المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ صلاة التطوع - المهمات في شرح الروضة والرافعي - جـ ٣

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الصلاة

- ‌الركن الأول التكبير

- ‌[الركن الثاني: القيام]

- ‌الركن الرابع: الركوع

- ‌ شرائط الصلاة

- ‌الشرط الأول: الطهارة عن الحدث

- ‌[الشرط الثاني: طهارة النجس]

- ‌الشرط الثالث ستر العورة

- ‌الشرط الرابع: ترك الكلام…إلى آخره

- ‌الشرط الخامس: ترك الأفعال

- ‌ السجدات

- ‌سجدة السهو:

- ‌ سجدة التلاوة

- ‌ سجدة الشكر

- ‌ صلاة التطوع

- ‌كتاب الصلاة بالجماعة

- ‌الفصل الأول: في فضلها

- ‌الفصل الثالث: في شرائط القدوة

- ‌كتاب صلاة المسافرين

- ‌الباب الأول في القصر

- ‌الباب الثاني في [الجمع]

- ‌كتاب الجمعة

- ‌الباب الأول في شرائطها

- ‌الباب الثاني فيمن تلزمه الجمعة

- ‌الباب الثالث في كيفية إقامة الجمعة

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌باب صلاة العيدين

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌كتاب الجنائز

- ‌ القول في التكفين

- ‌ القول في الدفن

- ‌ القول في التعزية

- ‌باب تارك الصلاة

- ‌كتاب الزكاة

- ‌زكاة الغنم

- ‌باب صدقة الخلطاء

- ‌الفصل الأول: في حكم الخلطة

- ‌الفصل الثاني: في التراجع

- ‌الفصل الثالث: في اجتماع الخلطة والانفراد [في الحول الواحد]

- ‌زكاة المعشرات

- ‌الطرف الأول: في الموجب:

- ‌الطرف الثاني: في الواجب

- ‌الطرف الثالث: فى وقت الوجوب

- ‌ زكاة النقدين

- ‌ زكاة التجارة

- ‌ زكاة المعدن والركاز

الفصل: ‌ صلاة التطوع

الباب السابع في‌

‌ صلاة التطوع

قوله: والنفل يطلق على ما عدا الفرائض، واختلفوا في التطوع فقيل: إنه كالنافلة، وقيل: إنه خاص ما لم يرد فيه بخصوصه نقل، وهؤلاء قالوا: ما عدا الفرائض ثلاثة أقسام:

سنن: وهي التي واظب عليها [رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومستحبات: وهي التي فعلها أحيانًا ولم يواظب عليها] (1).

وتطوعات: وهي ما لم يرد فيه بخصوصه نقل. انتهى كلامه.

تابعه في "الروضة" على هذا التقسيم، وهو تقسيم غير شامل لأن ما أمر به ولم يفعله لا يدخل فيه ولا يعلم أيضًا دخوله في أيِّ الأقسام.

وقد صرح به الخوارزمي في "الكافي" وقال: إنه داخل في قسم المستحب.

قوله: واختلفوا في الرواتب أيضًا فمنهم من قال: هي النوافل المؤقتة بوقت مخصوص، ومنهم من قال: هي السنن التابعة للفرائض. انتهى كلامه.

لم يصحح في "الروضة" أيضًا شيئًا منهما.

والأصح هو الثاني، كذا ذكره الرافعي في باب صفة الصلاة في الكلام على النية فقال: إنه المشهور، ولم يذكره في "الروضة" هناك.

نعم جزم الرافعي بالوجه الثاني في باب صلاة التطوع في باب صلاة العيد في الكلام على التكبير عقب الصلوات.

وفائدة الخلاف في النذر، فإذا قال مثلًا: لله تعالى علىّ أن أصلي

(1) سقط من أ.

ص: 255

رواتب الغد أو هذا اليوم أو الليلة، ففي لزوم العيد والضحى والوتر هذا الخلاف.

قوله: وذهب الأكثرون إلى أن الرواتب عشر ركعات، وهي ركعتان قبل الصبح، وركعتان قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، ومنهم من زاد على العشر ركعتين أخرتين قبل الظهر لقوله صلى الله عليه وسلم:"من ثابر على اثنتى عشر ركعة من السنَّة بنى الله له بيتًا في الجنة"(1)، ثم ذكر ما ذكرناه. انتهى.

وثابر بثاء مثلثة وباء موحدة أى واظب.

قوله: وفي استحباب ركعتين قبل المغرب وجهان، منهم من قال باستحبابهما، وإن لم يكونا من الرواتب المؤكدة لقوله صلى الله عليه وسلم:"صلوا قبل المغرب ركعتين" ثم قال في الثالثة "لمن شاء"(2) كراهة أن يتخذها الناس سنة.

ومنهم من قال: لا تستحبان، لما روى عن ابن عمر أنه سُئِلَ عنهما فقال: ما رأيت أحدًا علي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها (3). انتهى.

فيه أمور:

أحدها: أنه لم يصحح شيئًا في "الشرح الصغير" أيضًا، وكلام "المحرر" يقتضي تصحيح عدم الاستحباب، فإنه عبر بقوله:"واستحب بعضهم" ولهذا صرح به النووي في اختصاره له في كتابه "المنهاج" ثم خالفه فيه وفي باقي كتبه فصحح الاستحباب، وهو الصواب لأحاديث

(1) أخرجه الترمذي (414) والنسائي (1794) وابن ماجة (1140) وأبو يعلي (4525) وابن أبي شيبه (2/ 19) وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(60/ 4) من حديث عائشة رضي الله عنها.

قال الترمذي: حديث غريب من هذا الوجه.

وقال الألباني: صحيح.

(2)

أخرجه البخاري (1128) وأبو داود (1281) من حديث عبد الله المزني.

(3)

أخرجه أبو داود (1284) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

قال الألباني: ضعيف.

ص: 256

كثيرة صحيحة.

وقال في "الروضة": الصحيح استحبابهما ففي مواضع من "صحيح البخاري" عن ابن مغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "صلوا قبل صلاة المغرب. . . ." قال في الثالثة: "لمن شاء"(1) والله أعلم.

والحديث الذي عزاه إلى البخاري هو فيه كذلك أعني من غير تقييد الصلاة بركعتين والتقييد [الواقع في الرافعي رواه أبو داود.

ومغفل بميم مضمومة وغين معجمة] (2) مفتوحة ثم فاء مشددة.

الأمر الثاني: إنما ذكره الرافعي من كونهما ليسا من الرواتب المؤكدة على القول بالاستحباب قد أهمله النووي فلم يذكره في "الروضة" ولا في غيرها.

الأمر الثالث: إذا قلنا باستحبابها فيستحب أن تكونا خفيفتين كذا قاله الرافعي في "المحرر".

وفي باب المواقيت من "الشرح الصغير" ولم يتعرض له في "الكبير" ولا في "الروضة""وشرح المهذب""والكفاية" بخلاف الركعتين بعدها فإنه يستحب تطويلهما كا قاله في "الكفاية" مستدلًا بحديث في أبي داود؛ لكن في زوائد "الروضة": أنه يستحب في الأولى من سنة المغرب {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وفي الثانية {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ولم يقيده بالمتقدمة ولا بالمتأخرة [والظاهر إرادة المتأخرة](3) ويدل على استحباب الخفة في الركعتين المتقدمتين ما رواه مسلم كانوا يصلونها عند أذان المغرب وفي ابن حبان: ولم يكن بين الأذان والإقامة شئ (4).

الأمر الرابع: قال في "شرح المهذب": إن هذه الاستحباب إنما هو

(1) أخرجه البخارى (599) ومسلم (837).

(2)

سقط من أ.

(3)

سقط من أ.

(4)

صحيح ابن حيان (1589).

ص: 257

بعد دخول وقت المغرب، وقبل شروع المؤذن في إقامة الصلاة، فإن شرع فيها كرهت النافلة في المغرب وفي غيرها.

وهذا الكلام مع ما استدللنا به على التحفة يشعر أن يتقدم هذه الصلاة على إجابة المؤذن، والمتجه خلافه.

ويدل عليه ما رواه الشيخان (1): "بين كل أذانين صلاة" والمراد بالأذانين الأذان والإقامة ولهذا الحديث قال المحاملي في "اللباب" والنووي في "شرح المهذب": يستحب قبل العشاء ركعتان. ونقله الماوردي عن "البويطي".

نعم إن كان بحيث لو اشتغل بالركعتين عقب الأذان فاتت فضيلة التحرم فقد دار الأمر بين فوات أحد ثلاثة أشياء مطلوبة وهي: إجابة المؤذن، وصلاة الركعتين، وإدراك فضيلة التحرم.

وفيما يفعله إذا نظر، والأولى تأخيرهما إلى ما بعد المغرب، لأن السنة المتقدمة لا تفوت بالتأخير.

واعلم أن الحديث المذكور أولًا أخرجه البخاري في "صحيحه" بالمعنى لا باللفظ، والمراد بالسنة المذكورة فيه هو الطريقة اللازمة لا المعنى المصطلح عليه.

وأما الحديث الثاني فرواه أبو داود بإسناد حسن وأجاب البيهقي وغيره عنه بأنه ناف وغيره مثبت خصوصًا أن من أثبت أكثر عددًا ممن نفى.

قوله: والمذكور في "الكتاب" أن غاية الوتر إحدى عشر وهو الذي ذكره الشيخ أبو حامد وابن كج ومن تابعهما، وقال صاحب "التهذيب" وآخرون: الغاية ثلاثة عشر. انتهى.

وقد اختلف تصحيح الرافعي في هذه المسألة فصحح في "شرح مسند الإمام الشافعي" أن أكثره ثلاثة عشر.

(1) تقدم.

ص: 258

وصحح في "المحرر" أنه إحدى عشر، وقال في "الشرح الصغير": إنه قول طائفة كثيرة، ولم يذكر ترجيحًا غيره، وصححه النووي في كتبه كلها ولم ينبه في "الروضة" على أنه من "زياداته" بل أدخله في كلام الرافعي فتفطن له.

قوله: وهل تجوز الزيادة على الغاية المنقولة؟

فيه وجهان:

أحدهما: نعم، لأن اختلاف فعل النبي صلى الله عليه وسلم في هذه السُّنة يشعر بتفويض الأمر إلى خبرة المصلي.

وأظهرهما: أنه لا تجوز الزيادة، ولو فعل لم يصح وتره كسائر الرواتب. انتهى كلامه.

واعلم أنَّا إذا لم نصحح وتره فهل تبطل الصلاة من أصلها أم لا؟

لم يصرح به الرافعي ولا النووي، والقياس أنه إن علم المنع وتعمد الفعل بطلت وإلا انعقدت نافلة نظرًا إلى عموم الصلاة كما قلنا في الإحرام بالظهر قبل الزوال، ونحو ذلك.

ولا شك أن التحريم يأتي فيما ذكرناه أيضًا.

وحينئذ فكان الصواب التعبير بقوله: "لم تصح صلاته".

قوله: وقول الغزالي: وعدده من الواحد إلى إحدى عشرة، عليه استدراك لفظي من جهة الحساب، وهو أنه جعل الواحد من العدد والحُسَّاب يمتنعون عن ذلك، ويجعلون الواحد أم العدد. ويقولون: العدد نصف حاشيتيه اللتين بعدهما منه سواء، وليس للواحد حاشيتان. انتهى كلامه.

هذا الاستدراك ذكره أيضًا في الكفن، ولم يذكر الضابط المذكور هنا، ومثاله: الاثنان له حاشيتان وهي الواحد والثلاثة ومجموعهما أربعة، والاثنان نصفها.

ص: 259

وهكذا الثلاثة لها حاشيتان متصلتان بها وهي الاثنان قبلها والأربعة بعدها، ومجموع الحاشيتين ستة؛ والثلاثة نصفها.

فإن لم نأخذ في مثالنا وهو [الثلاثة](1) من الحاشية الأولى ما هو متصل بها وهو الاثنان، بل ما قبل المتصل بها بمرتبة وهو واحد فلا نأخذ في الحاشية الثانية ما هو متصل بها وهو الأربعة بل ما بعد المتصل بها برتبة وهو الخمسة، ومجموع الحاشيتين المذكورتين، وهي الواحد والخمسة ستة والثلاثة نصفها، وإلى هذا أشار بقوله بعدهما: منه على السواء، وهو بضم الباء الموحدة وعلى هذا فقس حتى إذا نزلت عن العشرة إلى الخمسة، فقد نزلت بخمس مراتب فاصعد عنها بخمس مراتب فتكون خمسة عشر، ومجموع الخمسة والخمسة عشر: عشرون، والعشرة نصفها.

قوله: وإذا زاد على ركعة أوتر بثلاث فصاعدًا موصولة فله أن يتشهد في الأخيرة لا غير، وله أن يتشهد في الأخيرتين، وقيل: لا يجوز الاقتصار على تشهد واحد.

وقيل: لا يجوز لمن أوتر بثلاث أن يأتي بتشهدين في تسليمه والظاهر التخيير، ويرد الخلاف إلى الأولوية، ففي وجه أن التشهد الواحد أولى.

واختاره في "الحلية"، وفي وجه أن التشهدين أولى.

والثالث: التسوية، وهو مقتضى كلام كثيرين. انتهى ملخصًا.

ومقتضاه رجحان الثالث، واقتصر في "الروضة" على نقل ترجيح الروياني ذهولًا منه، واقتصر عليه في "شرح المهذب" أيضًا لأجل اقتصاره عليه في "الروضة"، وصرح بتصحيحه في "التحقيق" ولم يصرح في "الشرح الصغير" بترجيح بالكلية.

قوله: وإذا أوتر بالثلاث فالأفضل الفصل لزيادة العبادة، وقيل: الوصل

(1) في ب: المذكور.

ص: 260

للاتفاق على صحته، وقيل: إن كان إمامًا فالوصل، لأن الجماعة تنظم أصحاب المذاهب، وإلا فالفصل.

وعكس الروياني فقال: أصِلُ منفردًا وأفصل في جماعة كيلا يتوهم [خلل](1) فيما صار إليه الشافعي وهو صحيح ثابت بلا شك. انتهى.

وما ذكره من فرض الخلاف في الثلاث قد تابعه عليه في "الروضة" وهو يشعر بأن ما زاد عليها مخالف لها، وهو كذلك، فإن الأفضل فيه الفصل بلا خلاف كما نقله في "شرح المهذب" عن الإمام، وأقره عليه، وجزم به في "التحقيق" وحكى في "البيان" وجهًا خامسًا: أن الأفضل الوصل إلا أن يكون ركعتان لصلاة وركعة للوتر فالأفضل الفصل، وهو غريب، يستفاد منه جواز الجمع بين الوتر وغيره.

قوله: والثلاث الموصولة أفضل من ركعة فردة لا شئ قبلها في أصح الأوجه لزيادة العبادة.

والثاني: أن الركعة الفردة أفضل لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على الإيتار بواحدة. قال في "النهاية": وغلا هذا القائل فجعل الركعة الفردة أفضل من إحدى عشرة موصولة.

والثالث: الفرق بين المنفرد والإمام كما سبق. انتهى كلامه بحروفه.

تابعه عليه في "الروضة" أيضًا، وهو يوهم أن الركعة التي لا تتصل بنافلة قبلها بالكلية هو محل الخلاف، وليس كذلك، فإن المنقول يخالفه، فقد حكى المتولي عن القفال أنه قال: كل أحد يعلم أن الثلاثة من الجنس أفضل من واحدة منه.

زاد الروياني: ولكن صورة المسألة في رجل صلى ركعتين بنية النفل وأوتر بعدها بركعة، وآخر صلى إحدى عشرة ركعة بنية الوتر، وقال البغوي: ليس المراد من قولنا: إن الوتر بواحدة أفضل، أن يقتصر على

(1) في ب: ذلك.

ص: 261

ركعة واحدة، بل المراد أن إفرادها عما قبلها أفضل من وصلها بما قبلها.

قوله: ويستحب أن يكون الوتر آخر الصلاة بالليل، فإن كان رجل ممن لا تهجد له فينبغي أن يوتر بعد فريضة العشاء وراتبتها وإلا أخره إلى بعد التهجد. انتهى.

وما ذكره من فعل الوتر عقب العشاء ممن لا تهجد له تابعه على إطلاقه في "الروضة"، وقال في "شرح المهذب": هذا إذا لم يثق باستيقاظه في أواخر الليل، فإن وثق فيستحب له تأخير الوتر ليفعله في أواخر الليل لأحاديث كثيرة صحيحة.

قوله: وقول الغزالي في "الوجيز": ويشبه أن يكون الوتر هو التهجد معناه أن الله تعالى أمر نبيه بالتهجد وأوجبه عليه فقال تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ} (1) الآية.

ويشبه أن يكون المراد من هذا التهجد الأمور به هو الوتر لأنه عليه السلام كان يحيي الليل بوتره وكان واجبًا عليه، وقد ذكر الشافعي في "الأم" و"المختصر" نحو ذلك أيضًا، ويجوز أن يعلم كلام الغزالي بالواو؛ ولأن الروياني حكى أن بعضهم قال: إن الوتر غير التهجد. انتهى ملخصًا.

فيه أمران:

أحدهما: أَنَّ ما دَلَّ عليه كلامه هنا من تصحيح الاتحاد قد ذكر ما يخالفه في كتاب النكاح في الكلام على الخصائص فإنه ذكر الخلاف وقد تقدم في هذا الباب، ثم قال: والأرجح أنه غيره، وهو مقتضى كلام "الشرح الصغير" هناك أيضًا، وصرح به هنا في كتابه المسمى "بالتذنيب" فقال: إنه الأظهر.

ووقع هذا الاختلاف بلفظ هو أصرح من لفظ الرافعي.

(1) سورة الإسراء (79).

ص: 262

الأمر الثاني: أن الغزالي قد صرح بالمغايرة في كتاب النكاح من "الوسيط" فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم اختص بواجبات كالضحى والأضحى والوتر والتهجد.

وكان الصواب الإعلام به، فمن العجب أن يجعل كلام غيره سببًا لإعلام كلامه مع وجود ذلك بعينه في كلامه.

قوله: ويستحب القنوت في الوتر في النصف الأخير من رمضان، وفي باقي السنة وجهان:

أظهرهما -وبه قال الجمهور-: لا يستحب.

وذكر الروياني أن كلام الشافعي يدل على كراهته أيضًا، ثم حكى عن بعضهم وجهًا متوسطا: أنه يجوز من غير كراهة. انتهى.

وهذا الكلام ظاهر في رجحان الكراهة، لكن قال في "الشرح الصغير": أشبه الوجهين أنه لا يكره، ونقل النووي في "شرح المهذب" عن الرافعي أن ظاهر النص أنه مكروه، ولم يذكر غير ذلك.

واختار في "التحقيق" أنه يستحب في جميع السنة.

قوله في "أصل الروضة": ولنا وجه أنه يقنت في جميع شهر رمضان. انتهى.

وهذا الوجه لم يذكره الرافعي في شئ من كتبه ولم يحكه غيره من المطولين كابن الرفعة، ولا من المختصرين.

نعم حكاه الرافعي في "الشرحين" رواية عن مالك من جملة ثلاث روايات فتوهم النووي أنه عائد لبعض الأصحاب، فصرح به، وقد وقع في ذلك في "شرح المهذب" أيضًا لأن عادته أن يضع فيه ما لخصه في "الروضة"، ويزيد على ذلك فيعزوه إلى الرافعي مع ما اشتمل عليه من التعبيرات العجيبة والمخالفات الصريحة كما تقدم لك في مواضع كثيرة،

ص: 263

وستعرف أيضًا كثيرًا منها.

قوله: وفي موضع القنوت في الوتر وجهان:

أصحهما: بعد الركوع فإنَّ ما قبله محل للقراءة والقنوت دعاء فهو موضع الدعاء حيث يقول: سمع الله لمن حمده.

والثاني: قبله.

وفي "البيان" عن بعض المتأخرين: إنه يتخير. انتهى.

وتعبيره بقوله: "سمع الله لمن حمده" سهو، فإن هذا يبتدئ به عند ابتداء رفع الرأس من الركوع وينهيه عند الانتصاب.

والصواب أن يقول: ربنا لك الحمد، فإنه الذي يأتي به بعد الرفع.

قوله: وإذا قدمه ففي "البيان" عن بعض متأخري الأصحاب: أنه يكبر بعد القراءة ثم يقنت، وفي "التتمة": أنه لا يكبر. انتهى.

لم يصحح في "الشرح الصغير" أيضًا، وصحح النووي في كتبه الثاني، ولم ينبه في "الروضة" على أنه من زوائده، بل أدخله في كلام الرافعي فتفطن له.

قوله: والقنوت هو الذي تقدم في صلاة الصبح، واستحب الأئمة أن يضيف إليه ما روى عن عمر أنه قنت وهو: اللهم إنا نستعينك إلى آخره.

فيه أمور:

أحدهما: أن كلامه كالصريح في أن عمر كان يقنت في الوتر بقوله: اللهم إنا [نستعينك](1) وهو الذي رواه البيهقي وغيره (2)، ثم قالوا: إن ذلك قد صح عنه إنما هو القنوت في صلاة الصبح، واختلفت الرواية في لفظه.

(1) سقط من أ.

(2)

يأتي تخريجه قريبًا.

ص: 264

والرواية التي أشار البيهقي إلى اختيارها أنه يقنت فقال: اللهم اغفر لنا وللمؤمنين [والمؤمنات](1) والمسلمين والمسلمات وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ويقاتلون أوليائك، اللهم خالف بين كلمتهم، وزلزل أقدامهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اللهم لك نعبد ولك نصلى ونسجد، وإليك نسعى ونحفد نخشى عذابك الجد ونرجو رحمتك، إن عذابك بالكفار ملحق (2). هذا لفظ رواية البيهقي.

الأمر الثاني: أن شرط استحباب الجمع بينهما أن يكون منفردًا أو إمام محصورين يرضون بالتطويل فإن لم يكن، اقتصر [على واحد منهما.

وحيث اقتصر] (3) أتى بقنوت الصبح، قاله في باب صفة الصلاة من "شرح المهذب".

الأمر الثالث: في الكلام على ألفاظ واقعة في القنوت المذكور فنقول: اعلم أن معنى نستعين ونستغفر ونستهدي: نطلب العون والمغفرة والهداية، لأن السين للطلب، ونؤمن: أى نصدق، والتوكل: الاعتماد، وإظهار العجز، والثناء: المدح.

وأما النثاء: بتقديم النون فإنه يطلق على الذم.

والشكر: يطلق على العبادة سواء كانت بالقول أم بغيره.

والكفر: ستر النعمة والعبادة والطاعة والخضوع.

ونحفد: بفتح النون وبالدال المهملة معناه: نسرع، تقول: حفد البعير

(1) سقط من أ.

(2)

أخرجه عبد الرزاق (4968) وابن أبى شيبة (2/ 106) والبيهقي في "الكبرى"(2963) والطحاوي في "شرح المعانى"(1370) من حديث عبيد بن عمير.

قال الألباني: صحيح.

(3)

سقط من ب.

ص: 265

حفدًا وحفدانًا كما قاله الجوهري، وأحفُد لغة فيه، فعلى هذا يضم مضارعه.

والجد: بكسر الجيم معناه الحق؛ قال ابن مالك: في مثلثة الجد بالفتح من النسب، معروف وهو أيضًا العظمة، والجد بالكسر نقيض الهزل، وبالضم الرجل العظيم.

وملحق: هو بكسر الحاء على المشهور أى لاحق بهم، ويجوز فتحها، والفتح لأَن الله تعالى ألحقه بهم. والكسر على معنى لحق كما يقال: أنبت الزرع، بمعنى نبت.

وأهل الكتاب: هم اليهود والنصارى.

قال في "الروضة": وينبغي أن يقول: اللهم عذب الكفرة، ولا يقيده بأهل الكتاب للحاجة إلى التعميم في أزماننا.

وأشار بذلك إلى إدخال التتار فإنهم كانوا في زمانه قد استولوا على أكثر أقاليم المسلمين المشرقية، وكانوا إذ ذاك كفارًا لا كتاب لهم.

وأما الآن فقد زال هذا المعنى، فينبغي أن يأتي بما ورد في الحديث.

والصد: المنع.

والأولياء: الأنصار.

ومعنى أصلح ذات بينهم أى أمورهم، ومواصلاتهم، وألف أى: اجمع على الخير، والحكمة: كل ما منع القبيح وأصله وضع الشئ في محله.

وأوزعهم: أي ألهمهم، والعهد: هو ما ألزم الله تعالى به خلقه من القيام بأوامره واجتناب نواهيه.

قوله: وذكر القاضي الروياني أنه يقدم قنوت عمر على قنوت الصبح، وعليه العمل.

ونقل في "البيان" عن القاضي أبي الطيب أنه قال: كان شيوخنا

ص: 266

يعكسون. انتهى ملخصًا.

والصحيح ما قاله الروياني من تقديم قنوت عمر، كذا صححه الرافعي في "الشرح الصغير"، وجزم به في "المحرر"، وصحح النووي تقديم قنوت الصبح قال: لأنه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الوتر.

قوله: وأما القسم الثاني وهو ما لا تشرع فيه الجماعة فينقسم إلى ما يتعلق بوقت أو فعل، وإلى التطوع [المطلق](1).

والأول أنواع منها الرواتب. . . . إلى آخره.

أراد بالأول المتعلق بالوقت، والمتعلق بالفعل وإن كان خلاف المتبادر فافهمه.

وأهمل التصريح بأمور كان من حقه أن ينبه عليها في هذا الباب ويذكرها في هذا القسم، وقد نبه على بعضها في "الروضة" فقال: ومنها ركعتان عقب الوضوء ينوي بها سنة الوضوء قلت: وقياس الغسل كذلك إن قلنا: يندرج فيه الأصغر.

ومنها: ركعتا الاستخارة ثبت حديثهما في "صحيح البخاري"(2)، ومنها سنة الجمعة على ما هو مشروح في موضعه، ومنها ركعتا صلاة الحاجة. انتهى.

وأهمل -أعني النووي- هنا أمرين ذكرهما في "شرح المهذب":

أحدهما: ركعتان قبل القتل لمن أمكنه، وقد ثبت حديثهما في "صحيح البخاري"(3) في قضية خُبيب -بضم الخاء المعجمة- حين أخرجه الكفار ليقتلوه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.

والثاني: وقد ذكره في "الروضة" في آخر الباب: ركعتان في المسجد

(1) سقط من أ.

(2)

حديث (1109) من حديث جابر.

(3)

أخرجه البخاري (3858) من حديث أبي هريرة.

ص: 267

لمن قدم من السفر لحديث كعب بن مالك رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين"(1) رواه البخاري ومسلم.

قال في "الأذكار": وكذا يستحب أيضًا الركعتان عند خروجه من منزله للسفر لحديث ورد فيه أخرجه الطبراني، ثم حكى خلافًا لأصحابنا هل يقرأ فيِ هذه الصلاة في الأولى {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وفي الثانية:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، أو يقرأ في الأولى المعوذة الأولى، وفي الثانية الثانية.

ومنها: صلاة التسبيح على ما تقدم إيضاحها في باب سجود السهو.

ومنها صلاة الغفلة عشرون ركعة بين المغرب والعشاء، قاله الماوردي، وأورد فيه حديثًا فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها ويقول: "هذه صلاة الأوابين"(2).

وذكر الروياني مثله.

وفي كتاب المحاملي استحباب صلاة التوبة وهي ركعتان لمن أذنب يستغفر الله عقبهما من ذنبه، فإنه إذا فعل ذلك غفر ذنبه، وأورد فيه حديثًا وذكر في "الإحياء" أنه يستحب ركعتان عند دخول الشخص منزله، وعند خروجه منه، وفيه أيضًا أنه يستحب ركعتان بعد طلوع الشمس عند خروج وقت الكراهة قال: وهي صلاة الإشراق المذكورة في قوله تعالى: "يسبحن بالعشي والإشراق"(3) أى: يصلين، وجعلها غير صلاة الضحى، لكن ذكر الحاكم في "مستدركه"(4) عن ابن عباس أن صلاة الإشراق هي

(1) أخرجه البخاري (4156) و (4400) ومسلم (716) و (2769).

(2)

يأتي.

(3)

سورة ص: 18.

(4)

أخرجه الحاكم (6873) والطبراني في "الكبير"(24/ 406) حديث (986) وإسحاق ابن راهوية في "مسنده"(2116) والحميدي (333) بسند ضعيف.

ص: 268

صلاة الأوابين [وهي صلاة الضحى](1)، وسميت بذلك لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أواب، وهي صلاة الأوابين"(2)، رواه الحاكم من حديث أبي هريرة، وقال: صحيح على شرط مسلم.

وفي "الكفاية" استحباب ركعتين عقب الأذان.

واعلم أن النووي في "شرح المهذب" لم يصرح في صلاة الحاجة باستحباب ولا بعدمه، بل اقتصر على ذكر حديثها وضعفه، وقال في "التحقيق": إنها لا تكره، وإن كان حديثها ضعيفًا إذا لا تعب فيها.

وحديثها هو ما رواه الترمذي بإسناد ضعيف عن ابن أبي أوفي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كانت له حاجة إلى الله تعالى أو إلى أحد من بني آدم فليتوضأ وليحسن الوضوء ثم يصلي ركعتين ثم ليثن على الله تعالى، وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليقل: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم لا تدع لي ذنبًا إلا غفرته، ولا همًا إلا فرجته، ولا حاجة لك فيها رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين"(3).

قوله: وأكثر الضحى ثنتا عشرة ركعة ذكره القاضي الروياني، وورد في

(1) سقط من ب.

(2)

أخرجه ابن خزيمة (1224) والحاكم (1182) والطبراني في "الأوسط"(3865) والبيهقي في "الشعب"(3065) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم.

وقال الألباني: صحيح.

(3)

أخرجه الترمذي (479) وابن ماجة (1384) والحاكم (1199) والبيهقي في "الشعب"(3265).

قال الترمذي: هذا حديث غريب، وفي إسناده مقال، فائد بن عبد الرحمن يضعف في الحديث.

وقال الألباني: ضعيف جدًا.

ص: 269

الأخبار. انتهى.

والذي قاله الروياني قد جزم به الرافعي في "المحرر"، "والشرح الصغير"، وجزم به أيضًا النووي في "المنهاج" و"الروضة"، ولم ينقله في "الروضة" عن الروياني كما نقله عنه الرافعي، ثم خالف ذلك في "شرح المهذب" و"التحقيق" فقال في "الشرح" المذكور ما نصه: أكثرها ثمان كذا قاله المصنف والأكثرون، ورواه الشيخان من حديث أم هانئ.

وقال الرافعي والروياني وغيرهما: أكثره ثنتا عشرة ركعة لقوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر "إن صليت الضحى ثنتي عشرة ركعة بنى الله لك بيتًا في الجنة"(1) رواه البيهقي وضعفه.

وذكره في "التحقيق" كما ذكره في "شرح المهذب"، وقد ظهر بما تقدم أن المذكور في "الروضة" و"المنهاج" ضعيف مخالف لما عليه الأكثرون.

وحاصله أن الرافعي لما ظفر بها للروياني فقط حالة تصنيف الشرح جزم به في التصانيف المتأخرة عنه المأخوذة منه، ثم قلده أيضًا فيه النووي غير باحث عن المسألة، وحذف المنقول عنه على عادته فاعلمه.

قوله: وروى عن أم هانئ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفتح سبحة الضحى ثمان ركعات يسلم من كل ركعتين (2). انتهى.

والسبحة -بضم السين- هي: الصلاة.

والحديث في "الصحيحين"، وإن كان بغير هذا اللفظ.

قوله؛ ووقتها من حين ترتفع الشمس إلى الاستواء. انتهى.

والذي قاله من أن وقتها من حين الارتفاع قد جزم به أيضًا النووي في

(1) أخرجه البيهقي في "الكبرى"(4685) وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثانى"(987).

قال الألباني: ضعيف جدًا.

(2)

أخرجه البخاري (1052) ومسلم (336).

ص: 270

"شرح المهذب" و"التحقيق"، وابن الرفعة في "الكفاية"، ثم خالف في "الروضة" فقال: إن الذي قاله الأصحاب: إن وقتها يدخل بطلوع الشمس، ولكن يستحب تأخيرها إلى الارتفاع.

قال: وقال الماوردي: إن وقتها المختار إذا مضى ربع النهار، والذي قاله الماوردي قد جزم به في "التحقيق"، والمعنى في ذلك على ما قاله في "الإحياء" أن لا يخلو كل ربع من النهار عن عبادة.

قوله: ومنها: تحية المسجد، روى أنه صلى الله عليه وسلم قال:"إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلى ركعتين"(1). انتهى.

فيه أمور:

أحدها: أنه ليس في كلامه ولا في كلام "الروضة" ما يؤخذ منه الحكم في الزيادة على الركعتين هل هو ممتنع أم لا؟ وكلام "المنهاج" و"المحرر" ظاهر في المنع فإنه قال: "وتحية المسجد ركعتان" وليس كذلك، بل [تجوز](2) الزيادة إذا أتى بسلام واحد كما صرح به في "شرح المهذب"، فإن فصل فمقتضى كلامه المنع، والجواز محتمل.

الأمر الثاني: أن مقتضى إطلاق المصنف وغيره أن كل داخل مأمور بهما سواء أراد الجلوس أم لا، وهو مخالف لما دل عليه الحديث.

ورأيت في "المقصود" للشيخ نصر تقييد الاستحباب بمريد الجلوس.

الثالث: أن التعبير "بالمسجد" يخرج ما ليس بمسجد كالرباط والمدارس ومصلى العيد، وما بنى في الأراضي المستأجرة على صورة المسجد، وأذن بانيه في الصلاة فيه، فكذلك ما بعضه ليس بمسجد بأن وقف حصة مشاعة مسجدًا، وقد تقدم حكم ذلك كله في باب الغسل فراجعه.

(1) أخرجه البخاري (1110) ومسلم (714) من حديث أبي قتادة رضي الله عنه.

(2)

في أ: يجعل.

ص: 271

الرابع: يكره أن يدخل المسجد على غير وضوء، فإن فعل فليقل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، كذا قاله في "الإحياء".

وحكى النووي استحباب ذلك عن بعض السلف، ثم قال: لا بأس به، وجزم به ابن يونس في "شرح التنبيه"، وكذلك ابن الرفعة في "الكفاية" وزاد: ولا حول ولا قوة إلا بالله.

قال النووي: وكذلك لو كان له شغل يشغله عن الصلاة.

والحديث المذكور في الرافعي ثابت في الصحيحين وقد نبه في الروضة على كراهية التحية إذا دخل والإمام يصلي، أو دخل المسجد الحرام، وكل هذا مبسوط في موضعه.

قوله: ولو صلى الداخل فريضة أو سنة ونوى التحية أيضًا حصلا، ولو لم ينو التحية حصلت أيضًا.

كذلك ذكره صاحب "التهذيب" وغيره، ويجوز أن يطرد فيه الخلاف المذكور فيما إذا نوى غسل الجنابة هل يجزئه عن العيد والجمعة إذا لم ينوهما؟ انتهى كلامه.

وهذه المشابهة التي ذكرها الرافعي إن كانت صحيحة فلا اختصاص لها بالصورة الثانية، وحينئذ فيطرد التخريج في الأولى أيضًا وهي ما [إذا](1) نواهما معًا، لأن الخلاف ثابت في الصورتين كما سبق من كلامه في موضعه، وقد نبه ابن الصلاح على ذلك، قال في "شرح المهذب": وليس الأمر كما قالا، بل الأصحاب كلهم مصرحون بأنه لا خلاف في حصول التحية في الصورتين؛ وفَرَّق بأن غسل الجمعة سنة مقصودة، وأما التحية فالمقصود منها شغل المكان.

(1) سقط من أ.

ص: 272

والفرق الذي قاله غير واضح، ولو قيل بسقوط الأمر لا بحصول التحية لاتجه.

قوله: وإذا صلى الداخل على جنازة أو سجد لتلاوة أو شكر لم تحصل التحية. قاله في "التهذيب"، وقضية الجبران لا تحصل التحية بركعة واحدة أيضًا، وفيهما جميعًا وجه. انتهى.

والصحيح عدم الحصول في المسألتين، كذا صححه الرافعي في "الشرح الصغير"، وصححه أيضًا في "المحرر" ولكن في المسألة الثانية خاصة، ولم يذكر الأولى، وصححه النووي في كتبه، ولم ينبه في "الروضة" على أنه من زياداته، بل أدخله في كلام الرافعي فاعلمه.

قوله من "زوائده": قال المحاملي: وتكره التحية في حالين:

أحدهما: إذا دخل والإمام في المكتوبة.

والثاني: إذا دخل المسجد الحرام فلا يشتغل بها عن الطواف. انتهى.

فيه أمور:

أحدها: أن ما ذكره عن المحاملي في الحالة الأولى وافقه عليه، وقد جزم [به](1) في غير هذا الكتاب، وفيه قصور وإيهام عجيب، فإنه لو دخل في حال إقامة الصلاة كان الحكم كذلك أيضًا كما صرحوا به في صلاة الجماعة، وصرح به في "شرح المهذب" هنا بل ذكره الرافعي في آخر الباب الأول من أبواب الجمعة أنه إذا دخل والإمام في آخر الخطبة وكان بحيث لو اشتغل بالتحية فاته إدراك فضيلة التحرم لم يشتغل بها، فهذا يتعدى إلى سائر الصلوات.

وأما داخل المسجد الحرام ففيه كلام نوضحه في كتاب الحج إن شاء الله تعالى.

(1) سقط من أ.

ص: 273

الأمر الثاني: أن أبا حامد قد ذكر في "رونقه" مثل ما ذكره المحاملي، وزاد: أنها تكره أيضًا عند خوف فوات السنة الراتبة.

والمراد كراهة اقتصاره على نية التحية، فأما إذا نواهما أو أطلق فإنهما يحصلان.

والذي ذكره صحيح، وقد ذكر في "الروضة" في الحج أنه يؤخر طواف القدوم لأجل ذلك.

الأمر الثالث: أن ما قالوه في المكتوبة يظهر اختصاصه بما إذا لم يكن الداخل قد صلى، فإن صلى جماعة لم تكره التحية، أو فرادى فالمتجه الكراهة.

ورأيت في كتاب "الوسائل" لأبي الخير سلامة بن إسماعيل بن جماعة المقدسي أنه إذا دخل المسجد والإمام يصلي جماعة في نافلة كالعيد ففي استحباب ركعتي التحية وجهان.

قال: والفرق أن فعل الفريضة في الجماعة أفضل من صلاة النافلة.

قوله من "زوائده" أيضًا: ومما نحتاج إلى معرفته أنه لو جلس في المسجد قبل التحية وطال الفصل لم يأت بها كما سيأتي أنه لا يشرع قضاؤها، وإن لم يطل فالذي قاله الأصحاب: إنها تفوت بالجلوس فلا يفعلها.

وذكر الإمام أبو الفضل بن عبدان في كتابه المصنف في العبادات أنه لو نسى التحية وجلس فذكر بعد ساعة صلاها، وهذا غريب، ففي الصحيحين في حديث الداخل يوم الجمعة (1) ما يؤيده، والله أعلم.

وهذا الذي نقله عن ابن عبدان واستغربه قد جزم به في "التحقيق" فقال: وتفوت إذا قعد وطال الفصل أو تعمد تركها. هذه عبارته.

وذكر في "شرح المهذب" و"شرح مسلم" أن كلام الأصحاب

(1) أخرجه البخارى (888) ومسلم (875) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.

ص: 274

محمول على هذا.

قلت: ويؤيده أيضًا ما رواه ابن حبان في "صحيحه" عن أبي ذر قال: دخلت المسجد فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحده، فقال:"يا أبا ذر إن للمسجد لتحية، وإن تحيته ركعتان، قم فاركعهما، قال: فقمت فركعتهما ثم عدت. . . ."(1) إلى آخر الحديث.

قوله أيضًا من "زوائده": ومنه سنة الجمعة قبلها أربع وبعدها أربع كذا قاله ابن القاص وآخرون وتحصل أيضًا بركعتين قبلها وركعتين بعدها، والعمدة فيما بعدها حديث صحيح "إذا صليتم الجمعة فصلوا بعدها أربعًا"(2).

وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعدها ركعتين (3).

وأما قبلها فالعمدة فيه القياس على الظهر، ونستأنس فيه بحديث سنن ابن ماجة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبلها أربعًا (4). وإسناده ضعيف جدًا. انتهى.

فيه أمور:

أحدها: أن الشافعي رحمه الله قد نص على أنه يصلي بعد الجمعة أربع ركعات، ذكر هذا النص في "الأم" في باب صلاة الجمعة والعيدين من كتاب اختلاف علىِّ وابن مسعود، وهو من أواخر كتب "الأم" قبل

(1) أخرجه ابن حبان (361) والطبراني في "الأوسط"(4721) وأبو نعيم في "الحلية"(1/ 666) وأبو الفرج المقرئ في "الأربعين في الجهاد"(10).

(2)

أخرجه مسلم (881) بلفظ: "إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعًا" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

أخرجه البخاري (895) ومسلم (882) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(4)

أخرجه ابن ماجة (1129) والطبراني في "الكبير"(12674) من حديث ابن عباس -رضى الله عنهما-.

قال الألباني: ضعيف جدًا.

قلت: فيه الحجاج بن أرطأة، وعطيه العوفي وكلاهما ضعيف.

ص: 275

كتاب سنن الواقدي، ونقل أبو عيسى الترمذي في كتابه (1) عن الشافعي أنه يصلي بعدها ركعتين.

وإذا علمت ذلك علمت أن اقتصار النووي على نقلها عن بعض الأصحاب مع وجود النصوص الصريحة غريب.

الأمر الثاني: أن الظاهر [أن](2) النصين محمولان على الأدنى والأكمل كما في سنة الظهر، وقد صرح به في ["المهذب"] (3) وكذلك النووي في "التحقيق" فقال: والجمعة كالظهر. هذه عبارته.

وذكر في "شرح المهذب" نحوه أيضًا، وكلام "الروضة" لا ينافيه.

وإذا علمت ذلك فاعلم أن النووي في "المنهاج" لما عدد السنن المتأكدة عَدّ منها أربعًا بعد الجمعة فقال: وبعد الجمعة أربع، وقبلها ما قبل الظهر. هذه عبارته.

والذي ذكره مخالف لما في هذه الكتب.

والصواب هو المذكور فيها.

الأمر الثالث: أن دعواه أن العمدة فيما قبلها القياس على الظهر، غريب فقد جاءت فيه أحاديث:

أحدها: ما رواه أبو هريرة قال: جاء سليك الغطفاني ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أصليت قبل أن تجئ؟ قال: لا، قال: فصل ركعتين وتجوز فيهما"(4) رواه ابن ماجة في "سننه" عن داود بن رشيد عن حفص بن غياث عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة.

وهذا الإسناد قد احتج الشيخان في صحيحيهما بجميع رواته، فقال

(1) السنن (2/ 399).

(2)

سقط من أ.

(3)

في ب: التهذيب.

(4)

أخرجه مسلم (875) وأبو داود (1116) و (1117) وابن ماجة (1114) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.

ص: 276

ابن تيمية في "الإحكام": رجال إسناده ثقات.

الحديث الثاني: عن نافع قال: كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة ويصلي بعدها ركعتين في بيته ويحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك (1) رواه أبو داود بإسناد على شرط الصحيح، وصححه ابن حبان.

الحديث الثالث: "بين كل أذانين صلاة" رواه الشيخان كما تقدم، والمراد بالأذانين: الأذان والإقامة.

الحديث الرابع: "ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها ركعتان"(2) رواه الدارقطني وصححه ابن حبان.

قوله: وأفضل الرواتب الوتر وركعتا الفجر، وأيهما أفضل؟ قولان: القديم: أن ركعتي الفجر أفضل لقوله عليه الصلاة والسلام: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها"(3) وقول عائشة: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شئ من النوافل أشد تعاهدًا منه على ركعتي الفجر (4).

والجديد الأصح: أن الوتر أفضل لقوله عليه الصلاة والسلام: "من لم يوتر فليس منا"(5)، ولأن الوتر مختلف في وجوبه، ولا خلاف في أن

(1) أخرجه أبو داود (1128) وابن خزيمة (1836) وابن حبان (2476) وابن أبي شيبة (1/ 463) والبيهقي في "الكبرى"(5736).

قال الألباني: إسناده صحيح.

(2)

أخرجه ابن حبان (2455) و (2488) والدارقطني (1/ 267) والطبراني في "مسند الشاميين"(2265) و (2266) من حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنه.

قال الألباني: صحيح.

(3)

أخرجه مسلم (725) والترمذي (416) والنسائي (1759) وأحمد (26329) من حديث عائشة رضي الله عنها.

(4)

أخرجه البخاري (1116) ومسلم (724).

(5)

أخرجه أبو داود (1419) وأحمد (23069) والحاكم (1146) وابن أبي شيبة (2/ 92) والبيهقي في "الكبرى"(4251) من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه.

ضعفه البيهقي والحافظ ابن حجر والألباني.

ص: 277

ركعتي الفجر سنة، وقيل: هما سواء. انتهى كلامه.

فيه أمران:

أحدهما: أن ما ادعاه من نفي الخلاف في سنة الفجر ليس كذلك، فقد ذهب الحسن البصري إلى وجوبهما، كذا نقله في "شرح المهذب" عن حكاية القاضي عياض.

الأمر الثاني: في تصوير محل الخلاف، وقد تعرض لذلك في "الكفاية" فقال: واعلم أن الأصحاب أطلقوا الخلاف ولم يبينوا ما أرادوه من الوتر، هل هو أقله أو أكمله أو أدني الكمال منه، والذي يظهر من كلامهم أنهم أرادوا مقابلة الجنس بالجنس، وقد كان يقع لي أنه يختص بأدنى الكمال لأنهم جعلوا علة ترجيح الوتر أنه مما اختلف في وجوبه، والذي اختلف في وجوبه ليس هو الأقل ولا الأكثر، فإن أبا حنيفة هو القائل بوجوبه، وهو عنده ثلاث ركعات لا يجوز الزيادة عليها، ولا النقص منها، فتعين أن يكون ذلك محل الاختلاف، ثم وقع لي أنه لو كان الأمر كذلك لاختص محلة بالثلاثة الموصولة كما صار إليه أبو حنيفة وهو لا يختص.

فظهر من ذلك أن المراد من ذلك مقابلة الجنس بالجنس، ولا يبعد أن يجعل الشرع العدد القليل أفضل من العدد الكثير مع اتحاد النوع، دليله القصر في السفر فمع [اختلافه](1) أولى. انتهى كلام "الكفاية".

والحديث الأول رواه مسلم. والثاني متفق عليه، والثالث بعض حديث رواه أبو داود.

قوله: ثم بعد السنن الراتبة أفضل الصلوات المذكورة صلاة الضحى، ثم ما يتعلق بفعل كركعتي الطواف، والإحرام والتحية. انتهى كلامه.

(1) في ب: اختلافها.

ص: 278

ذكر مثله في "الروضة" وفيه أمران:

أحدهما: أنه لم يصرح بدرجة صلاة التراويح، وقد صرح بها في "شرح المهذب" فجعلها بين الرواتب والضحى، وفي كلام الرافعي إشعار به، حيث حكى الخلاف في أن التراويح أفضل لمشروعية الجماعة فيها، أم الرواتب لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها؟ وصحح الثاني.

ووجه الإشعار حكاية الخلاف في تفضيلها على الرواتب التي هي أفضل من الضحى فما بعدها.

الأمر الثاني: أن من جملة السنن المتعلقة بالفعل: سنة الوضوء، وصلاة الاستخارة، وصلاة الحاجة.

وحينئذ فتكون هذه الثلاثة مع الثلاثة التي مَثَّل بها الرافعي، وهي ركعتا الطواف والإحرام والتحية أفضل من النوافل المطلقة، وحينئذ يبقى النظر في الأفضل منهما.

وقد صرح في "شرح المهذب" بسنة الوضوء خاصة وجعلها بعد الثلاثة السابقة فقال: ثم ما يتعلق بفعل كركعتي الطواف وركعتي الإحرام وتحية المسجد ثم سنة الوضوء. هذه عبارته.

وفيه نظر وكأنه توهم أن سنة الوضوء مما لا يتعلق بفعل، والمتجه تقديم ركعتي الطواف للاختلاف في وجوبها عندنا، ثم ركعتا التحية ثم الإحرام. لأن سبب التحية قد وقع بخلاف الإحرام، فإنه مستقل قد يقع وقد لا يقع.

ولهذا صححوا كراهة ركعتي الإحرام في الوقت المكروه دون التحية والباقية في المعنى متقاربة.

قوله: صلاة التراويح عشرون ركعة بعشر تسليمات. انتهى كلامه.

وفيه إشعار بأنه لو صلى أربعًا بتسليمة لم يصح، والأمر كذلك، فقد

ص: 279

صرح به القاضي الحسين في "فتاويه" ونقله عنه النووي، وعلله بأنه خلاف المشروع وذكر النووي في "فتاويه" أنه إذا صلى سنة الظهر أو العصر أربعًا بتسليمة واحدة جاز سواء كانت السنة متقدمة أو متأخرة.

والفرف بينهما أن [التراويح](1) بمشروعية الجماعة فيها أشبهت الفرائض فلا تغير عما وردت.

قوله: واعلم أن تجويز التشهد في كل ركعة لم نر له ذكرًا إلا في "النهاية"، وفي كتب المصنف، ثم ذكر الرافعي في آخر الفصل أن قول الغزالي: أو في كل ركعة يعلم بالواو، قال: لأن كثيرًا من الأصحاب قالوا: إنه بالخيار بين أن يصلي بتشهد واحد، وبين أن يتشهد بين كل ركعتين، والتخيير بين الشيئين ينفي التمكن من شئ ثالث. انتهى كلامه.

وذكر في "الشرح الصغير" نحوه أيضًا، ومقتضى ذلك ترجيح المنع من جهة النفل لكنه -أعني: الرافعي- قد جزم [في "المحرر"](2) بالجواز، واستدرك عليه النووي فصحح المنع، وصححه أيضًا في "شرح المهذب" وغيره، قال: لأنه اختراع صورة في الصلاة لا عهد بها.

ورأيت في "الكافي" للخوارزمي أن في المسألة وجهين.

قوله: ولو نوى صلاة تطوع، ولم ينو واحدة ولا عدد فهل يجواز الاقتصار على واحدة؟

حكى في "التتمة" فيه وجهين مبنيين على ما لو نذر صلاة مطلقة، هل يخرج عن العهدة بركعة أم لابد من ركعتين؟ وينبغي أن يقطع بجواز الاقتصار على واحدة، فعند الإطلاق أولى أن نجوزه. انتهى كلامه.

(1) في أ: المتروح.

(2)

سقط من أ.

ص: 280

فيه أمران:

أحدهما: أن هذا الذي نقله الرافعي عن "التتمة" غلط منه -أي: من الرافعي- فإن المذكور فيها هو الجزم بالجواز، وإنما حكى الوجهين في الكراهة فقال ما نصه: فإن أراد أن يسلم عن ركعة فهل يكره أم لا؟ فيه وجهان بناء على أصله، وهو أن الرجل إذا نذر أن يصلى [مطلقًا هل يخرج عن نذره](1) بركعة أم لا؟ .

وفيه خلاف سنذكره.

فإن قلنا: يخرج عن نذره بركعة، لم يكره أن يسلم عن ركعة.

وإن قلنا لا يخرج عن نذره إلا بركعتين، فيكره أن يسلم عن ركعة، فيحمل إطلاق اسم الصلاة على ركعتين، هذا كلام المتولي بحروفه ومن "التتمة" نقلته.

وذكر مثله في "البحر" أيضًا، وهذا الاعتراض ذكره في "الروضة" أيضًا.

الأمر الثاني: أن هذا البحث الذي ذكره عجيب أيضًا فإن من نوى ركعتين إنما يجوز له الاقتصار على واحدة بشرط تغيير النية، وكلامنا فيما تقتضيه نية الصلاة عند الإطلاق، حتى يجوز له الاقتصار عليه.

قوله: المسألة الثانية: النوافل تنقسم إلى ما لا يتأقت وإنما يفعل بسبب عارض، وإلى ما يتأقت.

فالأول لا مدخل للقضاء فيه، وهو كصلاتي الخسوف والاستسقاء وتحية المسجد. انتهى.

وما ذكره في الاستسقاء مشكل لأن القضاء فرع الفوات، وقد ذكر في باب الاستسقاء أنهم إذا سُقوا قبل الصلاة صلوا على المشهور، حتى [قال] (2):

(1) سقط من أ.

(2)

في أ: قالوا.

ص: 281

إن الخلاف يجري فيما لو لم ينقطع الغيث، وأراد الصلاة للاستزادة.

قوله من "زوائده": ويكره قيام الليل كله دائمًا. انتهى كلامه.

وتقييده بكل الليل ظاهره انتفاء الكراهة بترك ما بين المغرب والعشاء، وفيه نظر.

والمتجه إسقاط هذا التقييد، وتكون الكراهة متعلقة بالمقدار الذي يضر سواء كان هو الجميع أو البعض فقد قال في "شرح المهذب": صلاة الليل كله دائمًا تضر العين وسائر البدن كما جاء في الحديث الصحيح، وهذا بخلاف صيام الدهر غير أيام النهي، فإنه لا يكره عندنا.

والفرق أنه يمكنه في الصوم أن يستوفي ليلًا ما فاته من الأكل بالنهار، ولا يمكنه نوم النهار، إذا صلى بالليل لما فيه من تفويت مصالح دينه ودنياه.

فأما بعض الليالي فلا يكره إحياؤها، فقد ثبت في "الصحيحين" عن عائشة رضي الله عنها:"أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أحيا الليل"(1).

واتفق أصحابنا على استحباب إحياء ليلتي العيد. هذا كلامه في "شرح المهذب".

وإذا علمت ذلك اتجه ما قلناه من تعليقه بالمقدار الذي يضره، وقد ذكر الطبري -شارح "التنبيه"- قريبًا من ذلك في كل الليل فقال: إن لم يجد بذلك مشقة استحب لاسيما المتلذذ بمناجاة الله تعالى وإن وجد نظر: إن خشى منها محذورًا كره، وإلا لم يكره، ورفقه بنفسه أولى.

قوله من "زياداته" أيضًا: وفعل النافلة في البيت أفضل من فعلها في المسجد. انتهى.

ذكره الرافعي أيضًا كذلك في غير هذا الموضع.

(1) أخرجه البخاري (1920) ومسلم (1174).

ص: 282

وتستثني منه أمور مذكورة في مواضعها، منها ما هو مشهور كالعيد وغيره، ومنها ركعتا الإحرام، فإنه إذا كان في الميقات مسجد كان فعلهما فيه أفضل، كذا نقله من "زياداته" في الحج عن الأصحاب، وإن كان القياس يقتضي استحبابهما في البيوت والأخبية، ومنها ركعتا الطواف فيستحب فعلهما في المسجد كما هو معروف أيضًا هناك.

ومنها النافلة يوم الجمعة، كما نقله الجرجاني في "الشافي" عن الأصحاب فقال: في هذا الباب؛ وقد ذكر بعد صلاة الخوف ما نصه: قال أصحابنا إلا النافلة يوم الجمعة ففعلها في الجامع أفضل لفضيلة البكور. انتهى.

ص: 283