فقال: واختلفوا في أنه إذا أرسل يديه هل يرسلهما إرسالًا بليغًا ثم يستأنف رفعهما إلى تحت صدره، ويضع اليمنى على اليسرى، أم يرسلهما إرسالًا خفيفًا إلى تحت صدره فحسب ثم يضع؟ فيه وجهان.
قلت: الأصح الثاني، والله أعلم.
وذكر مثله في "شرح المهذب" وزاد فيه، فنقل هذا الخطأ كله عن كلام الرافعي.
نعم في "الخلاصة" للغزالي و"بذل الهداية" له أنه يخفضهما ثم يستأنف رفعهما.
الأمر الثاني: أن الغزالي في "الإحياء" قد عبر بقوله: "ويرسلهما إرسالًا خفيفًا، ويستأنف وضع اليمين على الشمال بعد الإرسال".
وفي بعض الروايات: إن كان إذا كبر أرسل يديه فإذا أراد أن يقرأ وضع اليمنى على اليسرى، وإن صح هذا فهو أولى. هذه عبارته، وهذا الذي نقله عن بعض الروايات، وادعى أنه إذا صح يكون أولى مغاير لما ذكره أولًا، وكلام الرافعي يقتضي أنه هو.
قوله: والسنة أن يفرق بين أصابعه تفريقًا وسطًا. انتهى.
تابعه في "الروضة"، وذكر في "شرح المهذب" ما يخالفه فقال: قطع المصنف والجمهور باستحباب التفريق، وقال الغزالي: لا يتكلف الضم ولا التفريق، بل يتركها منشورة على هيئتها.
وقال الرافعي: يفرق تفريقًا وسطًا، والمشهور الأول. انتهى كلامه بحروفه.
وحاصله أن المشهور استحباب المبالغة في التفريق، والذي قاله الرافعي هو ملخص كلام الإمام فإنه قال: ولتكن الأصابع منشورة، ولا يؤثر اعتماد تفريجها ولا نرى ضمها، وليكن بين بين؛ والضابط في هيئتها أن ينشر الأصابع ويتركها على صفتها وسجيتها، ولا يتعمد فيها ضم ولا تفريج، فإذا فعل ذلك اقتصد الأمر في الانفراج.
قوله من زياداته: وإذا طول الثلاثة يعني القيام والركوع والسجود زيادة على ما يجوز الاقتصار عليه.
فالأصح أن الجميع يكون واجبًا.
والثاني: يقع ما زاد سنة.
ومثله الخلاف في مسح جميع الرأس، وفي البعير المخرج في الزكاة عن خمس، وفي البدنة المضحى بها بدلًا عن شاة منذورة. انتهى كلامه.
وحاصله أن الراجح في جميع هذه الصور أن الجميع يقع واجبًا، وقد صرح بتصحيحه أيضًا هنا في "شرح المهذب" و"التحقيق".
إذا علمت ذلك فقد صحح -يعني: النووي- في باب الوضوء من "شرح المهذب" و"التحقيق" أن الزيادة تقع نفلًا، وبه أجاب في "الروضة" من زياداته في باب الأضحية فقال ما نصه: والأرجح في الجميع أن الزيادة تقع تطوعًا. انتهى.
وكذلك في باب الدماء أيضًا، وهو قبل باب الأضحية فقال في البدنة أو البقرة المخرجة عن الشاة، قلت: الأصح أن الفرض سُبعها، صححه صاحب "البحر" وغيره، والله أعلم.
وكذلك في "شرح المهذب" في باب النذر فقال: أصحهما يقع سبعها واجبًا، والباقي تطوعًا؛ ثم ذكر -أعني: النووي- أيضًا هذه النظائر كلها في باب الزكاة من "شرح المهذب" وصحح أن الزائد في بعير الزكاة فرض، وأن الزائد في باقي الصور نفل، وأدعى اتفاق الأصحاب على تصحيح هذا التفصيل، وكلام "الشرح" و"الروضة" هناك ربما يفهمه أيضًا.
ومن نظائر المسألة ما إذا زاد بعرفات على قدر الوقوف الواجب، وقد خرجه في "الكفاية" على هذا الخلاف.
ومن نظائره أيضًا ما إذا زاد في الحلق والتقصير على ثلاث شعرات، والقياس فيه التخريج.
ومنها ما إذا صلى على الجنازة أكثر من واحد، ولا شك أنه لا يصح
تخريجها على الخلاف لاستحالة حصول ثواب الواجب لو أخذ بعينه بخلاف باقي الصور، فإن الفعل فيها حصل من واحد فيصح أن يثاب على بعضه ثواب الواجب، وعلى بعض ثواب النفل.
والقياس فيها -أي: صلاة الجنازة أن يثاب كل واحد ثواب الواجب، أو يوزع ثواب الواجب على الجميع بالسوية، إلا أن الرافعي وغيره قد جزموا في الطائفة الثانية بأن صلاتهم تقع فرضًا فبطريق الأولى ما نحن فيه، وعللوا ما قالوه بأن صلاة الجنازة لا يتطوع بها، وبأن الشخص إذا علم أنه يثاب على الفعل ثواب الواجب كان أدعى إلى الإتيان به.
وهذا التعليل حسن يطرد في باقي الصور، وأما الأول فينتقض بصلاة الصبي، والمرأة، وبالصلاة المعادة، وما ذكروه في صلاة الجنازة قياسه الاطراد في سائر فروض الكفايات.
ومن النظائر ما إذا زاد على قدر الكفاية والحكم فيه أن يقع تطوعًا كما جزم به الرافعي في أوائل باب النذور، وتابعه عليه في "الروضة".
والزكوات والديون والنذور ونحوها بمثابة الكفارة، والفرق بينهن وبين مسح الرأس ونظائره أن الكفارات ونحوها لها قدر معلوم محدود منصوص عليه، وهاهنا أمور مهمة:
أحدها: أن جواز إخراج البدنة أو البقرة عن الشاة ليس على إطلاقه بل يستثنى منه جزاء الصيد، قاله الرافعي في باب الدماء وتبعه عليه في "الروضة"، ثم ذكر في باب الأضحية ما يوهم الجواز في جزاء الصيد إيهامًا شديدًا.
ومقتضى كلامه جواز الإخراج في جزاء الشجر، وكان الفرق المطلوب من جزاء الصيد المماثلة في الصورة إخراج البدنة عن البقرة.
وأما الشجر فليس المقصود منه المماثلة، إذ الحيوان ليس مماثلًا للشجر فإذا جاز إخراج البدنة عن الشجرة الكبيرة فإخراجها عنها، وهي صغيرة أولى.
ويستثنى أيضًا ما إذا نذر أن يهدي شاة بعينها فإنه لا يجوز أن يذبح مكانها بدنة ولا بقرة، لأنها تعينت كما صرح في باب النذر من "شرح المهذب" وغيره.
[الثاني](1) أن الخلاف في مسح الرأس هل محله إذا وقع دفعة واحدة حتى إذا وقع مرتبًا فالزائد نفل جزمًا أم الخلاف جارٍ في الصورتين؟ ، فيه وجهان حكاهما النووي في باب الأضحية من زياداته من غير ترجيح وصحح منهما في "شرح المهذب" أنه لا فرق، واختار الإمام الأول، وذكر في القيام قريبًا منه فقال: ولا يتجه وصف القيام بعد قراءة الفاتحة بالفرضية، ويتجه فرض الخلاف فيما إذا وقف زمنًا ولم يقرأ الفاتحة ثم قرأها، هل يوصف ذلك بالفرضية من حيث أنه كان يمكن إيقاع القراءة المفروضة فيه وكان لا يسوغ قطعه قبلها؟
الثالث: للخلاف المذكور ثلاث فوائد ذكرها في "التحقيق" و"شرح المهذب" في مواضع:
إحداها: جواز الأكل فإن قلنا: الزائد فرض فلا يجوز أكله؛ وإن قلنا: إنه نفل، جاز، وهذه الفائدة ذكرها الرافعي في باب الدماء، وفي باب الأضحية.
الفائدة الثانية: إذا عجل البعير عن الشاة، واقتضى الحال الرجوع، فهل يرجع بخمسة فقط أم يرجع بكله على هذا الخلاف؟ كذا ذكره النووى مع الفائدة المتقدمة والمتأخرة في هذا الباب من "شرح المهذب" و"التحقيق".
(1) بياض في أ، ب.
الفائدة الثالثة: زيادة الثواب، فإن ثواب الواجب أعظم من ثواب النفل لقوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله تعالى:"وما تقرب إلىّ المتقربون بمثل أداء ما افترضت عليهم"(1)، وهذه الفائدة ذكرها النووي في "زياداته" في باب الأضحية، والقدر الذي يمتاز به الواجب هو سبعون درجة، حكاه في "الروضة" من زياداته في أول النكاح عن حكاية الإمام قال: واستأنسوا فيه بحديث. انتهى.
واعلم أن الطبراني روى في "معجمه الكبير" عن صهيب بن النعمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فضل صلاة الرجل في بيته على صلاته حيث يراه الناس كفضل المكتوبة على النافلة"(2).
وإسناده متماسك.
وروى البيهقي في "شعب الإيمان" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرجل ليعمل العمل فيكتب له عمل صالح معمول به في السر وضعف أجره ستون ضعفًا"(3) وهو ضعيف فإنه من رواية بقية بن الوليد، وهذا المجموع هو الحديث الذي استأنسوا به فاعلمه، إذ الحسنة بعشر أمثالها مضافة إلى الستين، والمراد بالعمل هنا الفرض، لأنه الذي يستحب إظهاره.
قلت: وفائدة رابعة وهي الحسبان من الثلث إذا أوصى بذلك، أو فعله
(1) أخرجه البخاري (6137) بلفظ: "وما تقرب إلى عبدى بشئ أحب إلىّ مما افترضت عليه. . . ." من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
أخرجه الطبراني في الكبير (7322).
قال الهيثمي: رواه الطبراني في "الكبير" وفيه محمد بن مصعب القرقساني، ضعفه ابن معين وغيره، ووثقه أحمد.
وقال الشيخ الألباني: حسن.
(3)
شعب الإيمان (6813)، وقال: هذا من أفراد بقية عن شيوخه المجهولين.
وقال الشيخ الألباني: ضعيف.