الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الصلاة بالجماعة
وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول: في فضلها
قوله: وهل الجماعة في غير الجمعة من الصلوات الخمس فرض كفاية أم سنة؟ فيه وجهان:
أظهرهما عند المصنف وصاحب "التهذيب" أنها سنة.
والثاني: -وبه قال ابن سريح وأبو إسحاق-: أنها فرض، لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال:"ما من ثلاثة في قرية لا تقام فيهم الجماعة إلا استحوذ عليهم الشيطان"(1).
وذكر المحاملي وجماعة أن هذا ظاهر المذهب، وذهب ابن المنذر وابن خزيمة من أصحابنا إلى أنها فرض عين، وقيل: إنه قول للشافعى. انتهى.
فيه أمور:
أحدها: أن الصحيح عند الرافعي من هذين الوجهين هو الأول، وهو كونها سنة فقد قال في "الشرح الصغير": إنه أظهر الوجهين، وقال في "المحرر": إنه الأصح.
وصحح النووي في كتبه كلها أنها فرض، ولم ينبه في "الروضة" على أنه من زياداته، بل أدخله في كلام الرافعي، وهو يوهم الواقف عليه أن
(1) أخرجه أبو داود (547) والنسائي (847) وأحمد (21758) وابن حبان (2101) والحاكم (900) والبيهقي في "الكبرى"(4708) وابن المبارك في "الزهد"(1306) وفي "المسند"(73) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه.
قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وقال الذهبي: صحيح.
وقال الألباني: حسن.
كلام الرافعي قد اختلف، وليس كذلك فافهمه.
نعم ظاهر كلام الرافعي يقتضي أن الأكثرين على أنها فرض.
الأمر الثاني: أن الرافعي هنا قد أطلق هذا الخلاف في الفرائض الخمس وليس كذلك، بل محله إذا كانت مؤداة؛ أما الفوائت فليست الجماعة فيها فرض عين، ولا كفاية، بل ولا تشرع البتة، كذا نبه عليه الرافعي في آخر الباب: وذكر النووي هنا في "شرح المهذب" وفي "الروضة" من زياداته أنها ليست بفرض عين ولا كفاية قطعًا، قال: ولكنها سنة ففي "الصحيحين" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الصبح بأصحابه جماعة حين فاتهم بالوادي" (1).
واعلم: أن الرافعي إنما عبر "بالصلوات الخمس" لأنه لو عبر بالصلاة الواجبة لدخلت فيه المنذورة مع أن الجماعة لا تشرع فيها كما نبه عليه في أثناء [باب](2) الأذان.
الأمر الثالث: أن ما نقله الرافعي عن ابن خزيمة غير وافٍ بمذهبه، فإنه يقول: إن الجماعة شرط في الصحة، كذا نقله عنه إمام الحرمين.
والحديث المذكور قد وقع فيه تغيير في الرافعي في موضع الحاجة ولفظه: "ما من ثلاثة في قرية ولابدو ولا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية"(3).
رواه أبو داوود والنسائي من رواية أبي الدرداء بإسناد صحيح.
فعبر في الحديث بلفظ "الصلاة" وليس فيه دليل على وجوب الجماعة فإن إقامة الصلاة تصدق بفعلها فرادى، فعبر الرافعي "بالجماعة" عوضًا عنه ثم إنه حذف الزيادة المشعرة بإرادة الجماعة وهي: فعليك بالجماعة. . . . إلى آخرها على أن في دلالة هذه الزيادة على جماعة [الصلاة](4) نظر، فإن
(1) أخرجه البخاري (337) ومسلم (682) من حديث عمران رضي الله عنه.
(2)
سقط من ب.
(3)
تقدم.
(4)
سقط من جـ.
الأمر بالجماعة يحتمل النهي عن المخالفة والمشاققة.
نعم ذكر أبو داوود عقب روايته لهذا الحديث عن الراوي ما يبين المراد فقال: قال السائب: يعني بالجماعة: الصلاة في الجماعة.
ثم إن الرافعي أسقط البدو وهي البادية، وأسقط الواو من قوله:"ولا تقام".
قوله: فإن قلنا: إنها فرض، فأظهر أعني إقامتها في البيوت، فعن أبي إسحاق أنه لا يسقط الفرض بذلك لأن الشعار في البلد لا يظهر به، ونازعه فيه بعضهم إذا ظهر ذلك في الأسواق. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن ما حكاه الرافعي ذهول من قائله عن مذهب أبي إسحاق، فإن القاضي أبا الطيب في "تعليقه" قد حكاه عنه أنه لا يسقط كما قاله الرافعي، ثم حكى [عنه] (1) أنه قال: إن هذا إذا كانت المحلة التي صليت فيها الجماعة في البيوت والأسواق غير ظاهرة، فأما إن كانت ظاهرة كفى ذلك في تحصيل السنة وإقامة الواجب.
وذكر الماوردي وابن الصباغ قريبًا منه.
الثاني: أن النووي في "الروضة" و"التحقيق" قد صحح عدم السقوط، وقد ظهر أنه مردود، فإن المقالتين محمولتان على حالتين، وليستا بخلاف محقق، وذكر في "الشرح الصغير" كما ذكر في "الكبير".
قوله من "زياداته": وأما أهل البوادي فقال إمام الحرمين: عندي فيهم نظر، فيجوز أن يقال: لا يتعرضون لهذا الفرض، ويجوز أن يقال: يتعرضون له إذا كانوا ساكنين.
قال: ولا شك أن المسافرين لا يتعرضون لهذا الفرض، وكذا إذا قَلَّ عدد ساكني قرية. هذا كلام الإمام.
والمختار أن أهل البوادي الساكنين كأهل القرية للحديث الصحيح:
(1) سقط من جـ.
"ما من ثلاثة في قرية أو بدو ولا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان"(1) والله أعلم.
فيه أمران:
أحدهما: أن كلامه هذا يقتضي موافقة الإمام في المسألتين الأخيرتين، وضم في "شرح المهذب" العدد القليل إلى أهل البوادي، وهو يقتضي موافقته في الأخيره خاصة، وبه صرح في "التحقيق" فقال: والجماعة في حق المسافرين سنة قطعًا.
الأمر الثاني: أن ما ذكره الإمام وقلده النووي في بعضه مؤذن بعدم الاطلاع على كلام الشافعي، وقد نص على خلافه، فإنه استدل على وجوب الجماعة من القرآن، والحديث ثم قال بعد ذلك ما نصه: فأشبه ما وصفت من الكتاب والسنة أن لا يحل ترك أن يصلي كل مكتوبة في جماعة حتى لا تخلو جماعة مقيمون ولا مسافرون من أن تصلي فيهم جماعة. هذا لفظه بحروفه، ومن "الأم" نقلته.
ومقتضى كلام الإمام أنه لا فرق في المسافرين بين سفر القصر وغيره وهو ظاهر.
قوله: وأما النساء فلا تفرض عليهن الجماعة، وجماعتهن في البيوت أفضل، بل يكره حضور [المسجد] (2) للشواب ولا يكره للعجوز؛ روى أنه صلى الله عليه وسلم نهى النساء عن الخروج إلى المساجد إلا عجوزًا في منقلها. . . . (3) والمنقل: الخف. انتهى.
(1) تقدم.
(2)
في أ: المشي.
(3)
قال الحافظ: لا أصل له، وبيض له المنذري والنووي في الكلام على "المهذب"، لكن أخرج البيهقي بسند فيه المسعودي عن ابن مسعود قال: والله الذى لا إله إلا هو ما صلت امرأة صلاة خيرًا لها من صلاة تصليها في بيتها إلا المسجدين إلا عجوزًا في منقلها. وكذا ذكره أبو عبيد في "غريبه" والجوهري في "الصحاح" عن ابن مسعود.
وتعبيره يوهم أن الخناثا يتعرضون لهذا الفرض والقواعد تأباه، وكلامهم في باب صلاة الجمعة يدل عليه، فإن الجماعة شرط فيها، وقد صرحوا بعدم وجوبها عليه.
والحديث المذكور رواه البيهقي بإسناد ضعيف موقوفًا على ابن مسعود.
قال في "شرح المهذب": والمنقلان بميم مفتوحة ونون ساكنة وقاف.
وذكر في "شرح المهذب" أن الصحيح المعروف عند أهل اللغة أنهما الخفان مطلقًا.
قال: وذكر إمام الحرمين أنهما الخفان الخَلِقَان وهو بفتح الميم وكسرها، والفتح أشهر. انتهى كلامه.
لكن ذكر الجوهري أنه الخف الخلق، وأورد فيه الحديث [بتثنية](1) المنقل، قال: ومثله النقل بفتح النون وكسرها.
قوله: وإمامة الرجال بهن أولى من إمامة النساء، لكن لا يجوز أن يخلو بهن من غير ذي محرم. انتهى كلامه.
وهذا الذي ذكره من تحريم خلوة الرجل بالنساء قد ذكر ما يناقضه في كتاب العدد والصحيح هو الجواز كما ذكره هناك، وسوف أذكرها في ذلك الموضع مبسوطة إن شاء الله تعالى.
قوله: والمسجد الكثير الجمع أفضل إلا أن تتعطل الجماعة في المسجد القريب بعدوله عنه أو يكون إمام الكبير مبتدعًا، ثم قال: قال المحاملي وغيره: وكذا لو كان إمام المسجد البعيد حنفيًا لا يعتقد وجوب [بعض](2) الأركان. انتهى.
وما ذكره من التعبير بالحنفي ذكر في "الروضة" مثله وهو من باب
(1) في جـ: شبه.
(2)
في جـ: نقض.
المثال، فإن التعليل المذكور يقتضي إلحاق المالكي وغيره من المخالفين به وقد صرح في "شرح المهذب" بذلك، وبأن الفاسق كالمبتدع.
قوله في أصل "الروضة": فرع: إذا أدرك المسبوق الإمام قبل السلام أدرك فضيلة الجماعة علي الصحيح الذي قطع به الجمهور، وقال الغزالى: لا تدرك إلا بإدراك ركعة، وهو شاذ ضعيف. انتهى.
ذكر الرافعي نحوه أيضًا، وقوة ذلك تقتضي انفراد الغزالى بهذه المقالة وهو عجيب، فقد جزم الفوراني بذلك، وقال القاضي حسين في "تعليقه" في باب سجود الشكر: إنه الذي قال به عامة أصحابنا، ولأجل ذلك نقله الجيلي عن المراوزة.
وقول "الروضة": "قبل السلام" يدخل فيه ما إذا سلم الإمام [بُعيد](1) إحرام المأموم وقبل قعوده، ولهذا كان أحسن من قول الرافعي في التشهد الآخر.
قوله: ثم بماذا تدرك فضيلة التحرم؟ وجوه:
أظهرها: بأن يشهد تكبيرة [الإمام](2) ويشتغل عقيبها بالأحرام، فإن أخر لم يدركها.
والثاني: بإدراك الركوع الأول.
والثالث: بإدراك شئ من القيام.
والرابع: إن اشتغل بأسباب الصلاة كالطهارة وغيرها كفاه إدراك الركوع، وإلا فلا. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن الوجه الثاني والثالث محلهما فيمن لم يحضر إحرام
(1) في أ: بعد.
(2)
في أ: الإحرام.
الإمام، فأما من حضر وأخر فقد فاتته الفضيلة، وإن أدرك الركعة، كذا قاله الغزالي في "البسيط" ونقله عنه في "الروضة" و"شرح المهذب" وأقره، وكذلك ابن الرفعة في "الكفاية".
الثاني: أنه إذا أخر عن تكبيرة الإمام لأجل الوسوسة كان ذلك عذرًا، وتحصل به الفضيلة كما جزم به في "التحقيق" و"شرح المهذب".
ولقائل أن يقول: قد نص هو في الشرح المذكور على أن الوسوسة ليست عذرًا في التخلف عن الإمام بتمام ركنين فعليين فما الفرق بينهما؟
قوله في "الروضة": المستحب للإمام تخفيف الصلاة من غير ترك الأبعاض والهيئات، فإن رضي القوم بالتطويل وكانوا محصورين لا يدخل فيهم غيرهم فلا بأس بالتطويل. انتهى.
فيه أمور نبه عليها في "شرح المهذب":
أحدها: في ضابط التخفيف، فقال: يخفف في القراءة والأذكار بحيث لا يقتصر على الأقل ولا يستوفي الأكمل المستحب للمنفرد من طوال المفصل وأوساطه، وأذكار الركوع والسجود. هذا كلامه.
ولا شك أن الأذكار أنواع، منها التسبيحات، وقد سبق في باب صفة [الصلاة](1) أن الإمام لا يقتصر على أقلها وهو المرة، ولا يزيد على أدنى الكمال وهو الثلاث.
وأمأ ذكر الاعتدال ففيه اختلاف في كلام النووي سبق في موضعه.
وأما دعاء الجلوس بين السجدتين فمقتضى كلامهم استواء الإمام وغيره فيه، وهو ظاهر، لأن الذكر المشروع فيه قصير.
وأما الدعاء في التشهد فقد سبق هناك أنه يكون ناقصًا عن التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
(1) في أ: الوضوء.
الأمر الثاني: أن التطويل عند رضى الجماعة المحصورين به مستحب، وتعبيره بقوله:"لا بأس" ليس صريحًا فيه.
الأمر الثالث: ذكر ابن الصلاح في "فتاويه" أنهم [لو](1) آثروا التطويل إلا واحدًا أو اثنين لمرض ونحوه فإن كان ذلك مرة ونحوها خفف، وإن أكثر طول، ولا يراعى [المفرد الملازم](2).
قال -أعني النووي- في الشرح المذكور: إن هذا التفصيل حسن متعين.
قوله: ومنها أن يحس في صلاته بمجئ رجل يريد الاقتداء، فله أحوال.
أحدها: أن يكون في الركوع، فهل ينتظره ليدرك الركوع؟ فيه قولان: أصحهما عند إمام الحرمين وآخرين: أنه لا ينتظره، ثم قال: واختلفوا في محل القولين على طرق فقال معظم الأصحاب: ليس الخلاف في استحباب الانتظار، ولا في البطلان به، وإنما الخلاف في الكراهة فأحد القولين أنه يكره، واختاره المزني.
والثاني: لا يكره، وهو أصح القولين عند الروياني.
والطريق الثاني: أن القولين في الاستحباب، ويحكى هذا عن القاضي أبي الطيب.
وقال آخرون: في المسألة قولان:
أحدهما: يكره.
والثاني: يستحب.
وهذه الطريقة هي التي أوردها في "المهذب" وقال: الأصح الثاني
(1) سقط من أ، ب.
(2)
في ب، جـ: الفرد اللازم.
منها، وهى كالمركبة من الطريقين الآخرين. انتهى كلامه.
فيه أمور:
أحدها: أنه قد تلخص من كلامه أن الأكثرين على الكراهة، لأنه نقل عنهم أن الخلاف إنما هو فيها، ثم نقل تصحيح الانتظار على هذه الطريقة عن الروياني فقط، وتصحيح عدمه عن الإمام وآخرين فلزم ما قلناه، وخالف في "المحرر" فصحح عدم الكراهة وعبر بالأصح.
الأمر الثاني: أن النووي في أصل "الروضة" قد صحح أيضًا عدم الكراهة، وسببه أنه أطلق تصحيح ما عزاه الرافعي إلى الروياني ذهولًا عن الجماعة السابقين.
الثالث: أن النووي في "الروضة" قد وافق الرافعي على تصحيح الطريقة الأولى، وهي أن الخلاف في الكراهة، وإن كان قد زاد على القول الثاني وهو عدم الكراهة فصحح الاستحباب ثم خالف في "شرح المهذب" فصحح الطريقة المنقولة عن "المهذب".
والمعروف ما قاله الرافعي وأن الجديد منها هو الكراهة، فقد قال بها أبو إسحاق المروزي والشيخ أبو حامد والبندنيجي والمحاملي والماوردي وإمام الحرمين والغزالي وصاحب "الفروع" ونقله في "البيان" عن الأكثرين، وبالغ البغوي فجعله في [الجواز](1).
والذي وقع للنووي من دعوى استحبابه عند المعظم، غلط، سببه [سوء](2) اختصار كلام الرافعي وكيف وقد صرح الرافعي بنقله عن المعظم؟
وأما ما نقله عن القاضي أبي الطيب من الإنكار على مدعى أن القولين في الكراهة فلا ينفي تصحيح الكراهة.
(1) في أ، ب: الجواب.
(2)
سقط من ب.
الأمر الرابع: أن ما سبق جميعه وإن كان مساقه في الفرض لكن يأتي بلا شك في كل صلاة شرعنا فيها الجماعة فرضًا كانت أو سنة كالتراويح والعيد والاستسقاء والكسوف إلا أن الركوع الثاني من الكسوف يلحق بالاعتدال لعدم إدراك الركعة به كما تعرفه في بابه.
قوله: ثم ذكر الأئمة للقولين شروطًا:
أحدها: أن يكون الجائي قد دخل المسجد.
الثاني: أن يقصد به التقرب إلى الله تعالى دون التودد.
الثالث: أن لا يفحش في التطويل.
ثم قال: وإذا قلنا: لا ينتظر، ففعل لم تبطل صلاته، وقيل: على قولين. انتهى ملخصًا.
وإطلاقه يقتضي عدم البطلان عند قصد التودد، وليس كذلك، فقد نقل في "الكفاية" الاتفاق على البطلان في هذه الحالة للتشريك.
قوله: وحكى الغزالي قولين في استحباب انتظار الداخل ثم قال: ويمكن إدراك الحاصل من باقي الاختلافات في القول الذي أفهمه كلامه وهو القول بعدم الاستحباب بأن يقال: إذا قلنا: لا يستحب، فهل يكره؟ فيه قولان: إن قلنا: يكره، فهل تبطل الصلاة؟ فيه قولان. انتهى.
والذي ذكره عجيب، فإن إبطال الفرض حرام فكيف يفرع على مكروه؟ !
قوله: ويجوز أن يعلم قول الغزالي، ولا ينبغي أن يطول -بالواو- لأن أبا علىّ قال في "الإفصاح": إن كان الانتظار لا يضر بالمأمومين جاز، وإن كان ذلك مما يطول ففيه الخلاف. انتهى.
والذي توهمه من كون هذه المقالة طريقة أخرى مخالفة لما سبق، عجيب، فإن المراد بالضرر وعدمه إنما هو فحش التطويل وعدمه، يدل عليه التعبير في قسيمه بقوله: وإن كان مما يطول وحينئذ فليس ذلك خارجًا عما
سبق.
قوله: الحالة الثانية: أن يكون الانتظار في التشهد فمعظم الأصحاب ذكروا أن الخلاف مطرد فيه لأن فيه فائدة وهي حصول الفضيلة وقياس قول من يقول: إنه لا يدرك فضيلة الجماعة إلا بإدراك ركعة مع الإمام أن يكون الانتظار] (1) هاهنا كالانتظار في القيام -أي: وهو ممتنع- قطعًا عند الأكثرين. انتهى.
وما اقتضاه كلام الرافعي من الخلاف لم يذكره في "الروضة"، بل جزم بإلحاق التشهد بالركوع، والذي قاله الرافعي لابد منه، إلا أن إلحاقه بالقيام فيه نظر لأن الجماعة تحصل هناك من حيث الجملة بخلاف ما نحن فيه.
قوله: ومن انفرد بصلاة من الصلوات الخمس ثم أدرك جماعة فالمستحب له أن يعيدها معهم لينال فضيلة الجماعة، وقيل: لا يعيد الصبح والعصر، لأن النافلة بعدهما مكروهة.
وقيل: لا يعيدهما لما ذكرناه ولا المغرب أيضًا لأنها وتر النهار، فلو أعيدت لصارت شفعًا، ولو صلى في جماعة ثم أدرك جماعة أخرى ففيه وجوه، أصحها عند عامة الأصحاب أنه يعيد لإطلاق الخبر. . . . إلى آخره.
فيه أمور:
أحدها: اتفقوا -كما [قاله](2) ابن الرفعة في "الكفاية"- على أن من صلى منفردًا أو في جماعة يستحب له أن يعيد مع من فاتته الجماعة لأحاديث وردت في ذلك.
الأمر الثاني: سنعرف في صلاة الجنازة أنه لا تستحب إعادتها على الصحيح، وفي صلاة الجمعة أنه لا يجوز إعادتها، لأن الجمعة لا تقام بعد
(1) سقط من أ.
(2)
في جـ: قال.
أخرى، فإن فرض الجواز لعسر الاجتماع فالقياس أنها كغيرها.
الثالث: تصويرهم يشعر بأن الإعادة [إنما](1) تستحب إذا حضر في الثانية من لم يحضر في الأولى، وهو ظاهر، وإلا لزم استغراق ذلك [للوقت](2) وقد يقال بالمشروعية إذا اختلفت الأئمة.
الرابع: أن هذا الكلام صريح في فرض الخلاف في الفرائض.
والقياس أن ما تستحب فيه الجماعة من النوافل ملحق في ذلك بالفرائض، وتعليل الرافعي بحصول فضيلة الجماعة يدل عليه.
قوله: وإذا أعادها فالجديد أن فرضه الأولى وإذا قلنا به فقال الأكثرون: إنه ينوي الفرض، فاستبعده الإمام وقال: الوجه أنه ينوي الظهر أو العصر، ولا يتعرض للفرضية ويكون ظهره نفلًا كظهر الصبي. انتهى كلامه.
وما ذكره من القياس على الصبي يقتضي القطع بأنه لا ينوي الفرضية، وقد تقدم في أول صفة الصلاة من كلامه ما يخالفه، وتقدم الوعد بذكر ما قاله هنا فراجعه.
قوله: تفريعًا على الجديد أيضًا: فإن كانت مغربًا فوجهان:
أظهرهما: أنه يعيدها كالمرة الأولى.
والثاني [يستحب](3) أن يقوم إلى ركعة أخرى إذا سلم الإمام حتى لا يصير وتره شفعًا. انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أن هذا الذي حكاه وجهًا وضعفه قد نقله الترمذي في "جامعه" عن الشافعي.
(1) سقط من أ.
(2)
في جـ: الوقت.
(3)
سقط من أ.
وقد ذكر الترمذي في آخر كتابه أن ما نقله عن الشافعي في الطهارة والصلاة فبعضه رواه له البويطى وبعضه رواه له أبو الوليد المكي.
وأما غير ذلك فنقله له أبو ثور، وحينئذ فيكون الشافعي قد نص عليه في الجديد، لأن أبا الوليد هذا صحب الشافعي بمصر وعاد إلى مكة فتوفي بها سنة تسع عشرة ومائتين، واسمه: عبد الله بن الزبير، كما قاله ابن الصباغ في خطبة "الشامل".
الأمر الثاني: أن الغزالي في "الوسيط" قد علل هذه المقالة بغير تعليل الرافعي فقال: وقيل: إن كان في المغرب فيزيد ركعة حتى لا تبقى وترًا، فإن الأحب في النوافل الشفع. هذه عبارته.
وهذا عكس قول الرافعي حتى لا يصير وتره شفعًا، وحينئذ فيكون في كلامه غلطًا.
والجواب: أن التعليلين صحيحان، والرافعي قصد معنى آخر غير المعنى المذكور في "الوسيط" وهو أنه إذا لم يزد ركعة أخرى يكون قد صلى أولًا ثلاث ركعات وصلى ثانيًا ثلاث ركعات، ومجموع ذلك ست ركعات، فيخرج المغرب عن أن يكون وترًا، فإذا زاد ركعة صار المجموع سبع ركعات وهي وتر، فالرافعي نظر في تعليله إلى مجموع ما صلى أولًا وثانيًا، والغزالي نظر في تعليله إلى ما صلاه ثانيًا فقط، وعلل صاحب "البيان" بتعليل الرافعي.
وقد أبطل الشافعي هذا التعليل فقال: كيف يصير شفعًا وقد فصل بينهما بسلام؟ ! وهو واضح جلي.
قوله: ولا رخصة في ترك الجماعة إلا بعذر عام أو خاص، ثم الأعذار العامة: المطر ليلًا كان أو نهارًا لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ابتلت النعال
فالصلاة في الرحال" (1). انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أنه يشترط في كونه عذرًا أن تحصل مشقة، كما صرح به الرافعي بعد ذلك في الكلام على المرض وصاحب "التنبيه" حيث قال هنا: ومن يتأذى بالمطر، وفي باب الجمعة: من تبتل ثيابة بالمطر، وهو معنى تقييد الماوردي بالمطر الشديد، فعلى هذا لا يعذر بالخفيف ولا بالشديد إذا كان يمشي في كَنٍ.
الأمر الثاني: أن هذا الحديث الذي ذكره إنما هو استدلال على كون الوحل عذرًا كما سيأتي، فإن المطر قد يحصل معه ابتلال النعال، وقد لا يحصل؛ وابتلال النعال قد يكون مع انقطاع المطر، وبلا مطر بالكلية كالحاصل من السيول، بل الصواب الاستدلال عليه بأمور منها ما رواه أبو المليح عن أبيه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية فأصابنا مطر لم يبل أسفل نعالنا فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلوا في رحالكم"(2) رواه أبو داوود والنسائي وابن ماجة، وصححه ابن حبان والحاكم.
قوله: ومنها الريح العاصفة في الليل دون النهار [لما] روى أنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر مناديه في الليلة المطيرة والليلة ذات الريح يقول: "ألا صلوا في رحالكم". انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أن التعبير بالعاصفة وهي الشديدة قد ذكره أيضًا في "الشرح
(1) قال الحافظ: لم أره بهذا اللفظ.
وقال ابن الملقن: لم أجده بعد البحث عنه كذلك في كتب حديث.
وقال ابن الفركاح: لم أجده في الأصول، إنما ذكره أهل العربية.
(2)
أخرجه النسائي (854) وأحمد (20721) وابن خزيمة (1657) وابن حبان (2079) والطبراني في "الكبير"(496) وعبد الرزاق (1924) وابن أبي شيبة (2/ 43).
الصغير" و"المحرر" والنووي في "الروضة"، "والمنهاج" ومقتضاه أنه لا فرق بين أن تكون باردة أم لا؟ وعبر النووي في "شرح المهذب" بالباردة، وجمع المحاملي والماوردي بينهما.
وأما الشيخ صاحب "التنبيه" فعبر فيه بالباردة وفي "المهذب" بالشديدة، والظاهر أن الريح الشديدة وحدها عذر بالليل، وإنما عبر من عبر بالباردة لكونه الغالب.
وقد صرح باختياره الطبري -شارح "التنبيه"- فقال: المختار أن كلًا من الظلمة والبرد والريح الشديدة عذر بالليل، ويدل على ما قاله ما سيأتي أن شدة البرد عذر مستقل في الليل والنهار.
الأمر الثاني: أن التعبير "بالليل" يقتضي أن ذلك لا يكون عذرًا في صلاة الصبح، لأن وقتها عندنا من النهار لا من الليل، والمتجه إخراجها من كلامه وإلحاقها بالليل لأن المشقة فيها أشد من المشقة في صلاة المغرب، ويدل عليه أيضًا ما سبق في صفة الصلاة في الجهر بقضائها.
قوله: ومنها أن يخاف على نفسه أو ماله. . . . إلى آخره.
هذا الكلام فيه أمور مهمة سبق إيضاحها في كتاب التيمم فراجعها.
قوله: أو يخاف من غريم يلازمه أو يحسبه إن رآه وهو معسر لا يجد وفاءًا بدينه. انتهى.
وصورة المسألة أن يعسر عليه إثبات إعساره وإلا فلا يعذر، هكذا قاله الغزالي في "البسيط" وهو متجه.
ولو ادعى الإعسار فرد عليه اليمين وأمكنه الخلاص بالحلف، فالمتجه أنه لا يعذر أيضًا، بل يحلف.
قوله: ومنها أن يكون عليه قصاص وكان يرجو العفو لو غيب الوجه أيامًا وسكن الغليل، وفي معناه حد القذف ونحوه دون حد الزنا، وما لا يقبل
العفو، قال الإمام: وفي هذا العذر إشكال لأن موجب القصاص من الكبائر، فكيف يستحق صاحبه التخفيف؟ ، فكيف يجوز له تغييب الوجه عن المستحق؟ انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن النووي في "شرح المهذب" قيد ما لا يقبل العفو بكونه قد بلغ الإمام، كأنه يشير بذلك إلى جواز التغييب عن الشهود حتى لا يرفعوا أمره إلى الإمام.
الثاني: أن هذا الإشكال الذي نقله عن الإمام وسكت عليه قد أجاب هو أيضًا عنه -أعني: الإمام- فقال: ولعل السبب تعرض القصاص للشبه فإن مستحق القصاص مندوب إلى العفو، وهذا التغييب طريق إليه.
واعلم أن القول بكونه عذر قد نقله الإمام عن النص فاعلمه.
قوله في "الروضة": ومنها أن يدافع الأخبثين أو الريح، وتكره الصلاة في هذه الحالة، بل يستحب أن يفرغ نفسه ثم يصلي، فلو خاف فوت الوقت فوجهان:
أصحهما: تقديم الصلاة.
والثاني: الأولى أن يقضي حاجته وإن فات الوقت.
ثم قال: ولنا وجه أنه إذا ضاق عليه الأمر بالمدافعة وسلب خشوعه بطلت صلاته. انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أن تعبيره في آخر كلامه "بالمدافعة" رأيته بخطه كما هو في النسخ، وصوابه: الدفع.
الثاني: أنه لا يؤخذ منه ولا من الرافعي أيضًا أن الذي صححوه وهو تقديم الصلاة هل هو على سبيل الإيجاب أو الاستحباب؟ ألا ترى أن مقابله
وجهان: قائل باستحباب الإزالة، وقائل بإيجابها، فاحتمل أيضًا أن يكون الأول كذلك أيضًا، واحتمال الندب في عبارة "الروضة" أظهر من احتمال الإيجاب.
والمسألة في "الشرح الصغير" و"شرح المهذب" و"التحقيق" هكذا، أى من غير تصريح [بإيجاب](1) ولا استحباب.
قوله: ومنها أن يكون به جوع أو عطش شديد، وحضره الطعام والشراب وتاقت نفسه إليه فيبدأ بالأكل والشرب.
قال الأئمة: وليس المراد أن يستوفي الشبع بل يأكل لقمًا تكسر حدة جوعه، إلا أن يكون الطعام مما يؤتى عليه مرة واحدة كالسويق واللبن، فإن خاف فوت الوقت لو اشتغل فوجهان كمدافعة الأخبثين. انتهى.
ذكر في "الروضة" نحوه، وفيه أمور:
أحدها: أن ما ذكره من الجوع والعطش من اشتراط حضور الطعام والتوقان، عجيب، لأن المعنى فيه إنما هو سلب الخشوع فحيث أمكن إزالة ذلك كان التأخير لزواله عذرًا، سواء كان مع الحضور أو الغيبة، وقد أتى به في "المحرر" على الصواب فقال: وجوع وعطش شديدين. هذه عبارته. وتبعه على ذلك في "المنهاج".
الأمر الثاني: أن الصلاة تكره مع حضور الطعام الذي تاقت نفسه إليه، كذا ذكره في "المنهاج" قبيل سجود السهو، وإذا كرهت الصلاة معه كان التأخير له عذرًا، فإنهم رخصوا بما لم ينته إلى الكراهة، فبطريق الأولى ما انتهى إليها.
ومقتضى إطلاق "المنهاج" أنه لا فرق في ذلك بين الجائع وغيره، وهو ظاهر، فإن كثيرًا من الفواكه والمشارب اللذيذة قد تتوق النفس إليها عند حضورها مع انتفاء الجوع والعطش، ولو لم يحضر الشيء ولكن تاقت
(1) في جـ: بالإيجاب.
نفسه إليه فإنه يكون في ذلك كما لو حضر المعنى، كذا جزم به في "الكفاية"، وسبقه إليه ابن يونس، واعتذر -أعني: ابن الرفعة- عن الشيخ في تقييده بالحضور بالترك بلفظ الخبر.
الأمر الثالث: ثبت في الصحيحين: "إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء، ولا يعجلن حتى يفرغ منه"(1).
وفي رواية لمسلم: "فابدؤوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب".
ولما تكلم النووي عليه في "شرح مسلم" قال: وفيه دليل على أنه يأكل حاجته من الأكل بكمالها، وهذا هو الصواب.
وأما ما تأوله بعض أصحابنا على أنه يأكل لقمًا يكسر بها سؤرة الجوع فليس بصحيح. هذا كلامه.
فجعل العذر قائمًا إلى شبعه إلا أنه لا يلزم منه بقاء الكراهة إلى الشبع.
قوله: ومنها أن يكون عاريًا لا لباس له، فيعذر في التخلف سواء وجد قدر ما يستر به العورة أو لم يجد. انتهى كلامه.
علله النووي في "شرح المهذب" بأن عليه مشقة في مشيه بغير ثوب يليق به، ويؤخذ من هذا التعليل أمران:
أحدهما: أن المعتبر في هذا اللباس هو عادته التي يشق عليه تركها، حتى لو اعتاد الخروج مع ساتر العورة فقط ككثير من الناس لم تسقط عنه [الجماعة](2) عند فقدان الزائد عليه.
الثاني: أن ما لا يليق به كالقباء في حق الفقيه يكون كالمعدوم، وقد صرّح به بعضهم.
قوله: ومنها أن يريد السفر وترحل الرفقة. انتهى.
سبق الكلام على ذلك في التيمم.
(1) أخرجه البخاري (642) ومسلم (559) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(2)
سقط من أ.
قوله: ومنها أن يكون قد أكل بصلًا أو كراثًا أو نحوهما، ولم يمكن إزالة الرائحة بغسل أو معالجة. انتهى كلامه.
فيه أمور:
أحدها: أن هذا الذي ذكره يؤخذ منه سقوط الجماعة أيضًا بالبخر والصنان المستحكم بطريق الأولى، وفي الجذام والبرص نظر، والظاهر عدم السقوط.
الثاني: أن النووي في "شرح مسلم" قد ذكر أن الفجل يلتحق بما ذكرناه لأن الجشاء الحاصل منه كريه الريح وقد رواه الطبراني في أصغر معاجمه من رواية جابر [ولفظه](1): "من أكل هذه الخضراوات الثوم والبصل والكراث والفجل. . . ."(2) إلى آخر الحديث المعروف.
الثالث: أن التعبير بقوله: ولم يمكن يقتضي أن الإزالة إذا أمكنت بمشقة شديدة يؤمر بها ولا يعذر في التخلف؛ والقياس الموافق للقواعد خلافه.
الرابع: روى البيهقي في "السنن الكبير"(3) عن المغيرة بن شعبة قال: أكلت الثوم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيت المسجد وقد سُبقْتُ بركعة فدخلت معهم في الصلاة فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ريحه فقال: "من أكل من هذه الشجرة الخبيثة فلا يقربن مصلانا حتى يذهب ريحها" فأتممت صلاتي، فلما سلمت قلت: يا رسول الله أقسمت عليك لما أعطيتني يدك، فناولني يده فأدخلها في كمي حتى انتهت إلى صدري فوجده معصوبًا فقال:"إن لك عذرًا، [أو أرى لك عذرًا] (4) " هذا لفظ الحديث.
(1) سقط من أ، وفي ب: بلفظه.
(2)
أخرجه الطبراني في "الأوسط"(191) وفي "الصغير"(37) من حديث جابر رضي الله عنه.
قال الهيثمى: رواه الطبراني في "الصغير" و"الأوسط" وفيه يحيى بن راشد البراء البعدي وهو ضعيف، ووثقه ابن حبان وقال: يخطئ ويخالف وبقية رجاله ثقات.
وقال الألباني: ضعيف.
(3)
حديث (4840) وأخرجه الطحاوي في "شرح المعاني"(6132) وهو صحيح.
(4)
سقط من جـ.
فاقتضى هذا استثناء المعذور.
قوله: ومنها غلبة النوم عدها صاحب "العدة" وغيره من الأعذار. انتهى.
وهذه العبارة فيها إبهام، وقد أوضح ذلك في "شرح المهذب" فقال: ومن الأعذار غلبة النعاس والنوم إن انتظر الجماعة.
[ولنختم](1) هذا الفصل بثلاثة أشياء.
أحدها: في بيان أعذار أخرى:
فمنها الزلزلة عدها الماوردي، ونقلها عنه في "الروضة" و"شرح المهذب".
ومنها: السمن المفرط الذي يمنع الشخص من حضور الجماعة، كذا ذكره ابن حبان في "صحيحه" ثم روى بإسناد صحيح إلى أنس بن مالك أن رجلًا من الأنصار كان رجلًا ضخمًا فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لا أستطيع الصلاة معك، فلو أتيت منزلي فصليت فيه فأقتدي بك [فصنع](2) الرجل له طعامًا، ودعاه إلى بيته فبسط له طرف حصير لهم فصلى عليه ركعتين (3)، قال: فقال فلان بن الجارود لأنس: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قال: ما رأيته صلاها غير ذلك اليوم.
الأمر الثاني: أن الأشياء السابقة إنما يتجه عدها عذرًا في حق من لا يتأتى له إقامة الجماعة في بيته فإن تأتى له ذلك لم يسقط عنه الطلب، وإن حصل الشعار بغيره، لاسيما في حق الرجل، فإن الانفراد مكروه بالنسبة إليه.
(1) في أ: وسنختم.
(2)
سقط من أ.
(3)
أخرجه البخاري (1125) وأبو داود (657) وأحمد (12351) وابن حبان (2070) وابن الجعد في "مسنده"(1148).
هذا كله على القول بأنها سنة.
فإن قلنا: إنها فرض، فينبني على سقوطه بإقامتها في البيوت.
وقد يقال: محل ذلك الخلاف عند إمكان فعلها في المسجد، فإن تعذر وجبت إقامتها في البيوت قطعًا لأنه القدر المستطاع.
الأمر الثالث: في بيان المراد بكون هذه الأمور مرخصة هل معناه حصول الفضيلة أم سقوط الطلب خاصة؟ وقد اختلفوا فقال النووي في "شرح المهذب": وهذه الأعذار إنما هي مرخصة للترك، وأما فضيلة الجماعة فلا تحصل له بلا شك، وإن تركها لعذر. هذا كلامه.
وقال الروياني في "التلخيص": تحصل له الفضيلة إذا كان قصده الجماعة لولا العذر.
ونقله عنه في "الكفاية" ووافقه، ونقله في "البحر" عن القفال وارتضاه، وجزم به أيضًا الماوردي في "الحاوي" فقال: صلاة المريض منفردًا كصلاة الصحيح جماعة في الفضل، وكذلك الغزالي في "الخلاصة" فقال: وينال الفضل بالجماعة في البيت وبعذر المطر والمرض.
قال في "الكفاية": ويشهد له ما رواه أبو داوود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من توضأ فأحسن وضوءه ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله مثل أجر من صلاها وحضرها لا ينقص ذلك من أجرهم شيئًا"(1) وأخرجه النسائي أيضًا.
قلت: وهذا هو الحق ففي صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا"(2).
وقد ذكر الرافعي في باب كيفية الصلاة في فضل القيام: أن من صلى
(1) أخرجه أبو داود (564) والنسائي (855) وأحمد (8934) والبيهقي في "الشعب"(2894) وفي "الكبرى"(4789) وعبد بن حميد (1455) والحاكم (754).
(2)
أخرجه البخاري (2834) من حديث أبي موسى رضي الله عنه.
قاعدًا لمرض تحصل له فضيلة القيام.
وقال في "شرح مسلم": إنه لا خلاف فيه.
وهو يقوي الحصول في مسألتنا، إلا أن بينهما فرقًا ظاهرًا وهو أنه قد أتى عن القيام ببدل بخلاف الجماعة، ولكن الرافعي علله بقوله: لأنه معذور.
وتبع على ذلك [النووي](1) في "الروضة".
نعم نقل في "شرح المهذب" عن جماعة كلامًا يوهم عدم حصول الفضيلة، فإنه ذكر حديث الأعمى الذي لم يرخص له النبي صلى الله عليه وسلم في ترك الجماعة وأن القائلين بأنها فرض عين استدلوا به، ثم قال: وأما حديث الأعمى [فجوابه ما أجاب به ابن خزيمة والحاكم والبيهقي، وهو أن معناه: أنه لا رخصة لك تلحقك](2) بفضيلة من حضرها. هذه عبارته.
(1) زيادة من ب.
(2)
سقط من أ.
الفصل الثاني: في [صفات](1) الأئمة
قوله في "الروضة": فإن صلى الكافر في دار الإسلام لم يصر مسلمًا، وكذا في دار الحرب على المشهور.
نعم إن سمعنا منه كلمة الشهادة حكمنا بإسلامه على الصحيح. انتهى.
وإطلاقه [الصحيح](2) الحكم بالإسلام إنما يستقيم إذا لم يكن عيسويًا، فإن كان لم يحكم بإسلامه، فإن هذا التفصيل قد ذكره الرافعى في الأذان ثم أحال الكلام في هذه المسألة على ما سبق هناك.
قوله أيضًا في "الروضة": فالحاصل في اقتداء الشافعي بالحنفي أربعة أوجه:
أحدها: الصحة.
والثاني: البطلان.
والأصح: إن حافظ [على الواجبات أو شككنا صح وإلا فلا.
والرابع: إن حافظ] (3) صح وإلا فلا. انتهى.
أهمل [هنا](4) رحمه الله وجهًا خامسًا حكاه الرافعي قبل ذلك، واستحسنه، وحكاه هو أيضًا: أنه يصح خلاف ولي الأمر أو نائبه، لما في المفارقة من الفتنة وإلا فلا.
قوله: وفي اقتداء القارئ بالأمي قولان: الجديد أنه لا يصح، لأنه
(1) في جـ: صفة.
(2)
في أ: بالصحيح.
(3)
سقط من أ.
(4)
سقط من جـ.
بصدد تحمل القراءة عن المأموم فإذا لم يحسنها لم يصلح [للتحمل](1).
والقديم: إن كانت الصلاة سرية صح الاقتداء وإلا فلا بناء على القول القديم أن المأموم لا يقرأ في الجهرية بل يتحمل عنه الإمام.
وخَرَّجَ أبو إسحاق قولًا ثالثًا على الجديد أن الاقتداء صحيح مطلقًا، لأن المأموم تلزمه القراءة في الحالتين فيجزئه ذلك كما قاله بإجزائه في السرية في القديم، وعكس صاحب "الكتاب" في "الوسيط" فجعل الثاني قولًا مخرجًا، والثالث منصوصه في القديم. انتهى كلامه.
وما حكاه الرافعي عن الغزالي قد أنكره أيضًا في "شرح المهذب" وبالغ فيه فقال: وقال إمام الحرمين والغزالي: الجديد أنه لا يصح الاقتداء، والقديم يصح، وهذا نقل فاسد. هذه عبارته.
وما ذكره الغزالي تبعًا لإمامه قد نص عليه القاضي الحسين في "تعليقه" في باب صلاة الإمام قاعدًا، فاعلم ذلك.
نعم ذكر القاضي أيضًا في التعليقة المذكورة في باب اختلاف نية الإمام والمأموم ما ذكره غيره، وهو أنه قول مخرج.
وأما تسمية الغزالي المعروف عن القديم وهو الصحة في السرية دون الجهرية مخرجًا فغير مستنكر لأنهم قالوا: إنه مبني على قول آخر، والبناء غير منافٍ للتخريج، فاستقام ما قاله الغزالي.
قوله في "الروضة": ويدخل في الأمي الأرث: وهو الذي يدغم حرفًا في غير موضع الإدغام، والألثغ: وهو الذي يبدل حرفًا بحرف، ومن في لسانه رخاوة تمنع التشديد. انتهى كلامه.
وظاهره أن الذي في لسانه رخاوة قسم من أقسام الألثغ، وليس كذلك، بل قسيم له لا قسم منه كما أوضحه الرافعي.
(1) في جـ: للعمل.
وحينئذ يتعين أن يكون معطوفًا على الذي من قوله "الذي يدغم" فتفطن له.
قوله: إن أصحابنا اختلفوا في نص الشافعي إذا خالف الأخير الأول هل يكون الأخير رجوعًا عن الأول أم لا؟
فمنهم من قال: لا، لأنه قد نص في موضع واحد على قولين فيجوز أن يذكرهما متعاقبين. انتهى.
هذه المسألة أسقطها من "الروضة".
قوله: واعلم أن الخلاف المذكور في اقتداء القارئ بالأمي هو في من لم يطاوعه لسانه، أو طاوعه ولم يمض زمن يمكن التعلم فيه.
فأما إذا مضى وقصر بترك التعلم فلا يصح الاقتداء بلا خلاف، لوجوب القضاء. انتهى.
وما ادعاه من عدم الخلاف قد تابعه عليه في "الروضة" وليس كذلك؛ ففي "الكفاية" عن ابن يونس طريقة طاردة للخلاف وهي أيضًا في "التهذيب" إلا أن هذا الخلاف خاص بقسمين من أقسام الأمي، وهما الأرث والألثغ.
أما من لم يحفظ بالكلية فلا، فتفطن له، فإن كلام ابن الرفعة هنا فيه خلل نبهت عليه في كتاب "الهداية إلى أوهام الكفاية".
قوله: وتكره إمامة التمتام والفأفاء، لما فيه من التطويل، ويصح الاقتداء بهما.
اعلم أن التمتام هو الذي يكرر التاء، وهو بالتاء المثناة.
والفأفاء هو الذي يكرر الفاء وهو بهمزتين بعد كل فاء همزة، وبالمد في آخره على وزن ندمان.
ويقال: فيه فأفأة أيضًا، أي بالتاء في آخره، قاله في "تهذيب الأسماء واللغات".
واعلم أن سائر الحروف في تكرارها بمثابة التاء والفاء في الكراهة للمعنى السابق، ولهذا قال صاحب "البيان": تكره إمامة الوأواء، وهو الذي يكرر الواو.
قوله: وإمامة من يلحن في القراءة مكروهة ثم ينظر إن كان لحنًا لا يغير المعنى كرفع الهاء من "الحمد لله" فتجوز صلاته وصلاة من اقتدى به وإن كان يغير المعنى كقوله: "أنعمت عليهم" أى بضم التاء أو تبطله كقوله: ["المستقين"](1) أى: بالنون، فإن كان يطاوعه لسانه ويمكنه التعلم فيلزمه ذلك فلو قصر وضاق الوقت صلى وقضى، ولا يجوز الاقتداء به، وإن لم يطاوعه لسانه أو لم يمض ما أمكنه التعلم فيه، فإن كان في الفاتحة فصلاة مثله خلفه صحيحة، وصلاة صحيح اللسان خلفه كاقتداء القارئ بالأمي؛ وإن كان في غير الفاتحة صحت صلاته وصلاة من خلفه.
قال الإمام: ولو قيل: ليس [لهذا](2) الذي يلحن في غير الفاتحة أن يقرأ ما يلحن فيه، لأنه يتكلم في صلاته بما ليس من القرآن ولا ضرورة إليه لم يكن بعيدًا. انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: في بيان ابتداء الوقت الذي يمضي فيه إمكان التعلم، فنقول: إن كان الشخص قد طرأ عليه الإسلام فمضى الزمن يعتبر من إسلامه، كما قاله البغوي وغيره.
وإن كان مسلمًا أصليًا فالمتجه اعتباره فيه من سن التميز، لكون الأركان والشرائط لا فرق فيها بين البالغ والصبي، وحينئذ فلا تصح صلاة المميز إذا أمكنه التعلم، وإذا لم تصح صلاته لم يصح الاقتداء به.
الأمر الثاني: أن اللحن المُحيل للمعنى في غير الفاتحة كقوله تعالى:
(1) في أ: المستعين.
(2)
في أ، ب: هذا.
{أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 3] بجر اللام مبطل للصلاة أيضًا، وهذا كله إذا كان قادرًا عالمًا عامدًا.
فأما مع العجز أو الجهل أو النسيان، فإن كان في غير الفاتحة فإنه لا يضر، كما قاله الإمام، وذكر نحوه في "البيان"، لأن الكلام اليسير بهذا الشرط لا يقدح في الصلاة، وإن كان في الفاتحة فتضر لأنها ركن، اللهم إذا تفطن للصواب.
إذا علمت ذلك فالتقسيم الذي ذكره الرافعي غير محرر، لأن قوله: فإن كان في الفاتحة. . . . إلى آخره، يقتضي أن الحكم المتقدم عليه فيما إذا طاوعه لسانه وأمكنه التعلم وهو وجوب التعلم ووجوب القضاء عند ضيق الوقت، وامتناع الاقتداء به عام في الفاتحة وغيرها، وذلك باطل لأن ما زاد على الفاتحة لا يجب تعلمه، ولا يقتضي قوله القضاء ولا [يمنع](1) الاقتداء، وكأنه سقط [منه] (2) شئ بعد قوله:["المستعين"](3) بالنون وأصله، فإن كان يحسن الصواب لم تصح صلاته، ولا الاقتداء به سواء كان في الفاتحة أم في غيرها كقوله تعالى:{أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} (4) بالجر، وإن لم يحسن الصواب فإن كان يطاوعه لسانه ويمكنه التعلم، فإن كان في غير الفاتحة لم يصح أيضًا، وإن كان في الفاتحة فيلزمه ذلك، فلو قصر. . . . إلى آخر ما قال.
قوله: ويجوز اقتداء السليم بسلس البول. انتهى.
السلس هنا بكسر اللام، وهو الشخص؛ وأما بفتحها فهو الحدث.
قوله في "الروضة"، ولو اقتدى [بمن ظَنَّه](5) قارئًا فبان أميًا، وقلنا:
(1) في ب: ينبغي.
(2)
سقط من ب.
(3)
في أ، ب: المستعين.
(4)
سورة التوبة (3).
(5)
سقط من أ.
لا تصح صلاة القارئ خلاف الأمي، قال في "التهذيب": تجب الإعادة، وقال الغزالي: لا إعادة عليه. ووجهه الإمام بأن البحث عن كون الإمام قارئًا لا يجب، لأن الغالب أنه لا يؤم إلا القارئ كما في الطهارة، فإذا بان خلاف الغالب فهو كما لو بان بالحدث؛ قال: وهذا في السِّرِّية، فأما إذا لم يجهر في الجهرية فقد اختلف الأصحاب في وجوب البحث، وما حكاه صاحب "التهذيب" أقرب إلى سياق الأكثرين.
وأما إذا اقتدى بالمجهول في الجهرية فحكاية العراقيين فيه عن نصه في "الأم" وجوب الإعادة، لأن الظاهر أنه لو كان قارئًا يجهر، فلو سَلَّم وقال: أسررت نسيانًا، لم تجب الإعادة، ولكن تستحب. انتهى ملخصًا.
فيه أمران:
أحدهما: أن الإمام لما نقل هذا الخلاف قد ذكر أيضًا ما حاصله أن المعروف وجوب البحث موافقًا للنص فقال: وإن كانت جهرية فالذي ذهب إليه أئمتنا أنه يجب البحث عن حاله، فإن إسراره والصلاة جهرية يخيل أنه لو كان يحسنها لجهر بها، فإن صلى خلفه من غير بحث لم تصح صلاته.
ومن أصحابنا من قال: لا يجب البحث في هذه الصورة أيضًا، فإن الجهر الذي تركه هيئة من هيئات الصلاة فلا أثر له، وللإسرار محتمل آخر سوى جهل القراءة وهو أنه نسي أن الصلاة جهرية فأسر بها.
وعلى هذا يكون الحكم كما [لو](1) كانت سرية. هذا كلام الإمام إذا علمت ذلك فقد أسقط النووي من "الروضة" هذا الوجه واغتر به في "شرح المهذب" فادعى فيه الاتفاق على ذلك فاعلمه.
الأمر الثاني: أن ما ذكره من كونه إذا اقتدى به في الجهرية فأسر، أن الإعادة تجب إلا إذا قال بعد ذلك: أسررت نسيانًا، فإنها تستحب، مشكل
(1) سقط من أ.
يحتاج إلى تصوير، فإن الإسرار إذا كان دليلًا على كونه أميًا موجبًا للقضاء لم تنعقد صلاته إذا نوى الاقتداء بعد علمه، أى: بالإسرار.
وإن علم في أثناء الاقتداء فكذلك أيضًا لاسيما إذا استمر بعد العلم لأن الاقتداء بالأمي لا فرق فيه بين أن [يجهل](1) حاله أو يعلمه.
وحينئذ فإذا ثبت في نفسه أنه قارئ بعد أن منعناه من الاقتداء، لم يفد ذلك شيئًا، نفسه كما في نظيره من الخنثى إذا بان رجلًا، فينبغي حمل المسألة على ما إذا لم يعلم بالإسرار إلا بعد السلام لكونه بعيدًا أو أصمًا ثم بعد أن علم بالإسرار بحث عنه فادعى أنه أسر نسيانًا.
قوله: ولو بان كافرًا وجب القضاء لمعنيين:
أحدهما ذكره الشافعي: أن الكافر لا يجوز أن يكون إمامًا بحال.
والثاني: ذكر الأصحاب [في الكافر](2) أمارات نعرفه بها من الغبار وغيره، [فالمقتدي](3) مقصر بترك البحث.
ثم قال: فإن كان يظهر الإسلام ويخفي الكفر كالزنديق والدهري والمرتد الذي يخفي ردته من القتل، ففي وجوب القضاء وجهان بناهما العراقيون علي المعنيين، إن قلنا بالأول وجب؛ وإن قلنا بالثاني لم يجب؛ والثاني أصح عند صاحب "التهذيب" وجماعة. [انتهى](4).
فيه أمران:
أحدهما: أنه فسر الزنديق في كتاب اللعان بتفسير يخالف هذا، وسأنبه على ذلك في باب الردة إن شاء الله تعالى.
(1) في أ: يحتمل.
(2)
في ب: أن الكافر.
(3)
في أ: فالمقضي.
(4)
سقط من أ، ب.
الثاني: في بيان الأصح من هذين الوجهين، وسياق كلام الرافعي يقتضي رجحان الوجوب، فإن المعنى الذي يقتضيه هو الذي قاله الشافعي، وقد نقله في "الروضة" و"شرح المهذب" عن الجمهور، ونقله الشيخ أبو حامد وغيره عن نص الشافعي.
وقال صاحب "الحاوي": هو مذهب الشافعي، [وعليه](1) أصحابه؛ لكن صحيح الرافعي في "المحرر" و"الشرح الصغير" عدم الوجوب، وصححه النووي في "أصل الروضة" ثم استدرك على الرافعي فقال: هذا هو الأقوى في [الدليل](2)، لكن الجمهور خالفوه.
قوله: ولو اقتدى برجل ثم بان أنه كان على بدنه أو ثوبه نجاسة، فإن كانت خفية فهو كما لو بان الحدث، وإن كانت ظاهرة فقد قال إمام الحرمين: فيه احتمال عندي لأنه من جنس ما يخفى. انتهى كلامه.
وهذه المسألة التي توقف فيها الإمام لم يتعرض لها [في](3)"الشرح الصغير"، ومقتضى كلامه في "المحرر" أن القضاء يجب فيها، فإنه قال: ولا يجب القضاء إذا بان جنبًا أو محدثًا أو مستصحبًا لنجاسة خفية. هذا لفظه.
فشرط في عدم الوجوب أن تكون خفية، وهو كالصريح في إيجابه إذا كانت ظاهرة، وقد تابعه النووي في "المنهاج" على ذلك، وذكر ما يوافقه أيضًا في "تصحيح التنبيه"، فإن الشيخ أطلق وجوب القضاء فيما إذا تبين أن بالإمام مانعًا ما من نجاسة وغيرها، فاستدرك عليه وقال: إنه لا يجب إذا بان عليه نجاسة خفية، ثم خالف ذلك في "التحقيق" فقال: ولو بان على بدن الإمام نجاسة فكمحدث.
(1) في ب: وعامة.
(2)
في أ: القليل.
(3)
في جـ: من.
وقيل: إن كانت ظاهرة فوجهان. انتهى.
فانظر إلى هذا الاختلاف العجيب حيث صحح طريقة القطع بعدم الوجوب في [الظاهرة](1) على العكس مما قدمه فليته مع تصحيحه أنه لا يجب صحح طريقة الوجهين، وذكر في "الروضة" و"شرح المهذب" ما يقتضي موافقة "التحقيق" فإنه قال: قطع صاحب "التتمة" و"التهذيب" وغيرهما بأن النجاسة كالحدث، ولم يفرقوا بين الخفية وغيرها.
وأشار إمام الحرمين إلى أنها إن كانت ظاهرة فتخرج على الوجهين في الزنديق. انتهى.
وبهذا يعلم أن النووي أثبت مقالة الإمام وجهًا، فإنه حكاه في "التحقيق" حكاية الأوجه.
قوله: وإمامة الأعمى صحيحة، وهو والبصير سواء على المذهب عند عامة الأصحاب، وهو المنقول عن نصه في "الأم" وغيره.
والثاني: البصير أولى.
والثالث: الأعمى أولى. انتهى ملخصًا.
ورجح النووي هذا الثالث في كتابه المسمى "بالمنتخب" وهو مختصر "التذنيب" للإمام الرافعي فقال: قلت: الأقوى أنه أولى، واختار في باقي كتبه ما اختاره الجمهور.
قوله: وعد صاحب "الإفصاح" من يقول بخلق القرآن أو [بنفي شئ](2) من صفات الله تعالى كافر، وكذا جعل الشيخ أبو حامد ومتابعوه المعتزلة ممن يكفر والخوارج لا يكفرون، ويحكي القول بتكفير من يقول بخلق القرآن عن الشافعي.
(1) في أ: الطهارة.
(2)
في جـ: ينفي شيئًا.
وأطلق القفال وكثيرون من الأصحاب القول بجواز الاقتداء بأهل البدع فإنهم لا يكفرون.
قال صاحب "العدة": هو ظاهر مذهب الشافعي رضي الله عنه. انتهى كلامه.
قد أعاد رحمه الله المسألة في كتاب الشهادات ونقل أن الجمهور من أصحابنا وغيرهم على عدم التكفير، وبَيَّنَ أن الذين حكوا التكفير عن الشافعي هم العراقيون وزاد على ذلك [ونقل](1) عنهم أنهم حكوا أيضًا عنه تكفير النافين للرؤية، وقيل عن الإمام أنه تأوله فقال: ظنى أنه ناظر بعضهم فألزمه الكفر في الحجاج، فقيل: إنه كفرهم.
وصحح النووي هنا من "زيادات الروضة" و"شرح المهذب" عدم التكفير أيضًا، فقال: إنه الصحيح أو الصواب لأن الشافعي رحمه الله قد قال: أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطَّابية، لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم.
قال: وتأول البيهقي وغيره ما ورد عن الشافعي من التكفير بأن المراد كفر النعم، لا الخروج عن الملة وحملهم على هذ التأويل النص السابق، ولأن السلف والخلف لم يزالوا يُجرون عليهم أحكام المسلمين من مناكحتهم وموارثتهم والصلاة خلفهم، إلا أن النووي في "شرح المهذب" قد جزم بتكفير من يصرح بالتجسيم، ومن ينكر العلم بالجزئيات، وجعل من عداهم مبتدعة، ذكره قبيل الكلام على منع اقتداء الرجل بالمرأة.
فاعلم ذلك فإن كلام "الروضة" هنا وفي الشهادات أيضًا يوهم خلافه بعمومه.
قوله: وفي الأورع مع الأفقه والأقرأ وجهان، قال الجمهور: هما
(1) في أ: وقيل.
مقدمان عليه. . . . إلى آخره.
ذكر مثله في "الروضة" وفيه أمران:
أحدهما: أن المراد بالفقه هنا هو المتعلق بأبواب الصلاة حتى يرجح العفة فيها على الأفقه في أبواب الجنايات مثلًا.
الثاني: أن الرافعي قد نقل عن الشافعي جوابًا يقتضي أن المراد بالأقرأ هو الأحفظ لا الأكثر تلاوة، وهو ظاهر، ولم يذكره في "الروضة"، ويتجه أن يكون الامتياز بقراءة السبع أو بعضها من ذلك أيضًا، ولا شك في عدم اعتبار القراءة المشتملة على لحن يغير المعنى، وفي ما لا يغيره نظر.
قوله: وليس المراد من الورع مجرد العدالة، بل ما يزيد عليه من الفقه وحسن السيرة. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن التعريف الذي ذكره للورع بعيد عن مفهومه غير مبين أيضًا.
والصواب فيه ما ذكره القشيري في "رسالته"، وتابعه عليه النووي في "التحقيق" و"شرح المهذب": أنه عبارة عن اجتناب الشبهات، أى خوفًا من الله تعالى، كما زاده القاضي عياض في "المشارق".
الأمر الثاني: أن الزهد ترك ما زاد على الحاجة وإن كان حلالًا، ليس فيه شبهة، وهو أعلا مرتبة من الورع.
ولم يذكروه من جملة المرجحات، واعتباره ظاهر، حتى إذا اشتركا في الورع، وامتاز أحدهما بالزهد قدمناه.
قوله: ويقدم أيضًا [بالسنن](1)، والمعتبر منه إنما هو الماضي في الإسلام، حتى يقدم شاب نشأ في الإسلام على شيخ أسلم من يوم أو يومين مثلًا. انتهى.
وما أشعر به كلامه من احتياط الشيخوخة مطلقًا قد تابعه عليه في "الروضة"، وهو ممنوع، بل المتجه أنهما إذا أسلما معًا واستويا في الصفات أنَّا نقدم بالشيخوخة، وقد سبق إلى التنبيه عليه المحب الطبري في "شرح التنبيه".
قوله: والهجرة من أسباب التقديم أيضًا، ئم اختلفوا في محل اعتبارها على أقوال:
أحدها: أنها مقدمة على السن والنسب.
والثاني: أنها مؤخرة عنهما.
والثالث: متوسطة، أى بعد السن وقبل النسب، وبعض من توسط عكس. انتهى ملخصًا.
فيه أمران:
أحدهما: أنه لم يصحح أيضًا شيئًا من هذه الأوجه في "الشرح الصغير" ولا في "الروضة"، وصحح النووي في "التحقيق" الوجه الأول.
وقال: في "شرح المهذب": إنه المختار.
الأمر الثاني: ليس فيه ولا في "الروضة" تصريح بالمرجح من الورع مع الهجرة أو السن أو النسب، لكن كلامهما يشعر برجحان الورع على الثلاث، وبه صرح في "الحاوي الصغير".
وعكس الشيخ في "التنبيه" فأخره عنهن وارتضاه النووي في تصحيحه،
(1) في أ: باليقين.
وهو ظاهر ما في "الشامل" وغيره، وبه صرح الروياني في "الحلية"، ولم يتعرض في "المهذب" للورع بالكلية، وهو غريب.
قوله: فإن تساويا في الصفات المذكورة قدم بنظافة البدن والثوب [عن الأوساخ وبطيب الصنعة وحسن الصوت وما أشبهها من الفضائل، قال في "التتمة": يقدم بنظافة الثوب](1) ثم حسن الصوت ثم حسن الصورة. انتهى.
وما قاله صاحب "التتمة" قد جزم به في "الشرح الصغير"، وقال في "شرح المهذب": المختار تقديم أحسنهم ذكرًا بين الناس، ثم أحسنهم صوتًا ثم هيئة؛ فإن تساويا وتشاحا أقرع. انتهى.
وقال في "التحقيق": حسن الذكر ثم نظافة الثوب والبدن وطيب الصنعة والصوت، ثم حسن الوجه.
واستفدنا منه أن النظافتين والطيبين على حد سواء، وأشار الرافعي بقوله: ونحوها، إلى ما سبق من كلامه وكلام غيره وهو حسن الصورة وحسن الذكر وحسن الهيئة، وهي أعم من نظافة الثوب.
قوله: ويقدم مالك الدار على غيره. انتهى.
قال في "البحر": يستثني من ذلك ما إذا وهب السيد عبده دارًا، وقلنا: يملك، فحضر هو والسيد فيها، فإن السيد يقدم.
قوله في "الروضة": ولو اجتمع المعير والمستعير فالأصح أن المعير أولى.
والثاني: المستعير.
ولو حضر السيد وعبده الساكن فالسيد أولى [مطلقًا](2). انتهى.
(1) سقط من أ.
(2)
في جـ: قطعًا.
وما ذكره من دعوى عدم الخلاف ذكره أيضًا في "شرح المهذب"، وليس كذلك، فقد نقل في "الكفاية" عن "تلخيص الروياني" وجهًا أن العبد يُقَدَّم كما في المستعير.
واعلم أن مقتضى إطلاق الخلاف أنه لا فرق في المعير بين أن يكون مالكًا للرقبة أم لا، وهو ظاهر.
قوله: [ولو حضر](1) قوم في مسجد له إمام راتب، فهو أولى من غيره، فإن لم يحضر إمامه أستحب أن يبعث إليه ليحضر، فإن خيف فوات أول الوقت أستحب أن يتقدم غيره. انتهى كلامه.
وما ذكره من استحباب تقديم الغير محله إذا لم يخف فتنة، فإن خيف صلوا فرادى، ويستحب لهم أن يعيدوا معه إن حضر بعد ذلك، هكذا نبه عليه النووي في "زيادات الروضة"، وخالف في "شرح المهذب" فقال: قال الشافعي والأصحاب: إذا خافوا أن يتأذى أو تحصل فتنة انتظره؛ فإن طال الانتظار وخافوا فوات الوقت كله صلوا جماعة. انتهى.
وجزم بمثله أيضًا ابن الرفعة في "الكفاية".
(1) سقط من أ.