الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث في كيفية إقامة الجمعة
قوله: ولو أحدث بعد الغسل لم يبطل الغسل فيتوضأ. انتهى.
وكذلك أيضًا لو أجنب بجماع أو غيره لا يبطل الغسل، فيغتسل للجنابة، وقد نبه عليه النووي في "زيادات الروضة" و"شرح المهذب".
قوله: فمنها -أى من الأغسال المسنونة- اغتسال الحج. . . إلى آخره.
أهمل هو والنووي هاهنا أغسالًا مستحبة منها الغسل للاعتكاف، نص عليه الشافعي، كذا رأيته في كتاب "اللطيف" لابن خيران الصغير، وهو أبو الحسن البغدادي، وليس بأبي على بن خيران المشهور.
وهذا الكتاب قد نقل عنه الرافعي في كتاب العدد وفي غيره، ومنها الغسل لكل ليلة من رمضان كما رأيته في "طبقات الفقهاء" للعبادي نقلًا عن الحليمي، وهو كتاب كثير الغرائب، ومنها الغسل لحلق العانة كما رأيته في [لباب](1) المحاملي "ورونق" أبي حامد، ولبلوغ الصبي كما رأيته في "الرونق"، ومنها الغسل لدخول المدينة، ودخول الحرم كما رأيته في "كتاب الخصال" لأبي بكر الخفاف وصرح النووي أيضًا في مناسكه بالاستحباب للمدينة، ومنها الغسل في الوادي عند سيلانه كما ذكروه في الاستسقاء.
ومقتضى كلامهم أن هذا الغسل وأمثاله لا يشترط فيه النية، وهو متجه.
قال في "الروضة": قال أصحابنا: يستحب الغسل لكل اجتماع،
(1) في أ: كتاب.
وفي كل حال يغير رائحة البدن، وأما الغسل لدخول الكعبة فقد نقل في "النهاية" هنا استحبابه عن صاحب "التلخيص"، والنقل المذكور غلط، كما أوضحته في كتاب "الهداية إلى أوهام الكفاية" فراجعه.
قوله: وأما الغسل من غسل الميت ففيه قولان: القديم: أنه واجب. انتهى.
وحكاية هذا القول عن القديم ذكره جماعة منهم الرافعي والنووي وابن الرفعة في كتبهم، وليس كذلك، بل هو جديد فقد نقله المزني عن الشافعي وهو من أجل رواته في الجديد، كذا جزم بنقله عنه في مختصره الذي سماه "نهاية الاختصار من قول الشافعي"، وهو مختصر لطيف غريب، وتاريخ فراغ النسخة التي ظفرت بها سنة ثمان وأربعمائة.
قوله في المسألة: وعلى الجديد غسل الجمعة [والغسل من غسل الميت آكد الأغسال المسنونة، وأنهما آكد فيه قولان:
الجديد: الغسل من غسل الميت للاختلاف في وجوبه بخلاف غسل الجمعة] (1).
والقديم: الغسل للجمعة أفضل وهو الراجح عند الأكثرين. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن ما ادعاه من عدم الخلاف في أن غسل الجمعة مستحب لا واجب قد وافقه عليه النووي وابن الرفعة وغيرهما، وليس كذلك فقد ذهب الشافعي في كتاب "الرسالة" إلى وجوبه فإنه ذكر قوله عليه الصلاة والسلام:"غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم"(2).
(1) سقط من أ.
(2)
أخرجه البخارى (820) ومسلم (846) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.
وقوله: "من جاء منكم الجمعة فليغتسل"(1)، ثم قال عقبهما ما نصه: قال محمد بن إدريس: وكأن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في غسل يوم الجمعة واجب، وأمره بالغسل يحتمل معنيين، الظاهر منهما أنه واجب، فلا تجزئ الطهارة لصلاة الجمعة إلا بالغسل كما لا يجزئ في طهارة الجنب غير الغسل، ويحتمل أنه واجب في الاختيار وكريم الأخلاق والنظافة. هذا لفظه بحروفه ومن كتاب "الرسالة" نقلت، وهو من الكتب الجديدة فإنه من رواية الربيع، ثم استدل الشافعي للاحتمال الثاني بقصة عثمان لما دخل وعمر يخطب، وأخبر بأنه لم يزد على الوضوء، ولم يأمره بالرجوع إلى الغسل.
وقد استفدنا من كلام الشافعي المتقدم أن الغسل شرط لصحة الجمعة فاعلمه، وهذا الذي نقلناه مذكور قبيل باب النهى عن معنى دل عليه معنى من حديث غيره، وهو نحو نصف الكتاب، ورأيت أيضًا في شرح عتبة بن شريح لأحد تلامذة القفال حكاية قولين فيه، وأن القديم هو الوجوب فقال قبل التيمم بنحو صفحة ما نصه: الغسل للجمعة عندنا سنة مؤكدة.
وقال بعض أهل الحديث: واجب، وهو قوله القديم، وقول مالك. هذه عبارته، وتاريخ فراغ النسخة التي نقلت منها سنة سبع عشرة وخمسمائة.
فتلخص أن الوجوب منصوص عليه في القديم والجديد معًا.
الأمر الثاني: كيف يستقيم أن يكون الغسل من غسل الميت واجبًا على القديم مع كون غسل الجمعة الذي هو سنة آكد منه على هذا القول أيضًا؟ وهذا السؤال متجه على "الروضة".
وأما الرافعي فإنه لما استشعر اختلافًا في هذا الكلام احتال في الشرحين على دفعه بإثبات قولين في القديم، وسببه عدم اطلاعه على الخلاف الذي نقلناه في وجوب غسل الجمعة، وبعد ثبوته استقام الكلام.
قوله من "زياداته": الصواب الجزم بترجيح غسل الجمعة لكثرة الأخبار
(1) أخرجه البخاري (837) ومسلم (844) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
الصحيحة فيها، وأما الغسل من غسل الميت فلم يصح فيه شئ. انتهى.
قال الماوردي في "الحاوي": خَرَّجَ بعض المحدثين لصحة الحديث الوارد في غسل الميت مائة وعشرين طريقًا. وأما ما استدل به النووي فقد أجاب عنه الشيخ أبو حامد في "التعليق" فقال: ولا شك أن هذا متردد بين أن يصح فنقول بوجوبه، وبين أن لا يصح فيكون على الاستحباب، والمتردد بين فرض وندب آكد من المندوب بكل حال، فصارت صحة هذا مقتضية لما اقتضى ذلك مع ضعفه لأنا لا نقول إلا بالندبية في غسل الجمعة مع ثبوت صحته، ولا ننفي الندبية عن غسل الميت على تقدير ضعفه، بل نثبتها فساوى ضعف هذا صحة ذاك، وبقى احتمال الصحة سالمًا عن المعارض، والأحاديث المشار إليها وهى "من غسل واغتسل"(1) ونحوها قد رويت بتخفيف السين من غسل قال الصيدلاني في "شرح المختصر". أشار بذلك إلى الوضوء والغسل.
قوله: ومنها الغسل من الحجامة والخروج من الحمام، ذكر صاحب "التلخيص" عن القديم استحبابهما والأكثرون لم يذكروهما. قال صاحب "التهذيب": قيل المراد بغسل الحمام إذا تنور -أى استعمل النورة- لإزالة الوسخ والشعر.
قال: وعندي أن المراد به أن يدخل الحمام فيعرق فيستحب أن لا يخرج من غير غسل. انتهى.
قال في "الروضة": وقيل الغسل من الحمام هو أن يصب عليه ماء عند إرادته الخروج تنظفًا كما اعتاده الخارجون منه.
قال: والمختار الجزم باستحباب الغسل من الحجامة والحمام، فقد
(1) أخرجه الترمذي (496) وابن ماجة (1087) وأحمد (16218) والطيالسي (1114) والطبراني في "الكبير"(581) وعبد الرزاق (5570) وابن أبي شيبة (1/ 433) وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(1573) وتمام في "الفوائد"(1530) من حديث أوس بن أوس الثقفي.
قال الترمذي: حسن.
وقال الألباني: صحيح.
نقل صاحب "جمع الجوامع" في منصوصيات الشافعي أنه قال: أحب الغسل من الحجامة والحمام، وكل أمر غيَّر الجسد، وأشار الشافعي إلى أن حكمته أن ذلك يغير الجسد ويضعفه، والغسل يشده وينعشه.
قوله في "أصل الروضة": والساعة الأولى أفضل ثم الثانية ثم الثالثة فما بعدها للحديث المعروف (1).
وتعتبر الساعات من طلوع الفجر على الأصح، وقيل: من طلوع الشمس، وقيل: من الزوال.
ثم ليس المراد على الأوجه كلها بالساعات الأربع وعشرين، بل ترتيب الدرجات وفضل السابق على الذي يليه، لئلا يستوي في الفضيلة رجلان جاءا في طرفي ساعة. انتهى كلامه.
وهذا الذي جزم به في تفسير الساعات قد جزم بما يخالفه في "شرح المهذب" فقال: المراد بالساعات الساعة المعروفة خلافًا لما قاله الرافعي، ولكن بدنة الأول أكمل من بدنة الثاني كما يقول في [السبع](2) والعشرين درجة أنها تترتب على مسمى الجماعة، ولكن درجات الأكثر جماعة يكون أكمل من الأقل. انتهى.
وذكر مثله في "شرح مسلم" أيضًا، وكلامه يوهم انفراد الرافعي بهذه المقالة، وهو عجيب، فإنها مشهورة بين أهل المذهب، وممن جزم بها الصيدلاني في "شرح المختصر" وهو الذي يعبر عنه ابن الرفعة بالداوودي تارة، وبابن داوود أخرى، فقال: ليس المراد بالساعات هي الساعات الزمنية، ولا الاقتصار على خمس درجات لا غير، وإنما أشار إلى تفضيل السابق على غيره، حتى أن الذي يأتي بعد المقرب للبيضة كالمقرب بقرة بالنسبة إلى من يقرب بدنة. هذا كلامه وهو حسن، وشارح للإجمال
(1) عند مالك (227) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
في أ: السابع.
الواقع في آخر هذه المسألة من كلام الرافعي "والروضة".
وحكى أيضًا في الشرح المذكور الأوجه الثلاثة السابقة في أول الساعات، ثم حكى معها وجهًا رابعًا ذهب إليه صاحب "التقريب" أن أولها من ارتفاع النهار وهو عند الضحى، قال: لأنه وقت الهاجرة.
وقد ورد في رواية المهجر إلى الجمعة عوضًا عن التعبير بالرواح، وحكى عن العرب أنهم يقولون: راح فلان إلى كذا أى سار إليه سيرًا خفيفًا سواء كان قبل الزوال أو بعده.
قوله: ولا بأس للعجائز بحضور الجمعة إذا أذن أزواجهن ويحترزن عن التطيب والتزين، فذلك أستر لهن. انتهى.
هذه المسألة ذكرها في "الروضة" بعد هذا بدون ورقة ووافقه في "الروضة" على هذه العبارة، وهو يقتضى أن ذلك لا يستحب، ولا يكره، ولكنهما صرحا في باب صلاة العيدين باستحباب الخروج لهن.
قوله: ويستحب أن يقرأ في الأولى بعد الفاتحة سورة الجمعة وفي الثانية المنافقون، ثم قال: وينبغي أن يعلم كلام الغزالي بالواو لأن الصيدلاني نقل عن القديم أنه يقرأ في الأولى سبح، وفي الثانية هل أتاك حديث الغاشية. انتهى.
اعترض النووي على هذا الكلام في "شرح المهذب"، "وزيادات الروضة" فقال: عجب من الإمام الرافعي كيف جعل المسألة ذات قولين: قديم وجديد؟ والصواب أنهما سنتان، فقد ثبت ذلك في "صحيح مسلم"(1) من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يقرأ هاتين في وقت، وهاتين في وقت.
[قال](2): ومما يؤيد ما ذكرته أن الربيع وهو راوي الكتب الجديدة
(1) حديث (465) من حديث جابر رضي الله عنه.
(2)
سقط من ب.
قال: سألت الشافعي رحمه الله عن ذلك فقال: إنه يختار الجمعة والمنافقين، ولو قرأ سبح وهل أتاك كان حسنًا.
قوله في "أصل الروضة": فرع:
ينبغي للداخل أن يحترز عن تخطي رقاب الناس إلا إذا كان إمامًا، أو كان بين يديه فرجة لا يصلها بغير تخطٍ. انتهى كلامه.
فيه أمور:
أحدها: أنه لم يبين أن ذلك على سبيل الوجوب أو الندب وقد بينه الرافعي فقال: ومن المندوبات كذا.
وصرح به النووي في "شرح المهذب" هنا فقال: مذهبنا أنه مكروه.
وقال ابن المنذر: يحرم لأنه صح أنه عليه الصلاة والسلام قال للداخل: "اجلس فقد آذيت"(1).
الأمر الثاني: أن النووي قد رجح في كتاب الشهادات من "الروضة" أنه حرام فقال من "زياداته": المختار أن تخطي الرقاب حرام للأحاديث الصحيحة. انتهى.
ولفظ المختار في "الروضة" ليس هو الراجح من جهة الدليل فقط، بل ذلك اصطلاحه في "التحقيق" و"تصحيح التنبيه" بدليل أن الصواب في "تصحيح التنبيه" لما كان غلطًا لا خلاف فيه مع أنه كثيرًا ما يقول في "الروضة": الصواب، كذا المسألة صرح فيها بوجهين، وقد نص الشافعي
(1) أخرجه أبو داود (1118) والنسائي (1399) وأحمد (17710) وابن خزيمة (1811) وابن حبان (2790) والحاكم (1061) والبيهقي في الكبرى (5678) من حديث عبد الله بن بسر رضي الله عنه.
قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
وقال الذهبي: على شرط مسلم.
وقال الألباني: صحيح.
-رحمه الله على المسألة، وصرح بالتحريم، كذا رأيته في تعليق الشيخ أبي حامد في هذا الباب، ونقل عنه في موضع آخر من هذا الباب أنه مكروه، وعلله بالأذى وهو لا ينافي الأول، لأنه كثيرًا ما يطلق الكراهة على التحريم، لاسيما مع التعليل المذكور.
الثالث: أن إباحة التخطي للفرجة ليس على إطلاقه بل شرطه أن يكون في صف أو صفين، فإن انتهى إلى ثلاثة كان المنع باقيًا، وقد تقدم إيضاحه في صلاة الجماعة.
[قوله](1) من زياداته: والصواب في ساعة الإجابة ما ثبت في "صحيح مسلم" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هى ما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن تقضى الصلاة"(2) انتهى.
واعلم أنه ليس المراد أن ساعة الإجابة مستغرقة لما بين الجلوس وآخر الصلاة كما يشعر به ظاهر عبارته، بل المراد على هذا القول وعلى جميع الأقوال أيضًا أن تلك الساعة لا تخرج عن هذا الوقت فإنها لحظة لطيفة.
فقي "الصحيحين"(3) عند ذكره إياها وأشار بيده يقللها وفي رواية مسلم: "وهي ساعة خفية"(4).
وهذا الذي ذكرته قد جزم به القاضي عياض في "شرح مسلم"؛ وقال النووي في "شرح المهذب" وبعد نقله إياه عنه: إن الذي قاله صحيح.
قوله: يكره البيع بعد الزوال وقبل الصلاة. انتهى.
وغير البيع من الصنائع والعقود كالبيع في الكراهة، وقد نبه عليه في "الروضة" و"شرح المهذب" وغيرهما.
(1) سقط من أ.
(2)
أخرجه مسلم (853) وأبو داود (1049) وابن خزيمة (1739) من حديث أبي موسى رضي الله عنه.
(3)
البخاري (893) ومسلم (852) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
صحيح مسلم (852).
قوله: ولو تبايع اثنان أحدهما من أهل فرض الجمعة دون الآخر أثما جميعًا. انتهى.
اعلم أن هذه المسألة قد ذكرها كذلك الشيخ في "المهذب" وصاحب "التتمة" والروياني في "البحر" والمعروف أنه لا يأثم إلا من تلزمه الجمعة، كذا نص عليه الشيخ أبو حامد في "التعليق"، والبندنيجي في "تعليقه" أيضًا، وسليم في "المجرد" والمحاملي في "المقنع"، والماوردي في "الحاوي"، وأبو المكارم الروياني في "العدة" وهو مقتضى كلام الروياني في "الحلية"، ونقله الشيخ أبو حامد في "تعليقه" عن النص، فقال ما نصه: قال الشافعي: ولا يكره للعبيد والنساء إذا باعوا من لا جمعة عليهم، ولا يكره ذلك إذا باعه ممن عليه فرض الجمعة لأن فيه إعانة له على البيع، ولا يحرم عليه، وإنما يحرم على من يلزمه فرض الجمعة. انتهى كلامه.
ولا تغتر بما وقع هنا، وفي "شرح المهذب" للنووي.