الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الجمعة
وفيه ثلاثة أبواب:
الباب الأول في شرائطها
قوله: الشرط الثاني: دار الإقامة، وهي الأبنية التي يستوطنها الناس سواء فيه البلاد والقرى والأسراب التي تتخذ وطنًا. انتهى.
الأسراب بالسين المهملة جمع سرب بفتح السين والراء، وبالباء الموحدة هو بيت تحت الأرض، وهذا إنما يتأتى غالبًا في الأراضي المتحجرة.
قوله: الخامسة: أن يسبق أحدهما ولا يتعين ففيه قولان:
أظهرهما في "الوسيط": يستأنفون الجمعة لأنهما غير مجزئتين.
والثاني: يصلون الظهر لأن إحداهما صحيحة، قال الأصحاب: وهو القياس. انتهى.
والصحيح هو الثاني، فقد اقتصر الرافعي في "المحرر" و"الشرح الصغير" على ترجيحه، وقال النووي في "شرح المهذب"، و"زيادات الروضة": إنه الصحيح الذي عليه الأكثرون.
قوله: وإن نقصوا في الصلاة، ونقص العدد ففيه أقوال:
أصحها: أن الجمعة تبطل.
والثاني: يكفي بقاء اثنان مع الإمام.
والثالث: يكفي واحد.
وهل يشترط أن يكون الواحد أو الاثنان؟ على اختلاف، هذين القولين
على صفات الكمال، قال في "النهاية": الظاهر أنه يشترط، وعن صاحب "التقريب": أنه يحتمل خلافه. انتهى كلامه.
فيه أمور:
أحدها: أن هذا الاحتمال وجه ثابت للأصحاب فقد حكى الماوردي، وغيره في المسألة وجهين.
الثاني: أن الصحيح ما قاله الإمام، كذا صححه النووي في "شرح المهذب" و"الروضة"، ولم ينبه في "الروضة" على أنه من زياداته، بل أدخله في كلام الرافعي فاعلمه.
الثالث: سيأتي أن المفارقة هنا في الركعة الثانية على القولين في المفارقة في سائر الصلوات، لأن الجمعة تدرك بركعة.
والأصح: الجواز فالانفضاض لابد أن يفصل فيه هل هو بإبطال الصلاة أو بالانفراد.
الرابع: أن العدد المعتبر، وهو أربعون لا يتصور انفضاض جميعهم، وبقاء الإمام لأن الصحيح أن الإمام منهم، فتفطن له.
قوله: إحداهما: لو كان إمام الجمعة عبدًا أو مسافرًا، وكانوا أربعين دونه ففي "التهذيب": إن الجمعة تصح.
وقال في "النهاية": إذا قلنا: الإمام معدود من الأربعين فوجهان:
أظهرهما: الصحة، لأن العدد قد تم، وجمعة العبد والمسافر صحيحة.
والثاني: لا تصح، لأنه إذا عُدّ من العدد المعتبر فيجب أن يكون على صفات الكمال.
واعلم أنه لو كان ذلك الخلاف في أن الإمام هل هو واحد من العدد المشروط أم لا؟ لكان هذا البناء واضحًا، ولكن ذلك الخلاف في أنه هل
يشترط أن يكون زائدًا على الأربعين أم يكتفي بأربعين أحدهم الإمام، ولا يلزم من الاكتفاء بأربعين أحدهم الإمام أن يكون الإمام واحدًا من العدد المشروط إذا زاد على الأربعين. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن الأصح هي المقالة الأولى حتى يكون الأصح القطع بالصحة، كذا صححه النووي في "الروضة" ولم ينبه على أنه من زياداته، بل أدخله في كلام الرافعي فتفطن له.
وصححه أيضًا في أول باب صفة الأئمة في " [شرح] (1) المهذب" لكنه نقله عن الرافعي اعتمادًا منه على ما ذكره في أصل الروضة عنه، وهو كثيرًا ما يفعل ذلك.
الأمر الثاني: أن الإمام في "النهاية" نقل هذا البناء عن شيخه، ثم أبطله، وبالغ في إبطاله، وكلام الرافعي يقتضي أنه للإمام، وهذا الإشكال لم يذكره في "الروضة"، وما ذكرته أولًا من أن الصحة مذكورة في "التهذيب" هو الصواب الموجود في أكثر نسخ الرافعي، ويقع في بعضها "المهذب" أي تصنيف الشيخ أبي إسحاق، وهو تحريف.
قوله: الصورة الثانية: لو بان أن إمام الجمعة كان محدثًا أو جنبًا، فإن تم العدد به لم يصح، وإن تم دونه فقولان.
أظهرهما: الصحة، نص عليه في "الأم"، وصححه العراقيون، وأكثر أصحابنا.
والثاني: لا يصح، لأن الجماعة شرط، والإمام غير مصلٍ بخلاف سائر الصلوات فإن الجماعة فيها ليست شرطًا، وغايته أنهم صلوها فرادى، والمنع هنا أقوى منه في مسألة الاقتداء بالصبي، وقال الأكثرون المرجحون
(1) سقط من أ.
للأول: لا يسلم أن حدث الإمام يمنع صحة الجماعة، وينوب حكمها في حق المأموم الجاهل بحاله وقالوا: لا يمنع نيل فضيلة الجماعة في سائر الصلوات ولا غيره من أحكام الجماعة على الأظهر.
قال صاحب "البيان": لو صلى الجمعة بأربعين فبان أن المأمومين محدثون صحت صلاة الإمام، بخلاف ما لو بانوا عبيدًا أو نساءًا، فإن ذلك مما يسهل الاطلاع عليه.
وقياس من يذهب إلى المنع أن لا يصحح جمعة الإمام لبطلان الجماعة. اننهى كلامه.
وما نقله عن صاحب "البيان" وارتضاه، ولكن حاول جريان وجه فيه من قولنا:"إن الجماعة لا تحصل" قد تابعه عليه أيضًا في "الروضة" و"شرح المهذب"، وهو كلام عجيب، نبه عليه أيضًا ابن الرفعة، ولكن في باب صلاة الجماعة فإنه قد تقدم من كلامه في ما إذا بان الإمام محدثًا أن الخلاف مخصوص بما إذا كان الإمام زائدًا على الأربعين، والذي قاله ظاهر، وإلا لزم انعقاد جمعة بما دون الأربعين.
وإذا كان هذا محل هذا الخلاف استحال القول بحصولها للإمام لانتفاء العدد المشروط.
نعم ما ذكره صاحب "البيان" قد أخذه من صاحب "التتمة"، فإنه قد وقع منه ذلك في صلاة الجماعة، وصرح أيضًا بالخلاف الذي حاوله الرافعي بحثًا، ولم يقف على نقله، إلا أنه لم يخصص الخلاف في حدث الإمام لما إذا زاد على الأربعين بل اقتضى كلامه التعميم.
وحينئذ فيكون كلامه في المسألتين منتظمًا من هذا الوجه، وإن كان مشكلًا من جهة فوات العدد، وأما على ما ذكره الرافعي فغير منتظم.
قوله في الكلام على الاستخلاف: ولا يشترط كون الخليفة مقتديًا في
الركعة الأولى، بل يجوز استخلاف المسبوق. انتهى.
وهذا التعبير يوهم أنه لم يتقدم للمسألة ذكر، وقد سبقت قبل هذا الكلام متصلًا به، وكان حقه أن يقول: وإذا استخلف مسبوقًا، ونحو ذلك من العبادات.
قوله: هذا كله -أى استخلاف المسبوق- محله ما إذا عرف المسبوق نظم صلاة الإمام، وإن لم يعرف فقد ذكروا فيه قولين عن حكاية صاحب "التلخيص" وعن الشيخ أبي على أنهما لابن سريج.
فإن جوزنا راقب القوم إذا أتم الركعة إن هموا بالقيام قام، وإلا قعد. انتهى كلامه.
والصحيح هو الجواز، كذا صححه النووي في صلاة الجماعة من كتاب "التحقيق" فقال: إنه الأظهر، ونقله في "شرح المهذب" و"الروضة" من زياداته عن تصحيح الشيخ أبي على فقط، ثم قال في "الروضة". أرجحهما دليلًا أنه لا يصح.
وقال في "شرح المهذب": الأقيس عدم الصحة. ورأيت في "شرح الكفاية" للصيمري الجزم بالجواز أيضًا، وفرع عليه فقال: إنه بالخيار بين أن يقدم من يسلم بهم، وبين أن يقوم فيقضي ما عليه، ثم يسلم بهم إن كان قدر ما يقضيه ركعة. فإن كان أكثر فلا. أي بأن كان في غير الجمعة، أو فيها وكان يصلي الظهر مثلا كالعيد ونحوه، وكان المعني فيه هو التطويل على المأمومين.
قوله: والاستخلاف في الجمعة على القولين في غيرها، لكن لا يستخلف إلا من اقتدى به قبل الحدث، ولا يشترط حضوره للخطبة في أصح القولين، ثم قال ما نصه: فإن كان حضر الخطبة أو لم يحضرها، وجوزنا استخلافه نظر، إن استخلف من أدرك معه الركعة الأولى جاز،
وتمت لهم الجمعة سواء أحدث الإمام في الأولى أم الثانية.
فإن استخلف من أدركه في الثانية قال الإمام: إن قلنا: لا يجوز استخلاف من لم يحضر الخطبة، لم يجز استخلاف هذا المسبوق، وإلا فقولان: أظهرهما وبه قطع الأكثرون: الجواز. انتهى.
ذكر مثله في "الروضة"، وهو غير مستقيم، فإنه فرض المسألة في من لم يحضرها إذا جوزناه، فكيف يحسن أن يفصل بعد ذلك بين أن يجوز ذلك أو يمنعه؟ .
نعم الحكم في النهاية كما ذكره، لكنه جعلها مسألة مستقلة، ولام يذكر هذا التفريع المتدافع.
قوله: فرع آخر: لو أتم الإمام، ولم يتم المأمومون وجوزنا للإمام أن يستخلف، فإن كان في الجمعة لم يجز، لأن الجمعة لا تنشأ بعد الجمعة، والخليفة منشئ.
وإن كانوا في غيرها فوجهان:
أظهرهما: المنع، لأن الجماعة قد حصلت في كمال الصلاة، وهم إذا أتموا فرادى نالوا فضلها. انتهى كلامه.
تابعه النووي في "الروضة" على تصحيح المنع، وعبر بالأصح، ثم ذكر المسألة في صلاة الجماعة من "التحقيق" و"شرح المهذب" على خلاف ما ذكره هنا، فقال في موضعين من "التحقيق": الأصح الجواز. وصححه أيضًا في "شرح المهذب" ثم قال ما نصه: ولا تغتر بما في "الانتصار" لابن عصرون من تصحيح المنع، وكأنه عبر بقول الشيخ أبي حامد في "تعليقه": لعل أصحهما المنع، هذا لفظه، وهو غريب فإنه قد اتفق هو والرافعي في هذا الباب على أن الأصح المنع كما تقدم نقله عنه.
واعلم أن الرافعي قد ذكر في صلاة الجماعة قُبَيل الشرط الخامس المعقود
للموافقة أنه إذا صلى العشاء خلف من يصلي التراويح فسلم الإمام فالأولى أن يتمها منفردًا، فإن أحرم الإمام فاقتدى به فهو أيضًا على القولين في من أحرم منفردًا ثم اقتدى.
وحاصله تصحيح الجواز، وهو مخالف لما قرره في هذا الباب من شرحيه معًا.
قوله: ولو لم يتمكن المزحوم من السجود فأراد أن يخرج عن المتابعة لهذا العذر ويتمها ظهرًا، ففي صحتها قولان، لأنها ظهر قبل فوات الجمعة.
قال إمام الحرمين: ويظهر منعه من الانفراد لأن إقامة الجمعة واجبة، فالخروج منها عمدًا [مع](1) توقع إدراكها لا وجه له. انتهى كلامه.
تابعه عليه في "الروضة" وفيه أمران:
أحدهما: أن الكلام في مسألتين:
إحداهما: الخروج.
والأخرى: إتمامها ظهرًا، ولم يفصح الرافعي عن حكمها، بل نقله بعبارة توهم اشتباه إحداهما بالأخرى وقد أوضح الإمام ذلك، ونقله عنه في "الكفاية" وزاد عليه، فلنذكره ملخصًا فنقول: لم يذهب أحد من الأصحاب إلى انقطاع القدوة بمجرد ذلك، وإن كان محتملًا، واختلفوا في جواز إخراجه نفسه فجوزه جماعة كثيرة منهم الصيدلاني والقاضي الحسين والبغوي، والخوارزمي في "الكافي"، ونقله القاضي الحسين عن نص الشافعي، وهو الذي نقله الإمام لا غير.
ثم توقف فيه فقال: ويظهر عندي منعه، قال: بخلاف غير الجمعة، وعلله بما سبق، وقد صرح الماوردي بحكاية وجه موافق لما مال إليه الإمام.
وأما المسألة الثانية وهي إتمامها ظهرًا، فقد صرح به الإمام فقال: فإن
(1) سقط من أ.
جوزنا له الخروج فخرج وأراد أن يتمها ظهرًا فهل يصح؟ فيه قولان، لأنه ظهر قبل فوات الجمعة. هذا كلامه.
وسبقه إليه القاضي الحسين، وقد ظهر لك أن الرافعي لم ينقل هاهنا إلا بعض كلام الإمام مع مخالفته لنص الشافعي والأصحاب، واقتصاره عليه موقع للعمل به إذا توهم أنه المنقول لا غير.
الأمر الثاني: أن القائل بانتظاره كيف يقول: هل ينتظره قاعدًا أو في الرفع من الركوع إن كان الأول لزم زيادة قعود طويل في غير محله، وهو من المبطلات، وإن كان الثاني لزم تطويل الركن القصير، وهو أيضًا مبطل عند الرافعي والجمهور لاسيما أمره بالعود إليه بعد الهوى.
قوله في "الروضة": فإذا فرغ المأموم من سجوده فللإمام أحوال:
أحدها: أن يكون في القيام فيفتتح المأموم القراءة فإن ركع الإمام قبل إتمامها فهل له حكم المسبوق؟ وجهان:
قلت: أصحهما عند الجمهور له حكمه. انتهى.
وهذا الترجيح الذي ذكره النووي قد ذكره الرافعي عقب هذه المسألة وأشار هنا إلى أنه يأتي أيضًا في هذه المسألة، فتفطن له.
قوله: الحال الثاني: ألا يتمكن [المأموم](1) من السجود حتى ركع الإمام في الثانية فيركع معه وتسقط عنه القراءة في قول يراعي ترتيب صلاة نفسه، فإن قلنا بالأول وهو الراكع معه فخالف وسجد على ترتيب نفسه جاهلًا أو ناسيًا ثم قام بعد السجدتين، وقرأ وركع وسجد فالمفهوم من كلام الأكثرين أنه لا يعتد له بشئ مما يأتي به على غير المتابعة، وإذا سجد الإمام فيسجد سجدتين لتمام الركعة، ولا يكون مدركًا للجمعة، لأن التفريع على
(1) سقط من أ.
القول بأنه مأمور بالمتابعة على كل حال، فكما لا يحسب له السجود والإمام راكع لكون فرضه المتابعة وجب أن لا يحسب، والإمام في ركن بعد الركوع.
وقال الصيدلاني والإمام والغزالي: إذا فعل ذلك فيتم له من الركعتين ركعة ملفقة، فإن ركوعها من الأولى، وسجودها من الثانية.
والأصح: الإدراك بها. انتهى.
وما نقله عن هؤلاء الثلاث قد جزم به في "المحرر" وتبعه عليه في "المنهاج" أيضًا، ويترجح الأول بموافقة الأكثرين.
وقد نقله عنهم أيضًا النووي في "شرح المهذب" وبالغ فيه فقال: قطع صاحب "المهذب" والجمهور بأنه لا يعتد له بذلك. انتهى.
والمتجه كما في "المنهاج" لأنا إنما لم نحسب سجوده والإمام راكع لإمكان متابعته بعد ذلك فيدرك الركعة، ويكون ذلك عذرًا في عدم المتابعة في هذه الحالة، وفي كلامهم شواهد لما ذكرناه.
وأما نقله في "شرح المهذب" عن الأكثرين فالظاهر أنه اعتمد على ما في "الروضة" من أنه المفهوم من كلامهم، لا أنهم صرحوا به.
واعلم أن صورة المسألة ما إذا لم يزل نسيانه أو جهله حتى أتى بالسجود الثاني، فإن زال قبله فعلى المفهوم من كلام الأكثرين تجب متابعة الإمام في ما هو فيه.
قوله في المسألة: وإن قلنا، يراعى ترتيب نفسه، فخالف فرفع، فإن تعمد ذلك بطلت صلاته ويلزمه الإحرام بالجمعة إن أمكنه إدراك الإمام في الركوع.
وإن فعله ناسيًا أو جاهلًا لم يحسب سجوده الأول. انتهى.
ذكر مثله في "الروضة" وفيه أمران:
أحدهما: أن التعبير بالتعمد غير مستقيم، فإن المتعمد قد يكون عالمًا بالحكم، وقد يكون جاهلًا به، ويدل عليه تقسيم مقابله، فينبغي أن يقول: عامدًا عالمًا، وقد اقتصر في موضع آخر من مسألة الزحام على لفظ "العلم" فتفطن له.
الأمر الثاني: أن تقييده وجوب الإحرام بالجمعة بحالة إدراك الإمام في الركوع وقع أيضًا في موضع آخر من المسألة، وهو لا يستقيم، بل يلزمه الإحرام بها ما لم يسلم الإمام، فإن التارك عمدًا يلزمه ذلك على الصحيح كما هو مقرر في موضعه من هذا الباب، لا ما لم يتيقن فوات الجمعة، إذ يحتمل أن الإمام قد نسي القراءة مثلًا فيعود إليها.
قوله: وإذا تخلف بالنسيان فالأكثرون على أنه إن سجد في حال قيام الإمام فحكمه حكم الزحام حتى يجئ فيه القولان في أنه يسعى خلفه أو يحبط ما مضى ويركع معه لأنه معذور.
وقيل: في إلحاقه بالزحام وجهان، وكذا لو تأخر لمرض، وإن لم يسجد، بل استمر على نسيانه حتى ركع الإمام في الثانية، فقيل: إنه كالمزحوم، وبه قال الشيخ أبو حامد.
وقيل: يتبعه قولًا واحدًا لأنه مقصر، فلا يعذر في ترك المتابعة، وهذا هو الأظهر عند الروياني. انتهى ملخصًا.
والطريق الأول هو الصحيح، كذا صححه في "المحرر" و"الشرح الصغير"، واقتصر في "الروضة" على نقل ترجيح الروياني، ولم يذكر اختيار أبي حامد الأول.
قوله من زياداته: قال إمام الحرمين: لو رفع المزحوم رأسه من السجدة الثانية فسلم الإمام قبل أن يعتدل المزحوم ففيه احتمال.
قال: والظاهر أنه مدرك للجمعة. انتهى كلامه.
وهذه المسألة قد ذكرها الرافعي في الحال الرابع في أول المسألة فقال: بخلاف ما لو رفع رأسه من السجود ثم سلم الإمام في الحال، أى فإنه يدرك الجمعة.
قوله: وهل الجمعة ظهر مقصور أم هي صلاة على حالها؟
اختلف قول الشافعي رضي الله عنه في فروع يقتضي اختلافه في هذا الفصل. انتهى.
لم يصحح شيئًا في "الشرح الصغير" أيضًا، والصحيح أنها صلاة على حالها، كذا صححه النووي في "شرح المهذب"، و"زيادات الروضة" ثم قال في الشرح المذكور بعد ذلك: وعبر بعض أصحابنا بعبارة أخرى فقال: في الجمعة والظهر ثلاثة أقوال:
أحدها: كل واحد أصل بنفسه.
والثاني: الظهر أصل، والجمعة بدل، وهو القول بأنها ظهر مقصورة.
والثالث -وهو أصحها- أن الجمعة أصل والظهر بدل، هذا لفظه في "شرح المهذب".
نعم سيأتي بعد هذا بقليل ما يؤخذ منه أن الصحيح عند الرافعي أنها ظهر مقصور.
قوله: ولو شرعوا فيها في الوقت، ووقع بعضها خارج الوقت فاتت الجمعة، ثم قال: لنا أنها عبادة ولا يجوز الابتداء بها بعد خروج وقتها فتنقطع بخروج الوقت كالحج. انتهى كلامه.
وهذا الكلام صريح في أن من فاته الحج يحصل له التحلل بمجرد [الفوات](1)، لكنه قد قال هو وغيره في كتاب الحج: إن صاحب
(1) في أ: القول.
الفوات يتحلل بأفعال العمرة وهي الطواف والسعى والحلق، وهو يخالف المذكور هنا.
والأقرب في تصحيح هذا الكلام أن يقال: أراد بذلك أنه قد حصل له بالفوات التحلل الأول، وهو كذلك، إذا فرعنا على أن الحلق ليس بنسك كما نقله في "شرح المهذب" في موضعه، وعلله بأنه لما فاته الوقوف سقط عنه حكم الرمي فصار كمن رمى، ومن رمى أو طاف تحلل على القول بأن الحلق استباحة محظور.
قوله: وإذا وقعت التسليمة الثانية خارجة عن الوقت لا تبطل الجمعة لأنها غير معدودة من الصلاة، بل من متعلقاتها. انتهى كلامه.
وما ذكره من كون الثانية ليست من الصلاة فقد اختلف فيه كلامه، وكلام النووي.
وقد تقدم إيضاحه في آخر صلاة الجماعة فراجعه.
قوله: فإذا فاتت بعض شرائط الجمعة أتمها ظهرًا إن قلنا: إن الجمعة ظهر مقصور.
وإن قلنا: إنها فرض آخر ففيه وجهان:
أحدهما: نعم، لأنها فرض وقت واحد.
والثاني: لا، لأنه يشرع فيها بنية الجمعة، وعلى هذا فهل تبقى صلاته نفلًا أم تبطل من أصلها؟ فيه القولان في ما إذا تحرم بالظهر قبل الزوال، ونظائره.
والظاهر من الخلاف في المسألة أنه يتمها ظهرًا. انتهى ملخصًا.
واعلم أن الصحيح من هذين الوجهين المفرعين على أنها فرض آخر أنه لا يتمها ظهرًا، كذا جزم به الرافعي في أول الباب، وهذا الترجيح الذي نقلته عنه هنا في آخر كلامه لا ينافيه، لأنه أجاب عن المسألة من حيث هي
لا عن هذين الوجهين [فيحق](1) أن يكون رجحه لكون الراجح عنده أنها ظهر مقصور، فإنه لم يتقدم له ترجيح ينفيه، بل يتعين هذا لعدم الضرورة إلى دعوى تناقض كلامه.
وقد اشتبه ذلك على النووي فظن أن الترجيح الذي قاله الرافعي في آخر المسألة مفرع على أنها فرض آخر، فتفطن لذلك، فإنه موضع مهم.
نعم صححه في "شرح التهذيب" في مواضع فيتمسك في الترجيح بكلامه هناك.
قوله: وفي "النهاية" حكاية وجهين في أنها تنقلب ظهرًا من غير قصد، أم لابد من قصد الانقلاب. انتهى.
وهذان الوجهان نقلهما الرافعي في أول الباب عن صاحب "العدة" ونقل عنه أن الصحيح انقلابها بنفسها، وأقره عليه وصححه أيضًا النووي في "شرح المهذب" وفي أصل "الروضة" هناك، وفي زياداته هنا، قال: وهو مقتضى كلام الجمهور.
قوله: وأركان الخطبة خمسة:
أحدها: حمد الله تعالى.
وثانيها: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ولفظ الحمد والصلاة متعينان.
وحكى في "النهاية" عن كلام بعض الأصحاب أنهما لا يتعينان، ولم ينقله وجهًا مجزومًا به. انتهى كلامه.
وهذا النقل عن الإمام في الحمل صحيح، وأما في [الصلاة](2) فغلط تبعه عليه في "الروضة"، فإن الإمام قد قال ما نصه: وفي بعض التصانيف إطلاق القول باستحقاق الثناء على الله تعالى، وهو مشعر بأن
(1) سقط من أ.
(2)
في أ: الصحيح.
الحمد لا يتعين، بل يقوم غيره مقامه، وهذا لا أعده من المذاهب. هذه عبارته.
وليست الصلاة في ما نقله عنه، بل زاد على هذا فقال عقبه: واتفقت الطرق على أن الصلاة لابد منها، هذا كلامه.
والإمام قد أشار بهذه العبارة إلى الفوراني كما أعلمتك غير مرة، وقد راجعت نسختين من كتاب "الإبانة" له، وهو الذي ينقل منه الإمام عنه فرأيته كذلك فقال: أقل الخطبة خمسة أشياء: الثناء على الله تعالى، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر نحوه في كتابه المسمى "العمد" فثبت غلطه فيما نقله.
قوله في "أصل الروضة": قراءة القرآن ركن على المشهور، وقيل: على الصحيح. انتهى.
خالف في "المنهاج" فجزم بالثاني، وهو أنه وجهان:
قوله: ويشترط كون الخطبة بالعربية في أصح الوجهين، فعلى هذا لو لم يكن فيهم من يحسن العربية خطب بغيرها، ويجب أن يتعلم واحد منهم الخطبة بالعربية، فإن مضت مدة إمكان [التعلم](1) ولم يتعلموا عصوا، وليس لهم الجمعة. انتهى.
وما ذكره من وجوب تعلم العربية على واحد لا على الجميع هو المذكور أيضًا في "التتمة" وغيرها، وبه جزم ابن الرفعة في "الكفاية".
ووقع في "الروضة" بزيادة "كل" فقال: "على كل واحد" وهو غلط، وإن كان له بعض اتجاه من حيث إن الخطاب بلغة لا يفهمها من خوطب مستبعد إذ هو كالعيب.
(1) في أ: النظم.
وأجاب القاضي الحسين بأن الفائدة معرفة كونه يعظمهم.
قوله: وهل يشترط في الخطبة طهارة الحدث، والخبث، فيه قولان: الجديد: نعم.
ثم قال: وقال الإمام: الخلاف مبني على أن الموالاة في الخطبة هل هي شرط أم لا؟
إن قلنا: نعم، فلابد أن يكون متطهرًا لأنه يحتاج إلى الطهارة بعد الخطبة فتختل الموالاة.
وإن قلنا: لا، فلا. انتهى.
أقره الإمام على ما قاله، وفيه أمران:
أحدهما: أن هذا المعنى إنما يأتي إذا كان الخطيب هو الإمام.
أما إذا خطب واحد، وأمَّ آخر، فلا يأتي، مع أنهم لم يخصوا الخلاف بالصورة الأولى، بل هو عام في الصورتين.
الثاني: أن الجمع بين الصلاتين في وقت الأولى يشترط فيه الموالاة، وقد سلم الإمام والجمهور جوازه بالتيمم، لاسيما والتيمم في هذه المسألة يتوقف على الطلب، وكذلك لو أحدث المتوضئ عقب الأولى فتوضأ، ولم يطل الفصل، فإنه يجوز الجمع أيضًا، فدل على أن الطهارة لا تخل بالموالاة.
قوله في المسألة: ثم اختلفوا فقال صاحب "التتمة": إن الخلاف في الحدث يجري في الأصغر والأكبر، وخصه صاحب "التهذيب" بالأصغر، قال: فأما الجنب فلا تحسب خطبته قولًا واحدًا، لأن القراءة شرط، وقراءة الجنب غير محسوبة، وهذا أوضح. انتهى.
وما رجحه الرافعي هاهنا من تخصيص القولين بالأصغر قد خالفه في "المحرر" فجزم بالتعميم، وقد اختلف أيضًا تصحيح النووي في هذه المسألة فجزم في "نكت التنبيه" لما قاله الرافعي هنا وخالف في "الروضة" فقال:
الصحيح أو الصواب ما قاله في "التتمة"، وهو جريان القولين في الحدثين. قال: بل قطع الشيخ أبو حامد والماوردي وآخرون بأنه لو بان لهم بعد الفراغ أن الإمام كان جنبًا أجزأهم، ونقلوه عن نصه في "الأم".
قوله: ويشترط في الإمام أن يسمع أربعين من أهل الكمال، لأن مقصود الخطبة -وهو الوعظ- لا يحصل إلا بالإسماع، وهو رفع الصوت بحيث يسمعون، وكما يشترط في صحة النكاح سماع الشهود للخطبة، فلو رفع صوته قدر ما يبلغ، ولكن كانوا كلهم أو بعضهم صمًا فوجهان:
الصحيح: لا يصح كما لو بعدوا.
والثاني: يصح كما لو حلف لا يكلم فلانًا فكلمه بحيث يسمع فلم يسمع لصممه، فإنه يحنث انتهى. كلامه.
فيه أمور:
أحدها: أن وجوب إسماع الأربعين ذكره الرافعي والنووي في بقية كتبهما، مع أنهما قد صححا أن الإمام محسوب من الأربعين.
وقياسه الاقتصار على تسعة وثلاثين، فإن أرادوا إسماع نفسه، ومنع كونه أصم إذا كانوا أربعين فقط كان بعيدًا، ولا معنى له أيضًا.
الأمر الثاني: أنه قد تلخص مما ذكره الرافعي وجوب الرفع من الإمام، والسماع من المأمومين، والإسماع شامل لهما وبهذا نفاه الله تعالى عند انعقاد السماع فقال:{فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ} (1).
الأمر الثالث: أن ما جزم به من الحنث إذا لم يسمع الصممة قد اختلف فيه كلام النووي، وسأذكر ذلك واضحًا مع بيان ما يفتى به في موضعه إن شاء الله تعالى.
واعلم أن الكلام جميعه إنما هو في إسماع الأركان فقط لا الخطبة
(1) سورة الروم (52).
جميعها فتفطن له، فإن الزائد لا يشترط ذكره فضلًا عن إسماعه.
قوله: وكلم أيضًا سليكًا.
هو بضم السين وفتح اللام.
قوله: وإذا قلنا بالجديد وهو أن الكلام لا يحرم فقال في "التهذيب": ففي رد السلام وجهان: أصحهما: وجوبه.
وقال الإمام: لا يجب، وفي استحبابه وجهان.
وأما التشميت ففي استحبابه الوجهان في رد السلام قاله البغوي.
وذكر المصنف في "الوسيط" أن التشميت يجب، وهو خلاف ما أطبق عليه الأئمة، فإنهم قالوا: التشميت محبوب غير واجب بحال، والوجه تأويله. انتهى ملخصًا.
فيه أمور:
أحدها: أن النووي في "الروضة" لم يصرح أيضًا بتصحيح في مسألة الرد، وقد صحح الرافعي في "الشرح الصغير" أنه لا يجب، بل يستحب.
وصحح النووي في "شرح المهذب" وجوبه، ونقل أعني النووي في "التبيان" تصحيحه عن الأصحاب والفتوى عليه، فإنه ظاهر لفظ الشافعي في "المختصر" وغيره.
الأمر الثاني: أن الرافعي لم يصرح بتصحيح في التشميت، وقد صرح [بتصحيح](1) استحبابه في "الشرح الصغير"، وصححه النووي في "شرح المهذب" وفي أصل "الروضة".
الأمر الثالث: أن ما نقله الرافعي عن "الوسيط" من وجوب التشميت
(1) في أ: بتشميت.
غلط، فقد قال الغزالي في "الوسيط" ما نصه: التفريع إن قلنا: يجب الإنصات، ففي من لا يسمع صوت الخطيب وجهان، لأنه ربما يتداعى إلى كلام السامعين، وعلى وجوب الإنصات لا يسلّم الداخل، فإن سلّم لا يُجاب، وفي تشميت العاطس وجهان، لأنه غير مختار.
وإن قلنا: لا يجب، فيشمت العاطس، وفي رد السلام وجهان لأنه ترك المستحب اختيارًا.
هذا لفظ "الوسيط" وذكر في "البسيط" نحوه أيضًا.
قوله: والخطيب إذا صعد المنبر فينبغي لمن ليس في الصلاة من الحاضرين أن لا يفتتحها، سواء صلى السنة أم لا، ثم قال ما نصه: وأما الداخل في أثناء الخطبة فتستحب له التحية خلافًا لمالك وأبي حنيفة حيث قالا: تكره له الصلاة كما للحاضرين. انتهى.
وما ذكره في آخر كلامه من كراهة الصلاة للحاضرين ذكر مثله في "الشرح الصغير"، ولم يذكره في "الروضة" وهو صريح في أن الحاضرين لا تحرم عليهم الصلاة، بل تكره، ويكون ذلك مبينًا لما أراده أولًا بقوله:"ينبغي" فقد تبعه في "الحاوي الصغير" على عدم تحريمه، وذكر النووي في "شرح المهذب" أن المعروف من مذهب الشافعي هو التحريم، فقال: قال أصحابنا: إذا جلس الإمام على المنبر امتنع ابتداء النافلة، ونقلوا الإجماع فيه.
قال صاحب "الحاوي": إذا جلس الإمام على المنبر حرم على من في المسجد أن يبتدئ صلاة النافلة، وإن كان في صلاة خفف، وهذا إجماع، هذا كلام "الحاوي"، وهو صريح في تحريم الصلاة بمجرد جلوس الإمام على المنبر وأنه مجمع عليه.
وقال البغوي: إذا ابتدأ الخطبة لا يجوز لأحد أن يبتدئ صلاة سواء
كان قد صلى السنة أم لا.
وقال الشيخ أبو حامد: إذا جلس الإمام على المنبر انقطع النفل، فمن لم يكن في صلاة لم يجز أن يبتدئها، فإن كان في صلاة خففها.
وقال المتولي: إذا قلنا: الإنصات سنة، جاز أن يشتغل بالقراءة، وصلاة النفل؛ وإن قلنا: الإنصات واجب، حرم ذلك. هذا كلامه.
والمشهور المنع من الصلاة مطلقًا سواء أوجبنا الإنصات أم لا.
انتهى ما قاله في "شرح المهذب"، وكأنه لم يطلع على مقالة الرافعي، وسببه أنه لم يصرح به في "الروضة"، وهو لا ينقل غالبًا عن الرافعي في الشرح المذكور إلا مما لخصه في "الروضة" ثم إن صاحب "التتمة" لم ينفرد بذلك، بل سبقه إليه شيخه القاضي حسين في تعليقته.
وجزم الصيمري في "شرح الكفاية" بالتحريم بمجرد الرقي فقال: ولا يجوز لمن رأى الإمام يرقى منبره يوم الجمعة أن يبتدئ صلاة نافلة، هذه عبارته.
وقال الشيخ نصر في كتابه المسمى "بالمقصود": ومن كان قاعدًا في المسجد فليس له إذا جلس الإمام على المنبر وأخذ المؤذنون في الأذان أن ينشئ صلاة نافلة، ولا يطيلها، بل يخففها انتهى.
وقد استفدنا من كلامه أن الإطالة كالإنشاء وهي مسألة حسنة فاعلمها، وتلخص أن المشهور هو التحريم.
قوله: وقول الغزالي: وهل يحرم الكلام على من عدا الأربعين؛ يقتضي الجزم بتحريم الكلام على الأربعين، وهو بعيد ومخالف لما نقلوه، أما بعده فلأنه إذا حضر جَمعْ زائدون على الأربعين وهم بصفة الكمال فلا يمكن أن يقال: إن الجمعة تنعقد بأربعين منهم على التعيين حتى يفرض تحريم الكلام عليهم قطعًا، بل الوجه الحكم بانعقادها بهم أو بأربعين لا على التعيين.
وأما مخالفته للنقل فإنك لا تجد إلا إطلاق القولين في السامعين ووجهين في حق غيرهم. انتهى ملخصًا.
وما استند إليه في إبطال كلام الغزالي من المعنى، والنقل قد تابعه عليه في "الروضة"، وهو غريب باطل.
أما الأول: وهو فساد ما أبطل به من جهة المعنى فإن الغزالي لم يوجب السكوت على أربعين منهم على التعيين، بل أوجب سكوت أربعين من الحاضرين، وهو أمر معقول كفروض الكفايات كلها، وحينئذ فإن سكتوا ولا كلام، وإلا أتم المتكلمون كلهم.
وأما الثاني: وهو دعواه أنه مخالف لما نقلوه وأنك لا تجد ذلك فغريب جدًا، فقد صرح به الإمام في "النهاية" مع أن استمداد كلام المنكر وهو الرافعي، والمنكر عليه وهو الغزالي منهم غالبًا فقال بعد فراغه مما قاله الناس: والآن قد حان [أن](1) ننبه على حقيقة المسألة فنقول: كان شيخي وغيره يجعلون الخلاف في وجوب الإنصات خلافًا في وجوب الإسماع، وأنا أقول: من أنكر وجوب الاستماع والإصغاء فليس معه من حقيقة هذه القاعدة شئ، فيجب القطع على مذهب الشافعي بالوجوب، ولو جاز ترك ذلك لما كان في إيجاب حضور أربعين من أهل الكمال معنى وفائدة.
ولو وجب أن يحضروا ويثابوا والإمام رافع صوته، ولا يعتقده ذو بصيرة فيجب القطع بإصغاء أربعين وإسماع الإمام إياهم، وإلا كان قطعًا بمثابة ما لو لم يحضروا، وإذا كان كذلك فنقول: إذا اجتمع في بلده من أهل الكمال مائة ألف مثلًا فيجب الاستماع من أربعين منهم لا بأعيانهم، وفي الباقي ممن أمكن الاستماع منه القولان، ثم قال أيضًا: فنقول: لو تكلم الجميع على وجه انقطعوا به عن السماع خرجوا قطعًا بترك فرض الكفاية، و [لم](2) تتعطل الخطبة، وإن سمعها أربعين صحت الجمعة.
(1) سقط من أ.
(2)
سقط من ب.
ثم في تحريم إقدام آحاد الحاضرين على الكلام القولان. انتهى ملخصًا.
وهو كلام حسن مبين قديم منطبق على ما ذكرنا.
قوله: ولو دخل في أثناء الخطبة صلى السنة وحصلت التحية. انتهى.
ذكر مثله في "الروضة"، ومقتضى إطلاقه أنه يصلي أربع ركعات إما بتسليمة أو بتسليمتين وكلام "التنبيه" ينفيه، فإنه قال: ولا يزيد على تحية المسجد بركعتين، ولفظ الحديث يدل عليه أيضًا، فإن السنة المتقدمة تؤخر وتكون أداء وإنما اغتفرنا ركعتين لأجل التحية.
فإن حمل كلامه على المتأكد وهو ركعتان فلا [إشكال](1).
قوله: وورائها واجبات أخر منها نية الخطبة وفرضيتها، حكى القاضي حسين اشتراط ذلك في كمال الصلاة. انتهى.
نقل عن القاضي أن ذلك تفريع على قولنا: إنها بدل عن الركعتين، وعبر في "الروضة" بقوله: اشترطهما القاضي، وهو غير مطابق، وأيضًا فكلام الرافعي ليس فيه ما يدل على رد ما حكاه القاضي، فإنه حكاه، وسكت عليه، وذكر نحوه في "الشرح الصغير" أيضًا، وكلام النووي في "الروضة" يوهم أن الصحيح خلافه.
قوله: ومنها الترتيب، ذكر صاحب "التهذيب" وغيره أنه واجب، فيبتدئ بالحمد ثم بالصلاة ثم الوصية، وقال صاحب "العدة" وآخرون: لا يجب. انتهى.
جزم الرافعي في "المحرر" بالاشتراط، وصححه أيضًا في "الشرح الصغير"، وصحح النووي في كتبه عدم الوجوب، ونقله الماوردي في "الحاوي" عن نص الشافعي في "المبسوط"، والروياني في "البحر" عن
(1) سقط من أ.
نصه في "الأم"، فلتكن عليه الفتوى.
واعلم أن النووي في "الروضة" و"المنهاج" وغيرهما صرح بأن الترتيب شرط، وجعله هو وغيره ركنًا في الوضوء والتيمم والصلاة، ويأتي مثله أيضًا في القيام.
قوله: ومن السنن أن يسلم على من عند المنبر إذا انتهى إليه، ثم إذا صعد وأقبل عليهم بوجهه سلم. انتهى.
ذكر مثله في "الروضة" وفيه قصور، نبه عليه في "شرح المهذب" وحاصله أنه يستحب إذا دخل المسجد أن يسلم لأجل إقباله، فإذا انتهى إلى المنبر سلم ثانيًا لأنه يريد مفارقتهم، ثم إذا صعد سلم للإقبال عليهم ثانيًا.
قوله: وقول "الوجيز": ويديم الإمام الجلوس إلى فراغ المؤذن من الأذان، وحد لفظ المؤذن يمكن حمله على ما حكى في "البيان" عن صاحب "الإفصاح" والمحاملي أن المستحب أن يكون المؤذن للجمعة واحدًا، وفي كلام بعض أصحابنا، ما يشعر باستحباب التعدد. انتهى كلامه.
تابعه عليه في "الروضة" وفيه أمور:
أحدها: أن نقله استحباب الواحد عن هذين فقط غريب، فقد نص عليه الشافعي في "الأم" كما نقله عنه الشيخ أبو حامد في "التعليق" فقال ما نصه: والأذان المسنون هو أن يؤذن حين يجلس الإمام على المنبر، فإن أذن مؤذن قبل هذا الأذان أو أذن بين يدي المنبر جماعة كرهته وأجزأه، انتهى كلام الشافعي.
ونقله عنه أيضًا البندنيجي والمحاملي وغيرهما.
الثاني: أن حمل التعبير الواقع في كلام الغزالي على ذلك غير مستقيم
لأنه في "الوسيط" قد عبر بذلك بعد تعبيره بالجميع فقال ما نصه: ويؤذن المؤذنون بين يديه، ثم قال: فإذا فرغ المؤذنون قام الخطيب. هذا لفظه.
فبطل إرادة هذا المعنى، ودل على أنه أراد الجنس.
الثالث: أن ما نقله من إشارة بعضهم باستحباب التعدد فقد أشار إليه الشافعي في "البويطي" فقال ما نصه: النداء يوم الجمعة هو الذي يكون والإمام على المنبر يكون المؤذنون يستفتحون على المنارة جملة حين يجلس الإمام على المنبر حتى يستمع الناس فيأتون إلى المسجد. انتهى.
قال في "التتمة": ولو أذن المؤذن في موضع بعيد عن الإمام، ولم يؤذن بين يديه، أو أذن بين يديه لكن الإمام لم يشتغل بالخطبة عقبه لم يكن المؤذن آتيًا بالسنة، وكذا في تعليق القاضي الحسين.
قوله في الخطبة: إن المستحب أن لا تكون مؤلفة من الكلمات المبتذلة، ولا من الغريبة الوحشة.
اعلم أن المبتذلة بالباء الموحدة قبل التاء المثناة، وبالذال المعجمة هي التي كثر استعمالها وألفت والوحش هو الغريب.
قال الجوهري: حوشى الكلام وحشيه وغريبه. هذا لفظه.
قوله: وثانيهما يقبض السيف ونحوه، ولم يتعرض الأكثرون لذلك، وذكر في "التهذيب" أنه يقبضه باليسرى. انتهى.
وقد تعرض له القاضي حسين أيضًا، وذكر كما ذكر في "التهذيب" وكذلك الخوارزمي في "الكافي".
قوله من "زياداته": يكره في الخطبة أمور ابتدعها الجهلة منها: الدق على درج المنبر، والدعاء إذا انتهى صعوده قبل أن يجلس، ومنها: المجازفة في أوصاف السلاطين.
فأما أصل الدعاء للسلطان فقد ذكر صاحب "المهذب" وغيره أنه مكروه، والاختيار أنه لا بأس به. انتهى.
وأما ما ذكره في الدق فقد أفتى الغزالي باستحبابه وعلله بأن فيه تنبيهًا للسامعين.
وأما الدعاء فقد نص أبو بكر الفارسي البيضاوي صاحب كتاب "التبصرة" على استحبابه فقال: ينبغي للخطيب أن يقف على كل مرقاة وقفة خفيفة يسأل الله تعالى فيها المعونة والتسديد، كذا نقله عنه ابن الصلاح في "طبقاته" التي لخصها النووي، ولعله في غير "التبصرة" فقد راجعت نسختين من الكتاب المذكور فلم أجده فيها، ثم راجعت كتاب "الأدلة على الكتاب" وهو له أيضًا فلم أجده.
وأما الدعاء فقد ذكر الشاشي في "الترغيب" أنه لا يجب، ولا يستحب، وهو يوافق ما قاله النووي بحثًا.
قوله من "زياداته": وذكر صاحب "العدة"، "والبيان" أنه يستحب للخطيب إذا وصل المنبر أن يصلي تحية المسجد ثم يصعد، وهذا الذي قالاه غريب وشاذ مردود، فإنه خلاف ظاهر المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة. انتهى.
والذي قاله النووي غريب ضعيف نقلًا وبحثًا، أما بحثًا فلأنه داخل للمسجد فتستحب له التحية وقياسًا على غيره أيضًا، وعدم النفل لا يدل على العدم، فإن الترك قد يكون للعلم بالشئ لأدلة خارجة.
وأما نقلًا فإن الموجود لأئمة المذهب هو استحبابه، وصرح به منهم الشيخ أبو حامد في "التعليق" والبندنيجي في "تعليقه" الذي قال في خطبته إنه تهذيب المذهب، والروياني في "البحر" وسليم الرازي في "المجرد" والجرجاني في كتبه "التحرير" و"الشافي" و"البلغه"، وصاحب
"الاستقصاء"، وكذلك صاحب "العدة" و"البيان" كما تقدم.
ونقل القمولي شارح "الوسيط" أن الشيخ عز الدين بن عبد السلام كان يصليها لما ولى خطابة الجامع العتيق بمصر.
فهذه نقول متظافرة على استحبابها، ويؤيده أنه في "شرح المهذب" لم ينقل ذلك عن أحد مع تتبعه فيه للنقول، فيقال للشيخ محي الدين من الذي نص على عكسه حتى تطلق القول بأن ما قالاه شاذ غريب، وكلامه هنا يقتضي أنه لم يرَ استحبابها إلا لهذين المتأخرين صاحب "البيان" و"العدة".
نعم في "الحاوي" للماوردي أنها لا تستحب.