الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرط الثالث ستر العورة
قوله: ويجب ستر العورة في الخلوة على أصح الوجهين لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تكشف فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حىٍ، ولا ميت"(1).
ويروى: "لا تبرز".
ثم قال: وعورة الرجل ما بين سرته وركبته وعورة المرأة جميع بدنها إلا الوجه والكفين ظهرًا وبطنًا إلى الكوعين. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن إطلاق هذا الكلام يقتضى أنه لا فرق في العورة بين البالغ والصبى، وبه صرح في "شرح المهذب"، ومقتضى إطلاقه أنه لا فرق بين المميز وغيره، فإن قيل: غير المميز لا تصح منه الصلاة، ولا يحرم النظر إلى عورته إلا فرج الصغيرة على اختلاف فيه مذكور في "النكاح" فما فائدة الحكم بالعورة؟ قلنا في ستره في الطواف إذا أحرم عنه الولى على
(1) أخرجه أبو داود (3140) و (4015) وابن ماجة (1460) وأحمد (1248) والحاكم (7362) والدارقطني (1/ 225) وأبو يعلى (331) والبزار (694) والبيهقي في "الشعب"(7760) وفي "الكبرى"(3049) و (6416) وابن الجوزي في "التحقيق"(401) وابن عدى في "الكامل"(7/ 280) من حديث علىّ رضي الله عنه.
قال أبو داود: حديث فيه نكارة.
وقال ابن دقيق العيد: رواية أبي داود تقتضي أن ابن جريج لم يسمعه من حبيب وأن بينهما رجلًا مجهولًا.
وسكت عليه الذهبي.
وقال أبو حاتم: ضعيف.
وقال الألباني: ضعيف جدًا.
ما يأتيك في الحج، وما ذكره في "شرح المهذب" ذكر في "البيان" نقلًا عن الصيمري ما يخالفه فقال: إن عورة الصبي والصبية قبل سبع سنين هي القبل والدبر فقط، ثم تتغلظ بعد السبع، ثم تكون بعد العشر كعورة البالغين لأنه زمان يمكن فيه البلوغ.
وذكر في "الحاوي" أيضًا ما يخالفه فقال: إن الذكور والإناث من الأطفال لا حكم لعوراتهم قبل السبع، وحكمهم حكم البالغين بعد إمكان البلوغ، وفيما بينهما يحرم النظر إلى الفرج خاصة، ولم يبين الصيمري التغليظ المشار إليه، على أن الروياني حكى عن والده جواز صلاة الصغيرة بغير خمار لظاهر الحديث.
الأمر الثاني: أن ما ذكره الرافعي هنا صريح في أن المرأة يحرم عليها كشف عنقها ورأسها، وغير ذلك في الخلوة، وليس الأمر كما ذكره هنا، بل الذي يجب ستره من الحرة في الخلوة إنما هو المقدار الذي يجب ستره من الرجل، هذا حاصل ما ذكره الإمام والرافعي وغيرهما في كتاب النكاح.
ورأيت في "التلقين" لابن سراقة من كبار المتقدمين ما هو أصرح منه فقال: وعورة الحرة في الصلاة ومع الرجال غير ذوي محارمها جميع بدنها إلا وجهها وكفيها، هذا لفظه.
وحينئذ فتنقسم العورة إلى عورة في [الصلاة. وعورة في](1) النظر، وعورة في سترها خالية، والنظر له أقسام معروفة.
والحديث رواه أبو داود في "سننه" في كتاب الجنازة ثم كتاب الحمام من رواية علىّ وقال: إن هذا الحديث فيه نكارة ويغني عنه حديث جرهد بفتح الجيم والهاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "غط فخذك، فإن الفخذ من
(1) سقط من أ.
العورة" (1).
رواه أبو داود في كتاب الحمام والترمذي في الاستئذان من ثلاث طرق، وقال في كل طريق منها: حديث حسن.
وقال في بعضها: حديث حسن، وما أرى إسناده بمتصل.
قوله: ولا يكاد يفرض ظهور باطن الكفين دون ظاهرهما. انتهى.
وتصوير ذلك سهل بلصوق عجين ونحوه، وبالربط بخيوط ونحوها.
قوله: وهل يستثني أخمص قدميها؟
حكى صاحب الكتاب وطائفة فيه وجهين، وجعلهما آخرون قولين: أصحهما أنهما من العورة. انتهى.
والأصح أن الخلاف المذكور قولان، كذا صححه النووي في "الروضة" وغيرها، ولم ينبه في "الروضة" على أنه من زوائده، بل أدخله في كلام الرافعي فتفطن له.
وقد حكى الرافعي في كتاب النكاح وجهًا أن ظهر الكفين عورة أيضًا.
قوله: فلو خالف الخنثي، ولم يستر إلا ما بين السرة والركبة فهل تجزئه صلاته؟ فيه وجهان نقلهما في "البيان". انتهى.
صحح النووي في "زيادات الروضة" أنها لا تجزئه فقال: أصحهما: لا تصح؛ لأن الستر شرط وشككنا في حصوله، وقال في "شرح المهذب": إنه أفقه الوجهين.
(1) أخرجه أبو داود (4014) والترمذي (2798) وأحمد (15974) والطبراني في "الكبير"(2138) وعبد الرزاق (19808) والطحاوي في "شرح المعاني"(2520) والحميدى في "مسنده"(857) وابن سعد في "الطبقات"(4/ 298) والخطيب في "تاريخ بغداد"(2/ 162) والطيالسي (1176).
قال الترمذي: حسن.
وقال الألباني: صحيح.
وصحح عكسه في "التحقيق" فقال: الأصح أنها تصح للشك في وجوبه. هذا لفظه بحروفه.
وذكر في باب نواقض الوضوء من "شرح المهذب" نحوه أيضًا.
قوله: ولو ستر اللون ووصف حجم الأعضاء كما لو لبس سروالًا خفيفًا فلا بأس. انتهى.
وهذا الكلام قد يوهم أن ذلك ليس مكروهًا، ولا خلاف الأولى، وليس كذلك بل هو مكروه للمرأة، وخلاف الأولى للرجل، كذا قاله الماوردي، وغيره. بل في "شرح المهذب" وجه أنها باطلة.
واعلم أن النووي في "الروضة" قد عبر بقوله: ولو ستر اللون ووصف حجم البشرة -أعني بلفظ البشرة- عوضًا عن الأعضاء، وهو تعبير عجيب، فإن البشرة ظاهر الجلد، ولا معنى له هاهنا.
قوله: فأما الفسطاط. . . إلى آخره.
الفسطاط بيت من شعر، وفاؤه مضمومة، وكسرها لغة، قاله الجوهري.
وسمى ساحل مصر فسطاطًا لذلك أيضًا، فإن خيمة عمرو بن العاص كانت منصوبة هناك لما كان أميرًا على الجيش عند فتحها فكانوا يقولون: اذهب بنا إلى الفسطاط، وذهب إلى الفسطاط، ونحو ذلك فغلب على ذلك الساحل ثم غلب على كل ساحل.
قوله: ولو وقف في جب ضيق الرأس وصلى على جنازة فقال في "التتمة" يجوز. ومنهم من قال: لا. انتهى.
قال الرافعي في "الشرح الصغير": الأشبه أنه لا يجوز.
وصحح النووي في "التحقيق" و"شرح المهذب" وزيادات "الروضة" أنه يجوز.
قوله: ولو حضر جمع من العراة فلهم أن يصلوا جماعة، ويجب أن يقف إمامهم وسطهم كالنسوة إذا عقدن الجماعة. انتهى كلامه.
والتعبير بقوله: يجب، رأيته كذلك في أصول معتمدة من الرافعي وكان سببه أن التقدم مظنة للرؤية المحرمة، إلا أنه -أعني الرافعي- قد صرح في أوائل صلاة الجماعة بأن مثل هذا في حق النسوة العاريات مستحب، لا واجب.
والمقالتان لا تجتمعان فإنهما سواء في هذا المدرك ويحتمل أن يكون لفظ الرافعي إنما هو نحب بنون مضمومة وحاء مهملة، وما في معناه، أو يستحب، ولكن تحرف، ويؤيده تشبيهه بالنسوة.
ولم يصرح في "الروضة" هنا بشئ من ذلك بل اقتصر على المساواة بينهما فإنه قال: ويقف إمامهم وسطهم كجماعة النساء، هذا لفظه.
قوله: وهل يسن للعراة إقامة الجماعة أم الأولى أن ينفردوا؟ فيه قولان: القديم: أن الانفراد أولى. انتهى كلامه.
فيه أمور نبه عليها الأصحاب، ونقلها عنهم النووي في "شرح المهذب" وبعضها في "الروضة".
أحدها: أن صورة المسألة أن يكونوا بحيث يتأتى نظر بعضهم إلى بعض، فلو كانوا عميًا أو في ظلمة استحب لهم الجماعة بلا خلاف.
الأمر الثاني: أن حكاية القولين هكذا قد ذكرها جماعة فتبعهم الرافعي، والذي حكاه المحققون عن الجديد أن الجماعة والانفراد سواء.
الأمر الثالث: إنما عبر الرافعي بالعراة الذي هو جمع عارٍ للاحتراز عن النسوة، فإن الجماعة تستحب لهن بلا خلاف، لأن إمامتهن تقف وسطهن حال اللبس أيضًا.
قوله: ولو وهب منه الثوب لم يلزمه قبوله وقيل: يلزمه، وله الرد بعد
الصلاة.
وقيل: يلزمه، ولا رد له. انتهى ملخصًا.
واعلم أن المتجه -وهو قياس ما ذكروه في التيمم: وجوب قبول الطين والتراب ونحوهما مما يستر وقيمته قليلة غالبًا، وتقييده بالثوب يؤخذ منه ذلك، فتفطن له.
قوله: وإذا لم يجد إلا ثوبًا نجسًا ففيه قولان:
أصحهما: يصلي عاريًا بلا إعادة. ولو لم يجد إلا ثوب حرير فوجهان: أصحهما: أنه يصلي فيه لأنه يباح لبسه للحاجة انتهى.
وهذا الذي ذكره في الحرير مسلم إذا كان الثوب قدر العورة، فإن كان زائدًا عليها فيتجه أن يقال: إن كان القطع لا ينقص أكثر من أجرة الثوب لزمه قطعه، وإلا لم يلزمه.
ولقائل أن يقول: كيف يستقيم الفرق الذكور مع أن لبس النجس يباح للحاجة، بل دونها في غير الصلاة، فإن أراد أن الحرير مباح في الصلاة للحاجة كالحكة ودفع القمل بخلاف النجس قلنا: ممنوع، فإن النجس يباح أيضًا في الصلاة لشدة الحر، والبرد.
قوله: يستحب أن يصلي الرجل في أحسن ما يجده من ثيابه يتعمم ويتقمص، ويرتدي فإن اقتصر على ثوبين فالأفضل قميص ورداء أو قميص وسراويل.
فإن اقتصر على واحد فالقميص أولى ثم الإزار ثم السراويل، وإنما كان الإزار أولى لأنه يتجافي. انتهى كلامه.
تابعه عليه في "الروضة"، وما ذكره في تقسيم الثوبين كيف يستقيم مع أن السراويل لم يتقدم له ذكر بالكلية، وإنما كان يستقيم الحكم بالتخيير أن لو قال: أو يتسرول بلفظ -أو- ثم إنه لم يذكر حكم العمامة في هذا
التخيير، بل مقتضاه أن القميص والعمامة دون هذين القسمين مع باقي الأقسام الممكنة، وهي العمامة والسراويل.
فأما الثاني فواضح.
وأما الأول وهو العمامة والقميص، فإن كان عند وجود ما يستر به رأسه من طاقية وقبعة فواضح.
وإن كان عند عدمه فممنوع لأنه يكره كشف رأسه بخلاف عدم الارتداء والاتزار.
وأما ما ذكره في الثوب الواحد: فجيد، فإنه إنما لم يذكر العمامة والرداء لعدم جواز الاقتصار عليهما، وإنما أخر السراويل لما سبق، لكن فيه أيضًا ما أشرنا إليه من كونه لم يتقدم للسراويل ذكر. ولا شك أن أول كلامه قد سقط منه شئ، وأصله يتعمم ويتقمص ويرتدي ويئتزر ويتسرول فاعلمه.
وقد ذكر في "الشامل" ما يدل عليه فقال فأما الفضيلة فأن يصلى الرجل في قميص وإزار وسروايل، هذا لفظه.
وذكر غيره مثله أيضًا، وما ذكرناه من تفضيل الإزار هو المنصوص الذي عليه جماعة.
وقال المحاملي والبندنيجي السراويل أولى لأنه أستر.
وفي "زوائد العمراني": أن الفقيه أبا بكر قال: السراويل الواسعة أولى.
واعلم أن عبارة الرافعي في -أحسن ما نجده: يتعمم، أعني: بلا "واو" مع يتعمم، فاقتضى أن ذلك تفسير للأحسنية.
وعبارة "الروضة": ويتعمم بالواو، وهي تقتضي أن ذلك مغاير للأحسن المتقدم ذكره [وهو الأقرب](1).
(1) سقط من جـ.