الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على ذلك وهو غريب.
الثالث: قد سبق في الفاتحة أن السكوت الكبير في أثنائها يضر على الصحيح، فلو كان ذلك ناسيًا لم يضر كما قاله الجمهور، ونص عليه الشافعي ومال الإمام إلى أنه يضر، وتابعه الغزالي فجعل المسألة على التردد، كذا ذكره الرافعي هناك.
والمسألة نظير المسألة، ولكن الخلاف هناك غير معروف، ولهذا ادعى في "تصحيح التنبيه" أنه لا خلاف فيحتاج إلى الفرق.
قوله: ولو أشار في الصلاة إشارة مفهمة فقد أفتى الغزالى بعدم البطلان، ورأيت لوالدي وجهًا أنها تبطل. انتهى.
والأصح منهما عدم البطلان، كذا صححه الرافعي في كتاب الطلاق في الكلام على الكنايات، وعبر بالصحيح، وقال النووي في "التحقيق": إنه المذهب، وفي "شرح المهذب": إنه المذهب الصحيح المشهور الذي قطع به الجمهور، وصححه أيضًا هنا في "أصل الروضة" فاعلمه.
وما نقله الرافعي عن والده من البطلان جزم به القاضي حسين في "فتاويه".
الشرط الخامس: ترك الأفعال
.
قوله: ما ليس من أفعال الصلاة ضربان:
أحدهما: ما هو من جنسها، فينظر إن فعله عامدًا بطلت صلاته سواء كثر أو قل كركوع وسجود ونحوهما لأنه تلاعب بالصلاة. انتهى كلامه.
وأشار بقوله: ونحوهما إلى القيام وإلى القعود الطويل، واحترز بالقعود الطويل عما إذا هوى للسجود فجلس قبل سجوده جلسة خفيفة أي لا تزيد علي مقدار جلسة الاستراحة، فإن صلاته لا تبطل كما قاله الرافعي في باب سجود السهو، ومثله ما إذا سجد للتلاوة ثم جلس للاستراحة قبل القيام.
ولو كان قائمًا فجلس ثم قام بطلت صلاته لا لعين القيام بل لكونه قطع القيام ثم عاد إليه فكأنه أتى بقومتين، قاله الإمام.
نعم لو ركع قبل الإمام أو سجد فإنه يجوز له العود ثانيًا كما تقف عليه إن شاء الله تعالى في صلاة الجماعة مع أنه يصدق أن يقال: قد زاد ركوعًا ونحوه ولو كان قائمًا فانتهى إلى حد الركوع لقتل حية أو عقرب لم يضر، كذا قاله الخوارزمي في "الكافي".
وقد دخل في كلام الرافعي ما إذا سجد على مكان خشن فخاف أن تتجرح جبهته فرفع رأسه ثم سجد ثانيًا.
وللقاضي حسين فيها احتمالان:
أحدهما: البطلان مطلقًا.
والثاني: أنه إن كان قد تحامل على الشئ الخشن بثقل رأسه بطلت صلاته بالعود وطريقه فيه أن يزحف جبهته قليلًا، ولا يرفع رأسه، وإن لم يكن قد تحامل لم تبطل لأنه عمل قليل، ويجريان فيما لو سجد على يده ثم رفعها وسجد على الأرض.
قوله: الضرب الثاني: ما ليس من أفعال الصلاة فيفرق فيه بين القليل والكثير بلا خلاف لأنه عليه الصلاة والسلام صلى وهو حامل أمامة بنت بنته، فكان إذا سجد وضعها، وإذا قام حملها (1)، وأخذ بأذن ابن عباس فأداره من شماله إلى يمينه (2)، ورد السلام بالإشارة (3)، وأمر بقتل الأسودين الحية والعقرب في الصلاة (4)، ودخل أبو بكرة المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم راكع فأحرم منفردًا، وركع خوفًا من فوات الركعة ثم خطا خطوة ودخل
(1) أخرجه مالك (410) والبخاري (494) ومسلم (543) وأبو داود (917) والنسائي (827) وأحمد (22577) وابن حبان (1109) والشافعي (76) والطبراني في "الكبير"(22/ 438) حديث (1067) وفي "الصغير"(436) والبيهقي في "الكبرى"(3234) من حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه.
(2)
أخرجه البخاري (5957) ومسلم (763) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(3)
أخرجه أبو داود (925) والنسائي (1186) وابن حبان (2259) والطبراني في "الكبير"(7293) والبيهقي في "الشعب"(9104) من حديث صهيب رضي الله عنه.
قال الشيخ الألباني: صحيح.
(4)
أخرجه أبو داود (921) والترمذي (390) والنسائي (1202) و (1203) وابن ماجة =
الصف فقال له عليه الصلاة والسلام: "زادك الله حرصًا ولا تعد"(1).
[والمعني](2) فيه أنه يعسر أو يتعذر على الإنسان السكون على هيئة واحدة في زمان طويل، ولا يخلو عن حركة واضطراب، ولابد للمصلي من رعاية التعظيم والخشوع، فعفي عن القدر الذي لا يحمل على الاستهانة بهيئة الخشوع، ثم قال: والكثير بالعرف، وقيل: ما يظن أن فاعله ليس في صلاة، [وضعفوه](3).
وقيل: ما يسع ركعة، وقيل: ما يحتاج فيه إلى كلتى اليدين ككور العمامة لا لرفعها [وحل](4) أنشوطة السراويل. انتهى.
فيه أمور:
أحدها: أن ما ذكره أولًا في تقرير العفو عن القليل دون الكثير إنما يستقيم على الحد الثاني الذي ضعفه فتأمله.
الثاني: أنه يقتضي أن الخشوع شرط، والصحيح على ما ذكره في صلاة الجماعة خلافه.
الثالث: أنه قد أعاد الخلاف في حد الطويل والقصير في أثناء سجود السهو قبيل قوله: قال: قواعد أربع، وجعل مقدار الركعة عند من يضبط بها قليلًا، وأن الطويل ما زاد عليها على خلاف ما ذكره هنا، ثم إنه حكاه قولًا لا وجهًا، وستعرف لفظه في موضعه.
= (1245) وأحمد (7178) والدارمي (1504) وابن خزيمة (869) وابن حبان (2351) والحاكم (939) وعبد الرزاق (1754) وابن أبي شيبة (1/ 431) والبيهقي في "الكبرى"(3251) وأبو نعيم في "الحلية"(9/ 45) من حديث أبي هريرة.
قال الترمذي: حسن صحيح.
وقال الحاكم: صحيح ولم يخرجاه.
وقال الألباني: صحيح.
(1)
أخرجه البخاري (750) وأبو داود (683) والنسائي (871).
(2)
في أ: والمعتبر.
(3)
في أ: وضعفه.
(4)
سقط من أ.
وكور العمامة سبق إيضاحه في السجود.
والأنشوطة: بنون ثم شين معجمة وطاء مهملة قال ابن فارس وغيره: الأنشوطة: العقدة تنحل إذا مدّ طرفها، يقال: أنشطت الحبل إذا عقدت، وأنشطت إذا حللت.
ومنه خبر الرُقيا "كأنما أنشط من عقال" فيكون من الأضداد.
واعلم أن حمل أمامة وإدارة ابن عباس رواهما البخاري ومسلم.
والتسليم بالإشارة، والأمر بقتل الأسودين رواهما الترمذي، وصححهما.
وحديث أبي بكرة رواه البخاري، وأبو بكرة بتاء في آخره تقدم الكلام عليه في أوائل المسح على الخف.
قوله: فأما الحركات الخفيفة إذا كثرت وتوالت كتحريك الأصابع في تسبيحة أو حكة أو عقد أو حل فلا يضر في أظهر الوجهين. انتهى.
فيه أمور:
أحدها: أن الرافعي قد ذكر بعد هذا في الكلام على الأكل أن المضغ وحده فعل حتى يكون الكثير منه مبطلًا، وإن لم يصل إلى الجوف شئ مع أن [الذكر](1) الذي ذكره من الأفعال الخفيفة.
الأمر الثاني: إذا قلنا بالإبطال في تحريك الأصابع، فهل يكون الذهاب والإياب مرة واحدة أو مرتين؟
لم ينبه الرافعي ولا النووي عليه، وقَلَّ من تعرض له أيضًا.
وقد بينه الخوارزمي في "الكافي" فقال: إن ذلك مرة واحدة، قال: وكذا رفع اليد عن الصدر ووضعها في محل الحك.
الثالث: أن تقييد الرافعي هذه المسألة بتحريك الأصابع قد يؤخذ منه أن
(1) سقط من جـ.
تحريك اليد بذلك مبطل، وقد جزم به الخوارزمي في "الكافي" أيضًا، وأنه لا فرق في الأصابع بين الثلاث، وما زاد، وجعل في "البسيط" محل الخلاف فيما زاد على الثلاث، وجزم في تحريك الثلاث بعدم البطلان.
قوله: وقد حكي عن نص الشافعي رضي الله عنه أنه لو كان بعد الآي في صلاته عقدا باليد لم تبطل صلاته، وإن كان الأولى أن لا يفعله. انتهى كلامه.
ذكر في "الروضة" مثله أيضًا، وقد رأيت هذا النص في "الأم" في كتاب اختلاف العراقيين وأبي حنيفة، وابن أبي ليلى، وهو مذكور بعد باب قطع العبد فقال في باب صلاة الخوف من الكتاب المذكور ما نصه: وذكر عن الحكم أيضًا عن إبراهيم أنه قال: لا بأس بِعَدّ الآي في الصلاة.
قال الشافعي: ولو ترك عَدَّ الآي في الصلاة كان أحب إلىّ. هذا لفظه بحروفه، ومن "الأم" نقلته.
ومقتضاه عدم الكراهة، وبه صرح في "شرح المهذب" فقال: مذهبنا أنه لا يكره، بل هو خلاف الأولى، قال: وهو مراد "المهذب" بقوله: إنه يكره ألا ترى إلى قوله بعد ذلك: فكان خلاف الأولى. هذا كلامه.
إذا علمت ذلك فقد جزم في "التحقيق" بأن ذلك مكروه ذكر ذلك في آخر [هذا](1) الباب، وهو غريب، وكلام النووي في "شرح المهذب" يوهم أن عدم الكراهة متفق عليه، وليس كذلك، فقد نقل في "البحر" عن "الحاوي" ما يقتضي أنه مكروه، وجزم به الجرجاني في "الشافي".
قوله: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مر المار بين يدي أحدكم وهو في الصلاة فليدفعه فإن أبى فليدفعه، فإن أبى فليقاتله، فإنه شيطان"(2).
(1) زيادة من جـ.
(2)
انظر الآتي.
وروي البخاري رحمه الله في "الصحيح" عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صلى أحدكم إلى شئ يستره من الناس، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان"(1). انتهى.
وقوله في الحديث الأول وهو الذي ليس فيه ذكر السترة: "فإن أبى فليدفعه" وقع في أكثر نسخ الرافعي تكراره ثلاثًا، وفي بعضها مرتين، وفي "الوجيز" مرة، والحديث روى الشيخان معناه.
قوله: والمستحب للمصلي أن يكون بين يديه سترة من جدار أو سارية أو غيرهما، ويدنوا منها بحيث لا يزيد ما بينه وبينها على ثلاثة أذرع.
ولو كان في صحراء فينبغي أن يغرز عصا أو نحوها، أو يجمع شيئا من رحله، ومتاعه، وليكن قدر مؤخرة الرحل، فإن لم يجد شيئًا شاخصًا خط بين يديه خطًّا أو بسط مصلي، لما روى عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئًا، فإن لم يجد فلينصب عصا، فإن لم يكن معه عصا فليخط خطًا، ثم لا يضره ما مر بين يديه"(2)، وذكر الإمام والغزالي أن الخط لا يكفي لأن الشافعي مال إليه في القديم، ولكن رواه في الجديد ثم خط عليه، ولأنه لا يظهر. انتهى ملخصًا.
والسارية هي العمود ونحوه، ومؤخرة الرحل بسكون الهمزة، وكسر الخاء المعجمة، سبق الكلام عليها في استقبال القبلة.
إذا علمت ذلك ففيه أمور:
(1) أخرجه البخاري (487) ومسلم (505).
(2)
أخرجه أبو داود (689) وابن ماجه (943) وأحمد (7386) وابن خزيمة (811) وابن حبان (2361) و (2376) والطيالسي (2592) والبيهقي في "الكبرى"(3279) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
قال الدارقطني: لا يثبت.
كما ضعفه سفيان بن عيينة والشافعي والبغوي والألباني وغيرهم.
أحدها: أن هذا الترتيب الذي ذكره في السترة قد تابعه عليه في "الروضة"، لكنه خالفه في "المنهاج" فخير بين الجميع فقال: ويسن للمصلى إلى جدار أو سارية أو عصا مغروزة أو بسط مصلي أو خط [قبالته](1) دفع المار.
وخالفهما في "التحقيق" فقال: فإن عجز عن سترة بسط مصلي، فإن عجز خط خطًّا على المذهب. هذه عبارته، فرتب حتى بين الخط والمصلى وذكر نحوه في "شرح مسلم" وزاد فقال نقلًا عن الأصحاب: فإن لم يجد عصا ونحوها جمع أحجارًا أو ترابًا أو متاعًا، وإلا فليبسط مصلى، وإلا فليخط خطًّا.
وعبارة "المحرر": إذا استقبل المصلى جدارًا أو سارية أو غرز في الصحراء بين يديه خشبة أو بسط مصلى أو خط خطًّا. هذه عبارته.
ولا شك أن ما اقتضاه كلام الرافعي من أن شرط الخشبة المغروزة والمتاع الموضوع فقدان الشاخص، لم يرد به حقيقته، وإنما جرى ذلك على سبيل الغالب من أحوال المسافرين في عدم الجدار ونحوه.
وأما الخط والمصلي فالحق أنهما في مرتبة واحدة لأن المصلي لم يرد فيه خبر ولا أثر، وإنما أخذوه بالقياس على الخط بجامع أنه [علامة، فكيف يكون مقدمًا عليه، ولهذا قال في "الإقليد": الحق أن](2) مذهب الشافعي أن الخط لا يكفي، قال: ومن يقول بالاكتفاء فيكون هو والمصلي في درجة واحدة، وما عزاه إلى مذهب الشافعي سببه ما اشتهر أن الاكتفاء به نص عليه في القديم، وأنه نص في "البويطي" على أنه لا يكفي، لكن قد نص في "سنن حرملة" على استحبابه، وممن نقله عنه النووي في "الروضة" وغيرها، وهو من الكتب الجديدة.
[الأمر الثاني: لم يبين هيئة الخط، وقد اختلفوا فيه فقيل: يجعل مثل
(1) سقط من أ.
(2)
سقط من ب.
الهلال، وقيل: يمد يمينًا وشمالًا، وقيل: طولًا إلى جهة القبلة، واختاره في "الروضة"] (1).
الأمر الثالث: أن الرافعي قد سكت عن قدر المصلي والخط والقياس أنهما كالشاخص.
[الرابع: ](2) أن ما ذكره عن الغزالي من عدم الاكتفاء بالخط هو كذلك في "الوسيط" و"الوجيز"، ولكنه قد ذكر بعد ذلك في "الخلاصة" أنه يكفي، وذكر في "الإحياء" ما يدل عليه فقال: وليكن نظره محصورًا على مصلاه الذي يصلي عليه، فإن لم يكن مصلى فليقرب من جدار أو ليخط خطًّا، فإن ذلك يقصر مسافة البصر، ويمنع تفرق الفكر. هذه عبارته، وإن كان قد ساقه لمعنى آخر.
والحديث الذي ذكره الرافعي رواه أبو داود، وصححه الإمام أحمد وابن المنذر وابن حبان، وقال البيهقي: لا بأس به في مثل هذا الحكم إن شاء الله تعالى.
وضعفه الدارقطني وغيره، وجزم به في "الروضة".
قوله: وإذا وجدت السترة المذكورة حرم المرور في أظهر الوجهين لأنه صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لو يعلم المار [بين يدي المصلي [ما] (3) عليه من الإثم لكان أن يقف أربعين خيرًا [له] (4) من أن يمر] (5) بين يديه. . . ." والإثم إنما يلحق بالحرام. انتهى.
والحديث مذكور في "الصحيحين"(6).
وأما التصريح بقوله: "من الإثم" ففي بعض روايات أبي ذر عن أبي
(1) سقط من ب.
(2)
في أ: الواقع.
(3)
في جـ: ماذا.
(4)
سقط من أ.
(5)
سقط من أ.
(6)
البخاري (488) ومسلم (507).
الهيثم في "صحيح البخاري" وذهل ابن الصلاح عن هذه [الروايات](1) فقال في "مشكل الوسيط": وليس في الحديث لفظ "الإثم" صريحًا.
لكن ترجم البخاري وغيره عليه بباب: إثم المار وتابعه أيضًا النووي على هذا الذهول فقال في "شرح المهذب" عقب ذكر أصل الحديث: وفي رواية رويناها في "كتاب الأربعين" للحافظ عبد القادر الرهاوى: "ماذا عليه من الإثم".
قوله في "الروضة": وللمصلي حينئذ أن يدفعه ويضربه على المرور وإن أدى إلى قتله. انتهى.
وتعبيره بقوله: "وللمصلي" ذكر الرافعي نحوه، وفيه أمران:
أحدهما: أنه يشعر بأن الدفع مباح لا مستحب وليس كذلك، فقد جزم الرافعي في "المحرر" و"الشرح الصغير" باستحبابه وكذلك النووي في "المنهاج" وغيره، ونقله في "شرح المهذب" عن الأصحاب بل لقائل أن يقول: لم لا يجب عليه الدفع فإن المرور محرم وهو قادر على إزالته، وإزالة المنكر واجبة، وليس كدفع الصائل حتى تخرج على الخلاف، فإنهم إنما لم يوجبوا ذلك على وجه لقوله عليه الصلاة والسلام:"كن عبد الله المقتول، ولا تكن عبد الله القاتل"(2).
واعلم أن هذا الذي جزم به من جواز ذلك، وإن أدى إلى القتل، نقله الرافعي عن "الكافي" للروياني، وحكى الماوردي وجهًا، وصححه أنه مضمون، ولابد في الدفع [فقط](3) من مراعاة الأسهل فالأسهل كما في
(1) في جـ: الرواية.
(2)
أخرجه أحمد (21101) والطبراني في "الكبير"(3630) وأبو يعلى (7215) وابن أبي شيبة (7/ 555)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(283) من حديث عبد الله بن خباب عن أبيه مرفوعًا.
وفي الباب عن خالد بن عرفطة، والحديث صحيح.
(3)
سقط من أ.
الصائل، كذا نبه عليه في "شرح المهذب" وهو واضح.
الثاني: أن غير المصلي لا يكون حكمه كذلك، والمتجه إلحاقه به فيه وعبروا "بالمصلي" نظرًا إلى الغالب.
قوله: وإذا لم تكن سترة أو كانت وتباعد عنها أكثر من ثلاثة أذرع، لم يكن له الدفع في أظهر الوجهين لتقصيره.
ورواية الصحيح مقيدة بما إذا صلى إلى السترة والمطلق محمول على المقيد.
قال في "الروضة": ولا يحرم المرور حينئذ، ولكن الأولى تركه. انتهى.
فيه أمور:
أحدها: أنه لا يجوز المرور في هذه الحالة في حريم المصلى وهو قدر إمكان السجود، كذا نبه عليه الخوارزمي في "الكافي".
وقياسه جواز الدفع.
الثاني: أن ما ذكره من أن تركه خلاف الأولى قد خالفه في "التحقيق" و"شرح مسلم" فجزم فيهما بالكراهة.
الثالث: أن ما ذكره من كون المطلق محمولًا على المقيد، إشارته إلى الحديثين المذكورين في أول الفصل.
إذا علمت ذلك فاعلم أن هذا ليس من باب حمل المطلق على المقيد بل الصلاة إلى سترة بعض أفراد الصلاة الداخلة في الحديث الذي لم يذكر فيه السترة، وذكر بعض أفراد العموم لا يقتضي التخصيص على المشهور عند الأصوليين.
نعم الحديث الثاني وهو قوله: "إذا صلى أحدكم إلى شئ يستره. ." إلى آخره. قد وقع فيه التقييد بالسترة في الجملة الواقعة شرطًا
فيدل بمفهومه على أنه لا يجوز الدفع إذا صلى لغير سترة، وتخصيص المنطوق بالمفهوم جائز على الصحيح.
قوله: وحكى صاحب "البيان" عن المسعودي أن الخط كالسترة في امتناع المرور، وولاية الدفع. انتهى.
والمراد بالمسعودي هنا، وفي كل موضع نقل عنه صاحب "البيان" إنما هو الفوراني، وسببه أن "الإبانة" له -أى: للفوراني- وقعت في إقليم اليمن منسوبة إلى المسعودي، فاغتر به صاحب "البيان" من جملة من اغتر فاعلم ذلك.
وقد نبه عليه ابن الصلاح في ["الطبقات"](1) وغيرها، ونقله عنه ابن خلكان أيضًا في "تاريخه".
قوله: قال إمام الحرمين: والنهي عن المرور، والأمر بالدفع محله إذا وجد المار سبيلًا سواه، فإن لم يجد وازدحم الناس فلا نهى عن المرور، ولا يشرع الدفع، وتابعه الغزالي عليه، وفيه إشكال لأن البخاري روى في "صحيحه"(2) ما يخالفه، وهو ما رواه عن أبي [صالح] (3) السمان قال: رأيت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه في يوم الجمعة يصلي إلى سترة، فأراد شاب أن يمر بين يديه فدفعه أبو سعيد في صدره، فنظر الشاب فلم يجد مساعًا إلا بين يديه فعاد ليجتاز فدفعه أبو سعيد أشد من الأولى، فلما عوتب في ذلك روى الحديث الذي قدمناه في أول الفصل، وأكثر الكتب ساكتة عن تقييد المنع.
قال في "الروضة" من زياداته: الصواب أنه لا فرق بين وجود السبيل وعدمه، فحديث البخاري صريح في المنع، ولم يرد شئ يخالفه، ولا في كتب المذهب لغير الإمام. انتهى ما قالاه.
(1) في جـ: طبقاته.
(2)
حديث (487).
(3)
سقط من جـ.
وفيه أمور:
أحدها: أن الإمام رحمه الله لم يذكر هذا التقييد من قبل نفسه، بل صرح بنقله عن الأئمة.
الأمر الثاني: أن الرافعي قد نقل أنه يجوز المرور بين يدي الصف الثاني لسد الفرجة التي في الصف الأول وعلله بتقصيرهم، ويؤخذ من ذلك أن المصلي إذا كان منسوبًا إلى التقصير بالصلاة في المكان لا يكره المرور بين يديه، وذلك كما إذا صلى في قارعة الطريق، كذا نبه عليه في "الكفاية" وهو واضح، وحينئذ فيصح حمل كلام [الإمام](1) على هذه الصورة التي لابد من استثنائها.
وأما التعميم كما يوهمه كلام الرافعي، فلا سبيل إليه.
الأمر الثالث: أن ما ذكراه من أن الحديث صريح، ليس كذلك لأن الحجة إنما هي في كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وليس في الحديث تصريح بالتعميم، بل هو مطلق يحتمل أن يراد به [حالة](2) وجود سبيل آخر فإنه القياس، لاسيما أن العام في الأشياء مطلق في أحوالها.
وأما إدخال هذه الصورة فإنه من اجتهاد الراوي، وإنما يرجع إلى الراوي في التفسير ونحوه لا فيما نحن فيه وأمثاله.
قوله من "زوائده": وإذا صلى إلى سترة فالسنة أن يجعلها مقابلة ليمينه أو شماله، ولا يصمد لها. انتهى.
والصمد هو القصد، يقال: صمد له يصمد -بالضم علي وزن قعد يقعد- إذا جعله تلقاء وجهه.
وأطلق الصمد على الله تعالى لأنه الذي يقصد بالعبادة والطلب.
وعبر في "شرح المهذب" بالحاجب الأيمن والأيسر، والدليل على هذا الحكم ما رواه المقداد بن الأسود قال: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى
(1) سقط من جـ.
(2)
سقط من أ.
عود، ولا إلى عمود ولا شجرة إلا جعله على حاجبه الأيمن أو الأيسر، ولا يصمد له" (1).
رواه أبو داود ولم يضعفه، لكن قال البيهقي: تفرد به الوليد بن كامل، وقد قال البخاري: عنده عجائب.
قوله: ولو أكل ناسيًا أو جاهلًا بالتحريم، فإن كان قليلًا لم تبطل، وإن كان كثيرًا فوجهان:
أصحهما: البطلان، هكذا ذكره الأئمة وجعلوه كالكلام في الصلاة ناسيًا، والأكل في الصوم ناسيًا، ولم يجعلوه كسائر الأفعال في الصلاة إذ الجمهور على أن الفعل لا فرق فيه بين العمد والسهو على ما تقدم. انتهى كلامه.
فيه أمور:
أحدها: أنه لم يفصل هنا بين أن يكون قريب عهد بإسلام ونحوه، وهو الناشئ في البادية وبين أن لا يكون كذلك.
وقد ذكر -أعني: الرافعي- هذا التفصيل في نظير المسألة، وهو الأكل في الصوم جاهلًا بتحريمه وسأذكر لفظه هناك -إن شاء الله تعالى- لهذا الغرض ولغيره مما يتعلق بمسألتنا فراجعه.
الأمر الثاني: أنه أشار بقوله: "هكذا ذكر الأئمة. . . ." إلى آخره، إلى أن الكثير من الكلام والأكل على سبيل النسيان أو الجهل.
وإن كان الأصح فيه أن يكون مبطلًا كما في الفعل الكثير نسيانًا إلا أن الجمهور قطعوا به في الفعل، وحكوا في [الباقي](2) وجهين. هذا من
(1) أخرجه أبو داود (693) وأحمد (23871)، والطبراني في "الكبير"(20/ 259) حديث (610) والبيهقي في "الكبرى"(3285) و (3286).
قال الألباني: ضعيف.
(2)
في أ: الكافي.
كلامه فتفطن له.
الأمر الثالث: أن النووي رحمه الله قد رجح في "التحقيق" أن الفعل الكثير سهوًا لا يضر فقال: إنه المختار لحديث ذي اليدين، وصححه في "التتمة"، وحكى في "الذخائر" طريقة قاطعة [به](1).
قوله: ولو أكل الصائم كثيرًا ناسيًا، فإن لم تبطل الصلاة بالكثير فالصوم أولى.
وإن أبطلنا الصلاة ففي الصوم وجهان، ووجه الصحة أن الصوم ليس فيه أفعال منظومة حتى نفرض انقطاعها، وإنما هو الكفاف مجرد النهي.
وما ذكره من كون الخلاف مرتبًا قد خالفه في الصوم فجعله مبنيًا وسأذكر لفظه هناك إن شاء الله تعالى فراجعه.
خاتمة: قوله: لنا: إن النبي صلى الله عليه وسلم ربط ثمامة بن أثال في المسجد (2). انتهى (3).
ثمامة وأثال بضم أولهما وبالثاء المثلثة.
قال الجوهري: الثمام بضم الثاء المثلثة نبت ضعيف له خوص أو شبيه بالخوص، الواحدة ثمامة وبه سمى الرجل.
قال: وأثال بضم الهمزة، وفتح الثاء المثلثة اسم جبل، قال: وبه سمى الرجل، والحديث المذكور صحيح.
قوله: فإن كان الكافر جنبًا فهل يمنع من المكث فى المسجد؟ فيه وجهان:
أصحهما: لا. والكافرة الحائض تمنع حيث تمنع المسألة لأن المنع منه لخوف التلوث. انتهى كلامه.
(1) سقط من أ.
(2)
أخرجه البخاري (450) ومسلم (1764) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
في جـ: انتهى.
وما ذكره من منع الكافرة الحائض من المكث قد صرح بخلافه في كتاب اللعان، وسنقف على لفظه هناك، وتبعه النووي في "الروضة" على الموضعين والمعروف: المنع، وبه جزم في أوائل الحيض من "شرح المهذب" وبالغ فادعى أنه لا خلاف فيه.
قوله: وكذا الصبيان والمجانين يمنعون من دخوله. انتهى.
تابعه في "الروضة" عليه وهو يقتضي تحريم إدخالهم كالذي قبله، وليس كذلك مطلقًا، بل إن غلب تنجيسهم له وجب منعهم، وإلا فلا، كذا ذكره في أوائل الشهادات من زوائده.
وأطلق في باب ما يوجب الغسل من "شرح المهذب" أنه يجوز مع الكراهة، وستأتي المسألة أيضًا في الشهادات.
قوله من زياداته: والبصاق في المسجد خطيئة فإن خالف فبصق فقد ارتكب النهي، ويكره غرص الشجر فيه، فإن غرس قطعه الإمام.
قال الصيمري: ويكره حفر البئر فيه، ويكره عمل الصنائع فيه، ولا بأس بالأكل والشرب والوضوء إذا لم يتأذ به الناس. انتهى.
وهو مشتمل على مسائل:
الأولى: البصاق في المسجد وإنما عبر بكونه خطيئة ولم يصرح بحرمته ولا كراهته لأن الحكم ليس مذكور في الكتب المتداولة غالبًا، ولذلك لم يذكره الرافعي ولا ابن الرفعة أيضًا، فعبر بالخطيئة لأنه لفظ الحديث.
وقد تتبعت ذلك فوجدت الأصحاب قائلين بالكراهة كذا صرح به المحاملي في "التجريد" و"المقنع" بعد الكلام على ستر العورة، وسليم الرازي في "التقريب" و"المجرد" في الموضع المذكور أيضًا، وأبو العباس الجرجاني في كتابه "الشافي" وأبو المحاسن الروياني في "البحر"، وأبو الخير اليمني في "البيان"، وقد ذكر النووي في باب ما يفسد الصلاة من
"شرح المهذب" و"التحقيق" أنه حرام وكأنه تمسك بظاهر لفظ الحديث.
المسألة الثانية: غرس الشجر في المسجد والحكم بكراهته، قد رأيته أيضًا في "شرح الكفاية" للصيمري وهو مشكل، بل ينبغي تحريمه، فإن البقعة مستحقة للصلاة، وقد صحح الرافعي في الصلح أنه يحرم غرس شجرة أو نصب دكة في الطريق الواسع وتبعه هو عليه -أعني: النووي- وعلله الرافعي بأن الموضع مستحق للمشي، وقد أشغله، وهذا بعينه موجود هنا.
وقد جزم البغوي في "فتاويه" بتحريم الغرس كما ذكرته بحثًا، ذكر ذلك في كتاب الوقف، وجزم به أيضًا القاضي الحسين في "تعليقه" في أواخر باب الصلاة بالنجاسة فقال: فرع: لا يجوز للرجل أن يغرس في المسجد غرسًا، ولا أن يحفر فيه بئرًا أو حوضًا، ولا أن يبني فيه منارة، ولا أن يضرب فيه اللبنات ويضعها في زاوية منه، أو يجمع الحشيش في موضع منه لأن هذه الأشياء تشغل موضع الصلاة، وقيل: إن اتخاذ المنارة أخف لأنه يمكن الصلاة على رأس المنارة بخلاف حفر البئر، ونحوه.
وهكذا لا يجوز الاستطراق في المسجد من غير غرض صحيح له فيه، ولو اتخذ سردابًا تحت المسجد ليسكن فيه من حر الشمس جاز، لأنه يمكن الصلاة فيه. هذا كلام القاضي الحسين.
وهو مشتمل على نفائس وهو الصواب.
ثم إن ما ذكره إنما يتخيل عند فقدان الضيق، فإن ضيق على المصلين فلا سبيل إلى غير التحريم وقد ذكر ذلك في الباب الرابع في موجب الدية مع تفصيل آخر يخالف المذكور هنا، فإنه تكلم أولًا على الحفر في الشارع فذكر ما حاصله أن الحفر فيه يمتنع عند الضرر مطلقًا، فإن لم يضر جاز لمصلحة عامة سواء أذن الإمام أم لم يأذن، ويجوز لفرض نفسه بإذن الإمام،
ثم ذكر بعده أن الحفر في المسجد مثله فقال: فرع: الحفر في المسجد كالحفر في الشارع. هذه عبارته.
فعلم أن فيه أيضًا هذا التفصيل.
المسألة الثالثة: في قطع هذه الشجرة، وما جزم به من جواز ذلك.
قد نقل القاضي حسين في كتاب الاعتكاف عن الأصحاب عكسه فقال نقلًا عنهم: إنه لا يجوز ذلك لأنها صارت ملكًا للمسجد.
المسألة الرابعة: حفر البئر والكلام فيها كالكلام في الغرس.
المسألة الخامسة: عمل الصنائع، وليس الأمر كما أطلقه فيها من الكراهة، بل محله إذا كثر، فإن لم يكثر فلا يكره اللهم إلا إذا قعد لذلك، كذا صرح به في كتاب الاعتكاف، بخلاف البيع والشراء، فإنه قد صحح كراهته مطلقًا، ونقله عن نصه في "البويطي" على خلاف ما جزم به الرافعي من كراهة الكثير دون القليل.
نعم نص في القديم "والأم" على عدم كراهتهما مطلقًا.
كذا رأيته في كلام جماعة منهم المحاملي في كتاب "القولين والوجهين" أيضًا، فإطلاقه كراهة الصنعة ينبغي أن يحمل على تفصيل ذكره الشيخ عز الدين بن عبد السلام في "الفتاوى الموصلية" فقال: لا يجوز أن يعمل فيه صنعة خسيسة تزري به فقال: وأما الكتابة وغيرها مما لا يزري فإنه إنما يجوز بشرط أن لا يبتذل ابتذال الحوانيت على أن الرافعي قد ذكر في إحياء الموات ما يشعر بتحريم الجلوس لكل ما سبق فإنه قال: الجلوس في المسجد للبيع والشراء والحرفة ممنوع منه إذ حرمة المسجد تأبى اتخاذه حانوتًا. هذا كلامه.
وعجب من ابن الرفعة في هذه المسألة حيث لم يطلع على كلام الرافعي في شيء من هذه المواضع ولا على نص الشافعي فإنه قال في كتاب البيع
من "المطلب": البيع في المسجد منهي عنه لحديث في الترمذي، ولم أر لأصحابنا تعرضًا لهذا الفرع وأصول الشافعي تقتضيه لذكره هو وأصحابه إنشاد الضالة فيه، وهي جلب فائت وذلك بالتحصيل أليق. هذا كلامه.
المسألة السادسة: الوضوء في المسجد، وحكمه عليه بالجواز عند عدم التأذي يخالف ما نقله في الاعتكاف، فإنه نقل هو والرافعي عن "التهذيب" أنه لا يجوز نضح المسجد بالماء المستعمل لأن النفس قد تعافه، وأقراه على ذلك.
ورأيت الجزم به أيضًا في "الكافي" للخوارزمي. والحق ما ذكره في هذا الباب فقد ذكر مثله في "شرح مسلم" في حديث الأعرابي الذي بال في المسجد، وكذلك في "شرح المهذب" في باب الاعتكاف وفي أثناء الفصل المعقود لأحكام المساجد أيضًا وهو في باب الغسل فقال: صرح صاحب "الشامل" و"التتمة" في باب الاعتكاف بجواز الوضوء في المسجد.
ونقل ابن المنذر إباحته عن كل من يحفظ عنه العلم.
وأما الذي قاله البغوي فضعيف. انتهى.
وليس للمسألة ذكر في "الشرح الصغير".