المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب صلاة الخوف - المهمات في شرح الروضة والرافعي - جـ ٣

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الصلاة

- ‌الركن الأول التكبير

- ‌[الركن الثاني: القيام]

- ‌الركن الرابع: الركوع

- ‌ شرائط الصلاة

- ‌الشرط الأول: الطهارة عن الحدث

- ‌[الشرط الثاني: طهارة النجس]

- ‌الشرط الثالث ستر العورة

- ‌الشرط الرابع: ترك الكلام…إلى آخره

- ‌الشرط الخامس: ترك الأفعال

- ‌ السجدات

- ‌سجدة السهو:

- ‌ سجدة التلاوة

- ‌ سجدة الشكر

- ‌ صلاة التطوع

- ‌كتاب الصلاة بالجماعة

- ‌الفصل الأول: في فضلها

- ‌الفصل الثالث: في شرائط القدوة

- ‌كتاب صلاة المسافرين

- ‌الباب الأول في القصر

- ‌الباب الثاني في [الجمع]

- ‌كتاب الجمعة

- ‌الباب الأول في شرائطها

- ‌الباب الثاني فيمن تلزمه الجمعة

- ‌الباب الثالث في كيفية إقامة الجمعة

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌باب صلاة العيدين

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌كتاب الجنائز

- ‌ القول في التكفين

- ‌ القول في الدفن

- ‌ القول في التعزية

- ‌باب تارك الصلاة

- ‌كتاب الزكاة

- ‌زكاة الغنم

- ‌باب صدقة الخلطاء

- ‌الفصل الأول: في حكم الخلطة

- ‌الفصل الثاني: في التراجع

- ‌الفصل الثالث: في اجتماع الخلطة والانفراد [في الحول الواحد]

- ‌زكاة المعشرات

- ‌الطرف الأول: في الموجب:

- ‌الطرف الثاني: في الواجب

- ‌الطرف الثالث: فى وقت الوجوب

- ‌ زكاة النقدين

- ‌ زكاة التجارة

- ‌ زكاة المعدن والركاز

الفصل: ‌باب صلاة الخوف

‌باب صلاة الخوف

قوله: وروى عن علىّ رضي الله عنه أنه صلى بأصحابه صلاة الخوف ليلة الهرير (1). انتهى.

الهرير بهاء مفتوحة، وبراءين مهملتين الأولى مكسورة، وبينهما ياء بنقطتين من تحت.

تقول العرب: هر فلان الحرب هريرًا أى كرهها. كذا قاله الجوهري.

وكأنها سميت بذلك لكراهتهم الحرب في تلك الليلة لكثرة ما وقع فيها من القتل.

وقال النووي في "تهذيب الأسماء واللغات": كان بعضهم يهر على بعض فسميت بذلك، قال: وهي حرب وقعت بينه وبين الخوارج، وقيل: هي ليلة صفين بينه وبين معاوية.

قوله: النوع الأول: صلاة بطن نخل وهي أن يجعل الإمام الناس فرقتين، فرقة في وجه العدو، وفرقة يصلي بها جميع الصلاة، ويكون قد صلى مرتين، واقتدى المفترض بالمتنفل.

ولهذه الصلاة ثلاث شروط:

أن يكون العدو في غير جهة القبلة، وأن يكون في المسلمين كثرة، والعدو قليلون، وأن يخاف هجوم العدو عليهم في الصلاة.

وهذه الثلاث شروط لاستحباب هذه الصلاة. انتهى.

ذكر مثله في "الروضة" وهو عجيب، فإن المستحب للمفترض أن لا يصلي خلف المتنفل حتى قال في "الروضة": إن الانفراد أولى منها

(1) أخرجه البيهقي في "الكبرى"(5804) بسند ضعيف.

ص: 412

خروجًا من خلاف أبي حنيفة، وأيضًا فإنها شرط للجوار، فإن تركها تغرير بهم فتأمله.

قوله: النوع الثاني: صلاة عسفان وهي أن يرتب الإمام الناس صفين ويحرم بهما جميعًا فيصلون معه إلى أن ينتهي إلى الاعتدال عن ركوع الركعة الأولى، فإذا سجد سجد معه الصف الثاني، ولم يسجد الصف الأول، بل يحرسونهم قائمين، فإذا قام الإمام والساجدون سجد أهل الصف الأول ولحقوه وقرأ الكل معه وركعوا واعتدلوا، فإذا سجد سجد معه الحارسون في الركعة الأولى، وحرس الساجدون معه في الأولى، فإذا جلس للتشهد سجدوا ولحقوه ويتشهد الكل معه وسلم بهم.

وهذه الكيفية ذكرها الشافعي في "المختصر" وأخذ بها كثيرون.

وقال الشيخ أبو حامد ومن تابعه: الثابت في السنة أن أهل الصف الأول يسجدون معه في الركعة الأولى وأهل الصف الثاني يسجدون معه في الثانية، والشافعي عكس ذلك، لكن الذي قاله الشافعي: وهذا نحو صلاته عليه السلام يوم عسفان، فأشبه تجويز كل واحد منهما إذا لا فرق في المعنى، وقد صرح به الروياني وصاحب "التهذيب" وغيرهما. انتهى.

والصحيح هو التخيير، فقد قال الرافعي في "الشرح الصغير": إنه الأشبه، والنووي في "الروضة": إنه الصحيح المختار.

قال: وهو مراد الشافعي فإنه ذكر الحديث كما ثبت في الصحيح، ثم ذكر الكيفية الأخرى فأشار إلى جوازهما معًا.

وجزم في "المحرر" بما حاصله ذلك أيضًا فإنه [عبر](1) بقوله: سجد معه أحد الصفين.

قوله: قالوا: واختار الشافعي رضي الله عنه ما ذكره لأمور:

(1) سقط من أ.

ص: 413

أحدها: أن الصف الأول أقرب من العدو فهم أمكن من الحراسة.

والثاني: أنهم إذا حرسوا كانوا جُنة لمن وراءهم فإن رماهم المشركون تلقوه بسلاحهم.

والثالث: أنهم يمنعون أبصار المشركين عن الاطلاع على عدد المسلمين وعدتهم. انتهى كلامه.

واعلم أنا إذا قلنا بما قاله الشافعي فلو تأخر الحارسون أولًا إلى الصف الثاني في الركعة الثانية وتقدمت الطائفة الثانية ليحرسوا جاز إذا لم تكثر أفعالهم، وهل هو أولى؟

قالت جماعة: نعم.

وقال أصحابنا العراقيون: الأولى أن يلازم كل منهم مكانه.

ولفظ الشافعي في "المختصر" على هذا أدل، هكذا ذكره الرافعي بعد هذا بنحو صفحة، وإذا كان الذي يدل عليه كلام الشافعي هو عدم الانتقال لزم بطلان تعليل ما اختاره الشافعي بالوجوه الثلاثة التي أبداها الرافعي، فراجعه يظهر ذلك لك.

قوله: عن صالح بن خوات، وعن سهل بن أبي حثمة.

أما خوات فبخاء معجمة وواو مشددة وتاء مثناة وهو في اللغة الرجل الجرئ، كما قاله الجوهرى، وأما حثمة فبحاء مهملة وثاء مثلثة ساكنة.

والحثمة هي الأكمة الحمراء، وبها سميت المرأة حثمة، قاله الجوهري.

قال: وتقول: حثمت: بمعنى أعطيت وبمعنى دللت.

قوله: واختلفوا في اشتقاق ذات الرقاع فقيل: كان القتال في سفح جبل فيه جدد بيض وحمر كالرقاع. انتهى.

سفح الجبل: أسفله حيث يسفح فيه الماء أي يراق.

ص: 414

والجدد: الطرق جمع جدة بضم الجيم فيهما.

فالجبل المذكور كانت فيه طرائق تخالف لون الجبل.

قوله في "أصل الروضة": فرع:

إذا قام الإمام إلى الثانية فهل يقرأ في انتظاره مجئ الطائفة الثانية أم يؤخرها ليقرأ معهم، ويشتغل بالذكر فيه ثلاث طرق:

أصحها على قولين: أظهرهما: يقرأ.

ثم قال: وهل يتشهد في انتظاره فراغ الثانية من ركعتهم؟ فيه طرق:

المذهب أن يتشهد، وقيل: فيه الطريقان الأولان. انتهى.

وما ذكره من تصحيح طريقة القطع في التشهد المنقول في "الشرحين" عن الأكثرين، وجزم به في "المحرر"، ووقع في "المنهاج" تصحيح طريقة الخلاف غلطًا فتفطن له.

قوله: وإن كانت الصلاة مغربًا صلى بالأولى ركعتين وبالثانية ركعة، وحينئذ فيجوز انتظار الفرقة الثانية في التشهد الأول، وأن ينتظرهم في القيام الثالث وأيهما أفضل؟ فيه قولان: أظهرهما: في القيام. انتهى ملخصًا.

وما ذكره من كون الخلاف قولين ذكر مثله في "الشرح الصغير"، وكذلك في "الروضة" و"شرح المهذب" وغلط في "المحرر" فجعله وجهين، وتبعه عليه في "المنهاج"، والصواب الأول، فقد صرح الشيخ في "المهذب" بأن الانتظار في التشهد منصوص عليه في "الأم" والآخر في "المختصر".

قوله: وإن كانت الصلاة رباعية ففرقهم أربع فرق صحت صلاة الإمام في أصح القولين، فإن جوزنا فمن شرطه أن تمس الحاجة إليه، وإلا فيكون كما لو وقع ذلك في الاختيار، قاله إمام الحرمين. انتهى.

ص: 415

وهذا الذي قد قاله الإمام قد جزم به في "المحرر" وأقره النووي عليه في "الروضة"، وخالف في "شرح المهذب" فقال: لم يذكره الأكثرون، والصحيح خلافه. انتهى.

وكلام "المنهاج" يقتضي ذلك أيضًا، فإنه لم يذكره بالكلية، وكان الصواب ذكره والتنبيه عليه، فإن لم يفعل ففي دقائقه.

قوله: وفي صحة صلاة المأمومين على هذا القول وهو صحة صلاة الإمام قولان ينبنيان على بطلان صلاة من أخرج نفسه من الجماعة بغير عذر، فإن أبطلناها بطلت صلاة الفرق الأولى والثانية والثالثة لأنهم مفارقون بغير عذر، إذ وقت المفارقة المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو بعد نصف الصلاة، والفرق الثلاث قد فارقت قبل النصف. انتهى كلامه.

فمراده بقوله في آخر كلامه "قبل النصف" إنما هو نصف صلاة الفرق لا صلاة الإمام فاعلمه.

قوله: ويجوز إقامة الجمعة على هيئة صلاة ذات الرقاع، فلو نقصت الفرقة عن أربعين لم يجز، ولو نقصت الثانية فقد قيل: لا يضر، وقيل: على الخلاف في الانفضاض. انتهى ملخصًا.

لم يصحح شيئًا في "الشرح الصغير" أيضًا، والصحيح القطع بأنه لا يضر، كذا صححه في "شرح المهذب" وصحح في "زيادات الروضة" أنه لا يضر، وليس فيه تصريح بتصحيح طريقة القطع.

قوله: ولا يجب حمل السلاح في صلاة الخوف في أصح القولين، فإن أوجبنا فله شروط:

أحدها: أن يكون طاهرًا.

والثاني: ألا يكون مما يمنع عن بعض أركان الصلاة كالحديد المانع من الركوع، والبيضة المانعة من مباشرة المصلى الأرض بالجبهة. انتهى.

ص: 416

وما ذكره من عدم جواز لبس البيضة مشكل، بل ينبغي عند خوف الهلاك من تركها جواز لبسها قطعًا، وأن لا قضاء عليه، وإن منعت من استيفاء السجود وكيف لا وقد جعلوا اللصوق للدواء جائزًا، ولا قضاء عليه، مع أنه لا يخاف الهلاك، فجواز هذا وقد خاف الهلاك أولى.

قوله: والثالث: ألا يتأذى به الغير كالرمح، فإنَّ حمله في وسط الصف يؤذي القوم، فيكره إلا أن يكون في حاشية الصف، فلا يتأذى بحمله أحد.

الرابع: قاله الإمامان: أن يخاف من موضع السلاح خطر على سبيل الاحتمال، فأما إذا تعرض للهلاك ظاهرًا لو تركه فيجب الأخذ قطعًا. انتهى.

وما ذكره في الأذى من الكراهة فيها نظر، بل القياس التحريم إن تيقنه أو غلب على ظنه، وهذا الأخير الذي نقله عن الإمام قد جزم به الرافعي في "الشرح الصغير"، وكذلك النووي في "الروضة".

قوله: قال الإمام: وليس الحمل معينًا لعينه، بل لو وضع السيف بين يديه، وكان مد اليد إليه في اليسر والسهولة كمدها إليه وهو محمول متقلد كان ذلك بمثابة الحمل قطعًا. انتهى.

وما نقله عن الإمام وارتضاه قد تابعه عليه في"الروضة" أيضًا، وهو لا يستقيم على ما ذكره في الشرط الثالث، فإنه لو كان المراد إنما هو الوضع لكان وضع الرمح في وسط الصف بين يديه، أو عن يمينه كوضعه في حاشية الصف، فدل على أن المراد حقيقة الحمل.

قوله: فأما لفظ السلاح فقد قال ابن كج: إنه يقع على السيف والمسكين والرمح والنشاب ونحوها أما الترس فليس بسلاح، وكذا لو لبس درعًا لم يكن حاملًا لسلاح. انتهى.

وما نقله عن ابن كج من كون الدرع ليس بسلاح قد تابعه عليه أيضًا في

ص: 417

"الروضة" وهو يخالف ما سبق في الشرط الثاني، فإنه جعل البيضة هناك من السلاح والدرع كالبيضة بلا شك.

قوله: قال ابن عمر في تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} (1): أى مستقبلي القبلة، وغير مستقبليها.

قال نافع: لا أراه ذكر ذلك إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (2). انتهى كلامه.

وهذا التفسير قد نص الشافعي في "الرسالة" على أن ابن عمر رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك في باب فرض الصلاة، وأراه بضم الهمزة، ومعناه: أظن.

قوله: قال الإمام: بل الكمي المقنع السكوت أهيب له في نفوس الأقران. انتهى.

الكمي: الشجاع الذي كمى نفسه أى سترها باللبس يقال: كمى الشيء إذا ستره.

والمقنع: لابس البيضة. قاله الجوهري.

قال ابن سيده في خطبة "المحكم": وجمع الكمي: أكماء.

وأما الكمأة فجمع كام: أي ساتر.

قوله: الخامسة: لو تلطخ سلاحه بالدم واحتاج إلى إمساكه. أمسكه، وهل يقضي؟

حكى إمام الحرمين عن الأصحاب أنه يقضي لندور العذر، ثم منع ندوره، ورأى تخريج المسألة على القولين في من صلى في موضع نجس، وأن هذه أولى بنفي القضاء. انتهى ملخصًا.

وحاصله إيجاب القضاء عن الأصحاب، وأنه ليس فيه إلا بحث الإمام، وقد صرح بمثله النووي في "شرح المهذب"، فقال: ظاهر كلام

(1) سورة البقرة: (239).

(2)

أخرجه البخاري (4261).

ص: 418

الأصحاب القطع بوجوب الإعادة، ونقله الإمام عنهم، ورأى تخريجه على القولين في من صلى في موضع نجس، ورأى هذه أولى بنفي القضاء، وإذا علمت حاصل هذا الكلام ففيه أمران:

أحدهما: أن الرافعي قد ناقض ذلك في آخر التيمم وصرح بعدم الوجوب، ولم يحك فيه خلافًا، وهو غريب، وذكر نحوه أيضًا في باب شروط الصلاة قبيل ستر العورة، ورجحه أيضًا في "المحرر" في هذا الباب فقال: إنه أقيس الوجهين، وتبعه عليه النووي فصرح بتصحيحه، وقد وقعت هذه المواضع الثلاث في "الشرح الصغير" كما في "الكبير"، وكذلك في "الروضة" أيضًا.

الأمر الثاني: أن ما اقتضاه كلام الرافعي والنووي من أن غير الإمام من الأصحاب قد قطع بالمسألة ليس كذلك، فقد رأيت في "الإبانة" للفوراني فيها قولين في من صلى في موضع نجس موافقًا لبحث الإمام فقال ما نصه: وإن أمسكه للاحتياج إليه فهل عليه الإعادة؟ فعلى قولين بناء على من صلى في الحبس. انتهى.

وصرح في "البحر" فيها بحكاية وجهين أيضًا.

الثالث: أن الشافعي -رحمه الله تعالى- قد نص على المسألة، وجزم بالوجوب، كذا رأيته في "مختصر البويطي" في آخر الباب، وحكاه أيضًا ابن الرفعة عن تعليق القاضي الحسين، وحينئذ فتكون الفتوى عليه.

قوله: الرابعة: المحرم إذا ضاق وقت وقوفه وخاف فوت الحج إن صلى متمكنًا، فيه أوجه للقفال:

أحدها: يؤخر الصلاة ويحصل الوقوف، لأن قضاء الحج صعب.

والثاني: يصلي صلاة شدة الخوف فتحصل الصلاة والحج.

والثالث: تجب الصلاة على الأرض مستقرًا ويفوت الحج لعظم حرمة

ص: 419

الصلاة، ولا يصلي صلاة الخوف لأنه محصل لا هارب، ويشبه أن يكون هذا الوجه أوفق لكلام الأئمة. انتهى.

اعترض عليه النووي في "الروضة" فقال: هذا الوجه ضعيف، والصواب الأول، فإنا جوزنا تأخير الصلاة لأمور لا تقارب المشقة فيها هذه المسألة كالتأخير للجمع. انتهى.

وما رجحه النووي قد جزم به القاضي الحسين في باب الأحداث من تعليقه، وليس في كلام النووي تصريح بأن التأخير على سبيل الإيجاب أم لا بل هو إلى الجواز أقرب، وقد صرح في "الكفاية" بالوجوب ذكر ذلك في أوائل كتاب الصلاة.

قوله: وللشافعي نصوص مختلفة في جواز استعمال الأعيان النجسة، وحكى "صاحب التهذيب" وغيره فيها طريقين منهم من طرد القولين في وجوه الاستعمال كلها، ومنهم من فصل فقال: لا يجوز استعمال النجاسات في الثوب [والبدن](1) إلا لضرورة، وفي غيرهما يجوز إن كانت النجاسة مخففة، فإن كانت مغلظة، وهي نجاسة الكلب والخنزير فلا، ونزلوا النصوص على هذا التفصيل، وهذا الأظهر، ثم شرع يُفَضِّل فقال: لا يجوز لبس جلد الكلب والخنزير. . . . إلى آخره.

فيه أمور:

أحدها: أن المراد باستعمال النجاسة في الثوب هو تلطخه بها، وفي البدن استعمالها بحيث يتصل به كالامتشاط بمشط العاج، ونحو ذلك، كذا صرح به الرافعي في الكلام على وصل الشعر، وقد سبق ذكر لفظه هناك فراجعه، ووقع في باب الأوانى من "شرح المهذب" وهمٌ فاحش، وهو تجوير الامتشاط بمشط العاج فقال:

(1) سقط من أ.

ص: 420

فرع: العاج المتخذ من عظم الفيل نجس لا يجوز استعماله في شئ رطب، فإن استعمل فيه نجسه.

قال أصحابنا: ويكره استعماله في الأشياء اليابسة، ولا يحرم لأنه لا يتنجس به، ولو اتخذ مشطًا من عظم الفيل فاستعمله في رأسه ولحيته، فإن كان مع رطوبة من أحد الجانبين تنجس شعره، وإلا فلا ينجس لكنه يكره ولا يحرم. هذا هو المشهور للأصحاب.

رأيت في نسخة من تعليق الشيخ أبي حامد أنه ينبغي أن يحرم، وهذا غريب ضعيف. هذه عبارته والذي ذكره غريب، ووهمٌ عجيب، فإن هذا التفصيل الذي نقله عن الأصحاب صحيح، ولكنهم ذكروه في وضع الشيء في الإناء منه أي من العاج، فالتبس عليه ذلك بالاستعمال في البدن.

الأمر الثاني: أن النووي في "الروضة" و"شرح المهذب" قد تابع الرافعي على تحريم ذلك في الثوب كما يحرم في البدن فقال في "الروضة": إنه المذهب.

وقال في "شرح المهذب": إنه المذهب الصحيح الذي قطع به العراقيون وغيرهم.

ثم خالف ذلك في "التحقيق" فقال في أوائل باب إزالة النجاسة: فرع: المذهب تحريم استعمال النجاسة في البدن دون غيره. انتهى.

وهو اختلاف عجيب حيث عبر في الموضعين بالمذهب ولم يذكر المسألة في "التحقيق" في غير هذا الموضع، وكذا فعل في كتاب "مهمات الأحكام" إلا أنه لم يحك فيه خلافًا على قاعدته فيه، وكلام "الروضة" في كتاب الشهادات يقتضيه، فإنه نقل من زياداته تحريم استعمالها في البدن، ولا شك أن تقييده به يقتضي الجواز ظاهرًا في الثوب.

الأمر الثالث: أن الرافعي رحمه الله قد ذكر في العقيقة أنه يكره

ص: 421

لطخ رأس المولود بالدم، وتابعه عليه النووي في "الروضة" و"شرح المهذب"، والذي قالاه يستلزم جواز لطخ نفسه لأنه لو كان حرامًا لامتنع عليه فعله مع الغير بطريق الأولى وإن كان صبيًا، كما لا يجوز لطخه بالبول وأيضًا فتنزيهه أولى من تنزيه الثياب، والتحريم في الثياب مع الجواز فيه ما لا يعقل.

الأمر الرابع: أن هذه الطريقة التي صححها وهي الرافعة للخلاف المنزلة للنصوص على الأحوال قد خالفها الرافعي في موضعين، فجزم بطريقة القولين أحدهما في شروط الصلاة في الكلام على وصل الشعر، وقد ذكرت لفظه هناك فراجعه، فإنه مفيد لمن يطالع هنا، والثاني في باب المسح على الخفين في الشرط الثاني من شروط الخف فقال: لو اتخذ خفًا من جلد الكلب أو جلد الميتة قبل الدباغ، فهذا الجلد لنجاسة عينه لا يحل استعماله في البدن باللبس وغيره، على أصح القولين. هذا لفظه.

الخامس: أن المتولد من الكلب أو الخنزير مع غيره من الحيوانات الطاهرة حكمه حكم أحدهما، ولم يذكره.

[قوله: نعم لو جلل كلبًا أو خنزيرًا بجلد كلب أو خنزير فوجهان]: (1) أظهرهما: الجواز لاستوائهما في تغليظ النجاسة. انتهى.

واعلم أن اقتناء الخنزير حرام، وحينئذ فكيف يأتي مع ذلك تجويز تجليله، لأنه في زمن التجليل ممسك، وتصوير ما قالوه من وجهين:

أحدهما: أن تجلله مع كونه ليس ممسكًا له ولا مقتنيًا فإن ذلك ممكن.

الثاني: أن تجلله في حال اقتنائه فلا يعصى بالتجليل وإن عصى بالإمساك والاقتناء لأنهما أمران متغايران.

قوله: ويجوز الاستصباح بنجس العين كودك الميتة وبالمتنجس وفي قول

(1) سقط من أ.

ص: 422

لا يجوز. انتهى.

هذا الكلام يدخل في عمومه دهن الكلب والخنزير، وقياس تفاريعه المذكورة في هذا الباب هو المنع.

قوله: فإن لم نحكم بنجاسة الدخان فلا بأس به كبخار المعدة لا ينجس الفم، وإن حكمنا بنجاسته وهو الأظهر فقليله معفو عنه، والذي يصيبه في الاستصباح قليل لا يحس غالبًا. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن ما ذكره في بخار المعدة صريح في طهارته، وهذه المسألة قد أسقطها النووي، وهي مهمة، والمذكور في باب طهارة البدن والثوب من "الكفاية" نقلًا عن القاضي والحليمي أنه نجس فقال: قال القاضي الحسين: إن قلنا بنجاسة الدخان، فإن أصاب ثوبًا رطبًا نجسه، وإن كان الثوب يابسًا فوجهان.

قال: ومثل ذلك ما إذا دخل الاصطبل وراثت الدابة وخرج منه دخان أو دخل المستحم وبال وتغوط وخرج منه دخان في الحال فأصاب ثوبه، فإن كان رطبًا تنجس، وإن كان يابسًا ففيه وجهان.

وأصل هذا ما حكيناه عن الحليمي في كتاب الطهارة أن الإنسان إذا خرج منه ريح، وكانت ثيابه رطبة تنجست، وإن كانت يابسة فلا. هذا كلامه في الباب المذكور.

وذكر نحوه في باب الاستطابة فقال: ولا شك في عدم وجوب الاستنجاء من خروج الريح، ولم يفرق الأصحاب بين أن يكون المحل رطبًا أو يابسًا، ولو قيل في ما إذا كان رطبًا في وجوبه خلاف بناء على أن دخان النجاسة طاهر أم نجس كما قيل بمثله في تنجيس الثوب الذي يصيبه إذا كان رطبًا لم يبعد، لكن قد يقال في جوابه: إن ذلك لا يزيد على ما تبقى

ص: 423

على المحل بعد الاستجمار، وذلك معفو عنه، والله أعلم.

الأمر الثاني: أن النووي في "الروضة" قد تبعه على العفو عما يصيبه في الاستصباح، وهو مخالف لنص الشافعي فقد قال في "مختصر البويطي" في أثناء باب غسل الجمعة في الكلام على الزيت النجس ما نصه: ومن مسه في الاستصباح أو غيره أو أصاب ثوبه فليغسل موضعه قبل أن يصلي، فإن صلى به في ثوب أو بدن غسله وأعاد الصلاة. هذا لفظه بحروفه.

قوله في "أصل الروضة": ويجوز لبس الحرير للحاجة كالجرب، وفيه وجه أنه لا يجوز وهو منكر، ويجوز لدفع القمل في السفر، وكذا في الحضر على الأصح. انتهى.

وحكايته لهذا الوجه المفصل بين الحاضر والمسافر في القمل غلط، فإن الذي ذكره الرافعي في شرحيه "الكبير" و"الصغير" إنما هو حكايته في الجرب فانعكس على النووي حالة الاختصار، وذكره في الجرب أيضًا الإمام والغزالي وابن الرفعة.

ووقع هذا الوهم أيضًا في "شرح المهذب"، وزاد فنقل الوجه المذكور عن الإمام والغزالي مع أنهما ذكراه في الجرب كما تقدم.

وهذه المسألة وغيرها من مسائل الحرير ذكرها الرافعي في صلاة العيد فنقلها في "الروضة" إلى هذا الباب وقد تكلمت على ما يختص "بالروضة" هنا، وعلى ما يتعلق بالرافعي هناك.

قوله من زياداته: قال الشيخ أبو الفتح نصر المقدسي رحمه الله يحرم تنجيد البيوت بالثياب المصورة وبغير المصورة، سواء فيه الحرير وغيره، والصواب في غير الحرير والمصور الكراهة دون التحريم. انتهى لفظه.

والتنجيد بتاء بنقطتين من فوق ثم نون ثم جيم هو التزيين، وكلام

ص: 424

النووي في هذه المسألة يشعر بموافقة المقدسي على التحريم في الحرير، لكن كلام الرافعي في الوليمة يشعر بالجواز، وتابعه عليه في "الروضة" فإنه قال ما نصه: ومن المنكرات فرش الحرير، وصور الحيوانات على السقوف. . . . إلى آخره.

ذكر ما هو أصرح من ذلك في آخر كتاب النذر فقال: الثانية: ستر الكعبة وتطيبها من القربات ولا فرق بين الحرير وغير الحرير، وإنما ورد تحريم لبس ذلك في حق الرجال. هذا لفظه.

وهو صريح في ما قلناه، وقد حذف من "الروضة" الكلام الأخير الذي استفدنا منه هذه المسألة.

ص: 425