الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الخامس في
شرائط الصلاة
وهي ستة:
الشرط الأول: الطهارة عن الحدث
قوله: وإن أحدث بغير اختياره كما لو سبقه الحدث فلا خلاف في بطلان طهارته، وتبطل صلاته أيضًا على الجديد، لما روى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:"إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف وليتوضأ، وليعد الصلاة"(1) انتهى.
واعلم أن عبارة الرافعي يدخل فيها المكره على الحدث، وقد صرح في "البيان" بذلك فقال: إنه على القولين، لكن ذكر ابن أبي هريرة في "تعليقه" أنه لو عصر بطنه حتى خرج منه حدث بغير اختياره لم تبطل صلاته، ويحتمل أن يقال: إن لم يحصل منه فعل بالكلية كما لو ألقى على امرأة أو ألقيت عليه فهو كالسبق، وإن حصل منه فعل نقض قطعًا كالساهي، وهذه المسألة لا يخرج حكمها من "الروضة" فإنه عبر بقوله: بأن سبقه -أعني بباء الجر- الداخلة على أن لأن التقدير يسبقه وذلك قيد لا يعتبر.
وفسما بفاء مفتوحة، وسين مهملة بعدها ألف، أي: أخرج الريح يقول منه: فسًا فسوًا، والاسم: الفساء بالمد.
والحديث المذكور ضعيف.
قوله: والقديم أنه يتوضأ ويبني على صلاته لما روى أنه -عليه الصلاة
(1) أخرجه أبو داود (205 - 1005) والترمذي (1164) و (1166) وأحمد (655) وابن حبان (2237) والدارمي (1141) والدارقطني (1/ 153) وعبد الرزاق (20950) من حديث علي ابن طلق. قال الترمذي: حديث حسن. وقال الألباني: ضعيف، وهو الذي رجحه المصنف.
والسلام- قال: "من قاء أو رعف أو أمذى في صلاته، فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلاته ما لم يتكلم"(1).
فعلى هذا قال الصيدلاني: لابد أن يعود إلى الركن الذي سبقه الحدث فيه، فإنه قال: لو سبقه الحدث في الركوع فيعود إلى الركوع، ولا يجزئه غيره.
وقال الإمام: إن سبقه الحدث قبل أن يطمئن عاد، وإن كان بعده فالظاهر أنه لا يعود لأن ركوعه قد تم.
وهذا التفصيل أورده في "الوسيط" ويجوز أن يجري كلام الصيدلاني على إطلاقه، فإن الانتقال من الركن إلى الركن واجب. انتهى ملخصًا.
فيه أمران:
أحدهما: أن القول بالبناء قد حكاه جماعة منهم ابن الرفعة في "الكفاية" عن "الإملاء"، وهو من الكتب الجديدة.
الثاني: لم يصحح شيئًا في "الروضة" أيضًا، والصحيح ما قاله الصيدلاني، كذا صححه النووي في "شرح المهذب"، وفي "شرح الوسيط" المسمى بالتنقيح وعبر فيهما بالأصح، ولم يتعرض لهذه المسألة في "التحقيق"، وفيها كلام آخر تقدم في صفة الصلاة في أواخر الكلام على القيام.
والحديث روى أصله ابن ماجة وغيره، وضعفه البيهقي (2) قال: والمحفوظ أنه مرسل، ورواياتهم مختلفة وفي بعضها:"من قاء أو قلس"، وهو بقاف وسين مهملة، ومعناه القئ أيضًا، وقيل: القئ الذي لا يملأ الفم.
(1) أخرجه ابن ماجه (1221) والدارقطني (1/ 153) والبيهقي في "الكبرى"(652) وابن عدي في "الكامل"(1/ 297) و (5/ 289) وابن الجوزي في "التحقيق"(195) من حديث عائشة رضي الله عنها. وقال الشيخ الألباني: ضعيف.
(2)
السنن الكبرى (1/ 142).
ويقال: رعف بفتح العين يرعف بالفتح والضم ويقال: رعف بالضم أيضًا في لغة، ضعيفة قاله الجوهري.
قوله: وإذا أراد أن يتوضأ ويبني فيجب عليه أن يسعى في تقريب الزمان وتقليل الأقوال والأفعال بحسب الإمكان، فليس له أن يعود إلى الموضع الذي كان يصلي فيه إن قدر على أقرب منه إلا إذا كان إمامًا لم يستخلف أو مأمومًا يبغي فضيلة الجماعة فهما معذوران في العودة، ذكره في "التتمة"، انتهى.
فيه أمور:
أحدها: أن ما ذكره من تقييد الإمام بكونه لم يستخلف قد تابعه عليه في "الروضة" و"شرح المهذب" وغيرهما ولم ينقله عن "التتمة" كما نقله الرافعي بل أطلق الفعل، ومقتضاه أنه إذا استخلف لا يجوز له العود، وهو غير مستقيم، فإن له أيضًا غرضًا في الجماعة وأى فرق بينه وبين المأموم؟ وصاحب "التتمة" لم يذكر هذا القيد هنا بالكلية بل أطلق جواز الرجوع.
نعم أشار إليه في الكلام على الاستخلاف وقد ذكر القاضي حسين في تعليقه عكس ذلك كله فقال: عندنا على قول البناء لو لم يستخلف جاز، ولا يجوز له أن يعود إلى مكانه فضلًا من أن يجب عليه. هذا كلامه.
الأمر الثاني: أن مقتضى كلامه امتناع العود في حق المنفرد مع أن الصواب إلحاقه بالمأموم حتى يجوز عند قصد الجماعة بل هو أولى بالجواز، وقد صرح بذلك صاحب "التتمة" هنا أيضًا.
وذكر نحوه في "التحقيق" فقال: وليس له الرجوع إلى مكانه إلا لإدراك الجماعة. هذه عبارته وهي عامة.
الأمر الثالث: أن احتمال المشي لإدراك الجماعة ينبغي أن لا يفترق الحال فيه بين أن يكون إلى الموضع الذي كان فيه أو إلى غيره، وإن كان أبعد منه
نظرًا إلى المعنى، وأن لا يجوز العود في عرض الجماعة إلى مكانه إذا أمكنه الوقوف فيما هو أقرب منه.
الأمر الرابع: أن كلامه يقتضي أنه يجوز للمأموم أن يصلي حيث شاء، وليس كذلك فإن القدوة باقية مادام الإمام في الصلاة، وفي عدم عوده بطلان الصلاة لمخالفته لإمامه، وهو حرام.
وقد جزم المتولي بذلك فقال: يجب عليه أن يعود أو يخرج نفسه من الاقتداء.
قوله: فلو أخرج بقية الحدث عمدًا، فقد نقل العراقيون وغيرهم عن النص أنه لا يضر، لأن طهارته قد بطلت.
وفي "البيان" عن بعضهم أن العلة فيه احتياجه إلى إخراج البقية.
فعلى الأول: يجوز أن يحدث حدثًا آخر مستأنفًا، وعلى الثاني: لا يجوز.
وخالف الإمام والغزالي فمنعا إخراج بقية الأول. انتهى ملخصًا.
فيه أمران:
أحدهما: أنه قد تلخص من كلام الرافعي أن الأكثرين في الحدث المستأنف أنه لا يضر، وحكى في "الروضة" الخلاف فيه بدون ترجيح بالكلية ولم يحك أيضًا الاختلاف في التعليل الذي ينبني عليه الخلاف المذكور، وهو عجيب.
الأمر الثاني: أن النووي قد اختلف كلامه في بطلان الصلاة به فقال في "التحقيق": الأصح أنها تبطل، وذكر عكسه في "شرح المهذب" فقال ما نصه: وإذا أخرج بقية الحدث الأول لم يضر على الصحيح.
والأصح أن علته بطلان الطهارة، وقيل: لأنه محتاج إلى إخراجه لئلا يسبقه مرة أخرى.