الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرط الرابع: ترك الكلام
…
إلى آخره
اعلم أن النووي رحمه الله قد وافق في "الروضة" على [جعل](1) هذا من الشروط، وكذلك الكف عن غيره من المناهي كالأكل وغيره، وأنكر ذلك في "شرح الوسيط" المسمى "بالتنقيح" في باب الاجتهاد، وفي "التحقيق" في أواخر باب صفة الصلاة، وفي "شرح المهذب" في الموضع المذكور أيضًا فقال ما نصه: وضم الفوراني والغزالي إلى الشروط ترك الأفعال في الصلاة، وترك الكلام، وترك الأكل.
والصواب أن هذه ليست بشروط، وإنما هي مبطلات للصلاة كقطع النية، وغير ذلك، ولا يسمى شرطًا إلا عند الأصوليين، ولا عند الفقهاء. هذا كلامه.
قوله في "الروضة": ولو نطق بحرف ومده بعده فالأصح: البطلان.
والثاني: لا.
والثالث: قاله إمام الحرمين: إن أتبعه بصوت غُفل لا يقع على صورة المد لم تبطل، وإن أتبعه بحقيقة المد بطلت. انتهى كلامه.
وما ذكره من أن الإمام قد ذهب إلى هذا التفصيل غلط؛ فإن حاصل ما ذهب إليه الإمام هو البطلان مطلقًا، إلا أنه جازم بالبطلان عند حقيقة المد، ومصحح له عند الصوت الغفل، فإنه قال: وإن كان بعده صوت غفل موصولًا به قال الإمام: فقد كان شيخي يتردد فيه وهو لعمري محتمل، فإن الكلام حروف، والأصوات المرسلة من مباني الكلام، فالأظهر عندي أنه مع الحروف [كحرف مع حرف](2)، فإن الصوت الغفل مده، والمدات تقع ألفًا أو واوًا أو ياءً، وإن كانت إشباعًا بحركات معدودة.
(1) سقط من جـ.
(2)
سقط من أ.
وعندي أن شيخي لم يتردد فيها، وإنما يتردد في صوت غفل لا يقع على صورة المدات. هذا كلامه. وهو كما ذكرته لك، والذي أوقع النووي في هذا الغلط هو الرافعي، فإنه حكى وجهين، وجعل الأظهر البطلان، ثم قال: ومال إمام الحرمين إلى رفع هذا الخلاف بحمل الوجه الأول أي القائل بعدم البطلان على ما إذا أتبعه بصوت غفل لا يقع على صوت المد، والجزم بالمنع إذا أتبعه [بصوت غفل لا يقع على صوت المد، والجزم بالمنع إذا أتبعه بحقيقة المد](1). هذه عبارته.
فتعبيره بقوله: بحمل الوجه الأول، وبقوله: والجزم بالمنع] (2)، موافق لتعبير الإمام إلا أنه أخطأ في تعبيره برفع الخلاف.
وكان صوابه تخصيص الخلاف ثم إن النووي عبر عن تعبير الرافعي بما عبر فزاد المسألة خللًا، ووقع في صريح الغلط.
قوله أيضًا فيها: ولو تنحنح فبان منه حرفان بطلت في الأصح، وقيل: لا. وقيل: إن كان فمه منفتحًا بطلت، وإلا فلا، ثم قال في آخر الفصل ما نصه: وأما الضحك والبكاء والنفخ والأنين فإن بان منه حرفان بطلت وإلا فلا. انتهى كلامه.
وحاصله أن الأوجه الثلاثة التي في التنحنح لا تأتى في هذه الأشياء وقد صرح بذلك في "التحقيق" فقال: والضحك والبكاء والأنين والتأوه والنفخ ونحوها تبطل إن بان حرفان، وكذا التنحنح، وفي قول: لا، وقيل: إن أطبق فمه فلا. هذه عبارته.
وذكر مثلها في "شرح المهذب"، والذي ذكره خلاف ما يقتضيه كلام الرافعي فإنه قال عقب الأوجه في التنحنح ما نصه: والضحك والبكاء والأنين والنفخ كالتنحنح، إن بان منه حرفان بطلت صلاته، وإلا فلا. هذه عبارته.
(1) سقط من جـ.
(2)
سقط من ب.
وذكر في "الصغير" ما هو أظهر من ذلك فلما سوى بينهن وبين التنحنح ثم نص على ما عليه الفتوى اقتضى ذلك جريان الخلاف في الجميع وبه صرح في "المحرر" و"المنهاج" وصرح به أيضًا المتولي في "التتمة" إلا أنه حكى الخلاف قولين.
قوله: وحيث أبطلنا بالتنحنح فذلك إذا كان بغير عذر، فإن كان مغلوبًا فلا بأس. انتهى كلامه.
وهذا الذي أطلقه من عدم الإبطال عند الغلبة قد تابعه عليه في "الروضة" أيضًا.
وهو يقتضي أنه لا فرق بين أن يكون كثيرًا أو قليلًا، وكذلك كلامهما يقتضي عدم التفرقة أيضًا في المسألة الآتية، وهي التنحنح عند تعذر القراءة والجهر كما سنعرفه، إلا أن الرافعي ذكر بعد هذا في الكلام على الأعذار أن غلبة الكلام والضحك والسعال إن كثرت أبطلت على الصحيح، وضم إليها في "شرح المهذب" العطاس أيضًا.
وما ذكره في الضحك لا شك فيه، وبه صرح في "التنبيه" لأنه أشد منافاة للصلاة.
وأما التنحنح والسعال والعطاس فسواء بلا شك، فإما أن يقولا بعدم الإبطال في الجميع وهو الأقرب لأنه لا يمكن الاحتراز منه، أو بالإبطال فيها إذا كثرت، وهو بعيد لما ذكرناه.
قوله: ولو تعذرت القراءة إلا بالتنحنح تنحنح وهو معذور، ولو أمكنته القراءة لكن تعذر عليه الجهر لو لم يتنحنح لم يعذر في أظهر الوجهين لأنه سنة، وقيل: يعذر لإقامة شعار الجهر. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن ما ذكره من أن تعذر القراءة عذر قد تابعه في "الروضة"
على إطلاقه ويتجه أن يكون محله في القراءة الواجبة، أما المستحبة فإنها كالجهر، وقد صرح بالتقييد المذكور في "شرح المهذب" و"التحقيق" فقال: ولو تعذرت قراءة الفاتحة. هذه عبارته فيهما.
الأمر الثاني: أن كلامه في الجهر يقتضي عوده إلى القراءة خاصة، لكن كلامه في "المحرر" و"المنهاج" و"التحقيق" يقتضي جريانه في كل جهر مأمور به، فيدخل فيه الجهر بالقراءة الواجبة والمستحبة، والجهر بالقنوت، والجهر بتكبيرات الانتقالات حيث احتيج إليه في إسماع المأمومين إلا أن المتجه في القسم الأخير أنه عذر والمتجه فيما إذا حصل ذلك في أثناء قراءة السورة الجزم بأنه ليس بعذر، لأن علة ذلك الوجه إنما هي إقامة شعار الجهر، وقد حصل ذلك [بالبعض](1).
قوله: وتعذر [ذلك](2) في الكلام بأمور. . . . إلى آخره.
أهمل شيئين:
أحدهما: النذر فلم يعده من الأعذار، والمسألة فيها وجهان: أصحهما: أنه عذر، كذا صححه النووي في "شرح المهذب" فقال: الثانية: إذا نذر شيئًا في صلاته، وتلفظ بالنذر عامدًا هل تبطل صلاته؟ فيه وجهان حكاهما القاضي أبو الطيب في "تعليقه" في آخر باب استقبال القبلة في مسألة بلوغ الصبي في الصلاة:
أحدهما: وبه قال الداركي، وهو ظاهر كلام أبي إسحاق المروزى: لا تبطل، لأنه مناجاة لله تعالى، فهو من جنس الدعاء.
والثاني: تبطل لأنه أشبه بكلام الآدمي، والأول أصح [لأنه] (3) يشبه قوله: سجد وجهي للذي خلقه. هذا كلامه.
وفيه شيء ستعرفه في أول النذر يتعين الوقوف عليه.
(1) في أ: بالنقص.
(2)
سقط من جـ.
(3)
في جـ: لا.
وقياس ما ذكره النووي هنا حكمًا وتعليلًا أن يتعدى ذلك إلى الإعتاق والوصية والصدقة وسائر القرب المنجزة.
الأمر الثاني: إذا سلم ساهيًا ثم تكلم عامدًا فإن الصلاة لا تبطل كما ذكره الرافعي في كتاب الصيام في مسائل الجماع، ولم يتعرض هنا لكلام تؤخذ منه هذه المسألة، بل ذكر الجهل بتحريم الكلام، وقيده بقيد يؤخذ منه خلاف ما ذكره هناك فاعلمه.
قوله: ومنها الجهل بتحريم الكلام لما روي عن معاوية بن الحكم قال: لما رجعت من الحبشة [صليت](1) مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطس بعض القوم فقلت: يرحمك الله، فحدقني الناس بأبصارهم فقلت: ما شأنكم تنظرون إليَّ فضربوا بأيديهم على أفخاذهم يسكتونني فسكت، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يا معاوية إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شئ من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتهليل وقراءة القرآن"(2)، وهذا عذر في حق قريب العهد بالإسلام.
فإن كان بعيد العهد به بطلت صلاته لأنه مقصر بترك التعلم. انتهى كلامه.
وهو يقتضي أنه لا فرق في بعيد العهد بين أن ينشأ في بادية بعيدة أو لا، وقياس نظائره يقتضي إلحاق من نشأ في البادية المذكورة بقريب العهد، بل حكى الطبري شارح "التنبيه" وجهًا أن البعيد العهد يعذر أيضًا، إذا لم يكن ممن يخالط العلماء.
وأما "حدقني" الواقع في الحديث فهي بحاء مهملة ودال مخففة مهملة أيضًا بعدها قاف.
هكذا رواه أبو عوانة في "مسنده"(3)، والبيهقي في "سننه"،
(1) سقط من أ.
(2)
أخرجه مسلم (537) وأبو داود (930) والنسائي (1218) وأحمد (23813).
(3)
حديث (3165).
ومعناه أصابوني بحدقتهم كقولهم: عانه أي أصابه بالعين، وركبه البعير أصابه بركبته، وليس معناه نظرًا؛ إنما قالوا: حدّق بالتشديد إذا نظر إليه نظرًا شديدًا لكنه لازم غير متعدٍ، فيقال: حدق إليه، ولا يقال: حدقه.
والحديث المذكور أصله في مسلم، وإن كانت الألفاظ مختلفة.
قوله في "الروضة": ولو علم تحريم الكلام ولم يعلم أنه يبطل الصلاة لم يكن عذرًا.
ولو جهل كون التنحنح مبطلًا فهو معذور على الأصح لخفاء حكمه على العوام انتهى. كلامه.
وهو يوهم أن مسألة التنحنح مفروضة مع العلم بالحرمة كالمسألة السابقة وليس كذلك، فإن الغزالي ذكر المسألة في "الوسيط" بلفظ يوهم ذلك، ثم نقلها عنه الرافعي، ونفى الحمل عليه وقال: إن الحمل عليه بعيد، فإنه لا يظهر فرق مع التسوية في الحرمة والجهل، ثم قال: والأقرب شيئان:
أحدهما: تصوير ذلك بما إذا علم حكم الكلام وجهل [أن التنحنح ملحق به.
والثاني: بما إذا بعد عهده بالإسلام وجهل] (1) حكم التنحنح، فعلى رأى لا يعذر فيه كالكلام، وعلى رأى نعم لخفائه.
وأشار الرافعي بهذا الأخير إلى أنه لو كان قريب العهد بالإسلام لكان في الكلام يعذر بلا خلاف، فكيف يجئ التردد في التنحنح ولو كان بعيد العهد بالإسلام لم يعذر بذلك لتقصيره بترك التعلم.
قوله فيها أيضًا: ولو أكره على الكلام فقولان: أظهرهما: يبطل لندوره، وكما لو أكره على أن يصلي بلا وضوء أو قاعدًا، فإنه يجب الإعادة قطعًا. انتهى كلامه.
(1) سقط من أ.
فيه أمران:
أحدهما: أنه قد ذكر في أواخر التيمم من زوائده أيضًا ما يقتضي عكس المذكور هنا في الوضوء، فإن كلامه هنا يقتضي إيجاب القضاء، ولو كان مع البدل وهو التيمم، ويدل عليه القيام فإنه أوجب فيه القضاء مع إتيانه ببدله وهو القعود، وقد ذكرت لفظه هناك فراجعه.
الأمر الثاني: أن دعوى عدم الخلاف باطلة، ولو كان مع المنع من التيمم فللشافعي قول أن كل صلاة وجبت في الوقت لا يجب فيها الإعادة، وقواه في "شرح المهذب".
قوله: حكى في "البيان" عن الشيخ أبي حامد أن الكلام اليسير هو ثلاث كلمات، ونحوها، وعن ابن الصباغ أن اليسير هو القدر الذي تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث ذي اليدين، وكل واحد منهما للتمثيل أصلح منه للتحديد، والأظهر فيه، وفي نظائره الرجوع إلى العادة. انتهى.
وقد حذف النووي في "الروضة" مقالة الشيخ أبي حامد، ومقالة ابن الصباغ أيضًا، واقتصر على المقالة الثالثة وكأنه توهم مما قاله الرافعي أنهما مثالان، وليس كذلك، بل مراده أن التحديد بهما ليس بواضح على أن الأصحاب قد سلكوا مثل ذلك في مواطن كثيرة منها ما هو على الراجح، ومنها ما هو على وجه كدخول وقت الأضحية، ووقت الوقوف.
وحكى في "شرح المهذب" قولًا أنه ما لا يسع زمانه ركعة؛ ووجها أنه ما لا يسعه قدر تلك الصلاة.
قوله: وإذا ناب المأموم شيء في صلاته كما إذا رأى أعمى يقع في بئر، أو استأذنه إنسان في الدخول أو أراد إعلام غيره أمرًا، فالسنة أن يسبح إن كان رجلًا وأن يصفق إن كانت امرأة، ففي الحديث:"إذا ناب أحدكم شيء في صلاته فليسبح الرجال ولتصفق النساء"(1). انتهى.
(1) أخرجه البخاري (6767) من حديث سهيل بن سعد رضي الله عنه.
فيه أمران:
أحدهما: أن التنبيه قد يكون واجبًا كما في الأعمى ولو أدى إلى الكلام كما سيأتي.
وقد يكون مندوبًا، وقد يكون مباحًا كما قاله في "شرح المهذب" فالمندوب صورته أن يكون المنبه عليه مندوبًا، كمن هم بترك التشهد الأول، والمباح كالإذن في الدخول.
وإذا علمت الانقسام إلى هذه الثلاث، فإن حملت التنبيه في كلام المصنف على التفرقة بين الرجال والنساء فقط في الحكم المذكور لم يعرف منه كيفية التنبيه.
وإن حملته على التنبيه والتفرقة معًا كما هو ظاهر عبارة المصنف ورد قسم الواجب والمباح.
الأمر الثاني: أن كلامه ساكت عن حكم الخنثى والقياس أنه يصفق لاحتمال أن تكون امرأة فلا يأتي بالتسبيح جهرًا، وقد رأيت ذلك مصرحًا به في أحكام الخناثى المسمى "بالتحقيق" وهو للقاضي أبي الفتوح المعروف بابن أبي عقامة بفتح العين المهملة وبالقاف، ونقله عنه، في باب نواقض الوضوء من "شرح المهذب" من جملة ما نقله عنه ولقائل أن يقول: قد سبق أن المرأة تجهر خالية وبحضرة النساء، [والمحارم](1) فلم لا أجيز لها، والحالة هذه التسبيح، فإن صح لنا في المرأة ذلك لزم مثله في الخنثى؟
والحديث رواه الشيخان، لكن لا بهذا اللفظ.
قوله: والمراد من التصفيق أن تضرب بطن كفها الأيمن على ظهر كفها الأيسر، وقيل: هو أن تضرب أكثر أصابعها اليمنى على ظهر أصابعها اليسرى وقيل: تضرب أصبعين على ظهر الكف.
(1) في أ: والمحرم.
والمعاني متقاربة، والأول أشهر. انتهى كلامه.
تابعه عليه في "الروضة"، واعلم أن في معنى الكيفية التي رجحها الرافعي أن تعكس فتضرب ببطن الشمال على ظهر اليمين، وأن تضرب بظهر اليمين على بطن الشمال، وأن تعكس أيضًا.
وما وقع في كلام الرافعي وغيره من الاقتصار على بعض هذه الصور فإنه من باب المثال كما سلكه الماوردي وغيره، ولهذا عبر في "التحقيق" بقوله: تصفق بظهر كف على بطن أخرى ونحوه، لا بطن على بطن، فقوله:"بظهر كف على بطن أخرى" دخل فيه الصورتان الأخيرتان، وقوله: ونحوه، دخل فيه الأولتان.
وعبر في "شرح المهذب" بعبارة أخرى يمكن تنزيلها على ما ذكره في "التحقيق".
وتعبير الرافعي بقوله: الأيمن والأيسر خطأ، وصوابه اليمين واليسرى لأن الكف مؤنثة.
قوله: ومنها لو أشرف إنسان على الهلاك فأراد إنذاره، ولم يحصل إلا بالكلام تكلم.
وفي بطلان صلاته وجهان: أصحهما عند الأكثرين: نعم. انتهى ملخصًا.
فيه أمران:
أحدهما: أن النووي في "الروضة" قد تابعه على تصحيح البطلان إلا أنه لم ينقله عن الأكثرين، ثم صحح في "التحقيق" عدم البطلان فقال ما نصه: ولو رأى مشرفًا على الهلاك كأعمى وصبي لا يعقل فخاف وقوعه في بئر [أو نار](1) أو غافل أو نائم قصده سبع أوحية أو ظالم لقتله، ولم يكن إنذاره إلا بكلام وجب، والأصح: لا تبطل. هذا لفظه بحروفه؛
(1) سقط من أ.
وذكر في "الشرح" ما يقتضيه أيضًا.
فإنه نقل عن أبي إسحاق المروزي عدم البطلان ونقل تصحيحه عن القاضي أبي الطيب في "التعليق" وعن الشيخ في "المهذب"، والمتولي في "التتمة" ولم ينقل البطلان إلا عن تصحيح الرافعي فقط.
ورأيت في "الترغيب" للشاشي أن أصح الوجهين عدم البطلان، وصححه أيضًا في "البيان" والماوردي في "الحاوي".
الأمر الثاني: أنه احترز بقوله: "ولم يحصل إلا بالكلام"، عن الفعل، ولم يصرح هو ولا النووي بحكمه، ولا شك أنه إن كان قليلًا كخطوة وخطوتين أتى بهما، ولا إشكال.
وإن كان كثيرًا فله حالتان:
إحداهما: أن لا يحصل الإنذار إلا بالفعل كما في الصغير الذي لا يميز، والأعمى الأصم، فإذا مشى إليه خطوات فيحتمل أن يقال لا يلحق بالقول، بل تبطل الصلاة قطعًا لأن الإجابة بالكلام خرجت بالنص، وهو جواب النبي صلى الله عليه وسلم، فبقى ما عداها من البطلان على الأصل، ولأن الفعل أقوى من القول، ويحتمل إلحاقه [به](1) وهو المتجه، لأن الكلام أشد منافاة للصلاة من الفعل بدليل اغتفار الفعل اليسير كقتل الحية والعقرب والخطوة والخطوتين، وحمله صلى الله عليه وسلم أمامة، وغير ذلك، وقد صرح الأصحاب بهذه الأولوية، وحينئذ فإذا ثبت عدم الإبطال بالقول فبالفعل أولى.
وعلى هذا يتم صلاته في الموضع الذي انتهى إليه ولا يعود إلى مكانه إلا في الموضع الذي يجوزه في سبق الحدث، وقد رجح الطبري شارح "التنبيه" الاحتمال الثاني فقال: إنه الظاهر، إلا أنه لم يقرره بما ذكرته، ويأتي أيضًا ما ذكرناه فيما إذا استدعى النبي صلى الله عليه وسلم في عصره رجلًا، وقريب
(1) سقط من جـ.
مما نحن فيه ما ذكره في "الشامل" وهو أنه لو فعل فعلًا واجبًا في الصلاة من رد وديعة وتفرقة زكاة بطلت صلاته إذا كان كثيرًا لإمكانه قبلها أو بعدها بخلاف القول، وفي تعليله نظر.
الحالة الثانية: أن يمكن حصوله بالقول وبالفعل، فإن أبطلنا تخير، وإلا فيحصل على التفريق السابق ثلاث احتمالات.
أظهرها: نفي الفعل.
والثاني: القول.
والثالث: التخير.
ومما يتعلق بهذا الفصل إذا ناداه أحد الوالدين في الصلاة ففيه وجوه حكاها الروياني في باب إمامة المرأة من "البحر":
أحدها: تلزمه الإجابة وتبطل الصلاة، [وقيل: تبطل إذا قصد] (1).
والثاني: تلزم ولا تبطل.
والثالث: لا تلزم بالكلية، قال: وهو أصح عندي، وذكر ابن الرفعة في "المطلب" أنه لم ير في المسألة نقلًا.
قوله: فإن أتى بشئ من نظم القرآن قاصدًا به القراءة أو القراءة مع شئ آخر كتنبيه الإمام أو غيره أو الفتح على من ارتج عليه أو تفهيم أمر، لم تبطل صلاته، وقيل: تبطل إذا قصد مع القراءة شيئًا آخر.
[ولو قصد الإعلام فقط بطلت صلاته. انتهى.
أهمل قسمًا آخر] (2) وهو ما إذا لم يقصد شيئًا بالكلية، وكذلك أهمله في "الروضة" أيضًا وقد اختلف فيه كلام المتأخرين، فالذي دل عليه كلام "الحاوي الصغير" أنها لا تبطل فإنه قال: تبطل الصلاة بكذا
(1) سقط من جـ.
(2)
سقط من ب.
وكذا، ثم قال: وبالقراءة والذكر لمجرد التفهيم. هذا لفظه.
وبه جزم الحموي شارح "الوسيط" قال: لأن الظاهر القراءة، وجزم في "التحقيق" بأنها تبطل فقال: ولو نطق بنظم قرآن كـ "ادخلوها بسلام" و"يا يحيى خذ الكتاب" وقصد تلاوة [لم تبطل، وكذا تلاوة](1) وإعلامًا على المذهب أو إعلامًا أو أطلق بطلت. هذا لفظه وصرح بذلك أيضًا في "دقائق المنهاج"، وذكر في "شرح المهذب" نحوه فقال: وإن لم يقصد شيئًا فظاهر كلام المصنف وغيره أنها تبطل، وينبغي أن يفرق بين أن يكون قد انتهى في قراءته إليها فلا تبطل، وإلا فتبطل. انتهى كلامه.
واعلم أن هذه الأقسام الأربعة تجري في الجنب أيضًا، فإذا قال مثلًا:"سبحان الذي سخر لنا هذا" ونحوه فحاصل ما ذكره الرافعي فيه أنه يحرم إذا قصد القراءة سواء قصد معه الذكر أم لا، ولا يحرم إذا قصد الذكر، وكذلك أيضًا إذا أطلق تغليبًا للذكر.
ويجري أيضًا في الأيمان، فإذا حلف لا يكمله فأتى بآية فهم المحلوف عليه بها ما قصده الحالف، قال الرافعي: فلا يحنث إن قصد القراءة، وإلا حنث. هذا لفظه.
وحاصله عدم الحنث عند قصد القراءة سواء كان معه قصد كلامه أم لا، والحنث إذا قصد كلامه وكذا إذا أطلق تغليبًا للكلام، وهو موافق للمذكور في الجنابة.
فتلخص لنا أن الإطلاق في المسائل الثلاث على حد واحد عند النووي لأنه غلب هنا كلام الآدمي فحكم بالإبطال، وهو موافق للجواز في الجنب، ولكونه يحنث في اليمين.
وأما على ما في [الخلاف](2) من عدم الإبطال هنا فإنه لا يوافق
(1) سقط من أ.
(2)
في جـ: الحاوي.
تجويزه للحنث، وقد سبق منه هناك الموافقه عليه.
وقد تقدم الكلام على "ارتج" في الكلام على قراءة الفاتحة.
قوله: ولو أتى بكلمات لا توجد في [القرآن](1) على نظمها ويؤخذ مفرداتها مثل أن يقول: يا إبراهيم سلام كن، بطلت صلاته. انتهى.
ولو فرق هذه الكلمات ولم يصل بعضها ببعض وقصد به القرآن لم تبطل، كذا صرح به المتولي ونقله عنه في "شرح المهذب" وأقره، وتعبير الرافعي بالنظم يدل عليه.
وقال الشاشي: عندي أنه مبطل، لأنه لا قرآن ولا ذكر.
قوله: نعم ما فيه خطاب مخلوق غير رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب الاحتراز عنه، فلا يجوز أن يقول للعاطس: رحمك الله.
وعن يونس بن عبد الأعلى عن الشافعي أنه لا يضر ذلك، وصححه الروياني. انتهى.
وهذا القول مشهور معروف، وقد نص عليه الشافعي في "الأم" وجزم به، وكذلك في "البويطي".
وكلام الرافعي يقتضي استغرابه حتى أن النووي ذكر في "شرح المهذب" أن المنصوص في كتبه كلها أنه يضر، ويدل على صحة هذا القول أنه إذا قال:{ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46)} (2) بقصد التلاوة والخطاب لا يضر على المشهور، فكذلك "يرحمك الله" بقصد الدعاء.
وكلام الرافعي يقتضي البطلان إذا خاطب ملكًا أو نبيًا غير النبي صلى الله عليه وسلم وقد يقال: إنما اغتفر الخطاب في السلام الواقع في آخر الصلاة لأجل الملائكة.
(1) في أ: القراءة.
(2)
سورة الحجر (46).
قوله: الثانية: السكوت اليسير في الصلاة لا يضر بحال، وفي السكوت الطويل إذا تعمده وجهان:
أصحهما: أنه لا يضر أيضًا.
وخص في "التهذيب" الوجهين بما إذا سكت لغير غرض، فأما إذا سكت لغرض بأن نسى شيئًا فوقف ليتذكره فلا تبطل صلاته بلا محالة. انتهى كلامه.
والذي ذكره البغوي ليس طريقة مخالفة للأكثرين بل كلام الباقين محمول عليها، كذا سلكه الرافعي رحمه الله في "الشرح الصغير" وعبر بقوله: لم تبطل بلا خلاف، ولم يقف النووي على "الشرح الصغير" وفهم أنها طريقة ضعيفة فأثبت الخلاف في "الروضة" و"شرح المهذب" وغيرهما، وعبر بالمذهب إلا أنه صحح طريقة القطع فقال: لم تبطل على المذهب وبه قطع الجمهور.
وحكى جماعة من الخراسانيين في بطلانها وجهين، وهو ضعيف، هذه عبارته في "شرح المهذب" لكن كلام الرافعي يدل إما على نفي الخلاف بالكلية أو على تصحيح طريقة الخلاف فاعلمه.
قوله: ولو سكت كثيرًا ناسيًا، وقلنا: عمده مبطل، فطريقان:
أحدهما: التخريج على الخلاف في الكلام الكثير ناسيًا.
والثاني: لا يضر جزمًا.
قال في "الوسيط": وهذا أصح. انتهى.
فيه أمور:
أحدها: أن الأصح هي الطريقة القاطعة، كذا صححها في "شرح المهذب" فقال: إنها المذهب، ولم يصحح في "الروضة" شيئًا منها.
الأمر الثاني: أن النووي في "الروضة" لم يبين ما هما الوجهان اللذان خرجت عليهما الطريقة الأولى بل عبر بقوله: على الوجهين، ولم يزد