المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الباب السادس في‌ ‌ السجدات وهي ثلاث:   ‌ ‌سجدة السهو: قوله: ومقتضيه شيئان: ترك مأمور، - المهمات في شرح الروضة والرافعي - جـ ٣

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الصلاة

- ‌الركن الأول التكبير

- ‌[الركن الثاني: القيام]

- ‌الركن الرابع: الركوع

- ‌ شرائط الصلاة

- ‌الشرط الأول: الطهارة عن الحدث

- ‌[الشرط الثاني: طهارة النجس]

- ‌الشرط الثالث ستر العورة

- ‌الشرط الرابع: ترك الكلام…إلى آخره

- ‌الشرط الخامس: ترك الأفعال

- ‌ السجدات

- ‌سجدة السهو:

- ‌ سجدة التلاوة

- ‌ سجدة الشكر

- ‌ صلاة التطوع

- ‌كتاب الصلاة بالجماعة

- ‌الفصل الأول: في فضلها

- ‌الفصل الثالث: في شرائط القدوة

- ‌كتاب صلاة المسافرين

- ‌الباب الأول في القصر

- ‌الباب الثاني في [الجمع]

- ‌كتاب الجمعة

- ‌الباب الأول في شرائطها

- ‌الباب الثاني فيمن تلزمه الجمعة

- ‌الباب الثالث في كيفية إقامة الجمعة

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌باب صلاة العيدين

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌كتاب الجنائز

- ‌ القول في التكفين

- ‌ القول في الدفن

- ‌ القول في التعزية

- ‌باب تارك الصلاة

- ‌كتاب الزكاة

- ‌زكاة الغنم

- ‌باب صدقة الخلطاء

- ‌الفصل الأول: في حكم الخلطة

- ‌الفصل الثاني: في التراجع

- ‌الفصل الثالث: في اجتماع الخلطة والانفراد [في الحول الواحد]

- ‌زكاة المعشرات

- ‌الطرف الأول: في الموجب:

- ‌الطرف الثاني: في الواجب

- ‌الطرف الثالث: فى وقت الوجوب

- ‌ زكاة النقدين

- ‌ زكاة التجارة

- ‌ زكاة المعدن والركاز

الفصل: الباب السادس في‌ ‌ السجدات وهي ثلاث:   ‌ ‌سجدة السهو: قوله: ومقتضيه شيئان: ترك مأمور،

الباب السادس في‌

‌ السجدات

وهي ثلاث:

‌سجدة السهو:

قوله: ومقتضيه شيئان: ترك مأمور، وارتكاب منهي. انتهى.

تابعه في "الروضة" على حصر المقتضي في الشيئين، وقد أهملا سببًا ثالثًا، وهو إيقاع بعض الفرض مع التردد في وجوبه، وذلك فيما إذا شك هل صلى ثلاثًا أو أربعًا؟

فإنه يقوم إلى الرابعة ويسجد لأجل التردد في وجوبها عليه، كما سيأتي إيضاحه في موضعه إن شاء الله تعالى.

قوله: أما المأمورات، فإن كانت أبعاضًا وهي التي عددناها في أول باب صفة الصلاة يسجد لتركها سهوًا، وكذا عمدًا في الأصح. انتهى.

يستثنى من المتروك عمدًا مسألة ذكرها القفال في "فتاويه" فقال: وإن لم يقنت الإمام وهوى للسجود فوقف المأموم بنية القنوت فقنت بطلت صلاته، لأنه مخالف للإمام إلا أن يخرج نفسه من الجماعة كما في التشهد الأول فإذا تابع الإمام ولم يقنت، فإن سجد إمامه للسهو سجد معه، وإن لم يسجد إمامه سجد هو، فإن كان الإمام حنفيًا لا يرى السجود يترك القنوت لم يسجد المأموم لأن ذلك بسهو من الإمام. هذا كلامه.

وما ذكره أولًا من بطلان صلاة المأموم بتخلفه للقنوت، قد جزم الرافعي بخلافه فقال: لا يضر إذا لحقه في السجود، وكان الفرق بين القنوت والتشهد على ما قاله الرافعي أنه لم يحدث فى التخلف للقنوت وقوفًا بخلاف التشهد فإنه يحدث له قعودًا، غير أنه ينتقض بما إذا جلس

ص: 206

للاستراحة إلا أن ينازع منازع ويقول: لا يستحب الجلوس لمن ترك التشهد؛ والمتجه خلافه.

قوله: وهى -أى الأبعاض- هى التشهد الأول وبقعود له والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه، والصلاة على الآل حيث استجبناها في التشهدين، والقنوت إلى آخره، ثم قال: أما التشهد الأول فللحديث، وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فلأنه لو تركها في التشهد الأخير عامدًا بطلت صلاته فيسجد لها في الأول كالتشهد. انتهى.

فيه أمران مهمان نبه عليهما الطبري شارح "التنبيه":

أحدهما: أن ترك حكمة من القنوت كترك جميعه على خلاف ما يوهمه كلام الرافعي، والنووى قال: وحكى عن "فتاوى الإمام" احتمال فيما إذا أتى بأكثره أنه لا يسجد.

الثاني: أن المراد بالتشهد هو المقدار الواجب في الأخير، وما كان سنة فيه، فإنه لا يسجد لتركه.

وتعليل الرافعي يسير إلى ما ذكره فتأمله.

وقياس ما سبق في القنوت من تعلق السجود بكلمة منه أن يأتى [هذا](1) في التشهد الواجب مثله أيضًا، وقد تقدم في أوائل صفة الصلاة أمور مهمة في الكلام على الأبعاض فراجعه.

قوله: وحكى ابن يونس القزوينى عن البافي أن الداركى ذكر وجهًا فيمن نسي التسبيح في الركوع والسجود أنه يسجد. انتهى.

البافي بالباء الموحدة وبالفاء كما سبق إيضاحه في باب الباء.

قوله: وأما النهى عنه فما لا تبطل الصلاة بعمده كالالتفات والخطوة والخطوتين لم يسجد لسهوه، وما يبطل بعمده كالركوع يسجد لسهوه. . . .

(1) في ب: هنا.

ص: 207

إلى آخره.

فيه أمران:

أحدهما: أن هذه القاعدة التى ذكرها يستثنى منها مسائل:

إحداها: القنوت في غير محله كما لو قنت قبل الركوع، فإن عمده لا يبطل الصلاة مع أن سهوه يقتضى السجود على الأصح المنصوص كما ذكره النووي من "زياداته" في باب صفة الصلاة.

وصورة المسألة أن يقرأه بنية القنوت، فإن لم ينوه به فلا سجود، قاله الخوارزمى في "الكافي".

الثانية: إذا طول ركنًا قصيرًا ساهيًا، وقلنا: لو تعمده لم يضر، فإنه يسجد على الصحيح كما ذكره الرافعي والنووي في هذا الباب.

الثالثة: إذا نقل ركنًا ذكريًا فإنه يسجد أيضًا على الصحيح كما ذكره الرافعي في "الشرحين""والمحرر" وتابعه النووى عليه.

الرابعة: إذا قرأ في غير موضع القراءة، وإن لم يكن المقروء ركنًا كسورة الإخلاص فإنه يسجد كما ذكره في "شرح المهذب" وقياس التسبيح في القيام أن يكون كذلك أيضًا، وهو مقتضى ما في "شرائط الأحكام" لابن عبدان، نعم لو قرأ السورة قبل الفاتحة لم يسجد كما قال ابن الصباغ، لأن القيام محل لها من العجلة، هكذا لو كرر التشهد ناسيًا أو شك فيه فأعاده، كما قاله القاضى الحسين.

الخامسة: إذا فَرَّقَهم في الخوف أربع فِرَق وصلى بكل فِرْقة ركعة، أو فَرَّقَهم فرقتين فصلى بفرقة ركعة وبالفرقة الأخرى ثلاثة فإنه يجوز على المشهور، لكنه يكره، وليسجد للسهو للمخالفة بالانتظار في غير موضعه، كذا ذكره في "الروضة" هناك ناقلًا له عن النص.

ص: 208

السادسة: إذا ترك التشهد [الأول](1) ناسيًا وتذكره بعد ما صار إلي القيام أقرب، فله أن يعود إليه، ثم إذا عاد سجد علي ما صححه الرافعي في "الشرح الصغير" و"المحرر" وتبعه النووى في "المنهاج" مع أنه لو تعمده لم تبطل صلاته لأنه يجوز له ترك التشهد الأول، وأن ينتصب فإنَّ فِعْل الموجب للسجود في هذه الصورة إنما هو القيام والقعود، وعلى هذا فلا استثناء لأنه لو قام عمدًا حتى صار إلى القيام أقرب ثم عاد بطلت صلاته، كما هو مجزوم به فى "الشرح" و"الروضة" وغيرهما.

فالجواب: أن الموجب هنا هو القيام وحده، لأن العود مأمور به، وقد فعله فلم يرتكب بعوده منهيًا، ولا ترك مأمورًا، وهما سبب السجود، فلم يبق إلا القيام وهو منهى عنه.

وفائدة هذا البحث أيضًا: أن الإمام لو فعل ذلك ثم قطع المأموم القدوة قبل القعود، فإنه يسجد -أعنى المأموم- لوجود السبب.

واعلم أن ما ذكره في "المنهاج" من كونه يسجد في هذه المسألة، قد خالفه في باقى كتبه فقال في "التحقيق": الأظهر أنه لا يسجد، وقال في "تصحيح التنبيه": أنه الأصح، وقال في "شرح المهذب": صححه الجمهور.

وكلام "الكبير" و"الروضة" كالمتعارض.

وإذا علمت ما تقدم علمت أن الفتوى على عدم السجود لذهاب الأكثرين إليه كما تقدم التصريح بنقله عن "شرح المهذب".

السابعة: استثناها ابن الصباغ في "الشامل" وابن أبي الصيف في "النكت" وهو القاصر إذا زاد ركعتين سهوًا، فإنه يسجد مع أنه يجوز له زيادتهما.

(1) سقط من ب.

ص: 209

وقال مجلى: وفيه نظر، لأن تعمد الزيادة لا بنية الإتمام مبطل، ولو عَيَّن في النفل عددًا، وزاد عليه فهو كالقصر فيما ذكرناه، هذه المسائل تستثنى من القسم الأول، وهو عدم السجود لما لا يبطل.

وأما الثاني: فيستثنى منه ما إذا تنفل علي الدابة فحولها عن صوب مقصده ناسيًا، وعاد على الفور، فإنه لا يسجد على ما هو مقتضى كلام "الروضة" في استقبال القبلة.

وصرح بتصحيحه هناك في "التحقيق" و"شرح المهذب"، وإن كان عمده يبطل، وقد تقدمت المسألة هناك مبسوطة.

الأمر الثالث: إذا فعل المنهي عنه جاهلًا فإنه يبطل إما لتقليده لمن يراه أو خطأ منه فهل يسجد لذلك أم لا؟

لم يتعرض له المصنف هنا، وقد بسطت القول فيه في الكلام على سجود المأموم لسهو الإمام فراجعه.

قوله: إحداها: الاعتدال من الركوع ركن قصير، أُمر المصلى فيه بالتخفيف، ولهذا لم يسن تكرير الذكر المشروع فيه بخلاف التسبيح في الركوع، والسجود، وكأنه ليس مقصودًا لنفسه، وإن كان فرضًا فإنما الغرض منه الفصل بين الركوع والسجود، ولو كان مقصودًا لنفسه لشرع فيه [ذكر](1) واجب، لأن القيام هيئة معتادة فلابد من ذكر يصرفها عن العادة إلى العبادة، كالقيام قبل الركوع، والجلوس في آخر الصلاة، لما كان كل واحد منهما هيئة تشترك فيها العبادة والعادة، وجب فيهما شئ من الذكر، وبهذا الفقه.

أجاب أصحابنا أحمد بن حنبل حيث قال بوجوب التسبيح في الركوع والسجود كالقراءة في القيام، والتشهد في القعود فقالوا: الركوع والسجود لا يشترك فيهما العبادة والعادة، بل هما محض عبادة، فلا حاجة إلى ذكر

(1) في ب: ركن.

ص: 210

مميز بخلاف القيام والقعود. انتهى كلامه.

فيه أمران:

أحدهما: أن كون الركن القصير مقصودًا أم لا؟ وقد ذكره الرافعي في ثلاثة مواضع من كتابه واختلف كلامه فيها، وكذلك كلام النووى أيضًا، وقد تقدم ذلك مبسوطًا في باب صفة الصلاة.

الثاني: أن كلامه صريح في تحريم حنى الظَّهر لغيره، والحديث الصحيح يدل عليه أيضًا، وهو:"إن أحدنا يجد أخاه في طريقه انحنى ظهره له، قال: لا"(1)، وقد ذهل النووى فقلد المتولى في كراهته كما سنعرفه في السير.

قوله: ولو طول الاعتدال عمدًا فثلاثة أوجه:

أحدها: لا تبطل لما روى عن حذيفة قال: "صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقرأ البقرة وآل عمران والنساء في ركعة، ثم ركع، فكان ركوعه نحوًا من قيامه، ثم رفع رأسه وقام قريبًا من ركوعه ثم سجد"(2).

والثانى: أنها تبطل إلا حيث ورد الشرع بالتطويل بالقنوت أو في صلاة التسبيح، لأن تطويله تغيير لموضوعه، وهذا ما أورده في "التهذيب" وقال الإمام: إنه ظاهر المذهب.

والثالث: إن قنت عمدًا في اعتداله في غير موضعه بطلت، وإن طول بذكر آخر لا بقصد القنوت لم تبطل. انتهى.

فيه أمور:

أحدها: أنه لم يبين هو ولا النووي في "الروضة" حقيقة صلاة

(1) أخرجه الترمذي (2728) وأحمد (13067) وأبو سعيد النقاش في "فوائد العراقيين"(4) من حديث أنس رضي الله عنه.

قال الترمذي: هذا حديث حسن.

وقال الألباني: حسن.

(2)

أخرجه مسلم (772) والنسائي (1664).

ص: 211

التسبيح، وقد اختلف كلام النووي في بيان حقيقتها فقال في "شرح المهذب": روى ابن عباس -رضى الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للعباس: يا عباس، يا عماه، ألا أعطيك، ألا أمنحك ألا أحبوك، ألا أفعل بك عشر خصال إذا أنت فعلت ذلك، غفر الله لك ذنبك كله أوله وآخره، قديمه وحديثه، خطأه وعمده، صغيره وكبيره، سره وعلانيته، أن تصلى أربع ركعات تقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة من القرآن، فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة وأنت قائم قلت: سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر، خمس عشرة مرة، ثم تركع فتقولها وأنت راكع عشرًا، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولها عشرًا، ثم تسجد فتقولها عشرًا، ثم ترفع رأسك فتقولها عشرًا، ثم ترفع رأسك فتقولها عشرًا، ثم تسجد ثانيًا فتقولها عشرًا، ثم ترفع رأسك فتقولها عشرًا، فذلك خمس وسبعون، في كل ركعة تفعل ذلك في أربع ركعات، إن استطعت أن تصليها في كل يوم فافعل، فإن لم تفعل ففي كل جمعة مرة، فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة، فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة، فإن لم تفعل ففي عمرك مرة" (1) رواه أبو داود وابن ماجة وابن خزيمة في "صحيحه". هذا كلامه.

وذكر هذه الكيفية في "الأذكار" إلا أنه لم يذكر العشر المفعولة بعد السجدة الثانية، بل ذكر عوضها عشرًا قبل قراءة الفاتحة.

الأمر الثانى: أن النووي رحمه الله قد اختلف أيضًا كلامه في استحبابها، وفي صحة الحديث الوارد فيها فقال في "شرح المهذب" بعد ذكره لهذا الحديث: قال القاضى الحسين وصاحب "التهذيب" و"التتمة"

(1) أخرجه أبو داود (1297) وابن ماجه (1387) وابن خزيمة (1216) والحاكم (1192) والطبراني فى "الكبير"(11365) و (11622) والبيهقي فى "الكبرى"(4695) من حديث ابن عباس -رضى الله عنهما-، وصححه أبو عليّ بن السكن والحاكم وابن ناصر الدين الدمشقي والحافظ ابن حجر والألبانى وغيرهم.

ص: 212

والرويانى في أواخر كتاب الجنائز من كتابه "البحر" تستحب صلاة التسبيح للحديث الوارد فيه، وفي هذا الاستحباب نظر، لأن حديثها ضعيف، وفيها تغيير لنظم الصلاة المعروف فينبغي أن لا يفعل لغير حديث صحيح، وليس حديثها بثابت. هذا لفظه في باب صلاة التطوع.

وذكر في "التحقيق" هناك مثله أيضًا، فقال: وحديثها ضعيف. هذا لفظه، وخالف في "تهذيب الأسماء واللغات" فقال في الكلام على سبح: وأما صلاة التسبيح المعروفة فسميت بذلك لكثرة التسبيح فيها خلاف العادة في غيرها.

وقد جاء فيها حديث حسن في كتاب الترمذى وغيره، وذكرها المحاملي، وصاحب "التتمة" وغيرهما من أصحابنا، وهي سنة حسنة. هذا لفظه.

وقال ابن الصلاح: إنها سنة، وإن حديثها حسن، وله طرق يعضد بعضها بعضًا، فيعمل به سيما في العبادات.

الأمر الثالث: في ضابط ما يحصل به التطويل، وقد ذكره الخوارزمي في "كافيه" نقلًا عن الأصحاب فقال: هو أن يلحق الاعتدال بالقيام للقراءة ويلحق الجلوس بين السجدتين بالجلوس للتشهد، أى: إذا قلنا: إنه قصير كما ستعرفه بعد هذا.

وكلام الرافعي "والروضة" في الكلام على نقل الركن القولي يدل على ما ذكره الخوارزمي، فإنهما صورا النقل مع عدم التطويل بما إذا قرأ بعض الفاتحة أو التشهد فدل على أن الكامل منهما يحصل به التطويل.

وحديث حذيفة المذكور رواه مسلم في "صحيحه"، وروى البخارى معناه.

الرابع: أن النووي رحمه الله قد اختار جواز إطالة الاعتدال بالذكر خاصة فقال في "الروضة": إنه الراجح، وفي "التحقيق": إنه

ص: 213

المختار، وفي "شرح المهذب": إنه الأقوى، ووافق في "المنهاج" رأى الجمهور، وهو الذي اختاره، وهو التفصيل بين الذكر وغيره، لم يختر غيره على الإطلاق ثم إن مسلمًا روى عن أنس ما يقتضى أيضًا جواز إطالة الجلوس بين السجدتين بالذكر، وكان ينبغي طرد اختياره [فيه](1)، والظاهر أنه لم يستحضره.

قوله: واحتج إمام الحرمين للوجه الأظهر -أى: القائل ببطلان الصلاة بتطويل الاعتدال- بأنه لو جاز تطويله لبطل معنى الموالاة، فإن سائر الأركان قابلة للتطويل، وإذا طوله أيضًا لم تبق الموالاة، ولابد من الموالاة في الصلاة.

ولمن ذهب إلى الوجه الأول أن يقول: إن كان معنى الموالاة أن لا يتخلل فصل طويل بين أركان الصلاة بما ليس منها، فلا يلزم من تطويله وتطويل سائر الأركان فوات الموالاة [وإلا فلا أسلم اشتراط الموالاة](2) بمعنى آخر. انتهى.

وهذا الكلام قد حذفه من "الروضة"، وفيه دلالة على أن الرافعي لم يتحرر له تفسير الموالاة، وهو من الأمور المهمة، وقد تقدم بسطه في أوائل صفة الصلاة، فراجعه.

قوله: الرابعة: الجلوس بين السجدتين وفيه وجهان:

أحدهما: أنه طويل، حكاه الإمام عن الجمهور.

وأصحهما: أنه قصير، وعلى هذا ففي البطلان بتطويله عمدًا الخلاف في الاعتدال. انتهى.

تابعه النووي في "الروضة" على تصحيح كونه قصيرًا إلا أنه أطلق نقل الطويل عن الجمهور، ولم يعزه إلى الإمام كما عزاه الرافعي، وهو

(1) سقط من ب.

(2)

سقط من أ.

ص: 214

عجيب، فإن التصريح بالأصح في مقابلة الجمهور، غير مستعمل غالبًا، وهذا لا يرد على الرافعي بأن تصحيحه منازعة للإمام في النقل عن الجمهور.

وصحح في "المنهاج" أيضًا أنه قصير، وكذلك في كتاب صلاة الجماعة من "شرح المهذب""والتحقيق"، وصحح في هذا الباب من "التحقيق" أيضًا أنه ركن طويل، ونقله هنا في "شرح المهذب" عن الأكثرين، ولم يخالفهم.

قوله: الخامسة: سبق أن نقل الركن القولى كالفاتحة والتشهد وبعضهما إلى الركوع أو غيره لا يضر في أصح الوجهين، فإن قلنا بالإبطال فيه، وفي تطويل الركن القصير فسهى بذلك سجد ولا كلام.

وإن قلنا بعدم البطلان فهل يسجد عند السهو؟ فيه وجهان:

أحدهما: لا، كسائر ما لا يبطل عمده الصلاة.

وأصحهما: نعم، لأن المصلي مأمور بالتحفظ وإحصان الذهن أمرًا مؤكدًا عليه كتأكيد التشهد الأول، فإذا غفل وتركه سجد كالتشهد الأول أو القنوت. انتهى ملخصًا.

فيه أمور:

أحدها: أن تعبيره في النقل يدخل فيه التكبير والسلام، مع أن نقل السلام مبطل جزمًا، وفي التكبير نظر، والظاهر ما اقتضاه كلامه لأنه كالتشهد في وقوعه تارة فرضًا، وتارة سنة، وقد أجروا فيه الخلاف.

الثاني: أن الخلاف في السجود لنقل الركن يجري فيما إذا كان المنقول، غير ركن بالكلية، كما إذا نقل سورة الإخلاص مثلًا، كذا جزم به في "شرح المهذب".

والقياس أن يكون نقل التسبيح إلى غير موضعه مثله أيضًا.

الثالث: أن هذا التعليل الذي ذكره في آخر كلامه وهو قول "التحفظ"

ص: 215

يقتضى أنه لا فرق في السجود بين أن يفعل ذلك عمدًا أو سهوًا، وهو متجه وقد صرح به في "شرح المهذب"، لكن في مسألة النقل، وأشعر كلامه في التطويل بخلافه، والصواب التسوية كما سبق.

قوله: قاعدة الفصل: إن الترتيب في أركان الصلاة واجب الرعاية. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن مقتضى كلامه أنه يجب الترتيب بين التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لأنهما ركنان كما سبق ذكره في صفة الصلاة، وقد جزم البغوى في "فتاويه" بذلك -أعنى: بوجوب الترتيب بينهما- فيقدم أولًا التشهد ثم الصلاة، وجزم به أيضًا النووي في "شرح المهذب" لكن ذكر الرافعي في "شرح مسند الإمام الشافعي" كلامًا طويلًا حاصله الجزم بأنه كبعض التشهد وحينئذ فيكون الأصح عنده عدم وجوب الترتيب.

الأمر الثانى: أن الرافعي رحمه الله قد جعل الترتيب من الأركان، وأما النووي فاختلف فيه كلامه فجزم في أوائل باب صفة الصلاة من ["الروضة"](1) وفي آخره من "المنهاج" بأنه من الأركان.

وجزم في "شرح الوسيط" المسمى "بالتنقيح" بأنه من الشرائط.

قوله: فبقوم إذا تذكر في قيام الثانية أنه ترك سجدة من الأولى، وكان قد جلس عقب السجدة المفعولة بقصد الاستراحة لظنه أنه أتى بالسجدتين جميعًا فوجهان:

أحدهما: لا يحسب ذلك الجلوس لأنه قصد به السنة فلا ينوب عن الفرض، كما لو سجد للتلاوة، لا يقوم مقام سجود الفرض.

والثانى: -ورجحه الأكثرون- أنه يكفيه كما لو جلس في التشهد

(1) سقط من أ.

ص: 216

الأخير، وهو يظنه الأول: انتهى ملخصًا.

ومقتضاه الجزم في التشهد الأخير بأنه يكفي، ولا يخرج علي الخلاف، وإلا لم يصح القياس، ثم إنه خلاف ما ذكره هنا بعد ذلك بسبعة أوراق، قُبَيل كلام أوله قال: السادس: قد ذكر أنه إذا تشهد التشهد الأخير ثم قال ناسيًا، ثم تذكر لم يجب إعادته على الصحيح.

ثم قال ما نصه: فهذا كله إذا كان قد تشهد علي قصد التشهد الأخير، فأما إذا تشهد على ظن أنه التشهد الأول عاد الوجهان في تأدى الفرض بنية النفل، هذا كلامه بحروفه، ووقع الموضعان في "الروضة" وغيرها من كتب النووي كذلك، وما ذكره الرافعي أيضًا في سجود التلاوة هو المعروف.

وفي "المهذب" وغيره وجه أنه يكفي أيضًا عن سجود الفرض.

واعلم أن هذه القاعدة التى ذكرها الرافعي وهى الخلاف في تأدي الفرض بنية النفل قد تكرر استعمالها في هذا الباب، وفي غيره، وليس الأمر فيها على ما يقتضيه ظاهر إطلاق اللفظ، بل لها ضابط خاص، وقد لخصه النووي في "شرح الوسيط" فقال: صورته أن يكون قد سبقت نية تشمل الغرض والنفل جميعًا، ثم يأتي شئ من تلك العبادة ينوي به النفل، ويصادف بقاء الغرض عليه، فهل تجزئه؟ فيه وجهان:

أحدهما: لا، لأن نية النفل موجودة حقيقة وتلك ضمنًا واستصحابًا.

وأصحهما: تجزئة، لأن بقاء [نية](1) الفرض الشاملة لها حكم الموجود حقيقة، ولهذا صحت العبادة مع غفلته استصحابًا.

قال: والباء باء المصاحبة، أى هل يتأدى الفرض بنيته السابقة الشاملة المستصحبة مع ما صحبها من نية النفل، والله أعلم.

(1) سقط من أ.

ص: 217

هذا كلامه رحمه الله وسبقه إليه ابن الصلاح في "مشكل الوسيط".

قوله: ولو ترك ثلاث سجدات، ولم يعرف موضعهن لزمه ركعتان، فإن أسوأ الأحوال أن يكون قد ترك سجدة من الأولى وسجدة من [الثانية](1)، وسجدة من الرابعة، فتجبر الأولى بسجدة من الثانية وتبطل [الثانية](2) وتجبر الثالثة بسجدة من الرابعة وتبطل الرابعة. انتهى ملخصًا.

تابعه عليه في "الروضة"، والصواب أنه يلزمه ركعتان وسجدة، فإن أسوأ الأحوال أن يكون المتروك هو السجدة الأولى من الركعة الأولى والسجدة الثانية من الركعة الثانية وواحدة من الرابعة، ويتصور ترك الأولى وغيرها.

وأما السجود فيها على كور عمامته أو لنزول عصابته على جبهته أو غير ذلك من الطرق التى ذكروها، وإنما قلنا: إنه الأسوأ، لأنه لما قدرنا أنه ترك السجدة الأولى من الركعة لم يحسب الجلوس الذي بعدها لأنه ليس قبله سجدة، ولكن بعده سجدة محسوبة، فيبقى عليه من الركعة الأولى الجلوس بين السجدتين والسجدة الثانية.

ولما قدرنا أنه ترك السجدة الثانية من الركعة الثانية لم يمكن أن يكمل بسجدتها الأولى الركعة الأولى لفقدان الجلوس بين السجدتين قبلها.

نعم بعدها جلوس محسوب فيحصل له من الركعتين ركعة إلا سجدة فيكملها بسجدة من الثالثة، وحينئذ فتفسر الثالثة لأن القيام إليها كان قبل كمال التى قبلها، ثم ترك واحدة من الرابعة فيبقى عليه ركعتان، وسجدة فيسجد ثم يأتي بركعتين، وهذا العمل كله واضح، وهو أمر عقلي لا شك

(1) في ب: الثالثة.

(2)

سقط من أ.

ص: 218

فيه.

فإن قيل: إذا قدرنا أن المتروك هو السجدة الأولى، وأنه يلزم بطلان الجلوس الذي بعدها كما قلتم، فحينئذ لا يكون المتروك ثلاث سجدات فقط.

قلنا: هذا خيال باطل، فإن المعدود تركه إنما هو المتروك حسًا، وأما المأتي به في الحس ولكن بطل شرعًا لبطلان ما قبله ولزومه من سلوك أسوأ التقادير، فلا يحسب في ترجمة المسألة، إذ لو قلنا بهذا لكان يلزم في كل صورة، وحينئذ فيستحيل قولنا: ترك ثلاث سجدات فقط أو أربع، لأنا إذا جعلنا المتروك من الركعة الأولى هو السجدة الثانية كما قاله الأصحاب، فيكون قيام الركعة الثانية وركوعها وغير ذلك مما أتاه فيها باطلًا إلا السجود وهكذا في الركعة الثالثة مع الرابعة.

وحينئذ فلا يكون المتروك هو السجود فقط، بل أنواعًا أخرى من الأركان، وهو واضح لا شك فيه، وإنما ذكرت هذا الخيال الباطل لأنه قد يختلج في صدر بعض الطلبة، وإلا فمن حقه أن لا يدون، وهذا الاعتراض الذي ذكرته يأتي أيضًا في ما إذا كان المتروك أربع سجدات فإن الرافعي قد ذكر قبل ذلك أنه يلزمه ركعتان وسجدة، وكذا ذكره غيره أيضًا.

وجعلوا أسوأ الأحوال أن يكون المتروك سجدتين من ركعة واحدة، وسجدتين من ركعتين غير متواليتين.

مثاله: أن يترك من الأولى سجدتين، ومن الثانية سجدة، ومن الرابعة أخرى.

والصواب: أنه يلزمه ركعتان وسجدتان بالعمل المتقدم.

قوله: ولو قعد الإمام للتشهد الأول، وقام المأموم ناسيًا عاد في أصح الوجهين، لأن متابعة الإمام فرض.

ص: 219

والثاني: يحرم العود، لأنه حصل في فرض ليس فيما فعله إلا التقدم على الإمام بركن، وهو غير مبطل، وإن كان عمدًا فلا حاجة إلى الرجوع إلى سنة، ثم قال: والخلاف عند الإمام والغزالي في الجواز، ولا يجب جزمًا، لكن الشيخ أبو حامد، ومن تبعه جعل الخلاف في الوجوب، وكذلك البغوي. انتهى ملخصًا.

فيه أمور:

أحدها: أن الرافعي في "المحرر" قد جزم بطريقة الإمام والغزالي فقال: وللمأموم أن يعود إلى متابعة الإمام على الأصح. هذا لفظه، فانظر كيف قال:"وللمأموم" ولم يقل: وعلى المأموم.

وصحح النووي في "أصل الروضة" وفي كتبه كلها طريقة الوجوب، وكلام "الشرح الصغير" يقتضي أن الأكثرين قائلون بها.

الثاني: أن كلام الرافعي في تعليل العود يقتضي أن ترك القعود للتشهد مع الإمام مخالفة فاحشة مع أنه قد صرح هنا أيضًا بأن تخلفه عنه لاشتغاله بالتشهد تخلف فاحش مبطل ولا شك أن التقديم أفحش.

الثالث: أنه يدل أيضًا على أن القول بوجوب العدد لا فرق فيه بين القائم عمدًا أو سهوًا وسيأتى ما فيه.

قوله في "الروضة": ولو نهض المنفرد ناسيًا وتذكر قبل الانتصاب عاد، وهل يسجد للسهو؟ قولان:

أظهرهما: لا، وقال كثير من الأصحاب: إن صار إلى القيام أقرب منه إلى القعود ثم عاد سجد، وإن كان إلى القعود أقرب، أو كانت نسبته إليهما على السواء لم يسجد، وهذه الطريقة أظهر، وهى كالتوسط بين القولين وحملها على الحالين. انتهى ملخصًا.

فيه أمور:

ص: 220

أحدها: أن كلامه أولًا يقتضي تصحيح طريقة القولين، وآخرًا يقتضي التفصيل، وهو ظاهر التناقض، وكلام الرافعي سالم منه، فإنه نقل الطريقة الأولى عن العراقيين خاصة، ثم ذكر الثانية ورجحها.

الثاني: أنه جعل ما إذا كانت نسبته إليها على السواء من جملة مقالة الكثيرين، وليس كذلك فإن الرافعي نقله عن الإمام خاصة.

الثالث: أن الرافعي رحمه الله قد جزم في "المحرر" بطريقة التفصيل، وقال في "الشرح الصغير": إنها الأظهر، فوافق ما في "الكبير".

وأما النووي فذكر في "المنهاج" كما في "المحرر"، ثم خالف في أكثر كتبه فصحح في "التحقيق" أنه لا يسجد مطلقًا، وقال في "شرح المهذب" .. إنه الأصح عند الجمهور، وأطلق في "تصحيح التنبيه" تصحيحه أيضًا.

وإذا تأملت ذلك كله علمت أن الفتوى عليه لموافقة الأكثرين.

قوله: ولو قام المأموم عمدًا فقطع الإمام فإن العود حرام مبطل كما في نظيره من الركوع والسجود، ثم قال: ولنزاعه مجال ظاهر، لأن أصحابنا العراقيين أطبقوا على أنه لو ركع قبل الإمام عمدًا فينبغي أن يرجع ليركع مع الإمام، فاستحبوا الرجوع. انتهى كلامه.

فيه أمور:

أحدها: أن ما ذكره من إطباق العراقيين على الاستحباب تابعه عليه في "الروضة"، وهو غريب، فقد قطع بالوجوب شيخهم الشيخ أبو حامد شيخ العراقيين، ونقله عن نصه في القديم، وكذلك الشيخ أبو إسحاق في "المهذب"، وهو أشهر العراقيين.

الثاني: أن حاصل ما ذكره عدم وجوب العود بالكلية وقد صرح

ص: 221

بتصحيحه في "شرح المهذب" هنا فقال: إلا أنه يستحب، ونص عليه في "الأم".

الثالث: أن الرافعي والنووي قد صححا في باب صلاة الجماعة أن المأموم لا يجب عليه العود إذا سبق إمامه بركن سواء كان عمدًا أو سهوًا.

قالوا: ويستحب العود عند العمد، وحينئذ فيستحب عند السهو بطريق الأولى لما نقف عليه في موضعه.

والذي قالاه هنا مشكل على ما صححوه هنا من الوجوب عند السهو بالقيام عن التشهد كما سبق قبل هذا بدون الورقة، إلا أن يجيب مجيب بأن ترك القعود مع الإمام مخالفة فاحشة. ويمنع ما أشعر به كلام الرافعي فيصح الفرق.

قوله في "الروضة": ولو ترك الركوع [ثم تذكره](1) في السجود، فهل يجب الرجوع إلى القيام ليركع أم يكفيه أن يقوم راكعًا؟ وجهان لابن شريح.

قلت: أصحهما الأول، والله أعلم. انتهى كلامه.

واعلم أن الصحيح في هذه المسألة من حيث الجملة هو عدم الوجوب، وذلك لأن الرافعي فرع هذين الوجهين على قولنا: إنه يجب إعادة التشهد إذا قام إلى خامسة ساهيًا، وتذكر بعدما تشهد.

ووجوب الإعادة، والحالة هذه وجه ضعيف فيكون الصحيح أيضًا في مسألتنا عدم الوجوب، فإنه قال: الخامس: إذا قام إلى الخامسة ناسيًا بعد التشهد ثم تذكر جلس وسلم، وهل يحتاج إلى إعادة التشهد فيه وجهان:

أصحهما -وبه قال المعظم: لا، لأنه أتى به في موضعه، فلم يعده كالسجود.

(1) في الأصول: تذكر، والمثبت من الروضة.

ص: 222

والثاني -وبه قال ابن شريح، ونسب إلى النص: إنه يجب؛ وذكر ابن شريح له معنيين.

أحدهما: رعاية الموالاة بين التشهد والسلام.

والثاني: أنه لو لم يعد التشهد لبقى السلام فردًا غير متصل بركن قبله، ولا بعده.

وفرع ابن شريح عليهما ما إذا ترك الركوع ثم تذكر في السجود.

إن قلنا بالمعنى الأول فيجب أن يعود إلى القيام ويركع منه؛ وإن قلنا بالثانى كفاه أن يقوم راكعًا، فإنه لا يبقى فردًا لاتصاله بالسجود، وما بعده. انتهى كلام الرافعي.

ثم إنه ضعف كلًا من المعنيين، فلما اختصره النووى حذف المفرع عليه، وجعلها مسألة مستقلة وصحح فيها الوجوب، وهو اختصار عجيب يقتضى عكس ما دل عليه كلام الرافعي من عدم الوجوب. نعم إذا فرعنا على الوجه الضعيف يكون الحكم ما قاله النووى.

وقد اغتر في "شرح المهذب" بما ذكره في "الروضة" وصحح الوجوب أيضًا، وظن أن ذلك حكم مستأنف متأصل، فعلله بأن شرط الركوع أن لا يقصد بالهوى إليه غيره، وهذا قصد للسجود.

قوله: وإن وقع الشك في عدد الركعات أو في ترك ركن من الأركان بعد السلام فينظر إن لم يظن الفصل فقولان:

أظهرهما -وبه قطع بعضهم-: أنه لا عبرة به وإن طال فطريقان:

أحدهما: طرد القولين.

وأصحهما: القطع بأنه لا عبرة به. انتهى ملخصًا.

ذكر مثله في "الشرح الصغير"، وفيه أمور:

أحدها: أن النووى في "الروضة" قد جمع بين القسمين،

ص: 223

واختصرهما اختصارًا فاسدًا، فإنه أداه ذلك إلى انعكاس كلام الرافعي عليه في المسألة الأولى، فصحح طريقة القطع لا طريقة القولين، فإنه قال ما نصه: وإن وقع هذا الشك بعد السلام فالمذهب أنه لا شئ عليه ولا أثر لهذا الشك، وقيل: فيه ثلاثة أقوال. . . . إلى آخره.

وذكر مثله في "شرح المهذب" و"التحقيق"، وسبب وقوعه في هذا أن الرافعي بعد تفصيله لهذا الكلام قال: وإذا لم نفصل بين طول الزمان وقصره قلت: في الشك الطارئ بعد الفراغ طريقان:

أحدهما: أنه لا يعتبر بحال.

والثانية: ثلاثة أقوال. . . . إلى آخره.

فذكر النووي هذا الكلام، وضم إلى الطريقة الأولى تصحيح عدم الإبطال مع أنه لايمكن إطلاقه، ولا إطلاق قسمه لما علمت من أنها -أى: الطريقة القاطعة- هي الصحيحة في الثانية دون الأولى.

الأمر الثاني: أن النووي رحمه الله قد جزم في "المنهاج" بطريق الخلاف غير أنه جعله ضعيفًا، فإنه عبر بالمشهور، وذلك مناقض لما صححه في "الروضة" وغيرها من طريقة القطع.

الثالث: أنهم إنما قيدوا الشك المذكور بما ذكروه من الأركان، وعدد الركعات للاحتراز عن الشك في الشروط، فإنه يؤثر إذا وقع بعد السلام على الصحيح كما ذكره النووي في "شرح المهذب" في باب المسح على الخفين فقال: لو صلى ثم شك بعد ذلك هل كان متطهرًا أم لا؟ فوجهان:

المذهب: أنه يضر، قال: والفرق بينه وبين الأركان من وجهين:

أحدهما: أن الأركان يكثر الشك فيها غالبًا لكثرتها بخلاف الطهارة.

الثاني: أنه إذا شك في الشروط فقد شك في انعقاد الصلاة، والأصل عدمه.

وهذا الذي قاله النووي في الطهارة، نقل القاضي حسين أنه القول

ص: 224

الجديد، وهو يقتضى أن الشروط كلها كذلك، وأن المشكوك فيه لو كان هو النية وجبت الإعادة، وقد صرح به البغوي في "فتاويه"، ويؤيده ما ذكره أيضًا في باب صلاة الجماعة من "شرح المهذب" و"التحقيق" أنه لو شك كل واحد من الإمام والمأموم بعد الفراغ أنه نوى الإمامة والائتمام أوشك أحدهما، ونوى الآخر الاقتداء بطلت صلاتهما، قال: بخلاف ما لو شك في أنه هل كان نوى الاقتداء أم لا؟ فإنه [لا شئ عليه وذكر أيضًا -أعني: النووي- في "الروضة" و"شرح المهذب" وغيرهما أنه](1) لو شك بعد الفراغ من وضوئه [في غسل بعض أعضائه](2) فإنه [لا](3) يضر [على الصحيح بخلاف ما إذا كان في أثناء الوضوء فإنه يضر](4) فينبغي حمل ما قاله في "شرح المهذب" على ما إذا شك في أصل الفعل، لكن الفرق الثاني من الفرقين المتقدمين يقتضي أيضًا أنه [لا](5) يضر، لأنه شك في هذه الحالة في انعقاد الصلاة.

قوله: والأظهر ويحكى عن نصه في "الأم" أن الطول يعتبر [بالعرف](6)، وقيل: قدر الصلاة التي كان فيها، وحكى عن "البويطي" أنه ما يزيد على قدر ركعة، وبه قال أبو إسحاق المروزي. . . . إلى آخره.

فيه أمران:

أحدهما: أنه قد ذكر في أثناء الباب قبله في الكلام على الشرط الخامس أن مقدار الركعة عند من يعتبرها طويل على خلاف ما ذكره هنا، وقد تقدم ذكر لفظه.

(1) سقط من أ.

(2)

سقط من أ.

(3)

سقط من أ.

(4)

سقط من أ.

(5)

سقط من ب.

(6)

في ب: بالعرف.

ص: 225

الأمر الثاني: أن الشافعى في "البويطي" قد نص على أن المعتبر في هذه الركعهّ إنما هو مقدار قراءة الفاتحة فقط، قال رحمه الله: قواعد أربع:

الأولى: إذا شك في صلاته هل صلى ثلاثا أو أربعًا؟ أخذ بالأقل، وسجد للسهو، ولا يجوز العمل بقول الغير.

وقيل: يجوز الرجوع إلى قول جمع كثيرين كانوا يرقبون صلاته، ثم قال: والمشهور الأول، لأنه تردد في فعل نفسه، فلا يرجع إلى قول غيره كالحاكم إذا نسى حكمه لا يأخذ بقول الشهود. انتهى كلامه.

وما استدل به على هذا الوجه من القياس المذكور فغير صحيح، لأن الخلاف ثابت في المسألتين، وقد حكاه هو هناك في موضعه.

قوله: واختلفوا في سبب السجود فيما إذا شك هل صلى ثلاثًا أم أربعًا؟ فقيل: المعتمد فيه الخبر ولا يظهر معناه، وقيل: سببه التردد في الركعة التي يأتي بها هل هى رابعة أم زائدة؟

[ونقضه الإمام بما إذا شك في قضاء الثانية التى كانت عليه، فإنا نأمره بقضائها](1) ولا يسجد للسهو، وإن كان مترددًا في أنها عليه من أول الصلاة إلى آخرها، ويتفرع على الخلاف، ما إذا زال تردده قبل السلام، وعرف أنه لم يزد شيئًا وأنها الركعة الأخيرة.

فإن قلنا بالأول فلا يسجد لأنَّ المُتَّبع الحديث، والحديث ورد في دوام الشك.

وإن قلنا بالثانى سجد لأن الركعة قد تأدت على التردد وضعف النية، وزوال التردد بعد ذلك لا يرفع ما وقع وضبط أصحاب الوجه الثاني صور

(1) سقط من ب.

ص: 226

عروض الشك وزواله فقالوا: إن كان ما فعله من وقت عروض الشك إلي زواله ما لابد من على كل احتمال فلا يسجد وإن كان زائدًا على بعض الاحتمالات سجد.

مثاله: شك في قيامه من صلاة الظهر أنها ثالثة أم رابعة، فركع وسجد على هذا الشك، وهو على عزم القيام إلى ركعة أخرى فتذكر قبل القيام إليها أنها ثالثة أو رابعة، فلا يسجد لأن ما فعله في زمان الشك لابد منه على التقديرين جميعًا.

وإن لم يتذكر أنها ثالثة أو رابعة حتى قام إليها سجد لأن احتمال الزيادة وكونها خامسة كان ثابتًا حين قام. انتهى ملخصًا.

فيه أمور:

أحدها: أن الأصح هو الثاني، وهو التردد، كذا صححه الرافعي في "التهذيب" و"الشرح الصغير" وصححه أيضًا النووي في "شرح المهذب" و"زيادات الروضة" وغيرهما، وكلام "المحرر" يوافق ذلك أيضًا، فإنه جزم فيه بالضابط المفرع على الوجه الثاني، وتبعه عليه في "المنهاج".

الأمر الثاني: أن مسألة القضاء التي نقض الإمام بها كلام الشيخ أبي عليّ مسألة مهمة، وقد أسقطها من "الروضة".

الثالث: أنهما قد أهملا قسمًا ثالثًا وهو ما إذا وقع التذكر بعد نهوضه، وقبل انتصابه.

والقياس أنه إن صار إلى القيام أقرب سجد وإلا فلا.

وقد يقال: يسجد مطلقًا بناء على أن الانتقالات واجبة، وقد سبق إيضاحه في أوائل شروط الصلاة.

قوله: والمنفرد إذا سها في صلاته ثم دخل في جماعة -وجوزنا ذلك على ما سيأتي- فلا يتحمل الإمام سهو ذلك. انتهى كلامه.

ص: 227

جزم أيضًا بعدم التحمل في صلاة الجمعة، وقال في صلاة الخوف: ولو فرق الإمام الناس فرقتين وصلى بالفرقة الثانية، ثم فارقته وسهت بعد المفارقة، فالصحيح أن الإمام يتحمله.

ثم قال: والوجهان جاريان فيما إذا صلى منفردًا فسهى في حال انفراده، ثم اقتدى بعد ذلك، وضعفه الإمام. انتهى كلامه.

ومقتضاه أنها كتلك عند غير الإمام، لكن النووي في "شرح المهذب" لما ذكر هذه المقالة قال: والأظهر ما قاله الإمام من القطع بالسجود.

ووقعت هذه المواضع المذكورة أيضًا في "الروضة" كما هى في "الشرح".

قوله: ولو تيقن -أى: المأموم- في التشهد أنه ترك الركوع أو الفاتحة من ركعة ناسيًا، فإذا سلم الإمام لزمه أن يأتي بركعة أخرى، ولا يسجد للسهو، لأنه سهى في حال الاقتداء. انتهى كلامه.

ذكره مثله أيضًا في "الروضة"، وقد أهملا الكلام على قسم هذه المسألة وهو ما إذا لم يتيقن الترك، بل شك وأتى بعد سلام الإمام بالركعة فهل يسجد أم [لا؟ ] (1) وقد ذكرها القاضي الحسين في "تعليقه" فقال: كنت أقول: إنه يسجد، لأن ما يأتى به بعد سلام الإمام زيادة في أحد محتمليه فإن من الجائز أنه لم يتركها، فيخاطب بسجود السهو، ثم رجعت وقلت: لا سجود عليه، لأن هذه الركعة التي يفعلها بعد سلام الإمام صادرة عن تشكيك صدر في حالة الاقتداء فلم يسجد اعتبارًا بتلك الحالة. انتهى كلامه.

لكن نقل في "الروضة" عن "فتاوى الغزالي" أن المسبوق إذا شك في إدراك ركوع الإمام، وقام بعد سلام إمامه إلى تدارك تلك الركعة، فإنه

(1) سقط من أ.

ص: 228

يسجد كما لو شك هل صلى ثلاثًا أو أربعًا، ثم قال: والذي قاله الغزالي ظاهر، ولا يقال: يتحمله عنه الإمام لأنه شاك في العدد بعد سلام إمامه ومسألتنا نظير هذه.

قوله: ولو ظن المسبوق سلام الإمام فقام ثم سلم الإمام، وهو قائم، وعلم بالحال، فهل يجوز له أن يمضي في صلاته أم يجب عليه أن يعود إلى القعود ثم يقوم؟

حكى صاحب "التهذيب" وغيره فيه وجهين. انتهى.

والأصح هو الثاني، كذا صححه النووي في "التحقيق""وشرح المهذب"، "وزيادات الروضة"، وتعليل الوجهين يظهر مما سيأتى.

قوله: ولو كانت المسألة بحالها، وعلم في القيام أن الإمام لم يسلم بعد، فقال إمام الحرمين: إن رجع فهو الوجه، وإن أراد أن يتمادى وينوي الانفراد قبل سلام الإمام ففيه الخلاف في قطع القدوة.

فإن منعنا تعين الرجوع، فإن جوزناه فوجهان:

أحدهما: يجب الرجوع، لأن نهوضه غير معتد به فيرجع ثم يقطع القدوة إن شاء.

والثانى: لا يجب، لأن النهوض ليس مقصودًا بعينه، وإنما المقصود القيام فما بعده، فلو لم يُرد قطع القدوة بمقتضى كلام الإمام وجوب الرجوع.

وقال الغزالى: إن شاء رجع، وإن شاء انتظر سلام الإمام. . . . إلى آخره.

والصحيح وجوب الرجوع في الحالتين، كذا صححه في "التحقيق" و"شرح المهذب" و"زيادات الروضة".

قوله: وإذا سهى الإمام في صلاته لحق سهو المأموم ثم قال: ويستثنى عنه صورتان:

إحداهما: أن يتبين له كون الإمام جنبًا فلا يسجد لسهوه، ولا يتحمل

ص: 229

هو عن المأموم أيضًا.

والثانية: أن يعرف سبب سهو الإمام ويتيقن أنه مخطئ في ظنه، كما إذا سجد لترك شئ يظن أنه من الأبعاض، ولا يوافق الإمام إذا سجد. انتهى.

تابعه [عليها](1) في "الروضة"، والصورة الأولى فيها إشكال، لأن الصلاة خلاف المُحْدِث والجنب صلاة جماعة لا فرادى على المشهور الذي نص عليه الشافعي.

وأما الصورة الثانية فالكلام عليها متوقف على مقدمة، وهى أن المصلى إذا أتى بالفعل المنهي عنه جاهلًا فإنه لا تبطل، إما لتقليده لمن يراه أو للخطأ المحض فإنه يسجد، كذا جزم به الرافعي في الكلام على ترك التشهد الأول، وتبعه عليه في "الروضة"، وذكر مثله في آخر الباب فقال: إنه إذا ظن [سهوًا](2) فسجد ثم تبين عدمه سجد في أصح الوجهين.

وإذا علمت ما ذكرناه فقياسه في مسألتنا أن يتوجه السجود على المأموم لأنه قد ثبت أن الزيادة علي وجه الخطأ مقتضية للسجود، وما يفعله الإمام من مقتضيات السجود يخاطب به المأموم أيضًا، فلزم ما ذكرناه.

نعم هل له موافقة الإمام في هذا السجود لأنه بمجرد وضع جبهة الإمام توجه عليهما ذلك أو ينوي مفارقته، ثم يأتي به لأن الإمام مخطئ في الإتيان بهذا؟ فيه نظر، وهذا يأتي بعينه في ما إذا تذكر الإمام، وهو في السجود [خطأه فيشرع في الاعتداد بما يأتي به عن السجود](3) المأمور به من غير رجوع إلى القعود، وإن شاء هوى للسجود.

والقياس المنع؛ وآخر كلام الرافعي كالصريح فيه وهو دليل على أنه في هذه المسألة قد اختلط عليه المراد بغير المراد، فإن أوله يخالف تصوير آخره،

(1) سقط من أ.

(2)

سقط من ب.

(3)

سقط من أ.

ص: 230

وحينئذ فالحق أنه لا يوافقه، بل يسجد مع نفسه.

قوله: وحتى سجد الإمام في آخر صلاته سجدتين وجب على المأموم متابعته حملًا على أنه سهى بخلاف ما لو قال إلى ركعة خامسة، فإنه لا يتابعه حملًا على أنه ترك ركنًا من ركعة، لأنه لو تحقق الحال هناك لم يجز متابعته لأن المأموم أتم صلاته يقينًا. انتهى.

وكما لا يتابعه في الخامسة لا ينتظره أيضًا، بل يسلم، كذا ذكره في "شرح المهذب" في باب الصلاة على الجنازة.

قوله من "زياداته": ولو كان المأموم مسبوقًا بركعة أو شاكًا في ترك ركن كالفاتحة فقام الإمام إلى الخامسة، لم يجز للمأموم متابعته فيها. انتهى.

اعلم أن هذه المسألة قد ذكرها الرافعي في آخر صلاة المسافر.

قوله أيضًا من "زياداته": ولو سهى المأموم ثم سبق الإمام حدث لم يسجد المأموم لأن الإمام حمله. انتهى.

هذه المسألة التي ذكرها الرافعي في كتاب الجمعة في أثناء الكلام على الاستخلاف.

قوله: وكتب الأصحاب ساكتة عن الذكر فيهما -أى: في سجدتى السهو- وذلك يشعر بأن المحبوب فيهما هو المحبوب في سجدات صلب الصلاة كسائر ما سكتوا عنه من واجبات السجود ومحبوباته. انتهى كلامه.

وما ذكره من سكوت الأصحاب عليه قد تابعه عليه في "الروضة"، وهو غريب، فقد صرح المتولي [في "التتمة"] (1) بالمسألة فقال: ويسبح فيهما كما ذكرنا في سجدات الصلاة. هذه عبارته.

وقد علمت أن أكثر نقل الرافعي منها، ومن "النهاية"، و"التهذيب".

(1) سقط من أ.

ص: 231

قوله: وفي محله ثلاثة أقوال:

أصحها: أنه قبل السلام لما روى عن عبد الله بن بحينة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر فقام في الركعتين الأوليين، ولم يجلس فقام الناس معه حتى إذا قضى الصلاة، وانتظر الناس تسليمه كبر، وهو جالس فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم (1).

ولحديث أبى سعيد الخدري (2) وعبد الرحمن (3) المذكورين في الشك في عدد الركعات، ثم قال: والثاني إن سهى بزيادة سجد بعد السلام.

والثالث: يتخير إن شاء قَبْل، وإن شاء بَعْد. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن هذا الذي جزم به من حكاية الخلاف قد تابعه عليه في "الروضة"، ولكنه خالفه في "التحقيق" فحكى طريقة قاطعة بالأول، وزاد على ذلك فصححها، وهذه الطريقة قد أشار إليها في "المهذب" ولم يصرح بها في شرحه.

الثاني: أن ما ذكره من دلالة حديث عبد الرحمن على السجود قبل السلام صحيح، وأما دعواه ذلك أيضًا فيما ذكره من حديث أبي سعيد فذهول فإنه قد ذكره في أولى القواعد الأربع فقال: لنا ما روى أبو سعيد الخدري - رضى الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أصلى ثلاثًا أم أربعًا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن، ويسجد سجدتين فإن كانت صلاته تامة كانت الركعة [والسجدتان نافلة، وإن

(1) أخرجه البخاري (795) ومسلم (570).

(2)

أخرجه مسلم (571).

(3)

أخرجه الترمذي (398) وابن ماجه (1209).

قال الترمذي: حسن غريب صحيح. وصححه الشيخ الألباني -رحمه الله تعالى-.

ص: 232

كانت صلاته ناقصة كانت الركعة] (1) والسجدتان ترغيمًا للشيطان".

هذا نص ما ذكره قبل ذلك، وليس فيه تعيين محل السجود. ولا شك أن الحديث المذكور فيه روايتان ذكرهما البيهقى في "السنن":

إحداهما: فيها تعيين محل السجود قبل السلام وهى التى في "صحيح مسلم".

والثانية: بلا تعيين كما ذكره الرافعي، فتوهم الرافعي أن الذي قدمه هو الرواية الأولى، وليس.

كذلك واعلم أن بحينة بباء موحدة مضمومة ثم حاء مهملة مفتوحة ثم ياء مثناة من تحت ساكنة، ثم نون مفتوحة ثم هاء، وبحينة أم عبد الله المذكور، وأبوه اسمه: مالك، وقيل: إن بحينة أم أبيه، حكاه ابن عبد البر.

واسم بحينة: عبدة أم الحارث [بن عبد المطلب بن عبد مناف](2).

قوله: ثم هذا الاختلاف في الإجزاء على المشهور بين الأصحاب، وحكى القاضي ابن كج وإمام الحرمين طريقة أخرى أنه في الأفضل، ففي قول: الأفضل التقديم، وفي قول: الأفضل التأخير، وفي قول: هما سواء. انتهى كلامه.

وهو يوهم أن الإمام حكى قولًا أن التأخير أفضل مطلقًا، وليس كذلك، ومراد الرافعي أنه أفضل في المحل المتقدم ذكره، وهو ما إذا سهى بالزيادة، وقد صرح به الإمام هكذا في هذا الموضع إلا أن الرافعي اختصر لدلالة ما سبق.

نعم صرح بهذا القول النووي في "التحقيق" إلا أَنَّا لا نعلم حكايته

(1) سقط من أ.

(2)

سقط من أ.

ص: 233

لغيره، ولا له أيضًا في غير هذا الكتاب.

واعلم أن ما ذكره الرافعي من كون المشهور هو جعل الخلاف في الإجزاء سبقه الإمام إليه فقلده فيه؛ لكن ذكر الماوردي أنه لا خلاف بين الفقهاء أن سجود السهو جائز قبل السلام وبعده، وإنما اختلفوا في المسنون والأولى.

فمذهب الشافعى، وما نص عليه في القديم والجديد أن الأولى فعله قبل السلام في الزيادة والنقصان. هذه عبارته.

وتوسط في "التتمة" فقال: الذين قالوا بأنه قبله لم يصححوه بعده بخلاف العكس.

قوله: التفريع إن قلنا: يسجد قبل السلام فسلم قبل السجود عامدًا فات السجود في أصح الوجهين، ثم قال: ولا خلاف في أنه، وإن سجد لا يكون عائدًا إلى الصلاة بخلاف ما لو سلم ناسيًا وسجد، ففيه خلاف سيأتى. انتهى كلامه.

وما ادعاه من عدم الخلاف ذكره الإمام فقلده فيه الرافعي، ثم النووي في "الروضة" و"شرح المهذب"، وليس كذلك فإن فيه وجهين صرح بهما الفوراني في "الإبانة" والعمراني في "الزوائد".

قوله: وإن سلم ناسيًا نظر إن طال الزمان لم يسجد في الجديد لفوات محله، وتعذر البناء بطول الفصل، والقديم أنه يسجد لأنه جبران عبادة فيجوز أن يتراخى عنها كجبرانات الحج.

فإن لم يطل الزمان جاز السجود على المنصوص الذي قطع به الجمهور، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسًا وسلم، فقيل له في ذلك فسجد للسهو. انتهى ملخصًا.

فيه أمران:

أحدهما: أن الأصحاب قد اختلفوا في مَنْ سَلّم عامدًا أو ساهيًا هل

ص: 234

يفوت السجود في حقه أو لا؟ وفيه الخلاف المذكور، فإن قلنا: يفوت، قال الإمام: ففي قضائه القولان في سجود التلاوة حينئذ فيتلخص في التارك أقوال أو أوجه:

أحدها: يأتي به أداء.

والثاني: قضاء.

والثالث: لا يأتي [به بالكلية](1).

والرابع: التفرقة بين طول الزمان وقصره، وقد عبر هنا، وفي "الروضة" في النسيان بالسجود وعدمه كما تقدم، وحينئذ فيؤخذ منه أنه لا يأتي به بالكلية على هذا القول بخلاف تعبير "المنهاج" وغيره.

الأمر الثاني: أن قياس الإتيان بالسجود على جبران الحج يقتضي أنه لا يشترط المبادرة إلى السجود عقب التذكر.

والحديث المذكور رواه الشيخان من حديث ابن مسعود.

قوله: وحيث سجد فهل يكون عائدًا إلى الصلاة؟ فيه وجهان: أرجحهما -عند البغوي-: أنه لا يعود.

والثاني: نعم، وبه قال أبو زيد، وذكر القفال أنه الصحيح، وتابعهما إمام الحرمين والمصنف فقطع في "الفتاوى" بذلك، وهكذا ذكر الروياني وغيره.

وينبني على الوجهين مسائل:

منها: لو تكلم عامدًا أو أحدث في السجود، فإن صلاته تبطل إن قلنا بالعود، وإلا فلا. انتهى ملخصًا.

فيه أمران:

أحدهما: أن ما عزاه إلى "فتاوى الغزالي" من القطع قد غيره في

(1) في أ: بالكلمة.

ص: 235

"الروضة" تغييرًا فاحشًا فعبر بالصحيح فقال: وبه قال أبو زيد، وصححه القفال، وإمام الحرمين والغزالي في "الفتاوى" والروياني وغيرهم. هذه عبارته.

وذكر مثلها في "شرح المهذب" ناقلًا له من "الروضة" على عادته.

الأمر الثاني: أن تعبيرهم بالسجود يؤخذ منه أنه لا يعود إلى الصلاة بالهوي جزمًا، وأن السجدة الأولى كافية في العود، وأن وضع الجبهة من غير طمأنينة كافٍ فيه أيضًا.

وفي الأول نظر، والمتجه القطع بأن الهوي كاف، ويحمل ما ذكروه على الغالب، بل إن الإمام والغزالي وجماعة لم يعتبروا بالسجود وعدمه، بل قالوا: إن عَنَّ له أن لا يسجد تبيّنا أنه وقع موقعه، وما ذكره هؤلاء متجه أيضًا.

قوله: ومنها لو كان السهو في صلاة جمعة، وخرج الوقت، وهو في السجود فاتت الجمعة على القول بالعود ولا تفوت على الآخر. انتهى.

وما أطلقه هو وغيره من السجود في هذه المسألة محمول على ظن بقاء الوقت، أما العالم به فيحرم عليه السجود بلا شك، لأنه يفوت الجمعة مع إمكانها، ويحتمل أن يقال: لا يعود به إلى الصلاة لأنه ليس مأمورًا به.

والحالة هذه للمعنى الذي ذكرناه، وقد صرح البغوي في "فتاويه" بالمسألة فقال: إذا صلى الجمعة أو قصر المسافر فخرج الوقت بعد أن سلموا ناسيين لما عليهم من السهو فلا سجود. انتهى.

واعلم أن إخراج بعض الصلاة عن وقتها ممتنع، وإن جعلناها أداء على ما صححه الرافعي والنووي.

وحينئذ فيمتنع السجود في الجمعة وغيرها، وفي المقصورة والتامة.

قوله: ومنها إن قلنا بالفور فلا يكبر للافتتاح، ولا يتشهد، وإن قلنا: لا

ص: 236

يعود، فيكبر، ولا يأتي بالتشهد في الأصح، قاله في "التهذيب".

والصحيح: أنه يسلم سواء قلنا: يتشهد أو لا يتشهد. انتهى.

والذي صححه البغوي قد صححه النووي في "التحقيق"، وأما في "الروضة" و"شرح المهذب" فعزاه إليه كما عزاه الرافعي.

واعلم أنا إذا قلنا بالعود فلابد من السلام أيضًا، وهو يؤخذ من كلام الرافعي قبل هذا الموضع.

قوله: أما إذا قلنا: إن السجود بعد السلام، فقال في "النهاية": حكمه في التحريم والتشهد والتحلل كحكم سجود التلاوة. انتهى.

ذكر مثله في "الروضة" أيضًا، ولم يزد عليه، وما ذكره الإمام قد خالفه فيه جماعات كثيرة منهم الشيخ أبو حامد فقطع في "تعليقه" بأنه يتشهد ويسلم ونقله عن نصه في القديم، وادعى الاتفاق عليه، ونقله عنه في "شرح المهذب"، وقال الماوردي: إنه مذهب الشافعي وجماعة الفقهاء، وذكر المحاملي نحوه أيضًا.

قوله من "زياداته": والسهو في النفل كالفرض على المذهب، وقيل: لا يسجد في القديم انتهى، هذه المسألة ذكرها الرافعي في باب استقبال القبلة في مسائل الانحراف عن القبلة، وتابعه النووي عليها.

قوله أيضًا من "زياداته": ولو سلم من صلاة وأحرم بأخرى ثم تيقن أنه ترك ركنًا من الأولى لم تنعقد الثانية، وأما الأولى فإن قصر الفصل بنى عليها، وإن طال وجب استئنافها. انتهى كلامه.

وما ذكره يقتضي عدم انعقاد الثانية عند طول الفصل، ولا معنى له، فإنه عند التحريم بها ليس في صلاة غايته أنه اعتقد صحة الأولى، واعتقاد ذلك كيف يكون مانعًا من انعقاد أخرى، ولكن صورة المسألة وهو مراده أيضًا أن يُحْرِم بالثانية عقب سلامه بحيث لم يطل الفصل، ولهذا علله في "شرح المهذب" بقوله: لأنه حين أحرم بها لم يكن خرج من الأولى، ومراده

ص: 237