الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صدقة الخلطاء
وفيه فصول:
الفصل الأول: في حكم الخلطة
قوله: ثم الخلطة قد تكثر الزكاة كما لو كان جملة المال أربعين من الغنم يجب فيها شاة، ولو انفرد كل بنصيبه لم يجب شئ، وقد يقال. . . . إلى آخره.
اعلم أن الخلطة قد توجب الزكاة، وقد تكثرها، وقد تقللها، وهذا المثال الذي ذكره الرافعي مثال لإيجاب الزكاة لا لتكثيرها، فإنها لم تجب على واحد منهما قبل الخلطة حتى يقال: كثرت بها. بل الخلطة هى الموجبة والصواب أن تمثل الكثرة بما إذا خلط مائة شاة وشاة بمثلها، فإنه يجب على واحد شاة ونصف، ولو انفرد لزمه شاة فقط.
وكذلك إذا خلط خمسًا وخمسين بقرة بمثلها لزم كل واحد مسنة ونصف تبيع، ولو انفرد كفاه مسنة، وقد وقع في "الروضة" هنا بعض تغيير لكلام الرافعي.
قوله: وأما شروط خلطة الجوار فأربعة متفق عليها منها اتحاد المشرب بأن يسقي غنمها من ماء واحد نهر أو عين أو بئر أو حوض أو مياه متعددة حيث لا يختص غنم أحدهما بالشرب من موضع، وغنم الآخر من غيره. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن ما حكاه من الاتفاق في الشرب ليس كذلك، ففي "البحر" وجه أنه إن لم يكن بين المنهلين مسافة فهما كالمنهل الواحد.
الأمر الثاني: أنه يشترط أيضًا شرطان عدم التمييز في الموضع الذي تجتمع فيه إذا أريد سقيها والذي تنحى إليه إذا شربت ليشرب غيرها، ذكره
المتولي في "التتمة"، وهو في المعنى نظير المسرح وهو الموضع الذي تجتمع فيه لتستاق إلى المرعى وقد شرطه الرافعي.
الشرط الثاني: أن يكون الذهاب من الموضع الذي تجتمع عند خروجها، وهو المسمى بالمسرح إلى أن تصل إلى المرعى واحد، كذا جزم به النووي في "شرح المهذب".
قوله: ومنها اشتراك المالك في الراعى، حكى المصنف وشيخه فيه وجهين:
أظهرهما: أنه يشترط. ويجوز أن يعلم كلامه بالواو لأن كثيرًا من الأصحاب نفوا الخلاف في اشتراطه. انتهى.
لم يصرح بالأصح من هاتين الطريقتين، وإن كان كلامه ربما يؤخذ منه رجحان طريقة القطع، لكون القائلين بها أكثر عددًا.
والأصح عند الرافعي طريقة الوجهين، كذا صححها في "الشرح الصغير"، وجزم بها في "المحرر".
وأما النووي فاختلف كلامه، فذكر في "شرح المهذب" أن الأكثرين على القطع باشتراطه، ولم يخالفهم.
وجزم في "المنهاج" بطريقة الوجهين، وكذلك في "الروضة" أيضًا، ونسى طريقة القطع فأسقطها من كلام الرافعي، فتوجه على "الروضة" ثلاث اعتراضات المناقضة والإسقاط وتصحيح ما لم يصححه الرافعي، بل في كلامه إشعار برجحان خلافه.
قوله: ومنها الاشتراك في الفحل، وفيه وجهان كما في الراعي:
أظهرهما -ولم يذكر الجمهور سواه: أنه يعتبر.
والمراد أن تكون الفحول مرسلة بين ماشيتها لا يختص أحدهما بفحل سواء كانت الفحول مشتركة أو مملوكة لأحدهما أو مستعارة.
وفيه وجه يشترط أن تكون مشتركة بينهما. انتهى.
فيه أمور:
أحدهما: أن اتخاذ الفحول محله إذا كانت الماشية من نوع واحد، فإن اختلفت كالضأن والمعز، لم يشترط ذلك لأن فحل كل واحد منهما لا ينزو على غنم الآخر، كذا جزم به النووي في "شرح المهذب"، وزاد فقال: لا خلاف فيه للضرورة كما لو خلط ذكورًا بإناث وكلام ابن الرفعة يوهم جريان خلاف فيه، وليس كذلك كما أوضحته في "الهداية".
الأمر الثاني: أنه قد تلخص مما قاله أن الجمهور على القطع لا على إثبات الوجهين، وقد خالف "المحرر" و"الشرح الصغير" فجزم بطريقة الوجهين وقد تبعه النووي على هذا الاختلاف، وعبر بلفظ هو أصح من لفظ الرافعي فقال في "المنهاج": وكذا الراعي والفحل في الأصح.
وقال في "الروضة": السادس اتخاذ الفحل، والمذهب أنه شرط، وبه قطع الجمهور.
وقيل: وجهان [أصحهما](1) اشتراطه. هذا لفظه، وذكر مثله في "شرح المهذب".
الأمر الثالث: أن حاصل كلامه في حكاية الوجه المذكور آخرًا أنه لا يكفي المستعار ولا المملوك لأحدهما. وهو غلط، تابعه عليه في الروضة وغيرها.
ويوضح الغلط عبارة الإمام فإنه ذكر أن بعضهم يشترط الاشتراك في الراعي على معنى أنه لا يختص راعٍ برعاية غنم أحد الخليطين، بل إن اتخذ الراعي راعي المالين، وإن تعدد راعي كل واحد جميعه على العادة. ثم ذكر الفحل فقال ما نصه: فذهب بعضهم إلى أنه يجب أن يكون مشتركًا
(1) سقط من أ.
بين الخليطين، وقال: إن كان مملوكًا فليكن مشتركًا، وإن لم يكن مملوكًا يجب أن يشتركا في استعارته، وإن تعدد الفحل فالمطلوب الاشتراك كما ذكرناه في الراعي. انتهى كلامه.
فعبر بعضهم بالمشترك، ولم يوضحه كما أوضحه الإمام فقلده فيه الرافعي، وإلا فأى فرق بين المملوك والمستعار والموقوف مع اشتراكهما في المعنى.
قوله: أما موضع الحلب فلابد من الاشتراك فيه، فلو حلب هنا ماشيته في أهله وذاك ماشيته في أهله فلا خلط. انتهى.
تابعه عليه النووي في أكثر كتبه "كالروضة" و"شرح المهذب" وخالف في "تهذيب الأسماء واللغات" مخالفة عجيبة، فإنه جزم بعدم الوجوب، وزاد فادعى نفي الخلاف فقال في باب الحاء ما نصه: المحلب المذكور في زكاة الخلطة هو بفتح الميم وهو موضع الحلب، وهذا لا يشترط الاتخاذ فيه في ثبوت الخلطة بلا خلاف.
وأما المحلب بكسر الميم فهو الإناء الذي يحلب فيه وفي اشتراط الإيجاد فيه لثبوت الخلطة وجهان:
أصحهما: لا يشترط. هذا لفظه.
وقد عبر النووي في "تحرير التنبيه" وتصحيحه بقوله: الأصح اشتراطه.
قال في "الكفاية": وظاهر كلام النووي يفهم خلافه فيه حيث عبر بالأصح. انتهى.
وهذا الوجه الذي حاول ابن الرفعة إثباته، ولم يقف على التصريح به، قد صرح به الروياني في "البحر".
قوله: كما يخلط المسافرون أزوادهم، وفيهم الزهيد والرغيب. انتهى.
أما الزهيد -أي بالزاي المعجمة- فهو القليل.
قال الجوهري: والزهيد: القليل، يقال: رجل زهيد الأكل. هذا لفظه.
وحينئذ فتعبير الرافعي لابد فيه من تقدير لأن الزهيد هو القليل، والمراد هنا قلة خاصة، وهي قلة الأكل.
وأما الرغيب فهو الواسع الجوف. قاله الجوهري: قال: ويقول: حوض رغيب وسقاء رغيب، أي بالراء المهملة، والغين المعجمة.
قوله: لا خلاف عندنا في تأثير الخلطة في المواشى وأما غيرها ففيه أربعة [أقوال](1): أصحها عند الأكثرين ثبوتها أيضًا لأنهما يرتفعان باتخاذ الجرين والناطور والدكان والحارس والمتعهد، وكذا البيت والنهر الذي يسقي منه، وغير ذلك.
وثانيها: لا.
وثالثها: تثبت خلطة الشيئين دون الجوار.
ورابعها: لا تثبت خلطة الجوار في النقدين وأموال التجارة، وتثبت فيهما خلطة الشيوع.
وأما الثمار والزروع فتثبت فيها الخلطتان جميعًا.
وصورة ذلك بأن يكون لكل واحد صنف نخيل أو زرع في حائط، أو كيسان من الدراهم في صندوق واحد أو متعة تجارة في جرابه واحدة. انتهى ملخصًا.
فيه أمور:
أحدهما: أن هذا القول الرابع هو خلاصة طريقة نقلها الرافعي عن
(1) سقط من أ.
القفال وجماعة، فأسقطها في "الروضة" وسبب غلطه ذهول وقع أيضًا للرافعي فإنه في آخر الكلام عبر بقوله: واعلم أنا حيث أثبتنا الخلاف وتركنا الترتيب حصلت ثلاثة أقوال. هذه عبارته، فقلده فيه المصنف فحصل ما حصل.
الأمر الثاني: أن ما قاله الرافعي من نفي الخلاف في المواشي قد تبعه عليه في "الروضة" أيضًا، وليس كذلك، فقد تقدم في أول الباب أن الحناطي حكى وجهًا أن خلطة الشيوع لا تؤثر فيها أيضًا.
الأمر الثالث: أن هذه الشروط التي ذكرها الرافعي على سبيل التعليل قد صرح أيضًا في "المحرر" باشتراطها فقال: ويشترط أن لا يتميز الماء لأن في الناطور والجرين والدكان والحارس ومجان الحفظ ونحوها. هذه عبارته.
وذكر مثله في "المنهاج"، ولم يتعرض في "الروضة" لشئ من ذلك بالكلية لا شرطا ولا تعليلًا، وقد ذكرها في "شرح المهذب" فقال: والارتفاق هنا موجود باتخاذ الجرين والبندر والماء والحراث والناطور والحارس والدكان والميزان والوزان والكيال والحمال والمتعهد وجذاذ النخل وغير ذلك. هذا كلامه.
وصرح في "الكفاية" باللقاط وكذا بالملقح، وإن كان الملقح قد يدخل في المتعهد، وصرح أيضًا في أموال التجارة في النقاد والمنادي والمطالب بالأثمان، ونقله عن البندنيجي.
تنبيه:
الجرين بجيم مفتوحة موضع تجفيف الثمار، وقيل غير ذلك.
قال النووي في "دقائقه": وقال الثعالبي: الجرين يكون للزبيب خاصة.
والبندر: بفتح الباء الموحدة للحنطة.
والمربد: بميم مكسورة وراء مهملة ساكنة لثمر النخيل وهو التمر.
وأما الناطور: فهو حافظ النخل والشجر، وطاؤه مهملة وحكي إعجامها، وقيل بالمهملة كحافظ الكرم.
وأما بالمعجمة فللحافظ مطلقًا.
وأما لفظ الصف ففي بعض النسخ بفتح الصاد كما في قوله تعالى: {يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} (1)، وفي بعضها بكسر الصاد، وبعدها نون، وهو المذكور في "تهذيب البغوي"، ومنه أخذ الرافعي وهو أحسن.
قوله: ومنها لو وقف أربعين شاة على جماعة معينين إن [قلنا](2): الملك في الموقوف لا ينتقل إليه فلا زكاة وإن قلنا: يملكونه، فوجهان:
الأصح: لا زكاة أيضًا لضعف ملكهم. انتهى.
ذكر في "الروضة" نحوه وهو توهم جواز إخراج الزكاة من عين الموقوف، وليس كذلك، بل يجب الإخراج من غير رعاية لحق الوقف كذا رأيته في كتاب "القولين والوجهين" للمحاملي.
وحينئذ فيبقى نظير المرهون، وقد صرح الرافعي بأنه لا يخرج منه إذا ملك غيره.
(1) سورة الصف (4).
(2)
سقط من ب.